الذكر ، وإنما يروي ما سمعه أو رآه ، فافهم .
ومنها : آية الاذن ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) (1) فإنه تبارك وتعالى مدح نبيه بأنه يصدق المؤمنين ، وقرنه بتصديقه تعالى.
وفيه : إولا : إنه إنما مدحه بأنه أذن ، وهو سريع القطع ، لا الاخذ بقول الغير تعبدا .
وثانيا : إنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين ، هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم ، لا التصديق بترتيب جميع الآثار ، كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ، ويظهر ذلك من تصديقه للنمام بأنه ما نمه ، وتصديقه لله تعالى بأنه نمه ، كما هو المراد من التصديق في قوله ( عليه السلام ) : ( فصدقه وكذبهم ) ، حيث قال ـ على ما في الخبر (2) ـ : ( يا محمد (3) كذب سمعك وبصرك عن أخيك : فإن شهد عندك خمسون قسامة أنه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدقه وكذبهم ) فيكون مراده تصديقه بما ينفعه ولا يضرهم ، وتكذيبهم فيما يضره ولا ينفعهم ، وإلا فكيف يحكم بتصديق الواحد وتكذيب خمسين ؟ وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصة إسماعيل (4) ، فتأمل جيدا.
فصل في الاخبار التي دلت على اعتبار أخبار الآحاد ، وهي وإن كانت طوائف كثيرة ، كما يظهر من مراجعة الوسائل (5) وغيرها ،
(1) التوبة : 61.
(2) عقاب الاعمال / 295 ، الحديث 1 ، الكافي 8 / 147 ، الحديث 125.
(3) في ( أ و ب ) : يا أبا محمد والصحيح ما أثبتناه ، لانه خطاب لمحمد بن فضيل المكنى بأبي جعفر.
(4) الكافي 5 / 299 ، باب حفظ المال وكراهة الاضاعة من كتاب المعيشة ، الحديث 1.
(5) الوسائل 18 : 72 الباب 8 من أبواب صفات القاضي والباب 9 ، الحديث 5 والباب 11 ،
كفاية الأصول ـ 302 ـ
إلا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية أخبار الآحاد بأنها أخبار آحاد ، فإنها غير متفقة على لفظ ولا على معنى ، فتكون متواترة لفظا أو معنى .
ولكنه مندفع بأنها وإن كانت كذلك ، إلا أنها متواترة إجمالا ، ضرورة أنه يعلم إجمالا بصدور بعضها منهم ( عليهم السلام ) ، وقضيته وإن كان حجية خبر دل على حجيته أخصها مضمونا (1) إلا أنه يتعدى عنه فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية ، وقد دل على حجية ما كان أعم ، فافهم .
فصل في الاجماع على حجية الخبر.
وتقريره من وجوه :
أحدها : دعوى الاجماع من تتبع فتاوى الاصحاب على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ ، فيكشف رضاه ( عليه السلام ) بذلك ، ويقطع به ، أو من تتبع الاجماعات المنقولة على الحجية.
ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى ، لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره من الخصوصيات ، ومعه لا مجال لتحصيل القطع برضاه ( عليه السلام ) من تتبعها ، وهكذا حال تتبع الاجماعات المنقولة ، اللهم إلا أن يدعى تواطؤها على الحجية في الجملة ، وإنما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها ، ولكن دون إثباته خرط القتاد .
ثانيها : دعوى اتفاق العلماء عملا ـ بل كافة المسلمين ـ على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية ، كما يظهر من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها .
الحديث 4 و 40 .
(1) في الحقائق 2 : 132 ، وإن كان حجية خبر أخصها مضمونا ... الخ.
كفاية الأصول ـ 303 ـ
وفيه : مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الاول ، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك ، لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين ، أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين ، كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الامور الدينية من الامور العادية ، فيرجع إلى ثالث الوجوه ، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الاديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة ، واستمرت إلى زماننا ، ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ، ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان ، ومن الواضح أنه يكشف عن رضى الشارع به في الشرعيات أيضا.
إن قلت : يكفي في الردع الآيات الناهية ، والروايات المانعة عن اتباع غير العلم ، وناهيك قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (2).
قلت : لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك ، فإنه ـ مضافا إلى أنها وردت إرشادا إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين ، ولو سلم فإنما المتيقن لو لا أنه المنصرف إليه إطلاقها هو خصوص الظن الذي لم يقم على اعتباره حجة ـ لا يكاد يكون الردع بها إلا على وجه دائر ، وذلك لان الردع بها يتوقف على عدم تخصيص عمومها ، أو تقييد إطلاقها بالسيرة على اعتبار خبر الثقة ، وهو يتوقف على الردع عنها بها ، وإلا لكانت مخصصة أو مقيدة لها ، كما لا يخفى .
لا يقال : على هذا لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا ، إلا على وجه دائر ، فإن اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها ، وهو يتوقف على تخصيصها بها ، وهو يتوقف على عدم الردع بها عنها .
فإنه يقال : إنما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها ، لعدم نهوض ما يصلح لردعها ، كما يكفي في تخصيصها لها ذلك ، كما لا يخفى ، ضرورة أن ما
(1) الاسراء : 36.
(2) النجم : 28.
كفاية الأصول ـ 304 ـ
جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الاطاعة والمعصية ، وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة ، وعدم استحقاقها مع الموافقة ، ولو في صورة المخالفة عن الواقع (1) ، يكون عقلا في الشرع متبعا ما لم ينهض دليل على المنع عن اتباعه في الشرعيات ، فافهم وتأمل (2).
فصل في الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية الخبر الواحد.
أحدها : إنه يعلم إجمالا بصدور كثير مما بأيدينا من الاخبار من الائمة الاطهار ( عليهم السلام ) بمقدار واف بمعظم الفقه ، بحيث لو علم تفصيلا ذاك المقدار لا نحل علمنا الاجمالي بثبوت التكاليف بين الروايات وسائر الامارات إلى
(1) الصواب : المخالفة للواقع.
(2) قولنا : ( فافهم وتأمل ) إشارة إلى كون خبر الثقة متبعا ، ولو قيل بسقوط كل من السيرة والاطلاق عن الاعتبار ، بسبب دوران الامر بين ردعها به وتقييده بها ، وذلك لاجل استصحاب حجيته الثابتة قبل نزول الآيتين.
فان قلت : لا مجال لاحتمال التقييد بها ، فإن دليل اعتبارها مغيى بعدم الردع به عنها ، ومعه لا تكون صالحة لتقييد الاطلاق مع صلاحيته للردع عنها ، كما لا يخفى.
قلت : الدليل ليس إلا إمضاء الشارع لها ورضاه بها ، المستكشف بعدم الردع عنها في زمان مع إمكانه ، وهو غير مغيى ، نعم يمكن أن يكون له واقعا ، وفي علمه تعالى أمد خاص ، كحكمه الابتدائي ، حيث أنه ربما يكون له أمر فينسخ ، فالردع في الحكم الامضائي ليس إلا كالنسخ في الابتدائي وذلك غير كونه بحسب الدليل مغيى ، كما لا يخفى.
وبالجملة : ليس حال السيرة مع الآيات الناهية إلا كحال الخاص المقدم ، والعام المؤخر ، في دوران الامر بين التخصيص بالخاص ، أو النسخ بالعام ، ففيهما يدور الامر أيضا بين التخصيص بالسيرة أو الردع بالآيات فافهم ( منه قدس سره ).
كفاية الأصول ـ 305 ـ
العلم التفصيلي بالتكاليف في مضامين الاخبار الصادرة المعلومة تفصيلا ، والشك البدوي في ثبوت التكليف في مورد سائر الامارات الغير المعتبرة ، ولازم ذلك لزوم العمل على وفق جميع الاخبار المثبتة ، وجواز العمل على طبق النافي منها فيما إذا لم يكن في المسألة أصل مثبت له ، من قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، بناء على جريانه في أطراف [ ما ] (1) علم إجمالا بانتقاض الحالة السابقة في بعضها ، أو قيام أمارة معتبرة على انتقاضها فيه ، وإلا لاختص عدم جواز العمل على وفق النافي بما إذا كان على خلاف قاعدة الاشتغال.
وفيه : إنه لا يكاد ينهض على حجية الخبر ، بحيث يقدم تخصيصا أو تقييدا أو ترجيحا على غيره ، من عموم أو إطلاق أو مثل مفهوم ، وإن كان يسلم عما أورد عليه (2) من أن لازمه الاحتياط في سائر الامارات ، لا في خصوص الروايات ، لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي بينهما بما علم بين الاخبار بالخصوص ولو بالاجمال فتأمل جيدا.
ثانيها : ما ذكره في الوافية (3) ، مستدلا على حجية الاخبار الموجودة في الكتب المعتمدة للشيعة ، كالكتب الاربعة ، مع عمل جمع به من غير رد ظاهر ، وهو :
( إنا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ، سيما بالاصول الضرورية ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج والمتاجر والانكحة ونحوها ، مع أن جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنما يثبت بالخبر الغير القطعي ، بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد ، ومن أنكر فإنما ينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان ) ، انتهى.
وأورد (4) عليه : أولا : بأن العلم الاجمالي حاصل بوجود الاجزاء والشرائط
(1) الزيادة من ( ب ).
(2) أورده الشيخ على الوجه الاول بتقريره فليلاحظ ، فرائد الاصول / 103.
(3) الوافية / 57.
(4) إشارة إلى ما أورده الشيخ ( قده ) ، فرائد الاصول / 105 ، في جوابه عن التقرير الثاني من
كفاية الأصول ـ 306 ـ
بين جميع الاخبار ، لا خصوص الاخبار المشروطة بما ذكره ، فاللازم حينئذ : إما الاحتياط ، أو العمل بكل ما دل على جزئية شيء أو شرطيته (1).
قلت : يمكن أن يقال : إن العلم الاجمالي وإن كان حاصلا بين جميع الاخبار ، إلا أن العلم بوجود الاخبار الصادرة عنهم ( عليهم السلام ) بقدر الكفاية بين تلك الطائفة ، أو العلم باعتبار طائفة كذلك بينها ، يوجب انحلال ذاك العلم الاجمالي ، وصيرورة غيره خارجا عن طرف العلم ، كما مرت إليه الاشارة في تقريب الوجه الاول ، اللهم إلا أن يمنع عن ذلك ، وادعي (2) عدم الكفاية فيما علم بصدوره أو اعتباره ، أو ادعي (3) العلم بصدور أخبار أخر بين غيرها ، فتأمل .
وثانيا : بأن قضيته إنما هو العمل بالاخبار المثبتة للجزئية أو الشرطية ، دون الاخبار النافية لهما .
والاولى أن يورد عليه : بأن قضيته إنما هو الاحتياط بالاخبار المثبتة فيما لم تقم حجة معتبرة على نفيهما ، من عموم دليل أو إطلاقه ، لا الحجية بحيث يخصص أو يقيد بالمثبت منهما ، أو يعمل بالنافي في قبال حجة على الثبوت ولو كان أصلا ، كما لا يخفى .
ثالثها : ما أفاده بعض المحققين (4) بما ملخصه : إنا نعلم بكوننا مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، فإن تمكنا من الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم أو ما بحكمه ، فلابد من الرجوع إليهما كذلك ، وإلا فلا
دليل العقل.
(1) كذا في النسختين ، والموجود في الرسائل : ( فاللازم حينئذ : إما الاحتياط ، والعمل بكل خبر دل على جزئية شيء أو شرطيته ، وإما العمل بكل خبر ظن صدوره مما دل على الجزئية أو الشرطية ) ، راجع فرائد الاصول / 105.
(2 و 3) الاولى في الموردين : يدعى .
(4) هو العلامة الشيخ محمد تقي الاصفهاني في هداية المسترشدين / 397 ، السادس من وجوه حجية الخبر.
كفاية الأصول ـ 307 ـ
محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف ، فلو لم يتمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار ، فلابد من التنزل إلى الظن بأحدهما .
وفيه : إن قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الاخبار الحاكية للسنة ، كما صرح بأنها المراد منها في ذيل كلامه ـ زيد في علو مقامه ـ إنما هي الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار ، فإن وفى ، وإلا أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالاضافة لو كان ، وإلا فالاحتياط بنحو عرفت ، لا الرجوع إلى ما ظن اعتباره ، وذلك للتمكن من الرجوع علما تفصيلا أو إجمالا ، فلا وجه معه من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره.
هذا مع أن مجال المنع عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة ـ بذاك المعنى ـ فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع .
وأما الايراد (1) عليه : برجوعه إما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه دعوى العلم الاجمالي بتكاليف واقعية ، وإما إلى الدليل الاول ، لو كان ملاكه دعوى العلم بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من الاخبار.
ففيه : إن ملاكه إنما هو دعوى العلم بالتكليف ، بالرجوع إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة ، فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه .
(1) المستشكل عليه هو الشيخ ( قده ) ، فرائد الاصول / 106.
كفاية الأصول ـ 308 ـ
فصل في الوجوه (1) التي أقاموها على حجية الظن ، وهي أربعة :
الاول : إن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر ، ودفع الضرر المظنون لازم.
أما الصغرى ، فلان الظن بوجوب شيء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة على مخالفته أو الظن بالمفسدة فيها ، بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد.
وأما الكبرى ، فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ، ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح (2) ، لوضوح عدم انحصار ملاك حكمه بهما ، بل يكون التزامه بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح ، مثل الالتزام بفعل ما استقل بحسنه ، إذا قيل باستقلاله ، ولذا أطبق العقلاء عليه ، مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح ، فتدبر جيدا .
والصواب في الجواب : هو منع الصغرى ، أما العقوبة فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته ، لعدم الملازمة بينه والعقوبة على مخالفته ، وإنما الملازمة بين خصوص معصيته واستحقاق العقوبة عليها ، لا بين
(1) ذكر الشيخ ( قده ) هذه الوجوه أيضا ، فرائد الاصول / 106.
(2) هذا رد على الحاجبي : العضدي في شرحه ، شرح العضدي على مختصر الاصول : 1 / 163.
كفاية الأصول ـ 309 ـ
مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها ، وبمجرد (1) الظن به بدون دليل على اعتباره لا يتنجز به ، كي يكون مخالفته عصيانه .
إلا أن يقال : إن العقل وإن لم يستقل بتنجزه بمجرده ، بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته ، إلا أنه لا يستقل أيضا بعدم استحقاقها معه ، فيحتمل العقوبة حينئذ على المخالفة ، ودعوى استقلاله بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جدا ، لا سيما إذا كان هو العقوبة الاخروية ، كما لا يخفى .
وأما المفسدة فلانها وإن كان الظن بالتكليف يوجب الظن بالوقوع فيها لو خالفه ، إلا أنها ليست بضرر على كل حال ، ضرورة أن كل ما يوجب قبح الفعل من المفاسد لا يلزم أن يكون من الضرر على فاعله ، بل ربما يوجب حزازة ومنقصة في الفعل ، بحيث يذم عليه فاعله بلا ضرر عليه أصلا ، كما لا يخفى .
وأما تفويت المصلحة ، فلا شبهة في أنه ليس فيه مضرة ، بل ربما يكون في استيفائها المضرة ، كما في الاحسان بالمال ، هذا .
مع منع كون الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور به (2) والمنهي عنه (3) ، بل إنما هي تابعة لمصالح فيها ، كما حققناه في بعض فوائدنا (4) .
وبالجملة : ليست المفسدة ولا المنفعة الفائتة اللتان في الافعال وأنيط بهما الاحكام بمضرة ، وليس مناط حكم العقل بقبح ما فيه المفسدة أو حسن ما فيه المصلحة من الافعال على القول باستقلاله بذلك ، هو كونه ذا ضرر وارد على فاعله أو نفع عائد إليه ، ولعمري هذا أوضح من أن يخفى ، فلا مجال لقاعدة رفع
(1) في ( ب ) : ومجرد.
(2 و 3) أنث الضمير في النسخ ، والصواب ما أثبتناه.
(4) الفوائد : 337 ، فائدة في اقتضاء الافعال للمدح والذم ، عند قوله : فيمكن أن يكون صورية ... ويمكن أن يكون حقيقية ، وراجع ما ذكره في حاشيته على الرسائل : 76 ، عند قوله : مع احتمال عدم كون الاحكام تابعة لهما ، بل تابعة لما في انفسهما من المصلحة ... الخ.
كفاية الأصول ـ 310 ـ
الضرر المظنون ها هنا أصلا ، ولا استقلال للعقل بقبح فعل ما فيه احتمال المفسدة أو ترك ما فيه احتمال المصلحة ، فافهم .
الثاني : إنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح .
وفيه : إنه لا يكاد يلزم منه ذلك إلا فيما إذا كان الاخذ بالظن أو بطرفه لازما ، مع عدم إمكان الجمع بينهما عقلا ، أو عدم وجوبه شرعا ، ليدور الامر بين ترجيحه وترجيح طرفه ، ولا يكاد يدور الامر بينهما إلا بمقدمات دليل الانسداد ، وإلا كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي أو الاحتياط أو البراءة أو غيرهما على حسب اختلاف الاشخاص أو الاحوال في اختلاف المقدمات ، على ما ستطلع على حقيقة الحال.
الثالث : ما عن السيد الطباطبائي (1) ( قدس سره ) ، من :
إنه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالاتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما ، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك ، ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كله ، لانه عسر اكيد وحرج شديد ، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ، لان الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل
(1) هو السيد علي بن السيد محمد علي الطباطبائي الحائري ، ولد في الكاظمية عام 1161 ه اشتغل على ولد الاستاذ العلامة ثم اشتغل عند خاله الاستاذ العلامة ( وحيد البهبهاني ) وبعد مدة قليلة اشتغل بالتصنيف والتدريس والتأليف ، له شرحان معروفان على النافع كبير موسوم ب ( رياض المسائل ) وصغير وغيرهما ، ونقل عنه أيضا أنه كان يحضر درس صاحب الحدائق ، وكتب جميع مجلدات الحدائق بخطه الشريف ، تخرج عليه صاحب المقابس وصاحب المطالع وصاحب مفتاح الكرامة وشريف العلماء وأمثالهم من الاجلة ، توفي سنة 1231 ه ودفن تقريبا من قبر خاله العلامة ( روضات الجنات 4 / 399 الرقم 422 ).
كفاية الأصول ـ 311 ـ
إجماعا (1) ، ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد ، فإنه بعض مقدمات دليل الانسداد ، ولا يكاد ينتج بدون سائر مقدماته ، ومعه لا يكون دليل آخر ، بل ذاك الدليل.
الرابع : دليل الانسداد ، وهو مؤلف من مقدمات ، يستقل العقل مع تحققها بكفاية الاطاعة الظنية حكومة أو كشفا على ما تعرف ، ولا يكاد يستقل بها بدونها ، وهي خمس (2).
أولها : إنه يعلم إجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فعلية في الشريعة.
ثانيها : إنه قد انسد علينا باب العلم والعلمي إلى كثير منها.
ثالثها : إنه لا يجوز لنا إهمالها وعدم التعرض لامتثالها أصلا.
رابعها : إنه لا يجب علينا الاحتياط في أطراف علمنا ، بل لا يجوز في الجملة ، كما لا يجوز الرجوع إلى الاصل في المسألة ، من استصحاب وتخيير وبراءة واحتياط ، ولا إلى فتوى العالم بحكمها .
خامسها : إنه كان ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا .
فيستقل العقل حينئذ بلزوم الاطاعة الظنية لتلك التكاليف المعلومة ، وإلا لزم ـ بعد انسداد باب العلم والعلمي بها ـ إما إهمالها ، وإما لزوم الاحتياط في أطرافها ، وإما الرجوع إلى الاصل الجاري في كل مسألة ، مع قطع النظر عن العلم بها ، أو التقليد فيها ، أو الاكتفاء بالاطاعة الشكية أو الوهمية مع التمكن من الظنية.
(1) حكى هذا القول الشيخ الانصاري ( قدس سره ) في فرائد الاصول / 111 ، نقلا عن أستاذه شريف العلماء عن أستاذه السيد الاجل الاقا ميرزا سيد علي الطباطبائي ( قدس سره ) ( صاحب الرياض ) في مجلس المذاكرة ، كما صرح بذلك العلامة المرحوم الميرزا محمد حسن الاشتياني ( قدس سره ) راجع بحر الفوائد 189.
(2) الصواب ما أثبتناه وفي النسخ : خمسة.
كفاية الأصول ـ 312 ـ
والفرض بطلان كل واحد منها ، أما المقدمة الاولى : فهي وإن كانت بديهية إلا أنه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي بما في الاخبار الصادرة عن الائمة الطاهرين ( عليهم السلام ) التي تكون فيما بأيدينا ، من الروايات في الكتب المعتبرة ، ومعه لا موجب للاحتياط إلا في خصوص ما في الروايات ، وهو غير مستلزم للعسر فضلا عما يوجب الاختلال ، ولا إجماع على عدم وجوبه ، ولو سلم الاجماع على عدم وجوبه لو لم يكن هناك انحلال.
وأما المقدمة الثانية : أما بالنسبة إلى العلم ، فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بينة وجدانية ، يعرف الانسداد كل من تعرض للاستنباط والاجتهاد.
وأما بالنسبة إلى العلمي ، فالظاهر أنها غير ثابتة ، لما عرفت من نهوض الادلة على حجية خبر يوثق بصدقه ، وهو بحمد الله واف بمعظم الفقه ، لا سيما بضميمة ما علم تفصيلا منها ، كما لا يخفى.
وأما الثالثة : فهي قطعية ، ولو لم نقل بكون العلم الاجمالي منجزا مطلقا أو فيما جاز ، أو وجب الاقتحام في بعض أطرافه ، كما في المقام حسب ما يأتي ، وذلك لان إهمال معظم الاحكام وعدم الاجتناب كثيرا عن الحرام ، مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعا ومما يلزم تركه إجماعا.
إن قلت : إذا لم يكن العلم بها منجزا لها للزوم الاقتحام في بعض الاطراف ـ كما أشير إليه ـ فهل كان العقاب على المخالفة في سائر الاطراف ـ حينئذ ـ على تقدير المصادفة إلا عقابا بلا بيان ؟ والمؤاخذة عليها إلا مؤاخذة بلا برهان ؟
قلت : هذا إنما يلزم ، لو لم يعلم بإيجاب الاحتياط ، وقد علم به بنحو اللم ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه ، بحيث ينافيه عدم إيجابه الاحتياط الموجب للزوم المراعاة ، ولو كان بالالتزام ببعض المحتملات ، مع صحة دعوى الاجماع على عدم جواز الاهمال في هذا الحال ، وأنه مرغوب عنه شرعا قطعا ، [ وأما
كفاية الأصول ـ 313 ـ
مع استكشافه ] (1) فلا يكون المؤاخذة والعقاب حينئذ بلا بيان وبلا برهان ، كما حققناه في البحث وغيره.
وأما المقدمة الرابعة : فهي بالنسبة إلى عدم وجوب الاحتياط التام بلا كلام ، فيما يوجب عسره اختلال النظام ، وأما فيما لا يوجب ، فمحل نظر بل منع ، لعدم حكومة قاعدة نفي العسر والحرج على قاعدة الاحتياط ، وذلك لما حققناه (2) في معنى ما دل على نفي الضرر والعسر ، من أن التوفيق بين دليلهما ودليل التكليف أو الوضع المتعلقين بما يعمهما ، هو نفيهما عنهما بلسان نفيهما ، فلا يكون له حكومة على الاحتياط العسر إذا كان بحكم العقل ، لعدم العسر في متعلق التكليف ، وإنما هو في الجمع بين محتملاته احتياطا.
نعم ، لو كان معناه نفي الحكم الناشئ من قبله العسر ـ كما قيل (3) ـ لكانت قاعدة نفيه محكمة على قاعدة الاحتياط ، لان العسر حينئذ يكون من قبل التكاليف المجهولة ، فتكون منفية بنفيه .
ولا يخفى أنه على هذا لا وجه لدعوى استقلال العقل بوجوب الاحتياط في بعض الاطراف بعد رفع اليد عن الاحتياط في تمامها ، بل لابد من دعوى وجوبه شرعا ، كما أشرنا إليه في بيان المقدمة الثالثة ، فافهم وتأمل جيدا .
وأما الرجوع إلى الاصول ، فبالنسبة إلى الاصول المثبتة من احتياط أو استصحاب مثبت للتكليف ، فلا مانع عن إجرائها عقلا مع حكم العقل وعموم النقل ، هذا ، ولو قيل بعدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي ،
(1) هكذا في ( أ ) وشطب عليها في ( ب ).
(2) تعرض المصنف لقاعدة لا ضرر في ص 72 ( الكتاب ) فليراجع عند قوله أن الظاهر أن يكون لا لنفي الحقيقة ادعاء ... وقوله بعد أسطر ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر ... الخ.
(3) القائل هو الشيخ الانصاري ( قدس سره ) انظر ، فرائد الاصول / 314 ورسالة قاعدة نفي الضرر في مكاسبه ، المكاسب / 372.
كفاية الأصول ـ 314 ـ
لاستلزام شمول دليله لها التناقض في مدلوله ، بداهة تناقض حرمة النقض في كل منها بمقتضى ( لا تنقض ) لوجوبه في البعض ، كما هو قضية ( ولكن تنقضه بيقين آخر ) وذلك لانه إنما يلزم فيما إذا كان الشك في أطرافه فعليا ، وأما إذا لم يكن كذلك ، بل لم يكن الشك فعلا إلا في بعض أطرافه ، وكان بعض أطرافه الآخر غير ملتفت إليه فعلا أصلا ، كما هو حال المجتهد في مقام استنباط الاحكام ، كما لا يخفى ، فلا يكاد يلزم ذلك ، فإن قضية ( لا تنقض ) ليس حينئذ إلا حرمة النقض في خصوص الطرف المشكوك ، وليس فيه علم بالانتقاض كي يلزم التناقض في مدلول دليله من شموله له ، فافهم.
ومنه قد انقدح ثبوت حكم العقل وعموم النقل بالنسبة إلى الاصول النافية أيضا ، وأنه لا يلزم محذور لزوم التناقض من شمول الدليل لها لو لم يكن هناك مانع عقلا أو شرعا من إجرائها ، ولا مانع كذلك لو كانت موارد الاصول المثبتة بضميمة ما علم تفصيلا ، أو نهض عليه علمي بمقدار المعلوم إجمالا ، بل بمقدار لم يكن معه مجال لاستكشاف إيجاب الاحتياط ، وإن لم يكن بذاك المقدار ، ومن الواضح أنه يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال.
وقد ظهر بذلك أن العلم الاجمالي بالتكاليف ربما ينحل ببركة جريان الاصول المثبتة وتلك الضميمة ، فلا موجب حينئذ للاحتياط عقلا ولا شرعا أصلا ، كما لا يخفى .
كما ظهر أنه لو لم ينحل بذلك ، كان خصوص موارد أصول النافية مطلقا ـ ولو من مظنونات [ عدم ] (1) التكليف ـ محلا للاحتياط فعلا ، ويرفع اليد عنه فيها كلا أو بعضا ، بمقدار رفع الاختلال أو رفع العسر ـ على ما عرفت ـ لا محتملات التكليف مطلقا .
(1) أثبتناها من ( ب ).
كفاية الأصول ـ 315 ـ
وأما الرجوع إلى فتوى العالم فلا يكاد يجوز ، ضرورة أنه لا يجوز إلا للجاهل لا للفاضل الذي يرى خطأ من يدعي انفتاح باب العلم أو العلمي ، فهل يكون رجوعه إليه بنظره إلا من قبيل رجوع الفاضل إلى الجاهل ؟
وأما المقدمة الخامسة : فلاستقلال العقل بها ، وأنه لا يجوز التنزل ـ بعد عدم التمكن من الاطاعة العلمية أو عدم وجوبها ـ إلا إلى الاطاعة الظنية دون الشكية أو الوهمية ، لبداهة مرجوحيتها بالاضافة إليها ، وقبح ترجيح المرجوح على الراجح.
لكنك عرفت عدم وصول النوبة إلى الاطاعة الاحتمالية ، مع دوران الامر بين الظنية والشكية أو الوهمية ، من جهة ما أوردناه على المقدمة الاولى من انحلال العلم الاجمالي بما في أخبار الكتب المعتبرة ، وقضيته الاحتياط بالالزام عملا بما فيها من التكاليف ، ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام ، وما أوردنا على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع إلى الاصول مطلقا ، ولو كانت نافية ، لوجود المقتضي وفقد المانع لو كان التكليف في موارد الاصول المثبتة وما علم منه تفصيلا ، أو نهض عليه دليل معتبر بمقدار المعلوم بالاجمال ، وإلا فإلى الاصول المثبتة وحدها ، وحينئذ كان خصوص موارد الاصول النافية محلا لحكومة العقل ، وترجيح مظنونات التكليف فيها على غيرها ، ولو بعد استكشاف وجوب الاحتياط في الجملة شرعا ، بعد عدم وجوب الاحتياط التام شرعا أو عقلا ـ على ما عرفت تفصيله ـ هذا هو التحقيق على ما يساعد عليه النظر الدقيق ، فافهم وتدبر جيدا.
فصل هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هي حجية الظن بالواقع ، أو بالطريق ، أو بهما ؟ أقوال.
والتحقيق أن يقال : إنه لا شبهة في أن هم العقل في كل حال إنما هو
كفاية الأصول ـ 316 ـ
تحصيل الامن من تبعة التكاليف المعلومة ، من العقوبة على مخالفتها ، كما لا شبهة في استقلاله في تعيين ما هو المؤمن منها ، وفي أن كلما كان القطع به مؤمنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا حال الانسداد جزما ، وإن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك ، لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق ومتعلق العلم ، وهو طريق شرعا وعقلا ، أو بإتيانه الجعلي ، وذلك لان العقل قد استقل بأن الاتيان بالمكلف به الحقيقي بما هو هو ، لا بما هو مؤدى الطريق مبرئ للذمة قطعا ، كيف ؟ وقد عرفت أن القطع بنفسه طريق لا يكاد تناله يد الجعل إحداثا وإمضاء ، إثباتا ونفيا. ولا يخفى أن قضية ذلك هو التنزل إلى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.
ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع إلا توهم أنه قضية اختصاص المقدمات بالفروع ، لعدم انسداد باب العلم في الاصول ، وعدم إلجاء في التنزل إلى الظن فيها ، والغفلة عن أن جريانها في الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق في مقام يحصل الامن من عقوبة التكاليف ، وإن كان باب العلم في غالب الاصول مفتوحا ، وذلك لعدم التفاوت في نظر العقل في ذلك بين الظنين.
كما أن منشأ توهم الاختصاص بالظن بالطريق وجهان :
أحدهما : ما أفاده بعض الفحول (1) وتبعه في الفصول (2) ، قال فيها :
إنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة ، لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع ، ولا بطريق معين يقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه ، أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذره ، كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الاحكام طريقا مخصوصا ،
(1) هو العلامة المحقق الشيخ اسد الله الشوشتري ، كشف القناع عن وجوه حجية الاجماع / 460.
(2) الفصول / 277 ، مع اختلاف في الالفاظ.
كفاية الأصول ـ 317 ـ
وكلفنا تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة ، وحيث أنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع ، ولا بطريق يقطع من السمع بقيامه بالخصوص ، أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذره ، فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين ذلك الطريق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على [ عدم ] (1) حجيته ، لانه أقرب إلى العلم ، وإلى إصابة الواقع مما عداه.
وفيه : أولا ـ بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بأيدينا من الطرق الغير العلمية ، وعدم وجود المتيقن بينها أصلا ـ أن قضية ذلك هو الاحتياط في أطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا تعيينها بالظن .
لا يقال (2) : الفرض هو عدم وجوب الاحتياط ، بل عدم جوازه ، لان الفرض إنما هو عدم وجوب الاحتياط التام في أطراف الاحكام ، مما يوجب العسر المخل بالنظام ، لا الاحتياط في خصوص ما بأيدينا من الطرق ، فإن قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه في غير مواردها ، والرجوع إلى الاصل فيها ولو كان نافيا للتكليف ، وكذا فيما إذا نهض الكل على نفيه ، وكذا فيما إذا تعارض فردان من بعض الاطراف فيه نفيا وإثباتا مع ثبوت المرجح للنافي ، بل مع عدم رجحان المثبت في خصوص الخبر منها ، ومطلقا في غيره بناء على عدم ثبوت الترجيح على تقدير الاعتبار في غير الاخبار ، وكذا لو تعارض إثنان منها في الوجوب والتحريم ، فإن المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الاصل الجاري فيها ولو كان نافيا ، لعدم نهوض طريق معتبر ولا ما هو من أطراف العلم به على خلافه ، فافهم .
وكذا كل مورد لم يجر فيه الاصل المثبت ، للعمل بانتقاض الحالة السابقة فيه
(1) أثبتنا الزيادة من الفصول.
(2) إيراد ذكره الشيخ ( قدس سره ) وأمر بالتأمل فيه ، فرائد الاصول / 132 ، عند قوله : أللهم إلا أن يقال إنه يلزم الحرج ... الخ.
كفاية الأصول ـ 318 ـ
إجمالا بسبب العلم به ، أو بقيام أمارة معتبرة عليه في بعض أطرافه ، بناء على عدم جريانه بذلك.
وثانيا : لو سلم أن قضيته (1) لزوم التنزل إلى الظن ، فتوهم أن الوظيفة حينئذ هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا ، وذلك لعدم كونه أقرب إلى العلم وإصابة الواقع من الظن ، بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلا ، ومن الظن بالواقع ، كما لا يخفى.
لا يقال : إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع ، إذا لم يصرف التكليف الفعلي عنه إلى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد ، فإن الالتزام به بعيد ، إذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا ، فلا أقل من كونه مجمعا على بطلانه ، ضرورة أن القطع بالواقع يجدي في الاجزاء بما هو واقع ، لا بما هو مؤدى طريق القطع ، كما عرفت.
ومن هنا انقدح أن التقييد أيضا غير سديد ، مع أن الالتزام بذلك غير مفيد ، فإن الظن بالواقع فيما ابتلي به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ، والظن بالطريق ما لم يظن بإصابته (2) الواقع غير مجد بناء على التقييد ، لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد به بدونه هذا.
مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد ، غايته أن العلم الاجمالي بنصب طرق وافية يوجب انحلال العلم بالتكاليف الواقعية إلى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية ، والانحلال وإن كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق من التكاليف الواقعية ، إلا أنه إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما ، والفرض عدم اللزوم ، بل عدم الجواز.
وعليه يكون التكاليف الواقعية ، كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية
(1) في ( ب ) : قضية.
(2) في ( ب ) : بإصابة.
كفاية الأصول ـ 319 ـ
الظن بها حال انسداد باب العلم ، كما لا يخفى ، ولابد حينئذ من عناية أخرى (1) في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الاطاعة ، وعدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليه (2) ، ولا شبهة في أن الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ لكونه أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام ، من الظن بالطريق ، فلا أقل من كونه مساويا فيما يهم العقل من تحصيل الامن من العقوبة في كل حال ، هذا مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق ، وهو بلا شبهة يكفي ، ولو لم يكن هناك ظن بالطريق ، فافهم فإنه دقيق.
ثانيهما : ما اختص به بعض المحققين (3) ، قال :
( لا ريب في كوننا مكلفين بالاحكام الشرعية ، ولم يسقط عنا التكليف بالاحكام الشرعية ، وأن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف ، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به ، وسقوط تكليفنا عنا ، سواء حصل العلم معه بأداء الواقع أو لا ، حسبما مر تفصيل القول فيه.
فحينئذ نقول : إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع ، فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسد علينا سبيل العلم كان الواجب
(1) وهي إيجاب الاحتياط في الجملة المستكشف بنحو اللم ، من عدم الاهمال في حال الانسداد قطعا إجماعا بل ضرورة ، وهو يقتضي التنزل إلى الطن بالواقع حقيقة أو تعبدا ، إذا كان استكشافه في التكاليف المعلومة إجمالا ، لما عرفت من وجوب التنزل عن القطع بكل ما يجب تحصيل القطع به في حال الانفتاح إلى الظن به في هذا الحال ، وإلى الظن بخصوص الواقعيات التي تكون مؤديات الطرق المعتبرة ، أو بمطلق المؤديات لو كان استكشافه في خصوصها أو في مطلقها ، فلا يكاد أن تصل النوبة إلى الظن بالطريق بما هو كذلك وإن كان يكفي ، لكونه مستلزما للظن بكون مؤداه مؤدى طريق معتبر ، كما يكفي الظن بكونه كذلك ، ولو لم يكن ظن باعتبار طريق أصلا كما لا يخفى ، وأنت خبير بأنه لا وجه لاحتمال ذلك ، وإنما المتيقن هو لزوم رعاية الواقعيات في كل حال ، بعد عدم لزوم رعاية الطرق المعلومة بالاجمال بين أطراف كثيرة ، فافهم ( منه قدس سره ).
(2) راجع صفحة / 312.
(3) وهو العلامة المحقق الشيخ محمد تقي الاصفهاني ، هداية المسترشدين / 391.
كفاية الأصول ـ 320 ـ
علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه ، إذ هو الاقرب إلى العلم به ، فيتعين الاخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل ، بعد انسداد سبيل العلم والقطع ببقاء التكليف ، دون ما يحصل معه الظن بأداء الواقع ، كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن ) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه.
وفيه أولا : إن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالاطاعة والامتثال إنما هو العقل ، وليس للشاعر في هذا الباب حكم مولوي يتبعه حكم العقل ، ولو حكم في هذا الباب كان بتبع حكمه إرشادا إليه ، وقد عرفت استقلاله بكون الواقع بما هو [ هو ] (1) مفرغ ، وأن القطع به حقيقة أو تعبدا مؤمن جزما ، وأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمنا حال الانفتاح ، فيكون الظن بالواقع أيضا مؤمنا حال الانسداد.
وثانيا : سلمنا ذلك ، لكن حكمه بتفريغ الذمة ـ فيما إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ـ ليس إلا بدعوى أن النصب يستلزمه ، مع أن دعوى أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ فيما إذا أتى به أولى ، كما لا يخفى ، فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا.
إن قلت : كيف يستلزمه (2) الظن بالواقع ؟ مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه ، كما إذا كان من القياس ، وهذا بخلاف الظن بالطريق ، فإنه يستلزمه ولو كان من القياس.
قلت : الظن بالواقع أيضا يستلزم (3) الظن بحكمه بالتفريغ (4) ، ولا ينافي
(1) أثبتنا الزيادة من ( أ ).
(2) في ( ب ) : يستلزم .
(3) وذلك لضرورة الملازمة بين الاتيان بما كلف به واقعا وحكمه بالفراغ ويشهد به عدم جواز الحكم بعدمه ، لو سئل عن أن الاتيان بالمأمور به على وجهه ، هل هو مفرغ ؟ ولزوم حكمه بأنه مفرغ ، والا لزم عدم إجزاء الامر الواقعي ، وهو واضح البطلان ( منه قدس سره ) .
(4) كذا في النسخة المصححة ، وفي ( أ ) : الظن بهما على الاقوى يستلزم الحكم بالتفريغ .
كفاية الأصول ـ 321 ـ
القطع بعدم حجيته لدى الشارع ، وعدم كون المكلف معذورا ـ إذا عمل به فيهما ـ فيما أخطأ ، بل كان مستحقا للعقاب ـ ولو فيما أصاب ـ لو بنى على حجيته والاقتصار عليه لتجريه ، فافهم.
وثالثا : سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به ، لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ، لا خصوص الظن بالطريق ، وقد عرفت أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا.
فصل لا يخفى عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ، ضرورة أنه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب طريقا ، لجواز اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال ، ولا مجال لاستكشاف نصب الشارع من حكم العقل ، لقاعدة الملازمة ، ضرورة أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي ، والمورد هاهنا غير قابل له ، فإن الاطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها في حال الانسداد إنما هي بمعنى عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزيد منها ، وعدم جواز اقتصار المكلف بدونها ، ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه ، وهو واضح .
واقتصار المكلف بما دونها ، لما كان بنفسه موجبا للعقاب مطلقا ، أو فيما أصاب الظن ، كما أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ أو أصاب من دون حاجة إلى أمر بها أو نهي عن مخالفتها ، كان حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه ، كما لا يخفى ، ولا بأس به إرشاديا ، كما هو شأنه في حكمه بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية.
وصحة نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية إليه ، لا تنافي استقلال العقل بلزوم الاطاعة بنحو حال الانسداد ، كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح ، من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها
كفاية الأصول ـ 322 ـ
مولويا ، لما عرفت ، فانقدح بذلك عدم صحة تقرير المقدمات إلا على نحو الحكومة دون الكشف ، وعليها فلا إهمال في النتيجة أصلا ، سببا وموردا ومرتبة ، لعدم تطرق الاهمال والاجمال في حكم العقل ، كما لا يخفى .
أما بحسب الاسباب فلا تفاوت بنظره فيها .
وأما بحسب الموارد ، فيمكن أن يقال بعدم استقلاله بكفاية الاطاعة الظنية ، إلا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام ، واستقلاله بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام ، كما في الفروج والدماء بل وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.
وأما بحسب المرتبة ، فكذلك لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف (1) ، إلا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر .
وأما على تقرير الكشف ، فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه ، فلا إهمال فيها أيضا بحسب الاسباب ، بل يستكشف حينئذ أن الكل حجة لو لم يكن بينها ما هو المتيق ، وإلا فلا مجال لاستكشاف حجية (2) غيره ، ولا بحسب الموارد ، بل يحكم بحجيته في جميعها ، وإلا لزم عدم وصول الحجة ، ولو لاجل التردد في مواردها ، كما لا يخفى .
