فتاوى
سماحة آية الله العظمى
السيد علي الحسيني السيستاني ( دام ظله )



وجوب الحج
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
  وبعد :
  يجب الحج على كل مكلف جامع للشرائط الآتية، ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة القطعية.
  والحج ركن من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وتركه ـ مع الإعتراف بثبوته ـ معصية كبيرة ، كما أن إنكار أصل الفريضة ـ إذا لم يكن مستنداً إلى شبهة ـ كفر.
  قال الله تعالى في كتابه المجيد : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ).
  وروى الشيخ الكليني ـ بطريق معتبر ـ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : من مات و لم يحج حجة الإسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهودياً أو نصرانياً.
  وهناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحج والإهتمام به لم نتعرض لها طلباً للاختصار ، وفيما ذكرناه من الآية الكريمة والرواية كفاية للمراد.
  واعلم أن الحج الواجب على المكلف ـ في أصل الشرع ـ إنما هو مرة واحدة ، و يسمى ذلك بـ (حجة الإسلام) .
  مسألة (1) : وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري، فيلزم الإتيان به في العام الأول للاستطاعة، فإن تركه فيه ففي العام الثاني وهكذا.
  ولكن في كون فوريته شرعية ـ كما لعله المشهور ـ أو عقلية من باب الإحتياط ـ لئلا يلزم الإخلال بالواجب من دون عذر فيستحق عليه العقاب ـ وجهان : أحوطهما الأول، وأقواهما الثاني ، فإذا لم يبادر إليه من دون الوثوق بإتيانه بعد ذلك كان متجرّياً إذا أتى به من بعد، وعاصياً ومرتكباً للكبيرة إذا لم يوفق له أصلاً.
  مسألة (2) : إذا وجب الخروج إلى الحج وجب تحصيل مقدماته وتهيئة وسائله على وجه يتمكن من إدراكه في وقته، ولو تعددت الرفقة ووثق بإدراك الحج لو خرج مع أي منها تخير ، وإن كان الأولى أن يختار أوثقها إدراكاً.
  ولو وجد واحدة يثق بإدراك الحج معها، لم يجز له التأخير في الخروج إلا مع الوثوق بحصول أخرى، وتمكنه من المسير وإدراك الحج معها ايضاً.
  وهكذا الحال في سائر خصوصيات الخروج، ككونه من طريق البر أو الجو أو البحر ونحو ذلك.
  مسألة (3) : إذا حصلت الإستطاعة ووجبت المبادرة إلى اداء الحج في عام حصولها فتأخر في الخروج للوثوق بإدراكه مع التأخير أيضاً، ولكن اتفق أنه لم يدركه بسبب ذلك، كان معذوراً في تأخيره ، ولا يستقر عليه الحج على الأظهر.
  وهكذا الحال في سائر موارد حصول العجز عن إدراك الحج بسبب الطوارئ و المصادفات الخارجية من دون تفريط منه.

شرائط وجوب حجة الإسلام
الشرط الأول : البلوغ
  فلا يجب الحج على غير البالغ، وإن كان مراهقاً ، ولو حج الصبي لم يجزئه عن حجة الإسلام وإن كان حجه صحيحاً على الأظهر.
  مسألة (4) : إذا خرج الصبي إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات وكان مستطيعاً ـ ولو من موضعه ـ فلا إشكال في أن حجه حجة الإسلام.
  وإذا أحرم فبلغ بعد إحرامه قبل الوقوف بالمزدلفة أتم حجه وكان حجة الإسلام أيضاً على الأقوى.
  مسألة (5) : إذا حج ندباً معتقداً بأنه غير بالغ ، فبان بعد أداء الحج أو في أثنائه بلوغه ، كان حجه حجة الإسلام فيجتزئ به.
  مسألة (6) : يستحب للصبي المميز أن يحج ، ولكن المشهور أنه يشترط في صحته إذن الولي، وهو غير بعيد .
  مسألة (7) : لا يعتبر إذن الأبوين في صحة حج البالغ مطلقاً.
  نعم ، إذا أوجب خروجه إلى الحج المندوب أذية أبويه أو أحدهما شفقة عليه من مخاطر الطريق مثلاً لم يجز له الخروج.
  مسألة (8) : يستحب للولي إحجاج الصبي غير المميز ـ وكذا الصبية غير المميزة ـ و ذلك بأن يلبسه ثوبي الإحرام ويأمره بالتلبية ويلقنه إياها ـ إن كان قابلاً للتلقين وإلا لبى عنه ـ ويجنبه عما يجب على المحرم الاجتناب عنه ، ويجوز أن يؤخر تجريده عن ألمخيط وما بحكمه إلى فخ ـ إذا كان سائراً من ذلك الطريق ـ و يأمره بإلاتيان بكل ما يتمكن منه من أفعال الحج، وينوب عنه فيما لا يتمكن ، ويطوف به ، ويسعى به بين الصفا والمروة ، ويقف به في عرفات والمشعر ، و يأمره بالرمي إن قدر عليه ، وإلا رمى عنه، وكذلك صلاة الطواف ، ويحلق رأسه ، وكذلك بقية الأعمال.
  مسألة (9) : لا بأس بأن يحرم الولي بالصبي وإن كان نفسه مُحلاً.
  مسألة (10) : الأظهر أن الولي الذي يستحب له إحجاج الصبي غير المميز هو كل من له حق حضانته من الأبوين أو غيرهما بتفصيل مذكور في كتاب النكاح.
  مسألة (11) : نفقة حج الصبي فيما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي.
  نعم ، إذا كان حفظ الصبي متوقفاً على السفر به ، أو كان السفر مصلحة له، كانت نفقة أصل السفر في ماله لا نفقة الحج به لو كانت زائدة عليه.
  مسألة (12) : ثمن هدي الصبي غير المميز على الولي، وكذا كفارة صيده، وأما الكفارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فالظاهر أنها لا تجب بفعل الصبي ـ وإن كان مميزاً ـ لا على الولي ولا في مال الصبي.
الشرط الثاني : العقل
  فلا يجب الحج على المجنون، نعم إذا كان جنونه أدوارياً ووفى دور إفاقته بالإتيان بمناسك الحج ومقدماتها غير الحاصلة، وكان مستطيعاً ، وجب عليه الحج وإن كان مجنوناً في بقية الأوقات، كما أنه لو علم بمصادفة دور جنونه لأيام الحج دائماً وجبت عليه الاستنابة له حال إفاقته.

الشرط الثالث : الحرية
الشرط الرابع : الإستطاعة
  ويعتبر فيها أمور
  الأول : السعة في الوقت، ومعنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب إلى الأماكن المقدسة والقيام بالأعمال الواجبة فيها.
  وعليه، فلا يجب الحج إذا كان حصول المال أو توفر سائر الشرائط في وقت لا يسع للذهاب إليها وأداء مناسك الحج، أو أنه يسع ذلك ولكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة.
  وحكم ذلك من حيث وجوب التحفظ على المال إلى السنة القادمة وعدمه يظهر مما يأتي في المسألة 39.
  الثاني : صحة البدن وقوته، فلو لم يقدر ـ لمرض أو هرم ـ على قطع المسافة إلى الأماكن المقدسة، أو لم يقدر على البقاء فيها بمقدار أداء أعمالها لشدة الحر مثلاً، أو كان ذلك حرجياً عليه، لم يجب عليه الحج مباشرة ، ولكن تجب عليه الاستنابة على ما سيجيء تفصيله في المسألة 63.
  الثالث : تخلية السرب، ويقصد بها أن يكون الطريق مفتوحاً ومأموناً، فلا يكون فيه مانع لا يمكن معه من الوصول إلى الميقات أو إلى الأراضي المقدسة، و كذا لا يكون خطراً على النفس أو المال أو العرض، وإلا لم يجب الحج.
  هذا في الذهاب، وأما الإياب ففيه تفصيل يأتي نظيره في نفقة الإياب في المسألة 22.
  وإذا عرض على المكلف بعد تلبسه بالإحرام ما يمنعه من الوصول إلىالأماكن المقدسة من مرض أو عدو أو نحوهما فله أحكام خاصة ستأتي إن شاء الله تعالى في بحث المصدود والمحصور.
  مسألة (13) : إذا كان للحج طريقان أبعدهما مأمون والأقرب غير مأمون لم يسقط وجوب الحج، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون وإن كان أبعد.
  نعم ، إذا استلزم ذلك الدوران في البلاد كثيراً بحيث لا يصدق عرفاً أنه مخلى السرب، لم يجب عليه الحج.
  مسألة (14) : إذا كان له في بلده مال يتلف بذهابه إلى الحج، وكان ذلك مجحفاً بحاله، لم يجب عليه الحج.
  وإذا استلزم الإتيان بالحج ترك واجب أهم من الحج ـ كانقاذ غريق أو حريق ـ أو مساوٍ له ، تعين ترك الحج والإتيان بالواجب الاهم في الصورة الأولى، ويتخير بينهما في الصورة الثانية، وكذلك الحال فيما إذا توقف أداء الحج على ارتكاب محرم كان الاجتناب عنه أهم من الحج أو مساوياً له.
  مسألة (15) : إذا حج مع استلزام حجه ترك واجب أهم أو ارتكاب محرم كذلك ، فهو وإن كان عاصياً من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام، إلا أن الظاهر أنه يجزئ عن حجة الإسلام إذا كان واجداً لسائر الشرائط، ولا فرق في ذلك بين من كان الحج مستقراً عليه ومن كان أول سنة إستطاعته.
  مسألة (16) : إذا كان في الطريق عدو لا يمكن دفعه إلا ببذل المال له، فإن كان بذله مجحفاً بحاله لم يجب عليه ذلك ، وسقط وجوب الحج، وإلا وجب.
  نعم ، لا يجب بذل المال لأجل استعطافه حتى يفتح الطريق ويخلي السرب.
  مسألة (17) : لو انحصر الطريق بالبحر مثلاً ، واحتمل في ركوبه الغرق أو المرض أو نحوهما احتمالاً عقلائياً ، أو كان موجباً للقلق والخوف الذي يعسر عليه تحمله ولا يتيسر له علاجه ، سقط عنه وجوب الحج ، ولكن لو حج مع ذلك صح حجه على الأظهر.
  الرابع : النفقة، ويعبر عنها بالزاد والراحلة ، ويقصد بالزاد : كل ما يحتاج إليه في سفره من المأكول والمشروب وغيرهما من ضروريات ذلك السفر، و يراد بالراحلة : الوسيلة النقلية التي يستعان بها في قطع المسافة، ويعتبر فيهما أن يكونا مما يليق بحال المكلف، ولا يشترط وجود أعيانهما، بل يكفي وجود مقدار من المال ( النقود أو غيرها ) يمكن أن يصرف في سبيل تحصيلهما.
  مسألة (18) : يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة إليها، لا مطلقاً ولو مع عدم الحاجة، كما إذا كان قادراً على المشي من دون مشقة ولم يكن منافياً لشرفه.
  مسألة (19) : العبرة في الزاد والراحلة بوجودهما فعلاً ، فلا يجب على من كان قادراً على تحصيلهما بالإكتساب ونحوه، ولا فرق في اشتراط وجود الراحلة مع الحاجة إليها بين القريب والبعيد.
  مسألة (20) : الإستطاعة المعتبرة في وجوب الحج إنما هي الإستطاعة من مكانه لا من بلده ، فإذا ذهب المكلف إلى بلد آخر للتجارة أو لغيرها وكان له هناك ما يمكن أن يحج به من الزاد والراحلة ، أو ما يفي بتحصيلهما من النقود ونحوها ، وجب عليه الحج، وإن لم يكن مستطيعاً من بلده.
  مسألة (21) : إذا كان للمكلف ملك ولم يوجد من يشتريه بثمن المثل، وتوقف الحج على بيعه بأقل منه وجب البيع وإن كان اقل منه بمقدار معتد به إلا أن يكون مجحفاً بحاله.
  وإذا ارتفعت الأسعار فكانت أجرة المركوب مثلاً في سنة الإستطاعة أكثر منها في السنة الآتية، لم يجز التأخير لمجرد ذلك بعد فرض وجوب المبادرة فيها إلى الحج.
  مسألة (22) : إنما يعتبر وجود نفقة الإياب في وجوب الحج فيما إذا أراد المكلف العود إلى وطنه ، وأمَا إذا لم يرد العود وأراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلا بد من وجود النفقة إلى ذلك البلد، ولا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.
  نعم ، إذا كان الذهاب إلى البلد الذي يريد السكنى فيه أكثر نفقة من الرجوع إلى وطنه ، لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه إلا مع الإضطرار إلى السكنى فيه.
  الخامس : الرجوع إلى الكفاية، وهو التمكن بالفعل أو بالقوة من إعاشة نفسه و عائلته بعد الرجوع إذا خرج إلى الحج وصرف ما عنده في نفقته ، بحيث لا يحتاج إلى التكفف ولا يقع في الشدة والحرج.
  وبعبارة واضحة : يلزم أن يكون المكلف على حالة لا يخشى معها على نفسه و عائلته من العوز والفقر بسبب الخروج إلى الحج أو صرف ما عنده من المال في سبيله.
  وعليه ، فلا يجب الحج على من كان كسوباً في خصوص أيام الحج، بحيث لو ذهب إلى الحج لا يتمكن من الكسب ويتعطل أمر معاشه في سائر أيام العام أو بعضها.
  كما لا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي بمصارف الحج وكان ذلك وسيلة لإعاشته وإعاشة عائلته ، مع العلم بأنه لا يتمكن من الإعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه.
