اليهود (1).
لنا : أن الاحكام منوطة بالمصالح ، ولا امتناع في كون الوجوب مثلا مصلحة في وقت ، ومفسدة في آخر.
فلو كلف به دائما ، لزم التكليف بالمفسدة ، فيجب رفعه في وقت كونه مفسدة ، وهو المطلوب.
ولقوله تعالى : « مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا ... » [ 2 / 107 ].
ولان النسخ وقع في شرع اليهود ، كتحريم كثير من الحيوان على لسان موسى « ع » (2) ، مع إباحته الجميع عدا الدم
(1) اليهود : من هاد الرجل ، أي رجع ، وتاب ، وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسى « ع » : « إنا هدنا إليك » ، أي رجعنا وتضرعنا ، ويسمون ببني إسرائيل.
واليهود : تدعي أن الشريعة لا تكون إلا واحدة ، ابتدأت بموسى وتمت ، فلم يكن قبله شريعة إلا حدود تحولية وأحكام مصلحية ، ولم يجيزوا النسخ أصلا.
قالوا : فلا يكون بعده شريعة اخرى ، لان النسخ في الاوامر بداء ولايجوز البداء على الله.
« جمعا بين : الملل والنحل 2 / 9 ـ 22 وقاموس الالفاظ والاعلام القرآنية ص 429 ـ 430 بتصرف واختصار »
(2) نبي اليهود : وهو اشهر من اشتهر في الكتب المقدسة ، من صلاح العهد القديم ، أنقذ من المياه وتربي في قصر فرعون بطلب من
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 177 ـ
على لسان نوح (1) ، وغير ذلك من الاحكام (2).
زوجته ، ثم لجأ إلى برية سينا ، وأرسله الرب منقذا شعبه العبرانيين من مظالم فرعون ، فخلصهم وجاز معهم برية سينا مدة أربعين سنة ، أعطاهم في خلالها لوحي الوصايا التي تلقاها من الرب في جبل حوريب ، وسن لهم الشرايع ، لقب ب « كليم الله ».
« المنجد في الادب والعلوم : ص 520 بتصرف »
وللتوسع !! يراجع « قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص 366 ـ 367 ».
(1) نبي مرسل : وهو أبو سام وحام ويافث ، نجا مع القلة المؤمنين به ، من الطوفان ، على ما جاء في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
« المنجد في الادب والعلوم : ص 542 بتصرف »
وللتوسع !! يراجع « قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص 392 »
(2) إن النسخ لو لم يجز لم يقع في شرعهم لكنه وقع ، فإنه جاء في التوراة ، إن الله تعالى قال لنوح عند خروجه من الفلك ، إني جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك ، وأطلقت لكم كنبات العشب ، ماخلا الدم فلا تأكلوه .
ثم حرم الله على موسى وعلى بني اسرائيل كثيرا من الحيوان ، وجاء فيه أن الله تعالى ، أمر آدم أن يزوج بناته من بنيه ، ثم حرم ذلك في شريعة من بعده .
وأيضا : أن العمل كان مباحا في يوم السبت ، ثم حرم على موسى وقومه.
وكان الختان في شرع ابراهيم جائزا بعد الكبر ، وقد صار واجبا
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 178 ـ
واحتجاج اليهود بقول موسى : « تمسكوا بالسبت أبدا » (1) ضعيف .
لان التأبيد يطلق على الزمان الطويل.
كقوله في التوراة : « يستخدم العبد ست سنين ، ثم يعرض عليه العتق ، فإن أبى ثقبت أذنه ، واستخدم أبدا » ، وفي موضع آخر : « يستخدم العبد خمسين سنة ، ثم يعتق في تلك السنة ».
وأيضا تواتر اليهود انقطع ، لان « بختنصر » (2) أفناهم إلا من شذ .
إذا عرفت هذا !! فالنسخ قد وقع في القرآن كما في :
يوم ولادة الطفل في شرع موسى .
وكان الجمع بين اختين مباحا في شريعة يعقوب ، وقد حرم ذلك في شريعة من بعده .
« غاية البادي : ص 110 ـ 111 »
(1) فاحفظوا السبت فانه مقدس لكم ، ومن خرقه يقتل قتلا ، كل من يعمل فيه عملا ، تنقطع تلك النفس من شعبها ، فليحافظ بنو اسرائيل على السبت مواظبين عليه مدى أجيالهم عهدا أبديا « سفر الخروج : فصل 31 ، ص 144 ، طبع بيروت سنة 1937 م ».
