تأليف
الأستاذ الأعظم المحقق الكبير الآخوند
الشيخ محمد كاظم الخراساني قدس سره
تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث


كفاية الأصول

  وفيه مقاصد و فصول :
  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله الأئمة خيرة الله.
  إنّ الإسلام الذي ارتضاه الله للإنسان ديناً كاملاً ، وشريعة تامة ، إنما هو عبارة عن مجموعة من التعاليم التي جاء بها رسول الله الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
  والتي تنقسم إلى تعاليم عقائدية يتكفّل ببيانها ( علم الكلام ) .
  وإلى تعاليم أخلاقية مفصّلة في ( علم الأخلاق ) وإلى تعاليم شرعية ترتبط بأفعال المكلّفين ، تحدّد أحكام جميع تصرفاته : أفعاله أو تروكه ، في عباداته أو معاملاته ، أو سائر شؤونه وعلاقاته فتحدّد ما يحكم بها كلّ من وجوب ، أو حرمة أو استحباب ، أو كراهة ، أو إباحة ، فإنّ لله في كل ما يقوم به حكماً معيناً يجب على الملتزم بالإسلام أن يعرفه ، ويطبق تصرفه عليه ، عملاً بالتزاماته وابتعاداً عما يحتمله من الضرر في مخالفته .
  والعلم المتكفّل ببيان الأحكام الشرعية ـ تلك ـ واستنباطها من مصادرها المعتمدة هو ( علم الفقه ) .
  والفقيه هو الذي يحاول أن يعرف لكل تصرف حكمه الشرعي من خلال تلك الأدلة ، مستنبطاً له منها على أساس القواعد المقررة والأصول المعيّنة التي تعارف عليها

كفاية الأصول ـ 6 ـ
  الفقهاء ، وقد قرّر الفقهاء مجموعةً من القواعد والأصول يجمعها هدف مشترك وهو التأثير في تصحيح عملية الاستنباط وتنسيقها ، وبعبارة متداولة ( التمهيد لها ) ، وقد تكفّل جمع تلك القواعد ( علم أصول الفقه ).
  ولذلك عرّف القدماء هذا العلم بأنه : ( العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية ).
  ويفترق علم الأصول من علم الفقه ، في أن الفقه يتكفّل ببيان الحكم الشرعي من خلال أدلته المعتمدة ، لكن الأصول يتكفّل تحديد تلك الأدلة وبيان مدى دلالتها ـ من وجهة عامة ـ أو بإثبات دليليّتها ، أو تحكيم بعضها على بعض عند تعارضها ، أو بيان ما على المكلف عند فقدان أي دليل من تلك الأدلة.
  وعلى هذا الأساس لجأ المصنّف الآخوند الخراساني إلى تعريفه بأنه : صناعة تعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام والتي ينتهي إليها في مقام العمل (1).
  ومن هنا تبدو أهميّة علم الاُصول ويبرز أثره العظيم ، فهو العلم الذي به يتمكن الفقيه من التوصل إلى أحكام الله ، والتكاليف الشرعية المقررة للعمل من عبادة أو معاملة ، اقتصادياً ، أو نظاماً عائلياً ، أو قانوناً جزائياً ، وبعبارة جامعة : ما يرتبط بتنظيم حياته ، ضمن مجتمع سليم من قوانين وأنظمة ، تضمن كافة الحقوق التي له أو عليه.
  ومن المعلوم أنّ المسلمين في عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يكونوا محتاجين إلى هذا فقد كان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) بينهم ينزل عليه

(1) كفاية الأصول : 9.

كفاية الأصول ـ 7 ـ
  الوحي من السماء وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، فالرسول كان يحكم ويقضي بما يوحي إليه ربه من القرآن وبما يلهم به من السنن من غير حاجة إلى أصول وقواعد الاستنباط الأحكام الشرعية .
  ( وكان أصحابه يفتون ويقضون بالنصوص التي فهمونها بملكتهم العربية السليمة من غير حاجة إلى قواعد لغوية يهتدون بها على فهم النصوص ، ويستنبطون فيما لا نصّ فيه بملكتهم التشريعية التي ركزت في نفوسهم من صحبتهم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ووقوفهم على أسباب نزول الآيات ، وورود الأحاديث وفهم مقاصد الشارع ومبادىء التشريع ) (1) .
  ولكن بعد مرور الزمان وابتعاد المسلمين عن مصدر التشريع ، وفقدان السليقة اللغوية ، وحدوث قضايا جديدة بحكم الاتصال بالحضارات المختلفة ، واتّساع البلاد الإسلامية ، ودخول مجتمعات وأمم كثيرة في الدين الحنيف ... احتاج المسلمون إلى طريق يصلون به إلى معرفة الأحكام الإسلامية من نصوصها الأصلية ، وإلى استنباط أحكام للقضايا الجديدة تتّفق مع الكتاب والسُنّة بل تنبع من الكتاب والسُنّة.
وهكذا اجتاجوا إلى علم الأصول .
  وتفيد الروايات التي وصلتنا عن أئمة أهلُ البيت ( عليهم السلام ) ، أنّ الأئمة كانوا ـ في بعض الأحيان ـ يلقون إلى أصحابهم كلّيات بعض الأمور ، ويوكلون إليهم تفريع الأحكام حسب هذه الكليات .
  وأول من فتح باب هذا العلم وفتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر وبعده ابنُه أبو عبدالله الصادق عليهما السلام ، وقد أمليا على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله ، وقد جمع من تلك الأمالي مسائل رتّبها المتأخّرون في كتب مستقلّة متّصلة الإسناد إلى أهل البيت عليهم السلام منها كتاب ( اُصول

(1) علم اُصول الفقه : 16 .

