ميتاً ، وهو غير متحقق في مفروض السؤال .
2 ـ لا يحقُّ للطبيب سحب أجهزة طبية وضعت لمريضه المسلم ، فبعثت الحركة في قلبه وإن مات المخ ، فأصبحت حياة المريض كحياة النبات لا تدوم إلا بعمل تلك الأجهزة ، وذلك لأهمية النفس المحترمة في الإسلام .
وعلى الطبيب أن لا يعتني بطلب المريض أو طلب أقربائه بالامتناع عن إسعافه ، أما إذا سحب الطبيب تلك الأجهزة فمات المريض المسلم لذلك ، عُدّ الطبيب قاتلاً .
3 ـ تقتضي مهنة الطب أن يفحص الطبيب مريضاته بعناية ، ولما كان خلع الملابس الخارجية أثناء الفحص متعارفاً في بعض البلدان الأوروبية ، فهل تجوز ممارسة مهنة الطب هنا على هذه الصورة ؟
يجوز مع تجنب النظر واللمس المحرّمين ، إلا بمقدار ما يتوقف عليه تشخيص المرض .
4 ـ يرى الطبيب المعالج أحياناً أن يكشف بعض مواضع جسم المرأة الأجنبية ، بما فيها المواضع الحساسة ، عدا العورة ، فهل يجوز لها كشف جسمها :
أ ـ في حالة وجود طبيبة يمكن مراجعتها ، ولكن بكلفة مادية غالية بعض الشيء ؟
ب ـ في حالة كون المرض غير خطير ، ولكنه مرض على كل حال ؟
فقه الحضاره
52
جـ ـ ثم ما هو الحكم في حالة ما إذا كان المطلوب كشفه ، هو العورة ؟
أـ لا يجوز مع إمكان مراجعة الطبيبة ، إلا إذا كلفت مراجعتها مبالغ مضرة بحالها .
ب ـ يجوز إذا كانت تتضرر بترك علاجه ، أو تقع في حرج شديد لا يتحمل عادة .
جـ ـ الحكم فيه ما مرّ ، ولا بدّ من الاقتصار في الكشف في الحالتين على مقدار الضرورة .
وإن أمكن العلاج من دون النظر المباشر إلى ما يحرم النظر إليه ، كالنظر عبر الشاشة التلفزيونية أو المرآة فهو الأحوط .
5 ـ في علم الهندسة الوراثية يدعي بعض العلماء أن باستطاعتهم تحسين الجنس البشري بواسطة التأثير على الجينات وذلك بـ :
أ ـ رفع القبح في الشكل .
ب ـ وضع مواصفات جميلة بديلة .
جـ ـ كلا الأمرين معاً .
فهل يجوز للعلماء أن يفعلوا ذلك ؟ وهل يحق للمسلم أن يمكن الأطباء من تحسين جيناته الوراثية ؟
إذا لم يكن له مضاعفات جانبية ، فلا مانع منه في ذاته .
فقه الحضاره
53
6ـ تجري الشركات في الغرب تجارب على الأدوية قبل طرحها في الأسواق ، فهل يجوز تجربة دواء على مريض ، إذا ظن الطبيب أن هذا الدواء مفيد لمريضه قبل انتهاء التجارب عليه ، من دون علم المريض ؟
لا بدّ من إعلام المريض بالحال ، وكسب موافقته على تجربة الدواء عليه إلا إذا كان من المؤكد عدم تسبّبه في مضاعفات جانبية ، وإنما يشك في فائدته .
7 ـ مادة الأنسولين المستعملة في علاج مرض السكر تستخلص أحياناً من بنكرياس الخنزير ، فهل نستعملها ؟
لا مانع من تزريقها في العضلة أو الوريد أو تحت الجلد بالإبرة .
8 ـ هل يجوز زرع كبد خنزير في بدن الإنسان ؟
يجوز زرع كبد الخنزير في بدن الإنسان والله العالم .
9 ـ هناك بعض الأمراض الوراثية تنتقل من الآباء إلى الأبناء ، وتشكل خطراً على حياتهم مستقبلاً ، وقد توصل العلم الحديث إلى طريقة للتخلص من بعض هذه الأمراض ، وذلك بإجراء تلقيح بويضة المرأة داخل أنبوب اختبار خاص ، يتم به فحص الأجنّة واختيار الصحيح منها ، ثم يزرع داخل رحم الأم ، ويتلف الطبيب العدد الباقي من الأجنّة فهل هذه العملية جائزة شرعاً ؟
لا مانع من ذلك في حدّ ذاته .
فقه الحضاره
54
10 ـ هل يجوز إجراء عمليات تجميل في الوجه والبدن ؟
يجوز مع التجنب عن اللمس والنظر المحرمين
(1) .
11 ـ وقد سهّل سماحة السيد دام مجده العظيم ، قضية بيع الدم للمرضى ، على نحو المعاوضة ، كما أفتى بجواز التبرع به للمضطرين إليه ، يقول :
يجوز التبرع بالدم للمرضى المحتاجين إليه ، كما يجوز أخذ العوض عليه (
(2) .
12 ـ توصل العلم أخيراً إلى معرفة القاتل عن طريق تحليل الدم دون اللجوء إلى وسائل أخرى ، وبلغ من دقة التحليل أنه يمكن معرفة الوسيلة التي استخدمت في القتل ، فهل يمكن الاعتماد عليه في ترتيب الأثر على الجاني من إقامة الحدّ أو غيره ، أم لا ويبقى العمل بالقواعد الشرعية المعروفة ؟
وقد أجاب سماحة السيد أطال الله بقاه بقوله :
لا يثبت القتل ، ولا تجري أحكامه إلا بما جعل طريقاً إليه شرعاً ، أو صيرورته أمراً بيناً بطريق علمي لا تتخلله الاجتهادات الشخصية ، فإن كان ما ذكر من الطريق بهذه المثابة جاز للحاكم الشرعي الحكم على طبقه ، والله العالم
(3) .
|
(1) ظ : فقه المغتربين \237 وما بعدها .
(2) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 1 )459 .
(3) المستحدثات من المسائل الشرعية \15.
|
فقه الحضاره
55
الفصل الثاني
الاقتصاد الوطني والشؤون المالية
أولاً : أعمال المصارف والبنوك :
1 ـ الاقتراض ـ الإيداع
2 ـ الاعتمادات
3 ـ خزن البضائع
4 ـ بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها
5 ـ الكفالة عند البنوك
6 ـ بيع السهام
7 ـ بيع السندات
8 ـ الحوالات الداخلية والخارجية
9 ـ جوائز البنك
10 ـ تحصيل الكمبيالات
11 ـ بيع العملات الأجنبية وشراؤها
12 ـ السحب على المكشوف
13 ـ خصم الكمبيالات
14 ـ العمل لدى البنوك
15 ـ فتاوى مصرفية
ثانياً : أوراق اليانصيب
ثالثاً : عقد التأمين
رابعاً : إخلاء المحلاّت التجارية
خامساً : فتاوى حضارية بأموال الأوروبين
فقه الحضاره
57
أولاً
أعمال المصارف والبنوك
مما لا شك فيه أن طبيعة الاقتصاد الوطني لكل بلد من بلدان العالم الثالث تقتضي ضرورة تنظيمه وازدهاره وضبطه إلى الاستعانة بالمصارف والبنوك ، فرصد الميزانية العاملة للدولة إنما يحتضنها البنك المركزي عادة ليتم من خلال ذلك الإشراف على ميزانية كل الوزارات والدوائر المرتبطة بالدولة مالياً ، والإيراد الخارجي سواء أكان لتجارة خارجية أو داخلية أو مشتركة ، وسواء أكان لتسلم مبيعات الدولة نفسها من النفط والمعادن والحبوب وموارد الاقتصاد الأخرى ، فإنما يتم تحويلها وإيداعها لدى بنوك الدولة ومصارفها ، سواء أكانت مباشرة أو بطريق وسيط تجاري أو مالي .
وشؤون الاقتصاد الوطني لا يرتبط بالدولة وحدها ، وإنما يشاركها في بنائه رأس المال التجاري في القطاع الخاص من التجار والكسبة ، وهؤلاء يرتبطون ارتباطاً مباشراً من حيث الفرض والإيداع والاعتمادات ، ومعاملات البضائع المستوردة والمصدرة ، والكفالات ، وبيع السهام والسندات ، والتحويل الخارجي ،
فقه الحضاره
58
والحوالات الداخلية ، وتحصيل الكمبيالات وخصمها ، والسحب على المكشوف ، وأضراب هذه الأصناف المتنوعة ، وهذا يعني الحاجة الماسة إلى المصارف والبنوك على المستوى الدولي والمستوى الشعبي ، والمستوى التجاري داخلياً وخارجياً ، يضاف إلى هذا ظروف الحياة المالية الأخرى في شراء أوراق اليانصيب وبيعها ، وعقود التأمين وإبرامها ، وإخلاء المحلات التجارية ، وأموال الأجانب ، وسوى ذلك من إفرازات الحياة المالية ، مما يعني تنظيم ذلك في النظر الشرعي ، وتصحيح جملة من المعاملات فقهياً ، ولقد نهد سيدنا العالم الموسوعي السيد السيستاني مد ظله العالي بوضع النقاط على الحروف في مثل هذه الطروحات بما لا مزيد عليه ، وأنا ميسرها للقارىء من مظانها .
فقه الحضاره
59
1 ـ الاقتراض ـ الإيداع
المصارف والبنوك على ثلاثة أصناف :
1 ـ الأهلي: وهو ما يتكوّن رأس ماله من مال شخص واحد أو أشخاص مشتركين.
2 ـ الحكومي : وهو الذي يكون رأس ماله مكوّناً من أموال الدولة .
3 ـ المشترك : وهو الذي تشترك الدولة والأهالي في تكوين رأس ماله .
مسألة 1 : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرك دفع الزيادة لأنّه رباً محرّم ، ولو اقترض كذلك صحّ القرض وبطل الشرط ، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وقاءً للشرط .
وقد ذكر للتخلّص من الربا طرق :
منها : أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله المفوّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلاً
فقه الحضاره
60
بشرط أن يقرضه مبلغاً معيّناً من النقد لمدّة معلومة يتّفقان عليها ، أو يبيعه متاعاً بأقلّ من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن المعاملة أن يقرضه مبلغاً عيّناً لمدّة معلومة ، فيقال : إنّه يجوز الاقتراض عندئذٍ ولا ربا فيه .
ولكنّه لا يخلو عن إشكال ، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه ، ومثله الحال في الهبة والإجارة والصلح بشرط القرض.
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الإمهال في أداء الدين شرطاً فيه .
ومنها : تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدّة شهرين مثلاً .
ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير إنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال .
نعم ، لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً ، ويجعل الثمن المؤجّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير ، ليكون من الوفاء بغير الجنس .
ومنها : أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار .
فقه الحضاره
61
وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالأقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً على ذلك ، وأمّا مع خلوّه عن الشرط فلا بأس به .
ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ـ لو صحّت ـ لا تحقّق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الأجل وازدياده كلّما زاد التأخير ، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً .
مسألة 2: لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لأنّه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه ، ولو اقترض كذلك بطل القرض والشرط معاً ، لأنّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض .
وللتخلّص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض ، والأحوط أن يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، ثم يتصرّف فيه بعد المراجعة إليه لإصلاحه ، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يستوفي منه أصل المال والزيادة قهراً ، فلو طالبه البنك جاز له الدفع حيث لا يسعه التخلّف عن ذلك .
مسألة 3 : يجوز الايداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة ، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة ، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبه منها ، فإنّ البناء على المطالبة
فقه الحضاره
62
يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر .
مسألة 4 : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة ، ولو فعل ذلك صحّ الإيداع وبطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، ولكن يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب ـ .
مسألة 5 : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى إقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة ، فإنّه ربا ، بل إعطاء المال إليها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإتلاف له شرعاً ، لإنّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك ، بل من المال المجهول مالكه ، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها ، لأنّه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذونا في إتلافه ، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه .
مسألة 6 : لا فرق في الإيداع ـ فيما تقدّم ـ بين الإيداع الثابت الذي له أمد خاصّ ـ بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ وبين الإيداع المتحرّك ـ المسمّى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطلب .
مسألة 7 : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدّم من الأحكام ، لأنّ الأموال الموجودة لديها يتعامل معها
فقه الحضاره
63
معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرّف فيها من دون مراجعة الحاكم الشرعي .
مسألة 8 : ما تقدّم كان حكم الإيداع والاقتراض من البنوك الأهلية والحكومية في الدول الإسلامية ، وأمّا البنوك التي يقوم غير محترمي المال من الكفّار بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا منهم على الأظهر .
وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، ويمكن التخلّص منه بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل استنقاذاً ، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
فقه الحضاره
64
2 ـ الاعتمادات
الاعتماد على قسمين :
1 ـ اعتماد الاستيراد : وهو أنّ من يريد استيراد بضاعة أجنبية يتقدّم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهّد البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة المستوردة وتسليمها إلى فاتح الاعتماد وتسديد ثمنها إلى الجهة المصدّرة ، وذلك بعد تمامية المعاملة بين المستورد والمصدّر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد ، وإرسال القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط والمواصفات المتّفق عليها ، وقيام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ، فإنه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلّم مستندات البضائع وأداء ثمنها إلى الجهة المصدّرة .
2 ـ التصدير : وهو لا يختلف عن اعتماد الاستيراد إلاّ في الاسم ، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم المستورد الأجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهّد البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة وتسديد ثمنها إلى البائع المصدّر بعد طيّ المراحل المشار إليها آنفاً .
فقه الحضاره
65
فالنتيجة أنّ القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد سواء أكان للأستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك للبائع بأداء دين المشتري وهو ثمن البضاعة المشتراة وتسلّم مستنداتها وتسليمها إلى المشتري .
نعم ، هنا قسم آخر من الاعتماد ، وهو أنّ المصدرّ يقوم بإرسال قوائم البضاعة كماً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة ، والبنك بدوره يعرض تلك القوائم على تلك الجهة ، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها ، ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم البضاعة وقبض الثمن .
مسألة 9 : الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع الأقسام المذكورة ، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من الخدمات .
مسألة 10 : يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من الفائدة :
الأول : ما يكون بإزاء خدماته له من التعهّد بأداء دينه والاتّصال بالمصدّر وتسلّم مستندات البضاعة وتسليمها إليها ، ونحو ذلك من الأعمال .
وهذا النحو من الفائدة يجوز أخذه على أساس أنّه داخل في عقد الجعالة ، أي أنّ فاتح الاعتماد يعين للبنك جعلاً إزاء قيامه بالأعمال المذكورة ، ويمكن إدراجه في عقد الإجارة أيضاً مع توفّر شروط صحّته المذكورة في محلّها .
فقه الحضاره
66
الثاني : ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده إلى الجهة المصدّرة من ماله الخاصّ لا من رصيد فاتح الاعتماد ، فإنّ البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع إزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدّة معلومة .
وقد يصحّح أخذ هذا النحو من الفائدة بأنّ البنك لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد ، ولا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون رباً ، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه وأمره ، وعليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الإتلاف ، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة .
ولكن من الواضح أنّ فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه أداء دينه إلاّ نفس مقدار الدين ، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه يكون من الربا المحرّم .
نعم ، لو عيّن فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جُعلاً بمقدار أصل الدين الزيادة المقرّرة نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ، اندرج ذلك في عقد الجُعالة ، وصحّته حينئذٍ لا تخلو عن وجه .
هذا ، ويمكن التخلّص من الربا في أخذ هذا النحو من الفائدة بوجه آخر ، وهو إدراجه في البيع ، فإنّ البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة بالعملة الأجنبية إلى المصدّر ، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الأجنبية في ذمّة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه ، وبما أنّ الثمن والمثمن يختلفان في الجنس فلا بأس به .
فقه الحضاره
67
هذا كلّه إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا إذا كان حكومياً أو مشتركاً فحيث إنّ البنك يسدّد دين فاتح الاعتماد من المال المجهول مالكه ، فلا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء ، فلا يكون التعهّد بأداء الزيادة إليه من قبيل التعهّد بدفع الربا المحرّم .
فقه الحضاره
68
3 ـ خزن البضائع
قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدّر إلى المستورد ، فربّما يقوم بتخزينها على حساب المستورد ، كما إذا تمّ العقد بينه وبين المصدّر وقام البنك بتسديد ثمنها له ، فعند وصولها البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصلها ، فإن تأخّر المستورد عن تسلّمها في الموعد المقرّر ، قام البنك بخزنها وحفظها على حساب المستورد إزاء أجر معيّن ، وقد يقوم بحفظها على حساب المصدّر ، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد واتّفاق مسبق مع جهة مستوردة ، فعندئذٍ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد ، فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدّر إزاء أجر معيّن .
مسألة 11 : يجوز للبنك أخذ الأُجرة إزاء عملية التخزين في كلتا الصورتين المتقدّمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدّر أو المستورد ، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ وإن كان الشرط ارتكازياً ـ وإلاّ فلا يستحقّ شيئاً .
فقه الحضاره
69
4 ـ بيع البضائع عند تخلف أصحابها عن تسلّمها
إذا تخلّف صاحب البضاعة عن تسلّمها ودفع المبالغ المستحقّة للبنك ـ بعد إعلان البنك وإنذاره بذلك ـ يقوم البنك ببيع البضاعة لاستيفاء حقّه من ثمنها .
مسألة 12 : يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة ، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لأنّ البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلّفهم عن دفع ما عليهم من بقيّة المبالغ المستحقّة له وتسلّم البضاعة ، وذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً .
فقه الحضاره
70
5 ـ الكفالة عند البنوك
إذا تعهّد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو نحوها ، فتمّ الاتّفاق بينهما على ذلك ، فإنّ المتعهّد له قد يشترط على المتعهّد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع وإتمامه في الوقت المقرّر عوضاً عن الخسائر التي قد تصيبه ، ولكي يطمئنّ المتعهّد له بذلك يطالب المتعهّد بكفيل على هذا ، وفي هذه الحالة يرجع المتعهّد والمقاول إلى البنك ليصدر له مستند ضمان يتكفّل فيه للمتعهّد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع المقاول المتعهّد عن دفعها بعد تخلّفه عن القيام بإنجاز المشروع في الموعد المقرّر .
مسألة 13 : تعهّد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحوٌ من الكفالة المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي هي عبارة عن التعهّد لشخص بإحضار شخص آخر له حقّ عليه عند طلبه .
فقه الحضاره
71
وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أنّ الضامن تشتغل ذمّته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفاته أخرج من تركته مقدّماً على الإرث ، وأمّا الكفيل المالي فلا تشتغل ذمّته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل ذلك لم يُخرج من تركته شيءٌ إلاّ بوصيّة منه .
ويصحّ عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على تعهّده والتزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، وبقبول من المكفول له بكل ما يدلّ على رضاه بذلك .
مسألة 14 : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معيّنة من المقاول المتعهّد لإنجاز المشروع إزاء كفالته وتعهّده ، ويمكن تخريج ذلك من باب الجعالة بأن يعيّن المقاول العمولة المطلوبة جُعلاً للبنك على قيامه بعمل الكفالة فيحلّ له أخذها حينئذٍ .
مسألة 15 : إذا تخلّف المقاول عن إنجاز المشروع في المدّة المقررة ، وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهد له ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحقّ للبنك الرجوع بها على المقاول أم لا ؟
الظاهر أنّه يحقّ له ذلك ، لأنّ تعهّد البنك وكفالته كان بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهّده ، فيحقّ له أن يرجع إلهي ويطالبه به .
فقه الحضاره
72
6 ـ بيع السهام
قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم التي تمتلكها ، ويقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها وتصريفها إزاء عمولة معيّنة بعد الاتّفاق بينه وبين الشركة .
مسألة 16 : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنّها ـ في الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها إمّا في الإجارة ، بمعنى أنّ الشركة تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، وإمّا في الجعالة على ذلك ، وعلى كل التقديرين فالمعاملة صحيحة ، ويستحقّ البنك الأُجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور .
مسألة 17 : يصحّ بيع هذه الأسهم وشراؤها .
نعم ، إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرّمة ـ كما لو كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها والاشتراك في تلك المعاملات .
فقه الحضاره
73
7 ـ بيع السندات
السندات : صكوك تصدرها جهات مخوّلة قانوناً بقيمة اسمية معيّنة مؤجّلة إلى مدّة معلومة ، وتبيعها بالأقلّ منها ، مثلاً يبيع السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً نقداً على أن يؤدّي المائة بعد سنة مثلاً ، وقد تتولّى البنوك عملية البيع ، وتأخذ على ذلك عمولة معيّنة .
مسألة 18 : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين :
1 ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممّن يشتريه مبلغ خمسة وتسعين ديناراً ـ في المثال المذكور ـ وتدفع إليه مائة دينار في نهاية المدّة المحدّدة وفاءً لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة على القرض ، وهذا رباً محرّم .
2 ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجّلة الدفع إلى سنة مثلاً بخمسة وتسعين ديناراً نقداً .
وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، ولكنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال كما سبق .
فقه الحضاره
74
فالنتيجة أنّه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي تتعامل بها الجهات الرسمية وغيرها .
مسألة 19 : لا يجوز للبنوك التوسّط في بيع السندات وشرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك .
فقه الحضاره
75
8 ـ الحوالات الداخلية والخارجية
مسألة 20 : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين من ذمّة المُحيل إلى ذمّة المحال عليه ، ولكنّها ـ هنا ـ تستعمل في الأعمّ من ذلك ، وفيما يلي نماذج للحوالات المصرفية :
الأول : أن يصدر البنك صكّاً لعملية بتسلّم المبلغ من وكيله في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في البنك ، وعندئذ يأخذ البنك منه عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا الدور ، والظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأنّ للبنك حقّ الامتناع عن قبول وفاء دينه في غير مكان القرض ، فيجوز له أخذ عمولة إزاء تنازله عن هذا الحقّ وقبول وفاء دينه في ذلك المكان .
الثاني : أن يصدر البنك صكّاً لشخص يحقّ له بموجبه أن يتسلّم مبلغاً عيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان الاقتراض منه ، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده ، ويأخذ البنك عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا العمل .
والظاهر أنّه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكّاً من