الوقت وإن علم أنه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي الاستقبال والاستقرار .
5 ـ لو ركب طائرة كانت سرعتها سرعة حركة الأرض ، وكانت متجهة من الشرق إلى الغرب ، ودارت حول الأرض مدة من الزمن ، فالأحوط الإتيان بالصوات الخمس بنية القربة المطلقة في كل أربع وعشرين ساعة ، وأما الصيام فيجب عليه قضاؤه .
وأما إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الأرض فعندئذٍ ـ بطبيعة الحال ـ تتم الدورة في كل اثنتي عشر ساعة ، وفي هذه الحالة هل يجب عليه الإتيان بصلاة الصبح عند كل فجر ، وبالظهرين عند كل زوال ، وبالعشائين عند كل غروب ؟
فيه وجهان : الأحوط الوجوب .
ولو دارت حول الأرض بسرعة فائقة حيث تتم كل دورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقل ، فالظاهر عدم وجوب الصلاة عليه عند كل فجرٍ وزوالٍ وغيروب ، والأحوط حينئذٍ الإتيان بها في كل أربع وعشرين ساعة بنية القربة المطلقة ، مراعياً وقوع صلاة الصبح بين طلوعين ، والظهرين بين زوال وغروب بعدها ، والعشائين بين غروب ونصف ليل بعد ذلك.
ومن هنا يظهر حال ما إذا كانت حركة الطائرة من الغرب إلى الشرق ، وكانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض ، فإن الأظهر حينئذ الإتيان بالصلوات في أوقاتها .
وكذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقل من سرعة الأرض ، وأما إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير ، بحيث تتم
فقه الحضارة
142
الدورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقلّ ، فيظهر حكمه مما تقدم .
6 ـ من كانت وظيفته الصيام في السفر ، وطلع عليه الفجر في بلده ، ثم سافر جواً ناوياً للصوم ، ووصل إلى بلد آخر لم يطلع في الفجر بعد ، فهل يجوز له الأكل والشرب ونحوهما ؟ الظاهر جوازه .
7 ـ من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال ووصل إلى بلد لم تزل فيه الشمس بعد ، فهل يجب عليه الإمساك وإتمام الصوم ؟ الأحوط ذلك .
8 ـ من كان وضيفته الصيام في السفر ، إذا سافر من بلده الذي رؤي فيه هلال رمضان إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال بعد ، لاختلافهما في الأفق ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم .
ولو عيّد في بل رؤي فيه هلال شوال ، ثم سافر إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال ، لاختلاف أفقهما ، فالأحوط له الإمساك بقية ذلك اليوم وقضاؤه .
9 ـ إذا فُرِضَ كون المكلّف في مكان نهاره ستة أشهر ، وليله ستة أشهر مثلاً ، فالأحوط له في الصلاة ملاحظة أقرب الأماكن التي لها ليل ونهار كل أربع وعشرين ساعة ، فيصلي الخمس على حسب أوقاتها بنية القربة المطلقة ، وأما في الصوم فيجب عليه الانتقال إلى بلد يتمكن فيه من الصيام إمّا في شهر رمضان او من بعده ، وإن لم يتمكن من ذلك فعليه الفدية بدل الصوم.
وأما إذا كان في بلد له في كل أربع وعشرين ساعة ليل
فقه الحضارة
143
ونهار ـ وإن كان نهاره ثلاثاً وعشرين ساعة ، وليله ساعة أو العكس ـ فحكم الصلاة يدور مدار الأوقات الخاصة فيه .
وأمّا صوم شهر رمضان فيجب عليه أداؤه مع التمكن منه ، ويسقط مع عدم التمكن ، فإن تمكن من قضائه وجب ، وإلاّ فعليه الفدية بدله
(1) .
|
(1) السيستاني ( منهاج الصالحين 1 ) 464 ـ 467 .
|
فقه الحضارة
144
3 ـ القبلة في نيويورك
ما زالت القبلة في الولايات المتحدة وفي نيويورك بخاصة مثار جدل واختلاف نظر عند الفقهاء ، فبعضهم يرجح فيها الاتجاه إلى المشرق المتمايل إلى الجنوب بحجة أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض ( 22 ) ونيويورك تقع فوق خط عرض ( 40 ) ولازم هذا التدقيق أن اتجاه الكعبة في نيويورك بالنسبة للمتجه إليها متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال ، بينما الذي يختاره سماحة السيد دام ظله الشريف الاتجاه نحو الشمال الشرقي باعتبار أن الخطوط المتوازية بالنسبة لبدن المصلي تكون في خط مقوس نظراً لتقوس ظهر الأرض فتصل إلى الكعبة ولو احتمالاً ، وهو في هذا الضوء يعطي التفصيل الآتي تغطية لأبعاد الموضوع من وجهاته كافة .
يرى سماحة السيد أعز الله مجده الوريف : أنّ استقبال القبلة في الأماكن البعيدة التي يجول بينها وبين الكعبة المعظمة تقوس الأرض إنما يتحقق بأن تتجه الخطوط المتوازية المبدوءة من مقاديم بدن المصلي والمقوسة بتقوّس سطح الأرض إلى الجهة
فقه الحضارة
145
التي تقع فيها الكعبة المعظمة بحيث تنتهي إليها ولو احتمالاً ، ويتضح جلياً اتجاه هذه الخطوط إذا ربطنا بين موقف المصلي والكعبة المعظمة على الخارطة الكروية بخيط ، مراعين استقامته وعدم انحرافه يميناً أو شمالاً ، وحسب اختبارنا يكون اتجاه هذا الخيط في مثل نيويورك من مناطق أمريكا الشمالية نحو الشرق المتمايل إلى الشمال بالمقدار الذي يشير إليه الخط المذكور .
وأمّا ما يقال من أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض ( 22 ) ونيويورك تقع فوق خط العرض ( 40 ) ولازمه أن يكون الواقف في نيويورك إلى جهة الكعبة المشرفة متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال .
فالجواب عنه أن هذا إنما يصح بالنظر إلى الخارطة المسطحة دون الكروية ، بل إن تغيّر اتجاه الخيط المذكور في الخارطة الكروية إنما نشأ من اختلاف أجزائه الواقعة بين النقطتين إذا لوحظت بالقياس إلى قطبي الشمال والجنوب .
والشاهد عليه أنا لو أغمضنا النظر إلى الجهات الأربع الثابتة للكرة ولم نأخذها بعين الاعتبار ، وأدرنا الخارطة الكروية وجعلنا مكة المكرمة واقعة في قمتها بمنزلة قطب الشمال ، لاحظنا أن اتجاه الخيط المذكور هو نفس الاتجاه السابق الذكر من دون تغيّر ، وأن الواقف في نيويورك إذا أراد التوجه نحو الكعبة المعظمة يلزمه الوقوف باتجاه هذه الخط لا منحرفاً عنه إلى جانب اليمين .
والحاصل أن الأرجح في النظر بناءً على ما تقدم في كيفية
فقه الحضارة
146
الاستقبال هو ما ذكرناه بل الظاهر أنه هو الأرجح أيضاً بناءً على لزوم رعاية الخط الوهمي المارّ في عمق الأرض مستقيماً بين موقف المصلي والكعبة المعظمة ، فإن هذا الخط بما أنه لا يمكن التوجه نحوه حال الصلاة فيتعين الاتجاه نحو الخط المقوس الموازي له والمار على سطح الأرض، والخط الموازي المذكور هو نفس الخط الذي مرّ ذكره والذي يكون اتجاهه في نيويورك نحو الشمال الشرقي هذا ، ومع ذلك تكون صلاة من يتجه إلى الشرق المتمايل إلى الجنوب عملاً بالحجة الشرعية القائمة عنده على ذلك ، والله أعلم
(1) .
|
(1) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 9 ـ 11 .
|
فقه الحضارة
147
4 ـ متفرقات في أحكام السفر
تعرض للإنسان حالات يحتاج معها إلى الدليل الكاشف بين يديه لامتثال أمره تعالى ، وفي السفر في الوسائل الحديثة والخطوط الجوية قد يواجه بعض الإشكالات ، منها ما يأتي :
1 ـ كيف نُصلّي صلاتنا الواجبة في الطائرة والقبلة مجهولة والطمأنينة مفقودة ؟
أما القبلة فيمكن تحديد جهتها بالسؤال من القبطان أو المضيفين ، فإنّ أجوبتهم تورث ـ في الغالب ـ الاطمئنان أو الظن فيلزم العمل وفقه ، وأما الاستقرار فتسقط شرطيته مع عدم إمكان التحفظ عليه ، ولكن لا بد من رعاية سائر الشروط حسب المستطاع ، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها في كل الأحوال .
2 ـ كيف نصلي صلاتنا في القطارات والسيارات ؟ وهل يجب أن نسجد على شيء ، أو لا يجب ذلك ويكفي الانحناء .
يجب أداء الصلاة فيها وفق صلاة المختار إن أمكن ، فتلزم رعاية الاستقبال في جميع حالات الصلاة إن تيسرت ، وإلا
فقه الحضارة
148
ففي حال تكبيرة الإحرام مع التمكن منه ، وإلا تسقط شرطية الاستقبال ، كما أنه مع التمكن من الإتيان بالركوع والسجود الاختياريين يتعين الإتيان بهما ـ كما لو تيسرت الصلاة في ممر القطار أو الباص ـ وأمّا مع عدم التمكن منهما ، فإن تيسر الانحناء بمقدار صدق اسميهما لزم وتعين ، ويراعى في السجود وضع الجبهة على المسجد ولو برفعة ، ومع عدم تيسر الانحناء بالمقدار المذكور يكفي الإيماء بدلاً عنهما
(1) .
3 ـ لو سافر مسافرٌ من بلده بعد أذان الظهر مباشرة من دون أن يصلي ، ووصل لمقصده بعد الغروب ، فهل يأثم ؟ وهل يجب عليه قضاء صلاة الظهر ؟
نعم هو آثم بتركه الفريضة في الوقت ، وعليه قضاؤها
(2) .
|
(1) فقه المغتربين \ 96 ـ 97 .
(2) المرجع نفسه \ 93 .
|
فقه الحضارة
150