كفاية الأصول ـ 8 ـ
  آل الرسول ) وكتاب ( الفصول المهمة في اُصول الأئمة ) وكتاب ( الأصول الأصيلة ) ، وكتاب ( الأصول الأصلية ).
  بل أفرد بعض مباحث هذا العلم بالتصنيف هشام بن الحكم تلميذ الإمام الصادق عليه السلام ، فصنّف كتاب الألفاظ ومباحثها وهو أهمّ مباحث هذا العلم (1) .
  وأمّا عند أهل السنّة فانّ أول من دوّن من قواعد هذا العلم وبحوثه مجموعة مستقلّة مرتّبة ، مؤيّداً كلّ ضابط منها بالبرهان هو محمد بن إدريس الشافعي ( المتوفى عام 204 هـ ) .
  يقول الفخر الرازي : كانوا قبل الإمام الشافعي يتكلّمون في مسائل أصول الفقه ويستدلّون ويعترضون ، ولكن ما كان لهم قانون كلّي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة ، وفي كيفية معارضتها وترجيحاتها فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه ، ووضع للخلق قانوناً كلّياً يرجع إليه في معرفة مراتب أدلّة الشرع (2) .
  هذا ، وإنّ الشافعي صنّف كتاب الرسالة ببغداد ، ولمّا رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة.
  وقد بحث الشافعي في الرسالة كثيراً من المواضيع الأصولية مثل القرآن وبيانه ، والسنة ومقامها بالنسبة إلى القرآن والناسخ والمنسوخ وعلل الاحاديث وخبر الواحد والإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والاختلاف (3) .
  وقد تكلّم بعض السابقين على الشافعي في علم الأصول كأبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة ، ولكنّ الحقّ أنّ ما ذكروه كان من قبيل القواعد والمناهج التي كان يسير عليها الفقهاء ، وهي قواعد كانت موجودة حتى في عصر

(1) الشيعة وفنون الإسلام : 78.
(2) الرسالة : 13 المقدمة ، نقلاً عن مناقب الشافعي : 57.
(3) تاريخ التشريع : 161.

كفاية الأصول ـ 9 ـ
الصحابة   فعليه أنّ أول من ألّف في الاُصول كتاباً مستقلاً متكاملاً هو الشافعي في الرسالة كما قاله السبكي وكما هو المتّفق عليه بين العلماء (1).
  وعلى كل حال فقد وُجدت بعد الشافعي طريقتان ابتني عليهما البحث في علم الأصول هما :
  1 ـ طريقة المتكلّمين : وهي طريقة الشافعي والجمهور ، وتبتني أصولهم على مجرّد الأدلّة المقتضية لإثبات القاعدة الأصولية دون النظر إلى فروع الفقهاء وأقوالهم.
  وقد سار على هذه الطريقة أكثر الأصولييّن من الشافعية والمالكية ومن أشهر المؤلفين الّذين كتبوا على هذه الطريقة هم :
  1 ـ أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي ( 204 هـ ) وله كتاب الرسالة.
  وشرحه وجمع كثير من علماء الشافعية كأبي بكر الصيرفي وأبو الوليد النيشابوري ( 349 هـ ) والقفّال الكبير ( 365 هـ ) وأبوبكر الجوزقي النيشابوري ( 388 هـ ) والإمام الجويني ( 438 هـ ).
  2 ـ أبو العبّاس أحمد بن عمر بن سريج ( 306 هـ ) له الردّ على ابن داود في إبطال القياس.
  3 ـ أبو الحسن الأشعري ( 324 هـ ) له إثبات القياس واختلاف الناس في الأسماء والأحكام والخاصّ والعامّ.
  4 ـ أبوبكر الصيرفي ( 330 هـ ) له كتاب دلائل الأعلام على اُصول الأحكام .

(1) أنظر : تاريخ بغداد 2 : 64 ـ 65 ، معجم الاُدباء 17 : 325 ، رسالة الشافعي : 13 ، ومناقب الشافعي للرازي : 57.

كفاية الأصول ـ 10 ـ
  5 ـ القاضي أبو بكر الباقلاني ( 314 هـ ) وله كتاب التقريب والإرشاد في ترتيب طرق الاجتهاد .
  6 ـ القاضي عبد الجبّار المعتزلي ( 415 هـ ) وله كتاب العمد وتعتبر كتبه وكتب الباقلاني من أهمّ المصادر الاُصولية وقد اعتمد عليه كل من جاء بعدهما من الأصوليّين .
  7 ـ أبو الحسين البصري ( 436 هـ ) أحد أئمّة الاعتزال وله كتاب المعتمد في أصول الفقه وقد أخذ الرازي كتاب المحصول من كتاب المعتمد لأبي الحسين البصري .
  2 ـ طريقة الفقهاء : وهي طريقة الحنفية ، وتبتنى أصولهم على الفروع المنقولة عن أئمتهم ، فقد حدّدوا القواعد والبحوث الأصولية بتلك التبي رأوا أنّ أئمّتهم بنوا عليها اجتهادهم ، وأكثروا في كتبهم من ذكر الفروع.
  وقد صاغوا في بعض الأحيان القواعد الاُصولية على ما يتّفق وهذه الفروع ، فكانت وجهة نظرهم استخلاص أصول فقه أئمّتهم من فروعهم .
  وأشهر مؤلّفي هذه الطريقة هم :
  1 ـ أبو منصور الماتريدي ( 330 هـ ) له كتاب ( مأخذ الشرائع ).
  2 ـ عبيد الله الكرخي ( 340 هـ ) له كتاب في علم الأصول.
  3 ـ أبو بكر الجصاص الرازي ( 370 هـ ) له كتاب في الأُصول.
  4 ـ أبو زيد الدبوسي ( 430 هـ ) له كتاب ( تقويم الأدلّة وتأسيس النظر ).
  5 ـ فخر الإسلام البزدوي ( 483 هـ ) له كتاب في الاُصول.
  6 ـ شمس الأئمّة السرخسي ( 490 هـ ) له كتاب في الأصول.

كفاية الأصول ـ 11 ـ
  كما انفرد عن الجميع بطريقة مبتكرة الشاطبي المالكي بكتابه الموافقات وهو كتاب نفيس قال الإمام الحفيد ابن مرزوق : كتاب الموافقات المذكور من أنبل الكتب وهو في سفرين .
  ومن ثمة وقع الخلاف بين الفقهاء والمتكلمين في كيفية استنباط الأحكام ، ووقع الخلاف ـ أيضاً ـ بين المتكلمين أنفسهم ، وبين الفقهاء أنفسهم ... كذلك ، وكان من نتائج هذه الاختلافات ان خرجوا بالأصول من البحث النظري إلى الواقع العملي ، ونشأ علم آخر هو علم أثر الخلاف في القواعد والأصول في الفروع الفقهية ، وأصبح مادة تدرس في الجامعات .
  وقد كانت الحنفية السباقة في ذلك حيث بنت أصولها على الفروع الفقهية فأصبحت كتبها مشخونة بالفروع الفقهية الموافقة لها والمخالفة لها .
  وأما كتب المتكلمين فهي كتب عقلية محضة تبحث في القاعدة الأصولية من حيث ثبوتها وعدمها .
  وكتب الجمهور ( المتكلمين ) وإن كان معظمها خالياً من الأمثلة الفقهية إلا ان بعضها قد وجدت فيه هذه الظاهرة وظهرت فيه الأمثلة الفقهية بصورة لا بأس بها من ناحية الكثرة كما فعل الغزالي في كتابه ( شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل ) حيث أورد فيه جملة كبيرة من الفروع الفقهية في مجموع المسائل التي تعرض لها أو بحثها أثناء الكتاب .
  وكذلك فعل السبكي في كتابيه ( رفع الحاجب عن ابن الحاجب ) و ( الابهاج بشرح المنهاج ) حيث تعرض في كثير من القواعد الأصولية إلى بعض آثارها في الفقه.
  والفرق بين هذه الكتب التي صنفت على طريقة المتكلمين وتخللتها الفروع الفقهية ، وبين الكتب التي صنفت على طريقة الفقهاء وتخللتها هذه الفروع أيضاً ، ان الاُولى تذكر الفروع لتبين أثر القاعدة لا لكي تستدل على صحة القاعدة ، أما الثانية فإنها تذكر الفروع الفقهية للإستدلال على صحة القاعدة الأصولية .

كفاية الأصول ـ 12 ـ
  تطور علم الأصول في مدرسة آل البيت ( عليه السلام ) سبق ان ذكرنا ان الإمام الصادق ( عليه السلام ) القى على جماعة من خلّص أصحابه قواعد وأسساً يستنبطون منها الاحكام ، وذكرنا كذلك تأليف هشام بن الحكم لكتاب في مباحث الألفاظ.
  ولكن الظروف الطبيعية عند الشيعة ومنها طول زمان عصر النصوص إلى آخر القرن الثالث تقريباً ، قد سببت تأخر تكامل علم الأصول.
  ومن السابقين الذين كتبوا في هذا العلم كتاباً متكاملاً الشيخ المفيد ( 413 هـ ) في كتابه ( التذكرة باُصول الفقه ) الذي حفظ لنا الكراجكي في كتابه كنز الفوائد ملخصاً له .
  ثم كتب تلميذه السيد مرتضى ( 436 هـ ) كتابه ( الذريعة إلى أصول الشريعة ) وهو أقدم كتاب أصول عند الشيعة فقد ناقش آراء أصوليّي السنة مناقشة جادة ومتينة ورد استدلالاتهم بأدلة أقوى ، فقد ناقش الشافعي وأبا حنيفة والجبائيين وأبا الحسين البصري والنظام والقفال وغيرهم .
  وكتب تلميذه الشيخ الطوسي ( 460 هـ ) كتابه ( عدة الأصول ).
  وهذا الكتابان يعتبران المرحلة الأولى التي قامت على ضوء منهجية خاصة في هذا الباب وكانا يدرسان في الحوزات العلمية إلى عهد قريب .
  ولم يحدث بعدهما تطور له أثره إلى عهد العلامة الحلي ( 726 هـ ) حيث أبدع في هذا العلم وألف كتباً كثيرة أهمّها :
  1 ـ نهاية الوصول في علم الأصول.
  2 ـ تهذيب الوصول في علم الأصول.
  3 ـ مبادىء الوصول في علم الأصول.
  وكان همّ مَن بعد العلامة شرح كتبه ، وذلك نجد في كتب الفهارس مجموعة

كفاية الأصول ـ 13 ـ
  كبيرة من شروح الأصولية (1) ومن أشهرها ( منية اللبيب ) لضياء الدين الأعرجي و ( شرح التهذيب ) لعميد الدين الأعرجي ، من أبناء أخت العلامة الحلي ، وهما من أعلام القرن الثامن الهجري.
  وقد جمع الشهيد الأول ( 786 هـ ) بين هذين الكتابين وأضاف إليهما بعض تحقيقاته في كتاب سماه ( جامع البين ).
  وبعد مدرسة العلامة أخذ المدّ الاخباري في العقد الرابع من القرن الحادي عشر الهجري بالتوسع ، وانخرط في ذلك السلك جلّ علماء الشيعة وفقهاؤهم في العراق ومن ثم في إيران وكانت أصفهان المعهد العملي للشيعة في ذلك الزمان ، وكانت تنحو منحى الأصوليين ولوان المجلسي الأول كان أخبارياً والمجلسي الثاني كان حداً وسطاً بين الأصوليين والأخباريين.
  وقد تمكن زين الدين علي بن سليمان بن درويش البحراني ( 1064 هـ ) من نقل فكرة الأخبارية من إيران إلى البحرين.
  وبذلك تمكن الأخباريون من الهيمنة على الفقه الشيعي خلال قرن من الزمان .
  وأهم أعلام الإخباريين :
  1 ـ المولى محمد أمين الاسترآبادي ( 1036 هـ ).
  2 ـ المولى محسن الفيض الكاشاني ( 1091 هـ ).
  3 ـ الشيخ يوسف البحراني ( 1186 هـ ) مؤلف الحدائق الناضرة.
  4 ـ الحر العاملي ( 1104 هـ ) مؤلف وسائل الشيعة.
  5 ـ السيد نعمة الله الجزائري ( 1112 هـ ).
  6 ـ المجلسي الأول ( 1070 هـ ).
  7 ـ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني ( 1121 هـ ).
  8 ـ عبد الله بن صالح السماهيجي البحراني ( 1135 هـ ).

(1) الذريعة 6 : 54 و 150 ، 13 : 165 ـ 170 ، 14 : 52 ـ 54.

كفاية الأصول ـ 14 ـ
  وفي أواسط القرن الثاني عشر ظهر علم عظيم من أعلام التشيع تمكن بفكره الثاقب ونزعته الأصولية من القضاء على الفكر الأخباري وإعادة الطريقة الأصولية إلى مكانها الطبيعي في الدراسات الحوزوية.
  هذا العلم هو أستاذ الكل على الاطلاق محمد باقر بن محمد أكمل المعروف بالوحيد البهبهاني ( 1205 هـ ).
  وقد كانت مدرسة الوحيد البهبهاني مباركة الإنتاج حميدة الأثر في تطور علم الأصول فقد كتب تلاميذ هذه المدرسة عشرات الكتب المهمة في الأصول وأهمها :
  1 ـ القوانين ، لأبي القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمرزا القمي ( 1231 هـ ).
  2 ـ الفصول الغروية ، لمحمد حسين بن محمد رحيم الاصفهاني ( 1254 هـ ).
  3 ـ هداية المسترشدين ، لمحمد تقي بن محمد رحيم الاصفهاني ( 1248 هـ ).
  4 ـ مفاتيح الأصول للسيد المجاهد السيد محمد الطباطبائي ( 1242 هـ ).
  5 ـ الضوابط للسيد ابراهيم القزويني ( 1262 هـ ).
  ثم جاءت مدرسة الشيخ الأنصاري لتتوج تطور علم الأصول عند الشيعة ، ولترفعه الى القمة التي لا تدانيها فيها مدرسة أخرى ـ سواء عند الشيعة أم السنة ـ فقد أسس ( قدس سره ) مدرسته الأصولية على اُسس راسخة ساعدها فكر ثاقب بناء ، وبذلك فقد فتح آفاقاً واسعة جديدة أمام الباحثين في هذا العلم.
  وألف كتابه العظيم ( فرائد الأصول ) الذي هو من خيرة كتب الأصول ، واصبح عليه المعول في الدراسات الحوزوية ، والمحور الذي تدور عليه رحى أبحاث الخارج.
  واستمرت مدرسة الشيخ الأنصاري في العطاء العلمي فخرّجت المئات من فطاحل العلماء من أبرزهم الآخوند الخراساني ( 1329 هـ ).

كفاية الأصول ـ 15 ـ
  ولد الشيخ الآخوند في عام 1255 هجرية في عهد محمد شاه ثالث ملوك الأسرة القاجارية وفي بيئة معروفة بالصلاح ومشهورة بالسداد فقد كان والده المولى حسين تاجر الحرير المعروف في مشهد من أهل هراة ، محباً للعلم والعلماء ، وبلغ حبه لهداية الناس ان قصد كاشان وبقي فيها مدة من الزمان يؤدي وظيفته في الوعظ والإرشاد .
  دراسته في مشهد :
  بدأ الشيخ في مشهد بدراسة المقدمات ، وأكمل هناك العربية والمنطق وشيئاً من علمي الأصول والفقه ، واستمرت هذه المرحلة من دراسته إلى بلوغه الثالثة والعشرين من عمره .
  ثم تاقت نفسه إلى استكمال تحصيله العلمي فقصد حوزة النجف العلمية الكبرى ، وشد الرحال إلى بغيته ، ولكن سفرته هذه طالت حوالي السنتين.
  في الطريق إلى النجف الأشرف :
  غادر الشيخ مشهد متوجهاً إلى النجف سنة 1277 هجرية ومرّ بسبزوار فقصد شيخ علمائها المولى هادي السبزواري صاحب المنظومة للإرتشاف من نميره واستقر في مدرسة سبزوار من رجب 1277 هـ إلى ذي الحجة 1277 هجرية .
  ثم سافر إلى طهران وتتلمذ هناك على يد الحكيم المتأله ميرزا أبو الحسن جلوه والمولى حسين الخوئي في الفلسفة والحكمة ، واستقر في مدرسة الصدر ، وكان شريكه في غرفته تلميذ آخر هو المولى عبد الرسول المازندراني .
  وبقي في طهران ثلاثة عشر شهراً وعشرين يوماً .
  ولم يترك خلال ذلك مقصده الأصلي ـ النجف ـ ولم يكن الشيخ قدس سره يملن يوفقنا لطبع المزيد من الكتب التراثية التي تخدم علوم أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام وإخراجها إلى النور بحلّة منقّحة مصحّحة محقّقة.
  وما توفيقنا إلا بالله عليه توكّلنا وإليه أنبنا.
  جواد الشهرستاني
  17 ربيع الأول 1409 هـ. ق

كفاية الأصول ـ 16 ـ
  يملك المال الكافي للوصول إلى النجف ... فبقي في طهران ... ولكن الله إذا أراد شيئاً هيأ اسبابه ... فبينما كان الشيخ جالساً في غرفته يفكر بحل يوصله إلى غايته ، وفي يوم من أيام سنة 1278 هـ دخل عليه زميله المولى عبد الرسول واخبره بأن لدى متولي المدرسة ( مدرسة الصدر ) وجوهاً شرعية تتعلق بالصلاة والصوم ويمكن للشيخ أن يستفيد منها لمواصلة سفره بعد تأدية الواجب الشرعي ... وكان المبلغ مائة تومان ، وتعهّد الشيخ أن يصوم ويصلي مقابل هذه المائة تومان عن عشرين عاماً.
  وهنا ارتاح بال الشيخ ( ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر ! ).
النجف الأشرف
  مهوى أفئدة المؤمنين ، وغاية آمال المُحصلين ... الحوزة الكبرى للعلوم الشرعية ، مجمع فطاحل العلماء واكابر الزهاد والاتقياء ، الحصن الحافظ لعلوم آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
  كل هذا نابع من مرقد باب علم مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيه وحبيبه وأخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : هذا النجم المتلألىء الذي تتعشقه العيون وتهفوا إليه القلوب وترتاح إلى تربته الأجساد ...
  النجف ... أصبح في متناول يد الشيخ ، ولو استطاع ان يطير إليه بجناح لفعل ! لقد توجه الشيخ إلى النجف وقلبه أمام الركب ، ووصل الشيخ وحطّ رحاله عند عتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وذلك في زمان زعامة الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره .
  الحوزة ومنهجيتها العلمية :
  تمتاز الحوزات العلمية عن الدراسات الحديثة بالمنهجية المنفتحة الحرة ، حيث يُعطى الطالب مُنتهى الحرية في اختيار موضوع الدرس أو الكتاب الدراسي ... وكذلك

كفاية الأصول ـ 17 ـ
  في اختيار الأستاذ واختيار وقت الدرس، فكل كتاب له أسلوبه وطريقته الخاصة به ، والأساتذة كل له أسلوبه الخاص ونَفَسَه في التدريس ، فللطالب ان يختارالمدرس الذي يرتاح إلى طريقته.
  والوقت ... الوقت في الحوزات مطلق لأن العلم لا يحدّ بزمان ولا بمكان فللطالب أن يختار الوقت الذي يكون في أنشط ، وتقبله للدرس أكثر.
  فعلاقة الطالب بالعلم في الحوزة علاقة حب وشوق ... علاقة مقدسة ، فهو يدرس ويتعلم لانه يرى ان العلم واجب ديني يخدم أهدافه في طاعة الله وإرشاد عباده ، وليس العلم وسيلة إلى شهادة أو وظيفة للارتزاق .
  فالعالم موظف ـ واقعاً ـ ولكن تابع لله ، وللرسول الأعظم ، ولآل بيته ( عليهم السلام ) .
  وهكذا كان ... فقد بدأ الشيخ رحمه الله دراسته في النجف عند علامة عصره ووحيد دهره الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري ، ولازمه مدة عامين من الزمن حاضراً أبحاثه متأثراً بآرائه وأفكاره حتى وفاته عام 1281 هـ .
  وقد كان الشيخ الأعظم يحبه حباً كثيراً ويقر به إليه ويستمع لإشكالاته .

  نقل عن السيد هبة الدين الشهرستاني ، ان الشيخ الآخوند كان يسافر إلى كربلاء لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في أيام حياة أستاذه الشيخ الأنصاري وفي أحد الأيام وبعد إتمام الزيارة رأى الآخوند الأردكاني جالساً على منبر التدريس والكل مصغون إليه فجلس الشيخ محمد كاظم الخراساني يستمع ويصغي بما يملي الأردكاني على تلاميذه ومن ثم ذكر مسألة للشيخ الأنصاري وأورد عليه إشكالين ثم أنهى درسه ، وقد رأى الشيخ الخراساني بان اشكالات الآخوند الأردكاني صحيحة ومتينة .
  وعندما رجع إلى النجف وحضر درس أستاذه الأعظم الأنصاري ذكر له القصة

كفاية الأصول ـ 18 ـ
  كاملة ، فقبل الأستاذ الأشكال الأول ورّد الثاني ، ولكن الخراساني أصرّ على صحة الأشكال الثاني وان الحق مع الأردكاني ... واستمرت المناظرة مدة طويلة حتى انتبه أحد الطلاب ليقول إلى صديقه ... أنظر لهذا الآخوند كيف يؤيد أقوال ذلك الأخوند ، وقال طالب خر ... قرت عيوننا بهذا الآخوند بعد ذاك الآخوند .
  فهكذا صار ( الآخوند ) لقباً ملازماً للشيخ محمد كاظم الخراساني حتى كاد يطغى على الإسم .
  وبعد وفاة الشيخ الأعظم الأنصاري حضر الآخوند مجالس الأمير السيد علي التستري في الفقه وكذلك تتلمذ على يد العلامة الشيخ راضي المتوفى عام 1290 هـ .
  وإضافة لهؤلاء لازم مجلس درس الميرزا محمد حسن المجدد الشيرازي الذي انعقدت له زعامة الشيعة بعد وفاة شيخها الأنصاري .
   وكان الشيخ الآخوند يقول ( إنني اتخذت المحقق الأنصاري أول ما حللت النجف شيخاً لنفسي ، واتخذت سيدنا الميرزا حسن الشيرازي أستاذاً ، فكنت أختلف إلى سيدي الأستاذ وأحضر أبحاثه الخصوصية والعمومية ثم بصحبته نحضر معاً درس شيخنا الأنصاري فنكمل استفادتنا من بياناته ... ) .
  وقد لازم الآخوند السيد المجدد أكثر من عشر سنوات ملازمة الظل فكان يحضر أبحاثه إلى ان سافر اليسد المجدد إلى كربلاء ومن ثم إلى سامراء ليستقر فيها عام 1292 هـ فسافر معه إلى سامراء للارتشاف من معين علمه الصافي ، ولكنه لم يطل المكث هناك حيث أمره السيد الشيرازي بالرجوع إلى النجف لإدارة الحوزة ورعاية الطلاب وقضاء حوائجهم .
  ورجع الآخوند إلى النجف وتصدى للتدريس ولإمتيازه في محاضراته الأصولية ببساطة النظر في الأفكار العالية الفلسفية والإيجاز في البحث باسقاط زوائده وغض النظر عن التفريعات غير المجدية ، وبذلك فقد استطاع الآخوند رحمه الله ان يكون هو المدرس الأول في الحوزة العلمية بالرغم من وجود علمين كبيرين من أعلام

كفاية الأصول ـ 19 ـ
  الطائفة هما الميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ هادي الطهراني.
  يقول السيد الأمين واصفاً هذه الميزة من ميزات درس المترجم له : ( وتميز عن جميع المتأخرين بحب الإيجاز والاختصار وتهذيب الأصول والاقتصار على لباب المسائل وحذف الزوائد مع تجديد في النظر وإمعان في التحقيق ) (1) .
  وقد انتشر صيت الآخوند في إرجاء المعمورة ودوى أسمه في الآفاق ، ونال من المنزلة الرفيعة والمقام الشامخ العلمي مما اضظر للإذعان به أكابر علماء المسلمين حتى ( حضر لديه في تلك السنين حاكم النجف الأشرف من آل الآلوسي فعرض لحضرته ان بعض الأفاضل المؤلفين كتب إليه من الأستانه كتاباً يقول فيه : بلغني ان عالماً خراسانياً ظهر في النجف وجدد معالم فن الأصول وأنه في هذا العصر كالعضدي في زمانه فأرسل ترجمته وأحواله بقدر ما تستطيع ) (2) .
  وقد تجاوزت شهرته في العلم وبراعته في التدريس آفاق النجف بل آفاق العراق ( حتى وصل خبر ذلك إلى جميع ارجاء الدولة العثمانية ، واشتاق علماء ذلك الديار للحضور في مجلس درس هذا العالم العيلم حتى قام شيخ الإسلام بنفسه لرؤية الشيخ الآخوند والارتشاف من نمير عمليه بحجة انه يروم السفر إلى قبر أبي حنيفة في بغداد.
  ومن ثم عرج من بغداد إلى النجف ليشاهد الحوزة التي مضى عليها حوالي الألف عام وكان الشيخ الآخوند يدرس في مسجد الطوسي ، ودخل شيخ الإسلام بدون سابق إنذار ، وبمجرد دخوله حدثت همهمة بين الطلاب وفسحوا له المجال ليجلس في المكان المناسب له بالقرب من المنبر .
  وهنا ظهرت براعة الآخوند وفراسته ، فانه بمجرد ان رأى شيخ الإسلام ـ وقد عرفه من ملابسه ومن هيئة المحيطين به ـ فنقل البحث إلى قول أبي حنيقة بأن ( النهي

(1) أعيان الشيعة 9 : 5 ـ 6 ، والمصلح المجاهد : 32 .
(2) مجلة العلم : العدد الثامن السنة الثانية أول صفر 1330 هـ ص 341 .

كفاية الأصول ـ 20 ـ
  في وجوب والحرمة دليل الصحة لا الفساد ) وشرع في بيان هذا الدليل وما يؤيده على أحسن ما يرام وببيان جذاب ، فاندهش شيخ الإسلام من تسلط الآخوند على مباني أبي حنيفة وغيره من أئمة السنة ، وغرق في بحر التأملات ، وكيف ان هذا العلم قد وصل في النجف إلى ما وصل .
  ثم انبرى الآخوند يذكر الاشكالات الواحد تلو الآخر على قول أبي حنيفة المذكور فما كان من شيخ الإسلام إلا التصديق والإذعان لما يقوله الآخوند.
  واستمر الآخوند في ذكر أقوال العلماء حتى وصل إلى الرأي الفصل وهو رأي أستاذه الأكبر الشيخ الأنصاري بأن ( النهي في الوجوب والحرمة دليل على فساد ذك الحكم ).
  وعندما وصل في بحثه إلى هذا الحد قال : الظاهر ان القادم هو شيخ الإسلام العثماني واحتراماً لمقدمهِ أنزل عن المنبر ليفيض علينا من بعض علومه.
  ولكن شيخ الإسلام الذي بهرته معلومات الشيخ الآخوند ، ولكثرة حضار مجلس الدرس الذي تجاوز عددهم الألف أبى ان يصعد المنبر وآثر الجلوس مع الشيخ برهة من الزمان.
  ويقال ان جلّ حديثهِ في سفره عند رجوعه إلى بلده كان يدور حول شخصية الآخوند ومكانته العلمية ... (1)
  وقد كان الشيخ الآخوند الخراساني ذا صوت جهوري بحيث يستطيع سماعه ـ وهو في أيام الصيف على سطح مسجد الطوسي ـ كل من كان يحيط به بالمسجد من خارجه ، فكان الطلاب يسمعون محاضراته على بعد بكل وضوح ، كل ذلك أدّى إلى إتساع دائرة تلامذته وكثر حضار درسه.
  وأما عدد الحاضرين لدروسه فقد تضاربت فيه الأقوال :
  يقول الشيخ اغا بزرك الطهراني : ( وقد سمعت ممن أحصى تلاميذ الأستاذ

(1) تاريخ روابط إيران وعراق : 265.

كفاية الأصول ـ 21 ـ
  الأعظم المولى محمد كاظم الخراساني في الدورة الأخيرة في بعض الليالي بعد الفراغ من الدرس انه زادت عدتهم على الألفين والمائتين ، وكان كثير منهم يكتب تقريراته (1).
  ويقول الشيخ اقا ضياء العراقي : ان عددهم تعدى الألف والسبعمائة نفر في اللية.
  وأما السيد هبة الدين الشهرستاني فيقول : عددّنا حضار درس الشيخ فكان في احدى الليالي ألف وخمسمائة وأربعون شخصاً.
  وأما الشيخ علي الشرقي فقد بالغ في ذلك فقال ان حوالي 3000 شخص كانوا يحضرون درس الشيخ الآخوند.
  وعلى كل حال فقد كان الآخوند كما يقول السيد الامين ( وعمّر مجلسه بمئات من الأفاضل والمجتهدين ).

  أهتم الشيخ الآخوند إلى جانب التدريس الذي برز فيه حتى أصبح المدرس الأول في الحوزوات العلمية ، وإلى جانب المرجعية وما تقتضيه من جهود مضنية .. أهتم إلى جانب هذا كله بالتأليف والتصنيف فخلّف لنا مؤلفات قيمة لاقت الرواج والشيوع لدى الأوساط العلمية لمالها من أصالة وتجديد ، وبما حفلت به من تدقيق وتنقير في علمي الأصول والفقه.
  لقد خلّف ( قدس سره ) من رشحات قلمه :
  1 ـ الحاشية القديمة على الرسائل تأليف أستاذه العلامة الشيخ الأنصاري وتعد هذه الحاشية من أدق الحواشي المكتوبة هذا الكتاب القيم.

(1) الذريعة 4 : 367.

كفاية الأصول ـ 22 ـ
  2 ـ الحاشية الجديدة على الرسائل وهي المسماة ( درر الفوائد ) وقد انتهى من تأليفها عام 1315 هـ .
  3 ـ الحاشية على مكاسب أستاذه الأعظم الشيخ الأنصاري .
  4 ـ حاشية على أسفار صدر المتالهين الشيرازي .
  5 ـ حاشية على منظومة السبزواري .
  6 ـ رسالة في المشتق .
  7 ـ رسالة في الوقف .
  8 ـ رسالة في الرضاع .
  9 ـ رسالة في الدماء الثلاثة .
  10 ـ رسالة في الإجارة ، غير تامة .
  11 ـ رسالة في الطلاق ، غير تامة .
  12 ـ رسالة في معنى العدالة .
  13 ـ رسالة في الرهن .
  وهذه الرسائل الثمانية مطبوعة في جلد واحد .
  14 ـ القضاء والشهادات اكمله نجله الآية الميرزا محمد .
  15 ـ روح الحياة رسالة عملية طبعت عام 1327 هـ .
  16 ـ تكملة التبصرة طبعت عام 1328 هـ وهي تلخيص تبصرة العلامة وإضافة بعض الملاحظات عليها .
  17 ـ ذخيرة العباد في يوم المعاد ، رسالة عملية للمقدلين باللغة الفارسية .
  18 ـ اللمعات النيرة في شرح تكملة التبصرة .
  19 ـ الفوائد وتحتوي على خمسة عشر فائدة .
  20 ـ كفاية الاُصول ، وهو الكتاب الماثل بين يديك .

كفاية الأصول ـ 23 ـ
  اخترمت على حين غفلة حياة شيخنا العلامة الرباني آية الله الخراساني يوم الثلاثاء 20 من شهر ذي الحجة 1329 قبل طلوع الشمس بساعة وطوى سجل حياته القدسية بعدما قطع 74 من بيداء العمر عن آثار عظمى ومآثر لا تعد .
  حيث كان عازما على الرحيل إلى ايران بعد اتفاقه مع بقية اعلام الدين لحفظ ثغور الإسلام من عساكر الرؤس والانكليز ، وقد صلى المغرب والعشاء على عادته ، ورجع إلى داره لتمشية بعض الأمور والتوكيل في الأمور الأخرى الى من يصلح للتوكيل.
  وقد توجه إلى الحاضرين في مجلسه الشريف وقال : اُريد ان اُصلي صلاة الصبح في الحرم المطهر ، ومن ثم أودع الإمام عليه السلام مسافراً إلى إيران ، لأن الوداع عصراً يكون مع ازدحام الزوار ، ولا يطيب لي وداع الأمير ( عليه السلام ) إلا في الصباح.
  وانفض المجلس وكان الموعد يوم غد وفي الحرم المطهر وكما بات في غرفة الاستقبال كل من الشيخ علي الشاهرودي والشيخ أحمد الرشتي على أمل القيام في الصباح الباكر والذهاب مع الآخوند إلى الحرم للصلاة والزيارة .
  وكان النجف الأشرف يعيش في حالة من الذهول والوجوم والناس في حيرة من أمرهم ولا يشغلهم شاغل إلا البحث عن سفر الآخوند.
  وأما كيفية وفاته كما يرويها العلامة الآية السيد هبة الدين الشهرستاني في مجلة العلم بقوله :
  وعندما ذهب ربع الليل تفرق الناس عنه إلى دورهم لأن أكثر الناس مثله كانوا متأهبين إلى الرحيل معه لكنه لم يزر عينيه الكرى بعد مفارقة الناس إياه وأخذه شبه الضعف في منتصف الليل فعالجوه حتى خفت الوطأة وعرق عرقاً كثيراً ، فقالوا له : مرنا ان نحل أوزار المسير إلى يوم آخر حتى يستقيم مزاجك وتصفو لك الأمور ، فقال : كلا ، إنني راحل غداً إن شاء الله إلى مسجد السهلة ، فان الاستجارة