ودعوى الاجماع (3) على التعميم بحسبها في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا.
(1) كذا صححه في ( ب ) ، وفي ( أ ) : فكذلك لا يستقل إلا بكفاية مرتبة الاطمئنان من الظن إلا على ... إلخ.
(2) في ( ب ) : حجة .
(3) ادعاه الشيخ ( قده ) فرائد الاصول / 139.
كفاية الأصول ـ 323 ـ
وأما بحسب المرتبة ، ففيها إهمال ، لاجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافيا ، فلابد من الاقتصار عليه.
ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه ، فلا إهمال فيها بحسب الاسباب ، لو لم يكن فيها تفاوت أصلا ، أو لم يكن بينها إلا واحد ، وإلا فلابد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها أو مظنونه ، بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب ، حتى ينتهي إلى ظن واحد أو إلى ظنون متعددة لا تفاوت بينها ، فيحكم بحجية كلها ، أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار ، فيقتصر عليه.
وأما بحسب الموارد والمرتبة ، فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه ، فتدبر جيدا .
ولو قيل بأن النتيجة هو الطريق ولو لم يصل أصلا ، فالاهمال فيها يكون من الجهات ، ولا محيص حينئذ إلا من الاحتياط في الطريق بمراعاة اطراف الاحتمال لو لم يكن بينها متيقن الاعتبار ، لو لم يلزم منه محذور ، وإلا لزم التنزل إلى حكومة العقل بالاستقلال ، فتأمل فإن المقام من مزال الاقدام.
وهم ودفع : لعلك تقول : إن القدر المتيقن الوافي لو كان في البين لما كان مجال لدليل الانسداد ، ضرورة أنه من مقدماته انسداد باب العلمي أيضا.
لكنك غفلت عن أن المراد ما إذا كان اليقين بالاعتبار من قبله ، لاجل اليقين بأنه لو كان شيء حجة شرعا كان هذا الشيء حجة قطعا ، بداهة أن الدليل على أحد المتلازمين إنما هو الدليل على الآخر ، لا الدليل على الملازمة.
ثم لا يخفى أن الظن باعتبار ظن (1) بالخصوص ، يوجب اليقين باعتباره من باب دليل الانسداد على تقرير الكشف بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل
(1) في ( ب ) : الظن.
كفاية الأصول ـ 324 ـ
بنفسه ، فإنه حينئذ يقطع بكونه حجة ، كان غيره حجة أو لا ، واحتمال عدم حجيته بالخصوص لا ينافي القطع بحجيته بملاحظة الانسداد ، ضرورة أنه على الفرض لا يحتمل أن يكون غيره حجة بلا نصب قرينة ، ولكنه من المحتمل أن يكون هو الحجة دون غيره ، لما فيه من خصوصية الظن بالاعتبار ، وبالجملة الامر يدور بين حجية الكل وحجيته ، فيكون مقطوع الاعتبار.
ومن هنا ظهر حال القوة ، ولعل نظر من رجح بها إلى هذا الفرض ، وكان منع شيخنا العلامة (1) ـ أعلى الله مقامه ـ عن الترجيح بهما (2) ، بناء على كون النتيجة هو الطريق الواصل ولو بطريقه ، أو الطريق ولو لم يصل أصلا ، وبذلك ربما يوفق بين كلمات الاعلام في المقام ، وعليك بالتأمل التام.
ثم لا يذهب عليك أن الترجيح بهما (3) إنما هو على تقدير كفاية الراجح ، وإلا فلا بد من التعدي إلى غيره بمقدار الكفاية ، فيختلف الحال باختلاف الانظار بل الاحوال.
وأما تعميم النتيجة (4) بأن قضية العلم الاجمالي بالطريق هو الاحتياط في أطرافه ، فهو لا يكاد يتم إلا على تقدير كون النتيجة هو نصب الطريق ولو لم يصل أصلا ، مع أن التعميم بذلك لا يوجب العمل إلا على وفق المثبتات من الاطراف دون النافيات ، إلا فيما إذا كان هناك ناف من جميع الاصناف ، ضرورة أن الاحتياط فيها يقتضي رفع اليد عن الاحتياط في المسألة الفرعية إذا لزم ، حيث لا ينافيه ، كيف ؟ ويجوز الاحتياط فيها مع قيام الحجة النافية ، كما لا يخفى ، فما ظنك بما لا يجب الاخذ بموجبه إلا من باب الاحتياط ؟ فافهم .
(1) فرائد الاصول / 142 ، وأما المرجح الثاني.
(2) في ( ب ) : بها.
(3) في ( ب ) : بها.
(4) هذا ثالث طرق ( تعميم النتيجة ) الذي نقله الشيخ ( قده ) عن شيخه المحقق شريف العلماء ( قده ) ، واستشكل عليه ، فرائد الاصول 150.
كفاية الأصول ـ 325 ـ
فصل قد اشتهر الاشكال بالقطع بخروج القياس عن عموم نتيجة دليل الانسداد بتقرير الحكومة ، وتقريره على ما في الرسائل (1) أنه :
( كيف يجامع حكم العقل بكون الظن كالعلم مناطا للاطاعة والمعصية ، ويقبح على الآمر والمأمور التعدي عنه ، ومع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ، ولا يجوز الشارع العمل به ؟ فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا ، جرى في غير القياس ، فلا يكون العقل مستقلا ، إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس [ بل وأزيد ] (2) واختفى علينا ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع ، إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه ، وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ). انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه.
وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الاشكال ، بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا ، وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا ، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي ، فلا موضوع لحكمه مع أحدهما ، والنهي عن ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شيء ، بل هو يستلزمه فيما كان في مورده أصل شرعي ، فلا يكون نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه ، بل به يرتفع موضوعه ، وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا كالامر بما لا يفيده ، وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه ، وكما لا يصح بلحاظ حكمه الاشكال فيه ، لا يصح الاشكال فيه بلحاظه.
(1) فرائد الاصول / 156.
(2) أثبتناها من فرائد الاصول.