(2) ملك البابليين ( 604 ق م ـ 61 ق م ) ، أغار بحملاته على مصر ، وفتح اورشليم وأحرقها ، وأجلى أهل يهوذا إلى بابل بعد تقتيل الكثير منهم ، وسجن من بقي منهم في سجون خاصة ، لا زالت آثارها باقية في بابل حتى اليوم.
« المنجد في الآداب والعلوم : ص 66 بتصرف »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 179 ـ
القبلة (1) ، والاعتداد للوفاة (2) ، وثبات الواحد للعشرة (3) ، ووجوب تقديم الصدقة على المناجاة (4).
وقوله تعالى : « لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » [ 41 / 42 ] ، يريد به لم يتقدمه من كتب الله تعالى ما يبطله ،
ذهب المعتزلة : إلى بطلانه .
لاستحاله : كون الشيء حسنا وقبيحا في وقت واحد ، والامر بالقبيح والنهي عن الحسن.
فذلك الفعل في ذلك الوقت : إن كان حسنا استحال النهي عنه ، وإن كان قبيحا استحال الامر به .
والاشعرية ذهبوا : إلى جوازه.
لانه تعالى أمر ابراهيم (1) بذبح ولده ، لقوله تعالى :
(1) ولد إبراهيم « عليه السلام » بارض بابل منذ آلاف السنين ، وهو من سلالة سام بن نوح ، وكان أهل بابل يعبدون الكواكب والاصنام ويؤلهون ملكهم النمروذ بن كنعان ، وكان آزر أبوه ينحت الاوثان لقومه ويتولى خدمتها ».
ونشأ ابراهيم سليم العقيدة ، وقد آتاه الله رشده ، فمقت الاوثان وحارب عبادتها ، ودعا إلى نبذها وعبادة الواحد الاحد ، وبين لقومه أنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنهم أبوا ...
ويعرف ابراهيم عليه السلام بخليل الله وبأبي الانبياء ، لانه ظهر من
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 181 ـ
« إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ » [ 37 / 103 ] ، ثم نسخ عنه بالفدية (1).
وهذا !! أقوى عندي.
والجواب عن حجة المعتزلة : أن الحسن والقبح ، كما يوصف الفعل بهما ، فكذا يلحقان الامر فجاز أن يكون الشيء حسنا .
إلا أن الامر به يشتمل على نوع مفسدة ، فيلحقه النسخ بإعتبار لحوق القبح للامر لا للمأمور .
يجوز : نسخ الشيء إلى غير بدل ، كالصدقة أمام المناجاة وإلى ما هو أثقل (2).
ذريته أنبياء كثيرون ، وقد اتاه الله سبحانه وتعالى الكتاب الذي سمي في سورتي النجم والاعلى بصحف ابراهيم.
« قاموس الالفاظ والاعلام القرآنية : ص 1(2) 13 باختصار »
(1) بقوله تعالى من نفس السورة ـ الصافات الآية 108 ـ : « وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم ».
(2) ألا ترى أن قوله : « وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 182 ـ
ونسخ التلاوة دون الحكم (1) ، وبالعكس (2).
ونسخ الخبر مع تعدد مقتضاه ، كقوله : « أعمرت نوحا
اقتضى كون المكلف مخيرا في الصوم.
ثم حتم ذلك وألزمه مع ما فيه من زيادة المشقة على التخيير ، بقوله : « فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ » تقديره : فمن شهد منكم الشهر حيا حاضرا صحيحا عاقلا بالغا فليصمه .
« جمعا بين : العدة 2 / 28 ، والناسخ والمنسوخ ص 33 »
(1) وقد مثلوا لذلك بآية الرجم التي رواها عمر بقوله : « الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ».
« الناسخ والمنسوخ : ص 24 بتصرف »
وللتوسع !! يراجع « البيان في تفسير القرآن » للامام الخوئي : ص 213 ـ 254.
(2) وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه : فهو في ثلاث وستين سورة مثل : الصلاة إلى بيت المقدس ، والصوم الاول ، والصفح عن المشركين ، والاعراض عن الجاهلين.
« الناسخ والمنسوخ : ص 24 »
وللتوسع !! يراجع « البيان في تفسير القرآن » للامام الخوئي : ص 305 ـ 403.
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 183 ـ
ألف سنة » ، ثم يقول : « عمرته ألف سنة إلا خمسين عاما » (1).
ونسخ الامر المقيد بالتأبيد ، لانه شرطه (2).
ونسخ المتواتر من السنة بمثله (3) ، وبخبر الواحد عقلا غير
(1) يجوز نسخ الخبر مع تعدد مقتضاه ، سواء كان ماضيا أو مستقبلا ، وعدا أو وعيدا ، وهو مذهب المرتضى ، خلافا للجبائيين والقاضي أبي بكر .
واستدل المصنف على الجواز : بأن مدلول الخبر إذا كان متعددا ، كقوله « عمرت نوحا ... » يجوز أن ينسخ بقوله « عمرته الف سنة إلا خمسين عاما ».
ويكون الناسخ بيانا لاخراج بعض ما تناوله اللفظ ، قياسا على الامر والنهي ، فيجوز في الجميع إما بالقياس عليه أو لعدم القائل بالفرق .
« غاية البادي : ص 118 ـ 119 »
(2) كقوله مثلا : « افعلوا هذا الفعل أبدا » ، خلافا لقوم ...
ودليلنا : أنه نسخ شيء مشروط ، بكون ذلك الشيء واردا على وجه التأبيد.
لانه لو لم يكن كذلك ، لم يكن رفعا ، وشرط الشيء لا ينافيه .
« غاية البادي : ص 119 »
(3) واستدلوا : بان التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالتواتر ، وأهل قبا لما سمعوا منادي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « ألا أن القبلة قد حولت » ، استداروا بمجرد خبره ، ولم ينكر النبي « ص » عليهم .
« غاية البادي : ص 119 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 184 ـ
واقع (1).
ونسخ خبر الواحد بمثله (2) وبالمتواتر.
ونسخ الكتاب بمثله ، خلافا للشافعي ، كالقبلة والعدة (3).
ونسخ الكتاب بالسنة المتواترة ، كالحبس في البيوت ، خلافا له (4).
أما الاجماع : فلا ينسخ ، لان شرط إنعقاده وفاة الرسول « عليه السلام » ، ولا ينسخ به ، لان وقوعه على خلاف النص خطأ (5).
(1) عند الجمهور ، خلافا لاهل الظاهر. « غاية البادي : ص 119 »
(2) وقد وقع ذلك على ما روي : لان النبي نهى عن إدخار لحوم الاضاحي وزيارة القبور.
نسخ ذلك فأباح الزيارة والادخار للحوم الاضاحي.
« العدة : 2 / 44 »
(3) ما ذكره شيخنا دام ظله : من مخالفة الشافعي فيه ، كان من زلة قلمه ، لاني ما وقفت على خلاف فيه ، لا له ولا لغيره من مجوزي النسخ.
« غاية البادي : ص 120 »
(4) لنا : إن الفرض في الزانية كان إمساكهن في البيوت ، لقوله تعالى : « فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ».
ثم إن الله تعالى نسخه بآية الجلد ، ثم إن النبي نسخ الجلد بالرجم .
« غاية البادي : ص 120 »
(5) أما الاول : فلان شرط انعقاد الاجماع وفاة النبي « صلى الله
لا خلاف في أن زيادة عبادة على العبادات ليس بنسخ للعبادات ، وزيادة غيرها نسخ عند أبي حنيفة ، خلافا للشافعي .
والحق !! ما قاله أبو الحسين : وهو أن الزيادة لا شك أنها تقتضي زوال أمر ، وأقله عدمها.
فإن كان الزايل حكما شرعيا ، وكانت الزيادة متراخية
عليه وآله » ، لانه لو كان حيا وخالف لم يكن اجماعا ، لانه سيد المؤمنين وإن وافق فالعبرة بقوله .
وحينئذ نقول : إما أن ينسخ الاجماع بالقرآن أو بالسنة أو بالاجماع والكل باطل .
أما الاولان : فلانهما إن كانا موجودين وقت انعقاد الاجماع ، كان الاجماع على خطأ ، وإن لم يكونا موجودين استحال حدوثهما ، لاستحالة حدوث كتاب أو سنة بعد النبي « ص ».
وأما الثالث : فنقول انعقاد الاجماع الثاني ، إن لم يكن عن دليل فهو خطأ ، وإن كان عن دليل عاد التقسيم الاول.
وأما الثاني : فلان المنسوخ به أما أن يكون نصا أو اجماعا ، والاول باطل لانه يقتضي وقوع الاجماع على خلاف النص فيكون خطأ ، وكذا الثاني لما تقدم من أنه لا ينسخ .
« غاية البادي : ص 12(1) 122 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 186 ـ
عنه ، سميت تلك الازالة نسخا وإلا فلا زيادة.
وزيادة التغريب يزيل عدمه ، وهو حكم عقلي مستند إلى البراءة الاصلية ، لان إيجاب الحد لا إشعار فيه ، بنفي الزائد ولا إثباته.
إما زيادة ركعة على الصبح فإنها ترفع وجوب التشهد عقيب الركعتين.
فكان نسخا لهذا الحكم لا للركعتين ـ لان النسخ لا يرد على الافعال ـ ، ولا لوجوبهما ، ولا لاجزائهما ، لانهما كانتا مجزئتين
والآن !! إنما لم تجز بالوجوب الثالثة ، ووجوب الثالثة إنما يرفع نفي وجوبها ، ونفي وجوبها عقلي (1).
(1) قول أبي الحسين : هو أن تلك الزيادة ، لابد أن تقتضي زوال أمر ، ولو لم يكن إلا عدم ذلك الامر الكاين قبل الزيادة.
ثم إن الزائل بتلك الزيادة : إن كان حكما شرعيا ، وكانت الزيادة متراخية عنه ، سميت تلك الازالة نسخا ، ولا يقبل الزيادة بخبر الواحد.
وإن كان حكما عقليا ، وهو البراءة الاصلية ، لم يسم نسخا ، ويقبل الزيادة بخبر الواحد.
فزيادة التغريب ، أو زيادة عشرين على جلد ثمانين ، انما يزيل عدم وجوب الزايد على الثمانين.
وهذا العدم كان معلوما بالعقل لا بالشرع ، لان إيجاب الثمانين ، أعم من أن يكون مع الزائد أو مع عدم الزائد ، والعام لا دلالة له على الخاص ، ويجوز قبول خبر الواحد فيه .
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 187 ـ
وأما نقصان جزء العبادة : فالحق !! أنه ليس نسخا للعبادة ، لان المقتضي للجزئين ثابت ، وخروج احدهما لا يقتضي خروج الآخر ، وكذا شرطها .
نعم ، إنه نسخ للجزء أو الشرط (1).
وزيادة ركعة على الركعتين ، كالصبح قبل التشهد نسخ ، لانها مزيلة لوجوب التشهد عقب الركعتين ، وذلك الوجوب حكم شرعي ، ولايجوز قبول خبر الواحد فيه .
وليس ذلك نسخا للركعتين ، لان النسخ لا يتناول الافعال ، ولا لوجوبهما ، لان وجوبهما لم يزل ، ولا لاجزائهما لانهما مجزيتان ، وإنما كانتا مجزيتين من دون ركعة اخرى.
والآن لا يجزيان الا مع ركعة ، وذلك تابع لوجوب ضم ركعة اخرى ، ووجوب ركعة اخرى ، لم يرفع إلا نفي وجوبها ، ونفي وجوبها إنما حصل بالعقل .
« غاية البادي : ص 125 ـ 126 »
(1) فنسخ الوضوء لا يكون نسخا للصلاة ، بل يكون نسخا لبعض الاجزاء ، لان الصلاة بغير الطهارة لم تكن مجزية ، فبعد النسخ صارت مجزية .
وكذلك يكون نسخ الشرط نسخا لجزئه ، والا لم يكن نسخا للشرط بل لجزء الشرط ، وقد فرضناه كذلك.
وهكذا الحكم في سائر العبادات المركبة ...
« غاية البادي : ص 126 ـ 127 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 190 ـ الاول« في : إجماع أمة محمد »
إجماع امة محمد صلى الله عليه وآله حق .
أما على قولنا فظاهر ، لانا نوجب المعصوم في كل زمان ، وهو سيد الامة ، فالحجة في قوله .
وأما المخالف !! فلقوله تعالى : « وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى » [ 4 / 116 ] والتوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين يقتضي وجوب إتباع سبيلهم .
ولقوله تعالى : « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ... » [ 2 / 144 ] ، والوسط العدل (1).
ولقوله تعالى : « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ... » [ 3 / 111 ] وهو يقتضي أمرهم بكل معروف ، ونهيهم عن كل منكر .
ولقوله « عليه السلام » : « لا تجتمع امتي على الضلالة » (2)
(1) كما في مجمع البيان : 1 / 224 ، وتفسير القمي : 1 / 63 ، والصافي : 1 / 147 ، والتبيان : 2 / 6.
(2) رواه : أحمد في مسنده ، والطبراني في الكبير ، وابن أبي خيثمة في تأريخه « المقاصد الحسنة للسخاوي : 1 / 460 ».
لا يجوز إحداث قوله ثالث ، إن لزم منه إبطال ما أجمعوا عليه.
كالجد !! قيل : له المال ، وقيل : يقاسمه الاخ ، فحرمانه باطل .
وإن لم يستلزم بطلان الاجماع ، جاز لعدم المانع (1).
(1) إذا اختلف أهل العصر على قولين ، ثم أحدث من بعدهم قول ثالث ، منعه الاكثرون.
كوطئ البكر ، ثم يجد عيبا ، قيل بمنع الرد ، وقيل : ترد مع الارش ، فالقول بالرد مجانا قول ثالث .
وكالجد مع الاخ ، قيل : يرث المال كله ، وقيل : بالمقاسمة ، فالقول بالحرمان قول ثالث .
وكالام مع زوج وأب أو زوجة وأب ، قيل : ثلث الاصل ، وقيل : ثلث ما بقي ، فالفرق قول ثالث .
وكالنية في الطهارات ، قيل : تعتبر في الجميع ، وقيل : في البعض فالتعميم بالنفي قول ثالث.
وكالفسخ بالعيوب الخمسة ، قيل : يفسخ بها ، وقيل : لا ، فالفرق قول ثالث .
ومنهم من فصل !! وهو الصحيح ، فقال : إن كان الثالث يرفع
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 192 ـ
ولو لم تفصل الامة بين المسألتين (1).
فإن نصوا على عدمه ، امتنع الفصل ، وكذا إن علم إتحاد طريقة الحكم في المسألتين ، كالعمة والخالة ، علة إرثهما كونهما من ذوي الارحام ، فمن ورث إحداهما ورث الاخرى ومن منع إحداهما منع الاخرى (2).
وإن لم يكن كذلك جاز (3).
ما اتفقا فممنوع ، كالبكر فإن الاتفاق على أنها لاترد مجانا ، وكالجد فإن الاتفاق على أنه يرث ، وكالنية في الطهارات.
وإن كان لا يرفع ، بل وافق كل واحد من وجه وخالف من وجه فجائز ، إذ لا مخالفة لاجماع ، كفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة دون بعض ، فإنه موافق في كل صورة مذهبا. « منتهى الوصول : ص 44 »
(1) بل جمعوا بينهما في حكم من الاحكام الخمسة ، فهل لمن بعدهم أن يفصلوا بينهما ؟ ويخصوا إحداهما بحكم والاخرى بحكم آخر أم لا ؟ والحق !! التفصيل.
« غاية البادي : ص 145 »
(2) إذا لم يفصلوا بين مسألتين ، فهل لمن بعدهم الفصل ؟ والحق إن نصوا بعدم الفرق ، أو اتحد الجامع ، كتوريث العمة والخالة ، لم يجز ، لانه رفع مجمع عليه ، وإلا جاز .
« منهاج الوصول : ص 52 »
(3) أي إن لم يعلم اتحاد طريقه .
« هامش المصورة : ص 37 »
يجوز الاتفاق بعد الخلاف (1).
وإذا أجمع أهل العصر الثاني ، على أحد قولي العصر الاول (2) ، إنعقد الاجماع.
ولو أجمع أهل العصر على حكم ، بعد إختلافهم على قولين ، إنعقد أيضا.
وإنقراض العصر غير معتبر ، لتناول أدلة الاجماع ، مع عدم الانقراض (3).
(1) خلافا للصيرفي ، كما في منهاج الوصول : ص 52.
(2) وقد وقع ، كاختلاف الصحابة في بيع امهات الاولاد ، ثم اتفق من بعدهم على المنع.
« منتهى الوصول : ص 45 »
(3) إعلم !! أنه لا يشترط إنقراض العصر في انعقاد الاجماع ، أي إذا أتفق أهل العصر على حكم ، كان حجة وإن لم ينقرضوا ، خلافا لاحمد بن حنبل وابن فورك .