كفاية الأصول ـ 24 ـ
  فيها إلى الله تعالى محمودة ليلة الأربعاء ، فسيروا غداً إليها ولو أشرفت على الموت لئلا يستوهن عزم المهاجرين معي ثم أخذ يوصي بما يجب ويرتب صورة مسيره إلى دفع الكفار حتى انفلق عمود الفجر وحيث قد بين في أول الليلة لاصحابه قائلاً : ( إنني اشتهي ان أزور حضرة الإمام عليه السلام لأودعه فاني لا أظن بنفسي الرجوع بعد هذا ونصلي صلاة الصبح في حضرته ).
  قيل له : إن ضعف مزاجك لا يسوغ لك الآن حركة ، فصل الصبح هاهنا وخذ لنفسك بالمنام راحة إذ لم تنم ليلك ولا نهارك ثم زر الإمام عندما تنوي الخروج من النجف.
  فاستحسن هذا القول وصلى الصبح فريضة ونافلة ثم اشتكى من حدوث انقباض في قلبه وأنّ أنّه رقيقة ومدد كالمغمى عليه وتوفى هنيئة كما عاش عيشة شريفة ، فجاءوا بدكتور الحكومة فلما لمسه وامتحنه عزى اهله وصحبه بوفاة والد الاُمة وضج الحاضرون وذاع الخبر فاصبحت النجف ضجة واحدة وخرج الناس حيارى وسكارى لا يصدقون نعيه علماً منهم بكمال صحته واستقامته فتسلمته أيدي المنون على غرة في العالمين وانتشلته من صفوف الأحياء وهم في ذهول عنه وغفلة (1).
  وكان يوم وفاته يوماً عظيماً على المسلمين وحدثاً كبيراً في العالم الإسلامي بأسره فترى الناس حيارى من أمرهم لا يملكون حولاً ولا قوة ولا يتمالكون أنفسهم من البكاء والعويل مكفوفة طباعهم عن الأكل والشرب.
  وشيع جثمانه الطاهر تشييعاً عظيماً ، واستترت شمس جثته في اُفق اللحد قبل المغرب بثلاث ساعات في مقبرة العلامة الآية حجة الإسلام ميرزا حبيب الله الرشتي الواقعة عن يمين من يخرج من باب ساعة الصحن العلوي على مشرّفه السلام.
  وإنما دفن هناك لرغبة كان يظهرها في ذلك أثناء حياته وما دفن هناك وحده بل دفن التقى والعلم والجود والسؤدد والاخلاص معه .

(1) مجلة العلم : المجلد الثاني العدد السابع : 290 ـ 297.

كفاية الأصول ـ 25 ـ
  وقد رثاه جمع من الشعراء منهم الشيخ حسن رحيم قال راثياً ومؤرخاً : وفريد قد حظى الترب به ايتم العلم بل الدين معاً ونعى جبريل أرخ ( هاتفاً ليتنا كنا له نمضي فدا كاظم للغيظ ينعاه الندا هدمت والله أركان الهدى ) 1329 هـ.
  ورثاه الشاعر الشيخ محمد رضا الشبيبي بقصيدة نونية مطلعها : الدين فيك المعزى ولو ثوى فينا بالأمس كنت بعز الدين تضحكنا كانت عليك أمانينا مرفرفة لكنهم فقدوا في فقدك الدينا واليوم صرت بذل الدين تبكينا حسب المنايا فقد خابت أمانينا نحن والكتاب :
  يعد كتاب كفاية الاُصول للمحقق الآخوند الخراساني من أجود وأمتن وأدق المتون الأصولية المدونة خلال القرن الرابع عشر الهجري.
  وقد تمكن بفضل جزالة عباراته وعمق مطالبه ان يفرض سيطرته على الحوزة العلمية ويهيمن على الأبحاث العالية ، ولينهي بذلك دور الكتب الاُصولية التي سبقته ـ ما عدا الفرائد ـ كالقوانين والفصول.
  وليكون هو المحور الذي تدور عليه رحى أبحاث الخارج ، فقلما تجد مدرساً اُصولياً أو فقيهاً متبحراً لا يكون هذا السفر الجليل مدار بحته ودرسه.
  ولذا يقول العلامة الآية الشيخ اغا بزرك الطهراني في ذريعته ما نصه : كفاية الاُصول ، متن جامع في أصول الفقه ليشخنا الآخوند المولى محمد كاظم الهروي الخراساني المتوفى سنة 1329 ، وقد أدخل المسائل الفلسفية في الأصول أكثر ممن قبله من مؤلفي الرسائل والفصول والقوانين ، وهو المتداول تدريسها إلى اليوم في جوامع النجف ، ولهذا فقد كثرت الحواشي عليها من تلاميذ المصنف (1).

(1) الذريعة 2 / 118 و 6 / 186.