1 ـ التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين
  أحل الله الطيبات من الرزق وحرّم الخبائث منها ، وكان ما أحله الله تعالى أكثر مما حرمه ، وعائدية هذا التحليل والتحريم معاً إنما شرعت لمصلحة الإنسان الصحية والنفسية ، وكان تفضل الله عميماً على البشرية أن أباح لها السمك من حيوان البحر ، وحرّم غيره من حيوانه حتى المسمى باسم ما يؤكل من حيوان البرّ كبقره وفرسه ، وكذا الضفدع والسرطان والسلحفاة ، ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلسٌ ولو بالأصل ، فيحل الكنعت والربيثا والبز والبني والشبوط والقطان والطبراني والأبلامي والأربيان ، ولا يحل ما ليس له فلس في الأصل كالبحري والزمّير والزهو والمار ماهي ، وإذا شك في وجود الفلس وعدمه بنى على العدم (1) .
  وأحل الله من البهائم البرية صنفين من الأهلية والوحشية : أما الأهلية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره

(1) ظ السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 291 .

فقه الحضارة 152
  الخيل والبغال والحمير ، ويحرم منها الكلب والهر ونحوهما .
  وأما الوحشية فتحل منها الظباء والغزلان والبقر والكباش الجبلية واليحامير والحمر والوحشية ، وتحرم منها السباع ، وهي ما كان مفترساً وله ظفر أو ناب قوياً كان كالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى ، كما تحرم المسوخ ومنها الخنزير والقرد والفيل والدبّ (1) .
  وأحل الله كل طائر ذي ريش فيحل أكل لحمه إلا السباع ، فيحلّ الحمام بجميع أصنافه ، كما يحل الدجاج بجميع أقسامه ، والعصفور بجميع أنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبرة ، ويحل الهدهد والخطاف والشقراق ، وتحل النعامة والطاووس على الأقوى ، ويحرم كل ذي مخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق والنسر والبغاث ، وكذا الغراب (2) ويشترط في حلية أكل ما تقدم التذكية الشرعية .
  أما السمك فتحصل ذكاته بأخذه من داخل الماء إلى خارجه حياً باليد أو الشبكة والشعب أو الغالة أو غيرها ، وفي أخذه هذا يكون ذكياً (3) .
  أما ذكاة الذبيحة فيشترط فيها :
  1 ـ أن يكون الذابح مسلماً أو من بحكمه كالمتولد منه .
  2 ـ أن يكون الذبح بالحديد مع الإمكان ، فلو ذبح بغيره مع التمكن لم يحل وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس

(1) السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 292 .
(2) السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 293 .
(3) السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 272 .

فقه الحضارة 153
  والذهب والفضة والرصاص وغيرها ، والأحوط وجوباً عدم الذبح بالاستيل مع التمكن من الحديد .
  3 ـ قصد الذبح بفري الأوداج.
  4 ـ الاستقبال بالذبيحة حال الذبح إلى القبلة ، فإن أخلّ بالاستقبال عالماً عامداً حرمت ، نعم إذا كان الإخلال بالاستقبال لإعتقاد الذابح عدم لزومه شرعاً فلا يضر بذكاة ذبيحته .
  5 ـ تسمية الذابح عليها حين الشروع بالذبح أو متصلاً به عرفاً ، ولا تجزيء تسمية غير الذابح عليها ، والمدار في التسمية ذكر اسم الله وحده عليها ، فيكفي أن يقول : بسم الله ، أو الله أكبر ، أو الحمد لله ، أو لا إله إلا الله ، ونحو ذلك .
  6 ـ قطع الأعضاء الأربعة ، وهي : المري : وهو مجرى الطعام ، والحلقوم : وهو مجرى النفس ومحله فوق المريء ، والودجان : وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء .
  وقطع الأعضاء الأربعة يستلزم بقاء ( الجوزة ) متصلة بالرأس ، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقق قطع تمامها .
  7 ـ خروج الدم المتعارف منها حال الذبح ، فلو لم يخرج منها الدم ، أو كان الخارج قليلاً ـ بالإضافة إلى نوعها ـ بسبب انجماد الدم في عروقها أو نحوه لم تحل ، وأما إذا كان عدم خروجه من جهة نزيف قبل الذبح حلّ (1) .
  8 ـ أن تتحرك الذبيحة بعد تمامية الذبح ولو حركة يسيرة ،

(1) السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 276 ـ 280 .

