|
هذا رأيك فقد اصبحت فيما صنعت يقول هذا وهو غير حامد له على رأية فاقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما اصبح خرج من منزله يستمع الاخبار فلقيه مروان فقال له يا ابا عبد الله اني لك ناصح فاطعني ترشد فقال الحسين عليه السلام وما ذاك قل حتى اسمع فقال مروان اني امرك ببيعة يزيد بن معوية فانه خير لك في دينك ودنياك فقال الحسين عليه السلام انا لله وانا عليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الامة براع مثل يزيد ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه واله يقول الخلافة محرمة على ال ابي سفيان وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان وهو غضبان فلما كان اخر نهار السبت بعث الوليد الرجال إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع فقال لهم الحسين (عليه السلام) اصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة (1) وقال محمد بن ابي طالب
------------------
(1) قال ابن نما ان توجهه إلى مكه كان لثلاث مضين من شعبان وستعرف ان وصوله عليه السلام إلى مكة كان بذلك التاريخ ولعله وقع اشتباه بينهما كما ان ابن نما قال ان وصول كتاب يزيد إلى الوليد كان في اول شعبان ومقتضي ما تقدم ان يكون وصوله في اواخر رجب لثلاث أو اربع بقين منه ( منه )
لواعج الاشجان _ 27 _
خرج الحسين (عليه السلام) من منزلة ذات ليلة واقبل إلى قبر جده صلى الله عليه وآله فقال السلام عليك يا رسول الله انا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذى خلفتني في امتك فاشهد عليهم يا نبي الله انهم قد خذلوني وضيعوني ولم يحفظوني وهذه شكواى اليك حتى القاك ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا وساجدا فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر ايضا وصلى ركعات فلما فرغ من صلاته جعل يقول اللهم هذا قبر نبيك محمد وانا ابن بنت نبيك وقد حضرني من الامر ما قد علمت اللهم انى احب المعروف وانكر المنكر وانا اسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه الا اخترت لى ما هو لك رضا ولرسولك رضا ثم جعل يبكى عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فاغفى فإذا هو برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضم الحسين (عليه السلام) إلى صدره وقبل بين عينيه وقال حبيبي يا حسين كأنى اراك عن قريب مرملا بدمائك مذبوحا بارض كرب وبلاء من عصابة من امتى وانت مع ذلك عطشان لا تسقى وظلمان لا تروى وهم مع ذلك يرجون شفاعتي لا انا لهم الله شفاعتي يوم القيامة حبيبي يا حسين ان أباك وامك واخاك قدموا علي وهم مشتاقون اليك وان لك في الجنان لدرجات لا تنالها الا باشهادة فجعل الحسين (عليه السلام)
لواعج الاشجان _ 28 _
في منافه ينظر إلى جده ويقول يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني اليك وادخلني معك في قبرك فقال له رسول الله صلى الله عليه واله لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة وما قد كتبت الله لك فيها من الثواب العظيم فأنك واباك واخاك وعمك وعم ابيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنه فانتبه الحسين (عليه السلام) من نومه فزعا مرعوبا فقص روءياه على اهل بيته وبنى عبد المطلب فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم اشد غما من اهل بيت رسول الله صلى الله عليه واله ولا اكثر باك ولا باكية منهم ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل ألى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر اخيه الحسن (عليه السلام) ففعل كذلك وخرج معه بنو اخيه واخوته وجل اهل بيته الا محمد بن الحنفيه فأنه لما علم عزمه على الخروج من المدينة لم يدر اين يتوجه فقال له يا اخى انت احب الناس الي واعزهم علي ولست والله ادخر النصيحة لاحد من الخلق وليس احد احق منك لانك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير اهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لان الله قد شرفك علي وجعلك من سادات اهل الجنه تنح ببيعتك عن يزيد وعن الامصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك فأن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله
لواعج الاشجان _ 29 _
على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب ومرووء تك ولا فضلك اني اخاف عليك ان تدخل مصرا من هذه الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك واخرى عليك فيقتلون فتكون لاول الاسنة غرضا فإذا خير هذه الامة كلها نفسا وابا واما اضيعها دما واذلها أهلا فقال له الحسين عليه السلام فأين اذهب يا اخي قال تخرج إلى مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك وان تكن الاخرى خرجت إلى بلاد اليمن فأنهم انصار جدك وابيك وهم ارأف الناس وأرقهم قلوبا واوسع الناس بلادا فأن اطمأنت بك الدار والا لحقت بالرمال وشعف (1) ( وشعوب خ ل ) الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فأنك اصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الامر استقبالا فقال الحسين عليه السلام يا اخى والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معوية فقطع محمد بن الحنيفة عليه الكلام وبكي فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة ثم قال اخي جزاك الله خيرا فقد نصحت واشفقت وارجو ان يكون رأيك سديدا موفقا وانا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك انا واخوتي وبنو اخى وشيعتي
