( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ )
(1) .
فإن إطلاق وسياق هذه الآية وتنقيح مناطها ، يدين المرأة والرجل معاً ويعتبر هذا الحكم قابلاً للتنفيذ لكليهما .
بناء على هذا ، كان النموذج الأول ، تواجد المرأة في ميدان الشهادة ، والنموذج الثاني تواجد المرأة في ميدان السياسة والتضحية ، الكلام الذي يقوله القادة الإلهيون لم يصدر للرجال فقط ولا أن قبوله خاص بالرجال ، وفي صدر الإسلام لم يكن الرجال سابقين في هذا النوع من المسائل .
وفي ما يتعلق بالحوادث التي وقعت للثورة الإسلامية ، نتذكر هذا الموضع من كلام الإمام ( رضوان الله عليه ) .
ومن كلام سائر المسؤولين لأن رسالة الدين هي ان التواجد في الساحة السياسية ، الاجتماعية يكون وظيفة مشتركة للمرأة والرجل ، ومع هذه الرؤية والتفكير ، لا يقول شخص : يجب أن لا تراجع المرأة جهاز المسؤولين وتسترد حقوق المجتمع لأن إيمانها قليل ، أو عقلها ناقص .
عمة رسول الله والتواجد في الساحة :
كانت عمة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنت عبد المطلب بن هاشم تشجع اينها في نصرة دين الله ، علاوة على أنها آمنت كما آمن أخوها حمزة ، وكانت تتمتع بأدبيات رفيعة حيث نظمت شعراً وقطعة أدبية جيدة في رثاء أبيها وعاشت عمرها بكرامة ، حتى توفيت في عهد عمر
(2) .
إن خلاصة حياة هذه المرأة تدل على انها كانت ترى نفسها مسؤولة
**************************************************************
(1) سورة النور ، الآية : 62 .
(2) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ، ص 25 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 293 ـ
مثل حمزة سيد الشهداء ولم تكتف بإسلامها فقط ، فإذا كان حمزة سيد الشهداء استشهد فان هذه المرأة كانت تشجع ابنها على التواجد في جبهات نصرة الدين ، يمكن أن تقول الأم لولدها أن لا يذهب إلى الجبهة بسبب العاطفة أو لا تشترك في الجبهة ولكن الأم الملتزمة المؤمنة تشجع ابنها على الذهاب إلى الجبهة وتواجد هذه المرأة في ميدان السياسة يظهر عندما تشجع ابنها لينصر دين النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وأشير في البحوث السابقة إلى أن نصرة الدين في صدر الإسلام لم تكن عملاً سهلاً ، ففي بعض الحالات كانت تعتبر النصرة باللسان بمثابة نصرة حربية ، في ذلك الوقت عندما كان الأعداء كثيرين والأصدقاء قليلين وبتعبير القرآن الكريم : ( تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ )
(1) ...
إذا كان الشخص ينصر الدين باللسان فكأنه يريد نصرة الدين مسلحاً ، كانت النصرة باللسان خطراً ، وكانت هذه المرأة تشجع ابنها على أن يدافع عن دين النبي كما كانت تتمتع بأدب جيد حيث أمرها عبد المطلب وسائر إخواتها بأن ينظمن شعراً في رثاثة قبل وفاته حتى يختبر ذوقهن الأدبي ، وقد سعت هذه النساء إلى تربية ابنائهن بهذا الذوق الأدبي ، وقد انشدت هذه المرأة قطعة أدبية قي رثاء أبيها عبد المطلب في حياته .
بنت الحرث بن عبد المطلب أما الحكومة الأموية (2)
نموذج آخر هي بنت الحرث بن عبد المطلب بن هاشم التي كانت معاصرة لمعاوية ، وكانت تدافع عن المدرسة العلوية مثل سائر أصحاب
**************************************************************
(1) سورة الأنفال ، الآية : 26 .
(2) الدر المنثور في طبقات ربّات الخدور ، ص 25 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 294 ـ
علي ( عليه السلام ) ، ذات يوم كان معاوية جالساً مع عمرو بن العاص ومروان فدخلت هذه المرأة وكانت كبيرة العمر فسألها معاوية كيف حالكم ؟ قالت نحن نعيش في مراحل نواجه فيها حكومة كفرت بالنعمة وأساءت إلينا ولكن : ( كلمتنا هي العليا ، ونبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو المنصور ، فوليتم علينا من بعده وتحتجون بقرابتكم من رسول الله ونحن أقرب إليه منكم ، وكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان من نبينا بمنزلة هارون من موسى وغايتنا الجنة وغايتكم النار ) .
قالت هذا الكلام في بلاط معاوية بفصاحة بلاغة ، وقد قيل بشأن هذه المراة انها : ( إذا خطبت أعجزت وإذا تكلمت أوجزت )
(1) ، في بداية الخطبة قالت : كلمتنا هي العليا ، لأن : ( وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا )
(2) .
أي أن منطقنا هو منطلق الله وهو عالٍ دائماً ومنتصر ومظفر ( ونبينا هو المنصور ) ، لأن الله تعالى تكلم عن اعتلاء كلمته في القرآن وتكلم أيضاً عن غلبة رسول الله : ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي )
(3) .
ثم قالت : ( فوليتم علينا بغير حق ) ، وقد عبأت هذه المرأة الخطيبة في هذه الخطبة عدة جمل قرآنية وأحاديث ( كلمتنا هي العليا ) مقتبسة من
**************************************************************
(1) الدر المنثور في طبقات ريات الخدور ، ص 25 .
(2) سورة التوبة ، الآية : 40 .
(3) سورة المجادلة ، الآية : 21 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 295 ـ
القرآن ، ( نبينا هو المنصور ) مأخوذة أيضاً من القرآن ، وكذلك ( كنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل ... ) مقتبسة من القرآن ، وبيان منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام مأخوذ من حديث المنزلة .
( أفلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي )
(1) ... ، إن الحضور الذهني لهذه المرأة بالنسبة لآيات القرآن والاستفادة منها خلال الخطبة والتسلط على الأحاديث واستعمال جمل من الأحاديث خلال الكلام ، دليل على البلوغ الأدبي لهذه المرأة ، ثم قالت في آخر الخطبة
(2) : ( وغايتنا الجنة وغايتكم النار ) .
فقام عمرو بن العاص الذي كان جالساً في المجلس باهانتها فأجابت هذه المرأة جواباً شبيهاً بجواب الإمام الثاني الذي ذكره المرحوم الطبرسي في الاحتجاج
(3) حيث قالت : ( وأنت يا بن الباغبة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة بغي بمكة وآخذهن للأجرة ادعاك خمسة نفر من قريش ... ) فاعترض مروان فأجابته جواباً مراً ثم التفتت إلى معاوية وقالت : ( والله ما جرأ علي هؤلاء غيرك ) .
فقال معاوية : ( ألك حاجة ؟ هات حاجتك ) قالت : ( مالي إليك حاجة ) وخرجت ، فالتفت معاوية لمن حوله بعد ذهاب هذه المرأة وقال : ( لإن كلمها كلّ من في مجلسي لأجابت كل واحد منهم بجواب خلاف الآخر
**************************************************************
(1) سورة القصص ، الآية : 3 .
(2) سيرة ابن هشام ، ج 2 ، ص 520 .
(3) الاحتجاج ، ج 1 ، ص 411 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 296 ـ
بلا توقف ) ، حيث أن ( نساء بني هاشم أصعب من رجال غيرهم في الكلام ) ،
إن امرأة كبيرة في السن تدخل بلاط الأمويين وتدين كل أولئك وتتكلم بجزم ، هذا الأمر يبين التواجد السياسي لامرأة عجوز ، إن نظم الشعر والتكلم ليس دليل تواجد سياسي حتى يتضح المحتوى ، فإذا كان المحتوى رقة ورثاء ، فهذا ليس دليلاً على الحضور السياسي في الساحة ، ولكن إذا كان المحتوى هو استفادة من الآيات السياسية في القرآن والأحاديث السياسية لأهل البيت ، وطريقة التعامل هي إدانه حكام الظلم . فهذا دليل حضور سياسي .
مسألة مهمة أخرى من اللازم لفت النظر إليها هي أن أبا ذر ( رضوان الله عليه ) قام بمثل هذا العمل أيضاً ، ولكن في قضية أبي ذر كتبت رسالات وكتب وعشرات المقالات في مجال الكلام السياسي لأبي ذر ( رضوان الله عليه ) ، ولو أن هذه الرسائل الكثيرة والأقوال والمقالات كتبت بشأن التواجد السياسي للمرأة ، عند ذلك لا يقول شخص انه ليس للمرأة حق في المشاركة في المسائل السياسية أو انه لم يكن لها سابقة في التواجد السياسي ، أو ان المرأة إذا كبرت في السن تفقد نضوجها السياسي وغير ذلك ، ان سبب شهرة أبي ذر كان كلامه السياسي وتعامله الحاد وقد قامت هذه المرأة بمثل ذلك العمل أيضاً .
ان تواجد المرأة في ميدان السياسة يستفاد جيداً من قضية بنات عبد المطلب والحراث بن عبد المطلب ، وفي هذه الناحية ليس هناك فرق بينهن وبين أبي ذر ، ولكن قضية أبي ذر ذكرت مرات وقام عدد من الرجال ، بممارسة أسلوبه في التواجد السياسي ، ولو أن قضية هاتين الإمرأتين قد ذكرت أيضاً ، لتواجدت كثيرات مثلهن في الساحة ، صحيح في الفقه الأصغر ، أو إذا قام بذنب آخر فهو ليس صائماً ، لأنه لم يسر في مستوى الملائكة ، إذا اغتاب فهو ليس صائماً ، ان القول بأن لا نأكل حتى نصبح ملائكة ، أي ان نترك مطلق التصرفات النباتية والحيوانية ، حتى نكون كالملائكة كما ان ورقة التوت إذا وقعت في معمل حرير تصبح حريراً ،
جمال المرأة وجلالها
ـ 297 ـ
أم حكيم والانتقام من بسر من أرطأة (1) :
نموذج آخر ، هو أنه بعد مسألة التحكيم ، أرسل معاوية ، الضحاك بن قيس وبسر بن أرطأة إلى اليمن وامرهما بارتكاب مجزرة عامة ضد رجال الشيعة واتباع أهل البيت هناك ، فهجموا على بيت أحد الشيعة ، وعندما لم يجدوه في البيت ذبحوا ولديه الصغيرين أمام أمهما ، ونجد أن أولئك النساء لم يستسلمن حين كن يشاهدن قتل أولادهن ، ولم يقلن لا تقتلوا أولادنا ونحن نضحي للأمويين بثروة أدبية ، أو يقلن لا تذبجوا أولادنا ونحن نتخلى عن الولاء لأهل البيت ، إن تحمل المرأة لتلك المصائب المؤلمة دليل على ان المرأة تستطيع مثل الرجال التواجد في مراسيم الشهادة أيضاً ، وليس هناك فرق بين المرأة والرجل في هذه الناحية .
ان تحمل هذا المشهد المؤلم كان صعباً على الأم ، وبعد فترة أصيبت هذه المرأة بمشاكل نفسية وأنشدت رثاء رفيعاً في استشهاد ولديها ، وكانت تقرأه على كل امرأة ، وقد كان الشعر الأدبي لهذه الأم مؤثراً إلى درجة أن أحد الرجال من اليمن قرر أن يأخذ فدية هذين الولدين والانتقام لهما من بسر بن أرطأة ، فتقرب إلى بسر بن أرطأة بالنفوذ في جهاز إدارته وأصبح موضع ثقته ، حتى حمل معه ولديّ بسر بعد كسب الثقة وذبحهما ، وقال إن هذا هو جزاء ذلك القتل الذي قام به بسر تجاه ولدي تلك المرأة .
أم الخير ، خطيبة صفين (2) :
نموذج آخر هي بنت حريش بن سراقة الملقبة بـ ( أم الخير ) وهي من النساء المعروفات في صدر الإسلام وكانت تتمتع بقوة تعبير عالية وتعتبر
**************************************************************
(1) الدر المنثور ، ص 56 .
(2) الدرر المنثور ، ص 57 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 298 ـ
خطيبة بليغة ، لم تكن هذه المرأة من سكان المدينة بل كانت تسكن في الكوفة .
كتب معاوية إلى واليه بالكوفة أن أوفد عليّ أم الخير بنت الحريش بن سراقة البارقية برحلة محمودة الصحبة غير مذمومة العاقبة واعلم أني مجازيك بقولها فيك بالخير خيراً وبالشر شراً ، فلما ورد عليه الكتاب ركب إليها فأقراها إياه فقالت : أما أنا فغير زائغة عن طاعة ولا معتلة بكذب ولقد كنت أحب لقاء أمير المؤمنين لأمور تختلج في صدري تجري مجرى النفس يغلي بها غلي المرجل بحب البلس يوقد بجزل السمر ، فلما شيعها وأراد مفارقتها قال لها يا أم الخير إن معاوية قد ضمن لي عليه أن يقبل قولك فيّ بالخير خيراً وبالشر شراً فانظري كيف تكونين .
قالت : يا هذا لا يطمعك والله برك بي في تزويقي الباطل ولا تؤيسنك معرفتك أياي أن أقول فيك غير الحق ، فسارت خير مسير فلما قدمت على معاوية أنزلها مع الحرم ثلاثاً ثم اذن لها في اليوم الرابع وجمع لها الناس ، فدخلت عليه فقالت : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، فقال : وعليك السلام ، وبالرغم والله منك دعوتني بهذا الاسم .
فقالت : مه يا هذا فان بديهة السلطان مدحضة لما يجب علمه ، قال صدقت يا خالة ، وكيف رأيت مسيرك ؟ قالت : لم أزل في عافية وسلامة حتى أوفدت إلى ملك جزل وعطاء بذل فانا في عيش أنيق عند ملك رفيق ، فقال معاوية : بحسن نيتي ظفرت بكم واعنت عليكم ، قالت : مه يا هذا لك والله من دحض المقال ما تردي عاقبته ، قال ليس لهذا اردناك ،قالت : إنما أجري في ميدانك إذا أجريت شيئاً أجريته فاسأل عما بدا لك .
قال : كيف كان كلامك يوم قتل عمار بن ياسر ؟ قالت : لم أكن و الله رويته قبل ولا زورته بعد وإنما كانت كلمات نفثها لساني حين الصدمة ، فان شئت أن أحدث لك مقالاً غير ذلك فعلت ، قال لا أشأ ذلك ثم التفت إلى
جمال المرأة وجلالها
ـ 299 ـ
أصحابه فقال : ( أيكم يحفظ كلام أم الخير ؟ قال رجل من القوم أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظي سورة الحمد ، قال : هاته ، قال نعم كأني بها يا أمير المؤمنين وعليها برد زبيدي كثيف الحاشية وهي على جمل أرمك وقد احيط حولها حواء وبيدها سوط منتشر الظفرة وهي كالفحل يهدر في شقشقة تقول : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ )
(1) ان الله قد أوضح لكم الحق وأبان الدليل ونور السبيل ورفع العلم فلم يدعكم في عمياء مبهمة ولا سوداء مدلهمة ، فإلى أين تريدون رحمكم الله أفراراً عن أمير المؤمنين أم فراراً من الزحف أم رغبة عن الإسلام أم ارتداداً عن الحق ، أما سمعتم لله عز وجل يقول : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )
(2) ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول : اللهم قد عيل الصبر وضعف اليقين وانتشر الرعب وبيدك يا رب أزمة القلوب ، فاجمع اللهم الكلمة على التقوى وألفّ القلوب على الهدى واردد الحق إلى أهله .
هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل والوحي الو في والصديق الأكبر ، أنها أحن بدرية وأحقاد جاهلية وضغائن أحدية وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك بها ثارات بني عبد شمس ثم قالت : ( فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) صبراً معشر الأنصار والمهاجرين قاتلوا على بصيرة من ربكم وثبات من دينكم وكأني بكم غداً وقد لقيتم أهل الشام كحمر مستنفرة فرت من قسورة لا تدري أين يسلك بها من فجاج الأرض باعوا الآخرة بالدنيا واشتروا الضلالة بالهدى وباعوا البصيرة بالعمى وعما قليل ليصبحن نادمين حتى تحل بهم الندامة فيطلبون الإقالة ولات حين مناص ، انه والله من ضل عن الحق وقع في الباطل ، ومن لم يسكن الجنة نزل
**************************************************************
(1) سورة الحج ، الآية : 1 .
(2) سورة محمد ، الآية : 31 .
جمال المرأة وجلالها
ـ 300 ـ
النار أيها الناس ان الأكياس استقصروا عمر الدنيا فرفضوها واستبطأوا مدة الآخرة فسعوا لها ، والله أيها الناس لولا ان تبطل الحقوق وتعطل الحدود ويظهر الظالمون وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا ورود المنايا على خفض العيش وطيبه ، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وزوج ابنته وإبي بنيه خلق من طينته وتفرع من نبعته وخصّه بسره وجعله باب مدينته وعلم المسلمين وأبان ببغضه المنافقين فلم يزل كذلك يؤيده الله عز وجل بمعونته ويمضي على سنن استقامته لا يعرج لراحة الدأب وها هوذا مفلق الهام ومكسر الأصنام ، صلى والناس مشركون واطاع والناس مرتابون فلم يزل كذلك حتى قتل مبارزي بدر وأفنى أهل أحد وهزم الأحزاب وقتل الله به أهل خيبر وفوق جمع هوازن فيا لها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقاً وردة وشقاقاً وزادت المؤمنين إيماناً قد اجتهدت في القول وبالغت في النصيحة وبالله التوفيق وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال معاوية : والله يا أم الخير ما أردت بهذا الكلام إلا قتلي والله ، لو قتلتك ما حرجت في ذلك ، فقالت : والله ما يسؤني يا ابن هند ان يجري الله ذلك على يدي من يسعدني الله بشقائه ، قال : هيهات يا كثيرة الفضول ما تقولين في عثمان بن عفان ؟ ثم طرح معاوية قضية الزبير ، فقالت : وأنا أسألك بحق الله يا معاوية فان قريشاً تحدثت أنك أحلمها ، ان تعفيني من هذه المسائل وامض لما شئت من غيرها .
أن المقصود من ذكر هذا التفصيل هو أولاً : ان هذه المرأة كان لديها عمل عسكري ، وعمل إعلامي أيضاً .
ثانياً ان كلامها كان مقتبساً من القرآن وسنة المعصومين والعترة الطاهرين ( عليهم السلام ) .
ثالثاً : كانت مستعدة حتى الشهادة من أجل القيادة وإمامها .
رابعاً : ان شعارها كان في حد العقل والوحي وليس في حد العاطفة والشعور ، خامساً : ان كلامها هذا كان