، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله في قضية مستفيضة ، وحسبك منها ما ذكره عبد ربه المالكي(فيما يأخذ به السلطان من الحزم والعزم من أوائل الجزء الأول من عقده الفريد) إذ قال ـ وقد ذكر عمرـ: ثمّ دعا أبا هريرة ، فقال له: علمت اني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني انك ابتعت افراساً بالف دينار وستمائة دينار ، قال: كانت له أفراس تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال: حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده قال: ليس لك ذلك ، قال: بلا والله وأوجع ظهرك ثم قال اليه بالدرة فضربه حتى أدماه ثم قال: ائت بها؛ قال : احتسبها عند الله قال : ذلك لو أخذتها من حلال وأديتها طائعاً ، أجئت من أقصى حجر البحرين يجي الناس لك لا لله ولا للمسلمين ؟ مارجّعت
بك اميمة إلا لرعية الحمر.
قال ابن عبدربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: ياعدو الله وعدو كتابه سرقت مال الله ؟ قال فقلت: ما أنا عدو الله وعدو كتابه ولكني عدو من عاداك وما سرقت مال الله، قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف ؟ قال فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت قال: فقبضها مني فلما صليت الصبح استغفرت لأمير المؤمنين الحديث ، وقد أورده ابن أبي الحديد إذ ألم بشئ من سيرة عمر في المجلد الثالث من شرح النهج
وأخرجه ابن سعد في ترجمة أبي هريرة من طبقاته الكبرى
(1) من طريق محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال لي عمر: يا عدو الله وعدو كتابه أسرقت مال الله إلى آخر الحديث ، وأورده ابن حجر العسقلاني في ترجمة أبي هريرة من أصابته فجؤره عطفاً على أبي هريرة تحويراً خالف فيه الحقيقة الثابتة باتفاق أهل العلم، وذهل عما يستلزمه ذلك التحوير من الطعن بمن ضرب ظهره فادماه وأخذ ماله وعزله.
على عهد عثمان
أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية على عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف الى آل أبي معيط، فكان له بسبب ذلك شأن، ولاسيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبوهريرة معه ، وبهذا نال نضارة بعد الذبول ونباهة بعد الخمول.
سنحت في تلك الفتنة فرصة الانضواء الى الدار فأسدى بها الى آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يداً كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم ، فنضوا عنه دثار الخمول واشادوا بذكره ، على أنه لم يخف عليهم كونه ما استسلم الى الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة. كما قال بعض معاصريه في رثائه:
فكيف يديه ثم أغلق بابه وأيقن أن الله ليس بغافل |
وقال لأهل الدار لاتقتلوهم * عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
وانما فعل ذلك احتياطاً على نفسه واحتفاظاً بأصحابه ، وكان أبو هريرة
---------------------------
(3) ص 90 من قسمها الثاني من جزئها الرابع.
أبو هريرة
_ 29 _
على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان ، وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين ، ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته، وأكب بعدها بنو أمية وأولياؤهم على السماع منه ، فلم يألوا جهداً في نشر حديثه ، والاحتجاج به ، وكان ينزل فيه على ما يرغبون .
وكان مما حدثهم به عن رسول الله صلى الله عليه واله إن لكل نبي خليلا من أمته وان خليلي عثمان
(1) ، وقال
(2): سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: عثمان حي تستحي منه الملائكة.
ورووا عنه ورفوعاً: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان
(3) ، ورووا عنه مرفوعاً أيضاً: أتاني جرئيل فقال لي: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية الحديث
(4).
---------------------------
(1) أهل العلم كافة متصافقون على بطلان هذا الحديث، لكن أولياء أبي هريرة يحيلون الآفة به على اسحاق بن نجيع الملطي أحد رجال سنده إلى أبي هريرة، وقد أورده الذهبي في ترجمة اسحاق من ميزان الاعتدال جازماً ببطلانه.
(2) فيما أخرجه ابن كثير عند ذكر فضائل عثمان في حوادث سنة 35 ص 203 من الجزء السابع من كتابه ( البداية والنهاية ).
(3) هذا الحديث باطل بالاجماع، وأولياء أبي هريرة يحيلون الآفة فيه على عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان أحد سلسلة سنده المتصلة بأبي هريرة، وقد اورده الذهبي في ترجمة عثمان بن خالد المذكور من ميزان الاعتدال وعده من منكرانه.
(4) اخرجه ابن منده وقال: غريب تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني أهـ «قلت»: وقد نقل هذا الحديث ابن حجر العسقلاني في آخر ترجمة السيدة ام كلثوم عليها السلام من الجزء الرابع من الاصابة وذكر انه غريب، وانه تفرد به محمد بن عثمان بن خالد العثماني فراجع.
أبو هريرة
_ 30 _
وقال: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه واله امرأة عثمان وبيدها مشط فقالت : خرج رسول الله صلى الله عليه واله من عندي آنفا رجلت شعره، فقال لي : كيف تجدين أبا عبد الله (عثمان )؟ قلت: بخير ، قال اكرميه، فانه من اشبه أصجابي بي خلقاً
(1).
: ربما حرف الكلم عن مواضعه، كما فعل في الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه واله من قوله : ستكون بعدي فتنة واختلاف ، قالوا فما تأمرنا عند ذلك يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه واله ـ وقد أشارة الى علي ـ : عليكم بالامير وأصحابه.
لكن أبا هريرة آثر التزلف الى آل أبي العاص وآل معيط وآل أبي سفيان فروى لهم ان النبي صلى الله عليه واله أشار في هذا الحديث الى عثمان
(2) وقد حفظوا له هذا الصنع ، كما ستقف عليه في الفصل 8 من هذا الاملاء ان شاء الله تعالى .
6 ـ
على عهد علي ( عليه السلام )
خفت صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين ، واحتبى برد الخمول وكاد أن يرجع الى سيرته الاولى، حيث كان هيان بن بيان وصلعمة بن قلعمة قعد
---------------------------
(1) سنورد هذا الحديث في اول الفصل 13 فراجعه ثمة واعجب.
(2) ولذا اخرجه الحاكم عن أبي هريرة في فضائل عثمان اول: 3/99 من المستدرك. والحق يوجب ذكره في فضائل علي، نظير قول النبي صلى الله عليه واله: تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا واصحابه على الحق، واشار إلى علي، اخرجه الطبراني عن كعب بن عجرة، وهو الحديث 6/2635 من كنز العمال، وقوله صلى الله عليه واله ـ ستكون بعدي فتنتة فالزموا فيها علي بن أبي طالب فانه اول من آمن بي واول من ـ يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو فاروق هذه الأمة الحديث، أخرجه ابو احمد وابن مندة وغيرهما عن ابي ليلي الغفاري، ونقله في ترجمة ابي ليلى كل من ابن عبد البر في استيعابة وابن حجر في اصابته وغيرهما، وقوله صلى الله عليه واله: ياعمار إن رايت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي ودع الناس إنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى الحديث، اخرجه الديلمي عن كل من عمار وابي ايوب وهو الحديث 259 في آخر ص 155 من الجزء 6 من كنز العمال وقوله صلى الله عليه واله: يا ابا رافع سيكون بعدي قوم يقاتلون علياً حق على الله جهادهم الحديث اخرجه الطبراني في الكبير عن محمد بن عبيد الله بن رافع عن ابيه عن جده وهو الحديث 2589 من الجزء 6 من الكنز إلى كثير من امثال هذه النصوص التي لا يسعنا الآن استقصاؤها، وحسبك قوله صلى الله عليه واله: إن منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها القوم وفيهم ابو بكر وعمر، فقال ابو بكر انا هو، قال لا، قال عمر: انا هو؟ قال: لا ولكنه خاصف النعل الحديث، أخرجه الحاكم في آخر: 3/122 من المستدرك وصححه على شرط الشيخين واورده الذهبي في تلخيصه معترفا بصحنة على شرطهما واخرجه احمد من حديث ابي سعيد في: 3/33 و82 من المسند ورواه الحافظ أبو نعيم في ترجمة على: 1/67 من حليته واخرجه ابو يعلى في السنن وسعيد بن منصور في سننه وهو الحديث: 2585 في: 6/155 من الكنز، والاحاديث في وجوب قتال الناكثين والقاسطين والمارقين متظافرة، وأخباره صلى الله عليه واله بوقوع الفتن من بعده متواترة وهي من اعلام النبوة وكلها صريح بوجوب اتباع علي، فحديث ابي هريرة الذي اخرجه الحاكم من جملتها بلا ريب، ويؤيد ذلك ان النبي صلى الله عليه واله لم يطلق الأمير على غير علي ابداً، اما علي فقد نال منه هذا الوسام، وحسبك قوله صلى الله عليه واله لأنس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المؤمنين وسيد الوصيين، الحديث، اخرجه الحافظ الاصفهاني في ترجمة علي من الجزء الاول من حلية الأولياء، وقد امر صلى الله عليه واله ان يسلموا على علي بالامرة كما هو ثابت من طريق العترة الطاهرة، والمقام لايسع التفصيل.
أبو هريرة
_ 31 _
عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضوا الى لوائه، بل كان وجهه ونصيحته الى أعدائه.
أبو هريرة
_ 32 _
وقد أرسله معاوية مع النعمان بن بشير ـ وكانا عنده في الشام ـ الى علي عليه السلام يسألانه أن يدفع قتله عثمان الى معاوية ليقيدهم بعثمان، وقد أراد معاوية بهذا أن يرجعا من عند علي الى الشام وهما لمعاوية عاذران ولعلي لائمان ، علماً من معاوية أن علياً لا يدفع قتلة عثمان اليه، فاراد أن يكون النعمان وأبو هريرة شاهدين له عند أهل الشام بذلك، وان يظهرا للناس عذر معاوية في قتال علي.
فقال لهما ائتيا علياً فانشداه الله لما دفع الينا قتلة عثمان، فانه قد آواهم، ثم لاحرب بيننا وبينه، فان ابي فكونوا شهداء الله عليه، واقبلا على الناس فاعلماهم بذلك ، فأتيا علياً فدخلا عليه، فقال له أبو هريرة: يا أبا حسن ان الله قد جعل لك في الاسلام فضلا وشرفاً، فأنت ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه واله وقد بعثنا اليك ابن عمك يسألك امراً تسكن به هذه الحرب، ويصلح الله به ذات البين ان تدفع اليه قتلة ابن عمه عثمان فيقتلهم به ويجمع الله تعالى امرك وامره ويصلح بينكم وتسلم هذه الامة من الفتنتة والفرقة، ثم تكلم النعمان بنحو من هذا فقال لهما:
دعا الكلام في هذا، حدثني عنك يا نعمان، هل أنت أهدى قومك سبيلا؟ ـ يعني الانصار ـ قال: لا . قال فكل قومك قد اتبعني الا شذاذ منهم ثلاثة أو أربعة افتكون أنت من الشذاذ؟ قال النعمان: اصلحك الله انما جئت لأكون معك والزمك، وقد كان معاوية سألني ان اؤدى هذا الكلام، ورجوت ان يكون لي موقف اجتمع فيه معك ، وطمعت ان يجري الله تعالى بينكما صلحا فاذا كان رايك غير ذلك فانا ملازمك وكائن معك.
قال حفظة الآثار: اما أبو هريرة فلم يكلمه أمير المؤمنين فانصرف الى الشام فاخبر معاوية بالخبر فامره معاوية ان يعلم الناس ففعل ذلك وعمل اعمالا ترضي معاوية ، واقام النعمان بعده عند علي ثم خرج فاراً الى الشام فأخبر أهلها بما لقى
أبو هريرة
_ 33 _