لنا : إن ادلة الاجماع تتناولهم وإن لم ينقرضوا ، لدخول المعصوم فيهم ، ولانهم المؤمنين.
وأيضا : لو اشترط انقراض العصر لم ينعقد اجماع أصلا ، واللازم باطل فالملزوم مثله .
« غاية البادي : ص 149 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 194 ـ
ولو قال بعض أهل العصر قولا ، وسكت الحاضرون ، فالحق أنه ليس بإجماع ، لاحتمال السكوت غير الرضا (1).
ولو قال بعض الصحابة قولا ، ولم يوجد له مخالف ، لم يكن إجماعا (2).
وإجماع أهل المدينة ليس بحجة ، خلافا لمالك ، لانهم بعض المؤمنين (3).
(1) احتج المصنف على أنه ليس بإجماع ولا حجة ، بأن السكوت كما يحتمل الرضا والموافقة ، يحتمل وجوها آخر ، ومع الاحتمال لم يكن الجزم ، بل ولا الظن.
وتلك الوجوه : أن يكون الساكت قد وقر القايل أو هابه ، كما روي أن ابن عباس وافق عمر في مسألة العول ، وأظهر الخلاف بعده ، وقال : هبته وكان مهيبا .
أو أنه لم يجتهد فيه فلم يجز له الانكار ، أو أنه اجتهد لكنه لم يصل إلى الحكم فتوقف ، أو أنه اجتهد ووصل إلى حكم لكنه ينتظر الفرصة ، أو أنه رأى أن كل مجتهد مصيب ، أو أنه يعلم أن غيره أنكر عليه وكفاه المؤنة.
« غاية البادي : 150 ـ 151 متنا وهامشا »
(2) لان ذلك : إما أن يكون مما تعم به البلوى أو لا.
فالاول : لابد أن يكون للباقين فيه قول ، إما مخالف أو موافق ، وإن لم يظهر فجرى ذلك مجرى السكوت ، وقد تقدم ذلك.
والثاني : يحتمل أن لا يكون للباقين فيه قول ، وحينئذ لم يكن إجماعا.
« غاية البادي : ص 151 »
(3) قال مالك رضي الله عنه : إجتماع أهل المدينة حجة ، لقوله
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 195 ـ
أما إجماع العترة فإنه حجة ، لقوله تعالى : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » [ 33 / 34 ].
ولقوله « عليه السلام » : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (1).
لا يجوز الاجماع إلا عن دليل (2) ، وإلا لزم الخطأ على كل الامة.
وهل يعتبر قول العوام في الاجماع ؟ الحق !! عدمه ، لان قول العامي لا لدليل ، فيكون خطأ .
عليه الصلاة والسلام : « إن المدينة لتنفي خبثها » ، وهو ضعيف .
« منهاج الوصول : ص 51 »
(1) حديث الثقلين : 1 / 5 ، وما بعدها.
وللتوسع !! يراجع « الاصول العامة للفقه المقارن » للحجة محمد تقي الحكيم : ص 145 ـ 189 ، بحث : « سنة أهل البيت ».
(2) وقال قوم : يجوز أن يكون بغير سند .
لنا : أن القول في الدين ، من غير دليل ولا إمارة ، خطأ ، ولا تجمع الامة على خطأ. وأيضا : فإنه يستحيل وقوع ذلك عادة .
« منتهى الوصول : ص 43 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 196 ـ
فلو كان قول العالم خطأ ، لزم إجماع الامة على الخطأ.
ولا عبرة : بقول الفقيه في مسائل الكلام ، ولا بالمتكلم في مسائل الفقه ، ولا بقول الحافظ للمسائل والاحكام إذا لم يكن متمكنا من الاجتهاد ، لانهم كالعوام ، فيما لا يتمكنون من الاجتهاد فيه .
ويعتبر قول الاصولي في الاحكام ، إذا كان متمكنا من الاجتهاد فيها ، وإن لم يكن حافظا لها .
وإجماع غير الصحابة حجة ، لتناول الادلة له (1).
ولا يجوز وقوع الخطأ من أحد شطري الامة في مسألة ، ومن الشطر الآخر في اخرى ، لاستلزامه بخطيئة كل الامة (2).
(1) خلافا لاهل الظاهر.
لنا : ان أدلة الاجماع تتناولهم ، إما عندنا فلوجود المعصوم فيهم ، وأما عند الجمهور فلان سبيلهم سبيل المؤمنين فوجب اتباعه.
« غاية البادي : ص 163 »
(2) لا يجوز إنقسام المجمعين إلى فرقتين ، تجمع كل واحدة منهما بين حق وباطل ، لان الامام مع أحدهما ، وهو يمنع من اتفاقهما على الخطأ.
« المعارج : ص 73 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 198 ـ الاول« في : تعريف الخبر وأقسامه »
ماهية الخبر معلومة بالضرورة (1).
وإن عرض اشتباه ، ميز بما يحتمل الصدق والكذب ، ولا يخلو عنهما.
وهو : إما أن يكون مقطوعا بكونه صدقا ، أو بكونه كذبا ، أو يجوز فيه الامران.
والاول سبعة : المتواتر (2) ، وما علم وجود مخبره إما بالضرورة (3) أو بالاستدلال ، وخبر الله ، وخبر رسوله ، وخبر الامام عندنا ، وخبر كل الامة ، والخبر المعتضد بالقرائن (4).
(1) الخبر : كلام يفيد بنفسه نسبة أمر إلى أمر ، نفيا أو إثباتا.
« المعارج : ص 76 »
(2) من قبيل حديث : « من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » ، كما في صحيح مسلم : 8 / 229 ، و « شرح البداية في علم الدراية : ص 15 » ، ومصادر أخر مذكورة في هامش « علوم الحديث ، لصبحي الصالح : ص 20 ».
(3) مخبره بفتح الباء ، كوجود مكة « شرح البداية : ص 11 ».
(4) كمن يخبر عن مرضه عند الحكيم ، ونبضه ولونه يدلان عليه .
وكذا من يخبر عن موت أحد ، والنياح والصياح في بيته ، وكنا عالمين بمرضه.
« شرح البداية : ص 11 »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 199 ـ
والثاني : الخبر الذي ينافي مخبره وجود ما علم بالضرورة أو بالاستدلال (1).
الحق !! أن خبر المتواتر يفيد العلم الضروري ، خلافا للسيد المرتضى حيث وقف (2) ، ولابي الحسين حيث قال : انه نظري .
(1) وهو : خمسة أشياء.
الاول : ما خالف ضرورة العقل ... الثاني : ما أحالته العوايد ، الثالث : ما خالف دليل العقل ... الرابع : ما خالف النص القاطع من الكتاب والسنة المتواترة ... الخامس : ما خالف الاجماع.
« المعارج : ص 77 »
(2) ذهب المرتضى إلى أن أخبار البلدان والوقايع والملوك وهجرة النبي ومغازيه .0
وما يجري هذا المجرى، يجوز أن تكون ضرورة من فعل الله تعالى ، ويجوز أن تكون مكتسبة من فعل العباد.
وأما ما عدا أخبار البلدان ، وما ذكرناه مثل العلم بمعجزات النبي.
وكثير من أحكام الشريعة ، والنص الحاصل على الائمة « عليهم السلام » ، فيقطع على أنه مستدل عليه ، وإذا كان كذلك وجب التوقف.
« العدة : 1 / 29 باختصار »
مبادئ الوصول إلى علم الاصول ـ 200 ـ
لان جزمنا بوقوع الحوادث العظام ـ كوجود محمد « عليه السلام » ، وكحصول البلدان الكبار ـ لا يقصر عن العلم بأن الكل أعظم من الجزء ، وغيره من الاوليات (1).
وهو حاصل للعوام ، ومن لم يمارس الاستدلال ، ولا يقبل التشكيك.
منها : أن لا يكون السامع عالما بما أخبر به ، لاستحالة تحصيل الحاصل.
وأن لا يكون قد سبق شبهة أو تقليد إلى إعتقاد نفي موجب الخبر (2).
وأن يكون المخبرون مضطرين (3) إلى ما أخبروا عنه ،
(1) وهي ستة : الاوليات ، والمحسوسات ، والمجربات ، والحدسيات والمتواترات .
والقضايا التي قياساتها معها .
« هامش المصورة : ص 39 »
(2) وهذا شرط اختص به السيد المرتضى ، وتبعه عليه جماعة من المحققين.
« شرح البداية : ص 13 »
(3) أي : عالمين بالضروة ...
« هامش المصورة : ص 39 »