الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الابرما (1) ( وقيل ) انه خطب بهذه الخطبة بذي جشم حين التقى مع الحر وقيل بكربلا والله اعلم فقام زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقاتلك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لاثرنا النهوض معك على الاقامة فيها ( ووثب ) هلال بن نافع (نافع بن هلال خ ل) البجيلي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك ( وقام برير بن خضير (2) فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك اعضاونا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيمة ( ثم ) ان الحسين عليه السلام قام وركب وكلما اراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه اخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة احدى وستين فلما وصلها قال ما اسم هذه الارض فقيل كربلا فقال اللهم اين اعوذ بك من الكرب والبلاء ( ثم ) اقبل على
------------------
(1) البرم بالتحريك ما يوجب السآمة والضجر (منه).
(2) برير بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة وسكون الياء المثناة من تحت وآخره راء مهملة وخضير بالخا والضاد المعجمتين (منه).
لواعج الاشجان _ 102 _
اصحابه فقال الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه مادرت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ( ثم ) قال اهذه كربلا قالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضوع كرب وبلاء انزلوا ههنا مناخ ركبنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا فنزلوا جميعا ونزل الحر واصحابه ناحية ( ثم ) ان الحسين عليه السلام جمع ولده واخوته واهل بيته ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال اللهم انا عترة نبيك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ازعجنا وطردنا واخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو امية علينا اللهم فخذلنا بحقنا وانصرفا على القوم الظالمين ( وجلس ) الحسين عليه السلام يصلح سيفه ويقول
يـا دهر اف لك من iiخليل كم لك بالاشراق والاصيل مـن طالب وصاحب iiقتيل والـدهر لا يـقنع iiبالبديل وكـل حـي سالك سبيلي ما اقرب الوعد من الرحيل
وانـما الامـر إلى iiالجليل
( فسمعت ) اخته زينب بنت فاطمة ذلك فقالت يا اخي هذا كلام من ايقن بالقتل فقال نعم يا اختاه فقالت زينب واثكلاه ينعى الحسين الي نفسه وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب ( وجعلت ام كلثوم تنادي وامحمداه واعلياه واأماه وااخاه واحسيناه واضيعتنا بعدك يا ابا عبد الله ( فقال ) لها الحسين عليه السلام يا اختاه تعزي
لواعج الاشجان _ 103 _
بعزاء الله فان سكان السموات يفنون واهل الارض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون ( ثم ) قال يا اختاه يا ام كلثوم وانت يا زينب وانت يا فاطمه وانت يا رباب انظران إذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا ( وفي رواية ) عن زين العابدين عليه السلام ان الحسين عليه السلام قال هذه الابيات عشية اليوم التاسع من المحرم قال علي بن الحسين عليهما السلام آني لجالس في تلك الليلة التي قتل ابي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل ابي في خباء له وعنده جون مولى ابي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وابي يقول (يا دهر اف لك من خليل) إلى آخر الابيات المتقدمة فاعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرف ما اراد فخنقتني العبرة فرددها ولزمت السكوت وعلمت ان البلاء قد نزل واما عمتي فانها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت واثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة اليوم ماتت امي فاطمة وابي علي واخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها يا اخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بابي وامي تستقل نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال (لو ترك القطا ليلا لنام) فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا
لواعج الاشجان _ 104 _
فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي ثم لطمت وجهها واهوت إلى جبيبها فشقته وخرت مغشية عليها فقام إليها الحسين عليه السلام فصب على وجهها الماء حتى افاقت ثم عزاها بما مر ثم قال وكل شئ هالك الا وجهه الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده جدي خبر مني وابي خير مني واخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله اسوة فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا اختاه اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا هلكت ( وكتب ) الحر إلى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين عليه السلام بكربلا ( فكتب ) ابن زياد إلى الحسين عليه السلام ( اما بعد ) فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلا وقد كتب الي امير المؤمنين يزيد ان لا اتوسد الوثير (1) ولا اشبع من الحمير أو الحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد والسلام ( فلما ) قرأ الحسين عليه السلام الكتاب القاه من يده وقال لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول الجواب يا ابا عبد الله فقال ماله عندي جواب لانه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول
------------------
(1) في الصحاح الوثير الفراش الوطئ (منه).
لواعج الاشجان _ 105 _
إلى ابن زياد فاخبره فاشتد غضبه وجهز إليه العساكر وجمع الناس في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيدا واباه وذكر حسن سيرتهما ووعد الناس بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة وامر بالخروج إلى حرب الحسين عليه السلام (المقصد الثاني في صفة القتال) فلما كان من الغد وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن سعد بن ابي وقاص في اربعة آلاف وكان ابن زياد قد ولاه الري وارسل معه اربعة آلاف لقتال الديلم فلما جاء الحسين عليه السلام قال له سر إليه فإذا فرغت سرت إلى عملك فاستعفاه فقال نعم على ان ترد الينا عهدنا فاستمهله واستشار نصحا فنهوه عن ذلك فبات ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول
دعاني عبيد الله من دون iiقومه إلى خطة فيها خرجت iiلحيني(1) فـوالله لا ادري واني iiلواقف عـلى خطر لا ارتضيه iiومين(2) أأثرك ملك الري والري iiرغبة ام ارجـع مذموما بقتل iiحسين وفي قتله النار التي ليس دونها حـجاب وملك الري قرة iiعين
وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن اخته فقال له انشدك
------------------
(1) الحين بالفتح الهلاك ( منه ).
(2) أفكر في امري علي خطرين خ ل.
لواعج الاشجان _ 106 _
الله يا خال ان تصير إلى الحسين فتأثم عند ربك تقطع رحمك فوالله لان تخرج من دنياك ومالك وسلطان الارض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى الله بدم الحسين فقال له ابن سعد فاني افعل ان شاء الله (وجاء) ابن سعد إلى ابن زياد فقال انك وليتني هذا العمل يعني الري وتسامع به الناس فان رايت ان تنفذ لي ذلك وتبعث إلى الحسين من اشراف الكوفة من لست خير منه وسمى له اناسا فقال له ابن زياد لست استشيرك في من ابعث ان سرت بجندنا والا فابعث الينا بعهدنا قال فاني سائر وقبل ان يحارب الحسين عليه السلام ( قال ) سبط ابن الجوزي قال محمد بن سيرين وقد ظهرت كرامات علي بن ابي طالب عليه السلام في هذا فانه لقي عمر بن سعد يوما وهو شاب فقال ويحك يا ابن سعد كيف بك إذا قمت يوما مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار ( وسار ) ابن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام بالاربعة آلاف التي كانت معه ( وانضم ) إليه الحر واصحابه فصار في خمسة آلاف (ثم) جاءه شمر في اربعة آلاف ( ثم ) اتبعه ابن زياد بيزيد ابن ركاب الكلبي في الفين والحصين بن نمير السكوني في اربعة آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في الفين ( فذلك ) عشرون الف فارس تكملت عنده إلى ست ليال خلون من
لواعج الاشجان _ 107 _
المحروم وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف وشبث بن ربعي الرياحي في الف وحجار بن ابجر في الف فذلك خمسة وعشرون الفا وما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارس وراجل (ثم) كتب إليه اني لم اجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال فانظر لا اصبح ولا امسى الا وخبرك عندي غدوة وعشية وكان يستحثه لستة ايام مضين من المحرم ( وقال ) حبيب بن مظاهر للحسين عليه السلام يا ابن رسول الله ههنا حي من بني اسد بالقرب منا تأذن لي في المصير إليهم لادعوهم إلى نصرتك فعسى الله ان يدفع بهم عنك فاذن له فخرج إليهم في جوف الليل وعرفهم بنفسه انه اسدي وقال اني قد اتيتكم بخير ما اتى به وافد إلى قوم اتيتكم ادعوكم إلى نصر ابن بنت نبيكم فأنه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من الف رجل لن يخذلوه ولن يسلموه ابدا وهذا عمر بن سعد قد احاط به وانتم قومي وعشيرتي وقد اتيتكم بهذه النصيحة فاطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا والاخرة فاني اقسم بالله لا يقتل احد منكم في سيل الله مع ابن بنت رسول الله صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد صلى الله عليه وآله في عليين فوثب إليه رجل منهم اسمه عبد الله بن بشر فقال انا اول من يجيب إلى هذه الدعوة ثم جعل يرتجز ويقول
لواعج الاشجان _ 108 _
