هذا ملخص ما تحدث به سماحة السيد دام ظله الشريف في التأريخ المذكور، أما الأحكام النسبية وقضايا الإرث واستلحاق الجينات فلسماحته فيها آراء قيّمة دقيقة جامعة مانعة ، فلا يدخل فيها ما هو خارج عنها ، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها ، وقد تحدثتُ عنها مفصلاً في الندوة المتخصصة التي أقامها آل محي الدين بديوانهم العامر في النجف الأشرف بتأريخ 25 رمضان المبارك 1418 هـ تحت شعار ( الاستنساخ بين الطب والشريعة الإسلامية ) وقد تولى الخبير الاستراتيجي في شؤون الاستنساخ الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي الذي تم على يديه ميلاد أول طفل أنابيب في العراق ، الحديث عن الاستنساخ طبياً ومختبرياً ، وتولى كاتب هذه السطور الحديث عن رأي الفقهاء في الموضوع ، وهناك طرح دقائق ما توصل إليه سماحة السيد السيستاني ، وسماحة السيد محمد سعيد الحكيم من آراء فقهية أصيلة تواكب مسيرة الحضارة في تطلعاتها المستقبلية ، وليس هذا موضع بحثها. وللتأريخ فقد ناقشت الدكتور منذر البرزنجي في التسمية وكونها استنسالاً لا استنساخاً ، فاقتنع بأن تسمى العملية بجملتها ( عملية الاستنسال ) وقام بتعديل عنوان بحثه في هذا الضوء .

فقه الحضارة 27
5 ـ تحديد النسل وموانع الحمل
  في أطار التصعيد الحضاري تنعقد الحياة الاقتصادية فتتأرجح بين الإسراف والاعتدال ، وفي ظلال الصخب التكنولوجي تتعالى صيحة الداعين إلى الاستكانة والهدوء ، ومع اضطراب الحياة العامة تتعسر مبادىء التربية الفضلى ، وفي انعدام الراحة البدنية جرّاء العمل المضني تفقد الأسر نصيبها من التوجية والعناية الروحية والعقلية ، وهذا المناخ الحاشد بهذه المفردات الضخمة يدعو إلى تحجيم العائلة عدداً ، وتحديد النسل إقلالاً ، فيعمد المسؤول عن ذلك إلى استعمال موانع الحمل حيناً ، ووسائل الإجهاض حيناً آخر ، ولمّا كان الأخير محرّماً شرعاً وقانوناً ، كان الأول هو المتعين حصراً دون إثارة أو ضجة ، فبرزت عقاقير منع الحمل ، وشاع استعمال اللولب المانع من الحمل ، وأشيع تأجيل الدورة الشهرية عن وقتها المحدد .
  الداعي وراء هذا التطور في أساليب تحديد النسل ، إما أن يكون اقتصادياً ، لأن الزوج قد لا يستطيع الوفاء بالتزاماته المالية في ظل عائلة متعددة الأفراد أو كثيرة العدد ، وإما أن يكون

فقه الحضارة 28
 تربوياً ، لأن الزوج وزوجته عاجزان عن إدارة وتربية جمهرة من الأولاد ، قد تستدعي تربيتهم جهداً إضافياً مضنياً لا يتوافران عليه إضافة إلى واجبات الحياة الأخرى، وإما أن يكون عاطفياً بأزاء حصر المشاعر الجياشة موزعة بين اثنين من الذرية لا تتعداهما إلى فوضى الكثرة المتعددة من الأبناء والبنات ، فلا تعطي النتائج المتوخاة ، بل هي تصد رغبة الإشباع في العاطفة والحب مقتصرة على الواحد أو الاثنين غير متجاوزة هذا العدد إلى الإسفاف .
  كل هذه الاحتمالات واردة إزاء تحديد النسل ، وقد يضاف إليها العامل الصحي الذي يفرض إرادته قهراً ، ومن أجل هذا كله كان للشرع الشريف رايه في هذه المفردات ، وقد يسرها سماحة السيد مد ظله العالي في ضوء الفتاوى الآتية :
  1 ـ يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، ولا فرق في ذلك بين رضا الزوج به وعدمه .
  2 ـ يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل ونحوه من الموانع بالشرط المتقدّم ، ولكن لا يجوز أن يكون المباشر لوضعه غير الزوج إذا كان ذلك يتوقف على النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّهُ من بدنها ، إلاّ مع الحرج الشديد كما مر .
  هذا إذا لم يعلم أن استعمال اللولب يستتبع تلف النطفة بعد انعقادها ، وإلاّ فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه مطلقاً .
  3 ـ هل يكفي في صدق عنوان الضرورة المجوزة للكشف أمام الطبيب الانزعاج الشديد والتذمّر النفسي الذي يسببه لها كثرة