  فبذلك يظهر أنه لا يجب بيع ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه من أمواله، ولا ما يحتاج إليه منها مما يكون لائقاً بحاله لا أزيد ـ كمّا أو كيفاً ـ فلا يجب بيع دار سكناه وثياب تجمله وأثاث بيته إذا كانت كذلك، ولا آلات الصنائع التي يحتاج إليها في معاشه، ونحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى أهل العلم مما لابد منه في سبيل تحصيله.
  وعلى الجملة، لا يكون الإنسان مستطيعاً للحج إذا كان يملك فقط ما يحتاج إليه في حياته ، وكان صرفه في سبيل الحج موجباً للعسر والحرج.
  نعم ، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة بقدر نفقة الحج ـ ولو بضميمة ما لديه من غيرها ـ لكان مستطيعاً ، فيجب عليه أداء الحج ولو ببيع الزائد وصرف ثمنه في نفقته.
  بل من كان عنده دار قيمتها عشرة آلاف دينار ـ مثلاً ـ ويمكنه بيعها وشراء دار أخرى بأقل منها من دون عسر وحرج وجب عليه الحج إذا كان الزائد ـ ولو بضميمة غيره ـ وافياً بمصارف الحج ذهاباً وإياباً وبنفقة عياله.
  مسألة (23) : إذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحج لحاجته إليه ثم استغنى عنه وجب عليه الذهاب إلى الحج ولو ببيعه وصرف ثمنه في نفقته ، مثلاً : إذا كان للمرأة حلي تحتاج إليه ولابد لها منه ، ثم استغنت عنه لكبرها أو لأمرٍ آخر، وجب عليها أداء فريضة الحج ولو توقف ذلك على بيعها.
  مسألة (24) : إذا كانت له دار مملوكة ، وكانت بيده دار أُخرى يمكنه السكنى فيها ـ كما إذا كانت موقوفة تنطبق عليه ـ ولم يكن في ذلك حرج عليه، ولا في معرض قصر يده عنها ، وجب عليه أداء الحج ولو ببيع الدار المملوكة، وصرف ثمنها في نفقته إذا كان وافياً بمصارف الحج ولو بضميمة ما عنده من المال، ويجري ذلك في الكتب العلمية وغيرها مما يحتاج إليه في حياته.
  مسألة (25) : إذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحج وكان بحاجة إلى الزواج أو شراء دار لسكناه أو غير ذلك مما يحتاج إليه فإن كان صرف ذلك المال في الحج موجباً لوقوعه في الحرج لم يجب عليه الحج، وإلا وجب عليه.
  مسألة (26) : إذا كان ما يملكه ديناً على ذمة شخص ، وكان محتاجاً إليه في تمام نفقة الحج أو في بعضها ، فإن كان الدين حالاً والمدين باذلاً عُدّ مستطيعاً، ووجب عليه أداء الحج ولو بمطالبة دينه وصرفه في نفقته.
  وكذا إذا كان المدين مماطلاً وأمكن إجباره على الأداء ولو بالرجوع إلى المحاكم الحكومية، أو كان جاحداً وأمكن إثباته وأخذه أو التقاص منه ، أو كان الدين مؤجَلاً وبذله المدين من قبل نفسه قبل حلول الأجل، دون ما إذا توقف بذله على مطالبة الدائن مع فرض كون التأجيل لمصلحة المدين كما هو الغالب.
  وأما إذا كان المدين معسراً أو مماطلاً ولا يمكن إجباره، أو كان الإجبار حرجَياً عليه ، أو كان منكراً ولا يمكن إثباته ولا التقاص منه ، أو كان ذلك مستلزماً للحرج والمشقة، أو كان الدَين مؤجلاً والتأجيل لمصلحة المدين ولم يبذل الدَين قبل حلول الأجل، ففي جميع ذلك إن أمكن بيع الدين بأقل منه ـ ما لم يكن مجحفاً بحاله ـ بشرط وفائه بمصارف الحج ولو بضميمة ما عنده من المال، وجب عليه الحج، وإلا لم يجب.
  مسألة (27) : كل ذي حرفة كالحداد والبناء والنجار وغيرهم ممّن يفي كسبهم بنفقتهم ونفقة عوائلهم يجب عليهم الحج إذا حصل لهم مقدار من المال بإرث أو غيره وكان وافياً بالزاد والراحلة ونفقة العيال مدة الذهاب والإياب.
  مسألة (28) : من كان يرتزق من الوجوه الشرعية كالخمس والزكاة وغيرهما ، وكانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة ، لا يبعد وجوب الحج عليه فيما إذا ملك مقداراً من المال يفي بذهابه وإيابه ونفقة عائلته ، وكذلك من قام أحد بالإنفاق عليه طيلة حياته ، وكذلك كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج وبعده من جهة المعيشة إن صرف ما عنده في سبيل الحج.
  مسألة (29) : إذا انتقل إليه ما يفي بمصارف الحج بملكية متزلزلة فالظاهر كفاية ذلك في تحقق الإستطاعة المعتبرة في وجوب الحج، إذا كان قادراً على إزالة حق المنتقل عنه في الفسخ بالتصرف الناقل أو المغير في المال ـ كما في موارد الهبة الجائزة ـ وإلا فالإستطاعة تكون مراعاة بعدم فسخ من انتقل عنه، فلو فسخ قبل تمام الأعمال أو بعده كشف ذلك عن عدم تحقق الإستطاعة من الأول، والظاهر أنه لا يجب الخروج إلى الحج في هذا النحو من الملكية المتزلزلة إلاَ مع الوثوق بعدم طروء الفسخ، ولا يكفي مجرد احتمال عدمه.
  مسألة (30) : لا يجب على المستطيع أن يحج من ماله، فلو حج متسكعاً أو من مال شخص آخر ولو غصباً أجزأه.
  نعم ، إذا كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطواف مغصوباً فالأحوط أن لا يجتزئ به، ولو كان ثمن هديه مغصوباً لم يجزئه إلا إذا اشتراه بثمن في الذمة ووفاه من المغصوب.
  مسألة (31) : لا يجب على المكلف تحصيل الإستطاعة بالإكتساب أو غيره، فلو وهبه أحد مالاً هبة مطلقة يستطيع به لو قبله لم يلزمه القبول، وكذلك لو طلب منه أن يؤجر نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعاً ولو كانت الخدمة لائقة بشأنه.
  نعم ، لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج واستطاع بذلك وجب عليه الحج.
  مسألة 32 : إذا آجر نفسه للنيابة عن الغير في الحج واستطاع بمال الإجارة قدم الحج النيابي إذا كان مقيداً بالسنة الحالية، فإن بقيت الإستطاعة إلى السنة القادمة وجب عليه الحج وإلا فلا ، وإن لم يكن الحج النيابي مقيداً بالسنة الفعلية قدم الحج عن نفسه إلا إذا وثق بأدائه في عام لاحق.
  مسألة (33) : إذا اقترض مقداراً من المال يفي بمصارف الحج لم يجب عليه الحج وإن كان قادراً على وفائه بعد ذلك ، إلا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً لا يعتني العقلاء بمثله.
  مسألة (34) : إذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج وكان عليه دين مستوعب لما عنده من المال أو كالمستوعب ـ بأن لم يكن وافياً لنفقاته لو اقتطع منه مقدار الدين ـ لم يجب عليه الحج على الأظهر.
  ولا فرق في الدين بين أن يكون حالاً أو مؤجلاً، إلا إذا كان مؤجلاً بأجل بعيد جداً ـ كخمسين سنة مثلاً ـ مما لا يعتني بمثله العقلاء، كما لا فرق فيه بين أن يكون سابقاً على حصوله المال، أو بعد حصوله بلا تقصير منه.
  مسألة (35) : إذا كان عليه خمس أو زكاة وكان عنده مقدار من المال ولكن لا يفي بمصارف الحج لو أداهما وجب عليه أداؤهما، ولم يجب عليه الحج، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخمس والزكاة في عين المال أو يكونا في ذمته.
  مسألة (36) : إذا وجب عليه الحج وكان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه أداؤها ولم يجز له تأخيره لأجل السفر إلى الحج، ولو كان ساتره في الطواف أو في صلاة الطواف أو ثمن هديه من المال الذي تعلق به الخمس أو نحوه من الحقوق فحكمه حكم المغصوب وقد تقدم في المسألة 30.
  مسألة (37) : إذا كان عنده مقدار من المال ولكنه لا يعلم بوفائه بنفقات الحج وجب عليه الفحص على الأحوط.
  مسألة (38) : إذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحج منفرداً أو منضماً إلى المال الموجود عنده، فإن لم يكن متمكناً من التصرف في ذلك المال ولو بتوكيل من يبيعه هناك لم يجب عليه الحج، وإلاَ وجب.
  مسألة (39) : إذا حصل عنده ما يفي بمصارف الحج وجب عليه الحج إذا كان متمكناً من المسير إليه في أوانه، فلو تصرف فيه بما يخرجه عن الإستطاعة ولا يمكنه التدارك استقر الحج في ذمته ، إذا كان محرزاً لتمكنه من المسير إليه في وقته دون ما إذا لم يكن محرزاً لذلك على الأظهر.
  وفي الصورة الأولى إذا تصرف في المال على النحو المذكور، كما لو باعه محاباة أو وهبه بلا عوض حكم بصحة التصرف، وإن كان آثماً بتفويته الإستطاعة إذا لم يكن قادراً على أداء الحج ولو متسكعاً.
  مسألة (40) : الظاهر أنه لا يعتبر في الزاد والراحلة ملكيتهما ، فلو كان عنده مال أبيح له التصرف فيه وجب عليه الحج إذا كان وافياً بنفقات الحج مع وجدان سائر الشروط.
  نعم ، لا يجب الخروج إلاَ إذا كانت الإباحة لازمة أو وثق باستمرارها.
  مسألة (41) : كما يعتبر في وجوب الحج وجود الزاد والراحلة حدوثاً، كذلك يعتبر بقاءاً إلى إتمام الأعمال، فإن تلف المال قبل خروجه أو في أثناء الطريق لم يجب عليه الحج، وكشف ذلك عن عدم الإستطاعة من أول الأمر، ومثل ذلك ما إذا حدث عليه دين قهري، كما إذا أتلف مال غيره خطأ فصار ضامناً له ببدله.
  نعم ، الإتلاف العمدي لا يسقط وجوب الحج، بل يبقى الحج في ذمته مستقرَاً، فيجب عليه أداؤه ولومتسكعاً.
  هذا ، وإذا تلفت بعد تمام الأعمال أو في أثنائها مؤونة عوده إلى بلده ، أو تلف ما به الكفاية من ماله في بلده، فهو لا يكشف عن عدم الإستطاعة من أول الأمر ، بل يجتزئ حينئذٍ بحجَه ، ولا يجب عليه الحج بعد ذلك.
  مسألة (42) : إذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج لكنه جهل ذلك ، أو غفل عنه ، أو كان جاهلاً بوجوب الحج، أو غافلاً عنه، ثم علم أو تذكر بعد أن تلف المال و زالت استطاعته، فإن كان معذوراً في جهله أو غفلته بأن لم يكن ذلك ناشئاً عن تقصيره، لم يستقر عليه الحج، وإلاَ فالظاهر استقرار وجوبه عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده.
  مسألة (43) : كما تتحقق الإستطاعة بوجدان الزاد والراحلة تتحقق ببذلهما عيناً أو ثمناً، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الباذل واحداً أو متعدداً ، فإذا عرض عليه الحج والتزم بزاده وراحلته ونفقة عياله ووثق بجريه على وفق التزامه وجب عليه الحج، وكذلك لو أُعطي مالاً ليصرفه في الحج وكان وافياً بمصارف ذهابه وإيابه وعياله ، سواء كان ذلك على وجه الإباحة أم التمليك.
  نعم، يجري في التمليك المتزلزل والإباحة غير اللازمة ما تقدم في المسألتين ‏29، 40.
  ولو كان له بعض نفقة الحج فبذل له الباقي وجب عليه الخروج أيضاً، ولو بذل له نفقة الذهاب فقط ولم يكن عنده نفقة العود لم يجب ، على تفصيل تقدم في المسألة 22 ،‏ وكذا إذا لم يبذل له نفقة عياله إلاَ إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود، أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج ايضاً، أو لم يكن يقع في الحرج من تركهم بلا نفقة ولم يكونوا من واجبي النفقة عليه.
  مسألة (44) : لو أُوصي له بمال ليحج به وجب الحج عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافياً بمصارف الحج وكذا بنفقة عياله ـ على التفصيل المتقدم في المسألة السابقة ـ وكذلك لو وقف شخص لمن يحج أو نذر أو أوصى بذلك، وبذل له المتولَي أو الناذر أو الوصي وجب عليه الحج.
  مسألة (45) : لا يعتبر الرجوع إلى الكفاية ـ بالمعنى المتقدم ـ في الإستطاعة ، البذلية‏ نعم ، إذا كان كسوباً في خصوص أيام الحج ويعيش بربحه سائر أيام السنة أو بعضها بحيث يعجز عن إدارة معاشه فيه لو خرج إلى الحج بالإستطاعة البذلية لم يجب عليه ذلك ، إلا إذا بذل له نفقته فيه أ، يضاً‏ ولو كان له مال لا يفي بمصارف الحج وبذل له ما يتمم ذلك فالأظهر اعتبارالرجوع إلى الكفاية ـ بالمعنى المتقدم ـ في وجوب الحج عليه.
  مسألة (46) : إذا أُعطي مالاً هبةً على أن يحج وجب عليه القبول، وأمّا لو خيّره الواهب بين الحج وعدمه، أو أنه وهبه مالاً من دون ذكر الحج ـ لا تعييناً ولا تخييراً ـ لم يجب عليه القبول.