قد علم القوم إذا توا iiكلوا واحجم الفرسان أو تثاقلوا انـي شجاع بطل iiمقاتل كـأنني ليث عرين iiباسل
ثم تبادر رجال الحي حتى التأم منهم تسعون رجلا فاقبلوا يريدون الحسين عليه السلام وخرج رجل في ذلك الوقت من الحي إلى ابن سعد فاخبره بالحال فارسل إليهم اربعمائة فارس مع الازرق فالتقوا معهم قبل وصولهم إلى الحسين عليه السلام بيسير فتناوشوا واقتتلوا فصاح حبيب بالازرق ويلك مالك ومالنا انصرف عنا ودعنا يشقى بنا غيرك فأبى الازرق ان يرجع وعلمت بنو اسد انه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيهم وارتهلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد ان يبيتهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فاخبره فقال لاحول ولا قوة الا بالله واراد ابن سعدان يبعث إلى الحسين عليه السلام رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض ذلك على جماعة من الروساء فكلهم ابى استحياء من الحسين عليه السلام لانهم كاتبوه فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لايرد وجهه شئ فقال انا اذهب إليه والله لان شئت لافتكن به فقال عمر ما اريد ان تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي جاء به فأقبل فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام اصلحك الله يا ابا عبد الله قد جاءك شر اهل الارض واجرأه على دم وافتكه
لواعج الاشجان _ 109 _
وقام إليه فقال له ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة انما انا رسول فان سمعتم مني والا انصرفت قال فآخذ بقائم سيفك ثم تكلم قال لا والله لا تمسه قال اخبرني بما جئت به وانا ابلغه عنك ولا ادعك تدنو منه فانك فاجر فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فاخبره فارسل قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال اتعرفون هذا قال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن اختنا وقد كنت اعرفه بحسن الرأي وما كنت اراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين عليه السلام وبلغه رسالة عمر بن سعد فقال له الحسين عليه السلام كتب الي اهل مصركم هذا ان اقدم فأما إذا كرهتموني فاني انصرف عنكم فقال له حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة اين يرجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك الله بالكرامة فقال له ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وارى رأيي فانصرف إلى ابن سعد فاخبره فقال ارجو ان يعافيني الله من امره وكتب إلى ابن زياد بذلك فلما قرأ الكتاب قال الان إذ علقت مخالبنا به (1) يرجو النجاة (2) ولات حين مناص ثم كتب إلى ابن سعد ان اعرض على الحسين ابن يبايع ليزيد هو وجميع اصحابه فإذا هو فعل ذلك رأينا رأينا فقال ابن سعد قد
خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية ( وورد ) كتاب ابن زياد في الاثر إلى ابن سعد ان حل بين الحسين واصحابه وبين المآ فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين عليه السلام واصحابه وبين الماء ومنعوهم ان يستقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة ايام ( ونادي ) عبد الله بن حصين الازدي باعلى صوته يا حسين تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين عليه السلام اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له ابدا.
قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله الذي لا اله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر (1) ثم يقئ ويصيح العطش ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى هلك ( فلما ) اشتد العطش على الحسين (عليه السلام) واصحابه امر اخاه العباس بن علي عليهما السلام فسار في عشرين راجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا وامامهم نافع بن هلال البجلي يحمل اللواء فقال عمرو بن الحجاج من الرجل قال نافع قال ما جاء بك قال جئنا
------------------
(1) بغر البعير كفرح ومنع شرب ولم يرو فاخذه داء من الشرب والبغر بالتحريك كثرة شرب الماء أو داء وعطش كذا في القاموس (منه).
