باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ، ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له ، كالمعرفة ، وليسم منجزا ، وإلى ما يتعلق وجوبه به ، ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له ، وليسم معلقا كالحج ، فإن وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة ، أو خروج الرفقة ، ويتوقف فعله على مجيء وقته ، وهو غير مقدور له ، والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو أن التوقف هناك للوجوب ، وهنا للفعل ، انتهى كلامه رفع مقامه .
لا يخفى أن شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ حيث اختار في الواجب المشروط ذاك المعنى ، وجعل الشرط لزوما من قيود المادة ثبوتا وإثباتا ، حيث ادعى امتناع كونه من قيود الهيئة كذلك ، أي إثباتا وثبوتا ، على خلاف القواعد العربية وظاهر المشهور ، كما يشهد به ما تقدم آنفا عن البهائي ، أنكر (1) على الفصول هذا التقسيم ، ضرورة أن المعلق بما فسره ، يكون من المشروط بما اختار له من المعنى على ذلك ، كما هو واضح ، حيث لا يكون حينئذ هناك معنى آخر معقول ، كان هو المعلق المقابل للمشروط .
ومن هنا انقدح أنه في الحقيقة إنما أنكر الواجب المشروط ، بالمعنى الذي يكون هو ظاهر المشهور ، والقواعد العربية ، لا الواجب المعلق بالتفسير المذكور.
وحيث قد عرفت ـ بما لا مزيد عليه ـ امكان رجوع الشرط إلى الهيئة ، كما هو ظاهر المشهور وظاهر القواعد ، فلا يكون مجال لانكاره عليه.
نعم يمكن أن يقال : إنه لا وقع لهذا التقسيم ، لانه بكلا قسميه من المطلق المقابل للمشروط وخصوصية (2) كونه حاليا أو استقباليا لا توجبه ما لم
(1) مطارح الانظار 51 ـ 52. في الهداية 6 من القول في وجوب مقدمة الواجب.
(2) وفي ( ب ) : خصوصيته.
كفاية الأصول ـ 102 ـ
توجب الاختلاف في المهم ، وإلا لكثر تقسيماته لكثرة الخصوصيات ، ولا اختلاف فيه ، فإن ما رتبه عليه من وجوب المقدمة فعلا ـ كما يأتي ـ إنما هو من أثر إطلاق وجوبه وحاليته ، لا من استقبالية الواجب ، فافهم .
ثم إنه ربما حكي عن بعض أهل النظر (1) من أهل العصر إشكال في الواجب المعلق ، وهو أن الطلب والايجاب ، إنما يكون بأزاء الارادة المحركة للعضلات نحو المراد ، فكما لا تكاد تكون الارادة منفكة عن المراد ، فليكن الايجاب غير منفك عما يتعلق به ، فكيف يتعلق بأمر استقبالي ؟ فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلا نحو أمر متأخر .
قلت : فيه أن الارادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي ، كما تتعلق بأمر حالي ، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل ، ضرورة أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات ـ فيما إذا كان المقصود بعيد المسافة وكثير المؤونة ـ ليس إلا لاجل تعلق إرادته به ، وكونه مريدا له قاصدا إياه ، لا يكاد يحمله على التحمل إلا ذلك.
ولعل الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الارادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد ، وتوهم أن تحريكها نحو المتأخر مما لا يكاد ، وقد غفل عن أن كونه (2) محركا نحوه يختلف حسب اختلافه ، في كونه مما لا مؤونة له كحركة نفس العضلات ، أو مما له مؤونة ومقدمات قليلة أو كثيرة ، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له ، والجامع أن يكون نحو المقصود ، بل مرادهم من هذا الوصف ـ في تعريف الارادة ـ بيان مرتبة الشوق الذي يكون هو الارادة ، وإن لم يكن هناك فعلا تحريك ، لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مؤونة أو تمهيد مقدمة ، ضرورة أن شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق
(1) هو المحقق النهاوندي ، تشريح الاصول.
(2) والصحيح ( كونها ).
كفاية الأصول ـ 103 ـ
المحرك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي ، محتاج إلى ذلك ، هذا .
مع أنه لا يكاد يتعلق البعث إلا بأمر متأخر عن زمان البعث ، ضرورة أن البعث إنما يكون لاحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به ، بأن يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة ، وعلى تركه من العقوبة ، ولا يكاد يكون هذا إلا بعد البعث بزمان ، فلا محالة يكون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان ، ولا يتفاوت طوله وقصره ، فيما هو ملاك الاستحالة والامكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب ، ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه ، والاطناب إنما هو لاجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب.
وربما أشكل على المعلق أيضا ، بعدم القدرة على المكلف به في حال البعث ، مع أنها من الشرائط العامة .
وفيه : إن الشرط إنما هو القدرة على الواجب في زمانه ، لا في زمان الايجاب والتكليف ، غاية الامر يكون من باب الشرط المتأخر ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه كالمقارن ، من غير انخرام للقاعدة العقلية أصلا ، فراجع .
ثم لا وجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله على أمر غير مقدور ، بل ينبغي تعميمه إلى أمر مقدور متأخر ، أخذ على نحو يكون موردا للتكليف ، ويترشح عليه الوجوب من الواجب ، أو لا ، لعدم تفاوت فيما يهمه من وجوب تحصيل المقدمات التي لا يكاد يقدر عليها في زمان الواجب المعلق ، دون المشروط ، لثبوت الوجوب الحالي فيه ، فيترشح منه الوجوب على المقدمة ، بناء على الملازمة ، دونه لعدم ثبوته فيه إلا بعد الشرط.
نعم لو كان الشرط على نحو الشرط المتأخر ، وفرض وجوده ، كان الوجوب المشروط به حاليا أيضا ، فيكون وجوب سائر المقدمات الوجودية للواجب أيضا حاليا ، وليس الفرق بينه وبين المعلق حينئذ إلا كونه مرتبطا
كفاية الأصول ـ 104 ـ
بالشرط ، بخلافه ، وإن ارتبط به الواجب.
تنبيه : قد انقدح ـ من مطاوي ما ذكرناه ـ أن المناط في فعلية وجوب المقدمة الوجودية ، وكونه في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها ، هو فعلية وجوب ذيها ، ولو كان أمرا استقباليا ، كالصوم في الغد والمناسك في الموسم ، كان وجوبه مشروطا بشرط موجود أخذ فيه ولو متأخرا ، أو مطلقا ، منجزا كان أو معلقا ، فيما إذا لم تكن مقدمة للوجوب أيضا ، أو مأخوذة في الواجب على نحو يستحيل أن تكون موردا للتكليف ، كما إذا أخذ عنوانا للمكلف ، كالمسافر والحاضر والمستطيع إلى غير ذلك ، أو جعل الفعل المقيد باتفاق حصوله ، وتقدير وجوده ـ بلا اختيار أو باختياره ـ موردا للتكليف ، ضرورة أنه لو كان مقدمة الوجوب أيضا ، لا يكاد يكون هناك وجوب إلا بعد حصوله ، وبعد الحصول يكون وجوبه طلب الحاصل ، كما أنه إذا أخذ على أحد النحوين يكون كذلك ، فلو لم يحصل لما كان الفعل موردا للتكليف ، ومع حصوله لا يكاد يصح تعلقه به ، فافهم.