فقه الحضارة 154
 بأن تطرف عينها ، أو تحرك رجلها أو ذنبها ، هذا إذا شك في حياتها عند الذبح ، وإلا فلا تعتبر الحركة أصلاً .
  وتختص الإبل من بين البهائم بأن تذكيتها بالنحر ، ولا يجوز ذلك في غيرها ، وكيفيته : أن يدخل الآلة من سكين أو غيره من الآلات الحادة الحديدية في لبتها ، وهو الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متصلاً بالعنق ، والشروط المعتبرة في الذبح تعتبر نظائرها في النحر ، عدا الشرط السادس ، وهو قطع الأعضاء الأربعة (1) .
  وأغلب المشاكل التي يتعرض لها المسلمون والمغتربون منهم بصورة خاصة هي مشكلة التذكية ، أو تقديم ما ليس بمذكّى ، أو اللحم غير المباح ، مما تفرضه طبيعة المناخ الذي يتواجدون فيه ، مما يلزم العسر والحرج أحياناً ، ويقتضي التأمل والتثبت أحياناً أخرى ، وثمت مشكلة أخرى وهي تناول الطعام المعدُّ من غير المسلمين ، ومشكلة المعلبات والأجبان ، وشراء اللحم من غير المسلم ، ومشكلة الذبح بالأجهزة الحديثة ، ومشكلة شراء اللحم ممن يبيع الخمر ، وهكذا مما ستراه .
  ولقد دأب سماحة السيد دام ظله الشريف على تذليل الصعوبات ، واحتواء العقبات في الطريق واستوعب هذه المشاكل بأبعادها فأبان رأي الشرع الشريف بما لا عسر فيه ولا حرج ضمن المسائل المهمة الآتية :

(1) السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 282 .

فقه الحضارة 155
  1 ـ يحق للمسلم أن يتناول الطعام المعدّ من قبل الكافر غير الكتابي ، إذا لم يعلم المسلم أو يطمئن بأن ذلك الكافر قد مسّه مع البلل ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم باحتواء ذلك الطعام على ما يحرم تناوله كالخمر مثلاً .
  2 ـ يحق للمسلم أن يتناول أي طعام أعدّه صانعه للأكل ، إذا جهل المسلم معتقد ودين ومبدأ ذلك المعدّ للطعام ، سواء مسّه معدّه مع البلل ، أو لم يمسّه ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم باحتواء ذلك الطعام على ما يحرم عليه تناوله كالخمر مثلاً .
  وللحوم والشحوم ومشتقاتها حكم خاص سيأتي بعد ذلك .
  هذا ولا يجب على المسلم يؤال معدّ الطعام عن إيمانه أو كفره ، أو عن مسّه الطعام أو عدمه ، حتى وإن كان ذلك السؤال سهلاً يسيراً عليه ، وطبيعياً على ما يسأله .
  وباختصار فإن المأكولات بأنواعها المختلفة عدا اللحوم والشحوم ومشتقاتها ، يحق للمسلم تناولها ، حتى إذا ظن بأن في محتوياتها ما لا يجوز له أكله ، أو ظن أن صانعها أياً كان قد مسّها مع البلل (1) .
  وهنا مسألتان :
  1 ـ هل يجوز للمسلم طبخ غير المُذكّى ؟ علماً أن لا علاقة له بالبيع أو التقديم ، ثمّ ما هو حكم تقديم الطعام النجس ( غير المذكى ) أو نقله لغير المسلمين ؟ وهل يفرق في هذا بين الخنزير وغيره ؟

(1) فقه المغتربين \140 وما بعدها استناداً إلى إفتاء سماحة السيد بالموضوع .

فقه الحضارة 156
  لا مانع من طبخ غير المذكى ، ولا تقديمه إلى مُستحلّيه ، ويشكل بيعه منهم ، لكن لا مانع من أخذ المال إزاء التنازل عنه أو استنقاذاً ، وأما الخنزير فيشكل تقديمه لمستحلية ، ولا يجوز بيعه بلا إشكال والله العالم .
  2 ـ هل يصح للمسلم امتلاك مطعم يقدم فيه اللحم غير المذكّى ، علماً بأنه لا يمارس العمل بنفسه ، بل يشرف على المشروع ويديره ؟ وعلى فرض عدم الجواز كيف يصحح امتلاك العوائد ؟ وما هو موقف من يعتمد في نفقته عليه كزوجته وأطفاله ؟
  لا بأس بامتلاكه ذلك إذا كان تقديم اللحم غير المذكى إلى المستحلين له ، وإن قدمه إلى مسلم أخبره بالحال إن احتمل تأثير الأخبار في حقه ، وإلاّ لم يجب ، وأما العوائد فليصحح امتلاكها بطريقة الاستنقاذ أو التنازل حسبما مرّ ، دون البيع ، فإن صحّحها هو حلّت أيضاً لمن يعيلهم ، وإن لم يفعل فليقصدوا تملك ما يدفعه إليهم من أعيانهم فتحل لهم ، والله العالم (1) .

(1) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 12 ـ 13 .

فقه الحضارة 157
3 ـ ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها
  هناك مطاعم ومحلات يختلط فيها الحابل بالنابل ، فكما تبيع المذكى تبيع غير المذكى ، وكما تستعمل المحلل تستعمل المحرم ، وقد تتجاوز هذا إلى بيع لحم الخنزير وتقديم الخمر وأشباه ذلك ، وقد يلتبس الحال فلا ندري المحتويات محللةً أو محرمةً ، وللإجابة عن هذه المشكلات نضع أمام المسلم المعاصر الفتاوى الآتية :
  1 ـ ندخل محلات في الدول الغربية تبيع مأكولات لا ندري محتوياتها ، فربما هي خالية مما يحرم أكله أو شربه ، وربما فيها شيء يحرم أكله أو شربه ، فهل يحق لنا أكلها دون النظر لمحتوياتها أو السؤال عن محتوياتها ، أو لا يحق لنا ذلك ؟
  يجوز ما لم يعلم اشتمالها على شيء من اللحوم والشحوم ومشتقاتها (1) .

(1) فقه المغتربين \ 155 .

فقه الحضارة 158
  2 ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير أو الخمر ؟ وإذا كان لا يجوز فهل يشمل الحكم غسل الصحون وما شابه ذلك ؟
  تقديم الخمر إلى الغير محرم ، وإن كان المقدّم إليه مستحلاً لها ، وكذا غسل الأواني إذا كان مقدمة لشرب الخمر فيها أو تقديمها إلى شاربها .
  والأحوط وجوبا عدم تقديم لحم الخنزير حتى إلى مستحليه ولا يجوز بيعه بلا إشكال .
  وإجازة المسلم نفسه للعمل المحرم عليه باطلة ، وأخذ الأجرة عليه حرام ، نعم لا بأس بتملك بدل العمل استنقاذاً من غير محترمي المال (1) .
  3 ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم اللحم غير المذكى ؟
  لا يبعد جوازه فيما إذا كان يقدم إلى مستحله بل مطلقاً مع الإعلام بالحال إذا احتمل تأثيره في حقه بارتداعه عن تناوله وإلا لم يجب (2) .
  4 ـ ما حكم الأجور التي يتقاضاها العامل في تلك المطاعم ؟ هل تعتبر من الأموال المختلطة بالحرام كما هي أساساً ، أو تعتبر حلالاً بالنسبة للعامل كونها أجرة من عمل حلال ؟

(1) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 22 .
(2) المرجع نفسه \ 23 .

فقه الحضارة 159
  الأموال التي يتسلمها المسلم من غير المسلمين بأزاء عمل محلل لهم يحكم بحليتها وإن اكتسبوها بالمكاسب المحرمة في شريعتنا إذا كانت محللة عندهم كبيع الخمر والخنزير من غير المسلم ، ولا تعد تلك الأموال من الحلال المختلط بالحرام ليجب فيها الخمس .
  5 ـ هل يجوز للمسلم العمل في محلات بيع الخمور أو الملاهي في غير تقديم الخمر أو المحرمات الأخرى وذلك من قبيل تنظيف الأواني وترتيب المقاعد وما شابه ذلك ؟   لا يجوز ذلك في محلات بيع الخمور ، والأحوط لزوماً تركه في محلات الملاهي أيضاً .
  6 ـ شخص مسلم يملك فندقاً وأكثر زبائنه من الكفار ، فهل يجوز له أن يقدم لهم الخمر أو اللحوم غير الحلال ؟
  قد ظهر مما تقدم عدم جواز التقديم بالنسبة إلى الخمر ، وجوازه من حيث هو في اللحم غير المذكى .
  7 ـ هل يجوز للمسلم بيع اللحوم غير المذكاة لغير المسلمين ؟
  جوازه لا يخلو عن إشكال ، نعم لا مانع من أخذ المال إزاء تنازل أو استنقاذاً من غير محترمي المال .
  8 ـ هل يجوز للمسلم أن يحضر في المجالس التي يقدم فيها الخمور ؟
  الأكل والشرب في تلك المجالس محرم ، وأما مجرد

فقه الحضارة 160
  الحضور فحرمته تبتني على الاحتياط اللزومي ، ولا بأس به لغرض النهي عن المنكر إذا كان ممكناً .
  9 ـ هل يجوز للمسلم أن يعمل في محلات البقالة التي يباع الخمر في زاوية منها ، وعمله فقط استلام النقود ؟
  يجوز له تسلم ثمن غير الخمر ، وكذا ثمن الخمر إذا كان المتبايعان من غير المسلمين (1) .

(1) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 23 ـ 25 .

فقه الحضارة 161
3 ـ المعلّبات والمنتجاب في الدول الأوروبية
  تزخر الأسواق في البلاد الإسلامية بجملة من معلبات اللحوم والأسماك والأجبان ، قد يكتب على بعضها بالنسبة للحوم عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) ولكنها مستوردة من الدول غير الإسلامية ، وقد تذبح الشركات المتعاقدة مع المسلمين كميات من الدجاج بالأجهزة الحديثة إلا أن المباشر لذلك مسلم يكبّرعند الذبح ، وقد نجد الأجبان المصنوعة في بلد أوروبي وهي تشتمل على أنفحة الحيوانات التي لا نعلم طريقة ذبحها ، وقد تتوافر الأسماك من خلال صيد السفن الكبيرة المعدّة لذلك الأمر ، وقد نبصر الجلاتين والصابون ، والأول يشتمل على مادة عظمية ، وقد نبصر الجلاتين والصابون ، والأول يشتمل على مادة عظيمة ، وقد يشتمل الثاني على شحوم الخنزير ، كل هذه الإشكالات في إيرادها يجيب عنها سماحة سيدنا المفدّى بما يقطع الشك ، وفي هذا المجال ، فإننا نورد أسئلة المقام ، ومن ثم الإجابة عليها .
  1 ـ تكتب عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) على لحوم منتجة في دول إسلامية من قبل شركات غير إسلامية ، فهل يجوز تناولها ؟ وهل يجوز تناولها إذا كان منشأ هذه اللحوم شركة

فقه الحضارة 162
  إسلامية في دولة غير إسلامية ؟ ثم ما هو الحال لو كان المنشأ شركة أجنبية في دولة أجنبية ؟
  * لا اعتبار بالكتابة ، فإن كان المنتج لها مسلماً أو انتجت في بلد يغلب فيه المسلمون ، ولم يعلم أن المنتج لها من غير المسلمين جاز تناولها. وأما إذا كان المنتج غير مسلم ، أو أنتجت في بلد ليست غالبيته من المسلمين ، ولم يعلم كون المنتج مسلماً ، فلا يجوز تناولها .
  2 ـ ندخل بعض الأسواق الكبيرة بأوروبا ، فنجد لحوماً معلبة منتجة من قبل شركة أوروبية مكتوب على العلبة عبارة ( حلال ) أو ( مذبوحة على الطريقة الإسلامية ) فهل يجوز شراؤها وأكلها ؟
  لا أثر للكتابة إذا لم توجب الاطمئنان .
  3 ـ تذبح الشركات كميات كبيرة من الدجاج مرة واحدة ، فإذا كان مشغل الجهاز مسلماً يكبر ويذكر اسم الله عند الذبح مرة واحدة للجميع ، فهل يحلّ أكلها ؟ وإذا شككنا في حلية أكلها ، فهل نستطيع أكلها ونعتبرها طاهرة ؟
  إذا كان يكرر التسمية ما دام الجهاز مشتغلاً بالذبح كفى ، ومع الشك في الحلية من جهة الشك في وقوع التسمية تعتبر طاهرة ويحلّ أكلها .
  4 ـ ترمي سفن الصيد الكبيرة شباكها فتخرج أطناناً من السمك وتطرح صيدها في الأسواق ، وقد بات معروفاً أن طريقة الصيد الحديثة تقوم على أساس إخراج السمك من الماء حيّاً ، بل

فقه الحضارة 163
  ربما ترمي الشركات السمك الذي يموت في الماء خوفاً من التلوث : فهل يحق لنا الشراء من المحلات التي تبيع فيها غير المسلمين هذا السمك ؟ وهل يحق لنا الشراء من المحلات التي يبيع فيها المسلمون غير الملتفتين للحكم الشرعي هذا السمك ، علماً بأن إحراز أن هذه السمكة التي أمامي قد أخرجت حيّة من الماء ، أو تحصيل شاهد مطلّع ثقة يقول بذلك ، أمرٌ صعبٌ جداً ، بل هو غير عملي ولا واقعي .
  فهل هناك من حلّ لمشكلة المسلمين المتثبتين الذي يعانون صعوبة في إحراز تذكية لحوم الدجاج والبقر والغنم فيهرعون إلى السمك ؟
  لا بأس بشرائها من مسلم أو غير مسلم ، كما لا بأس بأكلها إذا وثق بأن صيدها يتم على النهج المذكور ، وأحرز أيضاً كونها من ذوات الفلس (1) .
  والآن نلقي ضوءً على مسألة المعلبات وما بحكمها :
  1 ـ هناك بعض أنواع الصابون المستورد ، يستعمل في جزء من تركيباته شحوم خنزير ولكن في النهاية لا يبقى فيه سوى خمسة في المائة ، فهل في هذه الحالة يجري عليه حكم الاستحالة ، ويحكم بطهارته أم يبقى على نجاسته ؟
  يبقى على نجاسته ، والله العالم .
  2 ـ الأجبان المستوردة من الدول غير الإسلامية إن علم

(1) فقه المغتربين \ 147 وما بعدها .

فقه الحضارة 164
  باشتمالها على أنفحة العجل أو الجدي هل يجوز أكلها ؟
  * يجوز أكلها إذا لم تكن الأنفحة لحيوان غير مذكى حيث يجب غسل ظاهر الأنفحة فإن شك فيه حكم بنجاسته ، وينجس به الجبن .
  3 ـ تصنع مادة الجلاتين وتدخل في العديد من المشروبات والمأكولات في الغرب ، فهل يجوز لنا تناولها ، ونحن لا نعلم ما إذا كانت مستخلصة من النبات أو الحيوان ، وإذا كانت من الحيوان ، فهل هي مستخلصة من عظامه أو مما يحيط بالعظام من الأنسجة ، ثم لا ندري هل إن ذلك الحيوان محلّل الأكل أو محرّمه ؟
  يجوز تناولها فيما لو شك في كونها مستخلصة من الحيوان أو من النبات (1) .
  والجيلاتين الحيواني إن لم يحرز نجاسة أصله ـ كما لو احتمل كونه مأخوذاً من المذكى ـ حكم بطهارته ولكن لا يضاف منه إلى الأطعمة إلاّ بمقدار مستهلك فيها عرفاً ـ ما لم يحرز كونه مأخوذاً من المذكى المحلل لحمه ، أو يُحرز استحالته ـ بلا فرق في ذلك بين كونه مأخوذاً مما تحلّه الحياة كالغضروف وغيره كالعظام على الأحوط في الأخير .
  وأما إذا أُحرز نجاسة أصله ( كما لو علم كونه مأخوذاً من نجس العين ، أو من غضاريف غير المذكى ، أو من عظامه قبل تطهيرها ، فإنها تكون متنجسة بملاقاة الميتة بالرطوبة ) فالحكم

(1) فقه المغتربين \ 149 .

فقه الحضارة 165
  بطهارته وجواز استعماله في الأطعمة منوط باحراز استحالته ، وهذا مما يرجع فيه إلى العرف ، وقد تقدم بيان ضابطه .
  4 ـ إن بعض غذاء الدواجن يخلط فيه 30% من عظام الخنزير مما يرفع وزن الدجاجة خلال أربعين يوماً إلى زنة كيلوين ، فما الحكم في هذا ، وهل فيه إشكال ؟
  لا يمنع ذلك من حلية أكل لحمه وطهارته بالتذكية ، لكن الأولى تجنيب الحيوان من هذا الغذاء ، والله العالم .
  5 ـ يلزم صانعو الأغذية والمعلبات والحلويات بذكر محتويات البضاعة التي تباع للمستهلك ، وبما أن الأغذية معرضة للفساد فإنهم يضيفون إليها ( مواداً حافظة ) قد يكون أصلها حيوانياً ويرمزون لها بحرف E مقترناً بأعداد مثل E450 وهكذا .
  فما هو الحكم في الحالات الآتية :
  أ ـ لا يعلم المكلّف حقيقة هذه المكونات.
  ب ـ شاهد المكلّف قائمة صادرة ممن لا يعرفون شيئاً عن الاستحالة تقول بأن أرقاماً معينة يذكرونها محرّمة لأنها من أصل حيواني .
  ج ـ التحقيق في جملة منها ، والتأكد من أنها لم تبق على حالها بل تبدلت صورتها النوعية واستحالت إلى مادة أخرى .
  أ ـ تحل له المأكولات المشتملة عليها .
  ب ـ إذا لم يحرز كونها من أصل حيواني ـ وإن ادعي ـ

فقه الحضارة 166
  جاز أكلها ، وكذا إذا أحرز ذلك ولكن لم يحرز كونها من الميتة النجسة وكان ما يضاف منها إلى الأطعمة بمقدار مستهلك فيها عرفا .
  ج ـ لا إشكال في الطهارة والحلية مع صدق الاستحالة بتغير الصورة النوعية وعدم بقاء شيء من مقومات الحقيقة السابقة (1) .
  ومما يلحق بهذا الباب القول بطهارة الجلود المأخوذة من غير المسلم ، وجواز بيع اللحوم والشحوم والجلود المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، وإليك نص فتوى سماحة السيد طال عمره الشريف :
  يجوز بيع الجلود واللحوم والشحوم المستوردة من البلاد غير الإسلامية ، والمأخوذة من يد الكافر ، وكذا يحكم بطهارتها وجواز الصلاة فيها فيما إذا احتمل احتمالاً معتداً به أن تكون من الحيوان المذكى ، ولكن يحرم أكلها ما لم يعلم ذلك ، إلا إذا كان مصنوعاً في أرض الإسلام أو مسبوقاً بسوق المسلمين ، أو بيد المسلم بالشرط المتقدم ، وهكذا الحال فيما أخذه من يد المسلم إذا علم أنه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته (2) .

(1) فقه المغتربين \ 153 وما بعدها .
(2) السيد السيستاني \ المسائل المنتخبة 258 .

فقه الحضارة 167
4 ـ فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة
  هناك مسائل متفرقة تلحق بهذا الفصل بل هي من صميمه على وجه ، وقد أفتى بها سماحة السيد دام ظله الشريف.
  1 ـ يدخل الكحول في تركيب كثير من العقاقير والأدوية ، فهل يجوز شربها ؟ وهل هي طاهرة ؟
  هي طاهرة ، وحيث أن الكحول المستخدم فيها بمقدار مستهلك فإنه يجوز شربها أيضاً .
  2 ـ هل يحل شرب البيرة المكتوب عليها عبارة : خالية من الكحول ؟
  لا يحل إذا كان المراد بالبيرة الفقاع الموجب للنشوة ، وهي السكر الخفيف ، وأما إذا كان المراد بها ماء الشعير الذي لا يوجب النشوة ، فلا بأس به .
  3 ـ الخل المصنوع من الخمر ، بمعنى أنه كان خمراً وحوّلوه خلاً في المعمل ، ولذلك يكتبون على الزجاجة ( خل النبيذ ) تميزاً له من خل الشعير والأنواع الأخرى ، ومن علائم

فقه الحضارة 168
  ذلك أن زجاجات هذا الخل موضوعة في الرفوف الخاصة للخل ، ولم يحدث مطلقاً أن يوضع ضمن الرفوف الخاصة بالخمر كما جرّب مراراً ، ولم يلحظ أيّ فرق بينه وبين الخل المصنوع من الثمر في العراق . فهل يحكم على هذا الخمر المتبدل إلى خلّ أنه خلٌّ تبعاً لقاعدة الانقلاب ؟
  مع صدق الخل عليه عرفاً ـ كما هو مفروض السؤال ـ يجري عليه حكمه .
  4ـ هل يجوز استعمال دهن الحوت ، والأسماك غير الجائزة الأكل ، والقواقع في الأكل ، وفي الاستعمالات الأخرى ؟
  لا يجوز أكلها ، ويجوز غيره من الاستعمالات ، والله العالم .
  5 ـ هل يحل أكل سرطان البحر ، وأم الروبيان ، والقواقع البحرية ؟
  لا يحل من حيوان البحر إلا السمك الذي له فلس ، ومنه ما يسمى بـ ( الروبيان ) وأما غير السمك ـ كالسرطان ـ وكذا السمك الذي لا فلس له ، فلا يجوز أكله ، والله العالم (1) .
  6 ـ بيض السمك تتبع السمك ، فبيض المحلل حلال وإن كان أملس ، وبيض المحرم حرام وإن كان خشناً ، وإذا أشتبه أنه من المحلل أو المحرّم فلا بد من الاجتناب عنه .

(1) فتاوى خطية مصورة بحوزة المؤلف ، وانظر : فقه المغتربين 152 وما بعدها .

فقه الحضارة 169
  7 ـ تحرم الحشرات ويقصد بها الدواب الصغار التي تسكن باطن الأرض كالضب والفأر واليربوع والقنفذ والحية ونحوها ، كما يحرم القمل والبرغوت والجعل ودودة القز بل مطلق الديدان (1) .
  8 ـ إذا اشتبه اللحم فلم يعلم أنه مذكى أم لا ، ولم تكن عليه إحدى أمارات التذكية كيد المسلم ، وسوق المسلمين ، والصنع في بلاد الإسلام ، لم يحلّ أكله ، وأما لو اشتبه اللحم المحرز تذكيته ـ ولو بإحدى إماراتها ـ فلم يعلم أنه من النوع الحلال أو الحرام حكم بحله (2) .
  لا يجوز بيع لحم الخنزير ولو على مستحليه ، من دون فرق بين المباشرة والتسبب .
  وأما تقديم لحم الخنزير لمستحلية ففيه إشكال ، ويجب الاحتياط بتركه (3) .
  وهناك حقيقة قائمة أجاب عنها سماحة السيد دام ظله العالي يتضمنها السؤال الجريء الآتي :
  تمتلىء الحانات بروادها من الكفار في بعض الليالي ، حتى إذا أثقلهم الشراب خرجوا يبحثون عن مطاعم يأكلون فيها ، فهل يجوز لمسلم أن يستغل تلك الحاجة ، فيفتح مطعماً يقدم فيه الأكل

(1) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 292 ـ 293.
(2) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 3 ) 299.
(3) فتوى خطية مصوّرة بحوزة المؤلف .

فقه الحضارة 170
  الحلال للسكارى وغيرهم ؟ وهل في ذلك إثم إذا كان الطعام المحلل هذا يعينهم على تخفيف أثر الشراب عليهم أو ما شاكل ذلك .
  لا مانع من ذلك في حدّ ذاته (1) .

(1) فقه المغتربين \ 189.

فقه الحضارة 172
الفصل السادس
مظاهر الحياة العامة والعلاقات المحرمة والجائزة

  1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
  2 ـ الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح والحفلات
  3 ـ الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي
  4 ـ ما لا يجوز للمرأة وما يجوز
  5 ـ مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء والقمار

فقه الحضارة 173
1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
  الإسلام دين الاجتماع والتآلف والحب المتبادل ، والمسلم الملتزم هو الذي يطبق على نفسه وعائلته الظواهر الإنسانية التي يدعو إليها الدين الحنيف ، ومع اتساع خطوط الاتصال في شرق الدنيا وغربها ، تتلاحم القوى البشرية فيما بينها صلة ومعروفاً وإنسانية ، ولمّا كان الإسلام دين المودّة الخالصة والحب المتبادل ، وشريعته شريعة اليسر والسماح ، فما على المسلم من بأس أن يتخذ له أصدقاء وأحباء من غير المسلمين ، لا أولياء بالمعنى الشرعي المحدد ، فالصداقة شيء ، والموالاة شيء آخر ، وإباحة الصداقة لا تعني إباحة الموالاة ، وفي هذا الضوء فلا مانع من الاتصال المباشر وغير المباشر مع غير المسلمين ، إذا كانوا لا يعادون الإسلام ، وإنما هم من سائر الناس في الشعور والتفكير والمعاناة ، يحترمون شعائر الآخرين ، ولا يكيدون للإسلام والمسلمين ، وفي هذا المضمار قد تستحسن مجاملتهم بل والإحسان إليهم تحبيباً للإسلام من نفوسهم ، واحتفاءً بالمسلمين في شمائلهم ومشاعرهم ، وقد دأب سماحة سيدنا المفدى دام ظله

فقه الحضارة 174
  الشريف على استيعاب أكبر عدد متعاطف مع المسلمين من كل الجنسيات والديانات فذهب إلى طهارة الكتابيين من اليهود والنصارى ، ولكنه لم يترك الاحتياط الاستحبابي في الموضوع ، وكان سيدنا الإمام الحكيم قدس سره العظيم قد أفتى من ذي قبل بطهارتهم خلافاً للمشهور ، أما سيدنا السيستاني فقد أفتى : ( وأما الكتابي : فالمشهور نجاسته ، ولكن لا يبعد الحكم بطهارته ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ) (1) .
  وقد حاول سيدنا المفدى أن تكون العلاقات العامة بين المسلمين وسواهم قائمة على أساس التفاهم والودّ البريء ، فسيّر بذلك الفتاوى الآتية ضمن الإجابة عن الأسئلة الموجهة لسماحته :
  1 ـ هل يجوز تبادل الودّ والمحبة مع غير المسلم ، إذا كان جاراً ، أو شريكاً في عمل ، أو ما شابه ذلك ؟
  إذا لم يظهر المعاداة للإسلام والمسلمين بقول أو فعل ، فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبّة من البرّ والإحسان إليه ، قال تعالى : ( لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ).
  2 ـ هل يجوز السير في موكب جنازة غير مسلم لتشييعه ، إذا كان جاراً مثلاً ؟   إذا لم يكن هو ، ولا أصحاب الجنازة ، معروفين

(1) السيستاني ( المسائل المنتخبة )82 .

فقه الحضارة 175
  بمعاداتهم للإسلام والمسلمين ، فلا بأس بالمشاركة في تشييعه ، ولكن الأفضل المشي خلف الجنازة ، لا أمامها.
  3 ـ هل يجوز دخول أصحاب الديانات السابقة من الكتابيين ، ودخول الكفّار من غيرهم ، المساجد ودور العبادة الإسلامية ؟ وهل يجب علينا إلزام غير المحجبات بارتداء الحجاب ، ثم الدخول إذا كان دخولهن جائزاً ؟
  لا يجوز على الأحوط دخولهم في المساجد ، وأمّا دخولهم في دور العبادة وغيرها ، فلا بأس به ، وتلزم النساء بالتحجب ، إذا لزم من تركه الهتك .
  4 ـ هل يجوز التصدّق على الكفّار الفقراء كتابين كانوا أو غير كتابيين ؟ وهل يثاب المتصدّق على فعله هذا ؟
  لا بأس بالتصدق على من لا ينصب العداوة للحق وأهله ، ويثاب المتصدّق على فعله ذلك .
  5 ـ هل يجوز إزعاج الجار اليهودي ، أو الجار المسيحي ، أو الجار الذي لا يؤمن بدينٍ أصلاً ؟
  لا يجوز إزعاجه من دون مبرّر .
  6 ـ هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان المأمور ليس موالياً لأهل البيت ( عليهم السلام ) أو كان من الكتابيين الذين يحتمل التأثير فيهم مع الأمن من الضرر ؟
  نعم يجبان مع توفر بقية الشروط في وجوبهما ، ومنها أن لا يكون الفاعل معذوراً في ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ،