( ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ) (1) .
  الإنسان يكون أحياناً في أسفل الجبل وأحياناً يصعد إلى قمة الجبل وأحياناً يعود من قمة الجبل إلى مكان آخر في أسفل الجبل ، هذه المقاطع الثلاثة نظمت في القرآن لكل امرأة ورجل ، الأول هو ضعف ثم قوة ثم ضعف آخر ، الأول مرحلة التعلم ، ثم مرحلة الحفظ ثم مرحلة فقدان جميع المعلومات ، ( كل ما قرأته ذهب عن ذاكرتي ) هذه العبارة هي حقيقة علم الدراسة ولكن هل ان علم الوراثة وعلم الفراسة هكذا أيضاً ؟ ( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله ـ عزّ وجلّ ) (2) .
  هل تذهب عن ذاكرة الإنسان في مرحلة الشيخوخة كذلك ؟ أم أنها تصبح أكثر تفتحاً في طريق الشيخوخة ؟ إن قولهم : ( العلماء ورثة الأنبياء ) (3) .
  هل هو بمعنى أن العلماء ورثة الأنبياء عليهم السلام في علم الدراسة الذي ينسونه في مرحلة الشيخوخة ؟ أم ان لديهم علم الوراثة الذي يصبح في مرحلة الشيخوخة أكثر تفتحاً ؟ إن علم الوراثة هو الذي يظل .

عدم الفرق بين الرجل والمرأة في علم الوراثة
  هل هناك فرق بين المرأة والرجل في علم الفراسة وعلم الوراثة ؟ وهل الكلام هناك هو عن البدن القوي والمتصلب أم عن القلب السليم ؟ يلزم ان نقطع ثلاث مراحل الواحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى نتيجة مطلوبة ، بيان هذه المراحل الثلاث أنه يجب أن نصل من الصلابة إلى سلامة البدن ونصل

**************************************************************
(1) سورة الروم ، الآية : 54 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ص 218 .
(3) أصول الكافي ، ج 1 ص 32 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 202 ـ

  من سلامة البدن إلى سلامة القلب لنحصل على نتيجة ، جاء في القرآن الكريم : ( يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من اتى الله بقلب سليم ) (1) .
  لم يقل في الآية ( ببدن سليم ) فضلاً عن أن يقول : ( ببدن صلب ) ، يجب أن نبعد عن الأذهان الكلام عن الصلابة ، بعض العمال البسطاء الذين يعملون في قطع الخشب وقلع الحجر وأمثال ذلك يتولون أمور المجتمع القوية ، ولكنهم عاجزون عن إدراك أبسط المسائل .

قوة سلامة القلب في المرأة
  إن صلابة البدن ليس لها تأثير في الوصول إلى كمال الروح ، بل ان القول السديد مؤثر وليس القول الشديد ( عليكم بالسديد لا بالشديد ) .
  قال تعالى في القرآن : ( وقولوا قولاً سديداً * يصلح لكم أعمالكم ) (2) .
  اتضح لنا انه يجب عدم توقع فكر متين من صلابة البدن بل ان سلامة البدن تثمر الفكر ، وعليه فان الفكر ليس وحده ، يستطيع حل مشكلة ، بل ان القلب يحل المشكلة ايضاً ، وسلامة القلب مهمة ، والله تعالى عرف بعض الرجال بعبارة مريض القلب ، ولكنه لم يذكر مرض قلب المرأة .
  في البحوث السابقة وضمن بيان آيات من سورة الأحزاب أشير إلى أن الله تعالى يخاطب نساء النبي : ( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً

**************************************************************
(1) سورة الشعراء ، الآيتين : 88 ـ 89 .
(2) سورة الإحزاب ، الآيتين : 70 ـ 71 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 203 ـ

  معروفاً ) (1) ، أمر النساء ان يتكلمن بأسلوب جيد وبمضمون جيد ، لكي لا يطمع الرجال الذين قلوبهم مريضة ، هذا المرض هو في قلب الرجل حيث ان المرأة لا تطمع عندما تسمع صوت الرجل ، المرأة تتمتع بسلامة القلب ، إلا ان يظهر فيها مرض التبرج .
  صغرى القياس هي أن النساء يتمتعن من حيث النوع بسلامة القلب ، كبرى القياس هي أن أصحاب القلوب السليمة سالمين ( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) النتيجة هي ان النساء انجح ، ان قوله :هذا الكتاب ( وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ ) (2) ، ثم قوله إن الطمع في غير المحرم هو مرض ثم قوله : إن هذا المرض هو في الرجل ولم يأت في هذا السياق كلام عن مرض المرأة يتضح منه أن النساء سليمات القلوب من هذا المرض الخاص .
  إذا عرفنا واقعنا وأننا في أي حد ، لم نطرح أساساً كثيراً من هذه الإشكالات والأسئلة حول أنفسنا ، لأن جميع المشكلة هي تكمن في أن ما هو أساس خافٍ علينا ، ولم ندرك من هو الأساس حقيقة وما هي الوظائف ولماذا خلقنا ، وما هو معيار القيمة ، عند ذلك أصبح من الممكن ان نتوهم أن من هو أكثر صلابة هو أكثر نجاحاً ؟ في حين أن حقيقة الأمر ليست هكذا .

