تحريمه . وقد قال عليه السلام لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب ، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه ، سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن ، ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمنتع لأجلها مما يرى الصلاح فيه ، تكون أحواله الدنيوية إلى الانتثار أقرب )
انتهى .
ولعل ما تقدم من موقف عمر من المصريين المعترضين يشير إلى ذلك أيضاً ،
كما أن الفقهاء ، قد ( رجح كثير منهم القياس على النص ، حتى استحالت الشريعة ، وصار أصحاب القياس أصحاب شريعة جديدة )
.
كما أن أبا أيوب الأنصاري لا يجرؤ على العمل بسنة لرسول الله صلى الله عليه وآله في زمن عمر ، لأن عمر كان يضرب من عمل بها
.
ويصرح مالك بن أنس ، بالنسبة لغير أهل المدينة من المسلمين بـ : ( أن غيرهم إنما العمل فيهم بأمر الملوك )
.
وسيأتي المزيد مما يدل على إصرار الخلفاء ، وغير الخلفاء منهم ، على مخالفة أحكام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى من أمثال مروان بن الحكم ، والحجاج بن يوسف .
وبعد هذا ... فإن الحكام والأمراء الذين مُنِحُوا ـ دون غيرهم ـ حق
الفتوى ! ، من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ... قد أصبح بإمكانهم أن يفتوا بغير علم ، بل أن يفتوا بما يعلمون مخالفته لما ورد عن سيد الخلق أجمعين ، محمد رسول الله صلى عليه وآله وسلم ، ما داموا قد أمنوا غائلة اعتراض من يعلمون الحق ، ولم يعد يخشى من انكشاف ذلك للملأ من غيرهم ... الأمر الذي ربما يؤدي ـ لو انكشف ـ إلى التقليل من شأنهم ، وإضعاف مراكزهم ، ويقلل ويحد من فعالية القرارات والأحكام التي يصدرونها .
كما أن ذلك قد هيأ الفرصة لكل أحد : أن يدعي ما يريد ، وضع له الحديث الذي يناسبه ، بأييداً ، أو نفياً وتفنيداً .
كما أنهم قد أمنوا غائلة ظهور كثير من الأقوال ، والأفعال ، والمواقف النبوية ، والوقائع الثابتة ، التي تم مركز وشخصية من يهتمون بالتنويه باسمه ، وإعلاء قدره وشأنه ، أو ترفع من شأن ومكانة الفريق الآخر : أهل البيت عليهم السلام ، ولا سيما سيدهم وعظيمهم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وكل من يمت إليه وإليهم بأية صلة أو رابطة ، أو له فيهم هوى ، أو نظرة إيجابية وواقعية ، انطلاقاً مما يملكه من فكر واع ، ووجدان حي .
أضف إلى ذلك كله : أن سياستهم هذه تجاه الحديث ، وسنة النبي صلى الله عليه وآله ، تنسجم مع رأي بعض الفرق اليهودية ، التي كان لأتباعها نفوذ كبير لدى الحكام آنئذ
(1) .
ولسنا هنا في صدد شرح ذلك .
وعلي عليه السلام ماذا يقول :
هذا ... ولكننا نجد أمير المؤمنين عليه السلام ، وشيعته ، والواعين من رجال هذه الأمة ، قد تصدوا لهذه الخطة بصلابة وحزم ، حتى لقد رفض عليه السلام في الشورى عرض الخلافة في مقابل اشتراط العمل بسنة الشيخين ، وقد
---------------------------
(1) راجع كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ج 1 ص 26 | 27 متناً وهامشاً .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 98 _
طرد عليه السلام القصاصين من المساجد ، ورفع الحظر المفروض على رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله
(1) .
وقد رووا عنه : أنه عليه السلام قال : ( قيدوا العلم ، قيدوا العلم ) مرتين ، ونحوه غيره
(2) .
كما أنه عليه السلام يقول :
( من يشتري منا علماً بدرهم ؟ ... قال الحارث الأعور : فذهبت فاشتريت صحفاً بدرهم ، ثم جئت بها ) .
وفي بعض النصوص : ( فاشترى الحارث صحفاً بدرهم ، ثم جاء بها علياً ، فكتب له علماً كثيراً )
(3) .
وعن علي عليه السلام قال تزاوروا ، وتذاكروا الحديث ، ولا تتركوه يدرس
(4) .
وعنه عليه السلام : ( إذا كتبتم الحديث فاكتبوه بإسناده ، فإن يك حقاً كنتم شركاء في الأجر ، وإن يك باطلاً كان وزره عليه )
(5) ، ومثل ذلك كثير
---------------------------
(1) سرگذشت حديث ( فارسي ) هامش ص 28 وراجع كنز العمال ج 10 ص 171 و 172 و 122 .
(2) تقييد العلم ص 89 و 90 وبهامشه قال : ( وفي حض عليّ على الكتابة انظر : معادن الجوهر للأمين العاملي 1 : 3 ) .
(3) التراتيب الإدارية ج 2 ص 259 وطبقات ابن سعد ج 6 ص 116 ط ليدن و ص 68 ط صادر وتاريخ بغداد ج 8 ص 357 وكنز العمال ج 10 ص 156 وتقييد العلم ص 90 وفي هامشه عمن تقدم وعن كتاب العلم لابن أبي خيثمة 10 والمحدث الفاصل ج 4 ص 3 .
(4) كنز العمال ج 10 ص 189 .
(5) كنز العمال ج 10 ص 129 ورمز له بـ ( ك ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ) .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 99 _
عنه عليه السلام
(1) .
والإمام الحسن عليه السلام أيضاً :
وفي مجال العمل على إفشال هذه الخطة تجاه العلم والحديث ، وكتابته ، وكسر الطوق المفروض ، نجد النص التاريخي يقول : ( دعا الحسن بن علي بنيه ، وبني أخيه ، فقال : ( يا بني ، وبني أخي ، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين ، فتعلموا العلم ، فمن لم يستطع منكم أن يرويه ، فليكتبه ، وليضعه في بيته )
(2) .
ثم روى الخطيب ما يقرب من ذلك عن الحسين بن علي عليه السلام ، ثم قال : ( كذا قال : جمع الحسين بن علي ، والصواب : الحسن ، كما ذكرناه أولاً ، والله أعلم )
(3) .
ولسنا هنا في صدد تفصيل ذلك ، ونسأل الله أن يوفقنا للتوفر على دراسة هذه الناحية في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى .
مشرعون جدد ، أو أنبياء صغار :
وطبيعي بعد ذلك كله ... وبعد أن كانت السياسة تقضي بتقليص نسبة
---------------------------
(1) راجع على سبيل المثال كنز العمال ج 10 كتاب العلم ...
(2) تقييد العلم ص 91 ونور الأبصار ص 122 وكنز العمال ج 10 ص 153 وسنن الدرامي ج 1 ص 130 وجامع بيان العلم ج1 ص 99 ، والعلل ومعرفة الرجال ج 1 ص 412 وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 227 وفي هامش تقييد العلم عن بعض من تقدم ، وعن تاريخ بغداد ج 6 ص 399 ، ولم أجده ، وعن ربيع الأبرار 12 عن علي عليه السلام ... وراجع أيضاً التراتيب الإدارية ج 2 ص 246 | 247 عن ابن عساكر ، وعن البيهقي في المدخل .
(3) تقييد العلم ص 91 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 100 _
الاحترام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والعمل على علو نجم قوم ، ورفعة شأنهم ، وأقول نجم آخرين ، والحط منهم ... وبعد أن مست الحاجة إلى المزيد من الأحكام الإسلامية ، والتعاليم الدينية ـ كان من الطبيعي ـ أن تعتبر أقوال الصحابة ، ولا سيما الخليفتين الأول ، والثاني ـ سنة كسنة النبي ، بل وفوق سنة النبي صلى الله عليه وآله ... وقد ساعد الحكام أنفسهم ـ لمقاصد مختلفة ـ على هذا الامر ، وكنموذج مما يدل على ذلك ، وعلى خطط الحكام في هذا المجال ، نشير إلى قول البعض : ( أنا زميل محمد ) بالإضافة إلى ما يلي :
1 ـ ( قال الشهاب الهيثمي في شرح الهمزية على قول البوصيري عن الصحابة : ( كلهم في أحكامه ذو اجتهاد : أي صواب ... )
(1) .
2 ـ وقال الشافعي : ( لا يكون لك أن تقول إلا عن أصل ، أو قياس على أصل ، والأصل كتاب ، أو سنة ، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ، أو إجماع الناس )
(2) .
3 ـ وقال البعض عن الشافعية : ( والعجب ! منهم من يستجيز مخالفة الشافعي لنص له آخر في مسألة بخلافه ، ثم لا يرون مخالفته لأجل نص رسول الله صلى الله عليه وآله )
(3) .
4 ـ ويقول أبو زهرة بالنسبة لفتاوى الصحابة : ( ... وجدنا مالكاً يأخذ بفتواهم على أنها من السنة ، ويوازن بينها وبين الأخبار المروية ، إن تعارض الخبر مع فتوى صحابي ، وهذا ينسحب على كل حديث عنه صلى الله عليه وآله ، حتى ولو كان صحيحاً )
(4) .
ولا بأس بمراجعة كلمات الشوكاني في هذا المجال أيضاً
(5) .
---------------------------
(1) التراتيب الإدارية ج 2 ص 366 .
(2) مناقب الشافعي ج 1 ص 367 ، وراجع ص 450 .
(3) مجموعة المسائل المنيرية ص 32 .
(4) ابن حنبل لأبي زهرة ص 251 | 255 ومالك ، لأبي زهرة ص 290 .
(5) ابن حنبل لأبي زهرة ص 254 | 255 عن إرشاد الفحول للشوكاني ص 214 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 101 _
5 ـ بل إننا نجد بعض المؤلفين في الأصول ، قد عقد باباً في كتابه ، لكون قول الصحابي فيما يمكن فيه الرأي ملحق بالنسبة لغيره ، أي لغير الصحابي ... بالسنة .
وقيل : إن ذلك خاص بقول الشيخين : أبي بكر ، وعمر
(1) .
6 ـ وحينما أُخبِرَ عمر بقضاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المرأة التي قتلت أخرى بعمود : ( كبّر ، وأخذ عمر بذلك ، وقال : لو لم أسمع بهذا لقلت فيه )
(2) .
7 ـ ثم هو يصر على رأيه فيمن تحيض بعد الأفاضة ، رغم إخبارهم إياه بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها
(3) .
8 ـ وفي قصة التكنية بأبي عيسى ، نرى عمر لا يتزحزح عن موقفه ، رغم إخبارهم إياه : بأن النبي صلى الله عليه وآله قد أذن لهم بذلك ، وتصديق عمر لهم ... لكنه عده ذنباً مغفوراً له صلى الله عليه وآله
(4) .
9 ـ وقال عمر بن عبد العزيز : ( ألا إن ، ما سنه أبو بكر وعمر ، فهو دين نأخذ به ، وندعو إليه ) ، وزاد المتقي الهندي : ( وما سن سواهما فإنا نرجيه )
(5) .
---------------------------
(1) فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت المطبوع مع المستصفى ج 2 ص 186 وراجع التراتيب الإدارية ج 2 ص 366 | 367 .
(2) المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 57 .
(3) الغدير ج 6 ص 111 | 112 عن عدة مصادر .
(4) راجع : سنن أبي داود ج 4 ص 291 وسنن البيهقي ج 9 ص 310 وتيسير الوصول ط الهند ج 1 ص 25 والنهية لابن الأثير ج 1 ص 283 والإصابة ج 3 ص 388 والغدير ج 6 ص 319 | 310 عنهم وعن الأسماء والكنى للدولابي ج 1 ص 85 .
(5) كنز العمال ج 1 ص 332 عن ابن عساكر وكشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6 والنص له ...
وفي رسالة عمر بن عبد العزيز لأبي بكر ، ومحمد بن عمرو بن حزم : ( اكتب إلي بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله ، وبحديث عمر ، فإني الخ ) سنن الدارمي ج 1 ص 126 ، لكن في تقييد العلم ص 105 و 106 وهوامش : ( أو حديث عمرة بنت عبد الرحمن ) وهي امرأة أنصارية أكثر ما تروى عن عائشة .
وراجع : السنة قبل التدوين ص 328 ـ 333 ، وتاريخ السنة المشرفة ص 226 =
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 102 _
وذكر في كنز العمال : أن فتوى عمر تصير سنة .
10 ـ وفي حادثة أخرى : نجد عمر لا يرتدع عن مخالفته للنبي صلى الله عليه وآله ، حتى يستدل عليه ذلك الرجل بقوله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة )
(1) .
11 ـ وقد رووا : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( عليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين )
(2) .
وبهذا استدل الشافعي على حجية قول أبي بكر وعمر .
مع أن المقصود بالخلفاء الراشدين هو الأئمة الإثنا عشر ، عليهم السلام لكن هذا اللقب سرق منهم (ع) .
12 ـ وعثمان بن عفان يقول : ( إن السنة سنة رسول الله ، وسنة صاحبيه )
(3) .
13 ـ كما أن عبد الرحمن بن عوف يعرض على أمير المؤمنين : أن يبايعه على العمل بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسنة الشيخين أبي بكر وعمر ، فيأبى عليه السلام ذلك ، ويقبل عثمان ، فيفوز بالأمر
(4) .
14 ـ وخطب عثمان حينما بويع ، فقال : ( إن لكم عليّ بعد كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى عليه وآله ثلاثاً : إتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم
---------------------------
=
و 227 وتاريخ الخلفاء ص 241 والجزء الأول من كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم .
(1) المصنف لعبد الرزاق ج 2 ص 382 .
(2) راجع : الثقات لابن حبان ج 1 ص 4 وحياة الصحابة ج 1 ص 12 ، وعن كشف الغمة للشعراني ج 1 ص 6 .
(3) سنن البيهقي ج 3 ص 144 ، والغدير ج 8 ص 100 عنه .
ولتراجع رواية صالح بن كيسان والزهري في تقييد العلم ص 106 | 107 وفي هامشه عن العديد من المصادر وطبقات ابن سعد ج 2 ص 135 .
(4) راجع قصة الشورى في أي كتاب تاريخي شئت ...
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 103 _
عليه ، وسننتم ، وسنّ سنة أهل الخير فيما لم تسنّوا عن ملأ )
(1) .
15 ـ وبعد ... فإن الأمويين يصرون على معاوية : أن يصلي بهم صلاة عثمان بن عفان في منى تماماً ، ويرفضون الاستمرار على صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، رغم اعترافهم بذلك ...
وعثمان نفسه يصر على رأيه في مقابل سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، رغم اعترافه بأن ذلك رأي رآه
(2) .
وقد عرض عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام أن يصلي بالناس في منى ، فلم يقبل عليه السلام إلا أن يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فيأبى عثمان ذلك ، ويأبى هو القبول : ( وقد استمر الأمراء على صلاة عثمان فيما بعد ذلك )
(3) !.
16 ـ بل إننا لنجد ربيعة بن شداد لا يرضى بأن يبايع أمير المؤمنين عليه السلام ، على كتاب الله وسنة رسوله ، وقال : على سنة أبي بكر وعمر ، فقال له علي عليه السلام : ( ويلك ، لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على شيء الخ ... )
(4) .
17 ـ وحتى معاوية فإنه يصر على رأيه ، ويرفض الحكم النبوي بشكل
---------------------------
(1) حياة الصحابة ج 3 ص 505 عن تاريخ الطبري ج 3 ص 446 .
(2) راجع البداية والنهاية ج 3 ص 154 وحياة الصحابة ج 3 ص 507 | 508 عن كنز العمال ج 4 ص 239 عن ابن عساكر والبيهقي ، والغدير ج 8 ص 101 | 102 عن المصادر التالية : أنساب الأشراف ج 5 ص 39 والطبري ج 5 ص 56 حوادث سنة 29 ، والكامل لابن الأثير ج 3 ص 42 والبداية والنهاية جح 7 ص 154 ، وتاريخ ابن خلدون ج 2 ص 386 .
(3) راجع : الكافي ج 4 ص 518 | 519 والوسائل ج 5 ص 500 | 501 وحاشية ابن التركماني ذيل سنن البيهقي ج 3 ص 144 | 145 والغدير ج 8 ص 100 عنه وعن المحلى ج 4 ص 270 وليراجع الغدير ج 8 ص 98 ـ 116 .
(4) بهج الصباغة ج 12 ص 203 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 104 _
صريح
(1) .
18 ـ وحينما ينكر أبو الدرداء على معاوية بعض قبائحه ، ويذكر بنهي النبي صلى الله عليه وآله عنها ، نجده يقول : أما أنا فلا أرى به بأساً
(2) .
19 ـ وقد كتب ابن الزبير إلى قاضيه يأمره بأن يعمل بفتوى أبي بكر في الجد ، فيجعله أباً لأن النبي صلى عليه وآله قال : لو كنت متخذاً خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر إلى أن قال : ( وأحق ما أخذناه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه )
(3) .
20 ـ كما أن عطاء قد استدل بقضاء النبي صلى الله عليه وآله في العُمْرَى ، فاعترض عليه رجل ـ وقد صرحت بعض النصوص بأنه : الزهري !! ـ بقوله : ( لكن عبد الملك بن مروان لم يقض بهذا ) أو قال : ( إن الخلفاء لا يقضون بذلك ) فقال : بل قضى بها عبد الملك في بني فلان
(4) ...
21 ـ واعترض البعض على مروان : بانه أخرج المنبر ، ولم يكن يخرج ، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة ، وجلس في الخطبة ، فقال له مروان : ( إن تلك السنة قد تركت )
(5) .
22 ـ بل لقد بلغ بهم الأمر : أن ادعى البعض : أن من خالف الحجاج فقد
---------------------------
(1) راجع : المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 201 .
(2) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج 5 ص 130 والموطأ المطبوع مع تنوير الحوالك ج 2 ص 135 ، وسنن البيهقي ج 5 ص 280 وسنن النسائي ج 7 ص 277 ، واختلاف الحديث للشافعي بهامش الأم ج 7 ص 23 والغدير ج 10 ص 184 عن بعض من تقدم .
(3) مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 4 وراجع ص 5 .
(4) المصنف لعبد الرزاق ج 9 ص 188 وسنن البيهقي ج 6 ص 174 .
(5) لسان الميزان ج 6 ص 89 .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 105 _
23 ـ وعن ابن عباس : السنة سنتان : من نبي ، أو من إمام عادل
(1) .
24 ـ وقضية إمضاء عمر للطلاق ثلاثاً ، لأنهم استعجلوا ذلك تدل على أنه كان يرى أن لهم الحق في ذلك
(2) .
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه
(3) .
هذا كله ... عدا عن ادعائهم :
نزول الوحي على الخلفاء ،
وأفضلية الخليفة على الرسول ،
ونزول الوحي على الحجاج ، والخلفاء وغير ذلك ...
ولقد صدق أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال في كتابه للأشتر : ( فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار ، يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدنيا )
(4) .
الأئمة عليهم السلام في مواجهة الخطة :
إنما نتحدث هنا عن موضوع مواجهة هذه الخطة بمقدار ما يرتبط بمواقف الإمام الحسن عليه السلام منها ... وإن كانت الأساليب التي اتبعها الأئمة في هذا الصدد كثيرة ومتنوعة .
وقد تقدم بعض ما يرتبط بمواقف الأئمة عليهم السلام من قضية التمييز
---------------------------
(1) كنز العمال ج 1 ص 160 .
(2) راجع : تفسير القرآن العظيم ( الخاتمة ) ، ج 4 ص 22 والغدير ج 6 ص 178 ـ 183 عن مصادر كثيرة .
(3) راجع أيضاً المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 | 259 و ج 88 و 475 | 476 وطبقات ابن سعد ج 2 قسم 2 ص 134 ـ 136 .
(4) راجع عهد الأشتر في نهج البلاغة ، بشرح عبده ج 3 ص 105 وعهد الاشتر موجود في كثير من المصادر .
الحياة السياسية للامام الحسن عليه السلام
_ 106 _
العنصري البغيض ، وتقدم كذلك بعض اللمحات عن موقف أمير المؤمنين وغيره من الأئمة ، ومنهم الإمام الحسن عليه السلام من قضية الحديث والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله ...
وحيث إننا لا نستطيع الإلمام ـ في عجالة كهذه ـ بكل ما يرتبط بمواقف الأئمة الهادفة إلى إفشال تلك الخطة ، لأن ذلك يستدعي تأليف كتاب مستقل ، وقد لا يكفي له العديد من المجلدات ... وبما أن أهم عنصر تستهدفه تلك الخطة هو عنصر الإمامة والخلافة ، والأحقية بالأمر ، وبمعالجتها ، واتخاذ الموقف الصحيح منها ، لا يبقى لمجمل تلك الخطة تأثير يذكر ، ولا خطر يخاف . ـ من أجل ذلك ... فإننا سوف نقتصر هنا على الإشارة إلى لمحات من مواقفهم عليهم السلام ـ وبالأخص موقف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ـ من هذه القضية بالذات ... فنقول :
قضية الإمامة هي الأساس :
ليس خافياً على أحد مدى خطورة النتائج التي سوف تتمخض عنها تلك السياسة ، التي تقدمت لمحات خاطفة وسريعة عن بعض خيوطها وفقراتها ... سواء على الإسلام ، أو على المسلمين ، في الحاضر ، أو في المستقبل ، والأخطار المستقبلية هي الأعظم ، وهي الأدهى ... وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله في حديث معروف : بأن في كل خلف عدول ينفون عنه ( أي عن الإسلام ) تحريف الغالين .
وقد عودنا الأئمة عليهم السلام : أنهم باستمرار يعيشون بالقرب من الأحداث ، ويتواجدون دائماً وأبداً في صميمها وفي العمق منها ، حتى إن المطالع للتاريخ ليجد ـ نتيجة لذلك التواجد ـ أن قضايا أهل البيت بصورة عامة ، وقضية أحقيتهم بالأمر ، وإمامتهم على الخصوص ، تبقى على الدوام محتفظة بحيويتها وعمقها في ضمير الأمة وفي وجدانها .
وأن كل صراع ، فإنما له ارتباط مباشر أحياناً ، أو غير مباشر أحياناً أخرى بهذه القضية بالذات ، حتى ليصرح الشهرستاني بقوله :