لواعج الاشجان _ 111 _
نشرب من هذا الماء الذي حلاتمونا عنه قال فاشرب هنيئا قال لا والله لا اشرب منه قطرة والحسين عطشان هو واصحباه فقالوا لا سبيل إلى سقي هاء ولاء انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فقال نافع لرجاله املاوا قربكم فملا وها وثار إليهم عمر بن الحجاج واصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء ثم عاد عمرو بن الحجاج واصحابه وارادوا ان يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس واصحابه حتى ردوهم وجاءوا بالماء إلى الحسين عليه السلام ( وضيق ) القوم على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن اصحابه فقال له يزيد بن الحصين (1) الهمداني يا ابن رسول الله اتأذن لي ان اخرج إلى القوم فاذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس ان الله عزوجل بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد قد اكثرت الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين عليه السلام اقعد يا يزيد (ثم) وثب الحسين عليه السلام متوكئا على قائم سيفه ونادى
------------------
(1) كذا وجد ويحتمل ان يكون الصواب برير بن خضير وقد وقع في عدة مواضع يرير بن خضير في بعض الكتب ويزيد بن حصين في بعض آخر فالظاهر انه صحف احدهما بالاخر والتعدد ممكن ( منه )
لواعج الاشجان _ 112 _
با على صوته فقال انشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم انت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسبطه قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان ابي علي بن طالب عليه السلام قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد اول نساء هذه الامة اسلاما قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عن ابي قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال فانشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله انا متقلده قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله انا لابسها قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان عليا كان اول القوم اسلاما واعلمهم علما واعظمهم حلما وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة قالوا اللهم نعم قال فبم تستحلون دمي وابي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصادر عن الماء ولواء الحمد في يد ابي يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كله ونحن غير تار كيك حتى تذوق الموت عطشا ( فلما ) خطب هذه الخطبة وسمع بنانه واخته زينب كلامه بكين وارتفعت اصواتهن
لواعج الاشجان _ 113 _
فوجه اليهن اخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن ( وارسل ) الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد مع عمربن قرطة الانصاري اني اريد ان اكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسين عليه السلام في مثلها فامر الحسين (عليه السلام) اصحابه فتنحوا وبقي معه اخوه العباس وابنه علي الاكبر وامر ابن سعد اصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه حفص وغلام له فقال له الحسين عليه السلام ويلك يا ابن سعد اما تتقي الله الذي إليه معادك اتقاتلني وانا ابن من علمت ذرها وءلاء القوم وكن معي فانه اقرب لك إلى الله فقال ابن سعد اخاف ان تهدم داري فقال الحسين عليه السلام انا ابنيها لك فقال اخاف ان تؤخذ ضيعتي فقال الحسين عليه السلام انا اخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال لي عيال واخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه إلى شئ فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول مالك ذبحك الله علي فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فو الله اني لارجو ان لا تأكل من بر العراق الا يسيرا فقال في الشعير كفاية عن البر مستهزا بذلك القول ( وفي رواية ) انه (عليه السلام) لما رأي نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله انفذ إلى عمر بن سعد اني اريد ان القاك فاجتمعا ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا ثم التقي
لواعج الاشجان _ 114 _
الحسين عليه السلام وعمر بن سعد مرارا ثلاثا أو اربعا ثم كتب عمر إلى ابن زياد ( اما بعد ) فان الله قد اطفأ النائرة وجمع الكلمة واصلح امر الامة هذا الحسين قد اعطاني ان يرجع إلى المكان الذي منه اتى أو ان يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم وعليه ما علهيم أو ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبنيه رأيه وفي هذا لك رضا وللامة صلاح ( وعن ) عقبة بن سمعان انه قال والله ما اعطاهم الحسين عليه السلام ان يضع يده في يد يزيد ولا يسير أن إلى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني ارجع إلى المكان الذي اقبلت منه أو اذهب في هذه الارض العريضة ( يقول المؤلف ) وهذا هو الذي يقوي في نفسي ( قال ) فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال هذا كتاب ناصح لاميره مشفق على قومه فقام إليه شمر بن ذي الجوشن وقال اتقبل هذا منه وقد نزل بارضك والى جنبك والله لان رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك اليكونن اولى بالقوة والعزة ولتكونن اولى بالضعف والعجز اولى باضعف والعجز ولكن لينزل على حكمك هو واصحابه فان عقابت فانت اولى بالعقوبة وان عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رايك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم الي سلما وان ابوا فليقاتهلم
لواعج الاشجان _ 115 _
فان فعل فاسمع له واطع وان ابى فأنت امير الجيش فاضرب عنقه وابعث الي برأسه وكتب إلى ابن سعد اني لم ابعثك إلى الحسين (عليه السلام) لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شافعا انظر فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلى سلما وان ابوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فأنهم لذلك مستحقون فان قتلت الحسين (عليه السلام) فاوطى الخيل صدره وظهره فأنه عاق شاق قاطع ظلوم ولست ارى ان هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فان انت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان ابيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد امرناه بامرنا والسلام فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له مالك ويلك لاقرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لاظنك انت نهيته ان يقبل ما كتبت به إليه وافسدت علينا امرا كنا قد رجونا ان يصلح لا يستسلم والله حسين ان نفس ابيه لبين جنبيه فقال له شمر بن ذي الجوشن الخبرني بما انت صانع اتمضي لامر اميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال لا ولا كرامة لك ولكن انا اتولى ذلك فدونك فكن انت على الرجالة ( ونهض ) عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عشية يوم الخميس
لواعج الاشجان _ 116 _
لتسع مضين من المحرم ( وجاء ) شمرختى وقف على اصحاب الحسين (عليه السلام) فقال اين بنو اختنا يعني العباس وجعفر و عبد الله وعثمان ابناء علي عليه السلام فقال الحسين عليه السلام اجيبوه وان كان فاسقا فانه بعض اخوالكم (1) فقالوا له ما تريد فقال لهم انتم يا بني اختي آمنون فلا تقتلوا انفسكم مع اخيكم الحسين عليه السلام والزموا طاعة يزيد فقالوا له لعنك الله ولعن امانك اتوء مننا وابن رسول الله لا امان له ( وفي رواية ) فناداه العباس بن امير المؤمنين عليهما السلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من امانك يا عدو الله اتأمرنا ان نترك اخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء واولاد اللعنآء فرجع الشمر إلى عسكره مغضبا ( وكان ) ابن خالهم عبد الله بن ابي المحل بن حزام وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد اخذ لهم امانا من ابن زياد وارسله إليهم مع مولى له وذلك ان امهم ام البنين بنت حزام زوجة علي عليه السلام هي عمة عبد الله هذا فلما رأوا الكتاب قالوا لا حاجة لنا في امانكم امان الله خير من امان ابن سمية ( ثم ) نادي عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين عليه السلام جالس امام بيته
------------------
(1) وذلك ان امهم ام البنين كانت من بني كلاب والشمر من بني كلاب ( منه ).
لواعج الاشجان _ 117 _
محتب بسيفه إذ خفق براسه على ركبتيه فسمعت اخته زينب الضجة فدنت من اخيها فقالت يا اخي اما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين عليه السلام راسه فقال اني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله الساعة في المنام فقال انك تروح الينا فاطمت اخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين عليه السلام ليس لك الويل يا اخيه اسكتي رحمك الله ( وفي رواية ) انه عليه السلام جلس فرقد ثم استيقظ وقال يا اختاه رأيت الساعة جدي محمدا وابي عليا وامي فاطمة واخي الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح الينا عن قريب ( وفي ) بعض الروايات غدا فلطمت زينب وجهها وصاحت فقال لها الحسين عليه السلام مهلا لا تشمتي القوم بنا ( وقال ) له العباس يا اخي اتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب انت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما جاء بهم فأتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء امر الامير ان نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى ارجع إلى ابي عبد الله فاعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف اصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين عليه السلام فلما اخبره العباس بقولهم قال له ارجع إليهم فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلى
لواعج الاشجان _ 118 _
لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت احب الصلوة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار واراد الحسين عليه السلام ايضا ان يوصي اهله فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقال له عمرو بن الحجاج الزبيدي سبحان الله والله لو انهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك لاجبناهم فكيف وهم آل محمد وقال له قيس بن الاشعث بن قيس اجبهم لعمري ليصبحنك بالقتال فاجابوهم إلى ذلك ( فجمع ) الحسين عليه السلام اصحابه عند قرب المساء ؟ ( قال ) علي بن الحسين عليهما السلام فدنوت منه لاسمع ما يقول لهم وانا إذ ذاك مريض فسمعت ابي يقول لاصحابه : اثني على الله احسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم اني احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعا وابصارا وافئدة فاجعلنا لك من الشاكرين ( اما بعد ) فاني لا اعلم اصحابا اوفي ولا خيرا من اصحابي ولا اهل بيت ابر ولا اوصل من اهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا الا واني لاظن يوما لنا من هاء ولاء الا واني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذه كل واحد منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهاء ولاء القوم فأنهم لا يريدون غيري فقال له اخوته وابناؤه وبنو اخيه وابناء عبد الله بن جعفر
لواعج الاشجان _ 119 _
ولم نفعل ذلك لنبقي بعدك لا ارانا الله ذلك ابدا بدأهم بهذا القول العباس بن امير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه ( ثم ) نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد اذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وماذا تقول انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بانفسنا واموالنا واهلينا ونقاتل معك حتى ترد موردك فقبح الله العيش بعدك ( وقام ) إليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال انحن نخلي عنك وقد احاط بك هذا العدو وبما نعتذر إلى الله في اداء حقك والله لايراني الله ابدا وانا افعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولم لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك أو اموت معك ( وقام ) سعيد بن عبد الله الحنفي فقال لا والله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله لو علمت اني اقتل فيك ثم احيا ثم احرق حيا ثم اذري يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى القي حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم ؟ نال الكرامة التي لا انقضاء لها ابدا ( وقام ) زهير بن القين وقال والله
لواعج الاشجان _ 120 _
يا ابن رسول الله صلى الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هاوء لاء الفتيان من اخوانك وولدك واهل بيتك ( وتكلم ) جماعة اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا انفسنا لك الفداء نقيك بايدينا ووجوهنا فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا ( ووصل ) الخبر إلى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بأن ابنه قد اسر بثغر الري فقال عند الله احتسبه ونفسي ما كنت احب ان يؤسر وابقي بعده فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال رحمك الله انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال اكلتني السباع حيا ان فارقتك قال فاعط ابنك هذا هذه الاثواب البرود يستعين بها في فداء اخيه فاعطاه خمسة اثواب برود قيمتها الف دينار فحملها مع ولده وامر الحسين عليه السلام اصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الاطناب بعضها في بعض ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم ( وقام ) الحسين عليه السلام واصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وباتوا ولهم دوي كدوي النحل مابين راكع وساجد وقائم وقاعد
سمة العبيد من الخشوع عليهم لـله ان ضـمتهم iiالاسـحار
لواعج الاشجان _ 121 _
فإذا ترجلت الضحى شهدت لهم بـيض القواضب انهم iiاحرار
فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا ( قال ) بعض اصحاب الحسين عليه السلام مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين عليه السلام يقرأ ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له برير بن خضير يا فاسق انت يجعلك الله من الطيبين فقال له من انت ويلك قال انا برير بن خضير فتسابا ( فلما ) كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال رأيت كأن كلا با قد شهدت لتنهشني وفيها كلب ابقع رأيته اشدها علي واظن ان الذي يتولى قتلي رجل ابرص ثم اني رأيت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه جماعة من اصحابه وهو يقول يا بني انت شهيد آل محمد وقد استبشر بك اهل السموات واهل الصفيح الاعلى فليكن اقطارك عندي الليلة عجل ولا تتأخر فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ( واصبح ) الحسين عليه السلام فعبأ اصحابه بعد صلوة الغداة ( وكان ) معه اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا وقيل ثمان واربعون راجلا ( وفي رواية ) ثمانون
لواعج الاشجان _ 122 _
راجلا ( وعن ) الباقر عليه السلام انهم كانوا خمسة واربعين فارسا ومأة راجل ( وقيل ) كانوا سبعين فارسا ومأة راجل ( فجعل ) زهير ابن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة واعطى رايته العباس اخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم ( وامر ) بحطب وقصب كان من وراء البيوت ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك ( واصبح ) ابن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ اصحابه فجعل على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة (عزرة خ ل) بن قيس وعلى الرجالة شبث بن ربعي واعطى الرأية دريدا مولاه وجعل على ربع اهل المدينة عبد الله الازدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الاشعث وعلى ربع مذحج واسد عبد الرحمن الجعفي وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ( وامر ) الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب وامر بجفنة فيها مسك كثير وعجل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربه الانصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما احببت الباطل كهلا ولا شابا وانما افعل ذلك استبشارا بما نصير
لواعج الاشجان _ 123 _
إليه فو الله ما هو الا ان نلقى هاوء لاء القوم باسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعانق الحور العين ( ثم ) ركب الحسين عليه السلام دابته ودعا بمصحف فوضعه امامه فروي عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال لما صبحت الخيل الحسين (عليه السلام) رفع يديه وقال اللهم انت ثقتي في كل كرب وانت رجائي في كل شدة وانت لي في كل امر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة ( وركب ) اصحاب عمر ابن سعد واقبلوا يجولون حول بيوت الحسين عليه السلام فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان القي فيه فنادي شمر با على صوته يا حسين اتعجلت النار قبل يوم القيمة فقال الحسين (عليه السلام) من هذا كأنه شمر فقالوا نعم قال يا ابن راعية المعزى انت اولى بها صليا ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك فقال له دعني حتى ارميه فانه الفاسق من اعداء الله وعظما الجبارين وقد امكن الله منه فقال له الحسين عليه السلام لا ترمه فأني اكره ان ابدأهم بقتال ( واقبل ) رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن ابي جويريه المزني فلما رأي النار تتقد نادي يا حسين
لواعج الاشجان _ 124 _
ابشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا فقال الحسين عليه السلام اللهم اذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه والقاد في تلك النار فاحترق ( ثم ) برز تميم بن حصين الفزاري فنادي يا حسين ويا اصحاب حسين اما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لاذقتم منه قطرة حتى تذقوا الموت جرعا فقال الحسين عليه السلام هذا وابوه من اهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه ووطأته الخيل بسنابكها فمات ( ولما ) ركب اصحاب ابن سعد قرب إلى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من اصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد صلى الله عليه واله قد اصبح بين اظهركم هاء ولاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم فقالوا نريد ان نمكن منهم الامير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير افلا تقبلون منهم ان يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم يا اهل الكوفة انسيتم كتبكم وعهودكم التي اعطيتموها واشهدتم الله عليها يا ويلكم ادعوتم اهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون انفسكم دونهم حتى إذا اتوم اسلمتموهم وحلئتموهم (1)
------------------
(1) طردتموهم ومنعتمهم ( منه )
لواعج الاشجان _ 125 _
عن ماء الفرات يئس ما خلفتم نبيكم في ذريته مالكم لاسقاكم الله يوم القيمة فبئس القوم انتم ( فقال ) له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول فقال برير ؟ الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم اني ابرا اليك من فعل هؤلاء القوم اللهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك وانت عليهم غضبان ذحبل ؟ القوم يردونه بالسهام فرجع إلى ورائه ( وتقدم ) الحسين عليه السلام حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل ونظر إلى ابن سعد ؟ واقفا في صنا ديد الكوفة ( فقال ) الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة باهلها حالا بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فأنها تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها واراكم قد اجتمعتم على امر قد استخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم واحل بكم نقمته وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم اقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم انكم زحفتم على ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فانساكم ذكر الله العظيم فتبالكم ولما تريدون انا لله وانا إليه راجعون هاء ولاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين ( فقال ) ابن سعد ويلكم كلموه فأنه ابن ابيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انتقطع ولما حصر ( فتقدم ) شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول