كان ممنوعاً ، هذا الأمر لم يصبح لازماً على النساء لأنه كان مقروناً بصعوبة ، لا أن المرأة إذا تحملت هذه المشقة واشتركت في صلاة الجماعة لا تكون صلاتها مقبولة ، أو لا تكون صحيحة أو ليس فيها فضيلة وأمثال ذلك .
نوع هذه المسائل هو من باب الرخصة وليس العزيمة ، المهم ما مر خلال البحث في بيان تلك المقدمة .
عدم وفاء المرأة انذار تربوي وليس نقصاً ذاتياً
ورد في رواية قول أبي عبد الله ( عليه السلام ) : خمس من خمسة محال ... والوفاء من المرأة ... )
(1) .
هذه الرواية تشير إلى التربية العامة ومثل هذه الرواية التي هي في باب الخمسة ، وردت رواية أخرى في باب الستة ، قال عليه السلام : ( ان الله عز وجل يعذب ستة بستة ... والفقهاء بالحسد ...)
(2) .
مضمون هذه الرواية يشير إلى أن كل شخص مبتلى في فرعه وهذا ليس بمعنى ان الفقه سيّئ أو الفقيه حسود ، بل يعني أنه يجب الحذر لئلا ينفذ هذا الخطر في هذا الفرع وإلا فالفضائل الواردة بشأن الفقه والفقهاء غير قابلة للإنكار فقد قال : ( الفقهاء أمناء الرسل )
(3) .
ولكنه اعطى انذاراً أيضاً من الوقوع في الحسد والاحتراق من أثر ذنب الحسد ، ذكر المرحوم الصدوق كلتا الروايتين في الخصال ، بناء على هذا فكما أن هذه الرواية ليست تنقيصاً للفقه أو الفقيه ، كذلك رواية الخمسة
**************************************************************
(1) الخصال ، للصدوق ، الحديث 5 .
(2) الخصال ، الحديث 14 .
(3) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 46 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 336 ـ
ليست تنقيصاً للمرأة ، حيث أن المرحوم الصدوق ذكر في باب النجابة في كتاب الخصال : ثلاثة لا ينجبون
(1) والحال أننا رأينا كثيراً من النجباء ظهروا من هذه الأقوام الثلاثة ودعوا الآخرين إلى النجابة .
دراسة الروايات الورادة في ذم المرأة :
هذه الروايات هي إما شبيه القضايا الشخصية أو بالنظر إلى ظروف خاصة في ذلك العصر ، مثل ما ورد بشأن خواص الأشياء ، مثلاً أن يقال : إن الفاكهة الفلانية لها هذه الخاصية ، فهل لها هذه الخاصية لجميع الناس أم لأهل تلك المنطقة ؟ أحياناً تلاحظون أن فاكهة تنمو في منطقة ما وهذه الفاكهة أنماها الله سبحانه لتأمين حاجات أهل تلك المنطقة وهي ليست بتلك الفائدة لأهل مناطق أخرى ، إن الجمل والأمثال والحكم الإقليمية يجب عدم اعتبارها قضايا طبيعية أو حقيقية كما أن القدح والمدح هو كذلك ، فإذا مدحت أو ذمت فئة خاصة في ظروف خاصة ، يجب عدم اعتبار هذه كقضايا طبيعية أو قضايا حقيقية .
على أي حال الطريق مفتوح للتكامل والرقي والمهم هو طريق الموعظة وهو طريق خالد .
نصيحة صاحب الفتوحات للإمام الرازي :
ذات يوم حصل للإمام الرازي تجديد نظر خلال الدرس وبكى ، فقال تلاميذ درسه : لماذا تبكي ؟ قال كان هناك موضوع كنت أفكر فيه ثلاثين سنة ، وكنت نفسي محقاً ثلاثين سنة في أطراف ذلك الموضوع والآن فهمت ان الحق ليس معي وانني كنت مخطئاً ثلاثين سنة .
**************************************************************
(1) الخصال الحديث 80 ومتنه عن الباقر أو الصادق عليه السلام : ثلاثة لا ينجبون أعور عين ، وأزرق كالفصّ ، ومولد السند .
جمال المرأة وجلالها
ـ 337 ـ
في رسائل صاحب الفتوحات ذكر ان ذلك العارف الكبير كتب للإمام الرازي : يجب أن تتعلم اولاً العلم ثلاثين سنة ، بحيث لا تبكي ، بعد ثلاثين سنة ، لعل العقيدة التي لديك اليوم قد تبكي بسببها بعد ثلاثين سنة ، أسلك الطريق الذي يقل فيه خطؤك ، والأخرى هي أن تذهب وراء علم لا يتركك ولا تتركه ، أن كائن أبدي ، هيّيء العلم الذي يكون له مشترٍ بعد الموت أيضاً .
العلوم الأداتية والعلوم الحقيقية
إذا بحث الشخص بشأن الرؤية الكونية الإلهية ، وبحث بشأن الله واسمائه الحسنى وصفات جلاله وجماله وأفعاله ، والمعاد ، ومواقف القيامة ، والجنة وجهنم ، والصراط والحساب ، والميزان والشفاعة ، وحوض الكوثر ، وغيرها ، وبحث في الوحي والرسالة والنبوة والإمامة ، فكل هذه البحوث تصبح بالنسبة له بعد موته طرية وواضحة ومشهودة وناضجة الواحدة تلو الأخرى ، وتصبح أكثر ازدهاراً لحظة فلحظة ، ولكن إذا سعى شخص في كيف يشق طريقاً ، وينبي مسجداً ومدرسة وجامعة ، وكيف يكو مهندساً للطرق والبناء ، وكيف يكون طبيباً ، فإن هذه العلوم ينساها شيئاً فشيئاً بعد الموت ، لأنه ليس هناك كلام في الطرق والبناء والعلم الذي لا يتكرر يرحل ، هناك لا يسألون شخصاً ان يقدم خريطة بناء أو خريطة شارع وصحراء .
هذا النوع من العلوم هي علوم لرفع حاجات الدنيا وتحصيلها واجب وإذا استفاد الإنسان من هذا الطريق وخدم في النظام الإسلامي ، فخدمته هذه تصبح عملاً صالحاً وتبقى في القيامة إلى الأبد ولكن نفس هذا العلم ينتهي فهو ليس علماً باقياً .
جمال المرأة وجلالها
ـ 338 ـ
كل هذه تتعلق بعالم الدنيا وبعد الموت لا يقال لشخص بأن يدرس العرفان والفلسفة او الفقه والاصول أو يضف ، أو يؤلف ، التصنيف والتأليف والتدريس والكتابة هي من الحرف الدنيوية التي تنتهي بعد الموت ، فالشخص إذا كان لديه علم وكان هذا العلم معه حتى الشيخوخة ، ففي مرحلة الشيخوخة تذهب هذه المسائل شيئاً فشيئاً من ذهنه لأنه لا يستطيع ان يتمرّن .
الأديب الماهر يعجز في أواخر العمر عن قراءة حتى سطر أدبي واحد ، فهذه العلوم تنتهي عند قرب الموت ، وهي علوم أدواتية .
أما إذا عمل شخص بشأن المعارف الإلهية فإن معلوماته تلك تصبح مشهودة الواحدة تلو الأخرى ، إذا بحث شخص في هذا المجال في معنى الكوثر ، وهل هو من ماء يرفع الجوع أيضاً ؟ أم هل هو من ماء إذا شرب منه الشخص جرعة واحدة لا يعطش بعد ذلك إلى الأبد ، أي ماء هذا الذي يعمل عمل الخبز عمل التفاح والعرموط وعمل العطر ؟ .
إذ فهم هذه المسائل أو مسألة الشفاعة أو جسر الصراط فهذه علوم تصبح مشهودة له بع الموت ويجدها أوضح ، أي يرى تعبه مشهوداً ويظهر له لحظة فلحظة ، وإذا لم يعمل شخص في هذه المسائل يصبح إفهامه صعباً .
من الممكن ان يتعلم في الدنيا بصعوبة ، ولكن في الآخرة ليس هكذا حيث يتعلم بسهولة ما هو معنى الشفاعة ؟ ما هو معنى الصراط ؟ ما هو معنى الكوثر ؟ ما هو معنى الجنة وجهنم ؟ لا يتعلم مجاناً ، هناك لا يتعلم بالسمع ، بل بالقلب ، لذا ما لم يتم تنظيف قلبه من الغبار ورفع الطبقات الدسمة عن قلبه فقلبه لا يرى ، إذا أصبحت عين الإنسان لا ترى من أثر دخول شوكة
جمال المرأة وجلالها
ـ 339 ـ
وحشائش فيها فيجب ان يعطي عينه إلى الطبيب في غرفة العلميات والقسم العلاجي حتى تجرى لها عملية جراحية وتستخرج هذه الأشواك والحشائش والأوساخ من عينه حتى يرى وإلا فانه لن يرى ، عين القلب هي كذلك أيضاً .
جاء في القرآن الكريم : ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ )
(1) .
هذا الذنب هو رين يجلس على القلب ، الإنسان لا يرى النبي ، ولا يرى الكوثر بالعين الظاهرية بل يرى بعين القلب ، وما لم يتم تنظيف عين القلب هذه واستخراج هذا الغبار والأوشاخ لا ترى مرآة القلب أسرار القيامة ، هناك تتطلب عملية جراحية وما لم تجر عملية جراحية للقلب وتستخرج هذه الأوساخ ، لا يرى الكوثر ، وهذا ليس أمراً سهلاً أيضاً ، هل يستطيع الأشخاص العاديون ان يروا علي بن أبي طالب عليه السلام ، من لم يكن من أهل الولاية هل يستطيع ان يرى الجمال النوراني للإمام ، هل ان رؤية سيد الشهداء ( عليه السلام ) أمر سهل ؟
بالنتيجة يرى الإنسان ذلك في القيامة ، ولكن بعمليات جراحية كثيرة ، وما لم ينظف الرين ، وما لم تجر عملية جراحية لعين القلب ، لا يرى شخص أسرار القيامة ، ولهذا يبدأ الضغط من القبر ، الشخص الذي يؤخذ إلى غرفة العلميات لا يؤخذ للضيافة ، هناك مكان عمليات جراحية .
ورد في كتاب نهج البلاغة القيمّ أن الإنسان عندما يموت يحملونه إلى غرفة عمله ويصبح هذا البدن ميتة ، لذا يقول جميع ذويه : ادفنوه بسرعة حتى لا يجيف :
**************************************************************
(1) سورة المطففين ، الآية : 14 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 340 ـ
( صار جيفة بين أهله واسلموه إلى عمله )
(1) .
وورد أمر بأن التعجيل في أمر الميت مستحب ويجب دفنه بسرعة كما ان ذويه يسعون بسرعة لأن يدفنوه ، وهذا يتعلق بالبدن ، إنه ( صار جيفة بين أهله ) ولكن إلى أين يحملون روحه ؟ قال : ( واسلموه إلى عمله ) .
بناء على هذا تذهب العلوم الحصولية حين الموت ، ولا يحصل بسهولة على العلوم الشهودية ، هناك إذا كانت المرأة أكثر تهذيباً تصل إلى المقصد ، أسرع من الرجل ، ويجب عدم القول بأن المرأة ليست مقربة بدرجة الرجل لأن الرجل في الفيزياء أو الرياضيات أقوى .
ضرورة وجود المرأة والرجل في نظام الوجود :
جاء في القرآن الكريم أن الله تعالى يتولى نظام الخلق ، لو فرض أن المجتمع الإنساني كله رجال ، فمن هذا الفرض يأتي عدمه لازماً : لأنه إذا كان الجميع رجالاً ، عند ذلك لا يكون هناك جميع ، لأنه إذا لم يكن هناك امرأة فالرجل لا يستطيع وحده ان يكون مبدأ ظهور النسل ، بناء على هذا فان المجتمع يحتاج إلى المرأة والرجل معاً وكلاهما ركن في هذا النظام الإنساني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إذا أصبح الرجال نساء والنساء رجالاً فان هذا السؤال يطرح أيضاً وهو لماذا يوجد فرق .
النظام القائم على القسط والعدل
منطق القرآن الكريم بشأن عمل الله هو أن الله سبحانه لا يظلم أحداً : ( ولا يظلم ربّك أحداً )
(2) ( وما ربّك بظلاّم للعبيد )
(3) .
**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 108 .
(2) سورة الكهف ، الآية : 49 .
(3) سورة فصلت : الآية : 46 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 341 ـ
إن الله تعالى قائم بالقسط أولاً ، وثانياً ، لأنه قائم بالقسط فهو يدعو الناس إلى القسط والعدل ، وثالثاً : يعرض للناس معيار القسط والعدل أيضاً ، هذا المسائل الثلاث يبينها القرآن جيداً : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ )
(1) .
المسألة الثانية هي ان الله تعالى أمر ودعا الناس إلى القسط والعدل : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ )
(2) .
المسألة الثالثة انه أرسل للناس معيار تشخيص القسط والعدل مع الأنبياء .
( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )
(3) .
هذه المسائل الثلاثة يذكرها القرآن حيث يستفاد من جمع العقل والنقل علاوة على الأدلة العقلية انه لا يوجد ظلم في نظام الخلق ، بناء على هذا لا يستطيع أي شخص ان يقول إنني ظلمت ، لا المرأة تستطيع أن تقول إنني ظلمت في نظام الوجود ولا الرجل يستطيع الظن أنه أعطي إليه أفضلية في نظام الوجود .
سر الفرق بين المرأة والرجل
إن ما ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بالفوارق بين الكائنات هو أنه أولاً يجب إدارة الحياة بأحسن وجه ، وثانياً ما لم يتحقق تسخير متقابل بين
**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 18 .
(2) سورة الأعراف ، الآية : 29 .
(3) سورة الحديد ، الآية : 25 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 342 ـ
الكائنات وما لم يحصل إيجاد انسجام بين هذه الآحاد والطبقات ، فإن النظام لا يدار بأحسن وجه ، وقال في سورة الزخرف : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )
(1) .
وكما ان اختلاف الطبقات والقابليات والميول والجذب والدفع ليس معياراً للفضيلة ، بل الجميع هي لازم بوصفه أداة عمل حتى يتحقق تسخير متقابل وذو طرفين : ( لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ) ، كذلك الاختلاف بشأن المرأة والرجل أي أن الذي لديه قابلية أفضل ، فهذه القابلية ليست علامة على فضيلة معنوية وتقرب إلى الله ، إذا استطاع ان يحصل على قائدة أفضل من هذه القابلية وان يعمل باخلاص أكثر فلديه تقوى أكثر ، ويكو أقرب إلى الكمال المحض من هذه الناحية ، ولكن إذا لم يستفد من هذه القابلية ولم يتقرب إلى الله سبحانه فقد تكون هذه القابلية الزائدة وبالاً عليه ، فالقابليات وإن كانت فضيلة ظاهرية ولكنها ليست دليلاً على التقرب إلى الله ، دليل القرب هو الاخلاص والتقوى وأمثالها .
بناء على هذا ، فان هذه الفوارق هي من أجل ان تسخر مجموعة مجموعة أخرى بصورة متقابلة ومن الطرفين ولا يحق لأحد ان يسخر شخصاً آخر ولا يصبح نفسه مسخراً ولا يستطيع شخص ان يطلب من الآخرين تسخيراً من طرف واحد بامتلاك قوة وامكانات في القابلية أو غير القابلية بل ( ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ) أي يجب أن يكون تسخير متقابل وخدمات متقابلة حتى يدار النظام بأحسن وجه ، وإذا لم يكن التسخير متقابلاً فهو
**************************************************************
(1) سورة الزخرف ، الآية : 32 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 343 ـ
استهزاء وأخذ مصالح الآخر مجاناً حيث نهى القرآن ذلك وحرّمه وأدانه بوصفه ظلماً .
بناء على هذا فان نظام الخلق يتطلب قابليات متقابلة ومتخالفة ، وهذا الفرق هو من أجل التسخير المتقابل وذي الطرفين وليس التسخير من طرف واحد ، وهذا التسخير المتقابل ذل الطرفين ، ليس دليل فضيلة ، بل إن معيار الفضيلة هو في شيء آخر وهو التقرب إلى الله .
قيمومة الرجل على المرأة
هناك مجموعة مزايا للرجل بسبب الأعمال التنفيذية ولكن في القواعد الأساسية للتقرب والتكامل ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، فمثلاً عندما تطرح المرأة في مقابل الرجل والرجل في مقابل المرأة بوصفهما صنفين فالرجل ليس قوام وقيم المرأة أبداً ، وليست المرأة تحت قيمومية الرجل ، ( الرجال قوّامون على النساء ) حين تكون المرأة في مقابل الزوج والزوج في مقابل المرأة وفي تلك الحالة يرد الكلام في القيومية ، علاوة على أن القيمومية ليست دليلاً على الكمال والتقرب إلى الله ، مثلما ان في جميع الوزارات المجامع والمراكز هناك أشخاص قوامون على آخرين كالمدير ، المسؤول والرئيس وأمثالهم ، ولكن هذه الإدارة ليست فخراً معنوياً ، بل هي عمل تنفيذي .
فالشخص الذي يصبح رئيساً أو مسؤولاً وقيماً وقوّاماً لا يكون أقرب إلى الله ، بل إن ذلك مسؤولية تنفيذية فقط ، ومن الممكن ان الشخص الذي لا يتولى رئاسة تلك المؤسسة يعمل باخلاص أكثر من القيم ويحصل يوم القيامة على أجر أفضل ، ويكون عند الله أقرب ، فالقوامية تتعلق بأعمال الإدارة والأعمال التنفيذية ودليلها بينه القرآن بهذا الشكل : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا
جمال المرأة وجلالها
ـ 344 ـ
أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )
(1) ، إن المسائل الاجتماعية والحسن الاقتصادي والسعي والجهد لتحصيل المال وتأمين حاجات المنزل وإدارة الحياة يتولاها الرجل بصورة أفضل ، ولأن الرجل مسؤول عن تأمين النفقة فمسؤولية المنزل الداخلية تكون بعهدته ، ولكن ليس بمعنى أن يحصل من هذه المسؤولية على مزية ويقول : أنا أفضل لأنني مسؤول ، بل إن هذا هو عمل تنفيذي ووظيفة وليس فضيلة ، روح القوامية هي وظيفة ، والقرآن لا يقول للمرأة إنك تحت أمر الرجل ، بل يقول للرجل تولّ مسؤولية المرأة والمنزل ، إذا اعتبرنا هذه الآية بصورة تبيين وظيفة لا إطاء مزية ، عند ذلك يتضح معنى ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) أي ( يا أيها الرجال كونوا قوّامين ) ، كما أن الله أمرنا لتنفيذ المسائل القضائية وقال : ( كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ )
(2) .
إن ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) وان كانت جملة خبرية ولكن روحها إنشاء ، أي أيها الرجال كونوا قوّامين على المنزل ، كونوا مسؤولين عن المنزل ، قواموا بالأعمال في الخارج ، تولوا إدارة الحياة في المنزل ، لذا يجب أن لا يعمل الرجل عملاً بحيث يؤذي المراة في داخل المنزل ، وأن لا يأكل الطعام في الخارج لأن الخارج هو محل عمله فقط ، وراحة وحياة الرجل هي في البيت .
( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا )
(3) .
**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 34 .
(2) سورة النساء ، الآية : 135 .
(3) سورة الروم ، الآية : 21 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 345 ـ
( الرجل قوامون على النساء ) ليس بمعنى أن المرأة اسيرة الرجل ، والرجل قوّام وقيوم ومدير ويستطيع ان يعمل برغبته ، سواء آراد ان يذهب إلى المنزل أو لم يرد ، بل القرآن يقول اللنساء أيضاً أن يحترمن هذا الإدارة والمسؤولية الداخلية ، ويقول للرجل أنت موظف وهذه هي وظيفتك وليس مزيتك عند ذلك حين يفرغ الرجل من محيط العمل يذهب مباشرة إلى المنزل ، وإذا كان اللمجتمع هكذا فسوف يكون أساس المجتمع قوياً ، ويرحل الطلاق وينتهي الفساد ويتربى أبناء صالحون ، إن ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) لم تأت أبداً لتعطي فتوى من طرف واحد وتقول للرجال أنت آمر واعمل كل ما تريد ، لأن الرجل إذا خرج من محل العمل ولم يذهب إلى المنزل فهو ليس قوّاماً وقيوم وآمراً ومديراً ، بناء علىهذا ، إذا ذكر الإسلام هذين الحكمين إلى جانب بعضهما البعض وأمر المرأة بالتكمين في مقابل الزوج وأمر الرجل بالمسؤولية في مقابل المرأة .
فهو بيان وظيفة فقط ، وأي منهما ليس معيار فضيلة ولا يؤدي إلى نقص ، لو قيل لرئيس مؤسسة : ابذل جهداً حتى تثبت نظام تلك المؤسسة ، فهذا ليس بمعنى أن هذا النظام تحت اختيارك ، وأنت تختار ، ذهبت أم لن تذهب ، المقصود هو : إذهب وثبته ، لذا لا ترون في أية في مسألة النة أن درجات الرجل تكو أكثر من درجات المرأة ، بل توزع هناك على أساس العلم والعمل الصالح .
النتيجة ، أولاً : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) تتعلق بالفصل الثاني من البحث وليس الفصل الأول ، أي تتعلق بالمرأة في مقابل الزوج وليس المرأة في مقابل الرجل ، ثانياً : هذه القيمومة ليست معيار فضيلة بل هي وظيفة .
قيمومة المرأة والرجل هي في محور أصول الأسرة ، أحياناً المرأة هي قيمة الرجل وأحياناً الرجل قيم المرأة ، وكثير من المسائل تتغير في الأصول
جمال المرأة وجلالها
ـ 346 ـ
العائلية ، اطاعة الابن للوالدين واجبة سواء كان ولداً أو فتاة ، وإذا عمل الاين عملاً يؤذي والديه يصبح عاقاً لوالديه ، وعقوق الوالدين حرام ، فإذا نهت الأم ابنها عن عمل وقالت : إن هذا العمل يسبب ايذائي ، هنا إطاعة الأم واجب ولا يستطيع الابن ان يقول : إنني لم أعد تحت أمر أمي لأنني الآن في رفبة الاجتهاد أو انني أصبحت مهندساص أو طبيباً وأمثال ذلك ، وفي الحقيقة المرأة في هذه الحالات هي القيمة على الرجل ، الأم قيمة على الابن ولو كان الابن مجتهداً أو متخصصاً ، في المسائل المتعلقة بداخل الأسرة هناك مجموعة حقوق متقابلة ، بين المرأة والزوج ، والأم والابن ، والأب والابن .
النظرة المادية والإسلامية
إذا اعتبر شخص ان معيار التفضيلة يتلخص في المسائل المالية والمنصب والمقام فيجب أن بعيد النظر في أساس تفكيره وتقييمه ، إن النظام الذي ينظر إلى المسائل من محور الطبيعة والمادة يعتبر الشخص الذي لديه طاولة أكبر ومنصب أكبر وراتب شهري أكثر ، هو أفضل ، أما الإسلام فلا يعطي لهذا النوع من الأمور قيمة ويقول : إن عظمة الإنسان هي بروح الإنسان والشيء المنفصل عن روح الإنسان هو أداة تنفيذية فقط .
بناء على هذا فإذا كان شخص يتمتع بمزايا خارج النفس فقط ، فنفسه لم تتكامل والشيء الذي هو عامل كمال النفس يجب أن يكون مزايا روحية وهو غذاء الروح ، وغذاء الروح تشكله المعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة ، وفي هذه الناحية ليس هناك امتياز المرأة والرجل .
العظمة الحقوقية والاجتماعية للمرأة في القرآن
جاء في القرآن بشأن العظمة الحقوقية والاجتماعية للمرأة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ
جمال المرأة وجلالها
ـ 347 ـ
لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )
(1) .
إن المسائل المتعلقة بحقوق المرأة بعضها يتعلق بالإرث وبعضها يتعلق بالنكاح وبعضها يتعلق بتعدد الزوجات وبعض آخر يتعلق بالمهر وأمثال ذلك ، ولأن هذا النوع من المسائل بينها عدد كثير منهم المرحوم العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان وكتب المتأخرون كتباً أيضاً بتوجيهات ذلك المفسر الكبير في العالم الإسلامي ، لذا سوف لا نبحث في ذلك المجال .
أما في هذا القسم فينبهنا القرآن ويقول : يجب أن تعاشر المرأة بالمعروف وهذه العشرة لا تختص العائلية ، أحياناً يصور التعصب الجاهلي أو رواج ثقافة غير صائبة أو تعصب ساذج وأمثال ذلك ، للرجل انك لا تستطيع التعارن مع المرأة مؤسسة من المؤسسات أو ان المرأة لا تستطيع ان تتواجد في المجتمع بشكل فعال : يقول القرآن الكريم في هذا المجال ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ) إذا لم يشركم ان يكون لهن منصب مثلكم ويكون لهن حضور في المجتمع وميدان السياسة ومجال الطب والثقافة والتدريس ، فتحملوا هذا الأمر لعله يكون هناك خير كثير في هذا الأمر و أنتم لا تعلمون ، لذا لما ان القرآن الكريم يقول بشأن الحرب والدفاع : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ )
(2) بيّن شبيه هذا التعبير بشأن
**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 19 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 216 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 348 ـ
حضور المرأة في الحياة الاجتماعية ومسائل الحياة وقال : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) المعروف ، أي المعترف به رسمياً ، الشيء الذي يعترف به العقل رسمياً والمعترف به رسمياً عند صاحب الشريعة هو المعروف ، والشيء الذي لا يعترف به العقل والدين رسمياً ، فهو نكرة ويصبح منكراً ، قال بأن تعامل المرأة بشكل يعترف به العقل والشرع رسمياً ، أي اعترف به رسمياً عند الوحي والعقل ، وأن لا تعزل هذه الشريحة العظيمة ولا تعامل معاملة سيئة ، طبعاً سيادة الرجل في داخل المنزل هي مسألة تتعلق بالفصل الثاني من البحث ولكن يجب أن لا تكون سيادة للرجل في المجتمع ، ويجب أن لا يقال : إن هذا الفرع العلمي يتعلق بالرجل ولا تستطيع المرأة أن تتولاه ، أو أن المرأة تستطيع ان تتخصص في العلوم التجريبية والإنسانية وأمثالها .
ثم قال : ( فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ ) ، إذا لم يسركم أن تتمتع النساء بحياة اجتماعية صحيحة وسليمة فاعلموا ان كراهتكم هذه غير صحيحة ( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، إن ( وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) هي أهم من مسألة الجهاد تلك ، لأن الجهاد والدفاع هو أمر مؤقت ، أما حضور المرأة في الساحة فهو دائمي والحياة الاجتماعية للمرأة تستطيع أداء دور أكثر تأثيراً في مسألة الجهاد والدفاع .
العاطفة في المجتمعات الغربية والإسلامية
يجب عدم اختصاص الأعمال التنفيذية ، بمجموعة خاصة ، هناك وظائف عينت للرجال مثل مسؤولية المجتمع ، والقضاء ، والمسائل الدفاعية والحربية وأمثالها ، حيث أن العاطفة والعفة الوافرة في هذه المسائل مضرة .
ولكن الرجال تولوا هذه المناصب ضررهم ناتج عن أنهم لم
جمال المرأة وجلالها
ـ 349 ـ
يستطيعوا ان تكون لهم عشرة بالمعروف مع نساء المجتمع ولم يستفيدوا من مشاعرهن ورقة قلوبهن ، حيث اطلقوا الحرية للمرأة وأصبحن مسخرات للغرائز بدون ان يصبحن مسخرات العواطف ، ولكن الإسلام حرر المراة وسخر المجتمع لعواطفها لذا بني مجتمعاً عاطفاً ، وأقام رأفة رحمة في المجتمع الإسلامي ، أما ما يلاحظ من عدم وجود أية عاطفة في بعض المجتمعات وأحياناً يحرق أكثر من ماثتين وتسعين شخصاً في الجو بواسطة القوى الكبرى الغربية في قضية إسقاط الطائرة الإيرانية بواسطة سفينة امريكية ـ أو يلاحظ ان مناطق مثل حلبجة ، تتعرص إلى أسوأ وضع من التسمم بالقنابل الكيمياوية ، ويقتلون الرجال والنساء معاً مع انهم كانوا أنصار حرية المرأة وجاؤوا بالمرأة إلى الساحة وعاشوا مع المرأة ، من أجل أهم أصبحوا مسخرين لغريزة وطبيعة المرأة لا مسخرين لعاطفتها ، أي انهم محرومون من الفن والفضيلة والجمال الذي أعطاه الله إلى المرأة باسم العاطفة والرحمة والرقة .
ما اعطاه الله إلى طبيعة المرأة قاموا بتسليطه على انفسهم ، إن ما اعطاه الله تعالى إلى فطرة المرأة وروح المرأة اعطاه إلى المرأة بوصفه فضيلة ، ولكن الدنيا المادية لم تستفد من ذلك باسم الرحمة والعاطفة والعفو والرقة ، لذا قام العالم المعاصر بعرض المرأة وكثرت وحشية المجتمع ، أما العالم الإسلامي فيأتي بالمرأة إلى الساحة حتى يسخر المجتمع لعواطف المرأة ، وليس الغريزة المرأة ، الرواية التي تقول :( المرأة عقرب )
(1) .
هذا الرواية تشير إلى ذلك الشيء الذي ابتلي به في العالم الغربي ، أما الرواية التي يقول فيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لابنه :
**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الكلمات القصار ، 58 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 350 ـ
( فان المرأة ريحانة وليست بقهرمانه )
(1) ، فهي الفضيلة التي تكامل بها المجتمع الإسلامي ، لذا ترون أن ذلك العنف الموجود في الحروب غير الإسلامية غير موجود في الحروب الإسلامية ولا تشاهد عند المسلمين تلك الوحشية التي لدى الآخرين ، ومع أ، المسلمني يدعون المرأة إلى الحجاب ، ولكنهم يستفيدون من عاطفة المرأة بوصفها محوراً تربوياً .
الإسلام يأتي بالمرأة إلى الساحة في ظل الحجاب وسائر الفضائل حتى تصبح معلمة في العاطفة ، والرقة واللطف والصفاء والوفاء وأمثال ذلك ، والعالم المعاصر سلب الحجاب من المرأة حتى تدخل إلى السوق بوصفها لعبة وتؤمن الغريزة ، عندما تأتي المرأة إلى المجتمع برأسمال الغريزة ، عند ذلك ليس هي معلمة في العاطفة ، فتأمر بالشهوة وليس العفو ، لذا ترون في الغرب أن الشفقة والرحمة قليلة الأثر وما هو سائد هي القوة ، لا يحق للبلدان الضعيفة ان تحيا ، لا يحق للناس المحرومين الحياة بأي وجه ، الذين يرسلون طاقماً لمساعدة السفن الفضائية ، يحترق أقرب محيط بظلمهم ، سر ذلك هو أن المرأة بدون عاطفة ، تأمر الغريزة والشهوة ، والشهوة لا تحمل معها إلا العمى والصمم .
ان المراة مع الحجاب فتأمر بالعاطفة والعاطفة تحفظ البنيان المرصوص ، هذا البنيان المرصوص صرح ، لا يمكن أبداً بناء صرح كله من الحديد والحجر الصلب ، بل من اللازم وجود مادة لينة ، حتى تحتضن الأحجار الباردة والصعبة والحديد المتصلب ، المرأة هي مظهر العواطف والمشاعر ، وإذا سلب العاطفة من المجتمع فكأنه سلب هذه المادة من طبقات هذه الجدران والأحجار والصخور ، مما يؤدي إلى سقوط ذلك الصرح ، لذا يؤكد الإسلام أن تأتي المرأة إلى المجتمع ولكن بحجاب ، أي تأتي لتعطي
**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الرسالة 31 .