أمرا كان مما يغفل عنه غالبا العامة (1) ، كان على الآمر بيانه ، ونصب قرينة على دخله واقعا ، وإلا لاخل بما هو همه وغرضه ، أما إذا لم ينصب دلالة على دخله ، كشف عن عدم دخله ، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الاخبار والآثار ، وكانا مما يغفل عنه العامة ، وإن احتمل اعتباره بعض الخاصة ، فتدبر جيدا.
  ثم إنه لا أظنك أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار ، وإن كان قضية الاشتغال عقلا هو الاعتبار ، لوضوح أنه لابد في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعا ، وليس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي. ودخل الجزء والشرط فيه وإن كان كذلك ، إلا أنهما قابلان للوضع والرفع شرعا ، فبدليل الرفع ـ ولو كان أصلا ـ يكشف أنه ليس هناك أمر فعلي بما يعتبر فيه المشكوك ، يجب الخروج عن عهدته عقلا ، بخلاف المقام ، فإنه علم بثبوت الامر الفعلي ، كما عرفت ، فافهم.
  المبحث السادس : قضية إطلاق الصيغة ، كون الوجوب نفسيا تعينيا عينيا ، لكون كل واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ، ولم ينصب قرينة عليه ، فالحكمة تقتضي كونه مطلقا ، وجب هناك شيء آخر أو لا ، أتى بشيء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا ، كما هو واضح لا يخفى.
  المبحث السابع : إنه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر في الوجوب وضعا أو إطلاقا فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال :

(1) هذا ما أثبتناه من ( أ و ب ) ، وفي بعض النسخ المطبوعة هكذا ( إن كل ما يحتمل بدوا دخله في الامتثال وكان يغفل عنه غالبا العامة ).

كفاية الأصول ـ 77 ـ
  نسب (1) إلى المشهور ظهورها في الاباحة ، وإلى بعض العامة (2) ظهورها في الوجوب ، وإلى بعض (3) تبعيته لما قبل النهي ، إن علق الامر بزوال علة النهي ، إلى غير ذلك .
  والتحقيق : إنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب ، أو الاباحة ، أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها ، لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه ، غاية الامر يكون موجبا لاجمالها ، غير ظاهرة في واحد منها إلا بقرينة أخرى ، كما أشرنا.
  المبحث الثامن : الحق أن صيغة الامر مطلقا ، لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ، فإن المنصرف عنها ، ليس إلا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها ، فلا دلالة لها على أحدهما ، لا بهيئتها ولا بمادتها ، والاكتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة ، كما لا يخفى .
  ثم لا يذهب عليك : أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين ، لا يدل إلا على الماهية ـ على ما حكاه السكاكي (4) ـ لا يوجب كون النزاع ها هنا في الهيئة ـ كما في الفصول (5) ـ فإنه غفلة وذهول عن كون المصدر كذلك ، لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على

(1) راجع الفصول / 70 ، وبدائع الافكار في النسخة الثانية من نسختي الاوامر / 294.
(2) البصري في المعتمد / 75 ، باب في صيغة الامر الواردة بعد حظر ، والبيضاوي وغيره راجع الابهاج في شرح المنهاج للسبكي : 2 / 43.
(3) كالعضدي ، شرح مختصر الاصول / 205 ، في مسألة وقوع صيغة الامر بعد الحظر.
(4) مفتاح العلوم / 93.
(5) الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هيئة ... الخ.

كفاية الأصول ـ 78 ـ
  الماهية ، ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صيغة مثلها ، كيف ؟ وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ، فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها ، كما لا يخفى .
  إن قلت : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام .
  قلت : مع أنه محل الخلاف ، معناه أن الذي وضع أولا بالوضع الشخصي ، ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا سائر الصيغ التي تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه ، بصورة ومعنى كذلك ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم .
  ثم المراد بالمرة والتكرار ، هل هو الدفعة والدفعات ؟ أو الفرد والافراد ؟
  والتحقيق : أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع ، وإن كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول ، وتوهم (1) أنه لو أريد بالمرة الفرد ، لكان الانسب ، بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتي ، من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ؟ أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث كما فعلوه ، وأما لو أريد بها الدفعة ، فلا علقة بين المسألتين ، كما لا يخفى ، فاسد ، لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا ، فإن الطلب على القول بالطبيعة إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ، ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلا هي ، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين ، فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها .

(1) المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71.

كفاية الأصول ـ 79 ـ
  أما بالمعنى الاول فواضح ، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد ، غاية الامر خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الامر بالطبائع يلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالافراد ، فإنه مما يقومه .
  تنبيه : لا إشكال بناء على القول بالمرة في الامتثال ، وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا ، على أن يكون أيضا به الامتثال ، فإنه من الامتثال بعد الامتثال ، وأما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار ، فلا يخلو الحال : إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان ، بل في مقام الاهمال أو الاجمال ، فالمرجع هو الاصل ، وإما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام ، فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ، وإنما الاشكال في جواز أن لا يقتصر عليها ، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها ، هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا ، لزوم الاقتصار على المرة ، كما لا يخفى .
  والتحقيق : إن قضية الاطلاق إنما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد ، فيكون إيجادها في ضمنها نحوا من الامتثال ، كإيجادها في ضمن الواحد ، لا جواز الاتيان بها مرة ومرات ، فإنه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر ، فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى ، بحيث يحصل بمجرده ، فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر ، أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا ، لما عرفت من حصول الموافقة بإتيانها ، وسقوط الغرض معها ، وسقوط الامر بسقوطه ، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا ، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض ، كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتي به ، ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا ، فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه ، بل

كفاية الأصول ـ 80 ـ
  مطلقا ، كما كان له ذلك قبله ، على ما يأتي بيانه في الاجزاء.
  المبحث التاسع : الحق أنه لا دلالة للصيغة ، لا على الفور ولا على التراخي ، نعم قضية إطلاقها جواز التراخي ، والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها ، بلا دلالة على تقييدها بأحدها ، فلا بد في التقييد من دلالة أخرى ، كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية .
  وفيه منع ، ضرورة أن سياق آية ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) (1) وكذا آية ( فاستبقوا الخيرات ) (2) إنما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير ، من دون استتباع تركهما للغضب والشر ، ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر ، كان البعث بالتحذير عنهما أنسب ، كما لا يخفى ، فافهم.
  مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات ، وكثير من الواجبات بل أكثرها ، فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ، ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق ، وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه إرشادا إلى ذلك ، كالآيات والروايات الواردة في الحث على أصل الاطاعة ، فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ، ولو لم يكن هناك أمر بها ، كما هو الشأن في الاوامر الارشادية ، فافهم .
  تتمة : بناء على القول بالفور ، فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا أيضا ، في الزمان الثاني ، أو لا ؟ وجهان : مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول ، هو وحدة المطلوب أو تعدده ، ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية ، لما كان لها دلالة على نحو

(1) آل عمران : 133.
(2) البقرة : 148 ، المائدة : 48.

كفاية الأصول ـ 81 ـ
  المطلوب من وحدته أو تعدده ، فتدبر جيدا .

  الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء في الجملة بلا شبهة ، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ، ينبغي تقديم أمور :
  أحدها : الظاهر أن المراد من ( وجهه ) ـ في العنوان ـ هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا ، مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا ، فإنه عليه يكون ( على وجهه ) قيدا توضيحيا ، وهو بعيد ، مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع ، بناء على المختار ، كما تقدم من أن قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا ، لا من قيود المأمور به شرعا ، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب (1) ، فإنه ـ مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره ، إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات ـ لا وجه لاختصاصه بالذكر على تقدير الاعتبار ، فلا بد من إرادة ما يندرج فيه من المعنى ، وهو ما ذكرناه ، كما لا يخفى .
  ثانيها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء ـ ها هنا ـ الاقتضاء بنحو العلية والتأثير ، لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الطبيعة.
  إن قلت : هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره ، وأما بالنسبة إلى أمر آخر ، كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي ، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره ، بنحو يفيد الاجزاء ، أو بنحو آخر لا يفيده .

(1) من المتكلمين ، وأشار إليه في مطارح الانظار / 19.

كفاية الأصول ـ 82 ـ
  قلت : نعم ، لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ، كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم ، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما ، إنما هو الخلاف في دلالة دليلهما ، هل أنه على نحو يستقل العقل بأن الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه ، وعدم دلالته ؟ ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا ، بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره ، فإنه لا يكون إلا كبرويا ، لو كان هناك نزاع ، كما نقل عن بعض (1) ، فافهم .
  ثالثها : الظاهر أن الاجزاء ـ ها هنا ـ بمعناه لغة ، وهو الكفاية (2) ، وإن كان يختلف ما يكفي عنه ، فإن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفي ، فيسقط به التعبد به ثانيا ، وبالامر الاضطراري أو الظاهري الجعلي ، فيسقط به القضاء ، لا أنه يكون ـ ها هنا ـ اصطلاحا ، بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء ، فإنه بعيد جدا .
  رابعها : الفرق (3) بين هذه المسألة ، ومسألة المرة والتكرار ، لا يكاد يخفى ، فإن البحث ـ ها هنا ـ في أن الاتيان بما هو المأمور به يجزي عقلا ، بخلافه في تلك المسألة ، فإنه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها ، أو بدلالة أخرى .
  نعم كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه .
  وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء ، فإن البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ، بخلاف هذه المسألة ، فإنه ـ كما عرفت ـ في

(1) وهو القاضي عبد الجبار ، راجع المعتمد 1 / 90.
(2) اجزأ الشيء إياي : كفاني. القاموس المحيط 1 / 10 مادة الجزء ، أجزأني الشيء : كفاني ، مجمع البحرين 1 / 85 مادة جزأ.
(3) راجع مطارح الانظار / 19.

كفاية الأصول ـ 83 ـ
  أن الاتيان بالمأمور به بجزي عقلا عن إتيانه ثانيا أداء أو قضاء ، أو لا يجزي ، فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلا.
  إذا عرفت هذه الامور ، فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين :
  الاول : إن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ـ بل (1) بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا ـ يجزي عن التعبد به ثانيا ، لاستقلال العقل بأنه لا مجال مع موافقة الامر بإتيان المأمور به على وجهه ، لاقتضائه التعبد به ثانيا.
  نعم لا يبعد أن يقال : بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا ، بدلا عن التعبد به أولا ، لا منضما إليه ، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة (2) ، وذلك فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض ، وإن كان وافيا به لو اكتفى به ، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه ، فلم يشربه بعد ، فإن الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ، ولذا لو أهريق (3) الماء واطلع عليه العبد ، وجب عليه إتيانه ثانيا ، كما إذا لم يأت به أولا ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه ، وإلا لما أوجب حدوثه ، فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر ، كما كان له قبل إتيانه الاول بدلا عنه.
  نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض ، فلا يبقى موضع للتبديل ، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل ، فله التبديل باحتمال أن لا يكون علة ، فله إليه سبيل ، ويؤيد ذلك ـ بل يدل عليه ـ ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلى فرادى

(1) في نسختي ( أ و ب ) بل أو ...
(2) راجع تنبيه المبحث الثامن من هذا الكتاب / 79.
(3) في ( ب ) : أهرق.

كفاية الأصول ـ 84 ـ
  جماعة (1) ، وأن الله تعالى يختار أحبهما إليه.
  الموضع الثاني : وفيه مقامان :
  المقام الاول : في أن الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري ، هل يجزي عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا ، بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة ، وفي خارجه قضاء ، أو لا يجزي ؟
  تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارة في بيان ما يمكن أن يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء ، وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه ، وأخرى في تعيين ما وقع عليه.
  فاعلم أنه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار ، كالتكليف الاختياري في حال الاختيار ، وافيا بتمام المصلحة ، وكافيا فيما هو المهم والغرض ، ويمكن أن لا يكون وافيا به كذلك ، بل يبقى منه شيء أمكن استيقاؤه أو لا يمكن ، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه ، أو يكون بمقدار يستحب ، ولا يخفى أنه إن كان وافيا به يجزي ، فلا يبقى مجال أصلا للتدارك ، لا قضاء ولا إعادة ، وكذا لو لم يكن وافيا ، ولكن لا يمكن تداركه ، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلا لمصلحة كانت فيه ، لما فيه من نقض الغرض ، وتفويت مقدار من المصلحة ، لو لا مراعاة ما هو فيه من الاهم ، فافهم.
  لا يقال : عليه ، فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لا مكان استيفاء الغرض بالقضاء.

(1) الكافي : 3 / 379 ، باب الرجل يصلي وحده من كتاب الصلاة ، التهذيب : 3 / 269 الحديث 94 ، وصفحة 270 الحديث 95 إلى 98 الباب 25 ، الفقيه : 1 / 251 ، الحديث 41 إلى 43 من باب الجماعة وفضلها .

كفاية الأصول ـ 85 ـ
  فإنه يقال : هذا كذلك ، لو لا المزاحمة بمصلحة الوقت ، وأما تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الاولى ، فيدور مدار كون العمل ـ بمجرد الاضطرار مطلقا ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طرو الاختيار ـ ذا مصلحة ووافيا بالغرض.
  وإن لم يكن وافيا ، وقد أمكن تدارك الباقي (1) في الوقت ، أو مطلقا ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزي ، بل لابد (2) من إيجاب الاعادة أو القضاء ، وإلا فيجزي ، ولا مانع عن البدار في الصورتين ، غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية يجزي البدار ويستحب الاعادة بعد طرو الاختيار.
  هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء ، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله ، مثل قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا ) (3) وقوله ( عليه السلام ) : ( التراب أحد الطهورين ) (4) و : ( يكفيك عشر سنين ) (5) هو الاجزاء ، وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ، ولا بد في إيجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص.
  وبالجملة : فالمتبع هو الاطلاق لو كان ، وإلا فالاصل ، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الاعادة ، لكونه شكا في أصل التكليف ، وكذا عن إيجاب

(1) في ( ب ) : ما بقي منه .
(2) في ( أ ) : ولابد .
(3) النساء : 43 ، المائدة : 6.
(4) التهذيب : 1 / 196 ـ 197 ، 200 باب التيمم وأحكامه ، الكافي : 3 / 64. باب الوقت الذي يوجب التيمم ، مع اختلاف في الالفاظ.
(5) التهذيب : 1 / 194 ، الحديث 35 ، التيمم وأحكامه ، وصفحة 199 ، الحديث 52.

كفاية الأصول ـ 86 ـ
  القضاء بطريق أولى ، نعم لو دل دليله على أن سببه فوت الواقع ، ولو لم يكن هو فريضة ، كان القضاء واجبا عليه ، لتحقق سببه ، وإن أتى بالفرض لكنه مجرد الفرض .
  المقام الثاني : في إجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري وعدمه .
  والتحقيق : إن ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه ، وكان بلسان تحقق ما هو شرطه أو شطره ، كقاعدة الطهارة أو الحلية ، بل واستصحابهما في وجه قوي ، ونحوها بالنسبة إلى كل ما اشترط بالطهارة أو الحلية يجري ، فإن دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط ، ومبينا لدائرة الشرط ، وأنه أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فانكشاف الخلاف فيه لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل ، وهذا بخلاف ما كان منها بلسان أنه ما هو الشرط واقعا ، كما هو لسان الامارات ، فلا يجزي ، فإن دليل حجيته حيث كان بلسان أنه واجد لما هو شرطه الواقعي ، فبارتفاع الجهل ينكشف أنه لم يكن كذلك ، بل كان لشرطه فاقدا (1) ، هذا على ما هو الاظهر الاقوى في الطرق والامارات ، من أن حجيتها ليست بنحو السببية .
  وأما بناء عليها ، وأن العمل بسبب أداء أمارة إلى وجدان شرطه أو شطره ، يصير حقيقة صحيحا كأنه واجد له ، مع كونه فاقده ، فيجزي لو كان الفاقد معه ـ في هذا الحال ـ كالواجد في كونه وافيا بتمام الغرض ، ولا يجزي لو لم يكن كذلك ، ويجب الاتيان بالواجد لاستيفاء الباقي ـ إن وجب ـ وإلا لاستحب ، هذا مع إمكان استيفائه ، وإلا فلا مجال لاتيانه ، كما عرفت في الامر الاضطراري .

(1) في ( أ و ب ) : فاقد.

كفاية الأصول ـ 87 ـ
  ولا يخفى أن قضية إطلاق دليل الحجية ـ على هذا ـ هو الاجتزاء بموافقته أيضا ، هذا فيما إذا أحرز أن الحجية بنحو الكشف والطريقية ، أي بنحو الموضوعية والسببية.
  وأما إذا شك [ فيها ] (1) ولم يحرز أنها على أي الوجهين ، فأصالة عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف مقتضية للاعادة في الوقت ، واستصحاب عدم كون التكليف بالواقع فعليا في الوقت لا يجدي ، ولا يثبت كون ما أتى به مسقطا ، إلا على القول بالاصل المثبت ، وقد علم اشتغال ذمته بما يشك في فراغها عنه بذلك المأتي.
  وهذا بخلاف ما إذا علم أنه مأمور به واقعا ، وشك في أنه يجزي عما هو المأمور به الواقعي الاولي ، كما في الاوامر الاضطرارية أو الظاهرية ، بناء على أن يكون الحجية على نحو السببية ، فقضية الاصل فيها ـ كما أشرنا إليه ـ عدم وجوب الاعادة ، للاتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا ، وأصالة عدم فعلية التكليف الواقعي بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف.
  وأما القضاء فلا يجب بناء على أنه فرض جديد ، وكان الفوت المعلق عليه وجوب لا يثبت بأصالة عدم الاتيان ، إلا على القول بالاصل المثبت ، وإلا فهو واجب ، كما لا يخفى على المتأمل ، فتأمل جيدا.
  ثم إن هذا كله فيما يجري في متعلق التكاليف ، من الامارات الشرعية والاصول العملية.
  وأما ما يجري في إثبات أصل التكليف ، كما إذا قام الطريق أو الاصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة ، فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها ، فلا وجه لاجزائها مطلقا ، غاية الامر أن تصير صلاة الجمعة فيها ـ أيضا ـ ذات مصلحة لذلك ، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة ، كما لا يخفى ، إلا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

(1) أثبتناها من ( أ ).

كفاية الأصول ـ 88 ـ
تذنيبان :
  الاول : لا ينبغي توهم الاجزاء في القطع بالامر في صورة الخطأ ، فإنه لا يكون موافقة للامر فيها ، وبقي الامر بلا موافقة أصلا ، وهو أوضح من أن يخفى ، نعم ربما يكون ما قطع بكونه مأمورا به مشتملا على المصلحة في هذا الحال ، أو على مقدار منها ، ولو في غير الحال ، غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منها ، ومعه لا يبقى مجال لامتثال الامر الواقعي ، وهكذا الحال في الطرق ، فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال الامر القطعي أو الطريقي للاجزاء ـ بل إنما هو لخصوصية اتفاقية في متعلقهما ، كما في الاتمام والقصر ، والاخفات والجهر .
  الثاني : لا يذهب عليك أن الاجزاء في بعض موارد الاصول والطرق والامارات ، على ما عرفت تفصيله ، لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه في تلك الموارد ، فإن الحكم الواقعي بمرتبته محفوظ فيها ، فإن الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ، ليس إلا الحكم الانشائي المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الاحكام للموضوعات بعناوينها الاولية ، بحسب ما يكون فيها من المقتضيات ، وهو ثابت في تلك الموارد كسائر موارد الامارات ، وإنما المنفي فيها ليس إلا الحكم الفعلي البعثي ، وهو منفي في غير موارد الاصابة ، وإن لم نقل بالاجزاء ، فلا فرق بين الاجزاء وعدمه ، إلا في سقوط التكليف بالواقع بموافقة الامر الظاهري ، وعدم سقوطه بعد انكشاف عدم الاصابة ، وسقوط التكليف بحصول غرضه ، أو لعدم إمكان تحصيله غير التصويب المجمع على بطلانه ، وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدت إليه الامارة ، كيف ؟ وكان الجهل بها ـ بخصوصيتها أو بحكمها ـ مأخوذا في موضوعها ، فلابد من أن يكون الحكم الواقعي بمرتبته محفوظا فيها ، كما لا يخفى .

كفاية الأصول ـ 89 ـ
فصل
في مقدمة الواجب

  وقبل الخوض في المقصود ، ينبغي رسم أمور :
  الاول : الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة ، البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ، فتكون مسألة أصولية ، لا عن نفس وجوبها ، كما هو المتوهم من بعض العناوين (1) ، كي تكون فرعية ، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الاصولي ، والاستطراد لا وجه له ، بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون عن المسائل الاصولية.
  ثم الظاهر أيضا أن المسألة عقلية ، والكلام في استقلال العقل بالملازمة وعدمه ، لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم(2) ، حيث استدل على النفي بانتفاء الدلالات الثلاث ، مضافا إلى أنه ذكرها في مباحث الالفاظ ، ضرورة (3) أنه إذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ثبوتا محل الاشكال ، فلا مجال لتحرير النزاع في الاثبات والدلالة عليها بأحدى الدلالات الثلاث ، كما لا يخفى.
  الامر الثاني : إنه ربما تقسم المقدمة إلى تقسيمات :
  منها : تقسيمها إلى داخلية وهي الاجزاء المأخوذة في الماهية المأمور بها ، والخارجية وهي الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد بدونه.

(1) كما في حاشية القزويني ( ره ) على القوانين ، وربما يتوهم من عنوان البدائع ، البدائع / 296 عند قوله أحدهما ... في آخر الصفحة.
(2) معالم الدين في الاصول / 61 ، في مقدمة الواجب.
(3) اشارة إلى ما اورده صاحب التقريرات على صاحب المعالم مطارح الانظار / 37 ، في مقدمة الواجب.

كفاية الأصول ـ 90 ـ
  وربما يشكل (1) في كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه ، بأن المركب ليس إلا نفس الاجزاء بأسرها.
  والحل : إن المقدمة هي نفس الاجزاء بالاسر ، وذو المقدمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع ، فيحصل المغايرة بينهما.
  وبذلك ظهر أنه لابد في اعتبار الجزئية أخذ الشيء بلا شرط ، كما لابد في اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع.
  وكون الاجزاء الخارجية كالهيولى والصورة ، هي الماهية المأخوذة بشرط لا ينافي ذلك ، فإنه إنما يكون في مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجية والتحليلية ، من الجنس والفصل ، وأن الماهية إذا أخذت بشرط لا تكون هيولى أو صورة ، وإذا أخذت لا بشرط تكون جنسا أو فصلا ، لا بالاضافة إلى المركب ، فافهم.
  ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع ، كما صرح به بعض (2) وذلك لما عرفت من كون الاجزاء بالاسر عين المأمور به ذاتا ، وإنما كانت المغايرة بينهما اعتبارا ، فتكون واجبة بعين وجوبه ، ومبعوثا إليها بنفس الامر الباعث إليه ، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر ، لامتناع اجتماع المثلين ، ولو قيل بكفاية تعدد الجهة ، وجواز اجتماع الامر والنهي معه ، لعدم تعددها ها هنا ، لان الواجب بالوجوب الغيري ، لو كان إنما هو نفس الاجزاء ، لا عنوان مقدميتها والتوسل بها إلى المركب المأمور به ، ضرورة أن الواجب بهذا الوجوب ما كان بالحمل الشائع مقدمة ، لانه المتوقف عليه ، لا عنوانها ، نعم يكون هذا العنوان علة لترشح الوجوب على المعنون.

(1) هو المحقق صاحب حاشية المعالم.
(2) وهو سلطان العلماء كما في بدائع الافكار / 299.

كفاية الأصول ـ 91 ـ
  فانقدح بذلك فساد توهم اتصاف كل جزء من أجزاء الواجب بالوجوب النفسي والغيري ، باعتبارين ، فباعتبار كونه في ضمن الكل واجب نفسي ، وباعتبار كونه مما يتوسل به إلى الكل واجب غيري ، اللهم إلا أن يريد أن فيه ملاك الوجوبين ، وإن كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه ، فتأمل (1) ، هذا كله في المقدمة الداخلية .
  وأما المقدمة الخارجية ، فهي ما كان خارجا عن المأمور به ، وكان له دخل في تحققه ، لا يكاد يتحقق بدونه ، وقد ذكر لها أقسام ، وأطيل الكلام في تحديدها بالنقض والابرام ، إلا أنه غير مهم في المقام .
  ومنها : تقسيمها إلى العقلية والشرعية والعادية :
  فالعقلية هي (2) ما استحيل واقعا وجود ذي المقدمة بدونه .
  والشرعية على ما قيل : ما استحيل وجوده بدونه شرعا ، ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية إلى العقلية ، ضرورة أنه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا ، إلا إذا أخذ فيه شرطا وقيدا ، واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده ، يكون عقليا.
  وأما العادية ، فإن كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة ، بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها ، إلا أن العادة جرت على الاتيان به بواسطتها ، فهي وإن كانت غير راجعة إلى العقلية ، إلا أنه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع .

(1) وجهه : إنه لا يكون فيه أيضا ملاك الوجوب الغيري ، حيث أنه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكل يتوقف على وجوده ، وبدونه لا وجه لكونه مقدمة ، كي يجب بوجوبه أصلا ، كما لا يخفى . وبالجملة : لا يكاد يجدي تعدد الاعتبار الموجب للمغايرة بين الاجزاء والكل في هذا الباب ، وحصول ملاك وجوب الغيري المترشح من وجوب ذي المقدمة عليها ، لو قيل بوجوبها ، فافهم ( منه قدس سره ).
(2) في ( أ و ب ) فهي .

كفاية الأصول ـ 92 ـ
  وإن كانت بمعنى أن التوقف عليها وإن كان فعلا واقعيا ، كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح ، إلا أنه لاجل عدم التمكن من الطيران الممكن عقلا فهي أيضا راجعة إلى العقلية ، ضرورة استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا ، وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا ، فافهم .
  ومنها : تقسيمها إلى مقدمة الوجود ، ومقدمة الصحة ، ومقدمة الوجوب ، ومقدمة العلم .
  لا يخفى رجوع مقدمة الصحة إلى مقدمة الوجود ، ولو على القول بكون الاسامي موضوعة للاعم ، ضرورة أن الكلام في مقدمة الواجب ، لا في مقدمة المسمى بأحدها ، كما لا يخفى .
  ولا إشكال في خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع ، وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها ، وكذلك المقدمة العلمية ، وإن استقل العقل بوجوبها ، إلا أنه من باب وجوب الاطاعة إرشادا ليؤمن من العقوبة على مخالفة الواجب المنجز ، لا مولويا من باب الملازمة ، وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذي المقدمة .
  ومنها : تقسيمها إلى المتقدم ، والمقارن ، والمتأخر ، بحسب الوجود بالاضافة إلى ذي المقدمة .
  وحيث أنها كانت من أجزاء العلة ، ولا بد من تقدمها بجميع أجزائها على المعلول أشكل الامر في المقدمة المتأخرة ، كالاغسال الليلية المعتبرة في صحة صوم المستحاضة عند بعض ، والاجازة في صحة العقد على الكشف كذلك ، بل في الشرط أو المقتضي المتقدم على المشروط زمانا المتصرم حينه ، كالعقد في الوصية والصرف والسلم ، بل في كل عقد بالنسبة إلى غالب أجزائه ، لتصرمها حين تأثيره ، مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا ، فليس إشكال انخرام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر في

