لدل التخصيص بالاسم ، على نفيه عما عداه ، والتالي باطل إتفاقا فكذا المقدم.
   بيان الشرطية : أن المقتضي للنفي هناك (1) إنما هو ثبوت غرض في التخصيص (2) ، وانتفاء الاغراض سوى النفي ، وهذا ثابت في الاسم (3).
   ولان التقييد (4) : قد وجد من دون التخصيص ، كما في

(1) أي في صورة الصفة « هوامش المسلماوي : ص 16 »
(2) بالذكر ، ولا غرض سوى نفي الحكم عن غيره.
   « هوامش المسلماوي : ص 16 »
(3) بيان الملازمة : إن وجه الدلالة عند الخصم ، هو أن التخصيص يستدعي أن يكون لغرض ، وليس ما يصلح أن يكون غرضا إلا نفي الحكم عما عدا الموصوف ، وهذا المعنى بعينه حاصل في تقييد الحكم بالاسم ، فوجب أيضا أن يدل على نفي الحكم عمن ليس له ذلك الاسم.
  « غاية البادي : ص 83 »
(4) إن هذا التقييد تارة ورد مع عدم الحكم عن غير الموصوف وهو ظاهر ، وتارة ورد مع ثبوت الحكم لغير الموصوف.
   كقوله تعالى : « وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » ، فإن الله تعالى خصص الحكم الذي هو تحريم قتل الاولاد لصفة خشية الاملاق ، مع أن الحكم ثابت وإن لم تكن تلك الصفة.
   وكقوله تعالى في قتل الصيد : « وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ » فان الجزاء خصصه تعالى بتعميد القتل مع ثبوته عند عدمه .
   « غاية البادي : ص 83 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 102 ـ
   قوله تعالى : « وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » [ 17 / 32 ] ، « وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ » [ 5 / 96 ]


   الامر بالاشياء على سبيل التخيير (2) ، يقتضي وصف كل واحد منها بالوجوب .
   وعلى معنى : أن المكلف لا يحل له الاخلال بالجميع ولا يجب عليه الاتيان بالجميع .
   وأيها فعل كان واجبا بالاصالة ، والتعيين موكول إلى اختياره.
   وإن فعل الجميع ، استحق الثواب على فعل امور ، كل واحد منها واجب مخير .

(1) الواجب التخييري : ما كان له عدل وبديل في عرضه ، ولم يتعلق به الطلب بخصوصه ، بل كان المطلوب هو أو غيره ، يتخير بينهما المكلف.
   وهو : كالصوم الواجب في كفارة إفطار شهر رمضان عمدا ، فانه واجب ، ولكن يجوز تركه وتبديله ، بعتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا .
   « أصول المظفر : 1 / 91 »
(2) وهو المحكي عن أبي علي وأبي هاشم ، وإليه ذهب أصحابنا.
   « عمدة الاصول : 1 / 84 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 103 ـ
   وأما ما يقال (1) : من أن الواجب منها واحد ، غير معين عندنا ، وهو معين عند الله ، فهو باطل .
   لان التعيين : يقتضي إيجاب ذلك المعين ، وعدم جواز تركه .
   وقد وقع الاتفاق على التخيير ، ومعناه جواز ترك كل واحد بشرط الاتيان بالآخر ، وذلك تناقض .

   اعلم : أنه لا يجوز أن يكون وقت العبادة يقصر عن فعلها إلا أن يكون المقصود منه القضاء ، ويجوز أن يساويه اجماعا (2).
   والحق !! أنه يجوز أن يكون الوقت يفضل منه ، وهو الواجب الموسع (3) ، وهو ثابت لقوله تعالى : « أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ » [ 17 / 79 ].

(1) هذا المذهب ينقله كل واحد من الفريقين الاشاعرة والمعتزلة عن الآخر ويبطلونه والله أعلم بقائله « غاية البادي ص 86 بتصرف »
(2) كالصوم ، كما في هامش المصورة : ص 13.
(3) لان فيه توسعة على المكلف ، في أول الوقت وفي أثنائه وآخره ، كالصلاة اليومية وصلاة الآيات.
   فانه لا يجوز تركه في جميع الوقت ، ويكتفي بفعله مرة واحدة ، في ضمن الوقت المحدد له .
   « اصول المظفر : 1 / 95 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 104 ـ
   وتخصيص آخر الوقت بالوجوب أو أوله ـ كما ذهب اليهما من لا تحقيق له (1) ـ ترجيح من غير مرجح .
   واعلم : أن هذا الواجب في الحقيقة ، يرجع إلى الواجب المخير ، فكأن الشارع قال له : افعل إما في أول الوقت أو وسطه أو آخره.
   وإذا لم يبق من الوقت إلا قدر فعله ، تعين عليه لا محالة ، وحرم تركه .
   واعلم : أن السيد المرتضى (2) ـ ره ـ : أوجب العزم (3)

(1) بل : والكل وقت للاول ، لا أوله وبعده قضاء ، كبعض الشافعية.
   ولا آخره ، وقبله نفل ، كبعض الحنفية.
   ولا هو مراعى ، كالكرخي .
   « زبدة الاصول ص : 46 ـ 47 بتصرف »
(2) علي بن الحسين الموسوي : الملقب ذا المجدين علم الهدى ، ينتهي نسبه من جهة أبيه بالامام موسى بن جعفر « ع » ، ومن جهة امه بالامام زين العابدين.
   كان اوحد اهل زمانه فضلا وعلما وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وجاها وكرما.
   ولد في رجب سنة 355 ه‍.
   له مصنفات كثيرة منها الذريعة في الاصول.
   وكانت وفاته قدس الله روحه : لخمس بقين من شهر ربيع الاول ، سنة 436 ه‍.
  « روضات الجنات 374 ـ 375 بتصرف واختصار »
(3) بمعنى أنه : « يجب عليه الفعل في أول الوقت ، فمتى لم يفعل وجب عليه العزم على فعله في آخره.
   والقول بالعزم : من رأي « الشيخ والمرتضى رضي الله عنهما ، ووافقهما

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 105 ـ
   لينفصل من المندوب (1).
   وعلى الوجه الذي لخصناه ـ من أنه راجع إلى الواجب المخير ـ ، إنفصل عن المندوب ، ولا حاجة إلى العزم.

   إذا تعلق غرض الشارع : بتحصيل الفعل من الجماعة ، لا على سبيل الجمع ، كان واجبا على كل واحد ، ويسقط عنه بفعل غيره (2).

   ابن زهرة وابن البراج » ، وهو « مذهب القاضي الباقلاني من العامة » ، خلافا « للمحقق والعلامة واتباعهما ».
   « جمعا بين عدة الاصول : 1 / 88 ، وزبدة الاصول ـ هامشا ومتنا ـ : ص 47 ـ 48 »
(1) احتج المرتضى : بأنه لو لا العزم ، لم يبق فرق بينه وبين المندوب لاشتراكهما في الترك.
   والجواب : كما ذكره المصنف نفسه ، « هوامش المسلماوي : ص 9 بتصرف »
(2) يقول المظفر : « إن الواجب العيني : ما يتعلق بكل مكلف ولا يسقط بفعل الغير ».
   ويقابله الواجب الكفائي ، وهو : المطلوب فيه وجوب الفعل من أي مكلف كان ، فهو يجب على جميع المكلفين ، ولكن يكتفى بفعل بعضهم ، فيسقط عن الآخرين ، ولا يستحق العقاب بتركه .
   نعم ، إذا تركوه جميعا ، من دون أن يقوم به واحد ، فالجميع

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 106 ـ
   فإن ظن جماعة فعل غيرهم له ، سقط عنهم ، وإلا فلا .
   ولو ظن كل طائفة قيام غيرهم به ، يسقط عن الجميع.

   الواجب : قسمان (1) ، مطلق : كالصلاة ، ومقيد : كالزكاة .
   فالثاني : لا يستلزم وجوب ما يتوقف عليه من القيد.
   والاول : يستلزم وجوب ما لا يتم إلا به ، إذا كان مقدورا

   منهم يستحقون العقاب.
   كما يستحق الثواب ، كل من اشترك في فعله .
   وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشريعة : منها تجهيز الميت والصلاة عليه ، ومنها إنقاذ الغريق ونحوه من التهلكة ، ومنها ازالة النجاسة عن المسجد ، ومنها الحرف والمهن والصناعات التي بها نظام معايش الناس.
   ومنها طلب الاجتهاد ، ومنها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
   « أصول المظفر : 1 / 93 »
(1) أحدهما : ما يكون وجوبه مشروطا بأمر زائد على الامور المعتبرة في التكليف ، كالزكاة المتوقف وجوبها على حصول المال ، والحج المتوقف وجوبه على الاستطاعة.
   وثانيهما : ما لا يكون كذلك ، وهو الواجب المطلق ، كالصلاة الواجبة في حال الطهارة والحدث ، إلا أن وقوعها مشروط بالطهارة .
   « هوامش المسلماوي : ص 20 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 107 ـ
   لان الامر ورد مطلقا ، فلو لم تجب المقدمة ، لكان الفعل واجبا ، حال عدمها (1) ، وهو تكليف ما لا يطاق .

   قد بينا : أن الامر يستلزم الوجوب ، ولا بد في الوجوب من المنع من الترك.
   فالامر : يستلزم النهي عن الترك ، وليس هو نفسه ، كما ذهب إليه من لا تحصيل له (2).

(1) مرجع الضمير : المقدمة.
(2) وهو القاضي أبو بكر في أحد قوليه .
   قال القاضي إبو بكر في قوله الآخر : إن الامر بالشيء عين النهي عن ضده ، لان طلب السكون ، عين طلب ترك الحركة.
   فهو طلب واحد ، بالنسبة إلى السكون أمر ، وبالنسبة إلى ترك الحركة نهي .
   وأجيب عنه : بالمنع من الاتحاد.
   لان الحركة والسكون شيئان وجوديان وعدم أحدهما ليس هو وجود الآخر.
   « هوامش المسلماوي : ص 20 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 108 ـ
   والدليل عليه : أن الوجوب ماهية مركبة ، من الاذن في الفعل ، والمنع من الترك.
   ورفع المركب ، لا يستلزم رفع جزئيه معا ، بل أحدهما لا بعينه.
   وإنما قلنا : ببقاء الجواز ، لوجود اللفظ الدال عليه ، وهو الامر.

   تكليف ما لا يطاق : قبيح بالضرورة (1) ، والله تعالى لا يفعل لحكمته ، فاستحال منه وقوع التكليف بالمحال .

(1) لان العقل يحكم : بأن القبيح إنما يفعل لاحد الشيئين ، إما للجهل إو لاجل الاحتياج إليه ، والله تعالى منزه عنها.
   لكونه عالما بالذات غنيا بالاطلاق .
   « غاية البادي : ص 98 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 109 ـ
   ونزاع الاشعرية (1) في ذلك : باطل ، وقد بيناه في كتبنا الكلامية.
   ومن هذا الباب : تكليف المكره ، إن بلغ الاكراه إلى حد الالجاء (2) وإلا كان جائزا .

   ذهبت الحنفية (3) إلى أن الكفار غير مخاطبين بفروع

(1) الاشاعرة والاشعرية : نسبة تمثل رواد مذهب كلامي ، في أصول الدين مؤسسه : أبو الحسن علي بن اسماعيل الاشعري ، في أواخر القرن الرابع الهجري.
   ومن جملة مبادئه : أن الباري عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حي بحياة ، مريد بإرادة ، متكلم بكلام ، سميع بسمع ، بصير ببصر ، ومن أبرز أقطابه : القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ، وأبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني ، وأبو إسحاق ابراهيم بن محمد الاسفراييني ، وأبو الحسن مقاتل بن سليمان الخراساني.
   الملل والنحل : 1 / 127 ـ 145 ، والابانة عن اصول الدين : 1 / 1 ـ 17 ومقالات الاسلاميين : 1 / 1 ـ 688.
(2) وهو الذي لا يبقى معه قدرة واختيار للشخص .
   « هوامش المسلماوي : ص 21 »
(3) الحنفية : نسبة تمثل رواد مدرسة فقهية ، في فروع الدين ، تعتمد الراي في استنباط أحكامها مؤسسها أبو حنيفة في مطلع النصف الثاني

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 110 ـ
   العبادات (1).
   وهو خطأ : لقيام المقتضي (2) ، وهو الامر مع إنتفاء المانع ، إذ المانع عندهم هو الكفر لا غير ، وهو لا يصلح للمانعية .
   لان الكافر : يتمكن من الايمان (3) ، حتى يتمكن من الاتيان بالفروع .
   ولانه تعالى يعاقبهم على ذلك لقوله تعالى : « مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ » [ 74 / 42 ].
   احتجوا (4) : بأنه حال الكفر لا يصح منه ، وبعده يسقط

   من القرن الثاني الهجري. ومن جملة أعلامها : أبو يوسف ، والشيباني كما وشاع مذهبهم خاصة : في الشرق الادنى ، وفي آسيا الوسطي ، والهند روضات الجنات : ص 732 ، المنجد : ص 168 وغيرهما من المصادر
(1) كالصلاة والزكاة سواء كان مأمورا به ، أو منهيا عنه .
   وانما قيده بفروع العبادات ، لان الكفار مخاطبون باصول العبادات كالايمان بلا خلاف .
   وإنما قلنا : سواء كان مأمورا به أو منهيا عنه ، لان بعضهم ذهب إلى أنهم مكلفون بالنواهي دون الاوامر ، بخلاف الحنفية ، فإنهم يقولون أنهم غير مكلفين مطلقا .
   « هوامش المسلماوي : ص 21 »
(2) لوجوب هذه العبادات.
   « هوامش المسلماوي : ص 22 »
(3) أي من إزالة المانع باختيار الايمان ، كالمحدث : فإنه يتمكن من الصلاة بإزالة المانع ، وهو الحدث.
   « هوامش المسلماوي : ص 22 »
(4) أي الحنفية : على أن الكفار غير مخاطبين ...
   « هوامش المسلماوي : ص 22 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 111 ـ
   عنه (1).
   والجواب : أن المراد بالوجوب هنا (2) ، مؤاخذتهم على تركها في الآخرة ، مع استمرار كفرهم (3).

   الحق !! ذلك.
   والمراد بالاجزاء : خروجه عن عهدة التكليف ، بفعل المأمور به على وجهه.
   لانه لولا ذلك : لكان الامر إما أن يتناول عين ما فعل فيلزم تحصيل الحاصل ، أو غيره ، فلا يكون المأتي به تمام ما أمر به ، والتقدير خلافه .
   وذهب أبو هاشم : إلى أنه لا يقتضيه (4) ، لان الحج الفاسد

(1) أي عن الكافر : جميع التكاليف السابقة ، بالاجماع .
   « هوامش المسلماوي : ص 22 »
(2) أي في قولنا : أن الفروع واجبة على الكفار.
   « هوامش المسلماوي : ص 22 »
(3) وعدم صحة الامتثال حال كفرهم ، لا ينافي الوجوب بالمعنى المذكور.
   « هوامش المسلماوي : ص 22 بتصرف »
(4) مرجع الضمير : الاجزاء.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 112 ـ
   مأمور به ، ولا يجزئ .
   والجواب عنه : أنه مجز بالنسبة إلى الامر الوارد به (1). وغير مجز بالنسبة إلى الامر الاول.

   الحق !! إن الامر إن كان مقيدا بوقت ولم يفعل فيه ، لا يقتضي وجوب القضاء ، وإنما يجب القضاء بأمر جديد (2).

(1) مرجع الضمير : ثانيا ، كما في هامش المصورة : ص 16.
(2) والذي يدل على ذلك : هو أن الامر ، إذا كان معلقا بوقت دل على أن ايقاعه في ذلك الوقت مصلحة .
   فمتى لم يفعل في ذلك الوقت ، فمن أين يعلم أنه مصلحة في وقت آخر ؟ ويحتاج في العلم بذلك إلى دليل آخر ؟
   وعلى هذا قلنا : أن القضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل آخر ، غير الدليل الذي دل على وجوب المقتضي.
   وليس لاحد أن يقول : أن الامر يدل على وجوب المأمور به ، وأنه مصلحة ، وليس للاوقات تأثير في ذلك ، فينبغي أن يكون ايقاعه مصلحة أي وقت شاء .
   وذلك : أنه لا يمتنع أن يكون للاوقات تأثير في كون الفعل مصلحة فيه ، حتى إذا فعل في غيره كان مفسدة .
   والذي يكشف عن ذلك : أن صلاة الجمعة لا خلاف أنها مصلحة ،

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 113 ـ
   لان الامر الاول : لا يتناول ما عدا وقته ، فلا يدل عليه ولان أوامر الشرع : تارة يستعقب القضاء ، وتارة لا يستعقبه (1).
   فدل على أن مجرد الامر الاول ، غير كاف في القضاء.

   لان قوله « عليه السلام » : « مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع » (2) لا يقتضي الوجوب.
   والامر بالماهية الكلية ، ليس أمرا بشيء من جزئياتها ، لان الكلي مغاير للجزئي ، وغير مستلزم له .

   وواجبة في وقت معين ، ومن لم يفعلها فإنها تسقط عنه ، لا يجوز له فعلها في وقت آخر.
   « عدة الاصول : 1 / 81 »
(1) كصلاة الجنازة ، كما في هامش المصورة : ص 17.
(2) سنن ابن داود : ك 2 ب 26 ص 115 ، ومصادر أخر مذكورة في الوسائل : 1 / 171.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 114 ـ
   الاشاعرة : خالفت سائر العقلاء في ذلك.
   والدليل عليه : أن الامر من غير مأمور عبث .
   وهو قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.
   والنبي « عليه السلام » : غير آمر لنا حقيقة ، بل هو مخبر عن الله تعالى ، بأنه يأمر كل واحد بما جاء به ، حال وجوده.
   وكذلك الغافل غير مأمور : لان تكليف من لا يعلم الخطاب ـ حال التكليف ـ ، تكليف بما لا يطاق .
   ولقوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاث ... » (1) ، الحديث.

   يجب على المأمور قصد الطاعة : لقوله تعالى : « وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ » [ 98 / 6 ].

(1) الجامع الصغير : 2 / 24 ، وكشف الخفاء : 1 / 434.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 115 ـ
   ولقوله عليه السلام : « إنما الاعمال بالنيات ... » (1).
   وهذا حكم واجب في كل عبادة ، سوى شيئين : النظر المعرف للوجوب ، وإرادة الطاعة (2).

   المأمور : يصير مأمورا قبل الفعل ، لان القدرة شرط الامر وهي إنما تتحقق قبل الفعل ، لان الفعل حال وجوده واجب ، فلا قدرة عليه ، فلا يتعلق به أمر.
   وعند الاشاعرة : أنه مأمور حال الفعل ، لانه (3) حال القدرة ، وقد بينا فساده في علم الكلام.

(1) صحيح البخاري : ك 1 ب 1 ص 4 ، ومصادر أخر مذكورة في مفتاح كنوز السنة : ص 512.
(2) فإن إيقاعه على وجه الطاعة غير ممكن ، لان فاعله لا يعرف وجوبه عليه ، ولا كونه مأمورا به ، إلا بعد اتيانه به .
   وهذا يأتي على رأي الاشاعرة ، القائلين بوجوبه شرعا .
   أما نحن والمعتزلة فلا ، لان وجوب النظر عندنا عقلي ، غير مستفاد من الامر.
   « هوامش المسلماوي : ص 25 »
(3) مرجع الضمير : حال الفعل ، كما في هامش المصورة : ص 18.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 116 ـ
   الخلاف في أن النهي يقتضي التحريم ، كالخلاف في أن الامر يقتضي الوجوب.
   والحق !! أنه يقتضيه (1).
   لقوله تعالى : « وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » ، [ 59 / 8 ] ووجوب الانتهاء يستدعي تحريم المنهي عنه ، وفي اقتضائه التكرار كما قلنا في الامر.
   وهل يجوز أن يكون الشيء الواحد : مأمورا به منهيا عنه ؟ كالصلاة في الدار المغصوبة.
   الوجه : عدم الجواز ، لان كونه مأمورا به يستلزم نفي الحرج ، وكونه منهيا عنه يستلزم ثبوت الحرج.
   والجمع بينهما محال : فإن شغل الحيز ، جزء من ماهية الصلاة ، وهو منهي عنه.
   والامر بالصلاة أمر بأجزائها .
   فيلزم الامر بذلك : الشغل والنهي عنه ، وهو محال .

(1) مرجع الضمير : التحريم.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 117 ـ
   لحق !! أنه يقتضي الفساد ، في العبادات لا في المعاملات .
   أما الأول : فلانه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف .
   وأما الثاني : فلامكان النهي عن البيع (1) ، مع وقوع الملك به ، كما في وقت النداء (2).
   ولا ينتقض بالعبادات : لان الفساد هناك معناه عدم الاجزاء (3) ،

(1) والدليل على أن النهي لا يدل على الفساد في المعاملات : إن الدلالة اما لفظية وإما معنوية ، وكلتاهما منتفيتان ، أما الاولى : فلان النهي لا يدل من حيث اللفظ ، إلا على المنع من الفعل ، منعا مانعا من النقيض ، وهذا المفهوم غير مفهوم الفساد ، وأما الثانية : فلان المراد من الدلالة أن يكون لمسمى اللفظ لازم ، يلزم من فهمه فهم ذلك اللازم وليس مفهوم الفساد لازما لمسمى النهي.
   « غاية البادي : ص 120 ـ 121 »
(2) أي وقت نداء الجمعة : فإن البيع هذا الوقت منهي عنه ، لقوله تعالى : « إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ »
   « هوامش المسلماوي : ص 26 »
(3) أي عدم موافقتها لامر الشارع.
   « المصدر السابق نفسه »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 118 ـ
   وهنا !! معناه عدم ترتب حكمه (1) عليه (2) ، ومع اختلاف التفسير لا يتم النقض.
   واعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في التصرفات ، كذا لا يدل على الصحة (3).

(1) مرجع الضمير : الفساد ، كما في هامش المصورة ص 19.
(2) ومن أحكام الفساد : انه لا يجوز التصرف في المبيع بالبيع الفاسد .
   « هامش المصورة : ص 19 »
(3) اعلم : أن النهي كما لا يدل على الفساد في المعاملات ، كذلك لا يدل على الصحة ، بعين المذكورة ، وإن استفيد الصحة ، استفيد من دليل خارجي .
   « غاية البادي : ص 121 »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 119 ـ
   وفيه : مباحث


مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 120 ـ
   الاول في : العام والخاص
   العام : هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له (1) ، بحسب وضع واحد (2).
   والمطلق : هو اللفظ الدال على الحقيقة ، من حيث هي هي من غير أن يكون فيه دلالة ، على شيء من القيود (3).
   وصيغ العموم : كل (4) .. وأي (5) ؟ ...

(1) كما قال أبو الحسين ، نقلا عن منتهى الوصول : ص 74.
(2) احترز عن المشتركة : فإنه بحسب الوضع الواحد ، لا يكون مستغرقا لمفهوماته ، فلا يكون عاما « هوامش المسلماوي : ص 27 »
(3) من الوحدة والتكرار.
   « المصدر السابق نفسه »
(4) لفظ كل : إذا دخلت في الكلام ، فإنها تفيد الاستغراق ، سواء دخلت للتأكيد أم لغير ذلك.
   أما ما يدخل للتأكيد ، نحو قول القائل : رأيت الرجال كلهم ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.
   وما يدخل لغير التأكيد ، نحو قول القائل : كل رجل جاءني اكرمته ، وكل عبد لي فهو حر .
   وعلى هذا قوله تعالى : « كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ... »
   « العدة : 1 / 105 بتصرف »
(5) فإنها تستغرق ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من اللفظتين معا .

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 121 ـ
   وما (1) ؟ ومن ؟ (2) ومتى (3) ؟ وأين ؟ (4) ؟ في المجازاة (5)

   لاجل هذا !! إذا قال : أي شيء عندك ؟ يحسن أن يجاب بما يعقل وما لا يعقل .
   إلا أنها لا تفيد الاستغراق ، كما تفيد من وما ، إلا أن يدل دليل على ذلك ، فيحكم له بحكم الاستغراق، « العدة : 1 / 104 »
(1) فيما لا يعقل ، إذا وقعت الموقع الذي ذكرناه ، من المجازاة والاستفهام .
   ومتى كانت معرفة ، لم تكن مستغرقة كما قلناه في سواء .
   ومن الناس من قال : إن « ما » يعم ما يعقل وما لا يعقل ، وهي أعم من من ، وذلك محكي عن قوم من النحويين.
   « العدة : 1 / 104 »
(2) في جميع العقلاء ، إذا كانت نكرة ، في المجازاة والاستفهام .
   ومتى وقعت معرفة ، لم تكن للعموم ، وكانت بمعنى الذي ، وهي خاصة بلا خلاف .
   « العدة : 1 / 103 »
(3) في الاوقات : لانها تجري في تناول جميع الاوقات ، مجرى من في تناولها لجميع العقلاء.
   وذلك !! نحو أن يقول القائل : متى جئتني جئتك ؟ فإن ذلك ، لا يختص وقتا دون وقت ، بل يتناول جميع الاوقات.
   « العدة : 1 / 104 »
(4) في المكان ، نحو قول القائل : أين زيد ؟ يحسن أن يجيبه بذكر كل مكان ، فعلم أنه متناول له .
   « العدة : 1 / 104 »
(5) المجازاة بضم الميم : مصدر يراد باصطلاحه أدوات الشرط الجازمه لفعلين ـ الشرط وجزاؤه ـ وهو كثيرا ما استعمل في لسان القدماء.

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 122 ـ
   والاستفهام ... والنكرة في سياق النفي (1) ، والجمع المعرف باللام الجنسية (2) والمضاف (3).
   لان قولنا : جاءني كل رجل ، يناقض قولنا ما جاءني كل رجل.

(1) نحو قول القائل : ما رأيت أحدا ، وما جاءني من أحد ، فإن ذلك يفيد الاستغراق.
   ومثله : وقوعها في سياق النهي ، نحو لا تشتم أحدا.
   « جمعا بين العدة : 1 / 104 ومبادئ اصول الفقه : ص 60 »
(2) ومنها : اسماء الاجناس ، إذا دخلها الالف واللام ، ولم يرد بهما التعريف.
   نحو قوله : « وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ » ، ونحو قولهم : « أهلك الناس الدينار والدرهم » ، لان ذلك يفيد الجنس كله .
   ومتى كان للتعريف ، كان مختصا بما عرف به ، نحو قول القائل : رأيت الانسان ، يشير به إلى إنسان معهود متقدم .
   فأما ما كان خاليا من الالف واللام ، فإنه يفيد واحدا لا بعينه ، نحو قول القائل : رأيت رجلا وإنسانا ، وما يجري مجراه .
   وهذا يسميه أهل اللغة : النكرة لانه لا يخصص واحدا من غيره .
   « العدة : 1 / 104 »
(3) الجمع المضاف كقولك : عبيدي ، وعبيد زيد ، للاستغراق .
   والحجة عليه : جواز الاستثناء ، نحو قول القائل : عبيد زيد صلحاء إلا خالدا .
   « معارج الاصول : ص 35 بتصرف »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 123 ـ
   والثاني : ما (1) يفيد العموم ، فوجب كون الاول مفيدا للعموم. لان السلب الجزئي إنما يناقضه الايجاب الكلي.
   وكذا في ال‍ « جميع ».
   وأما ألفاظ المجازاة والاستفهام : فلانها لو لم تفد العموم !!..
   لكانت : إما مفيدة للخصوص ، وهو باطل ، لحسن الجواب بذكر كل العقلاء.
   وإما للعموم والخصوص معا : وهو باطل ، وإلا لما حسن الجواب إلا بعد الاستفهام عن جميع الاحتمالات الممكنة.
   أو لا لواحد منهما : وهو باطل بالاجماع .
   وأيضا : فإنه يصح استثناء أي عدد كان منها .
   والاستثناء : إخراج ما لولاه لدخل ، وهو دليل عام في جميع ما ادعينا عمومه.
   وأما النكرة المنفية : فإنها نقيض المثبتة ، وهي غير عامة في الاثبات ، فتعم في النفي.
   وأما الجمع المعرف : فإنه يؤكد بما يفيد العموم ، والتأكيد تقوية ما يفيده المؤكد (2).

