مهيجاً ، وكان في حضور الولي المعصوم ، لأنه لم يكن يحق لشخص التكلم حين الحرب بدون إذن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وإذا قيل ان الخطابة ليست جهاداً ، نقول : هل أن جميع المجاهدين هم في الخط الأمامي ، ويحاربون مسلحين ؟ هناك عدة لديهم أعمال إعلامية ، وعدة لديهم أعمال تموينية ، وعدة ينقلون الأسلحة وعدة يقاتلون ، في هذه الحروب تقسم الأعمال .
  لو بحثتم هذا النوع من النماذج يتضح ان القرآن والعترة الطاهرين عليهم السلام نجحوا في تربية رجال مثل أبي ذر ، وكذلك تعليم نساء يتكلمن بالحق ويحاربن العدو ، لذا فالكلام في ان الرجل هو أفضل من المرأة لأنه ليس هناك أية امرأة بلغت مقام النبوة ، ذلك الكلام ليس فيه دلالة على أن مقام المرأة أقل ، ذلك لأن البحث ليس في مقام النبوة ، فلا تترتب فائدة على فخر ومباهاة الرجال ، ولا يكون له أثر في الشعور بالضعف لدى النساء ، ان ما هو مسلم ان الطريق مفتوح لتربية وتكامل كليهما ، وكثير من الوظائف مشتركة ، وبعضها خاصة بلحاظ طبعهما .

أم خالد ، محدثة من النساء : (1)
 من النساء النموذجيات في صدر الإسلام بنت خالد بن سعيد ـ المشهورة بأم خالد ـ التي روت روايات كثيرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ان أمثال تلك المرأة لم يتولين الأمور التموينية في ميادين الحرب فقط حتى يعتبرن بوصفهن ممرضات وخادمات صاحبات عمل سهل ، بل بالإضافة إلى ذلك كان قسم يعتد به من أولئك النساء محدثات وكن قد سمعن أحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مثل سائر الصحابة ويذكرنها للآخرين .

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 67 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 302 ـ

  من بين الأحاديث التي ذكرتها في سيرة الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( انها سمعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتعوذ من عذاب القبر ) .
  إن مدلوله هو ان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يتعوذ من عذاب القبر مكرراً ، وأهمية حديث أم خالد هذا في تسجيله أن سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان جارية على التعوذ من عذاب القبر .

أميمة ، شفيقة على المجاهدين (1)
  كانت بنت القيس بن أبي الصلت الغفاري من المحدثات وقد ورت روايات كثيرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان عدد من التابعين تلاميذها ( روى عنها جملة من التابعين ) وهذه المرأة كات شفيقة على المجاهدين .
  كانت تتواجد في الحروب وكان لها دور مؤثر في معالجة الجرحى واخلاء الشهداء ( ودائماً تحضر الوقائع وتداوي الجرحى وتدور بين القتلى ) وعلاوة على أنها كانت محدثة ، كانت تفهم الأحاديث جيداً وترويها وكانت ضمن القوة المقاتلة .
  هذه هي نفس الكمالات التي يفخر بها سائر الصحابة ، وإلا فماذا فعل سائر الصحابة ؟ لم تكن هناك للصحابة كتب وتحقيقات ، بل روي عن كل منهم عدة أحاديث وأحياناً حديث واحد ، وكان من بينهم مجموعة قليلة جداً نجحت في أن تجمع نوع أحاديث وكلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  وكمثال هناك حوالي اثني عشر ألف صحابي في كتب الرجال والتراجم ـ مثل أسد الغابة والاصابة وغيرها ، وفيها توضيح دقيق لاسمائهم وهوياتهم وتواريخ حياتهم ووفاتهم ومدة صحبتهم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 67 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 303 ـ

  ويلاحظ أحياناً أن بعضهم التقى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرة واحدة أو روى عنه رواية واحدة ، كان هؤلاء يفخرون بصحبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولكنهم لم يكونوا يقارنون بالإمام علي عليه السلام ولم يكن أي منهم مثله وبدرجته في التتلمذ عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  بناء على هذا لو بحثنا مستوى الرجال الصحابة نجد ان بين النساء الصحابيات نساء فاضلات يتمتعن بجميع القيم والكمالات الروحية ، ومن الواضح والمبرهن بشكل كامل ان جعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) معياراً للوزن عند مقارنة مقام المرأة والرجل ليس صحيحاً ، ولكن إذا جعلنا سلمان وأبا ذر معياراً ، فهناك بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء من طرازهما ، والفرق الوحيد الموجود هو ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل كل الرجال للجهاد ، أما النساء فكانت تذهب تطوعاً ، ولأن التواجد في الجبهة لم يكن لازماً على المرأة ، لذا كانت تلك النساء تأتي وتطلب الذهاب معهم .
  على أي حال كانت هذه المرأة تتولى بالإضافة إلى إخلاء الجرحى ، دفن الشهداء والتواجد في ميادين الحرب تتولى الاعلام وترغيب المقاتلين عن طريق الخطابة والشعر وأمثال ذلك ( وكانت تحت الناس على ذلك ) ، كان الشعر انذاك له تأثير عند العرب ، كما نلاحظ اليوم أحياناً ان أثر الشعر مثل أثر البرهان في بعض الاجتماعات الخاصة ، فالمحاضر إذا أقام مسائل برهانية له نفس الدرجة من الأثر الذي للشاعر الماهر الذي يلقي قصيدة أو نثراً أدبياً .
  روي أن عدداً من نساء غفار دخلن مع هذه المرأة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكانت الناطقة باسمهن ، قالت : ( انا نريد أن نخرج معك في وجهك هذا فنداوي الجرحى ونعين

جمال المرأة وجلالها   ـ 304 ـ

  المسلمين بما استطعنا ) ، فأذن النبي صلى الله عليه آله وسلم وشاركن في معركة خيبر وكانت تقودهن بنت قيس ابن أبي الصلت الغفاري ، روي انها ( تهديهن لما يلزم لذل حتى انتهى الحرب ورجع المسلمون منصورين ) كانت معلمة لهن .

أم كلثوم وهجرة النساء : (1)
  نموذج آخر هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي المعيط ، كانت من ضمن المهاجرات وقال المؤرخون بشأنها ( أسلمت وهاجرت وبايعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  هاجرت في السنة الهجرية السابعة ، ويقال إنها أول مهاجرة هاجرت مشياً على الأقدام من مكة إلى المدينة وكان زوجها زيد بن حارثة الذي استشهد في معركة مؤتة .
  عندما هاجرت من مكة جاء عدد من الكفار لإعادتها مرة ثانية فنزلت هذه الآياته : ( فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ )(2) .
  حتى وان كانوا من ذويهن ، لأنه : ( لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهن ) (3) .
  يتضح من هذه النماذج ، أن الشيء الذي يتعلق بالروح الإنسانية تتساوى فيه المرأة والرجل ، وقد ابلغ الإسلام دعواته لكلا الصنفين بالاستعانة بهذه القاعدة العقلية والقلبية العامة ، وإذا رأينا ان النساء النموذجيات ليست لهن تلك الشهرة ، فهو لأنه لم يجر إعلام في النبوغ

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 62 .
(2) سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
(3) المصدر السابق .

جمال المرأة وجلالها   ـ 305 ـ

  الفكري للمرأة ، وإلا فالأمثلة التي ذكرت تدل على أن النساء الشبيهات بأيي ذر لم تكن قليلات ، كانت النساء اللواتي بذلن جهداً أيام الدولة الأموية ، وفي حرب صفين والجمل وغيرها لصالح ولاية علي عليه السلام وضد الظلم الأموي ، والنساء المحاربات للظلم اللواتي دخلن إلى بلاط الأمويين وقمن باداتة الحكومة الأموية الظالمة بإلقاء الخطب الحماسية ، كثيرات .

النساء النابغات في الشعر والأدب
  أما من حيث الأدب ، فإنه رغم ان الرجال وصلوا إلى درجة من النبوغ الأدبي ، بحيث كان لهم ( المعلقات السبع ) وكانوا يعرضون شعرهم في سوق عكاظ ويفوزون في مسابقة عكاظ الدولية ، فان هناك نساء كن هكذا أيضاً ، وكنّ ينشدون شعراً رفيعاً ويعرضنه في سوق عكاظ .
  كان ذلك الوضع في الجاهلية ، وفي الإسلام تربى أدباء ليقولوا شعراً بشأن المعارف الإلهية بدل المضامين الجاهلية ، وهذه الهداية كانت مؤثرة في النساء الأدبيات مثلما أثرت في الرجال .
  فالمرأة التي كانت في الجاهلية تقول أدباً بطريقة تفكير جاهلي وتنشد شعراً في رثاء أعضاء أسرتها ، كانت بعد إسلامها ترسل شبابها وأبناءها إلى ميدان الحرب وذلك بإنشاد القرآن .
  في هذا القسم نذكر نماذج من أولئك النساء ، سواء في الأقسام الأدبية أو في الأقسام السياسية .

الخنساء شاعرة مربية لشهداء (1) :
  الخنساء من نساء العرب ويقال انها من أحفاد امرىء القيس الشاعر

**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 109 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 306 ـ

  المشهور ، كانت تنشد شعراً رفيعاً في رثاء أخويها ( معاوية وصخر ) اللذين قتلا في إحدى الحروب ، ولكنها بعد مقتل صخر اشتد حزنها لأن صخراً كان أرأف وأرق قلباً وكان يعينها في المصاعب المالية ، لأن زوجها كان يلعب القمار ويخسر حصيلة عمله ، وكان صخر قد حفظ كرامة أخته هذه عدة مرات ، كان شعرها في رثاء إخويها أفضل شعر من بين شعر النساء .

رأي الأدباء في الخنساء
  عندما كان الأدباء العرب المعروفون يسألون عن موقع الخنساء في الأدب كانوا يقولون كلاماً رفيعاً . قيل لجرير : ( من أشعر الناس ) قال : أنا لولا هذه .
  كان بشار يقول : هذه المرأة نظمت شعراً بدون نقص أدبي ، وقيل لبشار ما هو رأيك بالخنساء ؟ قال : ( تلك فوق الرجل ) أي هي فوق الشعراء الرجال .
  أما الأصمعي فكان يرجح ليلى الأخيلية على الخنساء ولكنه كان يذكر الخنساء بتكريم ، وكان المبرد يقول : ( كانت الخنساء وليلى فائقتين في أشعارهما ) .
  كان النابغة الذبياني يتولى منصب الحكم في سوق عطاظ ، وكان الشعراء الذين ينظمون شعراً جديداً يعرضونه عليه في سوق عكاظ حتى يقيمه ، عندما سمع القصيدة ( الرائية ) للخنساء في رثاء صخر قال : ( إذهبي فأنت أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني أشعر من كانت ذات ثديين ، ولولا هذا الأعمى الذي أنشدني قبلك ـ يعني الأعشي ـ لفضلتك على شعراء هذا الموسم ) ، وعندما سمع حسان بن ثابت الذي كان من المشاركين في المسابقة هذا الكلام من الحكم غضب وقال : ( ليس الأمر كما ظننت ) ، فالتفت إلى الخنساء وقال لها بان تجيب

جمال المرأة وجلالها   ـ 307 ـ

  حسان بن ثابت ، فالتفتت إلى حسان بن ثابت وقالت : ( ما أجود بيت في قصيدتك هذه التي عرضتها آنفاً ) ؟ قال :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضحى      وأسـيافنا يـقطرن مـن نجدة iiدماً

  فأشكلت الخنساء ثمانية اشكالات أدبية على هذا البيت (1) الأول : أنك قلت : ( الجفنات ) والجفنات دون الجفان وأقل منها ، وكان الحق لو قلت الجفان ، الثاني : انك قلت : ( الغرّ ) وهو جمع أغر وهو بياض الجبين ، ولو قلت ( البيض ) لكان مطلق البياض ولكان معناه أوسع ، الإشكال الثالث : قلت ( يلمعن ) ولو استعملت ( يشرقن ) محل يلمعن لكان أفضل لأ الإشراق أقوى من اللمعان ، الرابع : قلت بالضحى ولو قلت بالدّجى لكان أكثر اطراقاً ) ، الخامس : قلت : أسياف والأسياف ما دون العشرة ولو قلت ( سيوفنا ) لكان أكثر وأفضل ، السادس : قلت : يقطرن ولو قلت يسلن لكان أكثر ، السابع : قلت : دما والدماء أكثر من الدم ، بعد هذه الإشكالات ، سكت حسان ولم يجب ، كان هذه قوة أدبية لدى هذه المرأة الأدبية التي كانت من أحفاد امرىء القيس .
  عندما ظهر الإسلام ، ولم يؤمن به كثير من الرجال والنساء ، من أثر طبع الجاهلية ، أسلمت هذه المرأة بسبب النبوغ الفكري الذي كان لديها ( فقدمت الخنساء على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأسلمت واستنشدها فأنشدته فأعجب بشعرها ) .
  لقد قامت بتربية أبناء في المجتمع الإسلامي ، وكانت تجهزهم وتشجعهم وترسلهم إلى الجبهة ، وفي إحدى الحروب في صدر الإسلام

**************************************************************
(1) أشار المصدر إلى وجود ثمانية إشكالات ، لكنه ذكر سبعة فقط .

جمال المرأة وجلالها   ـ 308 ـ

  التي وقعت بعد رحلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصتهم بهذه الوصية : ( يا بني إنّكم أسلمتم طاثعين وهاجرتم مختارين ، والله الذي لا إله إلا هو انكم لبنو رجل واحد كما انكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم ، واعلموا ان الدار الآخرة خير من الدار الفانية ( اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1) .
  ورغم ان هناك رواية وردت عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) في آخر هذه الآية انه قال بان المقصود من هذه الآية هو اصبروا وليكن عندكم رابطة مع إمامكم ـ أو ولي عصركم (2) ـ ولكن مقصودها هو بيان مصداق ـ وهو حق ـ في هذه الآية الصبر هو غير المصابرة والمرابطة ، الإنسان يصبر في الحوادث الفريدة أما في الحوادث الجماعية كالحرب وأمثالها فلها مصابرة ولها مرابطة في الارتباط مع القيادة ، مضمون هذه الآية أوصته الخنساء لابنائها وارسلتهم إلى الجبهة وقالت : ( فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها ، وجللت ناراً على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها ) .
  إن جملة ( الآن حمي الوطيس ) (3) هي من الكلمات التي ذكرها المرحوم ابن بابويه القمي ـ رضوان الله عليه ـ في نهاية كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) تحت عنوان كلمات موجزة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ بعض هذه الكلمات الموجزة يقال انها لم يكن لها سابقة بين الأدباء .

خصائص كلمات وأحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
  ان الكلمات التي صدرت عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليست خطابية بل كلها

**************************************************************
(1) سورة آل عمران ، الآية : 200 .
(2) تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 133 .
(3) من لا يحضره الفقيه ، ج 4 ، ص 377 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 309 ـ

  قواعد مثل الدساتير ، لذا فان حفظ كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس كحفظ خطب نهج البلاغة الذي يكون منضوداً ومتصلاً ، رسول الله يطرح كلمة فكلمة وجملة فجملة بوصفها قواعد دستور .
  من الكلمات التي يقال انها لم تكن لها سابقة بين الأدباء هي جملة ( الآن حمي الوطيس ) ، أي بما ان التنور حار الآن ، فالوقت هو وقت الخبز . عندما تكون تجارة الشهادة نشطة يجب السعي وملأ الجبهات ، وهذه المرأة قالت لأبنائها بأنهم إذا رأوا تجارة الشهادة نشطت وحمي ميدان الحرب فليغتنموا الفرصة وليتواجدوا ( فتيمموا وطيسها ) تدعو أبنائها للتواجد في الجبهة حتى يغتنموا الشهادة ـ أما ينتصروا والنصر غنيمة أو يستشهدوا والشهادة غنيمة ، هناك من يفكر يغنيمة مادية ولكن هذا المرأة تدعو أبناءها إلى الشهادة والكرامة ( تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ) ، لأنه : ( الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة ) .
  ( فلما أضاء لهم الصبح ، باكروا إلى مراكزهم ، فتقدموا واحد بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية أمهم لهم حتى قتلوا عن آخرهم ) وأخبرت هذه الأم بان أولادهم قتلوا ( فقالت : الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ) .
  هذا الذوق الأدبي يستطيع ان ينشد شعراً يعجب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا الذوق يستطيع ان يؤلف خطابة من آيات القرآن ويحث ابناؤه على الجبهة وهذا الذوق الأدبي يقول بعد تلقي خبر استشهاد أبنائه ( الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ) ، كيف يمكن ان يقول الإنسان أو يصدق ان المرأة جبانة ـ كم لدينا

جمال المرأة وجلالها   ـ 310 ـ

  رهكذا من الرجال في صدر الإسلام ؟ إذا كان هناك أشخاص مثل أبي ذر ذكرت شهامتهم مرات ، فان هناك مثل هذه النساء لو ذكرت قضاياهن لعرف الجميع مقام المرأة وعند ذلك لا يعدونها ضعيفة وجبانة .

نتيجة البحث (1)
  هناك نماذج كثيرة من النساء وردت في التاريخ في الأقسام السياسية والدينية والأدبية أشير إلى عدد منهن ، وهناك عدد آخر في كتب الرجال ـ خاصة بالنساء مثل الدر المنثور ورياحين الشريعة و ... أو التي تشمل المرأة والرجل ـ يمكن مراجعتها .
  عندما تبحثون في أي قسم من الأقسام العسكرية والسياسية والعرفان والحديث ترون أن هناك نساء نموذجيات كثيرات ، ولكن عندما يكون اسم محجوباً لا تذيع أخبارها في المجتمع . يجب أن تكون هي في حجاب ، واسمها في كتاب حتى تظهر عظمتها ، فالله تعالى يعرف المرأة بالحجاب ويذكر اسمها في الكتاب .
  ذكر تعالى قوله ملكة سبأ : ( وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (1) .
  فذكرها بعظمة ، وفي النتيجة يعرفها بانها عاقلة ، الذكاء ليس في ان يشمخ الإنسان أمام الحق ـ لأنه ينكسر رأسه ـ بل الذكاء في ان يخضع الإنسان في محضر الله .
  ان ملكة سبأ مع انها كانت تتمتع بقوة كبيرة :

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآية : 44 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 311 ـ

  ( وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ) (1) ، إن الشخص لذي لديه هذه القوة ، ويتمتع بإمكانات وقوى سياسية وعسكرية ، يأتي ويسلم ، ان هذا هو دليل على العقل ، ان الذين يضعون التهور موضع الشجاعة هم أشخاص يفتقدون القدرة على تشخيص الصراط المستقيم .

نتيجة البحث (2)
  يمكن الاستفادة من هذه الشواهد القرآنية والعقلية والقلبية أن الذكورة والأنوثة ليس لها دخل في ذلك القسم الاساسي وهو موضع التكامل ، ولو قال شخص : إن المرأة لم تصل إلى مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيجب القول : أن كثيراً من الأنبياء أيضاً لم يصلوا إلى ذلك المقالم ، ثم إن الرجال هل يستطيعون أن يصبحوا مثل رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ أي فخر هذا .
  ان كل شخص يكون أقرب إلى رسول الله من حيث السير الكمالي ، فذلك فخر ، ولكن فخره هو في التواضع ، فخره هو في الشعور بالمذلة .
  الكلام في بحث حقوق المرأة وتكامل المرأة ومساواة المرأة للرجل في المسائل الأخلاقية والتربوية وغيرها من أجل أن تكون أرضية نضج ، فإذا كان لدى الرجال سعي ، فالنساء أيضاً أهل سعي وجهاد ، والمرأة تستطيع ان تصل إلى أي مقام يصله الرجال العاديون .
  إن قول الله تعالى في القرآن الكريم : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) (2) .

**************************************************************
(1) سورة النمل ، الآية : 23 .
(2) سورة الانشقاق ، الآية : 6 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 312 ـ

  هو خطاب للإنسانية وفي الإنسانية ليس هناك دور للذكورة والأنوثة ، ما هو مهم هو ان الإنسان يصل أخيراً إلى لقاء الله ، أما إلى لقاء الجمال الإلهي أو إلى لقاء الجلال الإلهي ، وفي هذا الطريق تتساوى المرأة والرجل .

جمال المرأة وجلالها   ـ 313 ـ

حل الشبهات والروايات المعارضة
مقدمة
  اتضح حتى الآن ان الإسلام لم يشترط الذكورة في أي كمال من الكمالات المعنوية .
  ان طريق الكمال مفتوح لكلا الطرفين وكل شخص يقطع هذه الطريق بدرجة قابليته ، وموضع التمايز هو في الأعمال التنفيذية المتعلقة ببناء بدن الإنسان والموزعة على أساس الخصائص الجسمية للطرفين .
  المعايير المطروحة لفضيلة لفضيلة الإنسان ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل في نيلها ، وما هو امتياز بين المرأة والرجل ليس عامل امتياز معنوي ، وهذه المسألة تبين بصورة ( منطقية ) هكذا : ما هو عامل كمال ليس في فرق بين المرأة والرجل ، وما يؤدي إلى الفرق ، ليس له دور في الكمال ، وإذا كان نجاح طرق أقل أحياناً من الطرف الآخر في الحصول على التكامل ، فهذا النقص من أثر الاختيار السيّئ لذلك الطرف نفسه ، لا أن الإسلام لم يفتح له الطريق ، وهناك فرق بين ان ينسد الطريق أمام طرف من قبل الدين

جمال المرأة وجلالها   ـ 314 ـ

  وبين أن لا يقطع الإنسان الطريق بسوء اختياره ، في التكامل المعنوي ليس هناك فرق بين المرأة والرجل ، وأما الفرق الذي يلاحظ في المجتمع فهو يتعلق بنفس الأشخاص ، فإذا لم ترغب امرأة ان تهذب نفسها فهذا طريق لم تقطعه هي ، وإلا فالطريق مفتوح أمامها ، كما ان رجلاً من الرجل إذا لم يهذب نفسه فهذا ليس لأن طريق التكامل مسدود بوجه الرجال بل لأن نفس هذا الشخص لم يهذب نفسه .

الموت الطبيعي والموت الإرادي
  وتوضيح هذا الكلام هو ان الإنسان له حياة وموت طبيعي ، وفي هذه الحياة والموت الطبيعي يشترك مع الحيوانات أو أحياناً مع النباتات .
  إن للإنسان حركة وتخيلاً وتوهماً وتغذية ونمواً وأمثالها ، وبعض هذه الأعمال مشتركة بين الإنسان والنبات وبعض آخر من هذه الأمور مشتركة بين الإنسان والحيوان ، وأحياناً تسلب هذه الأمور حيث يعبر عن ذلك الموت الطبيعي ، وأحياناً ، تثبت هذه الأمور حيث يعبر عن ذلك بالحياة الطبيعية هذه ليست علامة على الكمال إلا في حد الكمال النباتي أو الكمال الحيواني .
  ولكن الإنسان له موت وحياة أخرى أيضاً تتعلق بحسن اختياره أو سوء اختياره ، الإنسان يستطيع ان يميت نفسه بسوء الاختبار أو إحياء نفسه بحسن الاختيار ، الذين يميتون أنفسهم بسوء إختيارهم يذكرهم القرآن بوصفهم كافرين حيث يذكر أن الكافرين هم الذين فقدوا الحياة المعنوية بسوء الاختيار أو لم يسيروا في اتجاه تهيئة تلك أو اعتزموا على دفعها أو قاموا برفعها أو لم يستعدوا لأن يصلوا إلى حياة معقولة ، أو أنهم سقطوا بعد الحياة المعنوية والعقلية ، كأولئك الذين يرتدون بعد الإسلام معاذ الله ، هذه هي أنواع من الموت من أثر سوء الاختيار .

جمال المرأة وجلالها   ـ 315 ـ

  هناك مجموعة من أنواع الموت بحسن الاختيار حيث يميت الإنسان نفسه قبل ان يموت ، ان الذي قال انني أموت من الإنسانية مرة أخرى وادخل في عالم الملائكة يشير إلى هذا الموت الاختياري حيث يموت الإنسان بحسن اختيار ، وهذا النوع من الموت هو بأن يميت غرائز الأنانية ويحطم حالة الوحشية والتمني ، فإذا حطم حالة الغرور والأنانية ، وانقذ نفسه من قبضة الحيوانية بحسن اختياره ، فهذا موت حسن حصل عليه بحسن اختياره ويقال لذلك موت إرادي ، وفي هذا الحد يصل الإنسان إلى مستوى الملائكة ، وهذه المسألة وردت في بعض الكتب الفقهية مثل الجواهر وغيره من الكتب الفقهية حيث ذكرها المرحوم السيد محمد كاظم ( ره ) في كتاب العروة ، وقال في أحكام الصيام المستحب في باب فضيلة الصوم في أواخر البحث ، في فضيلة الصوم يكفي ان الإنسان يصبح شبيه الملائكة .

انسجام لسان الأحاديث مع فهم المخاطبين
  تكلم الأئمة المعصومون ( عليهم السلام ) معنا بعدة طرق ، أحياناً يقولون لنا بان نصوم حتى نجوع لنعرف ألم جوع الفقراء ، وهذا التعليل هو للأشخاص الضعفاء جداً ، لماذا نكون جاهلين بأحوالهم ، و نتذكرهم في شهر رمضان المبارك فقط ونتيجة الشعور بالجوع ؟ وفي مرحلة أعلى من هذه المرحلة قالوا لنا : أن نصوم حتى نتذكر الجوع والعطش يوم القيامة ، وهذا التعليل هو للمتوسطين ، لماذا نحن غافلون من القيامة في أيام السنة ، ونتذكر المعاد بسبب الجوع والعطش .
  مجموعة أخرى ، هم الذين يصومون حتى يصيروا في مستوى الملائكة ، أي ان الإنسان إذا صام فليس من أجل أن يتذكر الفقراء بسبب الجوع والعطش أو يتذكر الجوع والعطش يوم القيامة ، بل ليقول بانه أكبر من

جمال المرأة وجلالها   ـ 216 ـ

  أن يستهلك وقته في الطعام والشراب ، وهو أكبر من أن يعيش من أجل الأكل ، والمقصود من الأكل هو مطلق التصرفات الحيوانية وليس الأكل في مقابل الشرب أو النوم ، حين يقول تعالى : ( لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) (1) .
  فالمقصود ليس خصوص الأكل بل هو مطلق التصرف وهذا تعبير أدبي رائج ، فإذا غصب شخص بساط شخص آخر يقال : أكل مال الناس ، وإذا غصب دار شخص يقال : أكل مال الناس ، المقصود من الأكل في هذا النوع من الحوار هو مطلق التصرفات المادية والطبيعية والحيوانية ، ان قولهم لنا بأن نصوم ونصرف النظر عن الأكل والشرب حتى نصبح مثل الملائكة ، يعني أن نتجنب مطلق الأعمال الحيوانية ، وليس أن لا نأكل أو لا نشرب فقط ، لذا فالكذب يبطل الصوم ، ليس فقط الكذب على الله والنبي ، لأن هذه المسائل تشير إلى البطلان الفقهي ، بل هي هذه الأكاذيب المصطلحة حيث إذا كذب شخص فصومه صحيح يقيناً من الناحية الفقهية ولكن لأن هذا الشخص لم يصبح في مستوى الملائكة ، فليس له صوم ، مقبول رغم ان صومه صحيح في الفقه الأصغر ، أو إذا قام بذنب آخر فهو ليس صائماً ، لأنه لم يسر في مستوى الملائكة ، إذا اغتاب فهو ليس صائماً ، ان القول بأن لا نأكل حتى نصبح ملائكة ، أي ان نترك مطلق التصرفات النباتية والحيوانية ، حتى نكون كالملائكة كما ان ورقة التوت إذا وقعت في معمل حرير تصبح حريراً ،

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآية : 29 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 317 ـ

  فكيف تصبح الورقة حريراً واستبرقاً ولا تصبح الإنسان ملكاً ؟ إن الإنسان يستطيع ان يتحرك في مستوى الملائكة .
  بناء على هذا فإن المجموعة الثالثة هم الذين قالوا بحسن اختيار ، وغضوا النظر عن العالم الحيواني والنباتي بموت إرادي ، كما ان الإنسان يموت أحياناً بسوء اختياره ، وبعض الآيات تعتبر الكافرين أمواتاً ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام بشأن العالم بلا عمل : ( ذلك ميت الأحياء ) (1) .
  هذان الطريقان مفتوحان للجميع سواء الرجال أو النساء ، كل من يختار الطريق الأفضل ويقطعه بصورة أسرع يكون أكثر نجاحاً .
  في البحوث السابقة تبين ان المرأة إذا كانت مثلاً ضعيفة في المسائل النظرية والتفكرات العقلية ، فهي أكثر قبولاً للموعظة في المسائل القلبية ، ويؤثر طريق المناجاة فيها أكثر ، خاصة ان القرآن الكريم عرّف بوصفه موعظة قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (2) .

شبهة نقصان ايمان المرأة
  يطرح أحياناً ان المرأة حرمت من بعض المزايا الدينية لأنها لا تستطيع ان تؤدي الفرائض الدينية في بعض أيام السنة ، وهذا الأمر يحسب عامل نقص فيها ، كما أشير لذلك في الروايات أيضاً ، وفي البلاغة ذكر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) النساء بسوء :

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، صبحي الصالح .
(2) سورة يونس ، الآية : 57 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 318 ـ

  ( معاشر الناس ، ان النساء نواقص الايمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ، فاما نقصان أيمانهن ، فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن ، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد ، وأما نقصان حظوظهن فموارثيهن على الانصاف من مواريث الرجال ... ) (1) .
  ومثل هذا المضمون روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً (2) .
  للإجابة عن هذه الشبهة من اللازم ذكر مقدمة في مجال المدح والذم الذي ورد في بعض الآيات والروايات .

مدح وذم
  أحياناً يتعرض الاشخاص في حادثة ما ، وتتعرض ظروف وعلل وأسباب تلك الحادثة ، كمكانها وزمانها ، إلى ذم أو مدح بسبب مجموعة وقائع تاريخية ، ان معنى ذم أو مدح بعض الحوادث أو الأمور الجانبية لتلك الحادثة ليس لأن أساس طبيعة ذلك الشيء قابل للذم أو المدح ، بل إن تلك الأرضية الخاصة سبب هذا المدح أو الذم ، أحياناً تمدح قبيلة من القبائل وذلك بسبب ظهور صالحين من هذه القبيلة في ذلك العصر ، ثم لا تمر فترة طويلة حتى يتغير الوضع ، حيث يظهر أشخاص آخرون من هذه القبيلة يتعرضون للذم ، وأحياناً بالعكس .
  في إيران كانت هناك بعض المدن التي تعرضت لذم كثير ، ولكن عندما تغير ذلك التفكير ببركة أهل البيت ، أصبحت تلك المدن وتلك المناطق من المناطق النموذجية والبارزة في هذا البلد ، وظهر في تلك المناطق أشخاص كانوا ممتازين من ناحية الفضائل الأخلاقية والعلمية والنبوغ ، هذا الذم كانوا ممتازين من ناحية الفضائل الأخلاقية والعلمية والنبوغ ، هذا الذم

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الخطبة 80 .
(2) بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 259 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 319 ـ

  والتوبيخ ليس ملازماً لتلك المنطقة إلى الأبد ، بل هو مرحلي ، ودليله هو أن الرأي السابق يمكن ان يتراجع بتحول فكري ومسألة عقائدية ، كما حصل ذلك وإذا كان هناك ذم للمرأة في نهج البلاغة ، فيظهر ان بعض ذلك الذم يعود إلى قضية حرب الجمل ، كما ذمت البصرة والكوفة وغيرهما مع أن البصرة خرجت رجال علم كثيرين ، وقدمت الكوفة رجالاً ثواراص كثيرين للإسلام ، وكثير من الذين قاموا بالمطالبة بدم سيد الشهداء عليه السلام كانوا في الكوفة ، والكوفة الآن هي مكان يصلّى فيها بانتظار ظهور الإمام ، فيها مسجد تقع فيه مقامات كثير من الصالحين والصديقين ، ولا يمكن القول : إن البصرة والكوفة سيئتان إلى الأبد وتستحقان الذم لأنهما ذمتا سابقاً ، إن قضايا تاريخية في مرحلة حساسة تؤدي إلى الذم أو المدح ثم مع مرور تلك المرحلة ينتفي المدح أو الذم أيضاً .

رؤية الوحي
  وشأن المرأة هكذا أيضاً ، فتأكيد القرآن الكريم بشأن نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دليل على رؤية مسبقة للوحي لحادثة تاريخية مرة ، ان القرآن يقول باصرار لنساء النبي : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) (1) .
  وأمثال ذلك دليل على ان الله تعالى كان لديه رؤية مسبقة لحادثة ، الله تعالى عالم الغيب والشهادة مطلع على المستقبل ، وكان يحذرهن من النتائج المرة لذلك الخروج الذي في غير محله .
  لذا قال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) ، وبعد ذلك وقعت قضية الجمل وحاربوا ولي الله الإمام علي بن أبي

**************************************************************
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 33 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 320 ـ

  طالب ( عليه السلام ) ، افرزت تلك المرحلة مجموعة من الكلام في الذم ورافقها مجموعة من الكلام في المدح ، فقد مدحت منطقة مرحوم لأنهم عملوا جيداً في تلك الحادثة ، ووبخت مجموعة ومنطقة لأنهم عملوا سيئاً في هذه الحادثة ، هذا الذم والمدح يجب أن لا يحسب على جوهر الشيء ، ولهذا السبب ظهر في البصرة رجال ونساء خيرون وصالحون ، ومدحت الكوفة كثيراً وستكون في زمان ظهور الإمام عليه السلام مركز بركة ، فكما أن ذم البصرة والكوفة لا يعود إلى جوهر هاتين المنطقتين ، فإذا ذمت المرأة بعد قضية الحرب فهو لأ ، تلك المرأة وقفت في مقابل علي بن أبي طالب ، كما أن هناك رجالاً كثيرين وقفوا في مقابل الإمام ، فإذا ورد ذم لطلحة والزبير وغيرهم من الذين أداروا تلك الحرب في مقابل ولي الله فطبيعي ان تتعرض عائشة التي وقفت في مقابل الإمام وغيرها من الأشخاص الذين ساهموا في هذه الحادثة الصعبة ، إلى الذم ، بناء على هذا يجب ألا نرجع هذا النوع من الذم أو المدح إلى جوهر الذات بل يبقى تأثيرها المرحلي محفوظاً .

حرب الجمل والذم
  الرواية التي وردت في نهج البلاغة لم تطرح بوصفها قضية حقيقية ، فهي تقريباً تشبه قضية شخصية أو قضية خارجية ، أساس القضية هي أن عائشة شنت هذه الحرب ، كما أن أهل السنة يعتقدون أنها قامت بحرب الجمل ولكنهم يقولون : ( تابت وماتت تائبة ) والآخرون يقولون : ( لم تمت تائبة ) ، ولكن الجميع يؤيد انها كانت السبب والمحرك .
  حيث ان ابن أبي الحديد أيّد أن عائشة عملت هنا عملاً سيئاص مع أنه من كبار أهل السنة فانه قال : ( قد أخطأب ) ولكن توهم وأمثاله أنها ( تابت وماتت تاثبة ) على أي حال بعد أن ركبت عائشة جملاً في قضية معركة الجمل وحركت طلحة والزبير أيضاً وسقطت دماء كثيرة وأخيراً انكسروا ، كتب أمير المؤمنين عليه السلام رسالة

جمال المرأة وجلالها   ـ 321 ـ

  إلى معاوية في الشام ، نذكر الآن بعض من جمل الرسالة الموجودة في نهج البلاغة حتى بتضح أن هذه المسألة تتعلق بقضية حرب الجمل ، في خطبة نهج البلاغة قال في ذم أهل البصرة بعد رقعة الجمل : ( كنتم جند المرأة واتباع البهيمة ) (1) .
  ثم يذكر انهم قاموا يعمل غير مدروس ، وفي الخطبة 14 ذم أيضاً هذه الفئة وذم البصرة .
  ان مسألة اتباع البهيمة أي أتباع الجمل ، وذم اتباع الجمل ليس لأن الجمل سيىء ، بل لأن راكبه عمل عملاً سيئاً في هذه الحادثة ، وإلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب ناقة وفي قضية الهجرة ، جاء من مكة إلى المدينة ولما دخل المدينة قال : ( خلّوا سبيلها فانها مأمورة ) (2) .
  كل شخص اقترح على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان ينزل في داره ، النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حسب هذه الرواية ان يخلوا سبيلها فان لديها مأمورية إلهية ، وانه سينزل في المكان الذي تقف وتبرك وتنام فيه تلك الناقة ، ووقفت الناقة في منزل أبي أيوب الأنصاري الذي كان من أفقر أهل المدينة .
  هنا توجد نكتتان : أحداهما ان الناقة كانت تحمل النبي وكانت مأمورة والنبي قال : خلوا سبيلها وانه سينزل في المكان الذي تنام فيه تلك الناقة ، والنكتة الأخرى هي ان تلك الناقة نزلت عند باب أفقر أهل المدينة وبركت هناك ونزل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  فالذهاب وراء الجمل أو ركوب الجمل أو العمل على أساس حركة

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 13 ، 14 .
(2) بحار الأنوار ، ج 19 ، ص 108 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 322 ـ

  الجمل ، ليس فيه مذمة ، فلو أن أمير المؤمنين عليه السلام ركب جملاً أو فرساً أو بغلة وتحرك عدد من الأشخاص على أثره ، فهل يمكن القول إن اتباع الجمل مذمومون أو أن اتباع الفرس والبغلة مذمومون ؟ .

امتلاك المال ليس كمالاً :
  المسألة الثانية هي ان قول الإمام عليه السلام في هذا الصدد في نهج البلاغة : ( معاشر الناس ، ان النساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ) (1) .
  الأدلة التي يذكرها الإمام هي ان حظ النساء قليل لأن القرآن الكريم جعل إرث الرجل صعف المرأة ، فالمرأة تتمتع بمال أقل ولذلك ليست محترمة ، في حين اننا لاحظنا في قضية الهجرة إلى المدينة ان الناقة وقفت عند باب دار شخص كان من أفقر أهل المدينة ، فعدم امتلاك المال ليس نقصاً كما ان امتلاكه ليس كمالاً .
  في إحدى الخطب في نهج البلاغة بين الإمام علي عليه السلام أن الدليل على أن عدم امتلاك الماس ليس كمالاً ، هو ان جميع الأنبياء ، لم تكن لديهم استفادة من مال الدنيا ـ أما أن نقول ان امتلاك المال ليس كمالاً أو نقول ان الله لم يعط هذا الكمال للأنبياء معاذ الله ، ثم يذكر قضية موسى وعيسى وداود ومحمد عليه الصلاة والسلام ويذكر أن وضع حياتهم كا بسيطاً فبهذه الشواهد الكثيرة يتضح ان الكمال ، ليس في المال الكثير .

كسب المال وانفاقه :
  بالإضافة إلى أن المرأة والرجل بالتساوي في بعض الحالات من

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 80 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 323 ـ

  قبيل ان والديّ الميت كل منهما يرث 1/6 الشركة وفي حالات أخرى لا يتساوى الأخ والأخت ، فقول الإمام بانه ليس لديهن رشداً لأن حظهن قليل لا يريد القول بانه ليس لديهن رشد ، لأن مالهن قليل بسبب أنهن يكسبن عن طريق المهر ، وجميع نفقات المرأة هي بعهدة الرجل ، فإذا لم تكن استفادة المرأة من المال أكثر من الرجل فهي ليست أقل .
  المرأة تستمتع باللذائذ والملابس وأدوات الزينة وانتاجها هي وظيفة الرجل أي ان الربح المهم هو للمرأة ، والانتاج المهم يتعلق بالرجل ، ان قوله بان لا تذهبوا وراء قيادة المرأة هو ليس لأنها فقيرة ، بل لأن الدين اعطى المسائل التنفيذية في قسم الاقتصاد بيد الرجل وقال : ان المرأة تستفيد ولكن من انتاج الرجل ، والإمام علي ( عليه السلام ) يريد الاستدلال على انه لو كانت القيادة بعهدة المرأة لكان الله تعالى قد ساوى إرث المرأة والرجل .
  هنا توجد مسألتان دقيقتان ومنفصلتان عن بعضهما بشكل كامل ، الإمام علي ( عليه السلام ) لم يرد القول ان المرأة قليلة القيمة لأن سهم ارثها قليل ، بل أراد القول ان الدين يعطي للمرأة هذا المال ولكن بمسؤولية الرجل ، يعطيها بصفة مهر ، بصفة نفقة ، لا يعطيها مالها مباشرة ، حتى لا تكون متولية الدخل والصرف ومشقة الانتاج ، وهذه تعود إلى الأمور التنفيذية ، ولا تعود إلى المسائل المعنوية ، وإلى طريق القلب وقبول الموعظة وأمثالها .

توهم تفكير المعتزلي :
  هناك عدة نكات في الخطبة 80 : أحداها انه قال : ( معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان ، نواقص الحظوظ ، نواقص العقول ) .

جمال المرأة وجلالها   ـ 324 ـ

  فاستنبط ابن أبي الحديد من هذه الجملة تفكيراً أعتزالياً لأن المعتزلة يقولون : ان الإيمان ليس الاعتقاد فقط بل العمل أيضاً سهيم في متن الايمان ، لذا قال : إذا أقرّ الشخص بالله والنبي ، ولم يعمل فهو ليس مؤمناً ، لأن الإمام قال : إن المرأة محرومة من الايمان لأنها محرومة من الصلاة والصوم في حال ترك الصوم والصلاة في أيام العادة ، فيتضح ان العمل جزء من الايمان ، ولم ينتبه إلى أن هذا الدليل هو عكس تصور المعتزلة ، المعتزلي يقول : إن الشخص إذا لم يعمل فليس مؤمناً ، والإمام يقول بأنهن مؤمنات في الوقت الذي ليس لديهن عمل ، ولكن إيمانهن قليل ، وهذه القلة قابلة للجبران كما ذكرنا .

شهادة المرأة والنسيان
  تعليل الإمام ( عليه السلام ) في مسألة نقصان العقل هو ان شهادة امرأتين هي في حكم شهادة رجل واحد ، جاء في القرآن : ( فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء ) (1) .
  ولكن هذا لا يعود إلى مسألة التفكير والعقل ، فالقرآن يذكر نكتة ذلك ويقول : ( أن تضل أحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (2) .
  امرأتان من أجل ان يكون لكليهما حضور في الحادثة وهذا يعود إلى ضعف الذاكرة وليس إلى ضعف العقل ، لأن المرأة مشغولة بأعمال البيت وتربية الطفل ، ومشكلات الأمومة ، لذا من الممكن ان تنسى تلك الحادثة التي رأتها ، بناء على هذا تحضر امرأتان في هذه القضية حتى تذكر أحداهما

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 282 .
(2) المصدر السابق .

جمال المرأة وجلالها   ـ 325 ـ

  الأخرى ، في بعض الحالات شهادة المرأة مسموعة ومقبولة كاملاً ، يتضح بملاحظة الاقسام الثلاثة انها إذا بينت فان أي منها ليس علامة نقص .
ذم حب المرأة وحب الدنيا :
  إذا ورد في الكلمات القصار ان : ( المرأة عقرب حلوة اللسبة ) (1) .
  ليس من أجل ان يذم المرأة ، بل هذا إنذار للرجل ان لا تخدعه المرأة كما ورد مثل هذه التعبير بشأن الدنيا أيضاً . ليس من أجل أن يقول ان المرأة عقرب ، بل يقول لا تعطوا أنفسكم إلى النار بواسطة النظر إلى غير المحرم ، رؤية غير المحرم حلوة ، ولكن هذا الذنب باطنه عقرب لا أن المرأة عقرب وهذا التعبير ذكر بشأن الدنيا أيضاً ، في رسالة كتبها أمير المؤمنين عليه السلام إلى سلمان ، قال : ( فإنما مثل الدنيا مثل الحية ، لين مسّها قاتل سمّها ) (2) .
  لماذا كانت المصافحة مع المرأة معصية ؟ لأنه لين مسها قاتل سمها ، هذا ليس ذماً للمرأة ، ذم للنظر إلى غير المحرم ، كما أن ذلك ليس دليلاً على ذم الدنيا ، بل ذم حب الدنيا والانجذاب إلى الدنيا ، وإلاّ فان الإسلام علياً عليه السلام قال : إن الدنيا محل جيد ، كل الأنبياء والأولياء والحكماء والعارفين والصالحين والصديقين

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، تحقيق صبحي الصالح ، الكلمات القصار 61 .
(2) نهج البلاغة ، الرسالة 68 .