118 ـ قال : أخبرنا حجاج بن محمد ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمران بن موسى ، قال : أخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه : انه رأى أبا رافع مولى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر بحسن بن علي وحسن يصلي قائماً قد غرز ضفريه في قفاه ، فحلها أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضباً ، فقال أبو رافع : أقبل على صلاتك ولا تغضب ، فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ذلك كفل الشيطان ـ يعني : مقعد الشيطان ، يعني : مغرز ضفريه ـ (1) .
119 ـ قال : أخبرنا مالك بن اسماعيل ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا مخوّل ، عن أبي سعيد : ان أبا رافع أتى الحسن بن علي وهو يصلي عاقصاً رأسه فحله فأرسله ، فقال له الحسن : ما حملك على هذا يابا رافع ؟ قال : سمعت رسول ( الله صلى الله عليه وسلم ) ـ أو قال : قال رسول ( الله صلى الله عليه وسلم ) ، شك زهير ـ : لا يصلي الرجل عاقصاً رأسه (2) .
120 ـ قال : أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن مستقيم بن عبد الملك ، قال : رأيت الحسن والحسين شابا ولم يختضبا ، ورأيتهما يركبان البراذين ، ورأيتهما يركبان بالسروج المنمرة (3) .

---------------------------
(1 و 2) ليس أبو رافع بأعلم بأحكام الاسلام من ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بل الحسن ( عليه السلام ) أعرف بشريعة جده وبمعالم دينه وقد نشأ في أحضان جده المشرع الاقدس وفي بيته ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، فكان على أبي رافع أن يسأل الحسن ( عليه السلام ) عن ذلك فلعله يجد عنده علماً لم يصل إليه وقد قال ( صلى الله عليه وآله ) عن أهل بيته ـ كما في بعض ألفاظ حديث الثقلين وبعض طرقه ـ : « فلا تسبقوهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم » ، أخرجه السخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف الورقة 24 | أ ، والسمهودي في جواهر العقدين الورقة 86 | ب .
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن زيد بن أرقم حديث الثقلين والغدير برقم 4971 وفيه : « فلا تقدموهما فتهكلوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » ، ورواه عن الطبراني كل من السيوطي في الدر المنثور 2 | 60 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف الورقة 21 | ب ، والسمهودي في جواهر العقدين الورقة 84 | ب ، وابن حجر في الصواعق ص 89 ، والمتقي في كنز العمال .
(3) وأخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3 | 8 بإسناده عن مستقيم إلى قوله : وما يخضبان ؛ والسروج المنمرة : المتخذة من جلود النمر .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 59 _

ذكر خاتم الحسن والحسين والخضاب :
121 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ابن محمد ، عن أبيه : ان الحسن والحسين كانا يتختمان في يسارهما !
122 ـ قال : أخبرنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر ، عن أبيه : ان الحسن بن علي تختم في اليسار ! (1) .
123 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : كان في خاتم الحسن والحسين ذكر الله .
124 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن قيس ـ مولى خباب ـ قال : رأيت الحسن يخضب بالسواد (2).
125 ـ قال : أخبرنا حجاج بن نصير ، قال : حدثنا اليمان بن المغيرة ، قال : حدثني مسلم بن أبي مريم ، قال : رأيت الحسن بن علي يخضب بالسواد .
126 ـ قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار : ان الحسن كان يخضب بالسواد .
127 ـ قال : أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا أبو الربيع السمان ، عن عبد الله بن أبي يزيد ، قال : رأيت الحسن بن علي قد خضب بالسواد وعنفقته غراء بيضاء (3) .

---------------------------
(1) كان في الاصل : أخبرنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا معن بن عيسى ، فحذفنا المتكرر.
(2) رواه البخاري في التاريخ الكبير 7 | 151 في ترجمة قيس ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين . . . وفيه : رأيت الحسن والحسين يخضبان بالسواد ، وبهذا اللفظ رواه الطبراني في المعجم الكبير 3 | 102 عن علي بن عبدالعزيز عن أبي نعيم ، فكأن ابن سعد قسمه شطرين فجعله في الترجمتين ، وسيأتي في ترجمة الحسين ( عليه السلام ) برقم 265 بهذا السند نفسه : رأيت الحسين يخضب بالسواد .
(3) العنفقة : الشعر الذي في الشفة السفلى ، وقيل : الشعر الذي بينها وبين الذقن .
النهاية لابن الاثير 3 | 309 ، واورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 268 / 3 ، الى قوله : بالسواد .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 60 _

128 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى وأحمد بن عبد الله بن يونس ، قالا : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو الاصم ، قال : قلت للحسن ابن علي : إن هذه الشيعة تزعم أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة ؟ قال : كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله (1) .
129 ـ قال : أخبرنا كثير بن هشام ، قال : حدثنا جعفر بن برقان ، قال : سمعت ميمون بن مهران قال : إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين ؛ بايعهم على الامرة ، وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه ويرضوا بما رضي به .
130 ـ قال : أخبرنا محمد بن عبيد ، قال : حدثني صدقة بن المثنى ، عن جده رياح بن الحارث ، قال : إن الحسن بن علي قام بعد وفاة علي ( رضي الله عنهما ) فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن كل ما هو آت قريب ، وإن أمر الله واقع وإن كره الناس ، وإني والله ما أحببت أن ألِيَ من أمركم ـ امة محمد ـ ما يزن مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم ، قد علمت ما يضرني مما ينفعني فالحقوا بطيتكم (2) .

---------------------------
(1) ورواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه 1 | 148 وبرقم 1265 ، وفي مناقب علي ـ لابيه أيضاً ـ برقم 344 بإسناد آخر ، وفي المناقب أيضاً برقم 250 من زيادات القطيعي رواه عن عبدالله بن الحسن عن علي بن الجعد ، عن زهير .
وهذا هو القول بالرجعة الذي تؤمن به الشيعة تبعاً لما ثبت لديهم بطرق كثيرة عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد امرنا باتباعهم والتمسك بهم ، والرجعة هو رجوع بعض الائمة بعد ظهور الامام المهدي ( عليه السلام ) ورجوع من محض الايمان محضاً ومن محض الكفر محضاً إلى دار الدنيا ، وهو أمر سمعي ثبت بالسمع والادلة النقلية ، وهذه الرواية تدلنا على أن هذه العقيدة كانت معروفة عند الشيعة منذ عهد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد ألف في ذلك علماؤنا منذ القرن الثالث في إثباب الرجعة رسائل كثيرة .
وقد شنع علينا بذلك منذ القدم إخواننا العامة ، ولا ضير في ذلك ، فليس بدعاً من بقية ما ورد النقل به عند الفريقين من الآيات والعلامات قبل يوم القيامة مما يعرف عندهم بأشراط الساعة ، وهي مخرجة في الصحاح والسنن والمسانيد وصنفت فيها كتب خاصة .
فليس في العقل ما يمنع من ذلك إذا ثبت بالسمع ، وكل ذلك في مقدور الله سبحانه ، فما ثبت منها بالادلة السمعية وجب الايمان به ، وقد قص الله علينا في كتابه الكريم خبر الوف خرجوا حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم .
(2) رواه أحمد بن حنبل في الفضائل 1364 عن يحيى بن سعيد ، عن صدقة . . . ورواه ابن عساكر برقم 313 بإسناده عن أحمد ، وفيهما : « فالحقوا بمطيتكم » .
رياح ، ضبطه ابن ماكولا في الاكمال 4 | 14 بالياء ، فقال : وأما رياح ـ بكسر الراء وفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها ـ فهو رياح بن الحارث . . .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 61 _

131 ـ قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن هلال ابن يساف ، قال : سمعت الحسن بن علي وهو يخطب وهو يقول : يا أهل الكوفة ، اتقوا الله فينا ، فإنّا امراؤكم وإنّا أضيافكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » [ الاحزاب :33 ] .
قال : فما رأيت يوما قط أكثر باكياً من يومئذ (1) .
132 ـ قال : أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي ، قال : أخبرنا شعبة ، عن يزيد ابن خمير ، قال : سمعت عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي يحدث عن أبيه ، قال : قلت للحسن بن علي : إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة ؟ ! فقال : كانت جماجم العرب بيدي ، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم اثيرها بأتياس أهل الحجاز ؟ ! (2) .

---------------------------
(1) رواه ابن عساكر برقم 307 بإسناده عن ابن سعد ، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 | 270 ، وهذه الخطبة خطبها ( عليه السلام ) بعد ما طعنوه في فخذه كما يأتي في الصفحة الآتية فراجع ، وأما الاية الكريمة ونزولها في الخمسة أهل البيت ( عليهم السلام ) فشيء متواتر مروي بطرق لا تحصى عن جماعة من الصحابة تجدها في كتب التفسير والحديث والرجال والتاريخ والادب ، راجع مثلاً : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي .
(2) وهذه أخطر تهمة توجه إلى أحد في ذلك العصر ، بل في كل العصور وحتى الان فأراد الحسن عليه السلام أن يبرىء نفسه بأبلغ ما يمكنه ، ولو كان الناس يدافعون عن حقوق آل محمد ويحاربون من حاربوا لما آل الامر إلى ما تعلمون ، بل خذلوهم وأسلموهم حتى أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يسطع أن ينهض بهؤلاء لحرب معاوية فكيف بابنه الحسن ! والحديث أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة رقم 103 ، ورواه ابن عساكر برقم 331 باسناده عن ابن سعد ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 | 170 بإسناده عن غندر ، عن شعبة ، وصححه هو والذهبي ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 2 | 37 من طريق أحمد ، عن غندر ، وأورده الحافظ المزي في تهذيب الكمال ، وابن حجر في تهذيب التهذيب 2 | 300 ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، وفي سير أعلام النبلاء 3 | 274 ، عن أبي داود الطيالسي في مسنده ، وابن أبي حاتم في علل الحديث ، وفي التقريب 2 | 364 : يزيد بن خمير ـ بمعجمة مصغراً ـ : الرحبي ، بمهملة ساكنة : أبو عمرالحمصي ، صدوق . . .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 62 _

133 ـ قال : أخبرنا أبو عبيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، وعن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، وعن أبي السفر وغيرهم ، قالوا : بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ، ثم قالوا له : سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس امورهم فإنّا نرجوا أن يمكن الله منهم .
   فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس ، وقال غيره : وجه إلى الشام عبيد الله بن العباس ومعه قيس بن سعد ، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والانبار وناحيتها ، وسار الحسن حتى نزل المدائن ، وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج .
   فبينما الحسن بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره : ألا إن قيس بن سعد قد قتل ! قال : فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره ! ! وطعنه رجل من بني أسد ـ يقال له : ابن اقيصر ـ بخنجر مسموم في إليته ، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الابيض ـ قصر كسرى ـ ، وقال : عليكم لعنة الله من أهل قرية ، قد علمت أن لا خير فيكم ، قتلتم أبي بالامس واليوم تفعلون بي هذا .
ثم دعا عمر بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الامر على أن يسلم له ثلاث خصال : يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته ، ولا يسب علي وهو يسمع ، وأن يحمل إليه خراج فسا وداراب جرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي ؛ فأجابه معاوية إلى ذلك واعطاه ما سأل .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 63 _

   ويقال : بل أرسل الحسن بن علي عبد الله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل ، وأرسل معاوية عبد الله بن عامر بن كريز وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ، ووثقا له ، فكتب إليه الحسن أن أقبل فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل في اليوم السادس فسلم إليه الحسن الامر وبايعه ، ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر ونزل معاوية النخيلة ، فأتاه الحسن في عسكره غيره مرة ووفي معاوية للحسن ببيت المال وكان فيه يومئذ ستة آلاف ألف درهم واحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة ، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع .
   ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقال : لا يحمل فيئنا إلى غيرنا ـ يعنون خراج فسا وداراب جرد ـ ! فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين (1) .
134 ـ قال : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن أبي جميلة : ان الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر ، وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد وحسن ساجد ، قال حصين : وعمي أدرك ذاك .
قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ، ثم برأ ، فقعد على المنبر فقال : يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا ، فإنّا امراؤكم وضيفانكم ، أهل البيت الذين قال الله : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » [ الاحزاب : 33 ] .

---------------------------
(1) رواه ابن عساكر برقم 298 ، والمزي في تهذيب الكمال 246/6، كلاهما عن ابن سعد ، وفي الثاني : محمد ابن عبيد .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 64 _

   قال : فما زال يقول ذاك حتى ما رئي أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يخنّ بكاء (1) .
135 ـ قال : أخبرنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا عون بن موسى ، قال : سمعت هلال بن خباب يقول : جمع الحسن بن علي رؤوس أصحابه في قصر المدائن فقال : يا أهل العراق ، لو لم تذهل نفسي عنكم إلاّ لثلاث خصال لذهلت ، مقتلكم أبي ، ومطعنكم بغلتي ، وانتهابكم ثقلي ـ أو قال : ردائي عن عاتقي ـ ، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا ، قال : ثم نزل فدخل القصر (2) .
136 ـ قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حريز بن عثمان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي ، قال : لما بايع الحسن بن علي معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي عمرو بن سفيان : لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلم عيي عن المنطق ! فيزهد فيه الناس .

---------------------------
(1) لما رأى الحسن ( عليه السلام ) أنه مع مسالمته وحقنه للدماء واعتزاله الامر ، ومع كون أبيه خليفتهم ، وامه بنت نبيهم ( على تقدير غض النظر عن كل فضائله ) لم يسلم منهم وطعنوه ونهبوا متاعه ، ولم يمنعه منهم مكانه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! أتاهم من قبل إثارة عواطفهم فذكرهم أنهم عرب ! ولا أقل من أنه حجازي ضيف على أهل العراق والعرب لا تسيء إلى ضيوفها ! ولذلك تراه هيج عواطفهم بحيث لا يرى أحد في المسجد إلاّ ويخنّ بكاء .
والخنين : هو البكاء دون النحيب ، وقد تقدم تفسيره في التعليق رقم 51 ، والحديث رواه ابن عساكر برقم 304 بإسناده عن ابن سعد ، وتقدم نحوه في صفحة 167 ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3 | 96 برقم 2761 ، وعنه في مجمع الزوائد 9 | 172 .
(2) رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 2 | 753 عن سعيد بن منصور ، عن عون ، باختلاف يسير إلى قوله : عن عاتقي ، وأورده ابن حجر في الاصابة 1 | 330 عن يعقوب بن سفيان من قوله : وإنكم قد بايعتموني . . . ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 1|139 بطرقه عن يعقوب بن سفيان ، وعن ابن سعد ، وكان في الاصل : وأن تسالمون من سالمت وتحاربون . . .
وليراجع بشأن هذه الروايات وما بمعناها كتاب « صلح الحسن » للشيخ راضي آل ياسين ـ رحمه الله ـ المطبوع مكررا فقد كفى وشفى .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 65 _

   فقال معاوية : لا تفعلوا ، فوالله لقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يمص لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أو شفتين ، فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ثم أمر الحسن فصعد وأمره أن يخبر الناس أني قد بايعت معاوية .
   فصعد الحسن المنبر فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ، إن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم ، وأن يوفر عليكم غنائمكم ، وأن يقسم فيكم فيئكم ، ثم أقبل على معاوية فقال : كذاك ؟ قال : نعم ، ثم هبط من المنبر وهو يقول ـ ويشير باصبعه إلى معاوية ـ : « وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » فاشتد ذلك على معاوية .
   فقالا : لو دعوته فاستنطقته ، فقال : مهلاً ، فأتوا فدعوه ، فأجابهم فأقبل عليه عمرو بن العاص ، فقال له الحسن : أما أنت فقد اختلف فيك رجلان رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيهما أبوك ! وأقبل عليه أبو الاعور السلمي ، فقال له الحسن : ألم يلعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان ؟ !
   ثم أقبل معاوية يعين القوم ، فقال له الحسن : أما علمت أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لعن قائد الاحزاب وسائقهم ، وكان أحدهما أبو سفيان والاخر أبو الاعور السلمي ؟ ! (1) .

---------------------------
(1) رواه ابن عساكر في ترجمة أبي الاعور السلمي عمرو بن سفيان من تأريخه بإسناده عن ابن سعد ، وأورده الذهبي في تاريخ الاسلام 39 / 4 في ترجمة الحسن عليه السلام ، وكان في الاصل : جرير ، والصحيح : حريز ، قال ابن حجر في التقريب : حريز ، بفتح أوله وكسر الراء وآخره زاي .
وحريز هذا كان ناصبياً يبغض علياً ( عليه السلام ) ويلعنه كل صباح ومساء ، فهو عندهم أثبت الشاميين ثقة ثقة ! ولقد عاتب الله يزيد بن هارون لروايته عن حريز ، راجع تهذيب التهذيب 2 | 239 ، وعبقات الانوار 1 | 445 .
الرواية رواها الطبراني في المعجم الكبير 20 | 71 رقم 2699 بأوجز مما هنا ، وعنه في مجمع الزوائد 9 | 177 وروى البلاذري في أنساب الاشراف القسم الرابع ، الجزء الأول، تحقيق احسان عباس ص 129 .
حدثنا خلف ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة ـ مولى ام سلمة ـ : ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان جالساً فمر أبو سفيان على بعير ، ومعاوية وأخ له ، أحدهما يقود البعيروالاخر يسوقه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق .
وانظر : المعجم الكبير 3 | 71 ، ومجمع الزوائد 7 | 242 و 9 | 178 ، وتأريخ دمشق لابن عساكر ترجمة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي هريرة .
  وأما لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رعلاً وذكوان فقد روى الحفاظ وأئمة الحديث والتأريخ في كتبهم أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقنت شهراً في صلاة الصبح يلعن رعلاً وذكوان ويدعو عليهم ؛ راجع صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ، فقد روى عدة أحاديث في ذلك ، وفي الفائق 3 | 227 ـ في قنت ـ بعد ذكر الحديث : رعل وذكوان : قبيلتان من قبائل سليم بن منصور بن عكرمة بن خصنة بن قيس عيلان ، ومنهم عمرو بن سفيان أبو الاعور السلمي ، ولذلك أخرج ابن عساكر هذا الحديث في ترجمته من تأريخه بأربع طرق .
وقد حذف ابن سعد مقالة المنافقين فلم يذكرها ، وقد رواها الزبير بن بكار بطولها في كتاب « المنافرات والمفاخرات » ، وعنه نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6 | 285 ـ 294 .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 66 _

137 ـ قال : أخبرنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن محمد ، قال : لما كان زمن ورد معاوية الكوفة واجتمع الناس عليه وبايعه الحسن بن علي ، قال: قال أصحاب معاوية لمعاوية ـ عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وأمثالهما من أصحابه ـ : إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس لقرابته من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانه حديث السن عيي ! فمره فليخطب ، فإنه سيعيا في الخطبة فيسقط من أنفس الناس ! فأبى عليهم فلم يزالوا به حتى أمره ، فقام الحسن بن علي على المنبر دون معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابلص رجلاً جده نبي غيري وغير أخي لم تجدوه ، وإنّا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن ما حقن دماء المسلمين خير مما أهراقها ، والله ما أدري « لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » وأشار بيده إلى معاوية .

ترجمة الامام الحسن ( عليه السلام ) _ 67 _

   قال : فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عييّة فاحشة ثم نزل ، وقال له : ما أردت بقولك : « فتنة لكم ومتاع إلى حين » ؟ ! قال : أردت بها ما أراد الله بها (1) .
138 ـ قال هوذة : قال عوف : وحدثني غير محمد أنه بعد ما شهد شهادة الحق قال : أما بعد ، فإن علياً لم يسبقه أحد من هذه الامة من أولها بعد نبيها ، ولن يلحق به أحد من الاخرين منهم ، ثم وصله بقوله الاول (2) .
139 ـ قال : أخبرنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبي ، قال : لما سلّم الحسن بن علي الامر لمعاوية قال له : اخطب الناس ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور ، وإن هذا الامر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما حق كان أحق به مني ، وإما حق كان لي فتركته التماس الصلاح لهذه الامة « وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ » [الانبياء : 111 ] (3) .
140 ـ قال : أخبرنا محمد بن سليم العبدي ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن هزان ، قال : قيل للحسن بن علي : تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة ؟ ! فقال : إني اخترت العار على النار (4) .
141 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، قال : دخل رجل على الحسن بالمدينة وفي يده صحيفة فقال : ما هذه ؟ قال : من معاوية يعد فيها ويتوعّد ، قال : قد كنت على النصف منه ، قال : أجل ، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو اكثر من ذلك أو أقل .

---------------------------
(1) رواه ابن عساكر في تأريخه برقم 320 بإسناده عن ابن سعد ، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 452 / 11 ، وأحمد في الفضائل 1355 موجزاً والطبراني في المعجم الكبير 89 / 3 رقم 2748 ، وكذا الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 | 271 ، ويأتي في معناه ف صفحة 176 ويأتي في تعليقه شرح جابلق وجابرس .
(2) رواه ابن عساكر برقم 321 بإسناده عن ابن سعد ، وهذه الجملة من خطبته في تأبين أبيه يوم مقتله ولعله كررها هنا أيضاً .
(3) رواه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3 | 13 برقم 2559، وأبو نعيم في الحلية 2 | 37 .
(4) رواه ابن عساكر في تاريخه ص 177 عن ابن سعد .