بطهارته وجواز استعماله في الأطعمة منوط باحراز استحالته ، وهذا مما يرجع فيه إلى العرف ، وقد تقدم بيان ضابطه .
4 ـ إن بعض غذاء الدواجن يخلط فيه 30% من عظام الخنزير مما يرفع وزن الدجاجة خلال أربعين يوماً إلى زنة كيلوين ، فما الحكم في هذا ، وهل فيه إشكال ؟
لا يمنع ذلك من حلية أكل لحمه وطهارته بالتذكية ، لكن الأولى تجنيب الحيوان من هذا الغذاء ، والله العالم .
5 ـ يلزم صانعو الأغذية والمعلبات والحلويات بذكر محتويات البضاعة التي تباع للمستهلك ، وبما أن الأغذية معرضة للفساد فإنهم يضيفون إليها ( مواداً حافظة ) قد يكون أصلها حيوانياً ويرمزون لها بحرف E مقترناً بأعداد مثل E450 وهكذا .
فما هو الحكم في الحالات الآتية :
أ ـ لا يعلم المكلّف حقيقة هذه المكونات.
ب ـ شاهد المكلّف قائمة صادرة ممن لا يعرفون شيئاً عن الاستحالة تقول بأن أرقاماً معينة يذكرونها محرّمة لأنها من أصل حيواني .
ج ـ التحقيق في جملة منها ، والتأكد من أنها لم تبق على حالها بل تبدلت صورتها النوعية واستحالت إلى مادة أخرى .
أ ـ تحل له المأكولات المشتملة عليها .
ب ـ إذا لم يحرز كونها من أصل حيواني ـ وإن ادعي ـ
فقه الحضارة
166
جاز أكلها ، وكذا إذا أحرز ذلك ولكن لم يحرز كونها من الميتة النجسة وكان ما يضاف منها إلى الأطعمة بمقدار مستهلك فيها عرفا .
ج ـ لا إشكال في الطهارة والحلية مع صدق الاستحالة بتغير الصورة النوعية وعدم بقاء شيء من مقومات الحقيقة السابقة
(1) .
ومما يلحق بهذا الباب القول بطهارة الجلود المأخوذة من غير المسلم ، وجواز بيع اللحوم والشحوم والجلود المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، وإليك نص فتوى سماحة السيد طال عمره الشريف :
يجوز بيع الجلود واللحوم والشحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، والمأخوذة من يد الكافر ، وكذا يحكم بطهارتها وجواز الصلاة فيها فيما إذا احتمل احتمالاً معتداً به أن تكون من الحيوان المذكى ، ولكن يحرم أكلها ما لم يعلم ذلك ، إلا إذا كان مصنوعاً في أرض الإسلام أو مسبوقاً بسوق المسلمين ، أو بيد المسلم بالشرط المتقدم ، وهكذا الحال فيما أخذه من يد المسلم إذا علم أنه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته
(2) .
|
(1) فقه المغتربين \ 153 وما بعدها .
(2) السيد السيستاني \ المسائل المنتخبة 258 .
|
فقه الحضارة
167
4 ـ فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة
هناك مسائل متفرقة تلحق بهذا الفصل بل هي من صميمه على وجه ، وقد أفتى بها سماحة السيد دام ظله الشريف.
1 ـ يدخل الكحول في تركيب كثير من العقاقير والأدوية ، فهل يجوز شربها ؟ وهل هي طاهرة ؟
هي طاهرة ، وحيث أن الكحول المستخدم فيها بمقدار مستهلك فإنه يجوز شربها أيضاً .
2 ـ هل يحل شرب البيرة المكتوب عليها عبارة : خالية من الكحول ؟
لا يحل إذا كان المراد بالبيرة الفقاع الموجب للنشوة ، وهي السكر الخفيف ، وأما إذا كان المراد بها ماء الشعير الذي لا يوجب النشوة ، فلا بأس به .
