هنا هو النقل ، ويستدل أحياناً بالبرهان العقلي والمصدر هنا هو العقل وليس النقل ، وأحياناً يستند إلى الكشف والشهود ، والمصدر هنا هو العرفان وليس البرهان ، ولهذا فإن البرهان والعرفان هما خادمان للقرآن ، والقرآن الكريم هو الذي يحلل برهان المبرهنين ويبين شهود العارفين ، من هنا فان هناك انسجاماً لا يقبل التفكيك بين البحوث العرفانية والبرهانية من ناحية والبحوث القرآنية من ناحية أخرى ، لهذا قد يستعان من الأدلة العقلية في البحوث القرآنية ، أو يستعان بالشواهد العرفانية ، حيث أن من الممكن الاستفادة خلال البحوث البرهانية أو العرفانية من آية من آيات القرآن ، أو رواية من أحاديث العترة الطاهرة عليهم السلام ، أما المصادر البحثية فهي منفصلة بمن بعضها البعض .

ملاحظة :
  إن حجية البرهان العقلي متساوية بالنسبة للجميع ، لأن قدرته الاثباتية واضحة للجميع إلى حد ما ، ولكن حجية الشهود والكشف ثابتة للشاهد وليس للآخرين بعد التطابق مع الميزان الإلهي وهو القرآن والعترة ، إلاّ أن يقطع الآخرون أيضاً تلك المراحل .
  اتضح ان محور البحث هذا هو المراة في مقابل الرجل ، وليس المرأة في مقابل الزوج وان المصادر البحثية هي البرهان والعرفان والقرآن ، وعليه فان البحث سينحصر في ثلاثة فصول ، أي نظر القرآن والروايات ، نظر العرفان ، ونظر البرهان .
  ويلزم الإشارة في هذه المقدمة إلى انه كما يوجد في القرآن تعبد وبرهان عقلي أيضاً ، وإنه يقدم طريق الشهود ، كذلك الروايات تقطع هذه الطرق الثلاثة ، لأن بعضها هو تعبد صرف وقسم آخر منها احتجاجات

جمال المرأة وجلالها   ـ 52 ـ

  عقلية ، وقسمها الثالث هو إظهار طريق الشهود ، وعندما تتضح هذه المقدمات التي تتولى تبيين محل البحث وتحليل العلاقات بين تلك المصادر عند ذلك يمكن الدخول في أصل البحث وهو : ما هي حقوق المرأة والرجل بنظر القرآن والعترة الطاهرة ـ أي بنظر الإسلام ـ ؟ وما هو الاختلاف بين المرأة والرجل ؟ .

جمال المرأة وجلالها   ـ 53 ـ

المرأة بنظر القرآن
القرآن هادي الإنسان :
  مسألة ان المرأة تتمتع بأية مكانة عظيمة في القرآن ، تقوم على أي موقع للإنسان في القرآن ، لأن القرآن لم يأت فقط لهداية ( الرجل ) ، بل جاء لهداية ( الإنسان ) ، لذا عندما يشرح هدف الرسالة ، ويبين غرض نزول الوحي يقول :
  ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ ) (1) .
  ان كلمة ناس المطروحة في القرآن بعنوان ( هداية الإنسان ) لا تلحظ صنفاً خاصاً أو مجموعة خاصة ، بل تشمل المرأة والرجل بشكل متساوٍ .
  في القرآن الكريم هناك تعبير ( ناس ) تارة وتعبير ( إنسان ) تارة أخرى قال تعالى : ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) (2) .

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 185 .
(2) سورة الرحمن ، الآيات : 1 ـ 4 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 54 ـ

  في الآية الأولى ، كلام عن تعليم القرآن ، ثم كلام عن خلق الإنسان ، ثم كلام عن تعليم البيان ، ومع ان النظم الطبيعي هو ان الإنسان يخلق أولاً ، ثم يتعلم البيان ، ثم يفهم القرآن ، ( الرحمن * علّم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان ) الرحمن ، هو المعلم ، ورحمته واسعة .
  ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (1) .
  أي ان استاذاً عاماً يدرس ، إذا قيل : إنّ مهندساً يدرس ، فذلك يعني أنه يدرس هندسة ، طبيب يدرس ، فيعني أنه يدرس الطب ، وإذا قيل أن أديباً يدرس ، فيعني أن دراسته أدبية ، وإذا قيل أن الرحمن يدرس ، فيعني انه يدرس الرحمة التي لا نهاية لها ، وإذا بيّن معنى الرحمة ومصاديقها في القرآن يتضح ما هو الدرس الذي يعطيه مدرس الرحمة للناس ، وكيف أن النبي الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو رحمة للعالمين ، أنه نفسه درس معلم ، هو الرحمن ، إذا لم يستعن أحد برحمة الله ، فهو ليس بإنسان ، وإذا لم يكن الشخص إنساناً فهو بهيمة ، وإذا أصبح بهيمة ، فكلامه مبهم ، وإذا كان كلامه مبهماً ، فقوله ليس بياناً .
  بناء على هذا فان هذه الدرجات الأربع هي في طول بعضها البعض ، فالله معلم بعنوان ووصف الرحمانية في البداية ، وعندما يتربى التلميذ في مدرسة الرحمة هذه ، يصبح إنساناً ، وعندما يصبح انساناً ، فكلامه واضح وقوله بيان ، لذا فهذه الأمور الأربعة تنظم ( بعضها قبل بعض وبعضها بعد بعض ) .
  الخلاصة ان الله تعالى . حين ذكر أن القرآن ( هُدًى لِّلنَّاسِ ) و ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) ، وتلاميذ هم الناس ، عند ذلك ليس الكلام عن

**************************************************************
(1) سورة الأعراف ، الآية : 156 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 55 ـ

  الامرأة والرجل ، أما التعابير مثل ( فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (1) وأمثالها ، التي وردت في القرآن ، فالكلام هو أن كل من يتبع الوحي يأخذ عوناً ، بناء على هذا فالكلام أيضاً ليس عن المرأة والرجل ، كان هذا نموذجاً يقوم على أن القرآن هو ( هُدًى لِّلنَّاسِ ) وهو برنامج تدريسي للناس ، وليس المراد من ( الناس ) صنفاً خاصاً .

القرآن معلم أرواح الناس :
  ان القرآن هو لتعليم وتزكية الروح الإنسانية ، والروح من ناحية إنها موجود مجرد ، فهي لا مذكر ولا مؤنث ، ففي القرآن كلام عن تزكية الروح وليس كلاماً عن المرأة والرجل حتى يقال انهما متساويان .
  ان العالم الغربي يقول : ان الإنسان نوعان أو صنفان ، امرأة ورجل ، ولكنهما متساويان في المسائل التعليمية والتربوية ، أي أن المرأة تساوي الرجل ، والرجل هو نظير المرأة ، وهذا بنحو سالبة بانتفاء المحمول ، أي أن هناك امرأة وهناك رجل ، ولكنهما لا يختلفان ، ولكن عندما يقول الإسلام : ان الهدف من نزول الوحي هو التعليم والتربية ، وتزكية النفوس وتهذيب القلوب ، ولا فرق بين المرأة والرجل ، فهذا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول ، أي أن محور التعليم والتربية هو أرواح الناس ، والروح لا هي مذكر ولا مؤنث ، وليس في الأمر امرأة ورجل أصلاً ، لا أنه هناك امرأة ورجل ولكنهما متساويان ـ حتى تصبح قضية موجبة ـ أو ان بينهما فرقاً ـ حتى تصبح قضية سالبة ـ لأن صدقها هو بانتفاء المحمول لا بانتفاء الموضوع ، ان ما يقال : ان الفرق بين الموجبة والسالبة هو في أن السالبة صادقة بانتفاء الموضوع أحياناً ، يصدق هنا .

**************************************************************
(1) سورة إبراهيم ، الآية : 36 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 56 ـ

  الخلاصة هي أولاً : ان الأنوثة والذكورة تتعلق بالجسم ، لا بالروح ، وثانياً : ان التعليم والتربية والتهذيب والتزكية هي للنفس ، ثالثاً : أن النفس هي غير البدن ، والبدن هو غير النفس ، وفي صف درس القرآن تجلى الروح أساساً ، لا البدن ، والروح أيضاً ، ليست امرأة ولا رجل ، فرق كثير بين الموجبة المحصلة أو السالبة التي موضوعها موجود ، ولكن محمولها منتفٍ ، وبين السالبة التي صدقها ، بانتفاء الموضوع .
  ان قول الله : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) (1) .
  هل الروح هي مذكر أم مؤنث ؟ أو قوله تعالى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (2) .
  إن الروح من ناحية أنها موجود مجرد ، ليس لها هيكل ليكون أما هكذا أو هكذا . أو قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) (3) .
  أيها الإنسان إنك سالك إلى الله ، هل البدن يسافر ، حتى تقول : إن هؤلاء السالكين على صنفين : بعضهم نساء وبعضهم رجال ؟ إن الروح هي التي تسافر ، والروح ليست مؤنثاً ولا مذكراً ، إن هذه من المعارف الرفيعة التي يمكن ان تقال : ( وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) (4) .
  أي هي من المعارف التي جاء بها الأنبياء فقط في القرآن الكريم يقول

**************************************************************
(1) سورة الشمس ، الآيتين : 7 ـ 8 .
(2) سورة الحجر ، الآية : 29 .
(3) سورة الانشقاق ، الآية : 6 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 151 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 57 ـ

  تعالى : ان بعض الأشياء نعلمكم إياها ليس بعنوان تأسيس ، بل بعنوان إمضاء وتأييد ، ولكن هناك مجموعة مسائل ومعارف نأتي بها وهي ليست فقط بعيدة عن متناول البشرية في الماضي القريب أو البعيد ، بل إن البشرية لا تستطيع الوصول إليها في المستقبل القريب أو البعيد أيضاً ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) وليس ( ما لا تعلمون ) .
  القرآن يعلم البشر شيئاً لا يقدر البشر أن يفهمه من عنده ، وهذه الآية هي طرية كل يوم ، انها تحدثنا كل يوم وتقول : إن لديّ بياناً جديداً وطرياً ليس في متناول البشر ، وهذا التعبير الرفيع قاله تعالى في شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً : ( وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) (1) .
  فهذه ليست ( علّمك ما لم تعلم ) أو ( ما لا تعلم ) ، مع كل ما لدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نبوغ وقابلية خاصة ، فان الله تعالى يقول انه علم النبي شيئاً لم يكن بمقدوره أن يعلمه ، مسأله الغيب ، ومسألة البرزخ ، ومسألة القيامة ، ومواقف القيامة ، ومسألة الجنة ، ومسألة جهنم ، والاسماء الحسنى الإلهية ، ومئات المسائل الغيبية الأخرى ، هذه ليست في متناول شخص ، بناء على هذا فإن الكلام يبقى جديداً كل يوم ( ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) .

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 113 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 58 ـ

حقيقة الإنسان ليست مذكراً ولا مؤنثاً
  في كل بحث يجب عدم الالتزام بأن الجواب هو بنحو الايجاب حتماً ، لأن من الممكن ان تكون ثمرة بحث ما سلبية فقط ، فمثلاً أحياناً يدخل الإنسان في بحث حقوق المرأة على أمل أن تكون النتيجة هي تساوي هذين الصنفين أو تفاضلهما ، ولكن يتضح في ما بعد أن ثمرة ذلك سلبية ، يجب عدم التوقع أبداً أن ثمرة الأستنباط تكون أحد أمرين إما التساوي أو التفاضل ، بل قد تكون نتيجة البحث هي أن المرأة والرجل غير متساويين ولا متمايزين ، لأنه ليس هناك موضوع للتساوي أو الاختلاف ، بعبارة أخرى قد يبحث الإنسان أحياناً في هل أن ألف وباء متساويان مثلاً أم متمايزان ، هنا يعلن في النتيجة أحد الأمرين ويقول : إن ألف وباء وهما أمران وكلاهما مساوٍ للآخر ، أو انهما متمايزان مثلاً .
  في هذا المحور الخاص ، القضية هي منفصلة حقيقية ـ لا تخرج عن حالين ـ ولكن الإنسان يبحث أحياناً للحصول على التساوي أو الاختلاف ولكن حين يدقق يرى أن لا ألف في الموضوع ولا باء ، عند ذلك يجب أن يقول : ان الموضوع ليس لبحث التساوي أو الاختلاف ، لأن التساوي

جمال المرأة وجلالها   ـ 60 ـ

  والاختلاف هما عدم وملكة ـ وليسا سلباً وإيجاباً حتى يكون رفع كليهما مستلزماً لرفع النقيضين ـ أي أن موضوعاً خاصاً عندما يوجد في الخارج ، ثم ننسبه إلى موضوع آخر لا يخرج من حالين ، إما هو مساوٍ له أو غير مساوٍ ولكن إذا لم يكن هناك تعدد وكثرة لا يكون أيضاً تساوٍ أو اختلاف ، لأنه يلزم في إثبات أحد الأمرين المذكورين أن يكون شيئان موجودين حتى يكونا إما متساويين أو مختلفين .
  ان القرآن الكريم حين يطرح مسألة المرأة والرجل يقول : انه لا ينظر لهذين الأثنين من جهة الذكورة والأنوثة ، بل من جهة الإنسانية ، وروح الإنسان هي تشكل حقيقته لا بدنه ، إنسانية الإنسان تحققها روحه لا جسمه ، ولا مجموع الجسم والروح .

أصالة الروح وفرعية البدن
  لو كان للجسم دور في إنسانية الإنسان ـ بصفة تمام الذات أو جزء الذات ـ لكان هناك كلام عن المذكر والمؤنث ، وكان يجب البحث هل أن هذين الصنفين متساويان أم متفاوتان ؟ ولكن إذا كانت حقيقة كل شخص تشكلها روحه ـ وجسمه ليس أكثر من أداة ، وهذه الأداة هي أحياناً مذكر وأحياناً مؤنث ـ والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، فان البحث عن تساوي المرأة والرجل أو تفاوت هذين الصنفين في المسائل المتعلقة بحقيقة الإنسان ينتهي ، أي يكون سالبة بانتفاء الموضوع ، وليس بانتفاء المحمول ، ولأن التساوي والتفاوت هما عدم وملكة ، وليسا سلباً وإيجاباً ، لم يرد حينئذٍ كلام عن التساوي ولا كلام عن التفاوت .
  ان القرآن الكريم اعتبر أن حقيقة كل إنسان روحه ، والبدن أداتها ، وهذا لا يتنافى مع أن يكون للإنسان بدن في نشأة الدنيا والبرزخ والقيامة ،

جمال المرأة وجلالها   ـ 61 ـ

  وكما أن لديه بدناً في الدنيا ، والبدن هو فرع ـ وليس اصلاً ولا جزءاً من الأصل ـ كذلك أيضاً في البرزخ والقيامة ، حيث ان الله تعالى ينسب البدن الذي هو فرع إلى الطبيعة والتراب والطين ويسند الروح التي هي أصل ، إليه ويقول : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (1) .
  إن روح الإنسان منزهة عن الذكورة والأنوثة .
  عندما كان منكر والمعاد يقولون : ان الإنسان يفنى بالموت وليست هناك حياة بعد الموت : ( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد ) (2) .
  قال تعالى : ( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) (3) .
  ملك الموت مأمور بالتوفي ، ولو فقد من الإنسان شيء في الموت فانه لا يكون استيفاء وتوفياً ، فجميع حقيقة الإنسان هي روحه التي تقبض وان تحلل البدن ، البدن طبعاً يرافق الإنسان في جميع المراحل اللاحقة ، ويكون في كل مرحلة مناسباً لتلك المرحلة .
  إذا أردنا ان نرى هل ان هذين الصنفين المرأة والرجل متساويان أم متمايزان ، أم ان ليس هناك صنفان أساساً ، فان طريق تحقيقة هو ان نرى ما هو أساس القيمة والفضيلة ؟ ومن هو الذي يصبح ثميناً وفاضلاً ؟ هناك فصل يتولى بيان المسائل القيمية ، وفصل آخر يتولى بيان أصحاب القيم

**************************************************************
(1) سورة الاسراء ، الآية : 85 .
(2) سورة السجدة ، الآية : 10 .
(3) سورة السجدة ، الآية : 11 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 62 ـ

  والفضيلة ، عدم تأثير الذكورة والأنوثة في القيم وأصحاب القيم : الفصل الذي يحدد القيمة وضدها تمثله الآيات التي تعتبر العلم قيمة ، والجهل ضد القيمة ، الايمان قيمة ، والكفر ضد القيمة ، الذلة والعزة ، السعادة والشقاوة ، الفضيلة والرذيلة ، الحق والباطل ، الصدق والكذب ، التقوى والفجور ، الاطاعة والعصيان ، الانقياد والتمرد ، الغيبة وعدم الغيبة ، الأمانة والخيانة ، تعتبرها عنوان مسائل قيمية أو ضد القيم ، وهذه الأوصاف ليست مذكرة ولا مؤنثة ، والفصل الذي يتولى بيان موصوف هذه القيم ، يقول ان موصوف هذه الأوصاف ليس بدناً أبداً ، أي أن البدن ليس مسلماً أو كافراً ، عالماً أو جاهلاً ، تقياً أو فاجراً ، صادقاً أو كاذباً ، محقاً أو مبطلاً ، فاضلاً أو رذيلاً .
  ان العقل النظري الذي وصفه هو الفكر والعلم ، ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، والقلب الذي عمله الكشف والشهود ، ليس مذكراُ ولا مؤنثاً ، والروح التي وصفها الفجور والتقوى ، ليست مؤنثة ولا مذكرة ، كما ان الفجور والتقوى ليسا مذكرين ولا مؤنثين .
  إذا كانت المسائل التي تعود إلى العلم ـ سواء العلم الحصولي أو العلم الحضوري ـ ليس فيها ذكورة وأنوثة فإن العالم الذي يتصف بالعلم الحصولي أو الشهودي ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، إذ لم يكن هناك في المسائل العلمية كلام على الذكورة والأنوثة لا من حيث الصفة ولا من حيث الموصوف ، لا يمكن بحث أن المرأة والرجل متساويان في المسائل العلمية أو متمايزان ؟
  وكذلك في المسائل الأخلاقية التي تعود إلى ( العقل العملي ) مثل

جمال المرأة وجلالها   ـ 63 ـ

  الإرادة ، الاخلاص الايمان ، التصديق ، التهذيب الصبر ، التوكل ... والمسائل التي من هذا القبيل ، ليست مذكرة ، ولا مؤنثة والعقل العملي الموصوف بهذه المسائل الاخلاقية هو أيضاً لا مذكر ولا مؤنث ، أي ان الصبر إذا لم يكن فيه ذكورة أو أنوثة ، فالصابر ليس مذكراً ولا مؤنثاً . يجب عدم التفكير ، بأننا نقول صابر صابرة .
  عالم وعالمة التأنيث اللفظي يجب عدم إدخاله في المسائل التحليلية ، لأن العالم أو المؤمن ، أي صاحب قيمة هي الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً ، وإذا طرح شخص الذكورة والأنوثة في هذه الابحاث ابتلي بالمغالطة ـ من باب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ـ سواء كان بصورة تأييد وإبرام أو بنحو تخريب ونقض .

الروح صاحبة قيم :
  إذا كان الكلام في محور القيمة عن المسائل البدنية ، وكان موصوف هذه المحمولات والأحكام البدن أيضاً ، فحينئذ يمكن البحث عن اختلاف أو مساواة المرأة والرجل .
  في القرآن الكريم طرحت محمولات القضايا ـ سواء القيمة أو ضد القيمة ـ وكذلك الموضوعات ، وفي بيان موضوع هذه المحمولات ، يتكلم أحياناً عن الروح ، وأحياناً عن النفس ، الفؤاد ، أو القلب ، وأحياناً يتكلم أيضاً عن الصدر و ... وكل هذه تعبر عن تلك اللطيفة الإلهية التي هي موجود مجرد ، غاية الأمر ان القرآن الكريم يذكر روح الإنسان بما يناسب الشأن ، لأن الروح ليست بسيطة محضة بل لها شؤون متنوعة ، فأحياناً يذكر الروح بالقلب أو الفؤاد بسبب التناسب مع وصف خاص ، وأحياناً بالنفس وأحياناً بالصدر أيضاً و ... هذه موصوف محمولات قيمية .
  الخلاصة ان الفصل الذي يبين أصحاب القيم والفصل الذي يبين

جمال المرأة وجلالها   ـ 64 ـ

  معيار القيم يقول : ان الموصوف والصفة منزهتان من الذكورة والأنوثة ، فالصفة منزهة والموصوف مبرأ ، فلا يطرح الكلام قطعاً عن التساوي أو التفاوت .
  وعندما يقول الإسلام ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي هي سالبة بانتفاء الموضوع ، وعندما لا نعثر في المسائل العلمية وهي معيار من معايير القيمة وكذلك في المسائل العملية التي هي من معايير القيمة ، أي كلام عن المذكر والمؤنث ، نتيقن أن موصوفها ليس مذكراً أو مؤنثاً ـ هذا هو من باب التبعية ـ كما أنه إذا لم نعثر في الموصوف الذي هو روح على أي مؤشر عن المذكر والمؤنث ، فإن وصفه أيضاً منزه من الذكورة والأنوثة ـ هذا أيضاً عن طريق التلازم ـ كما ان التحليل النفسي لكل من الصفة والموصوف يوصلنا أيضاً إلى هذه النتيجة ، أي عندما اثبتنا أن الموصوف والصفة منزهتان عن الذكورة والأنوثة تحصل نتيجتان : إحداهما بالمطابقة والأخرى بالالتزام خلق الروح ، بعد إتمام البدن :
  قال تعالى : ( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ) (1) .
  عندما يتكلم الله في شأن الروح يقول : إنه بعد أن تمت نشأة الطبيعة وانتهت التحولات المادية ، خلقت خلقاً ( آخر ثم أنشأناه خلقا آخر ) ، أي خلقته شيئاً آخر ليس من قبيل الماضي مثل اللحم والجلد والعظم ، بل هو شيء آخر منفصل عن نشأة الطبيعة ، ذلك الخلق الآخر يكون بعد اكتمال الجنين في صورة مذكر أم مؤنث ، ولكن من بعد ذلك لا يدور الكلام على الذكورة والأنوثة ، عند خلق المضغة عظاماً ، عند كسو العظام لحماً

**************************************************************
(1) سورة المؤمنون ، الآية : 14 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 65 ـ

  ( فكسونا العظام لحماً ) ، وعند التصوير : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء ) (1) .
  كان الكلام عن الذكورة والأنوثة .

عدم مادية الرجوع إلى الله
  فما هو معيار القيمة منزه عن الذكورة والأنوثة ، وعند الكلام عن الرجوع إلى الله ، يذكر بالنفس المطمئنة ، الرجوع إلى الله ليس منسوباً إلى البدن ، يتعلق بالروح ، لأنه لو كان البدن يرجع وكان الرجوع جسمياً ومادياً لأصبح المرجع ـ معاذ الله ـ أمراً مادياً ، لأنه إذا اقترب البدن ، فهو قرب مادي ، والقرب المادي هو للشيء المادي ، أما الذات التي : ( أنت الداني في علوه والعالي في دنوه ) (2) .
  فإنه منزه عن القرب والبعد المادي ، أنه قريب لكل شخص يدعوه في كل الظروف : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) (3) .
  انه منزه عن القرب والبعد المادي ، فإذا اقترب شخص منه في الصلاة لان : ( الصلاة قربان كل تقي ) (4) .
  أو يتقرب إلى الله في العبادات الأخرى ، فله قرب معنوي ، وهذا القرب المعنوي ليس مذكراً ولا مؤنثاُ فما هو مقرب إلى الله ، ليس مذكراً ولا

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 6 .
(2) الصحيفة السجادية ، دعاء يوم عرفة .
(3) سورة البقرة ، الآية : 186 .
(4) بحار الأنوار ، ج 10 ، ص 99 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 66 ـ

  مؤنثاً ، عندما نقرأ في القرآن الكريم إن النفس ترجع إلى الله ، يتضح أنها مجردة ، أو حين يأتي القلب إلى الله : ( إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (1) .
  ( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (2) .
  ان الذي له ذهاب إلى الله ، أو الشيء الذي له رجوع إلى الله ، ليس له ذهاب مادي ، وليس له مجيء مادي ، فالذي يذهب ويقترب منزه عن المادة أيضاً .

اختلاف المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية
  الفرق بين المدرسة الإلهية والمدرسة الالحادية هو أن أولئك يقولون : ان المرأة والرجل لا يختلفان ، أي ان حقيقة الإنسان هي البدن ، وهذا البدن صنع بنحوين ، وهذان النحوان متساويان .
  والمدرسة الإلهية تقول : إن كل حقيقة الإنسان هي روحه رغم ان البدن لازم وضروري ، وبما ان الروح ليست مذكراً ومؤنثاً فاختلافهما سالبة انتفاء الموضوع وليس بانتفاء المحمول .
  رذائل ، ليست مذكرة ولا مؤنثة : كما أن الأمراض التي هي مسائل خلاف القيم تنسب إلى القلب ، تلك الأمراض المضادة للقيم ، ليست مذكرة ولا مؤنثة ، مثلاً قال تعالى : لنساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في سورة الأحزاب :

**************************************************************
(1) سورة الصافات ، الآية : 84 .
(2) سورة الشعراء ، الآية : 89 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 67 ـ

  ( ... فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ) (1) .
  يستفاد من هذه الآية الكريمة ان الرجل الذي يطمع لسماع صوت المرأة غير المحرم ، هو مريض ، هذا المرض ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، وذلك القلب المبتلى بهذا المرض لا هو مذكر ولا مؤنث ، كما قال تعالى في مسألة كتمان الشهادة في محكمة العدل في النظام الإسلامي : ( ... وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ... ) (2) .
  إذا كتم شخض الشهادة اللازمة في محكمة العدل ولم يؤدها فان قلبه عاصٍ ، العصيان والذنب مضاد للقيم ، والقلب المبتلى بالذنب ، كل منهما ليس مذكراً ولا مؤنثاً ، كما ان الرؤى والمعارف والمسائل الإسلامية والقلبية التي تعلم ليست مذكرة ولا مؤنثة ، قال تعالى بشأن القلب الذي يرى : ( ... وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ) (3) .
  وقال بشأن القلب الأعمى بالنسبة إلى المعارف : ( ... فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (4) .
  ذلك الجاهل هوالقلب ، ذلك العالم هو القلب أيضاً ، الشيء الذي هو مادي ليس وعاء للفكر والشيء الذي هو مجرد لا تقبل وصفاً مادياً ، بناء على هذا لا هو مذكر ولا مؤنث .

**************************************************************
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 283 .
(3) سورة التغابن ، الآية : 11 .
(4) سورة الحج ، الآية : 46 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 68 ـ

الملائكة مظهر للروح
  ان القرآن الكريم حين يخطىء كلام الوثنيين في مسألة أنوثة الملائكة ، ليس بهدف ان يثبت ذكورتهم ، بل من أجل ان يقول : إنهم منزهون عن الذكورة والأنوثة ، وإذا عرفهم بصفة عباد مكرمون :
  ( .. بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1) .
  فانه يذكر هذه الأوصاف نفسها أيضاً للأولياء ، أي ان موصوف هذه الصفة ليس مؤنثاً ولا مذكراً ، ذلك لأن موصوفه ليس الإنسان ولا هو ملك ، حقيقة الروح تلك إذا حصلت بهذه الصورة تصبح إنساناً ، وإذا ظهرت بتلك الصورة تصبح ملكاً ، فهي كائن مجرد غاية الأمر أن هذه الكائنات المجردة تختلف درجاتها وشؤونها الوجودية ، بعضها في حد ملائكة ، وبعض الملائكة أفضل وأكمل ، مثل الناس الكاملين و ... الروح ، تلميذ القرآن : عندما جعل الله سبحانه ، القرآن الكريم منهاجاً دراسياً ، وعرف نفسه معلماً ، فالعلم هو الله ، والمنهاج الدراسي هو القرآن ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) والتلميذ الذي يتعلم القرآن هو الروح وليس البدن ، الإنسان يترك هذا البدن في عالم الرؤيا وتحل له كثير من المسائل ، هناك لا مذكر ولا مؤنث ، طبعاً في عالم الرؤيا لأنه عالم برزخي يرافقه بدن برزخي ، ولكن الذي يفهم هي الروح التي لا هي مذكر ولا مؤنث .
  نتيجة البحث : إن السلامة المعنوية فضيلة والمرض المعنوي رذيلة ، وموصوفهما هو

**************************************************************
(1) سورة الأنبياء ، الأيتين : 26 ـ 27 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 69 ـ

  القلب والروح ، وهما ليسا بمذكر أو مؤنث ، ثم ، كما ان بعض الموصوفات مذكرة وبعض الموصوفات مؤنثة ، أي ان أبدانهما هكذا ، فالذين لهم بدن مذكر يختلفون عن بعضهم ، والذين لهم بدن مؤنث يختلفون كذلك أيضاً ، أحياناً يختلف هذان الصنفان بلحاظ البدن وليس بلحاظ الروح ، هذه هي خصائص مقطعية لا أنها تكون موصوفاً أو صفة في أصل البحث .
  هذا هو طرح البحث ومصادر البحث محور البحث وموضوع البحث ، وذلك أيضاً استدلال القرآن ، بناء على هذا فالآيات التي تقول : المذكر أو المؤنث ـ أي سواء كان البدن من هذا الصنف أو من ذلك الصنف ـ ليس له مدخلية ، هي إعلان لعدم تدخل البدن وليس اعلاناً لعدم الاختلاف ، كما لو قيل للإنسان المصلي : يجب أن ترتدي لباساً للصلاة ، ويجب أن يكون ذلك اللباس طاهراً وحلالاً ( سواء أبيض أو أسود ) أي ان الأبيض والأسود ليس دخيلاً ، ولكنهما موجودان ومتساويان ، ما هو دخيل هو الجامع بينهما ، ( أي ان الأبيض والأسود ليس له دور ) بل أصل الستر هو المعتبر ، فمسألة الذكورة والانوثة لا توجد أساساً في محور الروح حتى نبحث هل لها تدخل أم لا .

الحياة الطيبة
  جاء في القرآن الكريم : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (1) .
 أي ان هناك شيئين فقط لهما دور في الوصول إلى الحياة الطيبة ، أحدهما : حسن فعلي يسمى ( العمل الصالح ) والآخر : حسن فاعلي يسمى

**************************************************************
(1) سورة النحل ، الآية : 97 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 70 ـ

  ايمان الروح ) ، سواء كان البدن مؤنثاً أو مذكراً ، فعبارة ( وهو مؤمن ) تتعلق بالحسن الفاعلي ، أي أن الروح يجب أن تكون مؤمنة و ( عمل صالحاً ) تتعلق بالحسن الفعلي ، أي أن العمل يجب أن يكون صحيحاً ، العمل الصحيح يصدر من العامل الصحيح ، وعندما يضم هذان الحسنان إلى بعضهما يثمران حياة طيبة .

خلاصة الكلام
  1 ـ بناء القرآن الكريم ، أي الإسلام هو ان يتكلم حول المرأة والرجل بصورة قضية ( سالبة بانتفاء الموضوع ) وليس بعنوان ( موجبة محصلة ) ولا بعنوان ( سالبة بانتفاء المحمول ) .
  2 ـ الله تعالى أسند في القرآن الكريم التعليم والتربية إلى الروح ، والروح ليست مذكراً ولا مؤنثاً .
  3 ـ القرآن الكريم يعلمنا المسائل بثلاثة طرق : أي : طريق العلم الحسي ، العلم العقلي والعلم القلبي والشهودي ، ويذكر نماذج من النساء والرجال الذين قطعوا هذه الطرق .

جمال المرأة وجلالها   ـ 71 ـ

عدم تأثير الذكورة والأنوثة في الخطابات الإلهية
  هذه المسألة بينت بشكل مفصل ، وثبت أن المسائل القيمية ليس لها وصف ذكورة أو أنوثة ، وقد بين القرآن الكريم هذا المعنى لفظاً ومعنى بشكل دقيق ، وحكم بأن المسائل القيمية هي ما وراء الذكورة والانوثة ، وحكم أيضاً بأن موصوف هذه الأوصاف هي روح الإنسان ، والروح لا هي مذكر ولا مؤنث .

الدلالة المعنوية للقرآن
  القرآن من حيث المحتوى يقول إن الكمالات الإنسانية تكمن في معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ومعرفة الوحي والرسالة ، أي ان الكمال هو في الرؤية الكونية الإلهية ، وبمعنى ان للعالم بداية باسم ( الله واسمائه الحسنى ) وله نهاية باسم ( المعاد ) والقيامة وجهنم والجنة و ... وبين هذه البداية والنهاية صراط مستقيم ، وان مسألة الوحي والنبوة هي هذا الصراط المستقيم .
  ولأنه ـ في كل العالم ـ ليس هناك سوى المبدأ والمعاد والعلاقة بين

جمال المرأة وجلالها   ـ 72 ـ

  المبدأ والمعاد ، لذا فأصول الدين ليست غير هذه الأصول الثلاثة : الأول ، معرفة المبدأ ، الثاني ، معرفة المعاد ، الثالث ، معرفة النبي ، وقيل ان الجملة المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام : ( رحم الله امرءاً عرف من أين وفي أين وإلى أين ) (1) .
  تتعلق بهذه الأصول الدينية الثلاثة ، ولا يشترط الذكورة والأنوثة في فهم هذه الأصول الثلاثة ، أي لا الذكورة هي شرط ولا الأنوثة مانع ، والانبياء الذين دعوا الناس إلى هذه الأصول الثلاثة لم يرسلوا دعوة خاصة للرجال ، ولم يحرموا النساء من المشاركة في هذه المراسم .
  عندما يقول القرآن على لسان النبي الأكرم : ( أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) (2) .
  فان هذه الدعوة تشمل جميع الناس . وإذا كان أحد الأنبياء قد كتب دعوة إلى أحد الرجال بصفته رئيس أحد البلدان فان هناك نبياً آخر قد كتب دعوة إلى إحدى النساء بصفتها رئيسة أحد البلدان ، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا رجالاً رؤساء إلى الإسلام ، فان سليمان عليه السلام دعا أيضاً امرأة رئيسة إلى الإسلام ، فالدعوات عامة وكذلك المدعوين ، ولا يوجد في هذا أي اختصاص .

لغة القرآن ، لغة ثقافة الحوار
  رغم ان الله تعالى قال في شأن جزاء الأعمال : ( كل امرىء بما كسب رهين ) (3) .

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار .
(2) سورة يوسف ، الآية : 108 .
(3) سورة الطور ، الآية : 21 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 73 ـ

  ولكن ( أمرىء ) هذه ليست في مقابل ( امرأة ) ، بل ان طريقة الحوار هي ان يذكر الإنسان بصفة إنسان وليس بصفة رجل في مقابل المرأة .
  عندما تتواجد المرأة والرجل في ساحة الثورة ، يقال ان أهل إيران ثاروا ، أو إذا كان لدى امرأة ورجل سؤال عن موضوع يقال : ان ( الناس ) يقولون هكذا هؤلاء الناس أي ( جماهير الناس ) لا خصوص الرجل أو المرأة .
  بناء على هذا ، في الآية التي تقول : ( كل امرىء بما كسبت رهين ) ليس المقصود هو الرجل في مقابل المرأة ، حيث ان هذا المعنى بينه تعالى في آية أخرى بتعبير ( نفس ) وقال : ( كل نفسٍ بما كسبت رهينة ) (1) .
 وأحياناً يعبر بـ ( الإنسان ) ويقول : ( ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) (2) .
  بناء على هذا ، فان مسألة الجزاء ومسألة المعاد لا تختص بمجموعة خاصة ، ولأن المعاد هو عودة إلى المبدأ فكل إنسان مسؤول تجاه عمله ، وهنا لا مدخلية للذكورة أو الأنوثة ، وكذلك في معرفة المبدأ والتقرب إليه ، هذه تعابير معنوية في القرآن الكريم .

الدلالة اللفظية في القرآن
  أحياناً تذكر في القرآن هذه المعارف المعنوية مع بيان ألفاظ خاصة ، لأجل أن يفهمنا أن لغة الحوار أعم من المذكر والمؤنث وإذا بين أحياناً

**************************************************************
(1) سورة المدثر ، الآية : 38 .
(2) سورة النجم ، الآيات : 39 ـ 41 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 74 ـ

  مسألة بلغة الناس فليس المقصود هو الرجل في مقابل المرأة يطرح آيات مثل آيات سورة آل عمران التي تتعلق بهجرة المهاجرين في صدر الإسلام ، لأنه عندما هاجر علي بن أبي طالب عليه السلام كانت معه الفواطم ، وهاجرت بعض النساء معه أيضاً .
  قال تعالى في ذيل بحث الهجرة هذا : ( أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ) (1) .
  فالمرأة إذا هاجرت تكون مأجورة والرجل أيضاً إذا هاجر فهو مأجور ، في هذه الآية ضمن إنه حكم بتساوي المرأة والرجل في فضيلة الهجرة ، ولكنه اختار لفظاً بنحو يفهمنا أن سائر الألفاظ إذا كانت مذكرة ، فليس المقصود بها الرجل في مقابل المرأة ، لأنه قال في هذه الآية : ( إني لاأضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو أنثى ) فكلمة ( من ذكر أو أنثى ) هذه ، بيان المقصود من كلمتي ( عامل ) و ( منكم ) إذ لو كان المراد بهما خصوص العامل الذكر في مقابل العاملة لا يمكن القول ، ( عامل من ذكر أو أنثى ) .
  وإذا كان ( منكم ) في مقابل ( منكن ) ، عند ذلك لا يمكن القول ( من ذكر أو انثى ) ، فيتضح انه يجب عدم تفسير ( عامل ) بأنه في مقابل ( عاملة ) وكذلك ( منكم ) في مقابل ، ( منكن ) ، وهذا شاهد جيد على هذا الادعاء وهو انه إذا جاءت التعابير القرآنية بصورة مذكر فهي على أساس لغة الحوار وليس على أساس الأدبيات الكتابية ، وقال تعالى في سورة النحل المباركة : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة حياة طيبة ) (2) .
  حيث بين في هذه الآية ثلاثة ألفاظ ، جاءت كلها بصورة مذكر ، ولكن

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 195 .
(2) سورة النحل ، الآية : 97 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 75 ـ

  في أثناء الآية ، تعالى : ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ) وهذا لا ينسجم مع القسم السابق في الآية ولا مع القسم اللاحق له ، لأنه جاء في أول الآية ( من عمل صالحاً ) حيث بين كلا اللفظين ( من ) و ( عمل ) بصورة مذكر ، طبعاً يمكن ان يقال في شأن ( من ) أنها تشمل المرأة والرجل ، أما اللفظ الثاني وهو ( عمل ) فهو خاص بالمذكر ، ثم قال تعالى :
  ( ... مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ ) ، هنا أيضاً لفظ ( مؤمن ) ، وضمير ( هو ) والضمير المفعولي في فلنحيينه جاء مذكراً ، وفي الحقيقة ذكر في الآية أربعة ألفاظ مذكرة لفظاً مذكراً قبل ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ) وثلاثة ألفاظ مذكرة بعد ذلك .
  بناء على هذا ، يجب البحث عن أن ( من ذكر أو أنثى ) هذه ، بيان لماذا ؟ لو كانت بيان ( عمل ) فـ ـ ( عمل ) تشمل المذكر فقط وضمير المذكر اللاحق الذي يقول ( فلنحيينه ) يعود إلى خصوص المذكر ، فقوله تعالى : ( مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى ) في وسط الآية ، لا ينسجم مع المذكر السابق ولا مع المذكر الذي يأتي بعد ذلك .
  فالجواب الصحيح هو أن الله تعالى يريد أن يفهمنا هنا ، أنه عبر بصورة مذكر على أساس لغة الحوار لا ان العمل يكون خاصباً بالرجل وبناء على هذا يجب على الوقوع في مشقة تفسير انه لماذا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) (1) .
  ولم يقل ( مسلمة ) وفي بعض الروايات أضيفت كلمة ( مسلمة ) أيضاً ، أو ان بعض المحدثين روى ( مسلمة أيضاً ) ، ان القرآن الكريم في نفس الوقت

**************************************************************
(1) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 171 .