ملائكة الرحمة والغضب
  ان الله تعالى عرف نفسه بالأوصاف القوية وبالأوصاف اللينة والرأفة والرحمة أيضاً ، والملائكة التي خلقها مجموعتان : مجموعة هم مظهر

**************************************************************
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 32 .
(2) سورة يونس ، الآية : 57 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 204 ـ

  الصفات الشديد لله ، كم يفهم من هذه الآية الشريفة : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ) (1) .
  كما قال تعالى في مقام تعريف هذه المجموعة من الملائكة : ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ ) (2) .
  هذه المجموعة من الملائكة هم مشعل غضب الله ومظهر غضب الله ومجموعة أخرى من الملائكة هم مظهر رأفة الله ، هؤلاء رؤوفون ، رحماء ، ومتواضعون بحيث انهم ليسوا فقط مثلاً أعلى لرحمة الله ، بل في الدنيا يضعون أجنحتهم حتى يجلس طلاب العلم عليها لا على الأرض (3) ، وعندما تضع الملائكة اجتحتها حتى يجلس طلاب العلم ، هنا لا يكون الكلام على المرأة أو الرجل .
  ( وان الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم ) (4) .
  هذه الأجنحة هي التي ذكرت في القرآن الكريم في أول سورة فاطر : ( الحمد الله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي اجنحة مثنى وثلاث ورباع ) (5) .
  عندما يمدح الإمام علي ( عليه السلام ) أجنحة الملائكة يقول :

**************************************************************
(1) سورة الحاقة ، الآيات : 30 ـ 32 .
(2) سورة التحريم ، الآية : 6 .
(3) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الخطبة 183 .
(4) أصول الكافي ، ج 1 ص 34 .
(5) سورة فاطر ، الآية : 1 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 205 ـ

  ( أولي أجنحة تسبح جلال عزّته ) (1) .
  طبعاً ليس ذلك التسبيح العام الذي لدى جناح كل طائر . فحتى الطير الذي يحرم لحمه يسبح جناحاه بحمد الله .
  ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ) (2) .
  وحتى الحيوان نجس العين يسبح لله .
  ( كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) (3) .
  ولكن علة أنه ذكر في نهج البلاغة خصوصية لتسبيح اجنحة الملائكة وقال : إنها أولي أجنحة تسبح جلال عزته هي كونه تسبيحاً خاصاً ، هذا النوع من الملائكة هم مثل رحمة الله ، الناس على نوعين أيضاً ، بعضهم مظهر الصلابة ، وبعضهم مظهر الرحمة ، هل الملائكة الذين هم مظهر الصلابة أرقى ام الملائكة الذين هم مظهر الرأفة والرحمة ؟ واضح ان للملائكة درجات أيضاً ، لأنه قال في القرآن ( أَصْحَابَ النَّارِ ) (4) أي الملائكة الذين يتولون مسؤولية جهنم ، وفي محل آخر : ( وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ) (5) .
  هؤلاء في نفس الوقت الذي هم في جهنم ويتولون مسؤولية جهنم وأهل جهنم ولكنهم ( في روضة من رياض الجنة ) ومجموعة أخرى الملائكة الذين هم مثل رحمة ورأفة الله ، وهؤلاء في الجنة .

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الخطبة 90 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 44 .
(3) سورة النور ، الآية : 41 .
(4) سورة المدثر ، الآية : 31 .
(5) سورة المدثر ، الآية : 31 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 206 ـ

  المرأة مظهر رأفة الله : الناس كذلك بعضهم مظهر صلابة الله ، مشغولون بالحرب مع الكفار في ميدان الحرب ، والبعض الآخر هم مظهر الرأفة يعملون خلف الجبهة ، أي أن كل صنف يقوم بعمله الخاص به ، لأن الذي يشحذ السلاح له وظيفة ، والذي يتولى معالجة مجروح الحرب له مسؤولية أخرى .
  هناك فريق يدخلون صحراء المحشر يوم القيامة راكبين ـ منهم فاطمة الزهراء عليها السلام . ولا يأتي الجميع راكبين ، فما هو هذا المركب ؟ ما هو هذا الركوب ، ما هي ميزة ذلك الذي يأتي راكباً ؟ مجموعة من الناس يأتون راكبين ، ولكن هل هو مثل ركوب البعير الظاهري أو مثل ركوب رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) على البراق ليلة المعراج ( خطوها مدّ البصر ) (1) .
  على آية حال كثير من مسائل المعراج وكثير من مسائل القيامة يجب أن يعترف الإنسان أنه لا يعرفها ، ليس كل هذه تكون شبيهة بالمسائل الدنيوية ، كثير من الأشياء قابلة للفهم والإدراك ، وكثير من الأشياء غير واضحة .
  بناء على هذا مع إدراك هذه الحقائق فانه لا تطرح هذه الأسئلة وهي انه لماذا لم يعط المقام التنفيذي الفلاني للمرأة ، والمقام التنفيذي الفلاني للرجال ؟ وغير ذلك ، إن ما هو معيار الفضيلة ليس المقام التنفيذي ، فأي مقام دنيوي يكون أرقى من الخلافة الظاهرية ؟

وجوه الخلافة
  للخلافة وجهان ، الوجه الصادق لها مر في البحوث السابقة انه ليس قابلاً للنصب ولا قابلاً للغضب ، لا الناس يستطيعون ان ينصبوا شخصاً بعنوان خليفة ، ولا يستطيع متجبر ، ان يغصب هذا المقام باستخدام القوة .

**************************************************************
(1) بحار الأنوار ، ج 18 ، ص 333 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 207 ـ

  والذي شكا من غصبه أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية كان مقاماً تنفيذياً ومسؤولية وخلافة ظاهرية ، ولم يكن مقصود الإمام غصب تلك الخلافة التي هي محتوى ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (1) حيث ان هذه الخلافة ليست قابلة للغصب أساساً ، كما انها ليست قابلة للنصب ، بل أن هذا المقام والخلافة يجب أن يعطيها الله .
  أما الوجه الآخر للخلافة ، فهي الخلافة الظاهرية ( أي الحكومة والعمل التنفيذي ) ، هذا العمل من بين الأعمال التنفيذية هو في صدر الأعمال ، بأن يصبح شخص خليفة المسلمين ، ولأنه ليس هناك مقام أعلى من هذا من حيث التنفيذ ـ فإذا تولى أمثال مالك الأشتر منصباً فهو بعنوان نيابة ـ فالخلافة هي أرقى مقام من حيث المناصب التنفيذية ، وقد بين أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جيداً موقعها وقيمتها وقال : إن نفس هذا المقام بمعزل عن مسألة إحقاق الحق وإبطال الباطل يعد من الدنيا ، والدنيا ليست إلا ( عراق خنزير في يد مجذوم ) (2) كما قال بشأن هذا المقام ( كعفطة عنز ) (3) .
  فيلزم أولاً توضيح أن الأعمال التنفيذية لا تأتي بالجنة ، حتى يقال لماذا ليس للمرأة سهم في هذا القسم وللرجل سهم أكثر ، ان قولهم ( لو كان العلم منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس ) (4) هو علم الفراسة ، البعض احتمل انه إشارة إلى أهل الفراسة وليس فارس التي تقع في جنوب إيران ، ان الذين هم أهل الفراسة ( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله عز وجل ) (5) هم الذين يصلون إلى الثريا ، في علم الفراسة وعلم الوراثة ليست هناك أية ميزة لصنف

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 30 .
(2) نهج البلاغة . فيض الإسلام ، الخطبة 228 .
(3) نهج البلاغة ، فيض الإسلام ، الخطبة 3 .
(4) بحار الأنوار ، ج 1 ، ص 195 .
(5) الكافي ، ج 1 ، الباب 28 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 208 ـ

  على آخر ، وإذا كان هناك امتياز في حيث علم الدراسة فان بعض الأقسام تفهمها النساء أفضل وتعمل أفضل ، وقسم آخر ، يفهمه الرجال أفضل ويعملون أفضل ، وهذا الفرق هو من أجل إيجاد نظام أحسن .

دور الدعاء في الوصول الى التكامل
  ان الكمالات الإنسانية تحصل في ظل عبادة واطاعة الله ، والإطاعة والعبادة مشتركة بين المرأة والرجل فقطع طريق التكامل يكون مشتركاً .
  كمثال ، الدعاء والمناجاة هي من أفضل طريق التكامل الإنساني ، لأن كمال الإنسان هو في أن يتقرب إلى الله وهو العلم المحض والوجود الصرف والقدرة الصرفة ، ويتخلق بأخلاق الكامل المحض ، وطريق التخلق بالأخلاق الإلهية والتقرب إلى ذلك الكمال ، هو بعهدة العبادات والأدعية .
  في هذه الأدعية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، وقد جوزوا وعلموا أهم المناجاة والأدعية للنساء والرجال بالتساوي لم يقل للرجال : إقرأوا دعاء كميل أو المناجاة الشعبانية ولا يحق للنساء مثل هذه الأدعية .
  إذا كانت أمرأة انجح من رجل في قراءة المناجاة الشعبانية او الجوشن الكبير يكون تجاهها في التكامل أكثر من الرجل أيضاً ، وفي البحوث السابقة اتضح أن نصيب النساء من مسألة المناجاة والموعظة إذا لم يكن أكثر من الرجال فليس أقل ، لأنها كائن عاطفي أرق قلباً ، ورقة القلب والعاطفة والشعور لها دور مؤثر في طريق الله، بناء على هذا فالنساء تستطيع ان تكون أنجح من الرجال في هذا الطريق .

التقوى معيار الكمال وحصن المؤمن :
  في القرآن الكريم هناك أساس هو معيار الكمال ، وتوزن سائر

**************************************************************
(1) سورة لقمان ، الآية : 13 .
(2) سورة يونس ، الآية : 91 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 209 ـ

  الكمالات في ضوء ذلك الاساس وهو ، التقرب إلى الله ، الذي ذكر بعنوان التقوى .
  الإنسان المتقي لديه وقاية ، الإنسان المتقي مسلح بدرع ، التقوى التي تعطي الإنسان رؤية عرفانية ، الإنسان المتقي لا يذنب ، والرؤية الكونية للإنسان المتقي تحفظ هذا الدرع كاملاً في المحل المناسب في اتجاهه الخاص ، فإذا رآى خيراً في العالم يوجه الدرع فوراً لنفسه لكي لا يسند الخير إليه بل يرتبط بالله مباشرة ، حتى يتضح أن هذا العمل ، هو عمل الله ، وإذا ظهر شر وآفة وضرر في العالم هذا يوجه الدرع مباشرة نحو الله لئلا يسند هذا الشر والسوء والقبح والضرر والآفة إلى الله .

فرق الخير والشر في الانتساب إلى الله
  سورة النساء تبين أمر المتقين : ( أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) (1) .
  أي : رغم ان الخيرات والشرور كلها من عند الله ، وجذورها التكوينية من الله ، ولكن فرق الخير والشر هو أن الخير ( من عند الله ) وكذلك ( من الله ) ، أما المصيبة والشر فهي ( مِنْ عِندِ اللّهِ ) ولكن ليست ( من الله ) .
  إذا كان الشخص متقياً يعطيه بيده وقاية ودرع نظرة كونية جيدة مثل بستاني ماهر يسعى ويجهد من أجل تنمية الورود وفي يده حاجز حديدي كلما

**************************************************************
(1) سورة النساء ، الآيتين : 78 ـ 79 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 210 ـ

  وجد ماء عذباً ومناسباً لا يسمح للأوساخ ان تذهب ويسد الطريق حتى يسقي الورد هذا الماء العذب والشفاف والزلال ، وكلما جاء ماء مالح ومر ومضر يضع الحاجز الحديدي باتجاه الورود ولا يسمح بأن يصل الماء المالح أو الماء الملوث والطيني إلى بستانه ، المتقون لهم في رعاية مزارعهم نفس هذا العمل الذي للبستاني الماهر في رعاية الورود ، أي أن البستاني المتقي في يده قفل الماء ، وعندما يصله ماء حلال هو سهمه يحفظه من التوسخ والتلوث ، ولا يسمح أن يصرف الماء الحلال والمباح بلا فائدة ويضع الحاجز حتى لا يذهب إلى محل آخر ويصب في مزرعته ومرتعه فقط ، وإذا وصله ماء هو سهم الآخرين وليس مباحاً وحلالاً له ، يضع قفل الماء هذا حاجزاً ولا يسمح بان يجري في بستانه ، ويسعى ان يذهب هذا الماء الذي هو سهم الآخرين إلى مزارعهم .
  الإنسان ، سواء في تغذية الورود ـ في المسائل الطبيعية ـ أو في تغذية مزرعته ، في مسائل الحلال والحرام ـ في يده قفل ماء وهذا القفل هو الوقاية الذي هو درعه ، والإنسان صاحب الرؤية الكونية مسلح بهذا الدرع التوحيدي ، وعندما يرى خيراً .
  فضيلة ، بركة ، رحمة ، نعمة ، ونجاحاً يجعل هذا الدرع فوراً حائلاً ، لئلا تعتبر هذه الخيرات والبركات ناجمة من نفسه ولئلا يصبح مغروراً ويقول إنني أصبحت مصدر حدوث هذه الخيرات والبركات ، أو أنني الذي صمت في شهر رمضان وقمت بالعبادات في النهار والأدعية في الليل وأمثال ذلك ، لأنه ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ ) .
  وإذا تعرض إلى ضرر ، آفة ، معصية ، فشل ، حرمان وأمثال ذلك يوجه هذا الدرع فوراً نحو الله لئلا تسند هذه المصيبة والآفة إلى الله ، بل ينسبها إلى نفسه ويقول : أنا الذي لم أكن أهلاً للنجاح ، وهذه تسمى التقوى ، التقوى ليست في أن لا يذنب الإنسان ، لا يكذب ، هذه أعمال ابتدائية ويقال للمسلم

جمال المرأة وجلالها   ـ 211 ـ

  في الصف الأول والثاني : لا تنظر إلى غير المحرم ، لا تكذب لا تغتب ، والتي هي من المسائل الابتدائية والأولية في الدين ، ويجب أن لا يقال للشخص الذي ارتفع سنه وتعرف على هذه المسائل الإسلامية عدة سنوات ، لا تكذب ، لا تغتب لا تنظر إلى غير المحرم وأمثال ذلك .
  إن هذه صغيرة للشخص الذي هو من أهل الطريق ، يجب أن يصل إلى حد يصبح فيه من أهل التقوى أي أن يمتلك وقاية ودرعاً في اليد ، وتكون رؤيته الكونية رؤية كونية واعية ، وهذا المعنى تعلمه للناس الأدعية وخاصة أدعية شهر رمضان المبارك وفي هذا التدرع الذي هو رؤية كونية عرفانية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، بل إن المناجاة والدموع والأنين التي هي رأسمال وسلاح هذا الطريق لدى النساء أقوى من الرجال .

سلاح المؤمن في الجهاد الأكبر
  اتضح في بحوث أخرى ان الشخص إذا أراد ان يحارب عدواً خارجياً يجب أن يستفيد من الحديد ، من الدبابة ، ولكن إذا أراد ان يحارب العدو الداخلي يجب ان يستفيد من ( الآه ) وليس من الحديد ، يجب الاستفادة من ( الآه ) في مكافحة الهوى ، لأن الحديد لا يستطيع ان يعمل في ذلك المكان ، الإنسان الذي يجلس على دبابة أو مقاتلة أخرى حديدية الهيكل لا يستطيع ان يحارب الهوى ، بل إن الشخص الذي يعيش إلى جانب الدعاء والمناجاة ، هو مسلح حيث ورد في دعاء كميل : ( وسلاحة البكاء ) (1) .
  أي ان أسلحة الإنسان في محاربة العدو الداخلي ، في جبهة الجهاد الأكبر هي الآه وليس الحديد ، البكاء وليس السيف ، والسلاح الحاد والمفيد

**************************************************************
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء كميل .

جمال المرأة وجلالها   ـ 212 ـ

  في الجهاد الأكبر هو تهذيب النفس والأنين ، وهذه الأسلحة لدى النساء أكثر من الرجال .
  في طريق تهذيب النفس سلح الله سبحانه النساء أكثر من الرجال ، لأن البكاء له مبادىء ، الأنين و البكاء ليس في كل شخص ، كثير يجلسون في مجالس عزاء سيد الشهداء الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، ولكن ليس لديهم ذلك الفن والإدراك في أن يبكوا ، وعلى فرض ان لديهم إدراكاً ، فان رقة القلب ليست فيهم ، حيث أن تحصيل رقة القلب ، ليس عمل كل شخص وليست الفضيلة التي يحظى بها كل شخص ، على هذا فرأسمال الجهاد الأكبر هو البكاء ، ( وسلاحه البكاء ) وهذا السلاح المفيد أعطاه الله تعالى للجميع ، ولكن النساء اكثر تسلحاً من الرجال ، الشخص الذي ينكسر قلبه بسرعة ويبكي ، لماذا لا يئن في طريق تهذيب النفس .
  في دعاء ابي حمزة الثمالي الذي هو من أكثر أدعية شهر رمضان المبارك تفضيلاً ، يدعو الإمام السجاد ( عليه السلام ) الله تعالى ( وأعني بالبكاء على نفسي ) (1) .
  أعني أن أفهم أفضل وأئن أفضل ، أعني أذا انتهت دموعي بأن تخرج الدموع مرة ثانية ، لأن الأنين هو السلاح الوحيد في الجهاد الأكبر ، وهذا الأنين لدى النساء أفضل من الرجال ، في أية آية قرآنية وفي أية رواية جاء أن الرئاسة أو قيادة القوات المسلحة وأمثال ذلك يؤدي إلى الدخول إلى الجنة ، هذه هي أعمال تنفيذية هي وظيفة ، هي أمانة وليست طعمة ، فإذا لم تكن المرأة متواجدة في الأقسام المختلفة للأعمال التنفيذية أو مسائل الجبهة والجهاد والأقسام العسكرية ، لم يدل ذل على أن يكون سهماً أقل من

**************************************************************
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .

جمال المرأة وجلالها   ـ 213 ـ

  الرجل في التقرب إلى الله ، بناء على هذا يجب أن تكون النساء عارفات بالحق ، لأن الله أعطى هذا السلاح لهن أكثر من الرجال ، كل ما في الأمر أنه يجب عليهن صرف هذا في محله .

البكاء في محلة
  أحياناً يحمل شخص سيفاً في يده ولكنه يضرب به صخرة ، في حين أن هذا السيف الحاد يجب أن يضرب به العدو ، أحياناً أيضاً يبكي شخص ، ولكنه يبكي من أجل الدنيا ، قلبه رقيق ومن أهل الأنين والبكاء ، ولكنه يئن في غير محله ، التعاليم الدينية من أجل أن يستعمل الإنسان هذا السلاح في محله .
  يقول للرجال : هيئوا أسلحة واستعملوا الأسلحة في محلها ، ويقول للنساء : إن الله اعطاكن أسلحة ، غاية ما في الأمر استعملنها في محلها ، يجب أن يتحمل الرجال مشقتين والمرأة مشقة واحدة ، مثل بلد غير مسلح في الحرب ويقال له اكتفي وهيّىء أسلحة ، ثم استعلمها في محلها ، ولكن لا يقال للبلدان التي وصلت حد الاكتفاء الذاتي في انتاج السلاح أن تتسلح ، بل يقال لديك سلاح ولكن استعمليه في محله .
  من هنا يقول الإمام السجاد ( عليه السلام ) : ( فما لي لا أبكي ، أبكي لخروج نفسي ، أبكي لظلمة قبري ، أبكي لضيق لحدي ) (1) .
  فيتضح ان الإنسان ما لم يبك لا ينجو ، وهذا البكاء هو سلاح الإنسان أيضاً ، وهذا السلاح اعطاه الله للجميع ، ولكن اعطاه النساء أكثر من الرجال ، وقال لهن ان يستعملن هذا السلاح في محله .

**************************************************************
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .

جمال المرأة وجلالها   ـ 214 ـ

  فنحن عندما نلاحظ ان الإمام السجاد عليه السلام يسأل من الله توفيق البكاء ويدعو الله أن يعينه بالبكاء على نفسه ، فسر ذلك هو أننا نواجه عدواً أقوى ، عدواً في نفس الدار ، وهو الهوى ، ومن أجل أن يتضح هل ننتصر في هذه الحرب أم نخسر ، يجب أن يكون كل كلام يقوله الناطق باسمنا معياراً لنا ، الفم هو ناطق باسمنا ، إذا قال شخص انني اعمل ما أريد ، وأقول كل ما أريد ، يتضح أنه فشل وأسر ، كيف يكون الإنسان عبد الله ، ثم يقول : انني اعمل ما أريد ، وأقول ما أريد ، هذا الذي يتكلم هو الشيطان وهو ناطق باسم الشيطان .
  ولكن الإنسان إذا وصل إلى درجة بحيث يقول : كل ما أراده الله ، أقوله ، واطيع كل ما أراد الله ، يجب أن يكون شاكراً ، لأنه ناطق باسم الملائكة والأنين لازم من أجل الانتصار في جبهة الجهاد الأكبر ، القوة لا تفيد شخصاً ، فهي خارج حدود القلب والحرب ، هي في داخل القلب ، والقبضة القوية والأموال والمقام ليست لها علاقة بميدان القلب والنفس ، في مكان تقع حرب ، وهو لديه مقام في مكان آخر ، هذا ليس قابلاً للطرح أساساً ، الحرب في القلب يلزمها سلاح واحد وهو انكسار القلب في محضر الله ، وفي هذا السلاح ، النساء أنجح من الرجال ، يجب أن تجرب النساء عدة أيام ويقطعن هذا الطريق حتى ترى ان بأمكانهن ان يكن أسوة للمجتمع .
  وفي البحوث السابقة اتضح أيضاً ان منطق القرآن هو ان المرأة الجيدة هي نموذج للناس الجيدين وليس فقط نموذجاً للنساء .

التقرب إلى الله أساس سائر الكمالات
  كل كمال يذكره الله تعالى في القرآن ، يعتبره فرع تقرب إلى الله ، حتى العلم ، حتى الفقه والأصول ، التفسير ، الفلسفة والعرفان التي هي من أفضل

جمال المرأة وجلالها   ـ 215 ـ

  العلوم الإسلامية ، يعتبرها فرع تقرب إلى الله ، هل العلم نفسه هو كمال وهل القرآن الكريم الذي يعتبر العالم أفضل من الجاهل ويقول : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) (1) .
  يبين أصلاً من أصول دستور الدين أم هو ملحق لأصل لآخر ؟ في الجواب يجب القول : إن هذا ليس أصلاً ، بل هو ملحق ، الفرق بين الأصل والملحق هو أن الأصل مستقل والملحق يكتب في آخر الأصل .
  في إحدى آيات سورة الزمر هناك أصل وملحق الأصل هو الأنين والضجة والتقوى والبكاء والعبودية في محضر الله تعالى ، وذيل هذا الأصل ، هي مسألة العلم .
  ( أمنّ هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) (2) .
  والقرآن يطرح أولاً أصلاً ويقول : هل إن الذين يعبدون في الليل يستوون مع الآخرين ؟ هل أن الذين هم من أهل الركوع والقنوت والخشوع والتواضع والعبودية في ساحة الله تعالى ، يستوون مع الآخرين ؟ الذين يرجون رحمة الله ويقلقون على مستقبلهم هل يستوون مع الآخرين ؟ ثم يقول في آخر هذا الأصل بعنوان ملحق : هل يستوي العالم وغير العالم ؟
  يتضح أن المقصود هو العلم الذي يكون ملحق ذلك الأصل ، أي القنوت والخضوع والعبودية في ساحة الله ، والأنين ليلاً ، رجاء رحمة الله وخشية عقابه ، هذا أولاّ ، ثم مسألة العلم ثانياً ، ولو لم يكن ذلك الأصل فهذا

**************************************************************
(1) سورة الزمر ، الآية : 9 .
(2) سورة الزمر ، الآية : 9 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 216 ـ

  العلم ليس أكثر من وبال ، ( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه ) (1).
  أمير المؤمنين عليه السلام يبين أنه رب عالم قد قتله جهله ، عالم ولكنه ليس عاقلاً ، ولأنه ليس عاقلاً ، فهو جاهل ـ أي الجهل مقابل العقل وليس الجهل في مقابل العلم ـ فرغم انه عالم ، لكنه خسر في جبهة جهاد الداخل وهلك ، ( ربّ عالم قد قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه ) العلم ليس بتلك الاستطاعة ، بل العقل والعقل يظهر بالأنين .
  فإذا اعتبر القرآن ، العلم بوصفه ميزة وفضيلة ، يعتبر هذا ملحق ذلك الأصل .
  يمكن ان يكون هناك فرق بين المرأة والرجل في المسائل العلمية ، ولكن في مسألة الأنين والبكاء ، إن لم تكن المرأة اكثر نجاحاً ، فهي ليست أكثر حرماناً ، ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) ، ثم ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ) هذه الآية الكريمة تشخص التقوى وتعطي للإنسان العارف درعاً ، لم يقل : إن الذي يعبد آناء الليل يخاف من الله ، بل ينسب الرجاء إلى الله والخوف إلى عاقبة عمله لم يقل : ( يحذر ربه ويرجو رحمة ربه ) ، لأن الله كمال محض والكمال المحض ليس لديه خوف .
  ورد في دعاء السحر : ( اللهم إني أسألك من بهائك بأبهاه ) (2) .
  كل هذا الدعاء هو جمال ، وبما أن الله تعالى كله جمال ، فلا محل

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الحكمة 104 .
(2) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .

جمال المرأة وجلالها   ـ 217 ـ

  للخوف حتى يخاف شخص من الله ، لذا تعطي الآية درعاً بيد الإنسان وتقول : إذا رأيت جمالاً وجه هذا الدرع نحوك حتى لا يسند الجمال إليك . ويصل مباشرة إلى الله ، وإذا رأيت خوفاً أو سمعت كلاماً عن جهنم وجه هذا الدرع فوراً نحو الله ينسب الخوف إلى الله ، الإنسان يخاف من عاقبة عمله وإلا فالله هو جمال محض ( كل جمالك جميل ) (1) .

الخوف العقلي والنفسي
  إذاً الكلام عن ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) (2) ، فالمقصود هو الخوف العقلي وليس الخوف النفسي ، الخوف العقلي هو أن الإنسان عندما يذهب إلى محل عظيم يخاف خوفاً عقلياً ويشعر بالحقارة والصغر ، أحياناً يسافر الإنسان لوحده في صحراء ويخاف من اللص والسارق والحيوان المفترس هذا الخوف هو خوف نفسي ولن يدخل أحياناً إلى الحرم المطهر لثامن الحجج ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ويخاف ، وهذا هو خوف عقلي ، أي يشعر بالصغار ، الخوف العقلي هو عين المحبة ، في دعاء أبي حمزة الثمالي نقرأ : ( اللهم أني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك وخشية منك ) (3) .
  وكما أن صفات الله تعالى عين بعضها البعض وعين ذاته ، كذلك صفات العبد الكامل التي هي مظهره هي عين بعضها البعض وعين ذاته ، ولكن مع هذا الفرق وهو أن الصفات في العبد الكامل ، ممكنة ، وعينيتها إمكانية ، وفي الذات المقدسة الواجبة ، صفاته واجبة ، وعينيتها وجوبية أيضاً ، لذا ورد في هذا الدعاء ( اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك

**************************************************************
(1) مفاتيح الجنان ، دعاء السحر .
(2) سورة النازعات ، الآيتين : 40 ـ 41 .
(3) مفاتيح الجنان ، دعاء أبي حمزة الثمالي .

جمال المرأة وجلالها   ـ 218 ـ

  وخشية منك ) ، حتى يتضح أن الخشية خشية محبة لا خشية خصام . أحياناً يخاف الإنسان من العدو ، وأحياناً يخاف من الصديق ، هنا المحبة هي عين الخشية ، هذه الخشية هي عين تلك المحبة .

العلم النافع
  إذا طرح العلم بوصفه فضيلة فان العلم فرع وأصله هي التقوى ، من هنا يتضح ان العلم الذي أمر الله تعالى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بطلب زيادته ، إذ قال : ( وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) (1) .
  يقصد به العلم الذي يكون نافعاً ، ونفع العلم هو في ظل التقوى .
  بعض العلوم ليست مفيدة في الدنيا فقط ، بل تزدهر في البرزخ والقيامة أيضاً ، وبعض العلوم لها جنبة عملية ودنيوية فقط ، إذا استفاد الإنسان منها في الدنيا بشكل صحيح فهي مفيدة ، وإلا فنفس العلم يرحل بعد الموت مثل علوم الزراعة ، والبيطرة والطرق والبناء المعماري وأمثال ذلك ، لأنه ليس في الجنة محل للزارعة حيث تنمو الشجرة في كل مكان يريده المؤمن ، وفي كل مكان يريده تفور عين .
  ( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) (2) .
  ولكن معرفة الله واسماء الله ، معرفة مواقف القيامة وأمثال ذلك تزداد ازدهاراً في القيامة ، العلم الذي يكون مفيداً للمجتمع البشري ، تحصيله إما واجب عيني أو واجب كفائي في الدين ، ولكن الأهم من الكل هي المعارف الإلهية التي قال تعالى لرسوله : ( وقل رب زدني علماً ) نموذج هذا العلم علمه له وقال :

**************************************************************
(1) سورة طه ، الآية : 114 .
(2) سورة الإنسان ، الآية : 6 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 219 ـ

  ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) (1) ، ليس هناك أعلى من علم التوحيد .
  (التوحيد ، ثم الجنة ) (2) .
  ولكن هذا العلم إلى جانب طلب المغفرة وإلى جانب ذلك الدعاء ، وهذا ليس من أجل ان العلم هو هدف أصيل ، بل لأن الاعتقاد التوحيدي هو أصل ، لأنه نفسه عمل ويهيىء أرضية ذلك الاستغفار ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) (3) ، وبمناسبة هذه الآية الكريمة ورد : ( خير العلم ، التوحيد ) و ( خير العبادة ، الاستغفار ) (4) .
  في هذه الناحية أيضاً ليس هناك امتياز بين المرأة والرجل ، بل ان النساء أكثر نجاحاً في أقسام الدعاء .

مقام الأم الرفيع في القرآن
  عندما يطرح الإسلام احترام الوالدين ، يطرح اسم الأم منفصلاً وبالاستقلال ، من أجل تكريم مقام المرأة ، ومع انه تعالى يقول : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ) (5) .
  وقال تعالى :

**************************************************************
(1) سورة محمد ، الآية : 19 .
(2) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 3 .
(3) سورة محمد ، الآية : 19 .
(4) أصول الكافي ، ج 2 ، ص 517 ، الباب 36 .
(5) سورة الإسراء ، الآية : 23 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 220 ـ

  ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ أحُسْنًا ) (1) .
  ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) (2) .
  وقال تعالى : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ) (3) .
  ولكن مع كل هذا التكريم المشترك ، عندما يريد ان يذكر مشقات الوالدين ، يتكلم على مشقة الأم ، لا على مشقة الأب ، فقوله : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) (4) .
  نرى انه تعالى يتكلم على مشقات الأم ثلاثين شهراً ، ففترة الحمل والولادة وفترة الرضاعة صعبة على الأم ، ويذكر كل هذه كشرح لخدمات الأم ، وفي هذا القسم من القرآن لا تسمعون الله تعالى يقول : إن الأب تحمل مشقة .
  بناء على هذا فان الآيات القرآنية الواردة في مسألة معرفة حق الوالدين على قسمين : قسم من الآيات يبين معرفة الحق المشترك للوالدين ، وقسم آخر هي الآيات التي تخص معرفة حق الأم ، وفي المحل الذي يبين القرآن الكريم حكماً خاصاً بشأن الأب فهو من أجل بيان الوظيفة فقط ، مثل :

**************************************************************
(1) سورة الاحقاف ، الآية : 15 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 23 .
(3) سورة لقمان ، الآية : 14 .
(4) سورة الاحقاف ، الآية : 15 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 221 ـ

  ( وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (1) .
  ولكن حين الكلام على التكريم وبيان الجهود ، يذكر اسم الأم بالخصوص .

الوظائف التربوية للمرأة
  هناك مجموعة مسؤوليات تربوية بعهدة الأم ، محروم منها الأب ، المرأة لديها مجموعة مسؤوليات لمدة ثلاثين شهراً على الأقل ، والرجل ليس لديه هذه ، والله سبحانه يتكلم مع المرأة خلال هذه الثلاثين شهراً كلاماً لا يتكلمه مع الرجل ، هناك وظائف وأوامر وتوجيهات مقررة للمرأة في مدة ثلاثين شهراً ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) الحد الأقل لفترة الحمل ستة أشهر ـ وأكثره تسعة أشهر ـ وسنتين أيضاً يرضع هذا الطفل في حضن الأم فيصبح المجموع ثلاثين شهراً .
  ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) (2) .
  في هذه الثلاثين شهراً التي يتغذى الطفل فيها من الأم مباشرة ، الأم مسؤولة عن حفظ شخصين ، ولها تكليفين ، أحدهما لها والآخر للطفل ، الأب موظف في أصل النطفة ان يأكل حلالاً ، وإذا ابتلى في ما بعد بحرام فليس له ارتباط قريب بتربية الطفل ، لأن الغذاء الحرام للأب يهضم في معدة الأب ، أما غذاء الأم ففي معدتها يتبدل إلى لبن ويتغذى به الطفل ... هي موظفة ان تعطي للطفل حلالاً وان تأكل هي حلالاً ، هذه ترتبط بالأغذية الجسمانية .
  أما في الأغذية الروحانية فكذلك أيضاً ، إذا خطرت للرجل خاطرة

**************************************************************
(1) سورة البقرة ، الآية : 233 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 233 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 222 ـ

  سيئة ، فكر بخيال وهوى سيّىء فيؤذي نفسه ، خيال الذنب والخاطرة السيئة عند الرجل هي ضد الرجل نفسه ، أما الخيال الباطل والحرام والتفكير بالذنب والخواطر المرّة عند المرأة فتكون ضد شخصين .
  الآن يجب السؤال : أليس هذا عظمة للمرأة ؟ أليست هذه مسؤولية أعطاها الله تعالى للمرأة ؟ قال للمرأة إن مسؤوليتها في حفظ خواطرها وأفكارها وعقائدها أكثر من الرجل ، الرجل يؤذي شخصاً واحداً والمرأة تؤذي شخصين ، لذا عليها مراقبة أفكارها ، لأن كثيراً من المسائل تصل إلى الابن عن طريق الفكر .
  لماذا مقام المعلم أعلى من مقام المتعلم ؟ لأن له وظيفتين ، أحداهما إصلاح نفسه ، والأخرى إصلاح الآخرين ، أما الآخرون فلهم وظيفة واحدة فقط وهي إصلاح أنفسهم .
  إذا عرفت الأم أن أفكارها تؤثر في الطفل فسوف تحرص على أن تعيش أكثر عرفانية في الفكر والرؤية التوحيدية وظيفة الأمومة ليس في ان ترضع الطفل وهي على وضوء فقط وتقول بسم الله عندما تضع الثدي في فم الطفل ، فهذه أعمال تنفيذية ، وهي مجموعة أعمال ظاهرية وعبادات ظاهرية ، بل الدين يقول للمرأة ان تراقب أفكارها أيضاً ، كما يوصي الرجل بأن لا يفكر بامرأة أجنبية رآها في شارع أو صحراء ، حين مواقعة زوجته ، لأن الله مطلع ، أحياناً يحرص الإنسان على أن لا يفعل فعلاً سيئاً ، هذه هي المراقبة المعروفة ، وهناك مراقبة المراقبة ، أي يرى ان آخر يراه : ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) (1) .
  تارة يقال لنا :

**************************************************************
(1) سورة العلق ، الآية : 14 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 223 ـ

  ( عباد الله زنوا أنفسكم قبل ان توزنوا وحاسبوها من قبل ان تحاسبوا ) (1) .
  وأخرى يقال : على الإنسان ان يكون منتبهاً إلى أنه مراقب ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) .
  بناء على هذا فمسؤولية المرأة في هذه الشهور الثلاثين هي أكثر من الرجل وكل من كانت مسؤوليته أكثر يكون توجهه إلى الله أكثر في حالة العمل بها ، وكل من كان أكثر توجهاً إلى الله فهو أكثر نجاحاً ، لذا نلاحظ في القرآن الكريم انه في الوقت الذي يوصي الناس بأن يكرموا الوالدين ، يذكر مكرراً اسم الأم ، لأنها كانت مراقبة ثلاثين شهراً ، إذا لم ترتكب الأم عقوقاً في فترة الثلاثين شهراً ، لم ترتكب عصياناً ، فان أولادها أيضاً لا يبتلون بالعقوق .
  هذه هي أوارم علمها الله تعالى للنساء عن طريق الوحي بواسطة النبي كبرنامج خاص لأن تكون النساء مراقبات لأفكارهن إن الأفراد العاديين ليسوا مسؤولين بذلك القدر ولكن الأئمة لديهم مسؤولية أكثر ، القادة لديهم مسؤولية أكثر ، أفكار المعلم تؤذي مجموعة أو تربي مجموعة ، ولكن الآخرين ليسوا هكذا ، كل شخص لديه مسؤولية أكثر ، إذا نظر إلى هذه المسؤوليات بنظرة تكريم يصبح أقرب الى الله وفترة المسؤولية لمدة ثلاثين شهراً هذه مكررة للمرأة ، من قال إن مقام النساء في الجنة هو أقل من مقام الرجال ؟ المنصب والمقام يبلغ بخط ، ويعزل بخط .
  والمقام الذي يأتي بإبلاغ ويذهب بإنذار يفيد صفحة الورق تلك لا يفيد الإنسان ، وأي مقام ومنصب دنيوي ثابت دائماً ، فهذه ليست مقاماً

**************************************************************
(1) نهج البلاغة ، الفيض ، الخطبة ـ 89 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 224 ـ

  حقيقياً ، إذا كان البحث عن الأعمال التنفيذية ، يجب أن لا ينظر الإنسان بنظارة الغرب وهو يعيش في الدائرة الإسلامية ، يجب أن نقف في برج عالٍ ، ونأخذ بنظر الاعتبار الماضي البعيد والمستقبل غير المحدود لنرى هل المرأة أكثر نجاحاً في هذا المسير غير المحدود أم الرجل ، إذا لم تكن المرأة أكثر نجاحاً فهي ليست اقل ، وان هذه الأوامر تدل أنها أكثر من الرجل تحت مراقبة الله .

الاختلاف في الحمَل والحمِل
  قد لا تستطيع المرأة رفع حمل يعادل ما يحمله الرجل أو يزيد عليه ، ولكن حمل الطفل ليس عملاً سهلاً ، البعض حملهم ( بالكسر ) قوي ، والبعض أقوياء في الحمل ( بالفتح ) ، الحمل هو ثقل على الكتف ، الحمل هو ثقل في داخل الإنسان ، النساء قويات حملاً والرجال أقوياء حملاً ، وقد بين القرآن الكريم ( الحَمل والحِمل ) كليهما (1) .
  الثقل الذي على الكتف والظهر يسمى حمل ، ( حمل البعير ) ، والثقل الذي في الداخل هو حمل ، فإذا لم تستطع المرأة ان تكون مثل الرجل في الحمل ، فالرجل أيضاً ليس مثلها في الحمل ، لا يستطيع ذلك ولا يصلح له أساساً ، لذا في كثير من هذه المسائل ليس للقرآن كلام مع الرجل ، وعندما يعطي للرجل المجال في المسائل التنفيذية ، يأمره بمجموعة وظائف ويلزمه بالقيام بها .
  أن أهم رأسمال للمرأة هو الانجذاب والمناجاة مع الله ، عندما تعرض

**************************************************************
(1) ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها ) سورة الحج ، الآية : 2 .
( ولا تزر وازرة وزر أخرى وان تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل ... ) سورة فاطر ، الآية : 18 .

جمال المرأة وجلالها   ـ 225 ـ

  هذه المعارف وتفهمها النساء وتعمل بها ، عند ذلك يعرفن أين يصرفن البكاء هذه الذخيرة الإلهية ، صحيح أن الجمال هو رأسمال لهن ، ويجب أن يصرفنه في محله ، الكل يعلم بأنه يجب ان تكون النساء ذوات حجاب ، وزكاة الجمال هي العفاف ، لكن جمالهن الحقيقي هو الانجذاب نحو الجمال المحض .
  ( زكاة الجمال ، العفاف ) (1) .
  ولكن ما هي زكاة ذلك الأنين والآه ورقة القلب ؟ أين يجب صرفه ؟ ( سلاحه البكاء ) هذا يجب ان يعلم أن يبكي في الأدعية والمناجاة ولا يبكي بلا فائدة ، هذا الرأسمال لم يعطه الله حتى يبكي الإنسان من أثر التنافس على مظاهر الدنيا واللباس والزينة ، لأنه من الحيف أن يصرف الإنسان هذه الأسلحة في غير محلها ، وفي هذه الأدعية لم يشترط أن يقرأها الرجل ولا تقرأها المرأة ، والمناجاة الفلانية خاصة بالرجل وليس للمرأة سهم ، ليس هكذا .
  إذا جمعنا كل هذه المسائل نرى ان الله تعالى اعتبر المعيار شيئاً ، وفي ذلك المعيار تشترك المرأة والرجل ، وإذا لم تكن لدى ملايين الأشخاص الدارسين وغير الدارسين اعمال تنفيذية ، فذلك لا يعني عدم وصولهم إلى الهدف .
  كثير من العلماء والمحققين يقولون : بالنظر لأن هناك أشخاصاً عاملين في الأمور التنفيذية ، بمقدار الكفاية ، فلماذا نقبل نحن بعمل تنفيذي ؟ هؤلاء إذا لم يكونوا أكثر نجاحاً في المعارف الدينية وفي خدمة الإسلام والمسلمين ، فليسوا بأقل ، فيتضح ان التكامل هو في شيء آخر ، ونحن

**************************************************************
(1) غرر الحكم ، الفصل 37 ، الرواية 5 .