3 ـ الخل المصنوع من الخمر ، بمعنى أنه كان خمراً وحوّلوه خلاً في المعمل ، ولذلك يكتبون على الزجاجة ( خل النبيذ ) تميزاً له من خل الشعير والأنواع الأخرى ، ومن علائم
فقه الحضارة
168
ذلك أن زجاجات هذا الخل موضوعة في الرفوف الخاصة للخل ، ولم يحدث مطلقاً أن يوضع ضمن الرفوف الخاصة بالخمر كما جرّب مراراً ، ولم يلحظ أيّ فرق بينه وبين الخل المصنوع من الثمر في العراق . فهل يحكم على هذا الخمر المتبدل إلى خلّ أنه خلٌّ تبعاً لقاعدة الانقلاب ؟
مع صدق الخل عليه عرفاً ـ كما هو مفروض السؤال ـ يجري عليه حكمه .
4ـ هل يجوز استعمال دهن الحوت ، والأسماك غير الجائزة الأكل ، والقواقع في الأكل ، وفي الاستعمالات الأخرى ؟
لا يجوز أكلها ، ويجوز غيره من الاستعمالات ، والله العالم .
5 ـ هل يحل أكل سرطان البحر ، وأم الروبيان ، والقواقع البحرية ؟
لا يحل من حيوان البحر إلا السمك الذي له فلس ، ومنه ما يسمى بـ ( الروبيان ) وأما غير السمك ـ كالسرطان ـ وكذا السمك الذي لا فلس له ، فلا يجوز أكله ، والله العالم
(1) .
6 ـ بيض السمك تتبع السمك ، فبيض المحلل حلال وإن كان أملس ، وبيض المحرم حرام وإن كان خشناً ، وإذا أشتبه أنه من المحلل أو المحرّم فلا بد من الاجتناب عنه .
|
(1) فتاوى خطية مصورة بحوزة المؤلف ، وانظر : فقه المغتربين 152 وما بعدها .
|
فقه الحضارة
169
7 ـ تحرم الحشرات ويقصد بها الدواب الصغار التي تسكن باطن الأرض كالضب والفأر واليربوع والقنفذ والحية ونحوها ، كما يحرم القمل والبرغوت والجعل ودودة القز بل مطلق الديدان
(1) .
8 ـ إذا اشتبه اللحم فلم يعلم أنه مذكى أم لا ، ولم تكن عليه إحدى أمارات التذكية كيد المسلم ، وسوق المسلمين ، والصنع في بلاد الإسلام ، لم يحلّ أكله ، وأما لو اشتبه اللحم المحرز تذكيته ـ ولو بإحدى إماراتها ـ فلم يعلم أنه من النوع الحلال أو الحرام حكم بحله
(2) .
لا يجوز بيع لحم الخنزير ولو على مستحليه ، من دون فرق بين المباشرة والتسبب .
وأما تقديم لحم الخنزير لمستحلية ففيه إشكال ، ويجب الاحتياط بتركه
(3) .
وهناك حقيقة قائمة أجاب عنها سماحة السيد دام ظله العالي يتضمنها السؤال الجريء الآتي :
تمتلىء الحانات بروادها من الكفار في بعض الليالي ، حتى إذا أثقلهم الشراب خرجوا يبحثون عن مطاعم يأكلون فيها ، فهل يجوز لمسلم أن يستغل تلك الحاجة ، فيفتح مطعماً يقدم فيه الأكل
|
(1) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 292 ـ 293.
(2) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 299.
(3) فتوى خطية مصوّرة بحوزة المؤلف .
|
فقه الحضارة
170
الحلال للسكارى وغيرهم ؟ وهل في ذلك إثم إذا كان الطعام المحلل هذا يعينهم على تخفيف أثر الشراب عليهم أو ما شاكل ذلك .
لا مانع من ذلك في حدّ ذاته
(1) .
فقه الحضارة
172
الفصل السادس
مظاهر الحياة العامة والعلاقات المحرمة والجائزة
1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
2 ـ الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح والحفلات
3 ـ الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي
4 ـ ما لا يجوز للمرأة وما يجوز
5 ـ مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء والقمار
فقه الحضارة
173
1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
الإسلام دين الاجتماع والتآلف والحب المتبادل ، والمسلم الملتزم هو الذي يطبق على نفسه وعائلته الظواهر الإنسانية التي يدعو إليها الدين الحنيف ، ومع اتساع خطوط الاتصال في شرق الدنيا وغربها ، تتلاحم القوى البشرية فيما بينها صلة ومعروفاً وإنسانية ، ولمّا كان الإسلام دين المودّة الخالصة والحب المتبادل ، وشريعته شريعة اليسر والسماح ، فما على المسلم من بأس أن يتخذ له أصدقاء وأحباء من غير المسلمين ، لا أولياء بالمعنى الشرعي المحدد ، فالصداقة شيء ، والموالاة شيء آخر ، وإباحة الصداقة لا تعني إباحة الموالاة ، وفي هذا الضوء فلا مانع من الاتصال المباشر وغير المباشر مع غير المسلمين ، إذا كانوا لا يعادون الإسلام ، وإنما هم من سائر الناس في الشعور والتفكير والمعاناة ، يحترمون شعائر الآخرين ، ولا يكيدون للإسلام والمسلمين ، وفي هذا المضمار قد تستحسن مجاملتهم بل والإحسان إليهم تحبيباً للإسلام من نفوسهم ، واحتفاءً بالمسلمين في شمائلهم ومشاعرهم ، وقد دأب سماحة سيدنا المفدى دام ظله
فقه الحضارة
174
الشريف على استيعاب أكبر عدد متعاطف مع المسلمين من كل الجنسيات والديانات فذهب إلى طهارة الكتابيين من اليهود والنصارى ، ولكنه لم يترك الاحتياط الاستحبابي في الموضوع ، وكان سيدنا الإمام الحكيم قدس سره العظيم قد أفتى من ذي قبل بطهارتهم خلافاً للمشهور ، أما سيدنا السيستاني فقد أفتى : ( وأما الكتابي : فالمشهور نجاسته ، ولكن لا يبعد الحكم بطهارته ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه )
(1) .
وقد حاول سيدنا المفدى أن تكون العلاقات العامة بين المسلمين وسواهم قائمة على أساس التفاهم والودّ البريء ، فسيّر بذلك الفتاوى الآتية ضمن الإجابة عن الأسئلة الموجهة لسماحته :
1 ـ هل يجوز تبادل الودّ والمحبة مع غير المسلم ، إذا كان جاراً ، أو شريكاً في عمل ، أو ما شابه ذلك ؟
إذا لم يظهر المعاداة للإسلام والمسلمين بقول أو فعل ، فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبّة من البرّ والإحسان إليه ، قال تعالى : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).
2 ـ هل يجوز السير في موكب جنازة غير مسلم لتشييعه ، إذا كان جاراً مثلاً ؟
إذا لم يكن هو ، ولا أصحاب الجنازة ، معروفين
|
(1) السيستاني ( المسائل المنتخبة )82 .
|
فقه الحضارة
175
بمعاداتهم للإسلام والمسلمين ، فلا بأس بالمشاركة في تشييعه ، ولكن الأفضل المشي خلف الجنازة ، لا أمامها.
3 ـ هل يجوز دخول أصحاب الديانات السابقة من الكتابيين ، ودخول الكفّار من غيرهم ، المساجد ودور العبادة الإسلامية ؟ وهل يجب علينا إلزام غير المحجبات بارتداء الحجاب ، ثم الدخول إذا كان دخولهن جائزاً ؟
لا يجوز على الأحوط دخولهم في المساجد ، وأمّا دخولهم في دور العبادة وغيرها ، فلا بأس به ، وتلزم النساء بالتحجب ، إذا لزم من تركه الهتك .
4 ـ هل يجوز التصدّق على الكفّار الفقراء كتابين كانوا أو غير كتابيين ؟ وهل يثاب المتصدّق على فعله هذا ؟
لا بأس بالتصدق على من لا ينصب العداوة للحق وأهله ، ويثاب المتصدّق على فعله ذلك .
5 ـ هل يجوز إزعاج الجار اليهودي ، أو الجار المسيحي ، أو الجار الذي لا يؤمن بدينٍ أصلاً ؟
لا يجوز إزعاجه من دون مبرّر .
6 ـ هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان المأمور ليس موالياً لأهل البيت ( عليهم السلام ) أو كان من الكتابيين الذين يحتمل التأثير فيهم مع الأمن من الضرر ؟
نعم يجبان مع توفر بقية الشروط في وجوبهما ، ومنها أن لا يكون الفاعل معذوراً في ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ،