عدم شرعية استغلال السلطة لهذه الألقاب

  مع إنّ من المعلوم أنّ نظام الحكم عند رموز الجمهور يبتني على عدم النصّ من الله (عزّ وجلّ) ، ولا من رسوله (صلّى الله عليه وآله) على شخص الحاكم ، أو تحديده بنحو منضبط ، بحيث يتعيّن في شخص خاص ، ليتّجه نسبة الخليفة لله (عزّ وجلّ) أو لرسوله (صلّى الله عليه وآله) وإضافته لهم .
  وقد أشار إلى ذلك العباس بن عبد المطلب في جوابه لأبي بكر في حديث بينهما طويل ، حينما عرض عليه أبو بكر أن يجعل له ولعقبه من بعده نصيباً في الخلافة من أجل أن يقطعه عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ويضعف حجّته ، حيث قال العباس له في جملة ما قال : وما أبعد تسميتك بخليفة رسول الله من قولك خلى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك ! (1) .
  ولمّا أرسلوا لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يطلبون منه أن يحضر ليبايع أبا بكر ، وقيل له : خليفة رسول الله يدعوك ، قال (عليه السّلام) : (( لسريع ما كذبتم على رسول الله )) (2) .

اختصاص لقب أمير المؤمنين بالإمام علي (عليه السّلام)

  كما إنّ لقب (أمير المؤمنين) من مختصّات الإمام علي (صلوات الله عليه) على ما ورد عن أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) فيما رواه عنهم شيعتهم (3) ،

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 125 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر .
(2) الإمامة والسياسة 1 / 16 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (ع) ، واللفظ له ، كتاب سليم بن قيس / 385 ، الاختصاص / 185 ، الاحتجاج 1 / 108 .
(3) الكافي 1 / 411 و443 ، الخصال / 580 ، الاختصاص / 54 ، الأمالي ـ للطوسي / 295 ، اليقين ـ لابن طاووس / 27 ، تفسير العياشي 1 / 276 ، دلائل الإمامة / 53 ، فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ـ لابن عقدة / 60 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 170 _

  وحتى بعض الجمهور (1) ، بل في بعض روايات الجمهور أنّه اسم سمّاه به جبرئيل ، كما سمّاه الله (عزّ وجلّ) به (2) ، وأنّه ينادى به يوم القيامة (3) .
  وورد أيضاً أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد أطلقه عليه في عدّة مواضع (4) ، بل في حديث بريدة : أمرنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن نُسلّم على علي بأمير المؤمنين ، ونحن سبعة ، وأنا أصغر القوم يومئذٍ (5) .
  ولذا ورد عن أبي ذرّ (رضي الله عنه) أنّه حينما مرض أوصى لأمير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) ، فقيل له : لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر لكان أجمل لوصيتك من علي .
  فقال : والله ، لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقاً ، وإنّه والله

---------------------------
(1) المناقب ـ للخوارزمي / 303 الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى .
(2) المناقب ـ للخوارزمي / 323 الفصل التاسع عشر في فضائل له شتى .
(3) المناقب ـ للخوارزمي / 359 ـ 360 الفصل الثاني والعشرون في بيان أنّه حامل لوائه يوم القيامة ، تاريخ دمشق 42 / 326 ـ 328 في ترجمة علي بن أبي طالب ، تاريخ بغداد 13 / 124 في ترجمة المفضل بن سلم ، ينابيع المودّة 1 / 238 .
(4) تاريخ دمشق 42 / 303 ، 326 ، 328 ، 386 في ترجمة علي بن أبي طالب ، المناقب ـ للخوارزمي / 85 الفصل السابع في بيان غزارة علمه وأنّه أقضى الأصحاب ، وص 142 الفصل الرابع عشر في بيان أنّه أقرب الناس من رسول الله وأنّه مولى مَنْ كان رسول الله مولاه ، موضح أوهام الجمع والتفريق 1 / 185 ، تاريخ بغداد 13 / 124 في ترجمة المفضل بن سلم ، الفردوس بمأثور الخطاب 5 / 364 ، حلية الأولياء 1 / 63 في ترجمة علي بن أبي طالب ، لسان الميزان 1 / 107 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ميمون ، ميزان الاعتدال 1 / 64 في ترجمة إبراهيم بن محمود بن ميمون ، مطالب السؤول / 126 ، الكافي 1 / 292 ، تفسير القمي 1 / 174 ، المسترشد / 584 ، الإرشاد / 19 ، الاحتجاج 1 / 83 ، اليقين ـ لابن طاووس / 285 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 2 / 252 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(5) تاريخ دمشق 42 / 303 في ترجمة علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، الإرشاد 1 / 48 ، اليقين ـ لابن طاووس / 229 ، ونحوه في الخصال / 464 ، وعيون أخبار الرضا 1 / 73 ، والمسترشد / 586 ، والأمالي ـ للطوسي / 331 ، والتحصين / 575 ، وكشف الغمة 1 / 351 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 171 _

  أمير المؤمنين ... (1) .
  ونحوه ما رواه ابن مردويه بسنده عن معاوية بن ثعلبة قال : دخلنا على أبي ذرّ (رضي الله عنه) نعوده في مرضه الذي مات فيه ، فقلنا : أوصِ يا أبا ذرّ .
  قال : قد أوصيت إلى أمير المؤمنين .
  قال : قلنا : عثمان ؟
  قال : لا ، ولكن إلى أمير المؤمنين حقاً ، أمير المؤمنين والله ، إنّه لَرِبيّ الأرض ، وإنّه لَرَباني هذه الأُمّة ... (2) .
  وعن أبي شريح ، أنّه قال : أتى حذيفة بالمدائن ونحن عنده أنّ الحسن وعمّاراً قدما الكوفة يستنفران الناس إلى علي ، فقال حذيفة : إنّ الحسن وعمّاراً قدما يستنفرانكم ، فمَنْ أحبّ أن يلقى أمير المؤمنين حقّاً حقّاً فليأتِ إلى علي بن أبي طالب (3) .
  وعن حذيفة أيضاً أنّه لمّا كتب إليه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وأقرّه على عمله بالمدائن بعد قتل عثمان ، قام خطيباً في الناس ، وقال في جملة ما قال : أيّها الناس ، إنّما وليّكم الله ورسوله وأمير المؤمنين حقّاً حقّاً ، وخير مَنْ نعلمه بعد نبيّنا ... (4) .

---------------------------
(1) شرح إحقاق الحق 8 / 679 نقلاً عن مناقب عبد الله الشافعي / 87 ، واللفظ له ، كتاب سليم بن قيس / 268 ، كشف الغمة 1 / 353 ذكر الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، مخاطبته بأمير المؤمنين ، الشافي في الإمامة 3 / 224 ، اليقين ـ لابن طاووس / 145 ، وغيرها من المصادر .
(2) اليقين ـ لابن طاووس / 146 ، واللفظ له ، الإرشاد 1 / 47 ، كتاب سليم بن قيس / 271 ، نهج الإيمان ـ لابن جبر / 462 ، وغيرها من المصادر .
(3) أنساب الأشراف 2 / 366 (وأمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ) ، واللفظ له ، ونحوه في 3 / 17 في بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) .
(4) بحار الأنوار 28 / 89 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 172 _

تحجير السلطة على السُنّة النبويّة

  الأمر الثاني ممّا قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم : التحجير على السُنّة النبويّة ، بمنع تدوينها (1) ، وحرق ما دوّن منها (2) ، ومنع الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلاّ بما يتناسب مع نهج الحاكم ورغبته حتى حبس عمر عبد الله بن مسعود وأبا ذرّ (3) ، الذي قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حقّه : (( ما أظلّت الخضراء ، ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ )) (4) .
  وعن عبد الرحمن بن عوف أنّه قال : والله ، ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فجمعهم من الآفاق : عبد الله وحذيفة وأبي الدرداء وأبي ذرّ وعقبة بن عامر ، فقال : ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

---------------------------
(1) جامع بيان العلم وفضله 1 / 65 باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف ، كنز العمّال 10 / 292 ح 29476 .
(2) تذكرة الحفاظ 1 / 5 في ترجمة أبي بكر الصديق ، كنز العمّال 10 / 285 ح 29460 ، الطبقات الكبرى 5 / 188 في ترجمة القاسم بن محمد ، تاريخ الإسلام 7 / 220 ـ 221 في ترجم القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق .
(3) تذكرة الحفاظ 1 / 7 في ترجمة عمر بن الخطاب ، المجروحين ـ لابن حبان 1 / 35 ذكر أوّل مَنْ وقى الكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، المستدرك على الصحيحين 1 / 110 كتاب العلم ، حبس عمر ابن مسعود (رضي الله عنه) وغيره على كثرة الرواية ، سير أعلام النبلاء 2 / 346 في ترجمة أبي الدرداء ، تاريخ دمشق 47 / 142 في ترجمة عويمر بن زيد بن قيس ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 6 / 201 في هيبة الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولكنّه لم يذكر أبا ذرّ ، وغيرها من المصادر .
(4) مسند أحمد 5 / 197 باقي حديث أبي الدرداء ، واللفظ له ، و 2 / 223 مسند عبد الله بن عمرو بن العاص ، و 6 / 442 من حديث أبي الدرداء عويم (رضي الله عنه) ، سنن الترمذي 5 / 334 أبواب المناقب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) ، المستدرك على الصحيحين 3 / 342 ـ 344 كتاب معرفة الصحابة ، ذكر مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) ، صحيح ابن حبان 16 / 76 كتاب إخباره (صلّى الله عليه وآله) عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم ، مناقب أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) ، مجمع الزوائد 9 / 329 كتاب المناقب ، باب في أبي ذرّ (رضي الله عنه) ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 526 كتاب الفضائل ، ما جاء في أبي ذرّ الغفاري (رضي الله عنه) ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 173 _

  في الآفاق ؟!
  فقالوا : أتنهانا ؟
  قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله ، لا تُفارقوني ما عشت ، فنحن أعلم ما نأخذ ونردّ عليكم (1) .

قسوة السلطة في تنفيذ مشروعها

  ويبدو من بعض الروايات أنّ الأمر بلغ من الشدّة حدّاً كُمّت معه الأفواه .
  ففي حديث مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : إنّي كنت محدّثك بأحاديث ، لعلّ الله أن ينفعك بها بعدي ، فإن عشت فاكتم عنّي ، وإن متّ فحدّث بها إن شئت ، إنّه قد سلم عليّ إنّ نبي الله (صلّى الله عليه وآله) قد جمع بين حجّة وعمرة ، ثمّ لم ينزل بها كتاب ، ولم ينه عنها نبي الله (صلّى الله عليه وآله) ، قال رجل فيها برأيه ما شاء (2) .
  بل يبدو إنّ الأمر تجاوز ذلك إلى منع العلم والثقافة إلاّ ما بذلته السلطة بحيث لا يحقّ لأحد أن يطلب العلم ويسأل إلاّ في حدود خاصة ، ومَنْ حاول ما خرج عن ذلك لا يقتصر على منعه ، بل يُنهك عقوبة ونكالاً ، ليكون عبرة لغيره ، فلا يتجرّأ على البحث والسؤال .
  فقد تظافرت النصوص أنّ صبيغاً سأل عن متشابه القرآن فعزّره عمر (3) ،

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 40 / 500 ـ 501 في ترجمة عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو ، واللفظ له ، كنز العمّال 10 / 293 ح29479 .
(2) صحيح مسلم 4 / 48 كتاب الحجّ ، باب جواز التمتّع ، واللفظ له ، الطبقات الكبرى 4 / 290 في ترجمة عمران بن حصين ، سنن الدارمي 2 / 35 كتاب المناسك ، باب في القران ، مسند أحمد 4 / 428 حديث عمران بن حصين ، أضواء البيان 4 / 366 ، وغيرها من المصادر .
(3) سنن الدارمي 1 / 54 باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع ، الإصابة 3 / 370 في ترجمة صبيغ بن عسل ، تاريخ دمشق 23 / 411 في ترجمة صبيغ بن عسل ، الاستذكار لابن عبد البر 5 / 70 ، نصب الراية 4 / 118 ، تفسير القرطبي 4 / 15 ، الدرّ المنثور 2 / 7 ، فتح القدير 1 / 319 ، الاتقان في علوم القرآن 2 / 9 ، تخريج الأحاديث والآثار ـ للزيلعي 3 / 365 ، كنز العمّال 2 / 334 ح 4170 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 174 _

  بل في بعضها أنّه أنهكه عقوبة وأضرّ به (1) .
  وفي بعضها أنّه منع المسلمين من مجالسته (2) ، ومن عيادته إذا مرض (3) ، وحرمه عطاءه ورزقه (4) .
  وعن بعضهم قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنّه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه ، فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمر ، فيقومون ويدعونه (5) .

---------------------------
(1) سنن الدارمي 1 / 54 باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع ، تاريخ دمشق 23 / 410 ـ 411 في ترجمة صبيغ بن عسل ، تفسير القرآن ـ لعبد الرزاق 2 / 249 ، تفسير القرطبي 9 / 226 ، تفسير ابن كثير 2 / 294 ، الدرّ المنثور 6 / 111 ، الاستذكار ـ لابن عبد البر 5 / 70 ، كنز العمّال 2 / 331 ح 4161 ، و ص 335 ح 4172 ، وغيرها من المصادر .
قال نافع مولى عبد الله : إنّ صبيغ العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن ... فأرسل عمر إلى رطائب من جريد فضربه بها حتى نزل ظهره دبرة ثمّ تركه حتى برأ ثمّ عاد له ثمّ تركه حتى برأ فدعا به ليعود ، فقال صبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً ، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برأت ... .
(2) سنن الدارمي 1 / 54 باب مَنْ هاب الفتيا وكره التنطع والتبدع ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 11 / 426 باب مَنْ حالت شفاعته دون حدّ ، الإصابة 3 / 471 في ترجمة صبيغ ، تاريخ دمشق 23 / 408 ـ 413 في ترجمة صبيغ بن عسل ، تفسير ابن كثير 4 / 248 ، الدرّ المنثور 6 / 111 ، الاتقان في علوم القرآن 2 / 9 ، إكمال الكمال 6 / 207 باب عسل ، كنز العمّال 2 / 331 ح 4161 ، وص 335 ح 4173 ، 4174 ، وص 510 ح 4617 ، وص 511 ح 4618 ، و 11 / 297 ح 31559 ، وغيرها من المصادر .
(3) الدرّ المنثور 2 / 7 ، كنز العمّال 2 / 337 ح 4180 .
(4) الإصابة 3 / 371 في ترجمة صبيغ ، تاريخ دمشق 23 / 413 في ترجمة صبيغ بن عسل ، الوافي بالوفيات 16 / 163 في ترجمة صبيغ اليربوعي ، الفقيه والمتفقه 2 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 7 ، كنز العمّال 2 / 335 ح 4174 ، وغيرها من المصادر .
(5) تاريخ دمشق 23 / 413 في ترجمة صبيغ بن عسل ، واللفظ له ، الاستذكار ـ لابن عبد البر 5 / 70 ، الدرّ المنثور 2 / 7 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 175 _

سيرة عمر أيّام ولايته

  وذلك يناسب ما هو المعلوم من شدّة عمر وسطوته .
  كما أجاب بذلك عبد الرحمن بن عوف أبا بكر لمّا سأله عنه ، حيث قال له : إنّه أفضل من رأيك ، إلاّ إنّ فيه غلظة (1) .
  بل أنكر بعض المهاجرين على أبي بكر استخلافه لعمر ، حيث قال له : استخلفت علينا عمر وقد عَتا علينا ولا سلطان له ، فلو قد ملكنا كان أعتا وأعتا ، فكيف تقول لله إذا لقيته ؟! (2) .
  وتقول أسماء بنت عميس : دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر ، فقال : استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ؟! وأنت لاقٍ ربّك فسائلك عن رعيّتك .
  فقال أبو بكر وكان مضطجعاً : أجلسوني ، فأجلسوه .
  فقال لطلحة : أبالله تفرّقني ؟! أو أبالله تخوّفني ؟! إذا لقيت الله ربّي فساءلني قلت : استخلفت على أهلك خير أهلك (3) .
  وزاد ابن أبي الحديد : فقال طلحة : أعمر خير الناس يا خليفة رسول الله ؟!
  فاشتدّ غضبه ، فقال : إي والله هو خيرهم ، وأنت شرّهم ، أما والله لو وليّتك لجعلت أنفك في قفاك ، ولرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو الذي يضعه ، أتيتني وقد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني وتزيلني عن رأيي ؟! قم لا أقام الله رجليك ... فقام طلحة فخرج (4) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 164 .
(2) تاريخ دمشق 44 / 249 ـ 250 في ترجمة عمر بن الخطاب ، واللفظ له ، الفائق في غريب الحديث 1 / 89 .
(3) تاريخ الطبري 2 / 621 أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، ذكر أسماء قضاته وكتابه وعمّاله على الصدقات ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 2 / 425 أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، ذكر استخلافه عمر بن الخطاب ، شرح نهج البلاغة 1 / 164 ـ 165 ، وقريب منه في الفتوح ـ لابن أعثم 1 / 121 ذكر وفاة أبي بكر الصديق قبل فتح دمشق .
(4) شرح نهج البلاغة 1 / 165 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 176 _

  وفي رواية أخرى أنّ طلحة قال له : ما أنت قائل لربّك غداً وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً تُفرّق منه النفوس ، وتنفضّ عنه القلوب ؟ ! (1) .
  بل قال ابن قتيبة : فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر ، فقالوا : نراك استخلفت علينا عمر وقد عرفته وعلمت بوائقه (2) فينا وأنت بين أظهرنا ، فكيف إذا ولّيت عنّا ؟ وأنت لاقٍ الله (عزّ وجلّ) فسائلك ، فما أنت قائل ؟
  فقال أبو بكر : لئن سألني الله لأقولنّ : استخلفت عليهم خيرهم في نفسي ... .
  وكان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر استبطؤوا الخبر ، فقالوا : إنّا لنخاف أن يكون خليفة رسول الله قد مات وولي بعده عمر ، فإن كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب ، وإنّا لنرى خلعه (3) .
  وعن زيد بن الحارث أنّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس : تستخلف علينا فظّاً غليظاً ، ولو قد ولينا كان أفظّ وأغلظ ، فما تقول لربّك إذا لقيته وقد استخلفت عمر ؟! (4) .
  ويظهر من ذلك أنّ المنكرون لولاية عمر في أنفسهم وعلى أبي بكر جماعة كثيرون ، ويناسبه قول أبي بكر لعبد الرحمن بن عوف : إنّي ولّيت أمركم خيركم في نفسي ، فكلّكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه ... (5) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 164 .
(2) هكذا وردت في طبعة مؤسسة الحلبي وشركائه بتحقيق الدكتور طه محمد الزيني ، وكذا طبعة أمير ـ قم سنة 1413هـ بتحقيق علي شيري ، وأمّا ما في طبعة دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1418 هـ / 1997 م بتعليق خليل المنصور فالوارد هكذا : (بوائقه) .
(3) الإمامة والسياسة 1 / 23 ولاية عمر بن الخطاب .
(4) المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 574 كتاب المغازي ، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب ، واللفظ له ، تاريخ المدينة 2 / 671 ، كنز العمّال 5 / 678 ح 14178 .
(5) تاريخ الطبري 2 / 619 أحداث سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، ذكر أسماء قضاته وكتابه وعمّاله على الصدقات ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 5 / 202 كتاب الخلافة ، باب كراهة الولاية ولمَنْ تستحب ، المعجم الكبير 1 / 62 وممّا أسند أبو بكر الصديق عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، الإمامة والسياسة 1 / 20 مرض أبي بكر واستخلافه عمر ، تاريخ دمشق 30 / 420 في ترجمة أبي بكر الصديق ، ميزان الاعتدال 3 / 109 في ترجمة علوان بن داود البجلي ، لسان الميزان 4 / 188 في ترجمة علوان بن داود البجلي ، وقد ذكر بعضه في النهاية في غريب الحديث 5 / 177 ، ولسان العرب 9 / 15 ، وتاج العروس 17 / 723 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 177 _

  وعن سيرة عمر في ولايته وسلطانه يقول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في خطبته الشقشقية : (( فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلامها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحّم ، فمُنِيَ الناس ـ لعمرو الله ـ بخبطٍ وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة وشدّة المحنة )) (1) .
  ويقول عثمان : أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد عبتم عليّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها ، ولكنّه وَقَمَكم (2) وقمعكم ، ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ، ولا يشير بطرفه إليه ... (3) .
  وعن المغيرة أنّه قال : كان ممّا تميّز به عمر الرعب ، إنّ الناس كانوا يفرقونه (4) .
  وقال الأصمعي : كلّم الناس عبد الرحمن بن عوف أنّ يكلّم عمر بن

---------------------------
(1) نهج البلاغة 1 / 33 ، واللفظ له ، علل الشرائع 1 / 151 ، معاني الأخبار / 361 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 2 / 49 ، وغيرها من المصادر .
(2) وقم الدابة : جذب عنانها لتقف ، ووقم الرجل : قهره وردّه عن حاجته أقبح الردّ .
(3) الإمامة والسياسة 1 / 28 ذكر الإنكار على عثمان ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 3 / 377 أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة ، تكاتب المنحرفين عن عثمان للاجتماع ... الكامل في التاريخ 3 / 152 أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة ، ذكر ابتداء قتل عثمان ، البداية والنهاية 7 / 189 أحداث سنة أربع وثلاثين من الهجرة ، إعجاز القرآن ـ للباقلاني / 142 ، شرح نهج البلاغة 9 / 23 ، وغيرها من المصادر .
(4) تاريخ المدينة 2 / 68 هيبة عمر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 178 _

  الخطاب أن يلين لهم ؛ فإنّه قد أخافهم حتى إنّه قد أخاف الأبكار في خدورهنّ .
  فقال عمر : إنّي لا أجد لهم إلاّ ذلك ، وإنّهم لو يعلمون ما لهم عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي (1) .
  وفي حديث محمد بن زيد أنّ جماعة من المهاجرين قالوا لعبد الرحمن : لو أنّك كلّمت أمير المؤمنين ؛ فإنّه يقدم الرجل فيطلب الحاجة فتمنعه مهابته أن يكلّمه حتى يرجع ، فليلن للناس (2) .
  ويبدو الإغراق في الشدّة والإرعاب ممّا عن القاسم بن محمد قال : بينما عمر (رضي الله عنه) يمشي وخلفه عدّة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وغيرهم بدا له فالتفت فما بقي منهم أحد إلاّ سقط إلى الأرض على ركبتيه ، فلما رأى ذلك بكى ، ثمّ رفع يديه فقال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّي منك منهم أشدّ فرقاً منهم منّي (3) ... إلى غير ذلك ممّا يجده الناظر في سيرته .
  ويأتي بعض ما يتعلّق بذلك في المقام الأوّل من المبحث الثاني إن شاء الله تعالى .
  هذا والحديث في التحجير على السُنّة النبويّة طويل تعرّضنا لطرفٍ منه في جواب السؤال السابع من الجزء الأوّل من كتابنا (في رحاب العقيدة) ، وعند التعرّض لمحن الحديث النبوي الشريف في أواخر جواب السؤال الثامن من الجزء الثالث من الكتاب المذكور .

---------------------------
(1) عيون الأخبار 1 / 12 كتاب السلطان ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 44 / 269 ـ 270 في ترجمة عمر بن الخطاب ، كنز العمّال 12 / 650 ـ 651 ح 35979 ، التذكرة الحمدونية 1 / 109 الفصل الخامس أخبار في السياسة والآداب .
(2) تاريخ المدينة 2 / 681 هيبة عمر ، واللفظ له ، الطبقات الكبرى 3 / 287 ذكر استخلاف عمر ، تاريخ دمشق 44 / 269 في ترجمة عمر بن الخطاب ، كنز العمّال 12 / 564 ح 35770 .
(3) تاريخ المدينة 2 / 681 هيبة عمر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 179 _

  وضع الأحاديث على النبي (صلّى الله عليه وآله) لصالح السلطة
  كما يبدو أنّ التحجير المذكور قد قارن أمراً لا يقلّ خطورة عنه ، بل قد يكون أخطر منه ، وهو قيام السلطة بالتعاون مع حديثي الإسلام والمنافقين الذين قرّبتهم ـ كما يأتي ـ بوضع الحديث على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بما يتناسب مع رغبتها ، ويرفع من شأنها وشأن المتعاونين معها .

كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في أسباب اختلاف الحديث

  فقد روي بطرق متعدّدة عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤمنين (عليه السّلام) : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ أشياء من تفسير القرآن ، وأحاديث عن نبي الله (صلّى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله (صلّى الله عليه وآله) أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل .
  أفترى الناس يكذبون على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم ؟
  قال : فأقبل عليّ فقال : (( قد سألت فافهم الجواب ، إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعامّاً وخاصّاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، وقد كُذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على عهده حتى قام خطيباً ، فقال : أيّها الناس ، قد كثرت عليّ الكذّابة ، فمَنْ كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار ، ثمّ كُذب عليه من بعده .
  وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس :
  رجل منافق : يظهر الإيمان ، متصنّع بالإسلام ، لا يتأثم ولا يتحرّج أن يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّداً ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا قد صحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ورآه وسمع منه .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 180 _

  وأخذوا عنه وهم لا يعرفون حاله .
  وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ، ووصفهم بما وصفهم ، فقال (عزّ وجلّ) : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ) .
  ثمّ بقوا بعده ، فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان ، فولّوهم الأعمال ، وحملوهم على رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا ، وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ مَنْ عصم الله ، فهذا أحد الأربعة .
  ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله على وجهه ، ووَهِم فيه ، ولم يتعمّد كذباً ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه ، فيقول : أنا سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فلو علم المسلمون أنّه وَهِم لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وَهِم لرفضه .
  ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً أمر به ، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيء ، ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه .
  وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مبغض للكذب ؛ خوفاً من الله ، وتعظيماً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، لم ينسه [لم يسه] ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ، ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ، ورفض المنسوخ .
  فإنّ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، [وخاصّ وعام] ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الكلام له وجهان : كلام عامّ ، وكلام خاصّ ، مثل القرآن ، وقال الله (عزّ وجلّ) في كتابه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، فيشتبه على مَنْ لم يعرف ولم يدرِ ما عنى الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله) .
  وليس كلّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 181 _

  منهم مَنْ يسأله ولا يستفهمه حتى إن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى يسمعوا ... )) (1) .

شكوى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من التحريف وتعريضه بالمحرّفين

  وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أيضاً : (( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا ؟! أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى ... )) (2) .
  قال ابن أبي الحديد : هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم من الصحابة كانوا ينازعونه الفضل ، فمنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أفرض ، ومنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أقرّ ، ومنهم مَنْ كان يُدعى له أنّه أعلم بالحلال والحرام ، هذا مع تسليم هؤلاء له (عليه السّلام) أنّه أقضى الأُمّة ، وأنّ القضاء يحتاج إلى كلّ هذه الفضائل ، وكلّ واحدة منها لا تحتاج إلى غيره .
  فهو إذن أجمع للفقه وأكثرهم احتواءً عليه إلاّ أنّه (عليه السّلام) لم يرضَ بذلك ، ولم يصدق الخبر الذي قيل : أفرضكم فلان ... إلى آخره ، فقال : إنّه كذب وافتراء حمل قوماً على وضعه الحسد والبغي والمنافسة لهذا

---------------------------
(1) الكافي 1 / 62 ـ 64 باب الاختلاف في الحديث ح 1 ، واللفظ له ، الخصال / 255 ـ 257 باب الأربعة ح 131 ، غيبة النعماني / 80 ـ 82 باب 4 ح 10 .
وروى كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) السيّد الرضي ، فقال : ومن كلام له (عليه السّلام) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع ، وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر ، فقال (عليه السّلام) ... نهج البلاغة 2 / 188 ، كما روي في كتاب الإمتاع والمؤانسة ـ للتوحيدي 3 / 197 .
وذكر المهمّ من هذا الكلام سبط ابن الجوزي ، فقال : قال الشعبي : حدّثني مَنْ سمع علياً (عليه السّلام) وقد سُئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث ، فقال : (( الناس أربعة : منافق ... )) .
وفي رواية كميل بن زياد عنه أنّه قال : (( إنّ في أيدي الناس حقاً وباطلاً ... وإنّما يأتيك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس )) وذكرهم ، تذكرة الخواص / 142 ـ 143 .
(2) نهج البلاغة 2 / 27 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 182 _

  الحي من بني هاشم ، أن رفعهم الله على غيرهم ، واختصّهم دون سواهم (1) .
  وعن عباد بن عبد الله الأسدي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : (( أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها غيري إلاّ كذّاب ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين )) (2) .
  وروت معاذة العدوية قالت : سمعت علياً على منبر البصرة يخطب ، يقول : (( أنا الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يُؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يُسلم )) (3) .
  وعنه (عليه السّلام) أنّه قال : (( أنا الصدّيق الأكبر ، وأنا الفاروق الأوّل ، أسلمت قبل إسلام الناس ، وصلّيت قبل صلاتهم )) (4) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 86 .
(2) شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين / 83 ، وفي ضعفاء العقيلي 3 / 137 في ترجمة عباد بن عبد الله الأسدي أنّه (عليه السّلام) قال : (( أنا عبد الله وأخو رسول الله ، أنا الصديق الأكبر ، وما قالها أحد قبلي وما يقولها إلاّ كاذب مفترٍ ، ولقد أسلمت وصلّيت قبل الناس سبع سنين )) ، وقد ذكر بدل (لا يقولها غيري) (لا يقولها بعدي) في سنن ابن ماجة 1 / 44 باب في فضائل أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ، والسنن الكبرى ـ للنسائي 5 / 107 كتاب الخصائص ، ذكر خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، ذكر منزلة علي بن أبي طالب (ع) ، والمستدرك على الصحيحين 3 / 112 كتاب معرفة الصحابة ، فضائل علي بن أبي طالب (ع) ، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه) ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 498 كتاب الفضائل ، فضائل علي بن أبي طالب (ع) ، والسُنّة ـ لابن أبي عاصم / 584 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) تاريخ دمشق 42 / 33 في ترجمة علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، الآحاد والمثاني 1 / 151 ، تهذيب الكمال 12 / 18 في ترجمة سليمان بن عبد الله ، ضعفاء العقيلي 2 / 131 في ترجمة سليمان بن عبد الله ، الكامل في ضعفاء الرجال ـ لابن عدي 3 / 274 في ترجمة سليمان بن عبد الله ، شرح نهج البلاغة 4 / 122 ، و 13 / 228 ، ينابيع المودّة 2 / 146 ، وغيرها من المصادر .
(4) شرح نهج البلاغة 1 / 30 ، ينابيع المودّة 1 / 455 .
وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر بعد نقل هذا الحديث عنه (عليه السّلام) ، وفي غير رواية الطبري : (( أنا الصديق الأكبر ، وأنا الفاروق الأوّل ، أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصلّيت قبل صلاته بسبع سنين )) . شرح نهج البلاغة 13 / 200 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 183 _

  وقال ابن عبد البر : وروينا من وجوه عن علي (ع) أنّه كان يقول : (( أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لا يقولها أحد غيري إلاّ كذّاب ... )) (1) إلى غير ذلك ممّا يظهر منه تكذيب ما اشتهر من أنّ أبا بكر هو الصدّيق ، وأنّ عمر هو الفاروق ، وما روي من أنّ أبا بكر أخو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (2) .
  ونظير ذلك ما عن أبي غطفان أنّه قال : سألت ابن عباس أرأيت أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) توفّي ورأسه في حجر أحد ؟
  قال : توفّي وهو لمستند إلى صدر علي .
  قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها قالت : توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين سحري ونحري .
  فقال ابن عباس : أتعقل ؟! والله لتوفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإنّه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسّله وأخي الفضل بن عباس ... (3) .

تأكيد السلطة على أهميّة الإمامة وعلى الطاعة ولزوم الجماعة

  الأمر الثالث ممّا قام به الولاة في سبيل دعم سلطانهم : التأكيد على الأمور الثلاثة التي سبق أنّ الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله) قد أكّدا عليها في حقّ الإمام المعصوم المجعول من قبل الله تعالى ، وهي : وجوب معرفة الإمام والبيعة له ، ووجوب طاعته والنصيحة له ، ووجوب لزوم جماعته والنهي عن الاختلاف والتفرّق .

---------------------------
(1) الاستيعاب 3 / 1098 في ترجمة علي بن أبي طالب .
(2) صحيح البخاري 4 / 191 كتاب بدء الخلق : باب مناقب المهاجرين وفضلهم ، مسند أحمد 1 / 463 مسند عبد الله بن مسعود ، مسند أبي داود الطيالسي / 42 ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 476 كتاب الفضائل ، ما ذكر في أبي بكر الصديق ، المعجم الكبير 10 / 105 ما روي عن عبد الله بن مسعود ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) الطبقات الكبرى 2 / 263 ذكر مَنْ قال توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حجر علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، فتح الباري 8 / 107 ، كنز العمّال 7 / 253 ـ 254 ح 18791 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 184 _

  وقد أغفلت السلطة أنّ ذلك إنّما جعل في حقّ الإمام المنصوص عليه المعصوم ، المأمون على الدين والدنيا دون غيره ممّن لا تُؤمن أخطاؤه وبوائقه على الإسلام والمسلمين .
  1 ـ فمن الملفت للنظر أنّ كثيراً من طرق رواية ما تضمّن أنّ مَنْ مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ونحوه ـ ممّا تقدّم التعرّض له ـ تنتهي إلى معاوية بن أبي سفيان (1) الذي بقي هو بلا بيعة ، ومن دون أن يدّعي لنفسه الخلافة ما يقرب من ثلاث سنين .
  2 ـ ومن الطريف جدّاً ما رواه ابن الأثير ، فإنّه ـ بعد أن ذكر بيعة معاوية ليزيد بالشام بالترغيب والترهيب ، وأنّه ورد المدينة فنال من النفر الذين بلغه إباءهم البيعة ، وشتمهم في وجوههم ، ثمّ خطب فأرعد وأبرق مهدّداً معرّضاً بهم ـ قال : ثمّ دخل على عائشة وقد بلغها أنّه ذكر الحسين وأصحابه ، فقال : لأقتلنّهم إن لم يبايعوا ، فشكاهم إليها ، فوعظته وقالت له : بلغني أنّك تتهدّدهم بالقتل .
  فقال : يا أُمّ المؤمنين ، هم أعزّ من ذلك ، ولكنّي بايعت ليزيد وبايعه غيرهم ، أفترين أن أنقض بيعة قد تمّت ؟! ... (2) .
  فكأنَّ مثل هذه البيعة بيعة إلهية نقضها أعظم جريمة من الموبقات التي

---------------------------
(1) راجع مسند أحمد 4 / 96 حديث معاوية بن أبي سفيان ، ومجمع الزوائد 5 / 218 كتاب الخلافة ، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم ، وص 225 باب لا طاعة في معصية ، وكتاب السنة ـ لابن أبي عاصم / 489 ، ومسند أبي يعلى 13 / 366 ، وصحيح ابن حبان 10 / 434 كتاب السير ، باب طاعة الأئمّة ، ذكر الزجر عن ترك اعتقاد المرء الإمام الذي يطيع الله (جلّ وعلا) في أسبابه ، والمعجم الأوسط 6 / 70 ، والمعجم الكبير 19 / 335 فيما رواه ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية ، وص 388 فيما رواه شريح بن عبيد عن معاوية ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) الكامل في التاريخ 3 / 508 ـ 509 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، ونحوه في الفتوح ـ لابن أعثم 4 / 341 ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وممّا كان منه بمكة والمدينة ورجوعه .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 185 _

  ارتكبها معاوية !
  3 ـ ولمّا تخلّف أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومَنْ معه عن بيعة أبي بكر ، واجتمعوا في بيت سيّدة النساء الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) أرسل إليهم عمر ليخرجهم من بيتها ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم .
  فأقبل عمر ومَنْ معه بقبس من نار فلقيتهم سيّدة النساء ، وقالت : (( يابن الخطاب ! أجئت لتُحرق دارنا ؟! )) .
  قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة (1) .
  4 ـ ويتحدّث عمر بن الخطاب عن أحداث السقيفة وعن موقفه من سعد بن عبادة ، لأنّه حاول أن يسبقهم في الاستيلاء على السلطة ، فيقول : فقلت وأنا مغضب : قتل الله سعداً ، فإنّه صاحب فتنة وشرّ (2) .
  5 ـ وفي حديث لأبي بكر مع العباس بن عبد المطلب حينما ذهب إليه ليجعل له ولعقبه نصيباً في الخلافة ، ليقطعه بذلك عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ويضعف موقفه ، قال أبو بكر : إنّ الله بعث محمداً نبيّاً ... حتى اختار له ما عنده ، فخلى على الناس أموراً ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم مشفقين ، فاختاروني عليهم والياً ، ولأمورهم راعياً ... وما انفك يبلغني عن طاعنٍ يقول الخلاف على عامة المسلمين يتّخذكم لجاً ... فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه ، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليها ... .
  فقال عمر بن الخطاب : إي والله ، وأُخرى : إنّا لم نأتكم لحاجة إليكم ، ولكن كرهاً أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون

---------------------------
(1) العقد الفريد 4 / 242 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، سقيفة بني ساعدة ، واللفظ له ، المختصر في أخبار البشر 1 / 156 ذكر أخبار أبي بكر الصديق وخلافته .
(2) صحيح ابن حبان 2 / 157 باب حق الوالدين ، الزجر عن أن يرغب المرء عن آبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر ، تاريخ دمشق 30 / 283 في ترجمة أبي بكر الصديق ، تاريخ الإسلام 3 / 11 أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة ، خلافة أبي بكر ، النهاية في غريب الحديث 4 / 13 ، لسان العرب 11 / 549 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 186 _

  منكم ، فيتفاقم الخطب بكم ... .
  فأجاب العباس أبا بكر بكلام طويل ، ومنه قوله : فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ... وإن كان هذا الأمر إنّما وجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنّا كارهين ، ما أبعد قولك من أنّهم طعنوا عليك من قولك إنّهم اختاروك ومالوا إليك ! ... (1) .
  6 ـ وقال الفضل بن شاذان في التعقيب على محاولة القوم قتل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : فقيل لسفيان وابن حي ولوكيع : ما تقولون فيما كان من أبي بكر في ذلك ؟
  فقالوا جميعا : كانت سيئة لم تتم ، وأمّا مَنْ يجسر من أهل المدينة فيقولون : وما بأس بقتل رجل في صلاح الأُمّة ، إنّه إنّما أراد قتله لأنّ علياً أراد تفريق الأُمّة ، وصدّهم عن بيعة أبي بكر (2) .
  7 ـ ولمّا امتنعت كندة من بيعة أبي بكر وطاعته وتسليم زكاتها له ، لأنّها ترى أنّ الحقّ في بني هاشم ، وقتل منها مَنْ قتل ، وجرت خطوب طويلة في ذلك ، كتب أبو بكر إلى الأشعث بن قيس يتهدّده ، فلمّا وصل الكتاب إلى الأشعث وقرأه قال للرسول : إنّ صاحبك أبا بكر هذا يلزمنا الكفر بمخالفتنا له ، ولا يلزم صاحبه الكفر بقتله قومي وبني عمّي ؟!
  فقال له الرسول : نعم يا أشعث ، يلزمك الكفر ، لأنّ الله تبارك وتعالى قد أوجب عليك الكفر بمخالفتك لجماعة المسلمين (3) .
  8 ـ كما إنّ علقمة بن علاثة قد رأى عمر بن الخطاب مساءً في الظلام فظنّه خالد بن الوليد ، فشدّد في الاستنكار على عمر وذمّه لعزله لخالد ونزعه من الولاية ، فأبقاه عمر على غفلته ، وقال له : نزعني فما عندك في نزعي ؟

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 125 خبر سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر ، واللفظ له ، الإمامة والسياسة 1 / 18 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (ع) ، شرح نهج البلاغة 1 / 220 .
(2) الإيضاح / 157 ـ 158 .
(3) الفتوح ـ لابن أعثم 1 / 56 ذكر كتاب أبي بكر إلى الأشعث بن قيس ومَنْ معه من قبائل كندة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 187 _

  فقال علقمة : وماذا عندي في نزعك ؟! هؤلاء قوم ولّوا أمراً ، ولهم علينا حقّ ، فنحن مؤدّون إليهم الحقّ الذي جعله الله لهم ، وأمرنا ـ أو قال : وحسابنا ـ على الله .
  وفي الصباح لمّا اجتمع خالد وعلقمة عند عمر أظهر عمر حقيقة الحال ، وأنّ حديث علقمة لم يكن مع خالد ، بل مع عمر نفسه ، وعزّر عمر علقمة لذمّه إيّاه ، ثمّ قال عن كلمته السابقة في الطاعة وعدم محاولة التغيير من أجل عزل خالد : إنّه قال كلمة لأن يقولها مَنْ أصبح من أُمّة محمد أحبّ إليّ من حمر النعم (1) .
  9 ـ وعن عبد الملك بن عمير قال : كان عامّة خطبة يزيد بن أبي سفيان وهو على الشام : عليكم بالطاعة والجماعة ، فمن ثمّ لا يعرف أهل الشام إلاّ الطاعة (2) .
  10 ـ وفي صحيح أبي حمزة الثمالي قال : سمعت أبا جعفر [يعني : الإمام الباقر] (عليه السّلام) يقول : (( قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ ومعاوية يكتب بين يديه وأهوى بيده إلى خاصرته بالسيف ـ مَنْ أدرك هذا يوماً أميراً فليبقر خاصرته بالسيف ، فرآه رجل ممّن سمع ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوماً وهو يخطب بالشام على الناس ، فاخترط سيفه ثمّ مشى إليه ، فحال الناس بينه وبينه ، فقالوا : يا عبد الله ، ما لك ؟ فقال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : مَنْ أدرك هذا يوماً أميراً فليبقر خاصرته بالسيف .
  فقالوا : أتدري مَنْ استعمله ؟ قال : لا ، قالوا : أمير المؤمنين عمر ، فقال : سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين )) (3) .
  11 ـ وعن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنّا مع عبد الله بن مسعود بجمع ، فلمّا دخل مسجد منى فقال : كم صلّى أمير المؤمنين ؟ قالوا : أربع ، فصلّى أربع .

---------------------------
(1) تاريخ المدينة 3 / 795 ، واللفظ له ، الإصابة 4 / 459 في ترجمة علقمة بن علاثة ، تاريخ دمشق 41 / 141 في ترجمة علقمة بن علاثة ، وغيرها من المصادر .
(2) تاريخ دمشق 1 / 319 باب ما ذكر من تمسك أهل الشام بالطاعة واعتصامهم بلزوم السنة والجماعة .
(3) معاني الأخبار / 346 باب معنى استعانة النبي (صلّى الله عليه وآله) بمعاوية في كتابة الوحي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 188 _

  قال : فقلنا له : ألم تحدّثنا أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) صلّى ركعتين ، وأبا بكر صلّى ركعتين ؟
  فقال : بلى ، وأنا أحدّثكموه الآن ، ولكنّ عثمان كان إماماً فما أخالفه ، والخلاف شرّ (1) .
  وروى غير واحد نحو ذلك عن ابن مسعود (2) .
  12 ـ وذكر ابن الأثير أنّ عبد الرحمن بن عوف أنكر على عثمان إتمامه الصلاة ، وقال : فخرج عبد الرحمن فلقي ابن مسعود ، فقال : يا أبا محمد ، غيّر ما تعلم .
  قال : فما أصنع ؟
  قال : اعمل بما ترى وتعلم .
  فقال ابن مسعود : الخلاف شرّ ، وقد صلّيت بأصحابي أربع .
  فقال عبد الرحمن : قد صلّيت بأصحابي ركعتين ، وأمّا الآن فسوف أصلّي أربعاً (3) .
  13 ـ وقال الحارث بن قيس : قال لي عبد الله بن مسعود : أتحبّ أن يسكنك الله وسط الجنّة ؟
  قال : فقلت : جُعلت فداك ! وهل أُريد إلاّ ذلك ؟!
  قال : عليك بالجماعة ، أو لجماعة الناس (4) .
  14 ـ وفي خطبة لابن مسعود : أيّها الناس ، عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنّه

---------------------------
(1) السنن الكبرى ـ للبيهقي 3 / 144 باب مَنْ ترك القصر في السفر غير رغبة عن السُنّة ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 39 / 254 في ترجمة عثمان بن عفان .
(2) السنن الكبرى ـ للبيهقي 3 / 144 باب مَنْ ترك القصر في السفر غير رغبة عن السُنّة ، سنن أبي داود 1 / 438 كتاب المناسك ، باب الصلاة بمنى ، المعجم الأوسط 6 / 368 ، المصنّف ـ لعبد الرزاق الصنعاني 2 / 516 كتاب الصلاة: باب الصلاة في السفر ، مسند أبي يعلى 9 / 256 ، البداية والنهاية 7 / 244 ، فتح الباري 2 / 465 ، عمدة القاري 7 / 120 ـ 122 ، معرفة السنن والآثار 2 / 426 ـ 427 ، التمهيد ـ لابن عبد البر 11 / 172 ، تأويل مختلف الحديث / 27 ، تاريخ دمشق 39 / 255 في ترجمة عثمان بن عفان ، وغيرها من المصادر .
(3) الكامل في التاريخ 3 / 104 أحداث سنة تسع وعشرين من الهجرة ، ذكر إتمام عثمان الصلاة بجمع .
(4) المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 645 كتاب المغازي ، من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنه ، مجمع الزوائد 5 / 222 كتاب الخلافة ، باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج على الأئمّة وقتالهم ، كنز العمّال 1 / 380 ح 1654 ، المعجم الكبير 9 / 198 في نقل كلام ابن مسعود .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 189 _

  حبل الله الذي أمر به ، وإنّ ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة (1) .
  15 ـ وعن أبي مسعود أنّه قال : عليكم بالجماعة ؛ فإنّ الله لم يكن ليجمع أُمّة محمد على ضلالة (2) .
  وفي حديث له آخر : عليك بعظم أُمّة محمد ... (3) .
  16 ـ وفي أحداث الشورى حينما بايع عبد الرحمن بن عوف عثمان تلكأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، مؤكّداً على أنّه الأولى بالأمر وبأن يُبايَع ، وأخذ يذكر جملة من فضائله التي يتميّز بها على غيره ، فقطع عليه عبد الرحمن كلامه وقال : يا علي ، قد أبى الناس إلاّ عثمان ، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلاً .
  ثمّ قال : يا أبا طلحة ، ما الذي أمرك به عمر ؟
  قال : أن أقتل مَنْ شقّ عصا الجماعة .
  فقال عبد الرحمن لأمير المؤمنين (عليه السّلام) : بايع إذن ، وإلاّ كنت متّبعاً غير سبيل المؤمنين ، وأنفذنا فيك ما أمرنا به ! (4) .
  17 ـ وفي حديث شقيق بن سلمة أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لمّا انصرف إلى رحله قال لبني أبيه : (( يا بني عبد المطلب ، إنّ قومكم عادوكم بعد وفاة النبي كعداوتهم النبي في حياته ، وإن يُطَع قومكم لا تؤمّروا أبداً ، ووالله ، لا ينيب هؤلاء إلى الحقّ إلاّ بالسيف )) .
  قال : وعبد الله بن عمر بن الخطاب داخل

---------------------------
(1) التمهيد ـ لابن عبد البر 21 / 273 ، واللفظ له ، الاستذكار ـ لابن عبد البر 8 / 577 ، مجمع الزوائد 5 / 222 كتاب الخلافة ، باب لزوم الجماعة والنهي عن الخروج على الأئمّة وقتالهم ، و 7 / 328 كتاب الفتن ، باب ثانٍ في أمارات الساعة ، المعجم الكبير 9 / 199 في نقل كلام ابن مسعود ، وقد روي بعضه في تفسير الطبري 4 / 45 ، وتفسير ابن أبي حاتم 3 / 723 ، وتفسير الثعلبي 3 / 162 ، والدرّ المنثور 2 / 60 ، وغيرها من المصادر .
(2) المصنف ـ لابن أبي شيبة 8 / 672 كتاب المغازي ، ما ذكر في فتنة الدجّال ، واللفظ له ، كتاب السُنّة ـ لابن أبي عاصم / 41 ـ 42 ، سير أعلام النبلاء 2 / 495 ـ 496 في ترجمة أبي مسعود البدري ، كنز العمّال 1 / 384 ح 1663 ، كشف الخفاء 2 / 350 .
(3) المستدرك على الصحيحين 4 / 556 كتاب الفتن والملاحم ، ما تكرهون في الجماعة خير ممّا تحبّون في الفرقة .
(4) شرح نهج البلاغة 6 / 168 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 190 _

  إليهم قد سمع الكلام كلّه ، فدخل وقال : يا أبا الحسن ، أتريد أن تضرب بعضهم ببعض ؟!
  فقال : (( اسكت ويحك ! فوالله ، لولا أبوك وما ركب منّي قديماً وحديثاً ما نازعني ابن عفّان ولا ابن عوف )) .
  فقام عبد الله فخرج (1) .
  18 ـ كما إنّ المقداد (رضي الله عنه) قد أنكر ذلك أيضاً ، وكان فيما قال : أما والله ، لو أنّ لي على قريش أعواناً لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر وأُحد .
  فقال عبد الرحمن بن عوف : ثكلتك أُمّك ! لا يسمعنّ هذا الكلام الناس ، فإنّي أخاف أن تكون صاحب فتنة وفرقة .
  فقال له المقداد : إنّ مَنْ دعا إلى الحقّ وأهله لا يكون صاحب فتنة ، ولكن مَنْ أقحم الناس في الباطل ، وآثر الهوى على الحقّ ، فذلك صاحب الفتنة والفرقة .
  فتربّد وجه عبد الرحمن (2) .
  19 ـ وعن صهبان مولى الأسلميين قال : رأيت أبا ذرّ يوم دُخل به على عثمان ، فقال له : أنت الذي فعلت وفعلت ؟
  فقال أبو ذرّ : نصحتك فاستغششتني ، ونصحت صاحبك فاستغشني .
  قال عثمان : كذبت ، ولكنّك تريد الفتنة وتحبّها ، قد أنغلت الشام علينا (3) .
  20 ـ وعن عبد الله بن رباح قال : دخلت أنا وأبو قتادة على عثمان وهو محصور ، فاستأذناه في الحجّ فأذن لنا ، فقلنا : يا أمير المؤمنين ، قد حضر من أمر هؤلاء ما قد ترى ، فما تأمرنا ؟
  قال : عليكم بالجماعة .
  قلنا : فإنّا نخاف أن تكون الجماعة مع هؤلاء الذين يخالفونك .
  قال : ألزموا الجماعة حيث كانت ... (4) .
  وسواء صحّ هذا الحديث أم لم يصح ، فإنّه يكشف عن وجود مثل هذه

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 54 .
(2) شرح نهج البلاغة 9 / 57 ، واللفظ له ، وذكر بعضه في الأمالي ـ للمفيد / 171 ، والأمالي ـ للطوسي / 191 .
(3) شرح نهج البلاغة 3 / 56 ، واللفظ له ، الشافي في الإمامة 4 / 296 .
(4) المصنّف ـ لعبد الرزاق 11 / 446 باب مقتل عثمان .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 191 _

  الثقافة ، وتبنّي بعض الناس لها ، سواءً كان هو عثمان ، أم مَنْ يتقوّل عليه .
  21 ـ ولمّا طلب زياد عامل معاوية على الكوفة من وجوه أهل الكوفة أن يشهدوا على حجر بن عدي وجماعته بما يدينهم عند معاوية كتب أبو بردة بن أبي موسى الأشعري : هذا ما شهد عليه الشهود أبو بردة بن أبي موسى لله ربّ العالمين ، شهد أنّ حجر بن عدي خلع الطاعة ، وفارق الجماعة ، ولعن الخليفة ، ودعا إلى الحرب والفتنة ، وجمع إليه جموعاً يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية ، فكفر بالله كفرة صلعاء ، وأتى معصية شنعاء .
  فقال زياد : اشهدوا على مثل شهادته .
  فشهد جماعة كما قال (1) .
  22 ـ ولمّا كتب مروان بن الحكم إلى معاوية يخوّفه من وثوب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وخروجه عليه ، كتب معاوية للإمام (عليه السّلام) كتاباً يحذّره فيه ، وجاء فيه : فاتّقِ شقّ عصا هذه الأُمّة ، وأن يردّهم الله على يديك في فتنة ، فقد عرفت الناس وبلوتهم ، فانظر لنفسك ولدينك ، ولأُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) ... .
  فأجابه (عليه السّلام) على هذه الفقرة في كتابه له : (( وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأُمّة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولأُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) وعلينا أفضل من أن أجاهدك ... )) (2) .
  23 ـ ولمّا أراد معاوية البيعة ليزيد بولاية العهد قال للضحاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود عنده : إنّي متكلّم ، فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد ، وتحّثني عليها .

---------------------------
(1) أنساب الأشراف 5 / 262 أمر حجر بن عدي ومقتله ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 200 أحداث سنة إحدى وخمسين من الهجرة ، ذكر سبب مقتل حجر بن عدي ، الأغاني 17 / 145 ـ 146 خبر مقتل حجر بن عدي .
(2) اختيار معرفة الرجال 1 / 120 ـ 124 في ترجمة عمرو بن الحمق الخزاعي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 192 _

  فلمّا جلس معاوية للناس تكلّم ، فعظّم أمر الإسلام ، وحرمة الخلافة وحقّه ، وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة ، وعرض ببيعته .
  فعارضه الضحّاك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّه لا بدّ للناس من والٍ بعدك ، وقد بلونا الجماعة والألفة ، فوجدناهما أحقن للدماء ، وأصلح للدهماء ، وآمن للسبل ، وخيراً في العاقبة ، والأيام عوج رواجع ، والله كلّ يوم في شأن ، ويزيد بن أمير المؤمنين في حسن هديه ، وقصد سيرته ، على ما علمت ، وهو من أفضلنا علماً وحلماً ، وأبعدنا رأياً ، فولّه عهدك ، واجعله لنا علماً بعدك ، ومفزعاً نلجأ إليه ، ونسكن في ظلّه .
  وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك .
  ثمّ قام يزيد بن المقنع العذري ، فقال : هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ .
  فقال معاوية : اجلس ، فأنت سيّد الخطباء . وتكلّم مَنْ حضر من الوفود .
  فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر ؟
  فقال : نخافكم إن صدقنا ، ونخاف الله إن كذبنا ، وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره ، وسرّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه لله تعالى وللأُمّة رضى فلا تشاور فيه ، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة ، وإنّما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا !
  وقام رجل من أهل الشام فقال : ما ندري ما تقول هذه المعدية العراقية ، وإنّما عندنا سمع وطاعة ، وضرب وازدلاف ! (1) .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 3 / 507 ـ 508 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 4 / 336 ـ 337 ثمّ رجعنا إلى الخبر الأوّل ، نهاية الإرب في فنون الأدب 20 / 222 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، من وفد إلى معاوية من أهل الأمصار .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 193 _

  24 ـ وقال معاوية أيضاً لعبد الله بن عمر حين أراد البيعة ليزيد : قد كنت تحدّثنا أنّك لا تحبّ أن تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة وأنّ لك الدنيا وما فيها ، وإنّي أُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم ، وأن تسفك دماءهم ... .
  فأجابه ابن عمر ، وقال في جملة ما قال : ... وإنّك تحذّرني أن أشقّ عصا المسلمين ، وأفرّق ملأهم ، وأسفك دماءهم ، ولم أكن لأفعل ذلك إن شاء الله ، ولكن إن استقام الناس فسأدخل في صالح ما تدخل فيه أُمّة محمد (1) .
  25 ـ وكتب يزيد بن معاوية لابن عباس بعد خروج الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إلى مكة ، وجاء في كتابه : وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه ، فاكففه عن السعي في الفرقة (2) .
  26 ـ ولمّا علم يزيد امتناع ابن عباس من البيعة لابن الزبير كتب إليه : أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته ، وعرض عليك الدخول في طاعته ، لتكون على الباطل ظهيراً ، وفي المأثم شريكاً ، وأنّك امتنعت عليه ، واعتصمت ببيعتنا ، وفاءً منك لنا ، وطاعة لله فيما عرّفك من حقّنا ... وانظر

---------------------------
(1) الإمامة والسياسة 1 / 151 ـ 152 قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة ، واللفظ له ، تاريخ الإسلام 4 / 148 ـ 149 الطبقة السادسة ، أحداث سنة أحدى وخمسين من الهجرة ، تاريخ خليفة بن خياط / 160 ـ 161 أحداث سنة أحدى وخمسين من الهجرة ، وغيرها من المصادر .
(2) سير أعلام النبلاء 3 / 304 في ترجمة الحسين الشهيد ، البداية والنهاية 8 / 177 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، تاريخ دمشق 14 / 210 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 419 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 59 ح 283 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 194 _

  رحمك الله فيمَنْ قِبَلك من قومك ومَنْ يطرأ عليك من الآفاق ... فأعلمهم حسن رأيك في طاعتي والتمسّك ببيعتي ... (1) .
  27 ـ ولقي عبد الله بن عمر وابن عباس منصرفين من العمرة الإمام الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير بالأبواء ، فقال لهما ابن عمر : أذكّركما الله إلاّ رجعتم فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظرا ، فإن اجتمع الناس عليه لم تشذّا ، وإن افترق عليه كان الذي تريدان (2) .
  وفي رواية أخرى : اتقيا الله ، ولا تفرّقا بين جماعة المسلمين (3) .
  28 ـ وكان عبد الله بن عمر يقول : غلبنا حسين بن علي بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرّك ما عاش ، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس ، فإنّ الجماعة خير (4) .
  29 ـ وقد سبق في المقدّمة كتاب عمرة بنت عبد الرحمن للإمام الحسين (صلوات الله عليه)

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 247 مقتل الحسين بن علي ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 127 أحداث سنة أربع وستين من الهجرة : ذكر بعض سيرته (يزيد) وأخباره ، مجمع الزوائد 7 / 250 كتاب الفتن : باب فيما كان من أمر ابن الزبير. المعجم الكبير 10 / 241 مناقب عبد الله بن عباس وأخباره ، وغيرها من المصادر .
(2) تاريخ دمشق 14 / 208 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 416 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 57 ح 283 ، وغيرها من المصادر .
(3) البداية والنهاية 8 / 158 أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية ، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 254 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خلافة يزيد بن معاوية .
(4) تاريخ دمشق 14 / 208 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 175 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، تهذيب الكمال 6 / 416 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 57 ح 283 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 195 _

  تعظم عليه ما يريد ، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة (1) .
  30 ـ ولمّا خرج (عليه السّلام) من مكّة متّجهاً إلى العراق اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص فامتنع عليهم امتناعاً قوياً ، ومضى (عليه السّلام) لوجهه ، فنادوه : يا حسين ، ألا تتّقي الله ، تخرج من الجماعة ، وتفرّق بين هذه الأُمّة ؟!
  فتأوّل (عليه السّلام) قول الله (عزّ وجلّ) : ( لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ ) (2) .
  31 ـ وكتب عمرو بن سعيد للإمام الحسين (صلوات الله عليه) يحاول صرفه عن وجهه ، ويحثّه على الرجوع ، وجاء في كتابه : فإنّي أُعيذك بالله من الشقاق ... .
  فكتب إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) جواباً لكتابه ، وكان فيه : (( وإنّه لم يُشاقق مَنْ دعا إلى الله وعمل صالحاً ، وقال إنّني من المسلمين )) (3) .
  32 ـ ولمّا علم النعمان بن بشير والي الكوفة بقدوم مسلم بن عقيل واختلاف الناس إليه خطب الناس ، وكان في جملة ما قال : أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ، ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإنّ فيهما يهلك الرجال ، وتُسفك الدماء ، وتُغصب الأموال .
  وقال : إنّي لم أُقاتل مَنْ لم يقاتلني ... ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي ، ونكثكم بيعتكم ، وخالفتم إمامكم ، فوالله الذي لا إله إلاّ هو لأضربنّكم بسيفي

---------------------------
(1) تقدّم في / 42 .
(2) سورة يونس / 10 ، تجد ذلك في تاريخ الطبري 4 / 289 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 179 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق .
(3) تاريخ دمشق 14 / 209 ـ 210 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 419 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الطبري 4 / 292 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، البداية والنهاية 8 / 176 ـ 177 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 57 ح 283 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 196 _

  ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن لي منكم ناصر ، أما إنّي أرجو أن يكون مَنْ يعرف الحق منكم أكثر ممّن يرديه الباطل (1) .
 ومع ذلك يقول عنه مَنْ يقول : وكان حليماً ناسكاً يحبّ العافية (2) .
  33 ـ وأُخذ مسلم بن عقيل (عليه السّلام) أسيراً لابن زياد ، فلمّا انتهوا به إلى باب القصر فإذا قلّة باردة موضوعة على الباب ، فقال : اسقوني من هذا الماء .
  فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها ؟ لا والله ، لا تذوق منها قطرة أبداً حتى تذوق الحميم في نار جهنم .
  فقال له مسلم : ويحك مَنْ أنت ؟!
  قال : أنا ابن مَنْ عرف الحق إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي .
  فقال مسلم (عليه السّلام) : لأُمّك الثكل ، ما أجفاك ، وما أفظّك وأقسى قلبك وأغلظك ! أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم منّي (3) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 264 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (صلوات الله عليه) ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 22 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل (صلوات الله عليه) ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 39 ذكر نزول مسلم بن عقيل الكوفة واجتماع الشيعة إليه للبيعة ، وذكر باختصار في تاريخ ابن خلدون 3 / 22 مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله .
(2) تاريخ الطبري 4 / 264 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (صلوات الله عليه) ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 22 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل (صلوات الله عليه) ، وقريب منه ما في تاريخ ابن خلدون 3 / 22 مسير الحسين إلى الكوفة ومقتله .
(3) تاريخ الطبري 4 / 281 ـ 282 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (صلوات الله عليه) ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 34 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل ، البداية والنهاية 8 / 171 ـ 172 أحداث سنة ستين من الهجرة ، قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة ومقتله ، مقاتل الطالبيين / 66 مقتل الحسين (عليه السّلام) ، وغيرها من المصادر .