كفاية الأصول ـ 93 ـ
  الشرعيات ـ كما اشتهر في الالسنة ـ بل يعم الشرط والمقتضي المتقدمين المتصرمين حين الاثر.
  والتحقيق في رفع هذا الاشكال أن يقال : إن الموارد التي توهم انخرام القاعدة فيها ، لا يخلو إما يكون المتقدم أو المتأخر شرطا للتكليف ، أو الوضع ، أو المأمور به .
  أما الاول : فكون أحدهما شرطا له ، ليس إلا أن للحاظه دخل في تكليف الامر ، كالشرط المقارن بعينه ، فكما أن اشتراطه بما يقارنه ليس إلا أن لتصوره دخلا في أمره ، بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعي إلى الامر ، كذلك المتقدم أو المتأخر.
  وبالجملة : حيث كان الامر من الافعال الاختيارية ، كان من مبادئه بما هو كذلك تصور الشيء بأطرافه ، ليرغب في طلبه والامر به ، بحيث لولاه لما رغب فيه ولما أراده واختاره ، فيسمى كل واحد من هذه الاطراف التي لتصورها دخل في حصول الرغبة فيه وإرادته شرطا ، لاجل دخل لحاظه في حصوله ، كان مقارنا له أو لم يكن كذلك ، متقدما أو متأخرا ، فكما في المقارن يكون لحاظه في الحقيقة شرطا ، كان فيهما كذلك ، فلا إشكال ، وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقا ولو كان مقارنا ، فإن دخل شيء في الحكم به وصحة انتزاعه لدى الحاكم به ، ليس إلا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه ، وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده ، فيكون دخل كل من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن ، فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن ؟ فتأمل تعرف .
  وأما الثاني : فكون شيء شرطا للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات المأمور به بالاضافة إليه وجه وعنوان ، به يكون حسنا أو متعلقا للغرض ، بحيث لولاها لما كان كذلك ، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات ، مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه ، والاضافة كما تكون إلى المقارن تكون إلى المتأخر أو المتقدم بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى على المتأمل ، فكما تكون إضافة شيء إلى مقارن له موجبا لكونه

كفاية الأصول ـ 94 ـ
  معنونا بعنوان ، يكون بذلك العنوان حسناو متعلقا للغرض ، كذلك إضافته إلى متأخر أو متقدم ، بداهة أن الاضافة إلى أحدهما ربما توجب ذلك أيضا ، فلو لا حدوث المتأخر في محله ، لما كانت للمتقدم تلك الاضافة الموجبة لحسنه الموجب لطلبه والامر به ، كما هو الحال في المقارن أيضا ، ولذلك أطلق عليه الشرط مثله ، بلا انخرام للقاعدة أصلا ، لان المتقدم أو المتأخر كالمقارن ليس إلا طرف الاضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن ، وقد حقق في محله أنه بالوجوه والاعتبارات ، ومن الواضح أنها تكون بالاضافات .
  فمنشأ توهم الانخرام إطلاق الشرط على المتأخر ، وقد عرفت أن إطلاقه عليه فيه ، كإطلاقه على المقارن ، إنما يكون لاجل كونه طرفا للاضافة الموجبة للوجه ، الذي يكون بذاك الوجه مرغوبا ومطلوبا ، كما كان في الحكم لاجل دخل تصوره فيه ، كدخل تصور سائر الاطراف والحدود ، التي لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة في التكليف ، أو لما صح عنده الوضع .
  وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الاشكال ، في بعض فوائدنا (1) ، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم ، فافهم واغتنم .
  ولا يخفى أنها بجميع أقسامها داخلة في محل النزاع ، وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق ، إذ بدونه لا تكاد تحصل الموافقة ، ويكون سقوط الامر بإتيان المشروط به مراعى بإتيانه ، فلولا اغتسالها في الليل ـ على القول بالاشتراط ـ لما صح الصوم في اليوم .
  الامر الثالث : في تقسيمات الواجب منها : تقسيمه إلى المطلق والمشروط .

(1) تعليقة المصنف على فرائد الاصول ، كتاب الفوائد / 302 ، فائدة في تقدم الشرط على المشروط.

كفاية الأصول ـ 95 ـ
  وقد ذكر لكل منهما تعريفات وحدود ، تختلف بحسب ما أخذ فيها من القيود .
  وربما أطيل الكلام بالنقض والابرام (1) في النقض على الطرد والعكس ، مع أنها ـ كما لا يخفى ـ تعريفات لفظية لشرح الاسم ، وليست بالحد ولا بالرسم.
  والظاهر أنه ليس لهم اصطلاح جديد في لفظ المطلق والمشروط ، بل يطلق كل منهما بما له من معناه العرفي ، كما أن الظاهر أن وصفي الاطلاق والاشتراط ، وصفان إضافيان لا حقيقيان ، وإلا لم يكد يوجد واجب مطلق ، ضرورة اشتراط وجوب كل واجب ببعض الامور ، لا أقل من الشرائط العامة ، كالبلوغ والعقل.
  فالحري أن يقال : إن الواجب مع كل شيء يلاحظ معه ، إن كان وجوبه غير مشروط به ، فهو مطلق بالاضافة إليه ، وإلا فمشروط كذلك ، وإن كانا بالقياس إلى شيء آخر كانا بالعكس.
  ثم الظاهر أن الواجب المشروط كما أشرنا إليه ، أن نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط ، بحيث لا وجوب حقيقة ، ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط ، كما هو ظاهر الخطاب التعليقي ، ضرورة أن ظاهر خطاب ( إن جاءك زيد فأكرمه ) كون الشرط من قيود الهيئة ، وأن طلب الاكرام وإيجابه معلق على المجيء ، لا أن الواجب فيه يكون مقيدا به ، بحيث يكون الطلب والايجاب في الخطاب فعليا ومطلقا ، وإنما الواجب يكون خاصا ومقيدا ، وهو الاكرام على تقدير المجيء ، فيكون الشرط من قيود المادة لا الهيئة ، كما نسب ذلك إلى شيخنا العلامة (2) أعلى الله مقامه ، مدعيا لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة

(1) مطارح الانظار / 43 ، الفصول / 79 ، هداية المسترشدين / 192 ، قوانين الاصول 1 / 100 ، البدائع / 304 .
(2) مطارح الانظار / 45 ـ 46 و 52 ، في مقدمة الواجب ، هو الشيخ مرتضى بن محمد امين الدزفولي الانصاري النجفي ، ولد في دزفول 1214 ، قرأ أوائل أمره على عمه الشيخ حسين ثم خرج مع والده إلى زيارة مشاهد العراق وهو في العشرين من عمره ، بقي في كربلاء آخذا عن الاستاذين السيد محمد مجاهد وشريف العلماء أربع

كفاية الأصول ـ 96 ـ
  واقعا ، ولزوم كونه من قيود المادة لبا ، مع الاعتراف بأن قضية القواعد العربية أنه من قيود الهيئة ظاهرا .
  أما امتناع كونه من قيود الهيئة ، فلانه لا إطلاق في الفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة ، حتى يصح القول بتقييده بشرط ونحوه ، فكل ما يحتمل رجوعه إلى الطلب الذي يدل عليه الهيئة ، فهو عند التحقيق راجع إلى نفس المادة .
  وأما لزوم كونه من قيود المادة لبا ، فلان العاقل إذا توجه إلى شيء والتفت إليه ، فإما أن يتعلق طلبه به ، أو لا يتعلق به طلبه أصلا ، لا كلام على الثاني .
  وعلى الاول : فإما أن يكون ذاك الشيء موردا لطلبه وأمره مطلقا على اختلاف طوارئه ، أو على تقدير خاص ، وذلك التقدير ، تارة يكون من الامور الاختيارية ، وأخرى لا يكون كذلك ، وما كان من الامور الاختيارية ، قد يكون مأخوذا فيه على نحو يكون موردا للتكليف ، وقد لا يكون كذلك ، على اختلاف الاغراض الداعية إلى طلبه والامر به ، من غير فرق في ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد ، والقول بعدم التبعية ، كما لا يخفى ، هذا موافق لما أفاده بعض الافاضل (1) المقرر لبحثه بأدنى تفاوت .

سنوات ، ثم عاد إلى وطنه ، ثم رجع إلى العراق واخذ من الشيخ موسى الجعفري سنتين ، عزم زيارة مشهد خراسان مارا في طريقه على كاشان ، فاز بلقاء استاذه النراقي مما دعاه إلى الاقامة فيها نحو ثلاث سنين ، ورد دزفول سنة 1214 ثم عاد إلى النجف الاشرف سنة 1249 فاختلف إلى مدرسة الشيخ علي بن الشيخ جعفر ، ثم انتقل بالتدريس والتاليف ، ووضع اساس علم الاصول الحديث ، تخرج عليه الميرزا الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي وغيرهما له مؤلفات منها ( الرسائل ) في الاصول و ( المكاسب ) انتهت إليه رئاسة الامامية ، توفي في 18 جمادي الاخرة سنة 1281 ودفن في المشهد الغروي ( اعيان الشيعة 10 / 117 ).
(1) هو العلامة الميرزا أبو القاسم النوري ( ره ) ، على ما في مطارح الانظار ، كما تقدم آنفا.

كفاية الأصول ـ 97 ـ
  ولا يخفى ما فيه ، أما حديث عدم الاطلاق في مفاد الهيئة ، فقد حققناه سابقا (1) ، إن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها ، وإنما الخصوصية من قبل الاستعمال كالاسماء ، وإنما الفرق بينهما أنها وضعت لتستعمل وقصد بها معانيها بما هي آلة وحالة لمعاني المتعلقات ، فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارئ المعنى ، بل من مشخصات الاستعمال ، كما لا يخفى على أولي الدراية والنهى ، فالطلب المفاد من الهيئة المستعملة فيه مطلق ، قابل لان يقيد .
  مع أنه لو سلم أنه فرد ، فانما يمنع عن التقيد لو أنشئ أولا غير مقيد ، لا ما إذا أنشئ من الاول مقيدا ، غاية الامر قد دل عليه بدالين ، وهو غير إنشائه أولا ثم تقييده ثانيا ، فافهم .
 فإن قلت : على ذلك ، يلزم تفكيك الانشاء من المنشأ ، حيث لا طلب قبل حصول الشرط .
  قلت : المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله ، فلابد أن لا يكون قبل حصوله طلب وبعث ، وإلا لتخلف عن إنشائه ، وإنشاء أمر على تقدير كالاخبار به بمكان من الامكان ، كما يشهد به الوجدان ، فتأمل جيدا .
  وأما حديث (2) لزوم رجوع الشرط إلى المادة لبا ففيه : إن الشيء إذا توجه إليه ، وكان موافقا للغرض بحسب ما فيه من المصلحة أو غيرها ، كما يمكن أن يبعث فعلا إليه ويطلبه حالا ، لعدم مانع عن طلبه كذلك ، يمكن أن يبعث إليه معلقا ، ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول لاجل مانع عن الطلب

(1) راجع صفحة 11 و 12 من هذا الكتاب ، الامر الثاني في تعريف الوضع.
(2) هذه هي الدعوى الايجابية التي ادعاها الشيخ ( قده ) ، من رجوع الشرط إلى المادة لبا ، مطارح الانظار / 52 ، في مقدمة الواجب.

كفاية الأصول ـ 98 ـ
  والبعث فعلا قبل حصوله ، فلا يصح منه إلا الطلب والبعث معلقا بحصوله ، لا مطلقا ولو متعلقا بذاك على التقدير ، فيصح منه طلب الاكرام بعد مجيء زيد ، ولا يصح منه الطلب المطلق الحالي للاكرام المقيد بالمجيء ، هذا بناء على تبعية الاحكام لمصالح فيها في غاية الوضوح .
  وأما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد في المأمور به ، والمنهي عنه فكذلك ، ضرورة أن التبعية كذلك ، إنما تكون في الاحكام الواقعية بما هي واقعية ، لا بما هي فعلية ، فإن المنع عن فعلية تلك الاحكام غير عزيز ، كما في موارد الاصول والامارات على خلافها ، وفي بعض الاحكام في أول البعثة ، بل إلى يوم قيام القائم عجل الله فرجه ، مع أن حلال محمد ( صلى الله عليه وآله ) حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، ومع ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الاحكام باقيا مر الليالي والايام ، إلى أن تطلع شمس الهداية ويرتفع (1) الظلام ، كما يظهر من الاخبار المروية (2) عن الائمة ( عليهم السلام ).
  فان قلت : فما فائدة الانشاء ؟ إذا لم يكن المنشأ به طلبا فعليا ، وبعثا حاليا .
  قلت : كفى فائدة له أنه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط ، بلا حاجة إلى خطاب آخر ، بحيث لولاه لما كان فعلا متمكنا من الخطاب ، هذا مع شمول الخطاب كذلك للايجاب فعلا بالنسبة إلى الواجد للشرط ، فيكون بعثا فعليا بالاضافة إليه ، وتقديريا بالنسبة إلى الفاقد له ، فافهم وتأمل جيدا .

(1) في ( ب ) : ( وارتفع الظلام ).
(2) الكافي : 1 ، كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقاييس الحديث 19 ، الكافي : 2 كتاب الايمان والكفر ، باب الشرائع ، الحديث 2 مع اختلاف يسير .

كفاية الأصول ـ 99 ـ
  ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية للواجب المشروط ، في محل النزاع (1) أيضا ، فلا وجه لتخصيصه بمقدمات الواجب المطلق ، غاية الامر تكون في الاطلاق والاشتراط تابعة لذي المقدمة كأصل الوجوب بناء على وجوبها من باب الملازمة .
  وأما الشرط المعلق عليه الايجاب في ظاهر الخطاب ، فخروجه مما لا شبهة فيه ، ولا ارتياب :
  أما على ما هو ظاهر المشهور والمتصور ، لكونه مقدمة وجوبية.
  وأما على المختار لشيخنا العلامة (2) ـ أعلى الله مقامه ـ فلانه وإن كان من المقدمات الوجودية للواجب ، إلا أنه أخذ على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه ، فانه جعل الشيء واجبا على تقدير حصول ذاك الشرط ، فمعه كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب ؟ وهل هو إلا طلب الحاصل ؟ نعم على مختاره ـ قدس سره ـ لو كانت له مقدمات وجودية غير معلق عليها وجوبه ، لتعلق بها الطلب في الحال على تقدير اتفاق وجود الشرط في الاستقبال ، وذلك لان إيجاب ذي المقدمة على ذلك حالي ، والواجب إنما هو استقبالي ، كما يأتي في الواجب المعلق (3) ، فإن الواجب المشروط على مختاره ، هو بعينه ما اصطلح عليه صاحب الفصول (4) من المعلق ، فلا تغفل ، هذا في غير المعرفة والتعلم من المقدمات .
  وأما المعرفة ، فلا يبعد القول بوجوبها ، حتى في الواجب المشروط ـ بالمعنى المختار ـ قبل حصول شرطه ، لكنه لا بالملازمة ، بل من باب استقلال

(1) كما في مطارح الانظار / 44.
(2) من رجوع الشرط إلى المادة لبا ، مطارح الانظار / 45 ـ 46 و 52 ، في مقدمة الواجب .
(3) سيأتي في الصفحة 103 من هذا الكتاب ، عند قوله : وربما أشكل ... الخ.
(4) الفصول / 79 في آخر الصفحة.

كفاية الأصول ـ 100 ـ
  العقل بتنجز الاحكام على الانام بمجرد قيام احتمالها ، إلا مع الفحص واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف ، فيستقل بعده بالبراءة ، وإن العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان ، والمؤاخذة عليها بلا برهان ، فافهم .
  تذنيب : لا يخفى أن إطلاق الواجب على الواجب المشروط ، بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة مطلقا ، وأما بلحاظ حال قبل حصوله فكذلك على الحقيقة على مختاره (1) ـ قدس سره ـ في الواجب المشروط ، لان الواجب وإن كان أمرا استقباليا عليه ، إلا أن تلبسه بالوجوب في الحال ، ومجاز على المختار ، حيث لا تلبس بالوجوب عليه قبله ، كما عن البهائي (2) ( رحمه الله ) تصريحه بأن لفظ الواجب مجاز في المشروط ، بعلاقة الاول أو المشارفة.
  وأما الصيغة مع الشرط ، فهي حقيقة على كل حال لاستعمالها على مختاره (3) ـ قدس سره ـ في الطلب المطلق ، وعلى المختار في الطلب المقيد ، على نحو تعدد الدال والمدلول ، كما هو الحال فيما إذا أريد منها المطلق المقابل للمقيد ، لا المبهم المقسم ، فافهم.
  ومنها : تقسيمه إلى المعلق والمنجز ، قال في الفصول (4) : إنه ينقسم

(1) مطارح الانظار / 45 ـ 46 و 52 في مقدمة الواجب.
(2) زبدة الاصول / 46 مخطوط .
هو بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الجبعي العاملي ، ولد في بعلبك عام 953 ه‍ ، انتقل به والده وهو صغير إلى الديار العجمية ، أخذ عن والده وغيره من الجهابذة ، ولي بها شيخ الاسلام ، ثم أخذ في السياحة ثلاثين سنة ، واجتمع في أثناء ذلك بكثير من أرباب الفضل ، ثم عاد وقطن بأرض العجم ، له كتب كثيرة منها ( الحبل المتين ) و ( الزبدة ) في الاصول و ( حاشية الشرح العضدي على مختصر الاصول ) وغيرها ، له شعر كثير بالعربية والفارسية ، قال تلميذه العلامة المولى محمد تقي المجلسي : ما رأيت بكثرة علومه ووفور فضله وعلو مرتبته أحدا ، توفي سنة 1031 ، ( أمل الآمل 1 / 155 رقم 158 ) (3) راجع المصدر المتقدم في هامش رقم ( 1 ) .
(4) الفصول / 79 آخر الصفحة .