------------------
(1) الشعف كغرف والشعاف جمع شعفه كغرفه رأس الجبل ( منه )
لواعج الاشجان _ 30 _
امرهم امرى ورأيهم رأيي واما انت يا اخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عنى شيئا من امورهم ثم دعا الحسين عليه السلام بداوة وبياض وكتب هذه الوصية لا خيه محمد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اوصى به الحسن بن علي بن ابي طالب إلى اخيه محمد المعروف بابن الحنيفة ان الحسين عليه السلام يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وان الجنة حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور واني لم اخرج أشر اولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي وابي على بن ابى طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بينى وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتى يا اخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ثم طوى الكتاب وختمه بخاتمة ثم دفعه إلى اخيه محمد ثم ودعه وخرج من المدينة واقلبت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للناحية لما بلغهن ان الحسين عليه السلام يريد الشخوص من المدينة حتى مشى فيهن الحسين (عليه السلام) فقال انشد كن الله ان تبدين هذا الامر معصية الله ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا
لواعج الاشجان _ 31 _
كيوم مات فيه رسول صلى الله عليه وآله وفاطمة والحسن ورقية وزينب وام كلثوم جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الابرار من اهل القبور واقبلت بعض عماته تبكى وتقول اشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك وهم يقولون
وان قتيل الطف من آل هاشم اذل رقـابـا مـن iiقـريش |
فذلت واتته ام سلمة فقالت يا بني لا تحزن بخروجك إلى العراق فاني سمعت جدك (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يقتل ولدى الحسين بأرض العراق بأرض يقال لها كربلا فقال لها يا أماه وانا والله اعلم ذلك واني مقتول لا محالة وليس لي من هذا بد واني والله لا عرف اليوم الذى اقتل فيه واعرف من يقتلنى واعرف البقعة التى ادفن فيها واعرف من يقتل من اهل بيتى وقرابتي وشيعتي وان اردت يا اماه اريك حفرتي ومضجعي ثم اشار إلى جهة كربلا فانخفضت الارض حتى اراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره وموقفه ومشهده فعند ذلك بكت ام سلمة بكاء شديدا وسلمت امرها إلى الله تعالى فقال لها يا اماه قد شآء الله ان يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا وقد شآء ان يرى حرمى ورهطي ونسائي مشردين واطفالي مذبوحين مأسورين مضللومين مقيدين وهم يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا وخرج عليه السلام من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم
لواعج الاشجان _ 32 _
الظالمين ولزم الطريق الاعظم فقال له اهل بيته لو تنكبت الطريق الاعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا افارقة حتى يقضي الله ما هو قاض فلقيه عبد الله بن مطيع فقال له جعلت فداك اين تريد قال اما الان فمكة واما بعد فأنى استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فأذا اتيت مكة فأياك ان تقرب الكوفة فأنها بلدة مشوء ومة بها قتل ابوك وخذل اخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه الزم الحرم فانت سيد العرب لا يعدل بك اهل الحجاز احدا ويتداعى اليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك وكان دخوله عليه السلام إلى مكة يوم (ليلة خ ل) الجمعة لثلا مضين من شعبان فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسه ايام لانه خرج من المديهة لليلتين بقيتا من رجب كما مر ودخلها وهو يقرأو لما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل فاقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدم ثمانى ليال من ذي الحجة واقبل اهل مكة ومن كان بها من المعتمرين واهل الافاق يختلفون إليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة وهو قائم يصلي عندها عامة النهاد ويطوف ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه اليومين المتواليين وبين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو اثقل خلق الله على ابن الزبير لانه قد علم ان اهل
لواعج الاشجان _ 33 _
الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين عليه السلام باقيا في البلد وان الحسين عليه السلام اطوع في الناس منه واجل ولما بلغ اهل الكوفة موت معوية وامتناع الحسين عليه السلام من البيعة ارجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعى فلما تكاملوا قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته يا معشر الشيعة انكم قد علمتم بان معوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكه هاربا من طواغيت آل ابي سفيان وانتم شيعته وشيعتة ابيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فان كنتم تعلمون ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل انفسنا دونه فارسلوا وفدا من قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا إليه معهم (بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي عليهما السلام من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة (1) ورفاعة بن شداد البجلى وحبيب بن مضاهر وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين والمسلمين سلام عليك اما بعد فالحمد الله الذى قصم عدوك وعو ابيك من قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي انتزى على هذه الامة فابتزها امرها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير
------------------
(1) بالئون والجيم والباء الموحدة المفتوحات (كامل ابن الاثير)
لواعج الاشجان _ 34 _
رضا منها ثم قتل خيارها واستسقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود وانه ليس علنا امام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا انك اقبلت اخرجناه حتى يلحق بالشام أن شاء الله تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاتة يا ابن رسول الله وعلى ابيك من قبلك ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم وقيل انهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال وامروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس بن مسهر الصيداوي (1) وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الارحبي وعمارة بن عبد الله السلولى إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والاربعة وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر الف كتاب ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن
------------------
(1) احد بني صيدا قبيلة من بنى اسد واياهم عنى الشاعر بقوله يا بنى الصيداء ردوا فرسي * انما يفعل هذا بالذليل ( منه )
لواعج الاشجان _ 35 _
هاني السبيعى (1) وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا إليه (بسم الله الرحمن الرحيم) للحسين بن علي عليهما السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين اما بعد فحيهلا (2) فان الناس ينتظرونك لا رأى لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام ثم كتب معهما ايضا شبث (3) بن ربعى وحجاربن ابجر (4) ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر وبن الحجاج الزبيدى ومحمد بن عمير التميمي (اما بعد) فقد اخضر الجناب واينعت اثمار فأذا شئت فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى ابيك من قبلك وفي رواية ان اهل الكوفة كتبوا إليه ان لك هنا مائة الف سيف فلا تتأخر وتلاقت الرسل كلها عنده فقال الحسين عليه السلام لهاني وسعيد خبر اني من اجتمع علي هذا الكتاب الذى سير إلى معكما فقالا يابن رسول الله شبث بن ربعي وحجار بن ابجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجاج (5) ومحمد بن عمير بن عطارد فعندها قام الحسين عليه السلام فصلى
------------------
(1) نسبة إلى السبيع بوزن امير أبو بطن من همدان ( منه ) .
(2) بمعنى اسرع ( منه ).
(3) بفتح الشين المعجمه والباء الموحدة وآخره ثاء مثلثه ( منه ).
(4) حجار بوزن كتان وابجر بوزن احمر ( منه ) .
(5) كل هوءلاء خرج لقتال الحسين عليه السلام وهم من اعيان اهل الكوفة ووجوهها ( منه ).
لواعج الاشجان _ 36 _
ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب هاني ابن هاني وسعيد بن عبد الله (بسم الله الرحمن الرحيم) من الحسين ابن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين اما بعد فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل اذى اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق والهدى وانا باعث اليكم اخى وابن عمى وثقفتى من اهل بيتى مسلما ابن عقيل فان كتب الي انه قد اجتمع رأى ملا كم وذوى الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرات في كتبكم فاني اقدم اليكم وشيكا (1) ان شاء الله تعالى فلعمري ما الامام الا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك الله والسلام ودعا الحسين عليه السلام مسلما ابن عقيل وقيل انه كتب معه جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر صيداوي وعمارة بن عبد الله السلولى وعبد الرحمن بن عبد الله الازدي امره بالتقوى وكتمان امره والطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك فاقبل مسلم رحمة الله حتى اتى إلى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع من احب من اهله واستأجر
------------------
(1) اي قريبا ( منه ) .
لواعج الاشجان _ 37 _
دليلين من قيس فاقبل به يتنكبان الطريق واصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأوما له إلى سنن الطريق بعد ان لاح لهما ذالك فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم إلى الحسين عليه السلام من الموضع المعروف بالضيق مع قيس بن مسهر اما بعد فأنى اقبلت من المدينة مع دليلين فحادا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج الا بحشاشة انفسنا وذلك الماء نمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فأن رأيت اعفيتني منه وبعثت غيري والسلا م فكتب إليه الحسين عليه السلام اما بعد فقد خشيت ان لا يكون حملك على الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذى وجهتك له الا الجبن فامض لوجهك الذى وجهتك فيه والسلام فلما قرأ مسلم الكتاب قال اما هذا فلست اتخوفه على نفسي فاقبل حتى مر بما لطئ فنزل ثم ارتحل عنه فأذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه وقد رمى ظبيا حين اشرف له فصرعه فقال مسلم نقتل عدونا ان شاء الله ثم اقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن ابي عبيدة الثقفي وقيل في غيرها واقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين عليه السلام وهم يبكون وبايعة الناس حتى بايعة منهم ثمانية عشر الفا وفي رواية اثنا عشر الفا فكتب
لواعج الاشجان _ 38 _
مسلم إلى الحسين عليه السلام كتابا يقول فيه اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله وان جميع اهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر الفا (وفي رواية اثنا عشر الفا) فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وارسل الكتاب مع عابس بن شبيب الشاكرى وقيس بن مسهر الصيداوي وعن الشعبي انه بايع الحسين عليه السلام اربعون الفا من اهل الكوفة على ان يحاربوا من حارب ويسلموا من سالم وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم حتى علم بمكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معوية فأقره يزيد عليها وكان من الصحابة من الانصار وحضر مع معوية حرب صفين وكان من اتباعه (1) فصعد المنبر وخطب الناس وحذرهم الفتنة فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الخضرمى حليف بني اميه فقال له انه لا يصلح ما ترى الا الغشم ان هذا الذى انت عليه رأى المستضعفين فقال له النعمان ان اكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون من الا عزين في معصية الله ثم تزل فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفه ومبايعة الناس له ويقول ان كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ امرك ويعمل مثل عملك في عدوك فان النعمان بن
------------------
(1) وقتله اهل حمص في فتنة ابن ازبير وكان واليا عليها ( منه ).
لواعج الاشجان _ 39 _
بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف وكتب إليه عمارة بن الوليد بن عقبه عمر بن سعد بنحو ذلك فدعى يزيد سرحون مولى معويه واستشاره فيمن يولي على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيدالله بن زياد وهو يومئذ وال على البصرة وكان معويه قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة ومات قبل انفاذه فقال سرحون ليزيد لو نشر لك معوية ماكنت آخذا برأيه قال بلى قال هذا عهده لعبيدالله على الكوفة فضم يزيد البصره والكوفة إلى عبيدالله وكنب إليه بعهده وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلى وكتب إلى عبيدالله معه اما بعد فأنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسرحين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيدالله بالبصرة فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته والتهيأ والمسير إلى الكوفة من الغد وكان الحسين عليه السلام قد كتب إلى جماعة من اشرف البصرة كتابا مع دراع السدوسى وقيل مع مولى للحسين عليه السلام اسمه سليمان ويكنى ابارزين منهم. الاحنف بن قيس ، ويزيد بن مسعود النهشلي.
والمنذر ابن الجارود العبدى. يقول فيه اني ادعوكم إلى الله والى نبيه فأن السنة قد اميتت وان البدعة قد احييت فان تجيبوا دعوتي وتطيعوا
لواعج الاشجان _ 40 _
أمرى أهدكم سبيل الرشاد فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظله وبني سعد فلما حضروا قال يا بنى تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم فقالوا بخ بخ انت والله فقره الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لامر اريد ان أشاوركم فيه واستعين بكم عليه فقالوا انا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأى فقل حتى نسمع فقال أن معويه مات فاهون به والله هالكا ومفقودا الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت اركان الظلم وقد كان احدث بيعة عقد بها امرا ظن ان قد احكمه وهيهات الذي اراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ قدميه فاقسم بالله قسما مبرورا لجهاده على الدين افضل من جهاد المشركين وهذا الحسين بن علي بن رسول الله صلى الله عليه واله ذو الشرف الاصيل والراي الاثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو اولى بهذا الامر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فاكرم به راعي رعيه وامام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا (1)
------------------
(1) النسكع التمادي في الباطل ( منه ) .
لواعج الاشجان _ 41 _
في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصرته والله لا يقصر احد عن نصرته الا اورثه الله تعالى الذل في ولده والقلة في عشيرته وها اناذا قد لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب فتكلمت بنو حنظله فقالوا يا ابا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا اصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرد الاخضناها ولا تلقى والله شدد الالقيناها ننصرك باسيافنا ونقيك بابداننا إذا شئت فقم وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا يا ابا خالد ان ابغض الاشياء الينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا امرنا (رأيه خ ل) وبقي عزنا فينا فامهلنا نراجع الرأى ونحسن المشورة ونأتيك برأينا وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا ابا خالد نحن بنو ابيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت والامر اليك فادعنا بخبك ومرنا نطعك والامر لك إذا شئت فقال والله يا بنى سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم ابدا ولا ذال سيفكم فيكم ثم كتب إلى الحسين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد وصل الي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الاخذ بحظى من طاعتك والفوز بنصيبتي من نصرتك وان الله لم
لواعج الاشجان _ 42 _
يخل الارض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وانتم حجة الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من زينوته احمديه هو اصلها وانتم فرعها فاقدم سعدت باسعد طائر فقد ذللت لك اعناق بنى تميم وتركتهم اشد تتابعا في طاعتك من الابل الظلماء لو رود الماء يوم خمسها وقد ذللت لك رقاب بنى سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع فلما قرأ الحسين عليه السلام الكتاب قال مالك آمنك الله يوم الخوف واعزك وارواك يوم العطش الاكبر فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير فجزع من انقطاعه عنه وكتب إليه الاحنف اما بعد فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واما المنذر بن الجارود فأنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التى يريد ابن زياد ان يذهب في صبيحتها إلى الكوفة لان المنذر خاف ان يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله وكانت بحرية بنت المنذر زوجه عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه ثم انه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف وخرج من البصره واستخلف عليها اخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمر والباهلي
لواعج الاشجان _ 43 _
رسول يزيد وشريك (1) ابن الاعور الحارثى وقيل كان معه خمسمائه فتأخروا عنه رجاء ان يقف عليهم ويسبقة الحسين عليه السلام إلى الكوفة فلم يقف على احد منهم وسار فلما اشرف على الكوفة نزل حتى امسى ودخلها ليلا مما يلى النجف وعليه عمامة سوداء وهو متلثم قال بعضهم انه دخلها من جهة البادية في زي اهل الحجاز ليوهم الناس انه الحسين (عليه السلام) والناس قد بلغهم اقبال الحسين (عليه السلام) فهم ينتظرونه فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين عليه السلام فقالت أمرأة الله اكبر ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتصايح الناس وقالوا انا معك اكثر من اربعين الفا واخذ لا يمر على جماعة من الناس الا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين (عليه السلام) ماساءة وازدحموا عليه حتى اخذوا بذنب دابته فحسر اللثام وقالذ انا عبيد الله فتساقط القوم ووطأ بعضهم بعضا وفي رواية ان عبد الله بن مسلم قال لهم لما كثروا تأخروا هذا الامير عبيدالله بن زياد وسار حتى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا
------------------
(1) قال ابن الاثير كان كريما على ابن زياد وعلى غيره من الامراء وكان شديد التشيع قد شهد صفين اهوله حكاية مع معوية مشهورة حين قال له انت شريك وليس لله شريك وابوه الحارث الاعور الهمداني من خواص اصحاب امير المؤمنين عليه السلام وهو الذى يقول له
يـا حار همدان من يمت يرنى من مؤمن أو منافق قبلا " منه " |
.
لواعج الاشجان _ 44 _
به لا يشكون انه الحسين (عليه السلام) فاغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته فناداه بعض من كان مع ابن زياد ليفتح لهم الباب فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين (عليه السلام) فقال انشدك الله الا تنحيت والله ما انا بمسلم اليك وامانتي ومالي في قتالك من ارب فجعل لا يكلمه ثم انه دني فتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال ابن زياد افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها انسان من خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من اهل الكوفة على انه الحسين فقال يا قوم ابن مرجانه والذي لا آله غيره ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا واصبح ابن زياد فنادى في الناس الصلوة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعد فان امير المؤمنين يزيد ولاني مصركم وثغركم وامرني وفيئكم وامرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم والاحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدة على مريببكم وعاصيكم وانا متبع فيكم امره ومنفذفيكم عهده فانا لمحسنكم ومطيعكم كالولد البر وسوطي وسيفي على من ترك امري وخالف عهدي فليتق امروء على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل وفي رواية انه قال فابلغوا هذا الرجل الهاشمي (يعنى مسلما بن
لواعج الاشجان _ 45 _
عقيل) ليتقي غضى واخذ العرفاء (1) والناس اخذا شديدا فقال اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم طلبه امير المؤمنين (2) ومن فيكم من الحرورية (3) واهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق ثم يجاء بهم لنرى رأينا فمن يجى لنا بهم فبري ومن لم يكتب لنا احدا فليضمن لنا من في عرافته ان لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمه وحلال لنا دمه وماله وايما عريف وجد في عرافته من بغية امير المؤمنين احد لم يرفعه الينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطاء ولما سمع مسلم بن عقيل مجئ عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التى قالها وما اخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار إلى دار هاني بن عروة في جوف الليل ودخل في امانه فاخذت الشيعة تختلف إليه في دار هاني على تستر واستخفاء من عبيد الله وتواصوا بالكتمان والح عبيد الله في طلب مسلم ولا يعلم اين هو وكان شريك بن الاعور الهمداني لما جاء من البصرة مع عبيد الله بن زياد نزل دار هاني فمرض وكان شريك من
------------------
(1) جمع عريف كامير وهو الرئيس والظاهر انه كان يجعل لكل قوم رئيس من قبل السلطان يطالب بامورهم يسمى العريف كما هو متعارف إلى اليوم وكان يجعل للعرفاء ايضا رؤساء يقال لهم المناكب ( منه ) .
(2) اي الشيعة الذين بايعوا مسلما للحسين عليه السلام ( منه ) .
(3) قوم من الخوارج كانوا في اول امرهم اجتمعوا بموضع يقال له حروراء فنسبوا إليه ( منه ) .
لواعج الاشجان _ 46 _
مجي امير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته عظيم المنزله جليل القدر فارسل إليه ابن زياد انه يريد ان يعوده فقال شريك لمسلم ان هذا الفاجر عائدي فادخل بعض الخزائن فإذا جلس اخرج إليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احد يحول بينك وبينه فأن برئت سرت إلى البصرة حتى اكفيك امرها وعلامتك ان اقول اسقوني ماء ونهاه هاني عن ذلك وكان مسلم شجاعا مقداما جسورا فلما دخل عبيد الله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله جعل يقول اسقوني ماء فلما رأى ان احدا لا يخرج خشى ان يفوته فاخذ يقول
ما الانتظار بسلمى ان تحييها كاس المنية بالتعجيل iiاسقوها |
فتوهم ابن زياد وخرج فلما خرج دخل مسلم والسيف في كفه فقال له شريك ما منعك من قتله قال هممت بالخروج فتعلقت بي امرأة وقالت لي نشدتك الله ان قتلت ابن زياد في دارنا وبكت في وجهي فرميت السيف وجلست فقال هاني يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها والذي فرت منه وقعت فيه وفي رواية انه قال منعني من قتله خصلتان كراهية هاني ان يقتل في داره وحديث ان الايمان قيد الفتك فقال له هاني اما والله لو قتله لقلت فاسقا فاجرا كافرا ولما خفي على ابن زياد حديث مسلم دعى مولى له يقال له معقل فاعطاه ثلاثه الاف أو اربعة الاف درهم وامره بحسن التوصل إلى اصحاب مسلم وان
لواعج الاشجان _ 47 _
يدفع إليهم المال ويقول لهم استعينوا به على حرب عدوكم ويعلمهم انه من اهل حمص ويظهر لهم انه منهم وقال له انك لو قد اعطيتهم المال اطمأنوا اليك ووثقوا بك فتردد إليهم حتى تعرف مقر مسلم وتدخل عليه فجاء معقل حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الاسدي في المسجد الاعظم وهو يصلى فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين (عليه السلام) فقال له معقل اني امروء من اهل الشام انعم الله على بحب اهل هذا البيت ومن احبهم وتباكى له وقال معي ثلاثة آلاف درهم اردت بها لقاء رجل منهم بلغني انه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتر ابن عوسجة بذلك فاخذ بيعة واخذ عليه المواثيق المغلظة لينا صحن وليكتمن ثم ادخله على مسلم فاخذ بيعة وامر أبا تمامة الصآئدى بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض اموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشترى لهم به السلاح وكان بصير أو فارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة واقبل معقل يختلف إليهم فهو اول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد فكان يخبره وقتا وقتا وبلغ الذين بايعوا مسلما خمسة وعشرين الف رجل فعزم على الخروج فقال هاني لا تعجل وخاف هاني عبيدالله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض فسأل عنه ابن زياد فقيل هو مريض فقال عن علمت بمرضه لعدته ودعا محمد بن الاشعث واسماء بن خارجه وعمروبن الحجاج الزبيدى
لواعج الاشجان _ 48 _
وكانت رويحة بنت عمرو هذا تحت هاني فقال لهم ما يمنع هاني من اتياننا ما ندري وقد قيل انه مريض قال قد بلغني ذلك بلغني انه برئ وانه يجلس على باب داره قالقوه ومروه ان لا يدع ما عليه من حقنا فاني لا احب ان يفسد عندي مثله من اشراف العرب فأتوه ووقفوا عشية على بابه فقالوا له ما يمنعك من لقاء الامير فأنه قد ذكرك وقال لو اعلم انه مريض لعدته فقال لهم المرض يمنعني فقالوا انه قد بلغه انك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان من مثلك لانك سيد في قومك ونحن نقسم عليك الا ركبت معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببلغته فركبها حتى إذا دنى من القصر كأن نفسه احست ببعض الذى كان فقال لحسان بن اسماء بن خارجه يا ابن الاخ انى والله لهذا الرجل لخائف فما ترى قال يا عم والله ما اتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ولم يكن حسان يعلم مما كان محمد بن الاشعث عالما به فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا على عبيدالله فلما طلع قال عبيدالله لشريح القاضى وكان جالسا عنده
اتتك بخائن رجلاه تسعى يقود النفس منها iiللهوان |
فلما دنى من ابن زياد التفت إلى شريح واشار إلى هاني وانشد بيت عمرو بن معد يكرب الزبيري
لواعج الاشجان _ 49 _
أريد حياته (حباء ه خ ل) ويريد قتلى عذيرك من خليلك من مراد وكان اول ما قدم مكر ماله ملطفا به فقال له هاني وما ذاك ايها الامير قال ايه يا هاني ما هذه الامور التي تربص في دارك لامير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم ابن عقيل فادخلته دارك وجمعت له المجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفي علي قال ما فعلت ذلك وما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما وابى هاني الا مجاحدته ومنا كرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فقال اتعرف هذا قال نعم وعلم هاني عند ذلك انه كان عينا عليهم وانه قد اتاه باخبارهم فسقط في يده (1) ساعة ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني وصدق مقالتي فوالله ما كذبت والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره حتى جاءني يسألنى النزول فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من امره ما قد بلغك فأن شئت اعطيتك الان موثقا تطمئن به ورهينة تكون في يدك حتى انطلق واخرجه من دارى فاخرج من ذمامه وجواره فقال له ابن زياد والله لا تفارقني ابدا حتى تأتيني به قال لا والله لا اجيئك به ابدا اجيئك بضيفي تقتله قال والله لتأتينى به قال والله لاآتيك به فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلى وليس بالكوفة
------------------
(1) اي بهت وتحير ولا يكون الامبنيا للمفعول (منه) .
لواعج الاشجان _ 50 _
شامي ولا بصري غيره فقال اصلح الله الامير خلني واياه حتى اكمله فقام فخلى به ناحية فقال له يا هاني انشدك الله ان تقتل نفسك وان تدخل البلاء في عشيرتك فوالله اني لانفس بك عن القتل ان هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فانه ليس عليك بذلك مخواة ولا منقصة انما تدفعه إلى السلطان فقال هاني والله ان علي في ذلك الخزي والعار ان ادفع جاري وضيفي وانا صحيح اسمع وارى شديد الساعدين كثير الاعوان والله لو لم اكن الا واحد اليس لي ناصر لم افعه حتى اموت دونه فاخذ يناشده وهو يقول والله لاادفعه ابدا فسمع ابن زياد ذلك فقال ادنوه مني فادنوه منه فقال والله لتأتيني به أو لاضربن عنقك فقال هاني إذا والله لتكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد والهفاه عليك ابا البارقة تخوفني وهاني يظن ان عشيرته سيمنونه ثم قال ادنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به انفه وجبينه وخده حتى كسر انفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي ومنعه فقال عبيدالله احروري (1) سائر اليوم قد حل دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار واغلقوا
------------------
(1) الحروري الخارجي نسبة إلى الحرورية وتقدم تفسيرهم " منه ".
|