فقه الحضارة 29
 الحمل فيجوز لها الكشف أما الطبيب أو الطبيبة لوضع اللولب ؟
  الجواب : لا يكفي ذلك إلا إذا كان الانجاب يسبب لها من القلق النفسي الشديد ما يوجب وقوعها في الحرج الرافع للتكليف فيجوز لها الكشف إن لم تكن هناك طريقة أخرى تفي بالغرض ولا تتوقف على الكشف أمام الطبيب .
  4 ـ هل يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع النسل بحيث لا تنجب أبداً ؟
  فيه إشكال ، وإن كان لا يبعد جوازه فيما إذا لم يستلزم ضرراً بليغاً بها ، ومنه قطع بعض الأعضاء كالمبيض .
  نعم ، لا يجوز أن يكون المباشر للعملية غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّهُ من بدنها إلا مع الحرج الشديد كما مرّ .
  ونظير هذا الكلام يجري في الرجل أيضاً .
  5 ـ لا يجوز إسقاط الحمل بعد انعقاد نطفته ، إلا فيما إذا خافت الاُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده أو سبّب لها حرجاً لم تجر العادة بتحمله للمرأة الحامل ، فإنه يجوز لها إسقاطه ما لم تلجه الروح ، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط مطلقاً .
  وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديته لأبيه أو غيره من ورثته ، وإن اسقطه الأب فعليه ديته لأُمه ، ومقدار الدية مذكور في كتاب الديات .
  6 ـ يجوز للمرأة استعمال العقاقير التي تؤجل الدورة

فقه الحضارة 30
الشهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات ـ كالصيام ومناسك الحج أو لغير ذلك كما يجوز لها استعجالها لاتمام العدّة ـ بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، وإذا استعملت العقار فرأت دماً متقطعاً لم يكن لها أحكام الحيض وإن رأته في أيام العيادة (1) .

(1) السيد السيستاني ـ منهاج الصالحين 1 ـ 460 وما بعدها + المستحدثات من المسائل الشرعية 78 وما بعدها .

فقه الحضارة 31
6 ـ مرض الإيدز أو فقدان المناعة المكتسبة
  إحدى كوارث الانحدار الأخلاقي في خضم العلاقات الجنسيّة المشبوهة ، يبرز مرض الإيدز بشبحه المخيف ليلتهم ملايين النفوس بالموت المحتم ، وكان لأنحطاط الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الشمالية وما وراء جزر البهاما ومجموعة الدول الأوروبية ولا ختلاط المياه في أغلب الدول الإفريقية والبدائية وحتى بعض البلاد العربية ، أضف لها جنوب إفريقيا بالذات وأماكن أخرى في العالم لا يحصيها هذا البيان الموجر لأننا لسنا بصدد استيعابها .
  أقول كان لهذا وذاك الأمر الفاعل في انتشار هذا الوباء الفتاك ذي العدوى الخطيرة التي يسببها الإفراط الجنسي خاصةً للجنس الواحد ، وإنه ليمعن بالانتقال الجرثومي عن طريق الدم بل وحتى عن طريق الأمومة والطفولة ، فالأجنة تتأثر عادةً بإصابة الأم بهذا المرض، وحينئذ ينتقل المرض إلى الأولاد عند الحمل أو أثناء الولادة ، ( وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى وفاة مليون ونصف المليون شخص بالإيدز خلال عام 1996 وحدها ليصبح عدد

فقه الحضارة 32
 الذين توفوا به حتى الآن 6 ملايين نسمة كما أعلن ذلك منظمة الصحة العالمية بمناسبة يوم الإيدز العالمي المصادف 1\12\1996 (1) .
  ولقد دأب الفقه الإسلامي على معالجة هذه الظاهرة بالتي هي أحسن ، فبدى رحيماً شفيقاً بالمصاب أولاً حادباً عليه يمتعه بشيء من الحرية في الحركة والانتقال فلا يُحرّم عليه الزواج بل يجوزه شريطة أن لا يخدع زوج زوجته بإخفاء المرض ، ولا يجوّز الفقه الأسلامي منع المصاب عن حضور الأماكن العامة كالمساجد والأماكن الخاصة كالدور والقصور ، هذا في حالة أن لا خطر من انتقال العدوى وعموم البلوى. نعم يجب أن يُراقب في خصوص الطرق الناقلة قطعاً أو احتمالاً (2).
  ولقد وضع صاحب ( فقه المغتربين ) بين يدي سماحة السيد مدّ ظله العالي الاستفتاءات الآتية في الموضوع حسماً لكل نزاع مرتقب أو مصور ، على شكل سؤال وجواب فيهما الكفاية من وجهة النظر العلمية ، وفيهما حصر الموضوع بعيداً عن الاثره .
  1 ـ ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز ؟ فهل يجب عليه أن يعزل نفسه ؟ وهل يجب على أهله عزله ؟
  لا يجب عليه أن يعزل نفسه كما لا يجب عزله على الآخرين ، بل لا يجوز منعه من حضور الأماكن العامة كالمساجد

(1) فقه المغتربين ـ 246 .
(2) ظ السيد السيستاني ( فقه المغتربين ) 247.

فقه الحضارة 33
 ونحوها ما دام أنه لا خطر في ذلك من انتقال العدوى إلى غيره ، نعم يجب أن يُراقِب ويُرَاقَب في خصوص الطرق الناقلة للعدوى قطعاً أو احتمالاً.
  2 ـ ما هو حكم تعمد نقل العدوى ؟
  لا يجوز ذلك ، فإن أدى إلى موت المنتقل إليه ولو بعد مدة من الزمن ، جاز لوليّه القصاص من الناقل إذا كان ملتفتاً في حينه إلى كونه موجباً للهلاك عادة ، وأما لو كان جاهلاً بذلك ، فليست عليه سوى الدية والكفارة .
  3 ـ هل يجوز للمصاب بالإيدز أن يتزوج من السليم ؟
  نعم ، ولكن لا يجوز له أن يخدعه بأن يصف نفسه بالسلامة عند الخطبة والمقاولة مع علمه بمرض نفسه ، كما لا يجوز له مقاربته المؤدية إلى انتقال العدوى إليه ، وأما مع احتمال الانتقال وعدم التأكّد منه ، فلا يجب الاجتناب عن المقاربة مع موافقته عليها .
  4 ـ ما حكم زواج حاملي فيروس الإيدز من بعضهم ؟
  لا مانع منه ، نعم إذا كانت المعاشرة الجنسية بينهما تؤدي إلى ازدياد المرض زيادة خطيرة لزم التجنب عنها .
  5 ـ ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض الإيدز ؟ وهل يحق لغير المصاب بالإيدز أن يمتنع عن المعاشرة لأنها من الطرق الرئيسة للعدوى ؟
  يحق للزوجة السليمة أن لا تمكن زوجها المصاب من

فقه الحضارة 34
  المقاربة المؤدية ـ ولو احتمالاً ـ إلى انتقال العدوى إليها بل يجب عليها منعه من ذلك ، ولو أمكن تقليل احتمال الإصابة إلى درجة لا يعتد بها ـ كـ 2% ـ باستعمال العازل الذكري أو غيره ، جاز لها التمكين بل لا يجوز المنع عندئذ على الأحوط، وبذلك يظهر حكم الزوج السليم مع زوجته المصابة فإنه لا يجوز له مقاربتها مع احتمال انتقال العدوى إليه احتمالاً معتداً به عند العقلاء ، ويسقط حقها في المقاربة عند كل أربعة أشهر إلا مع التمكن من اتخاذ الوسيلة الكفيلة بعدم نقل العدوى.
  6 ـ ما حكم حق السليم من الزوجبن في طلب الفرقة ؟
  إذا حصل التدليس عند العقد بأن تمّ توصيف الزوج أو الزوجة بالسلامة عند الخطبة والمقاولة ، ثم أجري العقد مبنياً عليه ، ثبت الخيار للمدلس عليه ، ولا يتحقق التدليس الموجب للخيار بمجرد سكوت الزوجة ووليها مثلاً عن المرض مع اعتقاد الزوج عدمه .
  وأما مع عدم التدليس أو تجدد المرض بعد العقد ، فللزوج السليم أن يطلّق زوجته المصابة.
  وأما الزوجة السليمة فهل يحق لها طلب الطلاق من زوجها المصاب لمجرد حرمانها من المقاربة ـ مثلاً ـ أم لا ؟ فيه وجهان ، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، نعم إذا هجرها زوجها بالمرة فصارت كالمعلقة ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لإلزام الزوج بأحد الأمرين اما العدول عن الهجر او الطلاق .

فقه الحضارة 35
  7 ـ ما حكم الطلاق من المرأة إذا كان الزوج مصاباً بمرض الإيدز ؟   تقدم بيانه آنفاً.
  8 ـ ما حكم إجهاض الحامل المصابة بمرض الإيدز ؟
  لا يجوز ذلك ، ولا سيما بعد ولوج الروح فيه ، نعم إذا كان استمرار الحمل ضرراً على ألام ، جاز لها إجهاضه قبل ولوج الروح فيه ، لا بعده .
  9 ـ ما حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم ، وإرضاعه ( اللباء وغيره ) ؟
  لا يسقط حقها في حضانة وليدها ، ولكن لا بدّ من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم انتقال العدوى إليه ، فلو احتمل ـ ولو احتمالاً معتدّاً به ـ انتقالها بالإرضاع من ثديها ، لزم التجنب عنه .
  10 ـ ما حكم اعتبار مرض الإيدز مرض موت ؟
  لما كان هذا المرض من الأمراض التي تستمر بصاحبها مدة طويلة فما يعدّ من مرض الموت هو مراحله الأخيرة القريبة من الوفاة كمرحلة التهيج والقضاء على قوة المناعة أو ظهور أعراض عصبية قاتلة .
  11 ـ هل يجوز للطبيب ، أو يجب عليه أن يعلن عن الإصابة بمرض الإيدز لمن يهمهم أمر المريض كالزوجات أو الأزواج مثلاً ؟
  يجوز الإعلام إن سمح به المريض أو وليه ، ويجب إذا

فقه الحضارة 36
 توقف عليه إنقاذ حياته ولو لفترة أطول كما يجب إذا علم أن تركه يستتب انتقال العدوى إليهم من جهة تركهم الاحتياطات الضرورية والله العالم .
  12 ـ لو علم مسلم أنه مصاب بمرض ( الإيدز ) المعدي ، فهل يجوز له ممارسة العمل الجنسي مع زوجته ؟ وهل يجب عليه إعلامها بذلك ؟
  إذا علم بانتقال المرض إليها بالمقاربة لم تجز له مطلقاً ، وكذلك إن احتمل ذلك احتمالاً معتداً به (1) .

(1) ظ : ـ فقه المغتربين 247 ـ 251 .

فقه الحضارة 37
7 _ أخطار التدخين ونوادر علمائنا الأعلام
أ ـ أخطار التدخين
  التدخين من الظاهر الشائعة في العالم بنسبة 60% من مجموع الكائن البشري على وجه الكرة الأرضية ، وهي نسبة عالية جداً إذا استثنينا الأطفال وأكثر النساء من استقبال الدخان ، وهناك الآف المعامل المتطورة تقنياً وإنتاجياً تعمل ليل نهار لإخراج الآف الأنواع من السجائر المصنعة من أجود أصناف التبوغ المعطّرة والمصفاة الهادئة والحارة والمعتدلة ، وهناك الإعلانات الدعائية في الإعلام للإشارة إلى تلك السيجارة أو هذه ، وهو أمر تدأب على الترويج له كبريات شركات الدخان في العالم.
  أما استهلاك كل أنواع السجائر في سكان المعمورة ، فقد يتجاوز حد المعقول والقصور في مليارات العملات المالية والنقدية مما يكفي عادة لإدارة أكبر دولة عظمى ... والناس يتهافتون على التدخين بشكل مسرف عند بعضهم ، وعلى مستوى معتدل عند الآخرين ، ومما يؤسف له حقاً اليوم تهافت الشباب

فقه الحضارة 38
  والناس لا سيما في أوروبا على الإفراط بالتدخين مما يعني استقبال آفات جديدة قد تؤثر على الأجنّة فيما بعد ، ويقسم التدخين عادة إلى مباشر وغير مباشر ، فالمباشر هو تدخين المرء نفسه ، وغير المباشر هو الجالس الذي يشم دخان المدخنين ، لهذا تجد في أوروبا أن القطارات والسيارات والأماكن العامة وصالات الاجتماعات الكبرى تنقسم إلى قسمين يكتب على أحدها Smoken ويكتب على القسم الآخر من القاطرة أو السيارة أو الصالة No Smoken ، وتعني الأولى السماح بالتدخين ، كما تعني الثانية منع التدخين ، وهناك تجد الأماكن المخصصة للمدخنين وغير المدخنين درءاً لأضرار التدخين غير المباشر، ولقد تنبهت منظمة الصحة العالمية للأخطار والأضرار المحدقة من التدخين ، ففرضت أن يكتب على علب السجائر بعض العبارات المحذّرة من التدخين كقولهم : التدخين يسبب مرض القلب ، وتصلب الشرايين ، وسرطان الرئة ، وقرحة المعدة ، ويورث ضغط الدم ، ويؤثر على النسل ، ولكن المدخّن يرى ذلك ولا يقرؤه ، أو يقرؤه ، ولا يعبأ به .
  ومهما يكن من أمر فقد عالج سيدنا الأجل دام ظله هذه الظاهرة من جوانبها المتعددة ، فعنده أن الإنسان إنما يحرم عليه التدخين ، إذا كان يلحق به ضرراً بليغاً آنياً أو مستقبلياً ، سواء أكان الضرر البليغ معلوماً ، أو مظنوناً ، أم محتملاً بدرجة يصدق معه الخوف عند العقلاء ، وأما مع الأمن من الضرر البليغ ولو من جهة عدم الإكثار منه ، فلا بأس ، هذا بالنسبة للمبتدي في التدخين ، وأما المعتاد عليه ، فإذا كان استمراره في التدخين يلحق

فقه الحضارة 39
  عليه ضرراً بليغاً على نحو ما مرّ ، لزمه الإقلاع عنه ، إلاّ إذا كان يتضرر بتركه ضرراً مماثلاً لضرر الاستمرار عليه ، أو أشد من ذلك الضرر ، أو كان يجد حرجاً كبيراً في الإقلاع عنه بحد لا يُتَحمّل عادة .
  هذا في التدخين المباشر ، وأما التدخين غير المباشر ، فعند السيد دام ظله أنه يجري عليه نظير التفصيل المتقدم لدى المدخن المبتدىء (1) .
  هكذا عالج سيدنا دام علاه هذه الظاهرة من جوانبها كافة ، وأعطى رأي الشرع الحنيف فيها .

ب ـ نوادر علمائنا الأعلام والتدخين
  المراجع العظام في النجف الأشرف لهم نوادر هادفة تدور حول التدخين تمثل الاتجاه المعاكس حيناً ، والاتجاه المطّرد حيناً آخر ، فهي حلقة مفرغة بين الإيجابية المطلقة ، وبين السلبية المحددة ، إلا أنها تمثل روح المعاصرة في النية الصادقة والطرفة البريئة ، وقد أدركت هذا المناخ ميدانياً خلال نصف قرن من الزمان، وأنا أرويه لك بأمانة ودقة متناهيتين ، فقد أحطتُ به خبراً عن قرب ، ليعبر لك عن مدى الاستجابة والرفض في ظروف متماثلة أو متباينة ، وهذه الطبقة المثلى هي التي نتلقّى منها أحكامنا الشرعية ، وهي بعد أطهر من ماء السماء .
  1 ـ الإمام السيد محسن الحكيم قدس سره الشريف أصيب

(1) فتوى خطية مصورة في حوزة المؤلف عليها ختمه الشريف .

فقه الحضارة 40
  بعارض للقلب عام 1953 م ، فترجح سكناه في داره بكربلاء قرب التل الزينبي تخفيفاً عن أعباء المرجعية ، فسكن هناك فترة يعتدّ بها ، وزرته بخدمة سيدي الوالد الشيخ علي الصغير رحمه الله ( ت 1395 هـ ـ 1975 ) واستدعي له الدكتور محمود الجليلي اختصاصي أمراض القلب فنهاه عن التدخين والكلام ، فأخرج السيد علبة الدخان ، وطرحها جانباً على الفور ، فكان هذا آخر عهده بالتدخين حتى وفاته في ربيع الثاني 1390 هـ = 1\6\1970 م ، والطريف أن استفسر الطبيب عن بعض حالاته منه ، فما أجابه ، لأنه منعه عن الكلام ، فقال الدكتور الجليلي : أطال الله عمر السيد ، هو ممنوع عن الكلام مع الناس ، وليتحدث مع الأطباء لنشخص الحالة .
  وقد توفي السيد الحكيم في مستشفى ابن سينا ببغداد ، ونقل جثمانه إلى النجف ومعه عشرات الآلاف من السيارات ، ودفن بمقبرته التي أعدّها لنفسه وأبنائه بجوار مسجد الهندي في الطابق الأرضي من مكتبته العامة ، وقد أرخت عام وفاته لترقم على ضريحه بالقاشاني ، ولكنها عند المباشرة في العمل فقدت من قبل أحد أبنائه ، وأنا خارج العراق ، فاستبدلت بغيرها ، والأبيات مع التاريخ هي :
قضى ( الحكيمُ ) ( مُحسناً ) فاستقبلت      مِنهُ الجنان العَلَمَ iiالمُجَدّدا  (1)

(1) كان الإمام الحكيم من مجددي الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري.

فقه الحضارة 41
قد تَوّج الأجيالَ في ( مستمسك )      ب  ( العروة الوثقى ) غَدَا  iiمُقيّدا (1)
واستَعبَر  الإسلامُ  أرخ  ( iiمُعولاً      تَهَدّمت   والله  أركانُ  الهُدى (2)  ii)
  1390هـ
  2 ـ الإمام السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره كان مدخناً مكثراً ، فمنعه الأطباء عدة مراة عن التدخين خلال ربع قرن ، فكان لا يمتنع لأنه يرى في نفسه حرجاً كبيراً من ذلك ، ويلمس عسراً شديداً لا يطاق ، حتى إذا أصيب بنكسة قلبية في أوائل 1993م أدخل أثرها مستشفى ابن النفيس ببغداد ، وكان عمره الشريف قد بلغ ستة وتسعين عاماً ، فأجريت له عملية وضع جهاز تحت القلب يساعد القلب على مقاومة العجز الذي أصيب به ، فترجح عند فريق الأطباء المعالج منعه من التدخين ، وما مضت إلا ساعات قلائل على هذا المنع ، حتى قال لولده العلامة السيد محمد تقي الخوئي رحمه الله ، قل للأطباء فليسمحوا لي بالتدخين فإنني أجد حرجاً بالغاً في تركه ، واستجاب له الأطباء فعاد إلى التدخين حتى وفاته في العام نفسه 1993م ـ صفر 1413هـ ، وقد أرختُ عام وفاته بأبيات رقمت بالقشاني على واجهة ضريحه الشريف داخل مسجد الخضراء بجوار أمير المؤمنين ، وهي باقية

(1) مستمسك العروة الوثقى : موسوعته الفقهية الاستدلالية.
(2) روي معتبراً أنه : حينما استشهد أمير المؤمنين في رمضان سنة أربعين من الهجرة نادى منادٍ بين السماء والأرض قائلاً : ( تهدمت والله أركان الهدى ، وانفصمت العروة الوثقى ... ).

فقه الحضارة 42
  حتى اليوم ومذيلة باسم ناظمها كاتب هذه السطور ، وهي :
لمّا  اصطفينا  للهُدى iiمَضجَعا      وأصبحَ ( الخوئيُّ ) فيهِ دَفين
ومن  (  عليًّ ) قد دنا iiمَوقِعا      وهكذا     عاقبةُ    المؤمنين
نُوديَ  :  فاهتزّ  لها  iiمَسمَعا      (  إنّا  فتحنا  لك فتحاً مبين )
وأنشدَ    التأريخُ   لمّا   iiدَعَا      (   أزلفتِ  الجَنةُ  لِلمُتّقين  ii)
  1413 هـ
  3 ـ أية الله العظمى الشيخ حسين الحلي قدس سره ، كان يدخن ( النارجيلة ) ويقوم بنفسه على مقدماتها دون الاستعانة بأحد ، حتى إذا تكامل صنعها نقلها من الايوان إلى الديوان ، وهو ديوان السيد علي بحر العلوم الذي قضى فيه أكثر حياته ، وأخذ بسحب أنفاسها متأملاً ، وهو يجد لذلك لذة عظيمة .
  وفي إحدى الليالي توجه له سماحة الحجة السيد عز الدين بحر العلوم بقوله : عمي إلى متى أنت تدخن ، فلو أقلعت عن النارجيلة ، فقال له مستنكراً : النارجيلة لذتي الوحيدة في الدنيا ، وانت تنهاني عنها ، دع عنك هذا ، أي راحة أجد في الدنيا .
  4 ـ سيدنا المرجع الأعلى للمسلمين السيد علي الحسيني السيستاني مدّ ظله ، مدخّن مُقلّ ، ولكنه لا يدخن أمام أحد قط ، حتى لو اجتمعنا منفردين فأنا أدخّن وهو لا يدخّن ، وإنما يدخّن

فقه الحضارة 43
  إذا خلا بنفسه وحده ، وقد لا يعلم أحد في الحوزة العلمية في النجف الأشرف التي هو زعيمها اليوم : أن السيد من المدخنين .
  5 ـ أستاذنا المعظّم آية الله السيد محمد علي الحكيم أصيب عام 1989م بعارض في القلب ، فاقترح طبيب القلب الدكتور مجيد عبد الأمير حرسه الله أن يمتنع من التدخين باستثناء اربع أو خمس سجائر يومياً ، فالتزم بهذا العدد طيلة عشر سنوات حتى اليوم ، فما أزاد سيجارة واحدة قط .
  6 ـ آية الله التقي الورع السيد محمد رضا الموسوي الخرسان مد ظله ترك ( النارجيلة ) منذ سنين ، وأعقبها بترك التدخين ، وكنّا هذا العام في عمّان سوية للعلاج والاستشفاء ، فسافرنا إلى مدينة جرش ، وهي تبعد عن عمّان خمسين كيلو متراً ، وذلك صباح الأحد 15|8|1999م مع رفقة أبرار لغرض النزهة والسياحة وشم النسيم كما يقولون. وتناولنا الغذاء في مطعم ريفي قائم بين السهول والجبال ، وبعد الغداء أخذ سماحة السيد بالنظر الناطق وهو يبتسم ، قلت له ماذا ؟ قال : أريد ( نرجيلة ) أجدد بها العهود السابقة ، فأحضرت له نرجيلة بكل مواصفاتها الراقية ، فتمتع بها برهة من الزمن رأينا فيها البشر والفرح يغمرانه بسعادة شاملة .
  7 ـ آية الله السيد حسين نجل التقي آل بحر العلوم دام ظله ، ينفرد بالقول بحرمة التدخين ابتداء ، وقد يشاركه غيره في هذا الرأي ، ولكنني لم أطلع عليه ، ومعنى هذا أن المدخّن المعتاد لا أثم عليه مع عدم احتمال الضرر البليغ أو القطع به ، ولكن الشاب غير المدخن ، يحرم عليه الإقدام على التدخين ابتداءً .

فقه الحضارة 44
  ولقد تناوب عليّ أكثر من عشرة أطباء ينهوني عن التدخين ، ولكنني أرى في ذلك عسراً شديداً وحرجاً قائلاً ، حتى أنني أجيب كل طبيب بقولي :
كل شيء نفّذتُهُ لطبيب iiالقل...      ب     إلا    قضية    التدخين
فهو  السلوةُ الوحيدةُ في iiالعم      ر... فدعني وسلوتي وشؤوني
  وفي أيلول هذا العام 1999 غادرت مستشفى الأردن في عمّان ، واحتفل بي جماعة من الأصدقاء أو احتفلت بهم ، وفيهم الأطباء والأساتذة والأدباء ، بوليمة أقيمت في منتجع قصر الصنوبر القائم في طريق المطار للداخل إلى عمّان وكان حديث الأطباء بخاصة أن أترك التدخين لإصابتي بالربو وتضيّق القصبات ، فقلت لهم : أنا لا أترك التدخين من أجل صدري ، بل أريد صدراً أدخن فيه ، فعليكم أن تعالجوا الصدر كما تشاؤون ، وعليّ أن أدخن كما أشاء .

فقه الحضارة 45
8 ـ وباء المخدّرات وأضرار الخمور
  من أبرز مظاهر الكوارث البشرية المحدقة بالعالم ، وباء الإدمان على المخدرات الشائعة الاستعمال في بقاع عديدة من العالم تشمل شرق الأرض وغربها ، وتستقطب شمال الكون وجنوبه ، وهو أمر يفوق حدّ التصور في ردّة فعله ، ووبال أمره ، ونجم عن استعماله انحراف الشباب والمراهقين انحرافاً خطيراً ، وتدهورت الأخلاق إلى أدنى مستوى سحيق ، وأميتت الضمائر وانتزعت منها المشاعر النابضة فعادت جماداً لا ينبض بالحركة ، وبذرت الأموال تبذيراً طائشاً حتى التصق بالصعيد من كانت له مسكة غنى ، فالميوعة والتخنث واللا إدراك ، والبذاءة والانحلال كل أولئك مما يتصف به المدمن على المخدّرات ، حتى أصبح دون مبالغة جزءاً مشلولاً متعطلاً في كيان الكائن البشري .
  وهذه المخدّرات متعددة الصفات كتعدد أسمائها ، ومختلفة التأثير كاختلاف مراتبها ، ويمكننا من خلال اطلاعنا المتواضع أن نصنفها على الشكل الآتي ، مبتدئين بالمعقّد منها ثم البسيط ، أو ما هو أشد تأثيراً ، وأكثر تركيزاً .

فقه الحضارة 46
  1 ـ الهيروين .
  2 ـ المورفين .
  3 ـ البتدين .
  4 ـ الكوكائين .
  5 ـ الأفيون .
  6 ـ الحشيشة .
  إلا أن أخطر أنواع المخدرات هو الميروانا ، وهو نوع من المخدرات التي تؤخذ على شكل سجائر أو كيفيات أخرى ، وقد أختلف علماء المخدرات بـ ( القات ) فمن قائل إنه منشط لا علاقة له بالتخدير ، ومن قائل بأنه من المخدرات .
  ولقد دأبت الحكومات في العالم على مكافحة المخدرات ، فحرّمت زراعتها وعملها واستحلابها وتنقيتها وبيعها وشراءها ، وصادرت مئات الصفقات التجارية التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات ، وأقامت حجراً مفروضاً على المتعاملين معها ، وبعض الدول تحكم بالإعدام على من يتّجر فيها. ومع هذا كله ، وفوق هذا كله ، فإنك تجد الانتشار واسعاً ، والإتّجار بالمخدّرات قائماً ، والتداول بين الشباب وحتى الصبية بنين وبناتٍ شائعاً ، وذلك مما يهدد بكارثة حقيقية تعصف بكوكبة الفتيان والفتيات ، علماً بأن المنظمات الدولية تشن حرباً شعواء على المخدرات ، ومنظمة الصحة العالمية تحرمها وتدعو إلى صدّ هجومها على معسكرات الشباب ، ودور الرعاية الصحية قد نظّمت حملاتها الموفقة ضدها ، مضافاً إلى القوانين المحرمة لها والمعاقبة عليها ، إلا أنها

فقه الحضارة 47
  في انتشار مستطير ، وكان سماحة السيد مدّ ظله الزاهر قد أفتى بما يلي : * يحرم استعمال المخدرات مع ما يترتب عليه من الضرر البليغ ، سواء من جهة إدمانه ، أو من جهة أخرى ، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً ، إلاّ في حالات الضرورة الطبية ونحوها ، فتُستعمل بمقدار ما تدعو إليه الضرورة ، والله العالم (1).
  وأما أمراض الخمور وأضرارها فحدث عن ذلك ولا حرج فأمراض القلب ، وتصلب الشرايين ، وقرحة المعدة ، وانتكاسة الجهاز الهضمي ، وجملة الأعراض العقلية والنفسية والسلوكية ، وتعرض الجينات الوراثية للأخطار ، والتأثير على الأجنة والمواليد ... كل أولئك بعض أضرارها ، عدا التضحية بالعقل والمال والوقار ، وهكذا .
  ولقد وقف الإسلام موقفاً حازماً من الخمر وشربه وبيعه وغرسه وعصره وحمله ، قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاءَ في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) (2).
  وقال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ( من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على

(1) فتوى خطية مصوّرة في حوزة المؤلف .
(2) سورة المائدة \ 90 ـ 91 .

فقه الحضارة 48
  لساني فليس بأهل أن يزوج إذ خطب ، ولا يُشفّع إذا شفع ، ولا يصدّق إذا حدّث ، ولا يؤتمن على أمانة ) (1).
وقال أيضاً في رواية معتبرة ( لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها ، وشاريها ، وساقيها ، وبايعها ، وشاربها ، وآكل ثمنها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ) (2).
وقد عدّها الفقهاء الثامن من الإعيان النجسة. قال سيدنا السيستاني مد ظله ( الثامن : الخمر ، ويلحق بها كل مسكر مائع بالأصالة على الأحوط الأولى ، وأما الجامد كالحشيشة ـ وإن غلى وصار مائعاً بالعرض ـ فهو طاهر لكن الجميع حرام بلا أشكال ) (3).
  وعنده أيضاً ( يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً .. وكذا تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمرة أو تحرز فيها ، أو يعمل فيها شيء من المحرمات ، وكذا تحرم ولا تصح إجارة السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر ، والأجرة في ذلك محرّمة (4).
  ويرى سيدنا : حرمة الأكل من مائدة يشرب عليها الخمر أو المسكر ، ويحرم الجلوس عليها على الأحوط وجوباً (5).

(1) الكليني ـ فروع الكافي 6 ـ 396 .
(2) الشيخ الصدوق ـ من لا يحضره الفقيه 4 ـ 4 .
(3) منهاج الصالحين 1 ـ 138 .
(4) السيد السيستاني ـم نهاج الصالحين 2 ـ 9 .
(5) فقه المغتربين 1 ـ 45 .

فقه الحضارة 49
  والعبرة في هذا أن يرى العرف وحدة المائدة. ولما كان الأصل في حرمة الخمر هو الإسكار ، فكل الفصائل المسكرة محرمة كالبيرة والبارندي والويسكي وأمثالها ، لأن القاعدة : حرمت الخمر لإسكارها ، وبقياس منصوص العلة تحرم تلك الأصناف عامة لأنها مسكرة ، قال سماحة السيد مد ظله ، الفقاع ـ وهو البيرة ـ شراب مخصوص متخذ من الشعير غالباً ، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء ـ يحرم شربه بلا إشكال ، والأحوط أن يعامل معاملة النجس (1) .
  ويرى سيدنا أنه : لا يجوز للمسلم تقديم الخمر لأي كان ، وإن كان مستحلاً له ، ولا يجوز له غسل أوانيه ، ولا تقديمها لغيره ، إذا كان ذلك الغسل وهذا التقديم مقدمة لشرب الخمر فيها ، كما لا يجوز إجارة نفسه لبيع الخمر ، أو تقديمه ، أو تنظيف أوانيه مقدمة لشربه ، كما لا يجوز له أخذ الأجرة على عمل كهذا لأنه حرام (2).
  بل هناك ما هو أكثر من هذا عند سماحة السيد دام ظله الوريف فلا يجوز للخطاط المسلم أن يخط قطعة لشرب الخمر ، أو لإحياء حفلة رقص ، أو لمطعم فيه لحم خنزير ، لما في ذلك من إشاعة الفاحشة وترويج الفساد (3) .

(1) السيد السيستاني | منهاج الصالحين 1 ـ 139 .
(2) المرجع نفسه ـ 152 .
(3) المرجع نفسه ـ 185 .

فقه الحضارة 50
9 ـ فتاوى فقهية ذات أبعاد طبية
  في حياة الطب المثيرة كثير من الإيحاءات الغامضة كموت الدماغ وتوقف القلب ، فلو حدث أن مات أحدهما ، والثاني يعمل ، فمتى يحكم بموت الإنسان ، فإن تحركت بعض أعظائه بفعل الأجهزة الطبية المتطورة مع كونه ميتاً أو بحكم الميت ، فهل يحق للطبيب سحب هذه الأجهزة ، وهل يحق للطبيب كشف مواضع جسم المرأة الأجنبية أو أجهزتها التناسلية ، وهل يجوز تحسين الجينات الوراثية ، وغير هذا ، إن الفتاوى التي سبرها سماحة السيد دام ظله تجيب عن هذه الطروحات الفريدة.
  1 ـ يذهب البعض إلى أن موت الدماغ يعني موت الإنسان ، حتى لو لم يتوقف النبض في الحال إنما سيتوقف بعد ذلك حتماً ، كما يقول الأطباء ، فهل يعتبر ميتاً من مات دماغه ولو بقي نبضه يتحرك ؟
  العبرة في صدق عنوان ( الميت ) الموضوع لعدد من الأحكام الشرعية ، إنما هو بالنظر العرفي ، بأن يراه أهل العرف