التي لا تثير الغرائز الهابطة ، والتي تسمو بالنفوس والأفكار إلى مستوى رفيع ، كالأغاني الدينية التي تغنى بسيرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) أو بمدح الأئمة ( عليهم السلام ) أو تلك الأغاني والأناشيد الحماسية وأضرابها أغانٍ محلّلة ؟
الغناء كلّه حرام ، وهو على المختار : الكلام اللهوي الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، ويلحق به في الحرمة قراءة القرآن الكريم والأدعية المباركة ومدائح أهل البيت ( عليهم السلام ) بهذه الألحان .
وأما قراءة سوى ذلك من الكلام غير اللهوي ـ كالأناشيد الحماسية ـ بالألحان الغنائية ، فحرمتها تبتني على الأحتياط اللزومي ، وأما اللحن الذي لا ينطبق عليه التعريف المذكور فليس محرماً بذاته .
3 ـ هل يجوز الاستماع إلى الأغاني الدينية في مدح أهل البيت ( عليهم السلام ) ، مصحوبة بالموسيقى ؟
الغناء حرام مطلقاً ، وأما المدائح التي تنشد بلحن جميل لا ينطبق عليه تعريف الغناء فلا مانع منها .
وأما الموسيقى فتجوز إذا لم تكن مناسبة لمجالس اللهو واللعب .
4 ـ هل يجوز الالتذاذ بالاستماع إلى مقرىء القرآن وهو يرجع بصوته أثناء القراءة ؟
إذا لم يكن اللحن المستخدم في القراءة غنائياً ، فلا بأس بالاستماع إليها .
فقه الحضارة
204
5 ـ بعض المقرئين أو المنشدين أو المغنين يأخذون ألحان أهل الفسوق ويغنون أو ينشدون بها قصائد في مدح المعصومين ( عليهم السلام ) فيكون المضمون مخالفاً لما تعارف عليه أهل الفسق والفجور ، واللحن مناسباً لها ؟ فهل يحرم التغني على هذه الصورة ؟ وهل يحرم الاستماع ؟
نعم يحرم ذلك على الأحوط .
6 ـ هل يجوز غناء النساء ليلة الزفاف بأي لحن كان ، حتى لو كان ذلك مناسباً لمجالس أهل الفسوق ؟ وهل يحلّ لهن استعمال الأدوات الموسيقية في الغناء تلك الليلة ، ثم هل يحلّ لهن التغني في حفلة العقد أو ليلة الحنّة أو ليلة السبعة كذلك ؟ أم أن الحلّية خاصة بليلة الزفاف فقط ؟
الأحوط لزوماً تركه حتى في ليلة الزفاف ، فضلاً عن غيرها ، وقد مرّ حكم الموسيقى .
7 ـ هل يجوز الاستماع إلى أناشيد ثورية مع ضرب البيانو والعود والطبل والمزمار والبيانو الكهربائي مثلاً ؟
إذا كانت الموسيقى منبعثة منها من الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب ، لم يجز الاستماع إليها .
8 ـ هناك إغانٍ باللغات الأجنبية يوصي أساتذة اللغات الأجنبية ـ لتسهيل تعليم اللغة ـ بسماعها ، فهل يجوز الاستماع لها للغرض المتقدم ؟
إذا صدق عليه الغناء بمعناه المتقدم ، لم يجز .
فقه الحضارة
205
9 ـ الآلات الموسيقية متنوعة ، تستعمل أحياناً في الحفلات الغنائية ، وتستعمل أحياناً للترويح عن النفس ، فهل يجوز شراء هذه الآلات ، أو صناعتها ، أو المتاجرة بها ، أو العزف عليها ، لترويج النفس ، أو الاستماع لعزف من يعزف عليها ؟
لا يجوز المتاجرة بآلات اللهو المحرم بيعاً وشراء أو غيرها ، كما لا يجوز صنعها وأخذ الأُجرة عليها .
والمقصود بآلة اللهو المحرم ما يكون بما له من الصورة الصناعية ـ التي بها قوام ماليته ولأجلها يقتنيه الغالب ـ لا يناسب أن يستعمل إلاّ في اللهو الحرام .
10 ـ هل تجوز صناعة أو بيع أو شراء الآلات الموسيقية المعدّة لتسلية الأطفال ؟ وهل يجوز استعمالها من قبل الكبار ؟
إذا كانت تنبعث منها الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب ، لم يجز التعامل بها ، ولا استعمالها من قبل المكلفين
(1) .
11 ـ ما هو الحد الفاصل بين الموسيقى المحللة أو المحرمة ، وإذا كان الفاصل هو عنوان الإطراب أو اللهو فهو غير واضح عُرفاً لاختلاف الأنظار والرؤى في ذلك ؟
الحدّ الفاصل هو كونها بالكيفية المناسبة لمجالس اللهو والفسوق .
|
(1) فتاوى خطية في حوزة المؤلف ، ونشرت جميعها في : فقه المغتربين بالشكل الذي أثبتناه \ 314 ـ 319 .
|
فقه الحضارة
206
12 ـ بالنسبة للحن ما هو معيار الحرمة فيه ، هل المدار كونه مستعملاً في الغناء عند أهل الفسوق فعلاً ؟ أو يكفي فيه الشأنية والمناسبة لذلك ؟ وهل يختلف الحال بين استعماله في ضمن عزاء حسيني ، أو أنشودة إسلامية مثلاً ، أو غير ذلك ؟
العبرة فيه أيضاً بالمناسبة لتلك المجالس ، ولا ترتفع حرمته باستعماله ضمن عزاء أو غيره مطلقاً على الأحوط
(1) .
وكان سماحة السيد دام ظله الوارف قد عالج الموضوع من ذي قبل في المكاسب المحرمة ضمن فتاوى الآتية :
1 ـ الآلات المخترعة لالتقاط الأصوات والصور أو تسجيلها أو إذاعتها أو نشرها هي ـ في الغالب ـ من الآلات المشتركة بين الحلال والحرام ، فيجوز بيعها والمعاوضة عليها واقتناؤها واستعمالها في منافعها المحللة ، كإسماع القرآن المجيد واستماعه ، ونشر الأحكام الشرعية والمواعظ الدينية ، والتعزية والأخبار ، وتعليم العلوم والصنائع المحللة ، والتعريف بالأمتعة والبضائع التجارية ، ومشاهدة عجائب الخلقة ونحو ذلك ، ويحرم استعمالها في الأمور المحرمة : كالأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، ونشر الأفكار الهدّامة ، والصور الخلاعية المثيرة للشهوات الشيطانية ، وكل ما يوجب الانحطاط الفكري والخلقي للمسلمين ، وإذا صار بعض ما ذكر من الآلات مصداقاً لآلة الحرام بالمعنى المتقدم فلا إشكال في عدم جواز بيعه ، والمعاوضة عليه .
|
(1) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 28 .
|
فقه الحضارة
207
2 ـ الغناء حرام فعله واستماعه والتكسب به ، والظاهر أنه الكلام اللهوي ـ شعراً كان أو نثراً ـ الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، وفي مقومية الترجيع والمدّ له إشكال ، والعبرة بالصدق العرفي ، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها بل ولا سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوباً .
وقد يستثنى من الغناء المحرّم : غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل ، والتكلم بالباطل ، ودخول الرجال على النساء ، وسماع أصواتهن على نحو يوجب تهيج الشهوة ، ولكن هذا الاستثناء لا يخلو عن إشكال ، وأما الموسيقى فما كان منها مناسباً لمجالس اللهو واللعب كما هو الحال فيما يعزف بآلات الطرب كالعود والطنبور والقانون والقيثارة ونحوها فهي محرّمة كالغناء ، وأما غيرها كالموسيقى العسكرية والجنائزية ، فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضاً
(1) .
ثالثاً : وقد أدى تهاون الناس بالقمار أن أنتشرت وسائله ، وتعددت أنواعه ، وشاع تداوله بالشكل الذي يدعو إلى التساؤل والعجب بوقت واحد ، ففي الوقت الذي اعتبره القرآن رجساً من عمل الشيطان فهو وحده يجب أن يكون رادعاً في اجتنابه والابتعاد عنه ، ولكن الشهوات في الربح المحرم من جهة ، والفراغ والدعة قد دفعا بأساليبه إلى التطور والتكاثر والابتعاد عن حضيرة العقل والدين معاً .
|
(1) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 2 ) 7 ، 11 .
|
فقه الحضارة
208
وكان سماحة السيد أدام الله عزه العتيد ، قد أفتنى بعدة مسائل ما فيه إبانة للموضوع وإيضاح خال من التعقيد والتمحل وفيه الكفاية لمن أراد الهداية ، وإليك نموذجاً منها :
1 ـ اللعب بآلات القمار ، كالشطرنج ، والدوملة ، والنرد ( الطاولي ) وغيرها مما أعد لذلك حرام مع الرهن ، ويحرم أخذ الرهن أيضاً ، ولا يملكه الغالب. وأما اللعب بها إذا لم يكن رهن فيحرم في النرد والشطرنج على الأقوى ، بل ولا يترك الاحتياط في غيرهما أيضاً ، ويحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا كان مع الرهن ، كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل ، أو على المصارعة ، أو على القفز ، ونحو ذلك ، ويحرم أخذ الرهن ، وأما إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز .
2 ـ لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بما له من الصورة الصناعية ـ التي بها قوام ماليته عند العرف ولأجلها يقتنيه الناس غالباً ـ لا يناسب أن يستعمل إلا في عمل محرّم ، وله أنواع منها الأصنام وشعائر الكفر كالصلبان ، ومنها آلات القمار كالنرد والشطرنج ، ومنها : آلات اللهو المحرم ، إلى غير ذلك من الأنواع .
3 ـ كما يحرم بيع آلة الحرام يحرم عملها ، وأخذ الأجرة عليها ، بل يجب إعدامها ، ولو بتغير هيئتها فيما إذا توقف على ذلك النهي عن المنكر المترتب عليه ، وإلا لم يجب وإن كان أحوط ، ويجوز بيع مادتها من الخشب والنحاس بعد تغيير هيئتها بل قبله ، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأن المشتري يغيرها ، أما مع عدم الوثوق بذلك ، فالظاهر جواز البيع
فقه الحضارة
209
وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام. أمّا إذا كانت لها فائدة محلّلة ولو قليلة لم يجب تغيرها
(1) .
ومع الوضوح المتقدم في تحريم اللعب بآلات القمار ، وتحريم التجارة بها والصنع لها ، فقد وجهت لسماحة السيد دام علاه استفتاءات حولها فأجاب :
1 ـ ما حكم اللعب بالشطرنج بالآلة المتعارفة ؟ وهل يختلف الحكم فيما لو كان اللعب عن طريق جهاز الكمبيوتر الذي يستخدم الرموز والأشكال بدل الآلة المتعارفة ؟
اللعب به حرام مطلقاً ولو بدون رهان ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون بالآلة المتعارفة ، أو عن طريق جهاز الكمبيوتر إذا كان اللعب بين شخصين ، وأما إذا كان الطرف الآخر هو الجهاز فالأحوط وجوباً تركه .
2 ـ ما هي الضابطة في كون الآلة محرمة ومن آلات القمار ؟ هل هو الإعداد والاتخاذ للقمار أو استعمال العرف ؟ وهل يفرق في العرف بين كونه عرفاً لمجتمع خاص ، أو عرفاً عالمياً ؟
الضابط أن تعد فعلاً آله للقمار ، ويكفي كونها آله له في مجتمع خاص
(2) .
ليكون حراماً هناك ، وإن لم يعد في مجتمع آخر قماراً جاز هناك .
|
(1) السيد السيستاني ( منهاج الصالحين 2 ) 7 وما بعدها .
(2) المستحدثات من المسائل الشرعية \ 27 .
|
فقه الحضارة
210
3 ـ هل يجوز لعب القمار بأنواعه في الحاسوب الآلي ( الكمبيوتر ) دون رهن ؟ وهل يجوز مع الرهن .
لا يجوز ، وحكمه حكم القمار بالآلات المتعارفة .
4 ـ بعض اللعب المحللة يدخل فيها الزار ( الزهر ) فهل يجوز لعبها به ؟
إذا لم تكن الزار من الآلات المختصة بالقمار فلا مانع من اللعب بها في الألعاب غير القمارية
(2) .
|
(1) فقه المغتربين \ 289 .
|