الفهرس العام




مقدمة المركز


المدخل
لمحة إجمالية
الأوّل والثاني : اليماني والحسني
الثالث والرابع والخامس : ذو النفس الزكيّة ، وشعيب بن صالح وغيرهما

  الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
  الحديث عن العقيدة المهدوية ومعطياتها وآثارها على المستوى الفردي والاجتماعي حديث يضم بين طياته الكثير من الابعاد المعرفية والعقدية والنفسية والروحية لدى الجنس البشري بجميع أطيافه ، باعتباره يمثل عصارة طموح البشرية ومنتهى أمل الانسانية على هذه الأرض ، إذ هو ليس سرداً تاريخياً لا يمت إلى الواقع الإنساني ـ بحاضره ومستقبله ـ بصلة ، وليس هو مجرد ترف فكري لا علاقة له بوجدان الامة وتطلعاتها ، ولا هو حديث عن الخيال العلمي في عالم المستقبل ، فقد أثبتت المطالعات المعرفية والاحصاءات الميدانية العد التصاعدي لتجذر العقيدة المهدوية والايمان بها في ضمير الامة والوجدان الاممي لها بمقدار تزايد المحن والصعوبات التي واجهتها وتواجهها البشرية في العصور الماضية وعصرنا الراهن ، وهذا ما يعبر عنه في الأدبيات التراثية بمبشرات الظهور الأصغر حيث أصبحت الأمة أشدّ انجذاباً إلى ذلك التغيير العالمي وانقلبت من أمة قابلة ـ إن لم نقل رافضة ـ للتحول الذي سوف يحصل في المستقبل إلى أمة فاعلة ، وهذا التحول بحد ذاته يمثل خطوة عظيمة انجزتها عقيدة الانتظار لبناء جسور الارتباط مع عصر النهضة العالمية.

فقه علائم الظهور _ 2 _

  وبالرغم من الجهود المتظافرة لابناء الامة بعلمائها ومثقفيها من خلال أقلامهم الشريفة ومنابرهم القيمة ، وتجارها بانفاقهم وتبرعاتهم في هذا المجال والشريحة العامة من اتباع الطائفة الحقة بتفاعلها والتزامها فكراً وعملاً بهذه العقيدة.
  أقول بالرغم من كل هذه الجهود والمساعي لبناء صرح العقيدة واستيعاب مفرداتها إلا أنه مازالت هناك جوانب لم تسلط عليها الاضواء بالشكل الكافي وبصورة مستقلة مع ارتباطها الصميمي بالعقيدة المهدوية ، بل تعتبر من الاجزاء المقومة لمفهوم وعقيدة الانتظار ومن هذه البحوث التي سعى مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام) إلى تناولها بشكل مستقل وتسليط الأضواء عليها هو البحث عن الشخصيات ذات الدور الفاعل في عصر الظهور والتي تلقي بظلالها على الحركة العالمية المظفرة بقائدها العالمي الحجة بن الحسن عجل الله فرجه سواء كانت هذه الآثار والتداعيات على المستوى الايجابي لحركة الإمام (عليه السلام) أو الجانب السلبي ، وبعبارة أخرى سواء كانت هذه الشخصيات ـ ومن وراءها الحركات التي تمثلها ـ داعمة ومؤيدة للإمام (عليه السلام) والسائرة في ركابه وتحت إمرته أو التي لها موقف آخر وفي الجانب الثاني لحركة الإمام ، أي انها تعتبر من المعوقات للنهضة العالمية المنتظرة.

فقه علائم الظهور _ 3 _

  ويمثل الجانب والمحور الأول شخصيات مثل اليماني والخراساني والحسني كما يتشخص الطرف الآخر بنماذج مثل الدجال والسفياني وآخرين ، إذن لابد من التعمق في دراسة هذه الشخصيات ومشخصاتها ومعرفة هويتها بصورة أكثر تفصيلاً لما قلنا من أن لها الدور المهم في عصر الظهور أولاً مضافاً إلى سدّ المنافذ أمام من ينتحل أحد هذه الشخصيات طلباً لحطام الدنيا وركضاً وراء الاهواء.
  ومن هنا جاءت هذه الدراسة لسماحة العلامة الشيخ محمد السند دامت بركاته لبيان الرؤية العامة وإعطاء الضابطة الكلية لمثل هذه الشخصيات وتمييز المحق من المبطل الذي يتصيد بالماء العكر.
  وذلك من خلال بحث أصيل يعتمد على الأسس العلمية والقواعد السندية في فقه الحديث ودرايته.

فقه علائم الظهور _ 4 _

  وإذ يتقدم المركز بالشكر الجزيل للمجهود العلمي القيم الذي بذله سماحة المؤلف فان من دواعي سروره واعتزازه أن يقدم للقراء وللمكتبة العقائدية الاسلامية هذا الكتاب ضمن سلسلة (شخصيات عصر الظهور) ليكون بمثابة الاساس العلمي والمقدمة الكلية المعتمدة لدى دراستنا لتلك الشخصيات في إطارها العام ليسهل بعد ذلك تناول كل مفردة بحدِّ ذاتها ودراستها بصورة منفصلة وبشكل مستقل مع الأخذ بنظر الاعتبار هذه المقدمة في كل من هذه الشخصيات.
  ومن الله التوفيق
  السيد محمد القبانجي

فقه علائم الظهور _ 5 _

المدخل

  تطرح في الآونة الأخيرة تساؤلات حول موقعيّة شخصيّات الظهور ، حيث ينتحل أدعياء ـ بين الفينة والاُخرى ـ أسمائهم ، فهل لتلك الشخصيات ـ وهي نجوم سنة الظهور ـ صفة رسميّة من قِبل الإمام المنتظر عجل الله فرجه ، كأن يكونوا نوّاباً خاصّين له وسفراء للناحية ، أو غير ذلك من السمات التي لها طابع الحجّية والتمثيل القانوني ، مع أنّه قد قامت الضرورة في روايات أهل البيت عليهم السلام على نفي النيابة الخاصّة والسفارة في الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله فرجه ، وكذلك في تسالم وإجماع علماء الإماميّة.
  وهذه النجوم لمسرح سنة الظهور ممّا قد جاءت أسماؤهم في روايات علامات الظهور ، مثل : اليماني ، والخراساني (الحسني) ، وشعيب الصالح ، والنفس الزكيّة ، وغيرهم ، وذكرت لهم ملاحمممهّدة في نفس سنة الظهور ، فهل يستفاد منها أي صفة معتبرة نافذة ، أم أنّ النعوت الواردة فيهم لا يستفاد منها أكثر من مديح عام من دون أن يصل إلى درجة الحجّية الرسميّة ؟ وقبل الخوض في دلالة الروايات الواردة في شأنهم نتعرّض إلى : لمحة إجماليةفي أدلة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني.

فقه علائم الظهور _ 6 _

لمحة إجمالية

  في أدلة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني وقد بسط علماء الإماميّة الحديث عن الانقطاع مطوّلاً في الكتب المؤلّفة في غيبته عجل الله فرجه من الجيل المعاصر للأئمّة السابقين عليهم السلام مروراً بالذين عاصروا غيبته الصغرى ، والتقوا بالنوّاب الأربعة ، كالكليني وعليّ بن بابويه وسعد بن عبد الله الأشعري والنوبختي وغيرهم إلى الجيل الأوّل من الغيبة الكبرى ، كالصدوق وابن قولويه والنعماني ومحمّد بن الحسن الخزّاز وغيرهم ، ثمّ المفيد والمرتضى والطوسي والكراجكي ، وتتابع طبقات العلماء في كتبهم الكلاميّة والحديثيّة الروائيّة ، وقد أودعوا في ذلك من طوائف الروايات المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بقيّة الأئمّة المعصومين عليهم السلام.

فقه علائم الظهور _ 7 _

  ونشير إلى جملة من تلك الأدلّة :
  الدليل الأوّل :
  التوقيع المبارك الصادر من الناحية المقدّسة منه عجل الله فرجه على يد النائب الرابع عليّ بن محمّد السمري قبل وفاة النائب بستّة أيام : (يا عليّ بن محمّد السمري ، اسمع ! أعظم الله أجر إخوانك فيك ، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فاجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي من شيعتي من يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) ، قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : مَن وصيّك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه.

فقه علائم الظهور _ 8 _

  وقد روى التوقيع كلّ من الصدوق في إكمال الدين (1) والطوسي في الغيبة (2) ، والنعماني في كتابه الغيبة (3) ، والطبرسي في الاحتجاج (4) ، والراوندي في الخرائج والجرائح (5) رواه عن الصدوق أيضاً.
  وقد رواه الشيخ الطوسي ، قال : أخبرنا جماعة ـ يعني جماعة مشايخه ـ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه : (الصدوق) ، قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتب.
  وقد رواه الصدوق في إكمال الدين عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتب ، وهو من مشايخ الصدوق ، وقد ترحّم عليه في كتابه إكمال الدين ، هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي في (الغيبة) ـ عند تعرّضه لترجمة وبيان حال النوّاب والنائب الرابع (السمري) ـ خمس روايات لانقطاع السفارة بخمسة طرق منها : قوله : وأخبرني محمّد بن محمّد بن النعمان (المفيد) ، والحسين بن عبيد الله (الغضائري) ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني (شيخ الطائفة تلميذ الكليني) ومعاصر للنائب الرابع ، وذكر حضور الشيعة عند النائب الرابع ، وأنّه لم يوص إلى أحد بعده ، وهذا الطريق صحيح أعلائي ، بل هو قطعي الصدور.


---------------------------
(1) إكمال الدين / الصدوق : 2/516.
(2) الغيبة / الطوسي : 395.
(3) لم نجده فيه.
(4) الاحتجاج : 2/478 ، إعلام الورى / الطبرسي : 445.
(5) الخرائج والجرائح : 3/128 و 129.

فقه علائم الظهور _ 9 _

  ودلالة التوقيع الشريف على الانقطاع في موضعين :
  الموضع الأوّل : قوله عجل الله فرجه : (فاجمع أمرك ، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره) فنهاه عن الوصيّة إلى أحد بعده ، فلا يقوم أحد مقام النائب الرابع ، وكذلك قوله عجل الله فرجه ، فقد وقعت الغيبة التامّة دلالة على أنّ فترة النوّاب الأربعة لم تكن غيبة تامّة ، وإنّما هي صغرى لا تامّة كبرى ، حيث إنّ النوّاب الأربعة كانوا حلقة وصل بينه وبين شيعته ، ممّا يدلّ على أنّ معنى الغيبة التامّة ، وهي الكبرى التي وقعت بعد الصغرى ، هي أن ينقطع فيها مقام النيابة الخاصّة ، وأنها ممتدّة ، فلا ظهور حتّى الصيحة وخروج السفياني.
  الموضع الثاني : قوله عجل الله فرجه : (سيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر) ، والظاهر من ادّعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع ، حيث أمره بعدم الوصيّة لأحد أن يقوم مقامه في النيابة ، ولا سيّما وأنّ ادّعاء ذلك هو وسيلة لأجل ادّعاء الوساطة بين الإمام عجل الله فرجه والناس ، والتحايل على الآخرين بإمكانه القيام بحلقة وصل بين الإمام وبينهم ، وهو معنى السفارة والنيابة الخاصّة.

فقه علائم الظهور _ 10 _

  ثمّ إنّ صريح هذا التوقيع الشريف الذي تطابقت عليه الطائفة أنّ انقطاع النيابة الخاصة والسفارة يمتدّ إلى الصيحة من السماء بصوت جبرئيل التي هي من علامات الظهور الحتميّة الواقعة في نفس سنة الظهور ، وهي : (ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار : ألا إنّ الحقّ في عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون) ، كما جاء في الروايات عنهم عليهم السلام (1) ، وفي بعضها أنّ النداء هو في شهر رمضان ، وفي بعض الروايات (2) أنّه في رجب ، والظاهر أنّها نداءآت متعدّدة بمضامين متعدّدة.
  ومقتضى دلالة هذا التوقيع الشريف هو نفي النيابة الخاصّة والسفارة إلى حدّ سماع الصيحة من السماء في سنة الظهور ، وأي مدّعٍ للنيابة والاتّصال والارتباط مع الحجّة عجل الله فرجه قبل الصيحة فهو كذّاب ومفتر أيّاً كان هذا المدّعي ، ولو تقمّص بأي اسم وعنوان ، سواء ادّعى أنّه سيظهر من اليمن أو من خراسان أو من غيرهما.


---------------------------
(1) الغيبة / الطوسي : 435 ، ح 425 ، وبحار الأنوار : 52/290.
(2) الغيبة / النعماني : 181/ ح 28.

فقه علائم الظهور _ 11 _

  وكذلك وقّت الحدّ والأمد مضافاً إلى الصيحة إلى خروج السفياني ، والمراد من خروجه ليس مجرّد وجوده ، بل قيام السفياني بتأسيس دولته في الشام ، وخوضه في الحروب لتوسعة دولته.
  الدليل الثاني:
  الروايات المتواترة التي رواها الصدوق في إكمال الدين ، والطوسي في الغيبة ، والنعماني في الغيبة ، والكليني في الكافي ، والتي مفادها وقوع غيبتين للإمام عجل الله فرجه ، وهذه الروايات قد رويت عن الرسول صلى الله عليه وآله ، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وعن بقيّة الأئمّة عليهم السلام ، فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : (أما أنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين : واحدة قصيرة ، والاُخرى طويلة) (1)
  وروى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، قال : (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين : إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات ، وبعضهم يقول : قُتل ، وبعضهم يقول : ذهب ، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره ، إلاّ المولى الذي يلي أمره) (2)


---------------------------
(1) الغيبة / الطوسي : 162 ، ح 123.
(2) الغيبة / النعماني : 171 و 172 ، الباب العاشر / ح 5.

فقه علائم الظهور _ 12 _

  وتقريب دلالة هذه الطائفة على انقطاع السفارة هو ما ذكره النعماني ، قال : (هذه الأحاديث التي يذكر فيها أنّ للقائم (عليه السلام) غيبتين أحاديث قد صحّت عندنا ـ بحمد الله ـ وأوضح الله قول الأئمّة عليهم السلام ، وأظهر برهان صدقهم فيها ، فأمّا الغيبة الاُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان ، يخرج على أيديهم غوامض العلم ، وعويص الحكم والأجوبة عن كلّ ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات ، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيّامها ، وتصرّمت مدّتها ، والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى ، والتدبير الذي يمضيه في الخلق ، ولوقوع التمحيص والامتحان والبليّة والغربلة والتصفية على مَن يدّعي هذا الأمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ) (1) ، وهذا زمان ذلك قد حضر ، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ ، وممّن لا يخرج في غربال الفتنة ، فهذا معنى قولنا : (له غيبتان) ، ونحن في الأخيرة نسأل الله أن يقرّب فرج أوليائه منها) (2)

---------------------------
(1) سورة آل عمران : الآية 188.
(2) الغيبة / النعماني : 173 و 174 / ح 9.

فقه علائم الظهور _ 13 _

  ودلالة تثنية الغيبة على اختلاف الغيبتين القصيرة عن الطويلة بيّنة واضحة ، وإلاّ لكانت معاً غيبة واحدة لا غيبتان ، واختلاف الغيبتين ليس إلاّ بوجود السفراء والنوّاب الأربعة في الاُولى دون الثانية.
  ومن هذا القبيل ما في صحيح عبد الله بن سنان ، قال : دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام) ، فقال : (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى ، فلا ينجو من تلك الحيرة إلاّ من دعا بدعاء الغريق) ، فقال أبي : هذا والله البلاء ، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذٍ ؟ قال : (إذا كان ذلك ـ ولن تدركه ـ فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الأمر) (1)
  وقال النعماني في ذيل الفصل الذي أورد الحديث فيه (وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل ـ حديث عبد الله بن سنان ـ : (كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يرى) دلالة على ما جرى ، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم ، وانقطاع نظامهم ، لأنّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم ، فلمّا تمّت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام ، ولا ترى حتّى يظهر صاحب الحقّ (عليه السلام) ، ووقعت الحيرة التي ذكرت وآذننا بها أولياء الله ، وصحّ أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل) (2)

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 159 / ح 4.
(2) الغيبة / النعماني : 161.

فقه علائم الظهور _ 14 _

  الدليل الثالث :
  الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة ، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل ، وكذلك بروايات التمحيص والامتحان ، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال ، كما سنبيّن.
  مثل : ما رواه النعماني في كتابه (الغيبة) بسنده عن عبد الرحمن بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي فقال : جعلني الله فداك ، متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ، فقد طال علينا ؟ فقال : (يا مهزم ، كذّب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلِّمون ، وإلينا يصيرون) (1)
  وروى عن أبي المرهف أيضاً قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (هلكت المحاضير) ، قال : قلت : وما المحاضير ؟ قال : (المستعجلون ، ونجا المقرّون) (2) ، ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السلام) في الهلكة والضلال ، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق ، وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفقد الاتّصال ، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب ، لأنّه في مورد فقد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط.
  وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفقد واسطة الارتباط ، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد ، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء.

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 198 / باب 11 / ح 8.
(2) المصدر المتقدّم : 196 / باب 11 / ح 5.

فقه علائم الظهور _ 15 _

  فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) : (إنّما مثل شيعتنا مثل أندر ـ يعني : بيدراً ـ فيه طعام فأصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقّي ، ثمّ أصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقِّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل ، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة ) (1)
  وفي رواية اُخرى عن منصور الصيقل ، قال : دخلت على أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل ، إذ التفت إلينا وقال : (في أي شيء أنتم ، هيهات هيهات ، لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تمحّصوا ، هيهات ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تغربلوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يشقى من شقى ، ويسعد من سعد) (2) ، ويستفاد منها الحذر من الخفّة والانجرار وراء كلّ مدّعي وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة.

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 211 / باب 11 / ح 18.
(2) الغيبة / النعماني : 208 / باب 11 / ح 16.

فقه علائم الظهور _ 16 _

  الدليل الرابع :
  قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة ، فهو من ضرورة المذهب ، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولعنهم والتبرّي منهم ، والطرد لهم عن الطائفة ، وهذا الموقف تبعاً لما صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم ، وإليك بعض أقوالهم :
  الأوّل : قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري ، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام عجل الله فرجه ، وانقطاع الارتباط به : (فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية رحمة الله عليها ، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه) (1)

---------------------------
(1) المقالات والفرق / الأشعري.

فقه علائم الظهور _ 17 _

  وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي (1)
  الثاني : وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات ، وهو اُستاذ الشيخ المفيد ، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال : (إنّ عندنا أنّ كلّ من ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمس ، ضالّ مضلّ) (2)
  الثالث : الشيخ الصدوق في كتابه (إكمال الدين) في الباب الثاني والأربعين ـ ما روي في ميلاد القائم ـ وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة ، قال (فالغيبة التامّة هي التي وقعت بعد مضيّ السمري رضي الله عنه) (3)
  ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة ، وقد صرّح في أوّل كتابه أنّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة ، ووجدهم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس.

---------------------------
(1) كتاب فِرق الشيعة : 109.
(2) الغيبة / الطوسي : 412 ، ح 385.
(3) كمال الدين/ الصدوق : 423 ـ 433.

فقه علائم الظهور _ 18 _

  وقد صرّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة ـ وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني ـ في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ، وقد تقدّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات) (1)
  الرابع : وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم عجل الله فرجه : (وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الاُخرى ، كما جاءت بذلك الأخبار ، فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة ، وأمّا الطولى فهي بعد الاُولى وفي آخرها يقوم بالسيف) ،(2) ونظير هذا التعبير صرّح به الطوسي في الغيبة (3)
  وقد تظافرت كلمات علماء الإماميّة في كتبهم ممّا يجدها المتتبّع في مظانّها.

---------------------------
(1) الغيبة/ النعماني : 158 ـ 161.
(2) الإرشاد/ المفيد ، ج 2 : 340.
(3) الغيبة/ الطوسي : 61 ، ح 60.

فقه علائم الظهور _ 19 _

  بل إنّ علماء سنة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإماميّة ذلك ، وأخذوا يصيغون الإشكالات بإنعدام الإمام عجل الله فرجه مع انقطاعه عن شيعته في أكثر كتبهم الكلاميّة والمؤلّفة في الملل والمذاهب.
  وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن ، ودأبت الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهر لهم راية.
  هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة ، ومن يزعم أي صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء ، واستيلاء السفياني على الشام ، فيقع الكلام حينئذٍ فيما يتوهّم أنّه ينافي إبطال السفارة في خصوص بعض الأسماء الواردة في الروايات لسنة الظهور :

فقه علائم الظهور _ 20 _

الأوّل والثاني : اليماني والحسني

  فقد ورد في جملة من الروايات منها : ما رواه النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما السلام أنّه قال في حديث يذكر (عليه السلام) فيه علامات الظهور الحتميّة ، كالصيحة لجبرئيل في شهر رمضان ، ثمّ صوت إبليس اللعين ، وخروج السفياني والخراساني كفرسي رهان يستبقان إلى الكوفة ، ثمّ قال : (خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كلّ وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنّه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على النّاس وكلّ مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه ، فإنّ رايته راية هدى ، ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النّار ، لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى صراط مستقيم) ـ الحديث (1)

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 256 / باب 14 / ح 13.

فقه علائم الظهور _ 21 _

  ورواه الراوندي في الخرائج (1)
  وفي الرواية جملة نقاط :
  الأولى : أنّها تحدّد علامة اليماني بعلامة الظهور الحتميّة ، وهي الصيحة السماوية ، وقد ذكر في أوصاف تلك الصيحة ، والتي هي نداء جبرئيل من السماء أنّه يسمعه أهل الأرض ، كلّ أهل لغة بلغتهم (2) ، واستيلاء السفياني على الشام ، وهكذا التحديد للخراساني الذي قد يعبّر عنه في روايات اُخرى بالحسني.
  وهذا التحديد يقطع الطريق على أدعياء هذين الاسمين قبل الصيحة والنداء من السماء ، وقبل استيلاء السفياني على الشام.
  وبعبارة اُخرى : التحديد لهما هو بسنة الظهور وعلاماتها من الصيحة والخسف بالبيداء وخروج السفياني.
  الثانية : أنّ مقتضى تعليل الرواية لراية اليماني بأنّها راية هدى ، لأنّه يدعو إلى صاحبكم ، هو إبداء التحفّظ على راية الحسني ، وعدم خلوص دعوته إلى المهدي عجل الله فرجه ، ويظهر من روايات اُخرى أنّ ذلك لتضمّن جيشه جماعة تقول إنّ الإمام والإمامة هي لمن يتصدّى علناً بقيادة اُمور المسلمين وإصلاحها لا أنّها بالنصّ الإلهي ، وقد اصطلحت الروايات عليهم بالزيديّة ، والمراد باللفظة المعنى النعتي والإشارة إلى ذلك المقال والمعتقد لا المسمّين بالزيديّة كاسم علم.

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح : 3 / 1163.
(2) بحار الأنوار : 52 / 221.

فقه علائم الظهور _ 22 _

  وبعبارة اُخرى : أنّ الحسني والخراساني يتبنّى الإمامة بالتصدّي للاُمور والإصلاح العلني ، بينما يتبنّى اليماني أنّ الإمامة بالنصّ الإلهي على الاثني عشر آخرهم المهدي عجل الله فرجه.
  الثالثة : أنّ الرواية تعلّل حرمة الالتواء على اليماني بأنّه يدعو إلى الحق والصراط المستقيم وإلى المهدي عجل الله فرجه ، فالمدار في مناصرته على توفّر الميزان والحدود الشرعيّة.
  وبعبارة أدقّ : الرواية تدلّ على حرمة العمل المضادّ لحركته لإفشالها ، ففرق بين التعبير بالإلتواء عليه والالتواء عنه ، فكلمة (عليه) تفيد السعي المضاد لحركته لا صرف المتاركة لحركته بخلاف كلمة (عنه) ، فإنّها تفيد الانصراف والابتعاد عن حركته ، نعم الأمر بالنهوض إليه يفيد المناصرة ، والظاهر أنّ مورده لمن كان في معرض اللقاء به والمصادفة لمسيره ، إذ سيأتي استعراض طوائف من الروايات تحثّ على النهوض والتوجّه إلى مكّة المكرّمة للانخراط في الإعداد لبيعة الحجّة في المسجد الحرام.

فقه علائم الظهور _ 23 _

  وبعبارة اُخرى : أنّ الرواية كما تحدّد استعلام علامته بأنّه يدعو إلى المهدي عجل الله فرجه بنحو واضح وشفّاف ، أي أنّ برنامجه الذي يدعو إليه متمحّض في إعلاء ذكر الإمام المنتظر والنداء باسمه والدعوة إلى ولاية المهدي (عليه السلام) ، والالتزام بمنهاج أهل البيت عليهم السلام ، كما أنّ هناك علامة اُخرى تشير إليها الرواية ، وهي كون خروجه من بلاد اليمن ، وهو وجه تسميته باليماني ، كما أنّ استعمال الروايات لليمن بنحو يشمل كلّ تهامة من بلاد الحجاز ، أي بنحو شامل لمكّة دون المدينة المنوّرة ، لكن في بعض الروايات الإشارة إلى خروجه من صنعاء ، كما سيأتي. ويتحصّل أنّ الرواية لا يستفاد منها أنّ اليماني من النوّاب الخاصّين والسفراء للإمام المنتظر عجل الله فرجه ، ولا تشير إلى ذلك من قريب ولا بعيد ، ولا دلالة لها على وجود ارتباط واتّصال له مع الحجّة (عليه السلام) ، وإنّما تجعل المدار على كون البرنامج الذي يدعو هو على الميزان الحقّ لأهل البيت عليهم السلام ، وأنّه لا ينادي إلى تشكيل دولة هو يترأّسها ، بل يواكب خروجه زمان الصيحة والنداء من السماء الذي يدعو إلى نصرة المهدي عجل الله فرجه ، فيكون خروج اليماني على ضوء برنامج الصيحة السماويّة ونداء جبرئيل.

فقه علائم الظهور _ 24 _

  كما أنّ ظاهر الرواية دالّ على كون خروج الخراساني من خراسان ، وهو وجه تسميته تارة بالخراساني ، واُخرى بالحسني ، كما في هذه الرواية قبيل القطعة التي نقلناها : (حتّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق وهذا من الغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان : هذا من هنا وهذا من هنا حتّى يكون هلاك بني فلان على أيديهما) (1)
  وروى الشيخ في الغيبة بسنده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : (تنـزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي بعث إليه بالبيعة) (2)
  وقد روى الصدوق في إكمال الدين بسنده عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث عن القائم عجل الله فرجه ، وأنّه منصور بالرعب ، وعلامات ظهوره القريبة : (وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ...) (3) وهي صريحة في خروج اليماني من اليمن.
  وكذلك روى النعماني بسنده عن عبيد بن زرارة ، قال : ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) السفياني فقال : (أنّى يخرج ذلك ولم يخرج كاسر عينه بصنعاء) (4)

---------------------------
(1) بحار الأنوار : 52 / 192.
(2) الغيبة / الطوسي : 425 ، ح 457.
(3) كمال الدين / الصدوق : 331 ، باب 32 ، ح 16.
(4) الغيبة / النعماني : 277 ، باب 14 ، ح 60 ، بحار الأنوار : 52 / 245.

فقه علائم الظهور _ 25 _

  وروى الشيخ الطوسي في أماليه بإسناده عن هشام ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : (لمّا خرج طالب الحقّ قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) : ترجو أن يكون هذا اليماني ؟ فقال : (لا ، اليماني يتوالي عليّاً ، وهذا يبرأ منه) (1) ، ومفاد الرواية هو ما سبق من التزام اليماني ولاية أهل البيت عليهم السلام ، ومنهاجهم ، كما قد يظهر منها أنّ في زمنهم عليهم السلام حصلت حركات قام بها أدعياء بأسماء مسرح الظهور ، كتقمّص اسم اليماني ، كما حفل التاريخ الإسلامي بالمنتحلين للمهدويّة.
  ومنها : ما أخرجه في بحار الأنوار عن بعض مؤلّفات الإماميّة بسنده عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث الظهور ـ (ثمّ يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم! يصيح بصوت له فصيح : يا آل أحمد ، أجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح ، فتجيبه كنوز الله بالطالقان ، كنوز وأي كنوز ، ليست من فضّة ولا ذهب ، بل هي رجال كزبر الحديد ، على البراذين الشهب ، بأيديهم الحراب ، ولم يزل يقتل الظلمة حَتّى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض ، فيجعلها له معقلاً ، فيتّصل به وبأصحابه خبر المهدي (عليه السلام) ، ويقولون : يا بن رسول الله ، مَن هذا الذي قد نزل بساحتنا ؟ فيقول : اخرجوا بنا إليه حتّى ننظر مَن هو ؟ وما يريد ؟ وهو والله يعلم أنّه المهدي ، وأنّه ليعرفه ، ولم يرد بذلك الأمر إلاّ ليعرّف أصحابه من هو ، فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدّك رسول الله صلى الله عليه وآله ، وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع ، وناقته العضباء ، وبغلته الدلدل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، ومصحف أمير المؤمنين ؟ فيخرج له ذلك ، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ، ولم يرد ذلك إلاّ أن يرى أصحابه فضل المهدي (عليه السلام) حتّى يبايعوه ، فيقول الحسني : الله أكبر ، مدّ يدك يا بن رسول الله حتّى نبايعك فيمدّ يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلاّ أربعين ألفاً أصحاب المصاحف المعروفون بالزيديّة ، فإنّهم يقولون : ما هذا إلاّ سحر عظيم ، فيختلط العسكر فيقبل المهدي (عليه السلام) على الطائفة المنحرفة ، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيّام ، فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً ، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعاً ، ثمّ يقول لأصحابه : (لا تأخذوا المصاحف ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدّلوها وغيّروها وحرّفوها ولم يعملوا بما فيها) (2)

---------------------------
(1) الأمالي/ الطوسي : 661 ، ح 1375/ 19 ، بحار الأنوار : 52/275.
(2) بحار الأنوار : 53/15.

فقه علائم الظهور _ 26 _

  ويظهر من هذه الرواية جملة من النقاط تعزّز ما تقدّم :
  الاُولى : أنّ ظاهر دعوة الحسني ليس متمحّضة في الدعوة إلى المهدي عجل الله فرجه ، بل شعاره عامّ في رفع الظلم ، ومن ثمّ يشاهد جملة من قاعدته وأتباعه من الزيديّة ، والمراد منهم ـ كما مرّ ـ المعنى النعتي الوصفي لا العلمي ، أي من يرى أنّ الإمامة هي بالتصدّي العلني لتدبير الاُمور السياسيّة الاجتماعيّة وتغييرها.
  الثانية : أنّه مع كون الشعار والمنهاج المعلن للحسني ليس بتلك الدرجة من الاستقامة ، إلاّ أنّ ذلك بسبب الأجواء والوسط الذي يقوم فيه ، ومع ذلك فلا تغيب البصيرة بتمامها عن الحسني في الانقياد والاتّباع للإمام عجل الله فرجه.
  وإلى ذلك تشير رواية النعماني في الغيبة ، بإسناده عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : (كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحقّ فلا يعطونه ، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يقوموا ، ولا يدفعونها إلاّ إلى صاحبكم ، قتلاهم شهداء ، أما أنّي لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر) (1)

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 273 ، باب 14 ، ح 50 ، بحار الأنوار : 52 / 243.

فقه علائم الظهور _ 27 _

  فإرشاده إلى التحفّظ على النفس حتّى يظهر الحجّة عجل الله فرجه ، وادّخار النفس لنصرته مؤشّر عامّ على اتّخاذ الحيطة في التيارات والرايات التي تظهر قبيل المهدي عجل الله فرجه في سنة ظهوره ، وعدم خلوص تلك الجماعات عن شوب الاختلاط في الأوراق والبصيرة ، كما أنّه دالّ على أرجحيّة ادّخار النفس والنصرة إلى خروج المهدي عجل الله فرجه من مكّة على الالتحاق براية اليماني ، فضلاً عن غيرها من الرايات.
  وفي رواية اُخرى للنعماني في الغيبة بإسناده عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث في الظهور ، ومجيء جيش السفياني إلى الكوفة وقتله لأهل الكوفة وتنكيله بهم ، قال : (فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبل خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاًَ ، ومعهم نفر من أصحاب القائم ، ثمّ يخرج ...) (1)
  ويظهر منها وجود بعض ذوي البصائر في جيش الخراساني في حين وجود جماعات اُخرى غير متوفّرة على بصيرة مستقيمة.

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 280 ، باب 14 ، ح 67 ، بحار الأنوار : 52 / 238.

فقه علائم الظهور _ 28 _

  والحاصل : أنّ أهمّ ما ورد في اليماني لا يرقى إلى إثبات نيابته الخاصّة عن الحجّة ، وكونه سفيراً لناحيته المقدّسة ، بل غاية الأمر كون دعوته هي إلى الحقّ ، وهو منهاج أهل البيت عليهم السلام وولايتهم وولاية المهدي عجل الله فرجه ، ولا يدعو إلى برنامج إصلاحي يترأّس هو فيه ، ويعيّن فيه نفسه للقيادة ، هذا مع كون علامات خروجه هو في سنة ظهور الحجّة (عليه السلام) ، أي مواكباً للصيحة السماوية ، واستيلاء السفياني على الشام ، والخسف لجيش السفياني بالبيداء حوالي المدينة المنوّرة في الطريق باتّجاه مكّة المكرّمة ، وأنّ خروجه من اليمن باتّجاه الكوفة ، وأنّ من كان في معرض لقياه ومسيره فلا يسعى لمعارضته وإضعافه بعد التحقّق من العلامات الآنفة ، والتأكّد من توفّر العلامات فيه ، ووضوح برنامج دعوته إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام ، والبراءة من أعدائهم ، والولاية لإمامة المهدي عجل الله فرجه ، وأمّا مناصرته والالتحاق به فهو وإن كان بلحاظ انطباق ميزان وضابطة الحقّ والصواب في دعوته من منهاج أهل البيت عليهم السلام وولايتهم وولاية الإمام المنتظر ، إلاّ أنّه يظهر من روايات اُخرى ـ واحدة منها سبق الإشارة إليها ، وسيأتي الباقي ـ أنّ الدعوة العامّة الشاملة اللازمة على جميع شيعة أهل البيت عليهم السلام هو النفر إلى مكّة المكرمة للانخراط في بيعة المهدي عجل الله فرجه وفي جيشه.
  هذا كلّه في اليماني فضلاً عمّا ورد في الحسني الخراساني الذي يخرج من خراسان ، فإنّه قد مرّ ورود التعريض برايته من حيث شعارها وبرنامجها ووسط القاعدة الشعبيّة الذي يتشكّل منه جيشه ، وإن انضمّ ذلك إلى مديح لبعض الفئات المشاركة في نهضته ولشخصه عندما يسلّم الأمر إلى المهدي عجل الله فرجه ، وباعتبار مقاومته للظالمين ، ولكن ليس فيها إعطاء أيّة صفة رسميّة للحسني لا كنائب خاصّ ، ولا كسفير للناحية المقدّسة.
  هذا مع تحديد الروايات لخروجه بنفس سنة الظهور وعلاماتها الحتميّة من الصيحة السماويّة ، واستيلاء السفياني على بلاد الشام ، وخسف فرقة من جيشه ببيداء المدينة المنوّرة.

فقه علائم الظهور _ 29 _

الثالث والرابع والخامس : ذو النفس الزكيّة ، وشعيب بن صالح وغيرهما

  ورد التعبير به عن شخصيّتين : إحداهما ـ وهي الأقلّ وروداً في الروايات ـ على شخصيّة يقتل بظهر الكوفة ، وثانيها : الذي يُقتل بين الركن والمقام ، بل في بعض روايات الأدعية (1) الواردة عنهم إطلاق النفس الزكيّة على المهدي عجل الله فرجه.
  وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد في علامات الظهور ممّا قد جاءت به الآثار : (وقتل نفس زكيّة بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام) (2)
  فذكر كلّ منهما ، ولكنّ الثاني أكثر وروداً في الروايات ، وفي جملة منها أنّ قتله بين الركن والمقام من العلامات الحتميّة ، وانّ اسمه محمّد بن الحسن ، وأنّه من ذرّيّة الحسين (عليه السلام) ، وأنّه من خواص أصحاب المهدي عجل الله فرجه ، لكنّ خروجه في مكّة مرتبط بفاصل أيّام وبينه وبين ظهور الحجّة عجل الله فرجه للبيعة عند الركن خمسة عشرة ليلة ، ففي صحيح عمر بن حنظلة ، قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (خمس علامات قبل قيام القائم : الصيحة ، والسفياني ، والخسف ، وقتل النفس الزكيّة ، واليماني) ، فقلت : جعلت فداك ، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه ؟
  قال : (لا) ، فلمّا كان من الغد تلوت هذه الآية : ( إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ) (3) ، فقلت له : أهي الصيحة ؟
  فقال : (أما لو كانت خضعت أعناق أعداء الله عزّ وجلّ) (4) ، فيظهر من الصيحة أنّ قتل النفس الزكية ، والمراد به الذي يقتل في الكعبة بين الركن والمقام ، من العلامات الحتميّة للظهور ، كما أنّ في الصيحة تحذيراً أكيداً ، وتنبيهاً بالغاً على عدم الانخداع وراء أدعياء أسماء الظهور قبل تحقّق العلامات الحتميّة من الصيحة والسفياني والخسف لجيشه في صحراء المدينة المنوّرة ، وإنّ من أهمّ علامات الظهور الصيحة والنداء من السماء.

---------------------------
(1) مهج الدعوات : 58 ، بحار الأنوار : 98 / 371.
(2) الإرشاد : 2 / 371 ، بحار الأنوار : 52 / 220.
(3) سورة الشعراء : الآية 4.
(4) الكافي : 8 / 310.

فقه علائم الظهور _ 30 _

  وروى النعماني بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : قلت له : جعلت فداك ، متى خروج القائم (عليه السلام) ؟ فقال : (يا أبا محمّد ، إنّا أهل البيت لا نوقّت ، وقد قال محمّد (عليه السلام) : كذب الوقّاتون يا أبا محمّد ، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات ، أوّلهنّ : النداء في شهر رمضان ، وخروج السفياني ، وخروج الخراساني ، وقتل النفس الزكيّة ، وخسف بالبيداء) الحديث (1)
  وروى الصدوق في إكمال الدين بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : (القائم منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تطوى له الأرض ...) ، فقلت له : يا بن رسول الله ، متى يخرج قائمكم ؟ قال : (إذا ... وخرج السفياني من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء ، وقتل غلام من آل محمّد صلى الله عليه وآله بين الركن والمقام ، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة ، وجاءت الصيحة من السماء بان الحقّ فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا) (2) ـ الحديث.
  وروى الصدوق أيضاً في إكمال الدين ، بإسناده عن صالح مولى بني العذارء ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول : (ليس بين قيام آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلاّ خمس عشرة ليلة) (3)

---------------------------
(1) الغيبة / النعماني : 290 ، باب 16 ، ح 6 ، بحار الأنوار : 52 / 119.
(2) كمال الدين / الصدوق : 331 ، باب 32 ، ح 16 ، بحار الأنوار : 52 / 191.
(3) كمال الدين / الصدوق : 649 ، باب 57 ، ح 2 ، بحار الأنوار : 52 / 203.

فقه علائم الظهور _ 31 _

  ورواه الشيخ في الغيبة ، والمفيد في الإرشاد.
  وفي رواية الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده عن عمّار بن ياسر أنّه قال : (إنّ دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان ، ولها أمارات ، فإذا رأيتم فالزموا الأرض ، وكفّوا حتّى تجيئ أماراتها ... ثمّ يسير ـ أي السفياني بعد استيلاءه على الشام ـ إلى الكوفة ، فيقتل أعوان آل محمّد صلى الله عليه وآله ، ويقتل رجلاً من مسمّيهم ، ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح ، فإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان التحقوا بمكّة ، فعند ذلك يقتل النفس الزكيّة وأخوه بمكّة ضيعة ، فينادي منادي من السماء : أيّها النّاس ، إنّ أميركم فلان ، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) (1)
  ويظهر من هذه الرواية أنّ النفس الزكيّة يقتل مع أخيه ، وأنّ شعيب بن صالح من رؤساء وقوّاد جيش المهدي ، وعلامته ظهوره في جيشه معه.

---------------------------
(1) الغيبة / الطوسي : 463 ، ح 479 ، بحار الأنوار : 52 / 207 و 208.

فقه علائم الظهور _ 32 _

  وفي رواية العيّاشي عن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث الظهور : (... ثمّ يخرج من مكّة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر يبايعونه بين الركن والمقام ، معه عهد نبيّ الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ووزيره معه ، فينادي المنادي بمكّة باسمه وأمره من السماء ، حتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم ، اسمه اسم نبيّ ، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبيّ الله صلى الله عليه وآله ورايته وسلاحه ، والنفس الزكيّة من ولد الحسين ، فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره ، وإيّاك وشذاذ من آل محمّد عليهم السلام ، فإنّ لآل محمّد وعليّ راية ، ولغيرهم رايات ، فالزم الأرض ولا تتّبع منهم رجلاً أبداً ، حتّى ترى رجلاً من ولد الحسين معه عهد نبيّ الله ورايته وسلاحه ، فإن عهد نبيّ الله صار عند عليّ بن الحسين ، ثمّ صار عند محمّد بن عليّ ، ويفعل الله ما يشاء ، فالزم هؤلاء أبداً.
  وإيّاك ومن ذكرت لك ، فإذا خرج رجل منهم معه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله عامداً على المدينة ...) ـ الحديث (1)

---------------------------
(1) تفسير العياشي : 1 / 117 ، بحار الأنوار : 52 / 222 ـ 224.