(1) هنا !! ما : نافية بمعنى لا.
(2) الجمع المعرف باللام : مشتقا كان أو غير مشتق .
   إن كان معهودا ، انصرف إليه ، وإلا !! فهو للاستغراق ، خلافا لابي هاشم.
   لنا : أنه يؤكد بما يقتضي العموم في ذلك ، نحو : قام القوم كلهم

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 124 ـ
   وأما المضاف فللاستثناء (1).

   وهو ستة :
   الاول :
   الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم ، لعموم إفادته في مثل : لبست الثوب وشربت الماء ، ولامتناع تأكيده (2) ووصفه بما يفيده (3).

   ورأيت المشركين كلهم.
   فلو لم يكن الاول للاستغراق ، لما كان الثاني تأكيدا .
   « معارج الاصول : ص 34 بتصرف »
(1) راجع التعليقة 3 في صفحة 122.
(2) بمؤكدات الاستغراق : نحو كل وجميع.
   لانك لا تقول : رأيت الانسان كلهم ، ولا جاءني الكريم اجمعون.
   « المعارج : ص 35 »
(3) أي : بما يفيد العموم ، فإنك لا تقول : جاءني الرجل القضاة ، ولا العالم الفقهاء.
   « المعارج : ص 36 بتصرف »

مبادئ الوصول إلى علم الاصول  ـ 125 ـ
   الثاني :
   الجمع المنكر لا يفيد العموم ، لانه يوصف بالاقل (1) ، نحو جاءني رجال ثلاثة وأربعة وخمسة ، والمفهوم قابل للتقسيم إلى هذه المراتب (2) ، ومورد التقسيم مغاير لاقسامه وغير مستلزم لها (3).
   إذا عرفت هذا !! فنقول : أقل الجمع ثلاثة ، وقيل (4) : إثنان.

(1) لانه يفسر بالقلة والكثرة : فيجب أن لا يحمل على أحدهما إلا لدلالة .
  لكن أقل الجمع من ضروريات محتملاته ، فيجب أن يقتصر عليه ، إلا لدلالة زائدة.
   « المعارج : ص 36 »
(2) أي مفهوم الجمع المنكر : قابل للتقسيم ، إلى مراتب الاعداد ، أقلها وأكثرها.
  « هوامش المسلماوي : ص 29 بتصرف »
(3) يعني : أن مورد التقسيم مشترك بين أقسامه ، ومغاير لكل واحد منها ، وغير مستلزم لها ، كاللفظ الدال على ذلك المورد ، ولا إشعار له بشيء منها البتة.
   « المصدر السابق نفسه »
(4) والقائل : القاضي أبو بكر ، وإمام الحرمين ، وأبو يوسف ، واحتجوا بقوله تعالى : « وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ » ، أراد داود وسليمان ، ولقول النبي « عليه السلام » : الاثنان فما فوقهما جماعة .
   « هوامش المسلماوي : ص 29 بتصرف »