إذا عرفت ذلك ، فقد عرفت أنه لا إشكال أصلا في لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، إذا لم يقدر عليه بعد زمانه ، فيما كان وجوبه حاليا مطلقا ، ولو كان مشروطا بشرط متأخر ، كان معلوم الوجود فيما بعد ، كما لا يخفى ، ضرورة فعلية وجوبه وتنجزه بالقدرة عليه بتمهيد مقدمته ، فيترشح منه الوجوب عليها على الملازمة ، ولا يلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، وإنما اللازم الاتيان بها قبل الاتيان به ، بل لزوم الاتيان بها عقلا ، ولو لم نقل بالملازمة ، لا يحتاج إلى مزيد بيان ومؤونة برهان ، كالاتيان بسائر المقدمات في زمان الواجب قبل إتيانه.
فانقدح بذلك : أنه لا ينحصر التفصي عن هذه العويصة بالتعلق بالتعليق ، أو بما يرجع إليه ، من جعل الشرط من قيود المادة في المشروط.
كفاية الأصول ـ 105 ـ
فانقدح بذلك : أنه لا إشكال في الموارد التي يجب في الشريعة الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب ، كالغسل في الليل في شهر رمضان وغيره مما وجب عليه الصوم في الغد ، إذ يكشف به بطريق الان عن سبق وجوب الواجب ، و إنما المتأخر هو زمان إتيانه ، ولا محذور فيه أصلا ، ولو فرض العلم بعدم سبقه ، لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيري ، فلو نهض دليل على وجوبها ، فلا محالة يكون وجوبها نفسيا [ ولو ] (1) تهيؤا ، ليتهيأ بإتيانها ، ويستعد لايجاب ذي المقدمة عليه ، فلا محذور أيضا.
إن قلت : لو كان وجوب المقدمة في زمان كاشفا عن سبق وجوب ذي المقدمة لزم وجوب جميع مقدماته ولو موسعا ، وليس كذلك بحيث يجب عليه المبادرة لو فرض عدم تمكنه منها لو لم يبادر.
قلت : لا محيص عنه ، إلا إذا أخذ في الواجب من قبل سائر المقدمات قدرة خاصة ، وهي القدرة عليه بعد مجيء زمانه ، لا القدرة عليه في زمانه من زمان وجوبه ، فتدبر جيداً.
تتمة : قد عرفت اختلاف القيود في وجوب التحصيل ، وكونه موردا للتكليف وعدمه ، فإن علم حال قيد فلا إشكال ، وإن دار أمره ثبوتا بين أن يكون راجعا إلى الهيئة ، نحو الشرط المتأخر أو المقارن ، وأن يكون راجعا إلى المادة على نهج يجب تحصيله أولا يجب ، فإن كان في مقام الاثبات ما يعين حاله ، وأنه راجع إلى أيهما من القواعد العربية فهو ، وإلا فالمرجع هو الاصول العملية.
وربما قيل (2) في الدوران بين الرجوع إلى الهيئة أو المادة ، بترجيح الاطلاق في طرف الهيئة ، وتقييد المادة ، بوجهين :
(1) أثبتناها من ( أ ).
(2) راجع مطارح الانظار / 49 الهداية 5 من القول بوجوب المقدمة ، في الوجه الخامس.
كفاية الأصول ـ 106 ـ
أحدهما : إن إطلاق الهيئة يكون شموليا ، كما في شمول العام لافراده ، فإن وجوب الاكرام على تقدير الاطلاق ، يشمل جميع التقادير التي يمكن أن يكون تقديرا له ، وإطلاق المادة يكون بدليا غير شامل لفردين في حالة واحدة .
ثانيهما : إن تقييد الهيئة يوجب بطلان محل الاطلاق في المادة ويرتفع به مورده ، بخلاف العكس ، وكلما دار الامر بين تقييدين كذلك كان التقييد الذي لا يوجب بطلان الآخر أولى.
أما الصغرى ، فلاجل أنه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة وبيان لاطلاق المادة ، لانها لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة ، بخلاف تقييد المادة ، فإن محل الحاجة إلى إطلاق الهيئة على حاله ، فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود القيد وعدمه .
وأما الكبرى ، فلان التقييد وإن لم يكن مجازا إلا أنه خلاف الاصل ، ولا فرق في الحقيقة بين تقييد الاطلاق ، وبين أن يعمل عملا يشترك مع التقييد في الاثر ، وبطلان العمل به.
وما ذكرناه من الوجهين موافق لما أفاده بعض مقرري بحث الاستاذ العلامة أعلى الله مقامه ، و أنت خبير بما فيهما :
أما في الاول : فلان مفاد إطلاق الهيئة وإن كان شموليا بخلاف المادة ، إلا أنه لا يوجب ترجيحه على إطلاقها ، لانه أيضا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة ، غاية الامر أنه تارة يقتضي العموم الشمولي ، وأخرى البدلي ، كما ربما يقتضي التعيين أحيانا ، كما لا يخفى .
وترجيح عموم العام على إطلاق المطلق إنما هو لاجل كون دلالته بالوضع ، لا لكونه شموليا ، بخلاف المطلق فإنه بالحكمة ، فيكون العام أظهر منه ، فيقدم عليه ، فلو فرض أنهما في ذلك على العكس ، فكان عام بالوضع دل على العموم البدلي ، ومطلق بإطلاقه دل على الشمول ، لكان العام
كفاية الأصول ـ 107 ـ
يقدم بلا كلام ، وأما في الثاني : فلان التقييد وإن كان خلاف الاصل ، إلا أن العمل الي يوجب عدم جريان مقدمات الحكمة ، وانتفاء بعض مقدماته ، لا يكون على خلاف الاصل أصلا ، إذ معه لا يكون هناك إطلاق ، كي يكون بطلان العمل به في الحقيقة مثل التقييد الذي يكون على خلاف الاصل .
وبالجملة لا معنى لكون التقييد خلاف الاصل ، إلا كونه خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة مقدمات الحكمة ، ومع انتفاء المقدمات لا يكاد ينعقد له هناك ظهور ، كان ذاك العمل المشارك مع التقييد في الاثر ، وبطلان العمل بإطلاق المطلق ، مشاركا معه في خلاف الاصل أيضا .
وكأنه توهم : أن إطلاق المطلق كعموم العام ثابت ، ورفع اليد عن العمل به ، تارة لاجل التقييد ، وأخرى بالعمل المبطل للعمل به.
وهو فاسد ، لانه لا يكون إطلاق إلا فيما جرت هناك المقدمات.
نعم إذا كان التقييد بمنفصل ، ودار الامر بين الرجوع إلى المادة أو الهيئة كان لهذا التوهم مجال ، حيث انعقد للمطلق إطلاق ، وقد استقر له ظهور ولو بقرينة الحكمة ، فتأمل .
ومنها : تقسيمه إلى النفسي والغيري .
وحيث كان طلب شيء وإيجابه لا يكاد يكون بلا داع ، فإن كان الداعي فيه هو التوصل به إلى واجب ، لا يكاد التوصل بدونه إليه ، لتوقفه عليه ، فالواجب غيري ، وإلا فهو نفسي ، سواء كان الداعي محبوبية الواجب بنفسه ، كالمعرفة بالله ، أو محبوبيته بما له من فائدة مترتبة عليه ، كأكثر الواجبات من العبادات والتوصليات.
هذا ، لكنه لا يخفى أن الداعي لو كان هو محبوبيته كذلك ـ أي بما له من الفائدة المترتبة عليه ـ كان الواجب في الحقيقة واجبا غيريا ، فإنه لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما ، لما دعي إلى إيجاب ذي الفائدة .
كفاية الأصول ـ 108 ـ
فإن قلت : نعم وإن كان وجودها محبوبا لزوما ، إلا أنه حيث كانت من الخواص المترتبة على الافعال التي ليست داخلة تحت قدرة المكلف ، لما كاد يتعلق بها الايجاب.
قلت : بل هي داخلة تحت القدرة ، لدخول أسبابها تحتها ، والقدرة على السبب قدرة على المسبب ، وهو واضح ، وإلا لما صح وقوع مثل التطهير والتمليك والتزويج والطلاق والعتاق ... إلى غير ذلك من المسببات ، موردا لحكم من الاحكام التكليفية.
فالاولى أن يقال : إن الاثر المترتب عليه وإن كان لازما ، إلا أن ذا الاثر لما كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله ، بل ويذم تاركه ، صار متعلقا للايجاب بما هو كذلك ، ولا ينافيه كونه مقدمة لامر مطلوب واقعا ، بخلاف الواجب الغيري ، لتمحض وجوبه في أنه لكونه مقدمة لواجب نفسي ، وهذا أيضا لا ينافي أن يكون معنونا بعنوان حسن في نفسه ، إلا أنه لا دخل له في إيجابه الغيري ، ولعله مراد من فسرهما بما أمر به لنفسه ، وما أمر به لاجل غيره ، فلا يتوجه عليه بأن جل الواجبات ـ لو لا الكل ـ يلزم أن يكون من الواجبات الغيرية ، فإن المطلوب النفسي قلما يوجد في الاوامر ، فإن جلها مطلوبات لاجل الغايات التي هي خارجة عن حقيقتها ، فتأمل.
ثم إنه لا إشكال فيما إذا علم بأحد القسمين ، وأما إذا شك في واجب أنه نفسي أو غيري ، فالتحقيق أن الهيئة ، وإن كانت موضوعة لما يعمهما ، إلا أن إطلاقها يقتضي كونه نفسيا ، فإنه لو كان شرطا لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلم الحكيم.
وأما ما قيل (1) من أنه لا وجه للاستناد إلى إطلاق الهيئة ، لدفع الشك
(1) مطارح الانظار / 67 في الهداية 11 من القول بوجوب المقدمة.
كفاية الأصول ـ 109 ـ
المذكور ، بعد كون مفادها الافراد التي لا يعقل فيها التقييد ، نعم لو كان مفاد الامر هو مفهوم الطلب ، صح القول بالاطلاق ، لكنه بمراحل من الواقع ، إذ لا شك في اتصاف الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الامر ، ولا يعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبية بواسطة مفهوم الطلب ، فإن الفعل يصير مرادا بواسطة تعلق واقع الارادة وحقيقتها ، لا بواسطة مفهومها ، وذلك واضح لا يعتريه ريب.
ففيه : إن مفاد الهيئة ـ كما مرت الاشارة إليه ـ ليس الافراد ، بل هو مفهوم الطلب ، كما عرفت تحقيقه في وضع الحروف (1) ، ولا يكاد يكون فرد الطلب الحقيقي ، والذي يكون بالحمل الشائع طلبا ، وإلا لما صح إنشاؤه بها ، ضرورة أنه من الصفات الخارجية الناشئة من الاسباب الخاصة.
نعم ربما يكون هو السبب لانشائه ، كما يكون غيره أحيانا.
واتصاف الفعل بالمطلوبية الواقعية والارادة الحقيقية ـ الداعية إلى إيقاع طلبه ، وإنشاء إرادته بعثا نحو مطلوبه الحقيقي وتحريكا إلى مراده الواقعي ـ لا ينافي اتصافه بالطلب الانشائي أيضا ، والوجود الانشائي لكل شيء ليس إلا قصد حصول مفهومه بلفظه ، كان هناك طلب حقيقي أو لم يكن ، بل كان إنشاؤه بسبب آخر.
ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق ، فتوهم منه أن مفاد الصيغة يكون طلبا حقيقيا ، يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع ، ولعمري إنه من قبيل اشتباه المفهوم بالمصداق ، فالطلب الحقيقي إذا لم يكن قابلا للتقييد لا يقتضي أن لا يكون مفاد الهيئة قابلا له ، وإن تعارف تسميته بالطلب أيضا ، وعدم تقييده بالانشائي لوضوح إرادة
(1) باعتبار أن الهيئة ملحقة بالحروف ، راجع صفحة 11 من هذا الكتاب.
كفاية الأصول ـ 110 ـ
خصوصه ، وإن الطلب الحقيقي لا يكاد ينشأ بها ، كما لا يخفى.
فانقدح بذلك صحة تقييد مفاد الصيغة بالشرط ، كما مر هاهنا بعض الكلام ، وقد تقدم (1) في مسألة اتحاد الطلب والارادة ما يجدي [ في ] المقام.
هذا إذا كان هناك إطلاق ، وأما إذا لم يكن ، فلابد من الاتيان به فيما إذا كان التكليف بما احتمل كونه شرطا له فعليا ، للعلم بوجوبه فعلا ، وإن لم يعلم جهة وجوبه ، وإلا فلا ، لصيرورة الشك فيه بدويا ، كما لا يخفى.
تذنيبان
الاول : لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسي وموافقته ، واستحقاق العقاب على عصيانه ومخالفته عقلا ، وأما استحقاقهما على امتثال الغيري ومخالفته ، ففيه إشكال ، وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ومخالفته ، بما هو موافقة ومخالفة ، ضرورة استقلال العقل بعدم الاستحقاق إلا لعقاب واحد ، أو لثواب كذلك ، فيما خالف الواجب ولم يأت بواحدة من مقدماته على كثرتها ، أو وافقه وأتاه بما له من المقدمات.
نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة ، وبزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدمات بما هي مقدمات له ، من باب أنه يصير حينئذ من أفضل الاعمال ، حيث صار أشقها ، وعليه ينزل ما ورد في الاخبار (2) من الثواب على المقدمات ، أو على التفضل فتأمل جيدا ، وذلك لبداهة أن موافقة الامر الغيري ـ بما هو أمر لا بما هو شروع في إطاعة الامر النفسي ـ لا توجب قربا ، ولا مخالفته ـ بما هو كذلك ـ بعدا ، والمثوبة والعقوبة إنما تكونان من تبعات القرب والبعد.
(1) راجع صفحة 64 من الكتاب ، الجهة الرابعة ( في بحث الطلب والارادة ).
(2) كامل الزيارات / 133 ، فيما ورد في زيارة أبي عبدالله ، من أنه لكل قدم ثواب كذا .
كفاية الأصول ـ 111 ـ إشكال ودفع :
أما الاول : فهو أنه إذا كان الامر الغيري بما هو لا إطاعة له ، ولا قرب في موافقته ، ولا مثوبة على امتثاله ، فكيف حال بعض المقدمات ؟ كالطهارات ، حيث لا شبهة في حصول الاطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها ، هذا مضافا إلى أن الامر الغيري لا شبهة في كونه توصليا ، وقد اعتبر في صحتها إتيانها بقصد القربة.
وأما الثاني : فالتحقيق أن يقال : إن المقدمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة ، وغاياتها إنما تكون متوقفة على إحدى هذه العبادات ، فلا بد أن يؤتى بها عبادة ، وإلا فلم يؤت بما هو مقدمة لها ، فقصد القربة فيها إنما هو لاجل كونها في نفسها أمورا عبادية ومستحبات نفيسة ، لا لكونها مطلوبات غيرية والاكتفاء بقصد أمرها الغيري ، فإنما هو لاجل أنه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه حيث أنه لا يدعو إلا إلى ما هو المقدمة ، فافهم.
وقد تفصي عن الاشكال بوجهين آخرين (1) :
أحدهما ما ملخصه : إن الحركات الخاصة ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود منها ، من العنوان الذي يكون بذاك العنوان مقدمة وموقوفا عليها ، فلا بد في إتيانها بذاك العنوان من قصد أمرها ، لكونه لا يدعو إلا إلى ما هو الموقوف عليه ، فيكون عنوانا إجماليا ومرآة لها ، فإتيان الطهارات عبادة وإطاعة لامرها ليس لاجل أن أمرها المقدمي يقضي بالاتيان كذلك ، بل إنما كان لاجل إحراز نفس العنوان ، الذي يكون بذاك العنوان موقوفا عليها.
وفيه : مضافا إلى أن ذلك لا يقتضي الاتيان بها كذلك ، لا مكان الاشارة إلى عناوينها التي تكون بتلك العناوين موقوفا عليها بنحو آخر ، ولو
(1) مطارح الانظار / 71 في تنبيهات الهداية 12 من القول في وجوب مقدمة الواجب.
كفاية الأصول ـ 112 ـ
بقصد أمرها وصفا لا غاية وداعيا ، بل كان الداعي إلى هذه الحركات الموصوفة بكونها مأمورا بها شيئا آخر غير أمرها ، غير واف بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها ، كما لا يخفى.
ثانيهما : ما محصله أن لزوم وقوع الطهارات عبادة ، إنما يكون لاجل أن الغرض من الامر النفسي بغاياتها ، كما لا يكاد يحصل بدون قصد التقرب بموافقته ، كذلك لا يحصل ما لم يؤت بها كذلك ، لا باقتضاء أمرها الغيري.
وبالجملة وجه لزوم إتيانها عبادة ، إنما هو لاجل أن الغرض في الغايات ، لا يحصل إلا بإتيان خصوص الطهارات من بين مقدماتها أيضا ، بقصد الاطاعة.
وفيه أيضا : إنه غير واف بدفع إشكال ترتب المثوبة عليها.
وأما ما ربما قيل (1) في تصحيح اعتبار قصد الاطاعة في العبادات ، من الالتزام بأمرين : أحدهما كان متعلقا بذات العمل ، والثاني بإتيانه بداعي امتثال الاول ، لا يكاد يجزي في تصحيح اعتبارها في الطهارات ، إذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها ، لا يكاد يتعلق بها أمر من قبل الامر بالغايات ، فمن أين يجيء طلب آخر من سنخ الطلب الغيري متعلق بذاتها ، ليتمكن به من المقدمة في الخارج ، هذا مع أن في هذا الالتزام ما في تصحيح اعتبار قصد الطاعة في العبادة على ما عرفته مفصلا سابقا ، فتذكر.
الثاني : إنه قد انقدح مما هو التحقيق ، في وجه اعتبار قصد القربة في الطهارات صحتها ولو لم يؤت بها بقصد التوصل بها إلى غاية من غاياتها ، نعم لو كان المصحح لاعتبار قصد القربة فيها امرها الغيري ، لكان قصد الغاية مما لابد منه في وقوعها صحيحة ، فان الامر الغيري لا يكاد يمتثل إلا إذا قصد
(1) مطارح الانظار / 71 ، في تنبيهات الهداية 12.
كفاية الأصول ـ 113 ـ
التوصل إلى الغير ، حيث لا يكاد يصير داعيا إلا مع هذا القصد ، بل في الحقيقة يكون هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ، ولو لم يقصد أمرها ، بل ولو لم نقل بتعلق الطلب بها أصلا .
وهذا هو السر في اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة عبادة ، لا ما توهم (1) من أن المقدمة إنما تكون مأمورا بها بعنوان المقدمية ، فلا بد عند إرادة الامتثال بالمقدمة من قصد هذا العنوان ، وقصدها كذلك لا يكاد يكون بدون قصد التوصل إلى ذي المقدمة بها ، فإنه فاسد جدا ، ضرورة أن عنوان المقدمية ليس بموقوف عليه الواجب ، ولا بالحمل الشائع مقدمة له ، وإنما كان المقدمة هو نفس المعنونات بعناوينها الاولية ، والمقدمية إنما تكون علة لوجوبها .
الامر الرابع : لا شبهة في أن وجوب المقدمة بناء على الملازمة ، يتبع في الاطلاق والاشتراط وجوب ذي المقدمة ، كما أشرنا إليه في مطاوي كلماتنا (2) ، ولا يكون مشروطا بإرادته ، كما يوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم (3) ( رحمه الله ) في بحث الضد ، قال : وأيضا فحجة القول بوجوب المقدمة على تقدير تسليمها إنما تنهض دليلا على الوجوب ، في حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها ، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر .
وأنت خبير بأن نهوضها على التبعية واضح لا يكاد يخفى ، وإن كان نهوضها على أصل الملازمة لم يكن بهذه المثابة ، كما لا يخفى .
(1) مطارح الانظار / 72.
(2) راجع ص 99.
(3) معالم الدين / 74 ، في آخر مبحث الضد.
هو الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن الشيخ زين الدين ، ولد سنة 959 ه ، كان عالما فاضلا عاملا جامعا للفنون ، اعرف أهل زمانه بالفقه والحديث والرجال ، يروي عن جماعة من تلامذة أبيه ، منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ، له كتب ورسائل منها ( منتقى الجمان في الاحاديث الصحاح والحسان ) و ( معالم الدين وملاذ المجتهدين ) توفي سنة 1011 ه ، ( أمل الآمل 1 / 57 رقم 45 ).
كفاية الأصول ـ 114 ـ
وهل يعتبر في وقوعها على صفة الوجوب أن يكون الاتيان بها بداعي التوصل بها إلى ذي المقدمة ؟ كما يظهر مما نسبه إلى شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ بعض أفاضل (1) مقرري بحثه ، أو ترتب ذي المقدمة عليها ؟ بحيث لو لم يترتب عليها لكشف (2) عن عدم وقوعها على صفة الوجوب ، كما زعمه صاحب الفصول (3) ( قدس سره ) أو لا يعتبر في وقوعها كذلك شيء منهما .
الظاهر عدم الاعتبار : أما عدم اعتبار قصد التوصل ، فلاجل أن الوجوب لم يكن بحكم العقل إلا لاجل المقدمية والتوقف ، وعدم دخل قصد التوصل فيه واضح ، ولذا اعترف (4) بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك في غير المقدمات العبادية ، لحصول ذات الواجب ، فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص ، فافهم .
نعم انما اعتبر ذلك في الامتثال ، لما عرفت (5) من انه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه ممتثلا لامرها ، وآخذا في امتثال الامر بذيها ، فيثاب بثواب أشق الاعمال ، فيقع الفعل المقدمي على صفة الوجوب ، ولو لم يقصد به التوصل ، كسائر الواجبات التوصلية ، لا على حكمه السابق الثابث له ، لو لا عروض صفة توقف الواجب الفعلي المنجز عليه ، فيقع الدخول في ملك الغير واجبا إذا كان مقدمة لانقاذ غريق أو إطفاء حريق واجب فعلي لا حراما ، وإن لم يلتفت إلى التوقف والمقدمية ، غاية الامر يكون حينئذ متجرئا فيه ، كما أنه مع الالتفات يتجرأ بالنسبة إلى ذي المقدمة ، فيما لم يقصد التوصل إليه أصلا .
(1) مطارح الانظار / 72.
(2) في ( ب ) : يكشف.
(3) الفصول / 86 ، في مقدمة الواجب.
(4) مطارح الانظار / 72.
(5) راجع صفحة 112.
كفاية الأصول ـ 115 ـ
وأما إذا قصده ، ولكنه لم يأت بها بهذا الداعي ، بل بداع آخر أكده بقصد التوصل ، فلا يكون متجرئا أصلا .
وبالجملة : يكون التوصل بها إلى ذي المقدمة من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة ، لا أن يكون قصده قيدا وشرطا لوقوعها على صفة الوجوب ، لثبوت ملاك الوجوب في نفسها بلا دخل له فيه أصلا ، وإلا لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به ، كما لا يخفى .
ولا يقاس على ما إذا أتى بالفرد المحرم منها ، حيث يسقط به الوجوب ، مع أنه ليس بواجب ، وذلك لان الفرد المحرم إنما يسقط به الوجوب ، لكونه كغيره في حصول الغرض به ، بلا تفاوت أصلا ، إلا أنه لاجل وقوعه على صفة الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب ، وهذا بخلاف [ ما ] ها هنا ، فإنه إن كان كغيره مما يقصد به التوصل في حصول الغرض ، فلابد أن يقع على صفة الوجوب مثله ، لثبوت المقتضي فيه بلا مانع ، وإلا لما كان يسقط به الوجوب ضرورة ، والتالي باطل بداهة ، فيكشف هذا عن عدم اعتبار قصده في الوقوع على صفة الوجوب قطعا ، وانتظر لذلك تتمة (1) توضيح .
والعجب أنه شدد النكير على القول بالمقدمة الموصلة ، واعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب ، على ما حرره بعض مقرري (2) بحثه ( قدس سره ) بما يتوجه على اعتبار قصد التوصل في وقوعها كذلك ، فراجع تمام كلامه زيد في علو مقامه ، وتأمل في نقضه وإبرامه .
وأما عدم اعتبار ترتب ذي المقدمة عليها في وقوعها على صفة الوجوب ، فلانه لا يكاد يعتبر في الواجب إلا ما له دخل في غرضه الداعي إلى إيجابه
(1) في ( ب ) : جهة .
(2) راجع مطارح الانظار / 74 و 75 في المقدمة الموصلة.
كفاية الأصول ـ 116 ـ
والباعث على طلبه ، وليس الغرض من المقدمة إلا حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذي المقدمة ، ضرورة أنه لا يكاد يكون الغرض إلا ما يترتب عليه من فائدته وأثره ، ولا يترتب على المقدمة إلا ذلك ، ولا تفاوت فيه بين ما يترتب عليه الواجب ، وما لا يترتب عليه أصلا ، وأنه لا محالة يترتب عليهما ، كما لا يخفى.
وأما ترتب الواجب ، فلا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى إيجابها والباعث على طلبها ، فإنه ليس بأثر تمام المقدمات ، فضلا عن إحداها في غالب الواجبات ، فإن الواجب إلا ما قل في الشرعيات والعرفيات فعل اختياري ، يختار المكلف تارة إتيانه بعد وجود تمام مقدماته ، وأخرى عدم إتيانه ، فكيف يكون اختيار إتيانه غرضا من إيجاب كل واحدة من مقدماته ، مع عدم ترتبه على تمامها (1) ، فضلا عن كل واحدة منها ؟
نعم فيما كان الواجب من الافعال التسبيبية والتوليدية ، كان مترتبا لا محالة على تمام مقدماته ، لعدم تخلف المعلول عن علته.
ومن هنا [ قد ] انقدح أن القول بالمقدمة الموصلة ، يستلزم إنكار وجوب المقدمة في غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلة التامة في خصوص الواجبات التوليدية.
فإن قلت : ما من واجب إلا وله علة تامة ، ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها ، فالتخصيص بالواجبات التوليدية بلا مخصص .
قلت : نعم وإن استحال صدور الممكن بلا علة ، إلا أن مبادئ اختيار الفعل الاختياري من أجزاء علته ، وهي لا تكاد تتصف بالوجوب ، لعدم كونها
(1) في ( ب ) : عامها .
كفاية الأصول ـ 117 ـ
بالاختيار ، وإلا لتسلسل ، كما هو واضح لمن تأمل ، ولانه لو كان معتبرا فيه الترتب ، لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها ، من دون انتظار لترتب الواجب عليها ، بحيث لا يبقى في البين إلا طلبه وإيجابه ، كما إذا لم تكن هذه بمقدمته (1) ، أو كانت حاصلة من الاول قبل إيجابه ، مع أن الطلب لا يكاد يسقط إلا بالموافقة ، أو بالعصيان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التكليف ، كما في سقوط الامر بالكفن أو الدفن ، بسبب غرق الميت احيانا أو حرقه ، ولا يكون الاتيان بها بالضرورة من هذه الامور غير الموافقة.
إن قلت : كما يسقط الامر في تلك الامور ، كذلك يسقط بما ليس بالمأمور به فيما يحصل به الغرض منه ، كسقوطه في التوصليات بفعل الغير ، أو المحرمات.
قلت : نعم ، ولكن لا محيص عن أن يكون ما يحصل به الغرض ، من الفعل الاختياري للمكلف متعلقا للطلب فيما لم يكن فيه مانع ، وهو كونه بالفعل محرما ، ضرورة أنه لا يكون بينهما تفاوت أصلا ، فيكف يكون أحدهما متعلقا له فعلا دون الآخر ؟
وقد استدل صاحب الفصول (2) على ما ذهب إليه بوجوه ، حيث قال بعد بيان أن التوصل بها إلى الواجب ، من قبيل شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ، ما هذا لفظه : ( والذي يدلك على هذا ـ يعني الاشتراط بالتوصل ـ أن وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية ، فالعقل لا يدل عليه زائدا على القدر المذكور ، وأيضا لا يأبى العقل أن يقول الآمر الحكيم : أريد الحج ، وأريد المسير الذي
(1) في ( ب ) : بمقدمة.
(2) الفصول / 86. في التنبيه الاول من تنبيهات مقدمة الواجب.
كفاية الأصول ـ 118 ـ
يتوصل به إلى فعل الواجب ، دون ما لم يتوصل به إليه ، بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الامر بمثل ذلك ، كما أنها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا ، أو على تقدير التوصل بها إليه ، وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها إليه ، وأيضا حيث أن المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها إلى الواجب وحصوله ، فلاجرم يكون التوصل بها إليه وحصوله معتبرا في مطلوبيتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكت عنه ، وصريح الوجدان قاض بأن من يريد شيئا بمجرد حصول شيء آخر ، لا يريده إذا وقع مجردا عنه ، ويلزم منه أن يكون وقوعه على وجه المطلوب منوطا بحصوله ) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه.
وقد عرفت بما لا مزيد عليه ، أن العقل الحاكم بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة ، لا خصوص ما إذا ترتب عليها الواجب ، فيما لم يكن هناك مانع عن وجوبه ، كما إذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة ، لثبوت مناط الوجوب حينئذ في مطلقها ، وعدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها.
وقد انقدح منه ، أنه ليس للآمر الحكيم الغير المجازف بالقول ذلك التصريح ، وأن دعوى أن الضرورة قاضية بجوازه (1) مجازفة ، كيف يكون ذا مع ثبوت الملاك في الصورتين بلا تفاوت أصلا ؟ كما عرفت.
نعم إنما يكون التفاوت بينهما في حصول المطلوب النفسي في إحداهما ، وعدم حصوله في الاخرى ، من دون دخل لها في ذلك أصلا ، بل كان بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره ، وجاز للآمر أن يصرح بحصول هذا المطلوب في إحداهما ، وعدم حصوله في الاخرى ، [ بل من ] (2) حيث أن الملحوظ بالذات هو
(1) ادعاه صاحب الفصول ، حيث قال : ولا يأبى أن يقول الآمر الحكيم .. الخ ... / الفصول / 86.
(2) أثبتناها من ( أ ).
كفاية الأصول ـ 119 ـ
هذا المطلوب ، وإنما كان الواجب الغيري ملحوظا إجمالا بتبعه ، كما يأتي أن وجوب المقدمة على الملازمة تبعي ، جاز في صورة عدم حصول المطلوب النفسي التصريح بعدم حصول المطلوب أصلا ، لعدم الالتفات إلى ما حصل من المقدمة ، فضلا عن كونها مطلوبة ، كما جاز التصريح بحصول الغيري مع عدم فائدته لو التفت إليها ، كما لا يخفى ، فافهم.
إن قلت : لعل التفاوت بينهما في صحة اتصاف إحداهما بعنوان الموصلية دون الاخرى ، أوجب التفاوت بينهما في المطلوبية وعدمها ، وجواز التصريح بهما ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الاثر ، كما مر .
قلت : إنما يوجب ذلك تفاوتا فيهما ، لو كان ذلك لاجل تفاوت في ناحية المقدمة ، لا فيما إذا لم يكن في ناحيتها أصلا ـ كما هاهنا ـ ضرورة أن الموصلية إنما تنتزع من وجود الواجب ، وترتبه عليها من دون اختلاف في ناحيتها ، وكونه في كلا الصورتين على نحو واحد وخصوصية واحدة ، ضرورة أن الاتيان بالواجب بعد الاتيان بها بالاختيار تارة ، وعدم الاتيان به كذلك أخرى ، لا يوجب تفاوتا فيها ، كما لا يخفى .
وأما ما أفاده (1) ( قدس سره ) من أن مطلوبية المقدمة حيث كانت بمجرد التوصل بها ، فلا جرم يكون التوصل بها إلى الواجب معتبرا فيها.
ففيه : إنه إنما كانت مطلوبيتها لاجل عدم التمكن من التوصل بدونها ، لا لاجل التوصل بها ، لما عرفت من أنه ليس من آثارها ، بل مما يترتب عليها أحيانا بالاختيار بمقدمات أخرى ، وهي مبادئ اختياره ، ولا يكاد يكون مثل ذا غاية لمطلوبيتها وداعيا إلى إيجابها ، وصريح الوجدان إنما يقتضي بأن ما أريد لاجل غاية ، وتجرد عن الغاية بسبب عدم حصول سائر ماله دخل في حصولها ،
(1) الفصول / 86 ، في تنبيهات مقدمة الواجب.
كفاية الأصول ـ 120 ـ
يقع على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية ، كيف ؟ وإلا يلزم أن يكون وجودها من قيوده ، ومقدمة لوقوعه على نحو يكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو ووجوبها.
وهو كما ترى ، ضرورة أن الغاية لا تكاد تكون قيدا لذي الغاية ، بحيث كان تخلفها موجبا لعدم وقوع ذي الغاية على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية ، وإلا يلزم أن تكون مطلوبة بطلبه كسائر قيوده ، فلا يكون وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها ، كما أفاده.
ولعل منشأ توهمه ، خلطه بين الجهة التقييدية والتعليلية ، هذا مع ما عرفت من عدم التخلف ها هنا ، وأن الغاية إنما هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل إلى المطلوب النفسي ، فافهم واغتنم.
ثم إنه لا شهادة على الاعتبار في صحة منع المولى عن مقدماته بأنحائها ، إلا فيما إذا رتب عليه الواجب لو سلم أصلا ، ضرورة أنه وإن لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة ، إلا أنه ليس لاجل اختصاص الوجوب بها في باب المقدمة ، بل لاجل المنع عن غيرها المانع عن الاتصاف بالوجوب هاهنا ، كما لا يخفى.
مع أن في صحة المنع عنه كذلك نظر ، وجهه أنه يلزم أن لا يكون ترك الواجب حينئذ مخالفة وعصيانا ، لعدم التمكن شرعا منه ، لاختصاص جواز مقدمته بصورة الاتيان به.
وبالجملة يلزم أن يكون الايجاب مختصا بصورة الاتيان ، لاختصاص جواز المقدمة بها وهو محال (1) فإنه يكون من طلب الحاصل المحال ، فتدبر جيدا.
(1) حيث كان الايجاب فعلا متوقفا على جواز المقدمة شرعا ، وجوازها كذلك كان متوقفا على إيصالها المتوقف على الاتيان بذي المقدمة بداهة ، فلا محيص إلا عن كون إيجابه على تقدير الاتيان به ، وهو من طلب الحاصل الباطل ( منه قدس سره ).
كفاية الأصول ـ 121 ـ
بقي شيء وهو أن ثمرة القول بالمقدمة الموصلة ، هي تصحيح العبادة التي يتوقف على تركها فعل الواجب ، بناء على كون ترك الضد مما يتوقف عليه فعل ضده ، فإن تركها على هذا القول لا يكون مطلقا واجبا ، ليكون فعلها محرما ، فتكون فاسدة ، بل فيما يترتب عليه الضد الواجب ، ومع الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب ، فلا يكون تركها مع ذلك واجبا ، فلا يكون فعلها منهيا عنه ، فلا تكون فاسدة.
وربما أورد (1) على تفريع هذه الثمرة بما حاصله بأن فعل الضد ، وإن لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة ، بناء على المقدمة الموصلة ، إلا أنه لازم لما هو من أفراد النقيض ، حيث أن نقيض ذاك الترك الخاص رفعه ، وهو أعم من الفعل والترك الآخر المجرد ، وهذا يكفي في إثبات الحرمة ، وإلا لم يكن الفعل المطلق محرما فيما إذا كان الترك المطلق واجبا ، لان الفعل ايضا ليس نقيضا للترك ، لانه أمر وجودي ، ونقيض الترك إنما هو رفعه ، ورفع الترك إنما يلازم الفعل مصداقا ، وليس عينه ، فكما أن هذه الملازمة تكفي في إثبات الحرمة لمطلق الفعل ، فكذلك تكفي في المقام ، غاية الامر أن ما هو النقيض في مطلق الترك ، إنما ينحصر مصداقه في الفعل فقط ، وأما النقيض للترك الخاص فله فردان ، وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده ، كما لا يخفى.
قلت : وأنت خبير بما بينهما من الفرق ، فإن الفعل في الاول لا يكون إلا مقارنا لما هو النقيض ، من رفع الترك المجامع معه تارة ، ومع الترك المجرد أخرى ، ولا تكاد تسري حرمة الشيء إلى ما يلازمه ، فضلا عما يقارنه أحيانا.
نعم لابد أن لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم آخر على خلاف حكمه ، لا أن يكون محكوما بحكمه ، وهذا بخلاف الفعل في الثاني ، فإنه
(1) مطارح الانظار / 78.
كفاية الأصول ـ 122 ـ
بنفسه يعاند الترك المطلق وينافيه ، لا ملازم لمعانده ومنافيه ، فلو لم يكن عين ما يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما ، لكنه متحد معه عينا وخارجا ، فإذا كان الترك واجبا ، فلا محالة يكون الفعل منهيا عنه قطعا ، فتدبر جيدا .
ومنها : تقسيمه إلى الاصلي والتبعي ، والظاهر أن يكون هذا التقسيم بلحاظ الاصالة والتبعية في الواقع ومقام الثبوت ، حيث يكون الشيء تارة متعلقا للارادة والطلب مستقلا ، للالتفات إليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه ، كان طلبه نفسيا أو غيريا ، وأخرى متعلقا للارادة تبعا لارادة غيره ، لاجل كون إرادته لازمة لارادته ، من دون التفات إليه بما يوجب إرادته ، لا بلحاظ الاصالة والتبعية في مقام الدلالة والاثبات (1) ، فإنه يكون في هذا المقام ، تارة مقصودا بالافادة ، وأخرى غير مقصود بها على حدة ، إلا أنه لازم الخطاب ، كما في دلالة الاشارة ونحوها .
وعلى ذلك ، فلا شبهة في انقسام الواجب الغيري إليهما ، واتصافه بالاصالة والتبعية كليهما ، حيث يكون متعلقا للارادة على حدة عند الالتفات إليه بما هو مقدمة ، وأخرى لا يكون متعلقا لها كذلك عند عدم الالتفات إليه كذلك ، فإنه يكون لا محالة مرادا تبعا لارادة ذي المقدمة على الملازمة .
كما لا شبهة في اتصاف النفسي أيضا بالاصالة ، ولكنه لا يتصف بالتبعية ، ضرورة أنه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسي ما لم تكن فيه مصلحة نفسية ، ومعها يتعلق الطلب بها مستقلا ، ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب أصلا ، كما لا يخفى .
نعم لو كان الاتصاف بهما بلحاظ الدلالة ، اتصف النفسي بهما أيضا ،
(1) كما هو مذهب صاحبي القوانين والفصول ( قدس سرهما ) ، القوانين 1 / 101 ـ 102 ، في مقدمة الواجب ، المقدمة السادسة والسابعة ، الفصول / 82.
كفاية الأصول ـ 123 ـ
ضرورة أنه قد يكون غير مقصودة بالافادة ، بل أفيد بتبع غيره المقصود بها ، لكن الظاهر ـ كما مر ـ أن الاتصاف بهما إنما هو في نفسه لا بلحاظ حال الدلالة عليه ، وإلا لما اتصف بواحد منهما ، إذا لم يكن بعد مفاد دليل ، وهو كما ترى.
ثم إنه إذا كان الواجب التبعي ما لم يتعلق به إرادة مستقلة ، فإذا شك في واجب أنه أصلي أو تبعي ، فبأصالة عدم تعلق إرادة مستقلة به يثبت أنه تبعي ، ويترتب عليه آثاره إذا فرض له آثار شرعية (1) ، كسائر الموضوعات المتقومة بأمور عدمية.
نعم لو كان التبعي أمرا وجوديا خاصا غير متقوم بعدمي ، وإن كان يلزمه ، لما كان يثبت بها إلا على القول بالاصل المثبت ، كما هو واضح ، فافهم.
تذنيب : في بيان الثمرة ، وهي في المسألة الاصولية ـ كما عرفت سابقا ـ ليست إلا أن تكون نتيجتها صالحة للوقوع في طريق الاجتهاد ، واستنباط حكم فرعي ، كما لو قيل بالملازمة في المسألة ، فإنه بضميمة مقدمة كون شيء مقدمة لواجب يستنتج انه واجب.
ومنه قد انقدح ، أنه ليس منها مثل برء النذر بإتيان مقدمة واجب ، عند نذر الواجب ، وحصول الفسق بترك الواجب بمقدماته إذا كانت له مقدمات كثيرة ، لصدق الاصرار على الحرام بذلك ، وعدم جواز أخذ الاجرة على المقدمة.
مع أن البرء وعدمه إنما يتبعان قصد الناذر ، فلا برء بإتيان المقدمة لو قصد الوجوب النفسي ، كما هو المنصرف عند إطلاقه ولو قيل بالملازمة ، وربما
(1) في نسختي ( أ و ب ) : آثار شرعي.
كفاية الأصول ـ 124 ـ
يحصل البرء به لو قصد ما يعم المقدمة ولو قيل بعدمها ، كما لا يخفى.
ولا يكاد يحصل الاصرار على الحرام بترك واجب ، ولو كانت له مقدمات غير عديدة ، لحصول العصيان بترك أول مقدمة لا يتمكن معه من الواجب ، ولا يكون ترك سائر المقدمات بحرام أصلا ، لسقوط التكليف حينئذ ، كما هو واضح لا يخفى .
وأخذ الاجرة على الواجب لا بأس به ، إذا لم يكن إيجابه على المكلف مجانا وبلا عوض ، بل كان وجوده المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفائية التي لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ، ويختل لولاها معاش العباد ، بل ربما يجب أخذ الاجرة عليها لذلك ، أي لزوم الاختلال وعدم الانتظام لولا أخذها ، هذا في الواجبات التوصلية .
وأما الواجبات التعبدية ، فيمكن أن يقال بجواز أخذ الاجرة على إتيانها بداعي امتثالها ، لا على نفس الاتيان ، كي ينافي عباديتها ، فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي ، غاية الامر يعتبر فيها ـ كغيرها ـ أن يكون فيها منفعة عائدة إلى المستاجر ، كي لا تكون المعاملة سفهية ، وأخذ الاجرة عليها أكلا بالباطل .
وربما يجعل (1) من الثمرة ، اجتماع الوجوب والحرمة ـ إذا قيل بالملازمة ـ فيما كانت المقدمة محرمة ، فيبتني على جواز اجتماع الامر والنهي وعدمه ، بخلاف ما لو قيل بعدمها ، وفيه :
أولا : إنه لا يكون من باب الاجتماع ، كي تكون مبتنية عليه ، لما أشرنا إليه غير مرة ، إن الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة ، لا بعنوان المقدمة ، فيكون على الملازمة من باب النهي في العبادة والمعاملة .
(1) نسب إلى الوحيد البهبهاني ، مطارح الانظار / 81.
كفاية الأصول ـ 125 ـ
وثانيا : (1) إن الاجتماع وعدمه لا دخل له في التوصل (2) بالمقدمة المحرمة وعدمه أصلا ، فإنه يمكن التوصل (3) بها إن كانت توصلية ، ولو لم نقل بجواز الاجتماع ، وعدم جواز التوصل (4) بها إن كانت تعبدية على القول بالامتناع ، قيل بوجوب المقدمة أو بعدمه ، وجواز التوصل (5) بها على القول بالجواز كذلك ، أي قيل بالوجوب أو بعدمه.
وبالجملة لا يتفاوت الحال في جواز التوصل (6) بها ، وعدم جوازه أصلا ، بين أن يقال بالوجوب ، أو يقال بعدمه ، كما لا يخفى .
في تأسيس الاصل في المسألة .
إعلم أنه لا أصل في محل البحث في المسألة ، فإن الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة وعدمها ليست لها حالة سابقة ، بل تكون الملازمة أو عدمها أزلية ، نعم نفس وجوب المقدمة يكون مسبوقا بالعدم ، حيث يكون حادثا بحدوث وجوب ذي المقدمة ، فالاصل عدم وجوبها .
وتوهم عدم جريانه ، لكون وجوبها على الملازمة ، من قبيل لوازم الماهية ، غير مجعولة ، ولا أثر آخر مجعول مترتب عليه ، ولو كان لم يكن بمهم ها هنا ، مدفوع بأنه وإن كان غير مجعول بالذات ، لا بالجعل البسيط الذي هو مفاد كان التامة ، ولا بالجعل التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة ، إلا أنه
(1) قد حذف المصنف ( قدس سره ) إشكالا آخر من نسختي ( أ و ب ) ، وجعل الثالث مكانه ، وهذا يشعر بإضرابه عن الايراد الثاني وهو قوله : ( لا يكاد يلزم الاجتماع أصلا ، لاختصاص الوجوب بغير المحرم ، في غير صورة الانحصار به ، وفيها اما لا وجوب للمقدمة ، لعدم وجوب ذي المقدمة لاجل المزاحمة ، واما لاحرمة لها لذلك ، كما لا يخفى ).
(2) في ( أ ) : التوسل.
(3 و 4 و 5 و 6) في ( أ و ب ) : التوسل.