  مسألة (47) : لا يمنع الدين من الإستطاعة البذلية ، نعم ، إذا كان الخروج إلى الحج منافياً لأَداء الدين في وقته، سواء كان حالاً أو مؤجّلاً ، لم يجب عليه الحج.
  مسألة (48) : إذا بُذل مال لجماعة ليحج أحدهم فإن سبق أحدهم بقبض المال المبذول وجب عليه الحج دون الآخرين، ولو ترك الجميع مع تمكن كل واحد منهم من القبض فالظاهر عدم استقرار الحج على أيّ منهم.
  مسألة (49) : لا يجب بالبذل إلاّ الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته، فلو كانت وظيفته حج التمتع فبذل حج القِران أو الإفراد لم يجب عليه القبول وبالعكس ، وكذلك الحال لو بذل لمن حجّ حجّة الإسلام.
  وأما من استقرّت عليه حجّة الإسلام وصار معسراً فبُذل له وجب عليه القبول إذا لم يتمكن من أدائه إلا بذلك ، وكذلك من وجب عليه الحج لنذر أو شبهه ولم يتمكن منه.
  مسألة (50) : لو بُذل له مال ليحج به فتلف المال أثناء الطريق سقط الوجوب ،‏ نعم ، لو كان متمكّناً من الاستمرار في السفر من ماله بأن كان مستطيعاً من موضعه وجب عليه الحج وأجزأه عن حجة الإسلام، إلا أن الوجوب حينئذٍ مشروط بالرجوع إلى الكفاية.
  مسألة (51) : لو وكله في أن يقترض له ويحج به لم يجب عليه الاقتراض ،‏ نعم ، لو اقترض له وجب عليه الحج.
  مسألة (52) : الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل، ولو لم يبذله وبذل بقية المصارف ففي وجوب الحج على المبذول له إشكال، إلا إذا كان متمكناً من شرائه من ، ماله نعم، إذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجباً لوقوعه في الحرج لم يجب عليه القبول، وأمّا الكفّارات فالظاهر أنّها واجبة على المبذول له دون الباذل.
  مسألة (53) : الحج البذلي يجزئ عن حجة الإسلام، ولا يجب عليه الحج ثانياً إذا استطاع بعد ذلك.
  مسألة (54) : يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام أو بعده ، لكن إذا رجع بعد الدخول في الإحرام وجب على المبذول له إتمام الحج إن لم يكن في ذلك حرج عليه وإن لم يكن مستطيعاً فعلاً على الأظهر، وعلى الباذل ضمان ما صرفه للإتمام والعود، وإذا رجع الباذل في أثناء الطريق وجبت عليه نفقة العود.
  مسألة (55) : إذا أُعطي من الزكاة من سهم سبيل الله على أن يصرفها في الحج، و كان في ذلك مصلحة عامة، وأذن فيه الحاكم الشرعي ـ على الأحوط ـ وجب عليه الحج، وإن أُعطي من سهم السادة أو من الزكاة من سهم الفقراء واشترط عليه أن يصرفه في سبيل الحجّ لم يصحّ الشرط، ولا تحصل به الإستطاعة البذلية.
  مسألة (56) : إذا بذل له مال فحج به ثم انكشف أنّه كان مغصوباً لم يجزئه عن حجة الإسلام وللمالك أن يرجع إلى الباذل أو إلى المبذول له ، لكنّه إذا رجع إلى المبذول له كان له الرجوع إلى الباذل إن كان جاهلاً بالحال، وإلاّ فليس له الرجوع إليه.
  مسألة (57) : إذا لم يكن مستطيعاً فحجّ تطوّعاً أو حج عن غيره تبرّعاً أو بإجارة لم يكفه عن حجة الإسلام، فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك.
  مسألة (58) : إذا اعتقد أنه غير مستطيع فحج ندباً قاصداً امتثال الأمر الفعلي ثم بان أنه كان مستطيعاً أجزأه ذلك، ولا يجب عليه الحج ثانياً.
  مسألة (59) : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج إذا كانت مستطيعة، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن غير حجة الإسلام من الحج الواجب عليها.
  نعم ، يجوز له منعها من الخروج في أول الوقت مع سعة الوقت، والمطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.
  مسألة (60) : لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها ، ومع عدم الأمن يلزمها استصحاب من تأمن معه على نفسها ولو بأُجرة إذا تمكنت من ذلك ، وإلاّ لم يجب الحج عليها.
  مسألة (61) : إذا نذر أن يزور الحسين عليه السلام في كلّ يوم عرفة ـ مثلاً ـ واستطاع بعد ذلك وجب عليه الحج وانحل نذره، وكذلك كل نذر يزاحم الحج.
  مسألة (62) : يجب على المستطيع الحج بنفسه إذا كان متمكّناً من ذلك ، ولا يجزئ عنه حج غيره تبرعاً أو بإجارة.
  مسألة (63) : إذا استقر عليه الحج ولم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم ، أو كان ذلك حرجاً عليه ولم يرج تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج ، وجبت عليه الاستنابة.
  وكذلك من كان موسراً ولم يتمكّن من المباشرة أو كانت حرجية ، ووجوب الاستنابة فوري كفورية الحج المباشري.
  مسألة (64) : إذا حج النائب عمن لم يتمكّن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر أجزأه حج النائب وإن كان الحج مستقراً عليه.
  وأمّا إذا اتفق ارتفاع العذر قبل الموت فالأًحوط أن يحج هو بنفسه عند التمكّن.
  وإذا كان قد ارتفع العذر بعد أن أحرم النائب وجب على المنوب عنه الحج مباشرة وإن وجب على النائب إتمام عمله على الأًحوط.
  مسألة (65) : إذا لم يتمكّن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب، ولكن يجب القضاء عنه بعد موته إن كان الحج مستقراً عليه ، وإلاّ لم يجب ، ولو أمكنه الاستنابة ولم يستنب حتى مات وجب القضاء عنه.
  مسألة (66) : إذا وجبت الاستنابة ولم يستنب ولكن تبرّع متبرّع عنه لم يجزئه ذلك ووجبت عليه الاستنابة على الأحوط.
  مسألة (67) : يكفي في الاستنابة : الاستنابة من الميقات، ولا تجب الاستنابة من البلد.
  مسألة (68) : من استقر عليه الحج إذا مات بعد الإحرام للحج في الحرم أجزأه عن حجة الإسلام، سواء في ذلك حج التمتّع والقران والإفراد ، وإذا كان موته في أثناء عمرة التمتع أجزأ عن حجه أيضاً ولا يجب القضاء عنه ، وإن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه وإن كان موته بعد الإحرام وقبل دخول الحرم أو بعد الدخول في الحرم بدون إحرام.
  والظاهر اختصاص الحكم بحجة الإسلام فلا يجري في الحج الواجب بالنذر أو الإفساد، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضاً، فلا يحكم بالإجزاء في شيء من ذلك.
  ومن مات بعد الإحرام مع عدم استقرار الحج عليه فإن كان موته بعد دخوله الحرم فلا إشكال في إجزائه عن حجة الإسلام، وأمّا إذا كان قبل ذلك فالظاهر عدم وجوب القضاء عنه.
  مسألة (69) : الكافر المستطيع يجب عليه الحج وإن لم يصح منه ما دام كافراً ، و لو زالت استطاعته ثم أسلم لم يجب عليه.
  مسألة (70) : المرتد يجب عليه الحج لكن لا يصح منه حال ارتداده، فإن تاب صح منه ، وإن كان مرتداً فطرياً على الأقوى.
  مسألة (71) : إذا حج من يتبع بعض المذاهب الاسلامية غير مذهبنا ، ثم تبع مذهبنا لم يجب عليه إعادة الحج إذا كان ما أتى به صحيحاً في مذهبه ، أ كان صحيحاً في مذهبنا مع تمشي قصد القربة منه.
  مسألة (72) : إذا وجب الحج وأهمل المكلف في أدائه حتى زالت استطاعته وجب الإتيان به بأيّ وجه تمكّن ، وإذا مات وجب القضاء من تركته ، ويصح التبرع عنه بعد موته من دون أُجرة.

الوصية بالحج
  مسألة (73) : من كانت عليه حجة الإسلام وقرب منه الموت فإن كان له مال يفي بمصارف الحج لزمه الاستيثاق من أدائها عنه بعد مماته ولو بالوصية بها والاستشهاد عليها، وإن لم يكن له مال واحتمل أن يتبرع شخص بالحج عنه مجاناً وجبت عليه الوصية ، أيضاً وإذا مات من استقرت عليه حجة الإسلام وجب ‏ قضاؤها من أصل تركته وإن لم يوص بذلك ، وكذلك إن ‏ أوصى بها ولم يقّيدها بالثلث ، وإن قيّدها بالثلث فإن وفى الثلث بها وجب إخراجها منه، وتقدّم على سائر الوصايا، ‏ وإن لم يف الثلث بها لزم تتميمه من الأًصل.
  مسألة (74) : من مات وعليه حجّة الإسلام وكان له عند ‏ شخص وديعة، قيل إنّ الودعي إذا احتمل أن الورثة لا‏ يؤدّونها إن ردّ المال إليهم جاز له بل وجب عليه أن يحج بها عنه بنفسه أو باستيجار غيره لذلك، فإذا زاد المال عن أجرة الحج رد الزائد إلى الورثة، ولكن هذا الحكم لا يخلو عن إشكال .
  مسألة (75) : من مات وعليه حجة الإسلام، وكان عليه خمس أو زكاة فقصرت التركة، فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجوداً بعينه لزم تقديمهما ، وإن كانا في الذمة يتقدم الحج عليهما، وإذا كان عليه دين فلا يبعد تقدم الدين على الحج .
  مسألة (76) : من مات وعليه حجة الإسلام لم يجز لورثته التصرف في تركته بما ينافي أداء الحج منها ما دامت ذمته مشغولة بالحج ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مصرف الحج مستغرقاً أم لم يكن مستغرقاً .
  نعم ، لا يعد التصرف المتلف فيما عدا مقدار مصرف الحج ـ في الصورة الثانية ـ تصرفاً منافياً لأدائه، فلا بأس به مطلقاً .
  مسألة (77) : من مات وعليه حجة الإسلام، ولم تكن تركته وافية بمصارفها ، وجب صرفها في الدين أو الخمس أو الزكاة إن كان عليه شيء من ذلك ، وإلاّ فهي للورثة ، ولا يجب عليهم تتميمها من مالهم لاستئجار الحج .
  مسألة (78) : من مات وعليه حجة الإسلام يكفي في تفريغ ذمّته أن يحج عنه من بعض المواقيت، بل من أقربها إلى مكّة ، ولا يختص ذلك بالحج من البلد وإن كان هو الأًحوط .
  وإذا ترك الميت ما يفي بمصارف الحج عنه كفى الإستئجار عنه من بعض المواقيت، بل من أقلّها أجرة، وإن كان الأًحوط الأًولى الإستئجار من البلد إذا وسع المال له ولغيره مما يجب تفريغ ذمته منه، ولكن الزائد على أُجرة الميقات إنما يحسب من حصص كبار الورثة ـ برضاهم ـ ولا يحسب على الصغار .
  مسألة (79) : من مات وعليه حجة الإسلام وكانت تركته وافية بمصارفها فالأًحوط المبادرة إلى تفريغ ذمته ولو بالإستئجار من تركته، ولو لم يمكن الإستئجار في السنة الأولى من الميقات فالأًحوط الإستئجار من البلد وعدم التأخير إلى السنة اللاحقة ـ ولو مع العلم بإمكان الإستئجار فيها من الميقات ـ ولكن الزائد على أجرة الميقات لا يحسب حينئذ على الصغار من الورثة .
  مسألة (80) : من مات وعليه حجة الإسلام وترك ما يفي بمصارفها، إذا لم يوجد من يستأجر عنه إلا بأكثر من أُجرة المثل فالأحوط الإستئجار عنه وعدم التأخير إلى السنة اللاحقة توفيراً على الورثة، ولكن الزائد على أُجرة المثل لا يحسب حينئذٍ على الصغار منهم .
  مسألة (81) : من مات وأقرّ بعض ورثته بأن عليه حجة الإسلام، وأنكره الآخرون، لم يجب على المقر إلا دفع ما يخصّ حصّته بالنسبة ، فإن وفى بمصارف الحج ولو بتتميم الأجرة من قبل متبرع أو بنحو آخر وجبت الاستنابة عنه وإلاّ لم تجب، ولا يجب على المقر تتميمه من حصته أو من ماله الشخصي .
  مسألة (82) : من مات وعليه حجة الإسلام وتبرع متبرع عنه بالحج كفى، ولم يجب إخراجها من صلب ماله، وكذا لو أوصى بإخراج حجة الإسلام من ثلثه فتبرع عنه متبرع لم تخرج من ثلثه، ولكن لا يرجع بدلها حينئذ إلى ورثته، بل يصرف فيما هو الأقرب إلى نظره من وجوه الخير .
  مسألة (83) : من مات وعليه حجة الإسلام وأوصى بالإستئجار من البلد وجب ذلك، ولكن الزائد على أُجرة الميقات يخرج من الثلث، ولو أوصى بالحج ولم يعين شيئاً اكتفى بالإستئجار من الميقات، إلا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الإستئجار من البلد، كما إذا عين مقداراً يناسب الحج البلدي .
  مسألة (84) : إذا أوصى بالحج البلدي ولكن الوصي أو الوارث استأجر من الميقات، بطلت الإجارة إن كانت الإجارة من مال الميت، ولكن ذمة الميت تفرغ من الحج بعمل الأجير .
  مسألة (85) : إذا أوصى بالحج البلدي من غير بلده ، كما إذا أوصى أن يستأجر من النجف ـ مثلاً ـ وجب العمل بها ويخرج الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث .
  مسألة (86) : إذا أوصى بالإستئجار عنه لحجة الإسلام وعين الأجرة لزم العمل بها، وتخرج من الأصل إن لم تزد على أجرة المثل، وإلا كان الزائد من الثلث .

  مسألة (87) : إذا أوصى بالحج بمال معين وعلم الوصي أن المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجه أولاً، وصرف الباقي في سبيل الحج، فإن لم يف الباقي بمصارفه لزم تتميمه من أصل التركة، إن كان الموصى به حجة الإسلام، وإلا صرف الباقي فيما هو الأقرب إلى غرض الموصي من وجوه الخير إن كانت الوصية على نحو تعدد المطلوب، وإلا كان ميراثاً لورثته .
  مسألة (88) : إذا وجب الإستئجار للحج عن الميت بوصية أو بغير وصية ، وأهمل من يجب عليه الإستئجار فتلف المال ضمنه ، ويجب عليه الإستئجار من ماله .
  مسألة (89) : إذا علم استقرار الحج على الميت، وشك في أدائه وجب القضاء عنه، ويخرج من أصل المال .
  مسألة (90) : لا تبرأ ذمة الميت بمجرد الإستئجار، فلو علم أن الأجير لم يحج لعذر أو بدونه وجب الإستئجار ثانياً ويخرج من الأصل، وإن أمكن استرداد الأجرة من الأجير تعين ذلك ، إذا كانت الأجرة مال الميت .
  مسألة (91) : إذا تعدد الأجراء تعين استئجار من لا تكون استنابته منافية لشأن الميت وإن كان غيره أقل أجرة، حتى إذا لم يكن الإستئجار من الثلث وكان في الورثة قاصراً وغير راض بذلك على الأظهر .
  نعم ، يشكل الإستئجار كذلك فيما إذا كان مزاحماً لأداء بعض الواجبات المالية المتعلقة بذمة الميت كالدين والزكاة أو غير الواجبات المالية مما أوصى بتنفيذه .
  مسألة (92) : العبرة في وجوب الإستئجار من البلد أو الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده، لا بتقليد الميت أو اجتهاده، فلو كان الميت يعتقد وجوب الحج البلدي والوارث يعتقد جواز الإستئجار من الميقات لم يلزم على الوارث الإستئجار من البلد .
  مسألة (93) : إذا كانت على الميت حجة الإسلام ولم تكن له تركة لم يجب الإستئجارعنه على الوارث، نعم يستحب ـ ولا سيما لقرابته ـ تفريغ ذمته .
  مسألة (94) : إذا أوصى بالحج فإن علم أن الموصى به هو حجة الإسلام أخرج من أصل التركة إلا فيما إذا عين إخراجه من الثلث، وأما إذا علم أن الموصى به غير حجة الإسلام، أو شك في ذلك فهو يخرج من الثلث .
  مسألة (95) : إذا أوصى بالحج وعين شخصاً معيناً لزم العمل بالوصية، فإن لم يقبل إلا بأزيد من أجرة المثل أخرج الزائد من الثلث ان كان الموصى به حجة الإسلام، فإن لم يمكن ذلك أيضاً استؤجر غيره بأجرة المثل إذا كانت الوصية على نحو تعدد المطلوب أو كان الموصى به حجة الإسلام .
  مسألة (96) : إذا أوصى بالحج وعين أجرة لا يرغب فيها أحد، فإن كان الموصى به حجة الإسلام لزم تتميمها من أصل التركة، وإن كان الموصى به غيرها لزم صرف الأجرة فيما هو الأقرب إلى غرض الموصي من وجوه البر إذا كانت الوصية على وجه تعدد المطلوب، وإلا بطلت وكانت الأجرة ميراثاً .
  مسألة (97) : إذا باع داره بمبلغ ـ مثلاً ـ واشترط على المشتري أن يصرفه في الحج عنه بعد موته كان الثمن من التركة، فإن كان الحج حجة الإسلام لزم الشرط ووجب صرفه في أجرة الحج إن لم يزد على أجرة المثل ، وإلا فالزائد يخرج من الثلث، وإن كان الحج غير حجة الإسلام لزم الشرط أيضاً ، ويخرج تمامه من الثلث، وإن لم يف الثلث لم يلزم الشرط في المقدار الزائد .
  مسألة (98) : إذا صالحه على داره ـ مثلاً ـ وشرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح ولزم، وخرجت الدار عن ملك المصالح الشارط، ولا تحسب من التركة، وإن كان الحج ندبياً، ولا يشملها حكم الوصية .
  وكذلك الحال إذا ملكه داره بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحج عنه بعد موته، فجميع ذلك صحيح لازم وإن كان العمل المشروط عليه ندبياً ، ولا يكون للوارث حينئذٍ حق في الدار ، ولو تخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط لم يكن الخيار للوارث، بل لولي الميت من الوصي أو الحاكم الشرعي، فإذا فسخ رجع المال إلى ملك الميت فيكون ميراثاً لورثته .
  مسألة (99) : لو مات الوصي ولم يعلم أنه استأجر للحج ـ قبل موته ـ وجب الإستئجار من التركة، فيما إذا كان الموصى به حجة الإسلام، ومن الثلث إذا كان غيرها .
  وإذا كان المال قد قبضه الوصي ـ وكان موجوداً ـ أخذ وإن احتمل أن الوصي قد استأجر من مال نفسه وتملك ذلك بدلاً عما أعطاه، وإن لم يكن المال موجوداً فلا ضمان على الوصي، لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط .
  مسألة (100) : إذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه ، ووجب الإستئجار من بقية التركة إذا كان الموصى به حجة الإسلام، ومن بقية الثلث إن كان غيرها، فإن كانت البقية موزعة على الورثة استرجع منهم بدل الإيجار بالنسبة .
  وكذلك الحال إن استؤجر أحد للحج ومات قبل الإتيان بالعمل ولم يكن له تركة، أو لم يمكن الأخذ من تركته .
  مسألة (101) : إذا تلف المال في يد الوصي قبل الإستئجار، ولم يعلم أن التلف كان عن تفريط ، لم يجز تغريم الوصي .
  مسألة (102) : إذا أوصى بمقدار من المال لغير حجة الإسلام، واحتمل أنه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه إلا برضا ورثته.

فصل في النيابة
  مسألة (103) : يعتبر في النائب أمور:
  الأول : البلوغ، فلا يجزئ حج الصبي عن غيره في حجة الإسلام وغيرها من الحج الواجب وإن كان الصبي مميزاً على الأحوط ، نعم ، لا يبعد صحة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي .
  الثاني : العقل، فلا تجزئ استنابة المجنون، سواء في ذلك ما إذا كان جنونه مطبقاً ، أم كان أدوارياً إذا كان ‏‏‏‏‏العمل في دور جنونه ، وأما السفيه فلا بأس باستنابته .
  الثالث : الإيمان، فلا عبرة بنيابة غير المؤمن وإن اتى بالعمل على طبق مذهبنا على الأحوط .
  الرابع : أن لا يكون النائب مشغول الذمة بحج واجب عليه في عام النيابة إذا تنجز الوجوب عليه ، ولا بأس باستنابته فيما إذا كان جاهلاً بالوجوب أو غافلاً عنه ، وهذا الشرط شرط في صحة الإجارة لا في صحة حج النائب ، فلو حج ـ والحالة هذه ـ برئت ذمة المنوب عنه ، ولكنه لا يستحق الاجرة المسماة، بل يستحق اجرة المثل.
  مسألة (104) : لا يعتبر في النائب أن يكون عادلاً، و لكن يعتبر أن يكون موثوقاً به في أصل إتيانه العمل نيابة عن المنوب عنه ، وفي كفاية إخباره مع عدم الوثوق إشكال .
  مسألة (105) : يعتبر في فراغ ذمة المنوب عنه إتيان النائب بالعمل صحيحاً ، فلا بد من معرفته بأعمال الحج وأحكامه وإن كان ذلك بارشاد غيره عند كل عمل ، ومع الشك في إتيانه بها على الوجه الصحيح ـ ولو لأجل الشك في معرفته بأحكامها ـ فلا يبعد البناء على الصحة .
  مسألة (106) : لا بأس بالنيابة عن الصبي المميز، كما لا بأس بالنيابة عن المجنون، بل إذا كان مجنوناً أدوارياً وعلم بمصادفة جنونه لأيام الحج دائماً وجبت عليه الاستنابة حال إفاقته، كما يجب الإستئجار عنه إذا استقر عليه الحج في حال إفاقته وإن مات مجنوناً .
  مسألة (107) : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه، فتصح نيابة الرجل عن المرأة وبالعكس .
  مسألة (108) : لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة وغير الصرورة، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلاً أم امرأة، وقيل بكراهة استنابة الصرورة ولم تثبت ، بل لا يبعد أن يكون الأولى فيمن عجز عن مباشرة الحج وكان موسراً أن يستنيب الصرورة في ذلك، كما أن الأولى فيمن استقر عليه الحج فمات ان يحج عنه الصرورة.
  مسألة (109) : يشترط في المنوب عنه الإسلام، فلا تصح النيابة عن الكافر ، فلو مات الكافر مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لم يجب عليه استئجارالحج عنه ، وأما الناصب فلا تجوز النيابة عنه إلا إذا كان أباً، وفي غيره من ذوي القربى إشكال ، نعم ، لابأس بالإتيان بالحج واهداء الثواب اليه.
  مسألة (110) : لا بأس بالنيابة عن الحي في الحج المندوب تبرعاً كان أو بإجارة، وكذلك لا بأس بالنيابة عنه ـ باستنابة ـ في الحج الواجب إذا كان معذوراً عن الإتيان بالعمل مباشرة على ما تقدم ، ولا تجوز النيابة عن الحي في غير ذلك ، وأما النيابة عن الميت فهي جائزة مطلقاً ، سواء كانت اجارة ام تبرع ، وسواء كان الحج واجباً ام مندوباً.
  مسألة (111) : يعتبر في صحة النيابة قصد النيابة، كما يعتبر فيها تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين، و لا يشترط ذكر اسمه، وإن كان يستحب ذلك في جميع المواطن والمواقف .
  مسألة (112) : كما تصح النيابة بالتبرع وبالإجارة تصح بالجعالة وبالشرط في ضمن العقد ونحو ذلك .
  مسألة (113) : الظاهر أن حال النائب حال من حج عن نفسه فيما إذا طرأ عليه العجز عن أداء بعض المناسك مطلقاً أو على النهج المقرر لها ، فيصح حجه ويجزئ عن المنوب عنه في بعض الموارد، ويبطل في البعض الآخر، مثلاً : إذا طرأ عليه العجز عن الوقوف الاختياري بعرفات اجتزأ بالوقوف الاضطراري فيها وصح حجه وتفرغ ذمة المنوب عنه، بخلاف ما لو عجز عن الوقوفين جميعاً فانه يبطل حجه.
  ولا يجوز استئجار من يعلم مسبقاً عجزه عن أداء العمل الاختياري مطلقاً على الأحوط، بل لو تبرع وناب عن غيره يشكل الاكتفاء بعمله .
  نعم ، لا بأس باستئجار من يعلم ارتكابه لما يحرم على المحرم كالتظليل ونحوه ـ لعذر او بدونه ـ وكذا من يترك بعض واجبات الحج مما لا يضر تركه ـ ولو متعمداً ـ بصحة الحج، كطواف النساء والمبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر .
  مسألة (114) : إذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمة المنوب عنه، فتجب الاستنابة عنه ثانية في ما تجب الاستنابة فيه ، وإن مات بعد الإحرام أجزأ عنه إذا كان موته بعد دخول الحرم على الأحوط، ولا فرق في ذلك بين حجة الإسلام وغيرها، هذا إذا كانت النيابة بأجرة ، ولو كانت بترع فالحكم بالاجزاء لا يخلو عن اشكال.
  مسألة (115) : إذا مات الاجير بعد الإحرام ودخول الحرم استحق تمام الأجرة إذا كان أجيراً على تفريغ ذمة الميت .
  وأما إذا كان أجيراً على الإتيان بالأعمال وكانت ملحوظة في الإجارة على نحو تعدد المطلوب استحق من الأجرة بنسبة ما أتى به .
  وأن مات الأجير قبل الإحرام لم يستحق شيئاً ،‏ نعم ، إذا كانت المقدمات داخلة في الإجارة على نحو تعدد المطلوب استحق من الأجرة بقدر ما أتى به منها .
  مسألة (116) : إذا استأجر للحج البلدي ولم يعين الطريق كان الاجير مخيراً في ذلك، وإذا عين طريقاً لم يجز العدول منه إلى غيره، فإن عدل وأتى بالأعمال فإن كان اعتبار الطريق في الإجارة على نحو الشرطية دون الجزئية استحق الأجير تمام الأجرة وكان للمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ يرجع الى اجرة المثل.
  وإن كان اعتباره على نحو الجزئية كان للمستأجر الفسخ أيضاً، فإن فسخ استحق الأجير أجرة المثل لما قام به من الأعمال دون ما سلكه من الطريق، وإن لم يفسخ كان له تمام الأجرة المسماة، ولكن للمستأجر مطالبته بقيمة ما خالفه فيه من سلوك الطريق المعين .
  مسألة (117) : إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة لم تصح إجارته عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً، وتصح الإجارتان مع اختلاف السنتين، أو مع عدم تقيد إحدى الإجارتين أو كلتيهما بالمباشرة .