وألقيت المساحة (1) ، وسويت بين المناكح (2) ، وأنفذت خمس الرسول كما

---------------------------
(1) والظاهر أنّ مراده (عليه السّلام) الإشارة إلى جعل الخراج على الأرض نفسها ، حيث ورد أنّه جعل الخراج على الأرضين التي تعلُ من ذوات الحبّ والثمار ، والتي تصلح للغلّة من العام والعامر ، وعطّل منها المساكن والدور التي هي منازلهم ، تاريخ دمشق 2 / 212 في ترجمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باب ذكر بعض ما ورد من الملاحم والفتن .
فقد ورد التعبير بذلك في قول أبو عبيد ، وفي تأويل قول عمر أيضاً حين وضع الخراج ووظّفه على أهله من العلم أنّه جعله عاملاً عامّاً على كلّ مَنْ لزمته المساحة ، وصارت الأرض في يده من رجل ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مكاتب ، أو عبد ، فصاروا متساويين فيها لم يستثن أحداً دون أحد ، تاريخ دمشق 2 / 212 في ترجمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باب ذكر بعض ما ورد من الملاحم والفتن .
وعن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي قال : وضع عمر بن الخطاب على أهل السواد على كلّ جريب يبلغه الماء عامراً وغامراً درهماً وقفيزاً من طعام ، وعلى البساتين على كلّ جريب عشرة دراهم وعشرة أقفزة من طعام ، وعلى الكروم على كلّ جريب أرض عشرة دراهم وعشرة أقفزة من طعام ، وعلى الرطاب على كلّ جريب أرض خمسة دراهم وخمسة أقفزة طعام ، ولم يضع على النخل شيئاًً وجعله تبعاً للأرض ، وعلى رؤوس الرجال على الغني ثمانية وأربعين درهماً ، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهماً ، وعلى الفقير اثني عشرة درهماً ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 106 كتاب الزكاة ، ما يؤخذ من الكروم والرطاب والنخل وما يوضع على الأرض .
(2) الظاهر أنّه تعريض بما ورد عن عمر من أنّه منع من تزويج ذوات الأحساب إلاّ من ذوي الحسب ، راجع المصنّف ـ لعبد الرزاق 6 / 152 ، 154 كتاب النكاح ، باب الأكفاء ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 466 كتاب النكاح ، ما قالوا في الأكفاء في النكاح ، والجرح والتعديل 2 / 124 في ذكر إبراهيم بن محمد بن طلحة ، والمغني ـ لابن قدامه 7 / 375 ، ونهى عن يتزوج العربي الأمة ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 466 كتاب النكاح ، ما قالوا في الأكفاء في النكاح .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 285 _

  أنزل الله (عزّ وجلّ) فرضه (1) ، ورددت مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى ما كان

---------------------------
(1) روى جبير بن مطعم أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أعطى سهم ذوي القربى إلى بني هاشم وبني المطلب ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 699 كتاب الجهاد ، سهم ذوي القربى لمَنْ هو ؟ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 365 كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب إعطاء الفيء على الديوان ومَنْ يقع به البداية ، فتح الباري 6 / 174 .
وقد اختلف الحال بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد روى جبير بن مطعم : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يقسم لعبد شمس ولا لبنى نوفل من الخمس شيئاً كما كان يقسم لبني هاشم وبني المطلّب ، وأنّ أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غير أنّه لم يكن يعطي قربى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعطيهم ، وكان عمر يعطيهم وعثمان من بعده منه .
مسند أحمد 4 / 83 حديث جبير بن مطعم (رضي الله تعالى عنه) ، واللفظ له ، سنن أبي داود 2 / 26 كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 342 كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب سهم ذوي القربى من الخمس ، مجمع الزوائد 5 / 341 كتاب الجهاد ، باب قسم الغنيمة ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وعن سعيد المقبري قال : كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى ، فكتب إليه ابن عباس : إنّا كنّا نزعم أنّا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 700 كتاب الجهاد ، سهم ذوي القربى لمَنْ هو ؟ واللفظ له ، مسند أحمد 1 / 248 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب (رضي الله تعالى عنه) ، صحيح مسلم 5 / 198 كتاب الجهاد والسير ، باب النساء الغازيات يرضخ لهنّ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 345 كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب ما جاء في مصرف أربعة أخماس الفيء ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
وعن عبد الرحيم بن سليمان ، عن أشعث ، عن الحسن في هذه الآية ( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) قال : لم يُعطَ أهل البيت بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الخمس ولا عمر ولا غيرهم ، فكانوا يرون أنّ ذلك إلى الإمام يضعه في سبيل الله وفي الفقراء حيث أراده الله ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 700 كتاب الجهاد ، سهم ذوي القربى لمَنْ هو ؟
وروى يزيد بن هرمز أنّ نجدة الحروري حين حجّ في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى ، ويقول : لمَنْ تراه ؟
قال ابن عباس : لقربي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قسمه لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله ، سنن أبي داود 2 / 26 كتاب الخراج والإمارة والفيء ، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذوي القربى ، واللفظ له ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 345 كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب ما جاء في مصرف أربعة أخماس الفيء ، مسند أبي يعلى 5 / 123 .
وقال ابن عباس : إنّ عمر بن الخطاب دعانا إلى أن تنكح منه أيمناً ، ونخدم منه عائلنا ، ونقضي منه عن غارمنا ، فأبينا ذلك إلاّ أن يسلّمه لنا جميعاً ، فأبى أن يفعل ، فتركناه عليه ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 699 كتاب الجهاد ، سهم ذوي القربى لمَنْ هو ؟ واللفظ له ، مسند أبي يعلى 4 / 424 ، شرح معاني الآثار 3 / 303 ، وغيرها من المصادر .
وعن قيس بن مسلم ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال : اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال قائلون : سهم ذوي القربى لقرابة النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال قائلون : لقرابة الخليفة ، وقال قائلون : سهم النبي (صلّى الله عليه وآله) للخليفة من بعده ، فاجتمع رأيهم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله فكانا على ذلك في خلافة أبى بكر وعمر (رضي الله عنهما) السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 342 ـ 343 كتاب قسم الفيء والغنيمة ، باب سهم ذوي القربى من الخمس ، واللفظ له ، المستدرك على الصحيحين 2 / 128 كتاب قسم الفيء ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 5 / 238 كتاب الجهاد ، باب ذكر الخمس وسهم ذي القربى ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 286 _

  عليه (1) ، وسددت ما فُتح فيه من الأبواب وفتحت ما سُدّ منه (2) ، وحرّمت

---------------------------
(1) فقد روي أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بنى مسجده مربّعاً طوله وعرضه مئة ذراع ، أو أقل من ذلك .
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1 / 262 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الثاني في ذرعه وحدوده التي يتميز بها عن سائر المسجد اليوم .
فزاد فيه عمر بن الخطاب فصار طوله أربعين ومئة ذراع وعرضه عشرين ومئة ذراع ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 75 ـ 76 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الثاني عشر في زيادة عمر (رضي الله عنه) في المسجد .
ثمّ زاد عثمان فيه أيضاً فجعل طوله ستين ومئة ذراع وعرضه خمسين ومئة ذراع ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 85 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الرابع عشر في زيادة عثمان .
(2) كان لمسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على عهده ثلاثة أبواب ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي 1 / 259 الفصل الأوّل في أخذه (صلّى الله عليه وآله) لموضع مسجده الشريف وكيفية بنائه ، و 2 / 212 الفصل الثاني والثلاثون في أبواب المسجد وما سدّ منها وما بقي وما يحاذيها من الدور قديماً وحديثاً ، أبواب المسجد .
فقد أحدث عمر بن الخطاب فيه باباً رابعاً فيه سُمّي بباب النساء ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 78 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الثاني عشر في زيادة عمر (رضي الله عنه) في المسجد .
كما روي أنّه فتح باباً عند دار مروان بن الحكم ، وبابين في مؤخّر المسجد ، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 77 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الثاني عشر في زيادة عمر في المسجد ، وص 212 الفصل الثاني والثلاثون في أبواب المسجد وما سدّ منها وما بقي وما يحاذيها من الدور قديماً وحديثاً ، أبواب المسجد .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 287 _

  المسح على الخفين (1) ،

---------------------------
(1) روي جواز المسح على الخفين عن جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وابن عمر وأبو أبوب ، بل نُسب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولكن الثابت عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه لا يجوز ذلك .
فقد روي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال : (( جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبي (عليه السّلام) وفيهم علي (عليه السّلام) ، وقال : ما تقولون في المسح على الخفين ؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يمسح على الخفين ، فقال علي (عليه السّلام) : قبل المائدة أو بعدها ؟ فقال : لا أدري ، فقال علي (عليه السّلام) : سبق الكتاب الخفين ، إنّما أنزلت المائدة قبل أن يُقبض بشهرين أو ثلاثة )) ، تهذيب الأحكام 1 / 361 .
وعن ابن عباس قال : إنّا عند عمر (رضي الله عنه) حين سأله سعد وابن عمر عن المسح على الخفين ، فقضى عمر لسعد ، فقال ابن عباس : فقلت : يا سعد قد علمنا أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) مسح على خفيّه ، ولكنّ أقبل المائدة أم بعدها ؟ قال : لا يخبرك أحد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) مسح عليهما بعد ما أُنزلت المائدة .
فسكت عمر ، مسند أحمد 1 / 366 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، واللفظ له ، السسن الكبرى ـ للبيهقي 1 / 273 كتاب الطهارة ، باب الرخصة في المسح على الخفين .
ولكنّ عمر مع ذلك تمسّك به وكتب به ، فقد روي أنّ يزيد بن وهب قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب في المسح على الخفّين ثلاثة أيام ولياليهنّ للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، شرح معاني الآثار 1 / 84 كتاب الطهارة ، باب المسح على الخفّين كم وقته للمقيم والمسافر ، واللفظ له ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 1 / 206 كتاب الطهارات ، في المسح على الخفين ، كنز العمّال 9 / 600 ح 27585 .
روى رقية بن مقصلة قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السّلام) فسألته عن أشياء ... فقلت له : ما تقول في المسح على الخفّين ؟ فقال : (( كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه لا في سفر ولا حضر )) .
فلمّا خرجت من عنده فقمت على عتبة الباب ، فقال لي : (( أقبل )) ، فأقبلت عليه ، فقال : (( إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم ، فيخطئون ويصيبون ، وكان أبي لا يقول برأيه )) ، وسائل الشيعة 1 / 323 .
وعن زاذان قال : قال علي بن أبي طالب لأبي مسعود : (( أنت فقيه ! أنت المحدّث أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مسح على الخفّين ؟ )) .
قال : أوَ ليس كذلك ؟
قال : (( أقبل المائدة أو بعدها ؟ )) .
قال : لا أدري .
قال : (( لا دريت ! إنّه مَنْ كذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّداً فليتبوأ مقعده من النار )) ، كنز العمّال 9 / 607 ح 27614 ، واللفظ له ، ضعفاء العقيلي 2 / 86 في ترجمة زكريا بن يحيى الكسائي ، ميزان الاعتدال 2 / 76 في ترجمة زكريا بن يحيى الكسائي الكوفي ، لسان الميزان 2 / 484 في ترجمة زكريا بن يحيى الكسائي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 288 _

  وحددت على النبيذ (1) ،

---------------------------
(1) وقد أحلّ عمر بن الخطاب النبيذ ، فقد ورد عن عمرو بن ميمون قال : قال عمر : إنا لنشرب من النبيذ نبيذاً يقطع لحوم الإبل في بطوننا من أن تؤذينا ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 8 / 299 كتاب الأشربة ، باب ما جاء في وصف نبيذهم الذي كانوا يشربونه .
بل ورد عن نافع بن عبد الحارث أنّه قال : قال عمر : اشربوا هذا النبيذ في هذه الأسقية ، فإنّه يقيم الصلب ، ويهضم ما في البطن ، وإنّه لن يغلبكم ما وجدتم الماء ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 5 / 526 كتاب الأشربة ، مَنْ كان يقول : إذا اشتدّ عليك فاكسره بالماء ، واللفظ له ، كنز العمال 5 / 522 ح 13795 .
وعن ابن عون قال : أتى عمر قوماً من ثقيف قد حضر طعامهم ، فقال : كلوا الثريد قبل اللحم ، فإنّه يسد مكان الخلل ، وإذا اشتد نبيذكم فاكسروه بالماء ، ولا تسقوه الأعراب ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 5 / 526 كتاب الأشربة ، مَنْ كان يقول : إذا اشتد عليك فاكسره بالماء ، ومراده من ذلك منع إسكاره بخلطه بالماء .
ومن الطريف ما رواه الشعبي عن سعيد وعلقمة : أنّ أعرابياً شرب من شراب عمر ، فجلده عمر الحد ، فقال الأعرابي : إنّما شربت من شرابك ! فدعا عمر شرابه فكسره بالماء ، ثمّ شرب منه وقال : مَنّ رابه من شرابه شيء فليكسره بالماء ، أحكام القرآن ـ للجصاص 2 / 581 .
وجاء رجل قد ظمئ إلى خازن عمر ، فاستسقاه فلم يسقه ، فأتي بسطيحة لعمر فشرب منه فسكر ، فأُتي به عمر فاعتذر إليه ، وقال : إنّما شربت من سطيحتك ، فقال عمر : إنّما أضربك على السكر ، فضربه عمر ، شرح معاني الآثار 4 / 218 ، واللفظ له ، المحلّى 7 / 486 ، فتح الباري 10 / 34 .
وعن سعيد بن ذي لعوة قال : أتي عمر برجل سكران فجلده ، فقال : إنّما شربت من شرابك ، فقال : وإن كان .
شرح معاني الآثار 4 / 218 .
وقد ورد تحريمه في روايات الجمهور عن رسول الله ، فقد روى ابن عمر قال : نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الحنتمة ، قيل : وما الحنتمة ؟ قال : الجرّة ، يعني النبيذ ، مسند احمد 2 / 27 مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب .
وقال عبد الله بن إدريس الكوفي : قلت لأهل الكوفة : يا أهل الكوفة ، إنّما حديثكم الذي تحدّثونه في الرخصة في النبيذ عن العميان والعوران والعمشان ، أين أنتم عن أبناء المهاجرين والأنصار ؟! السنن الكبرى ـ للبيهقي 8 / 306 كتاب الأشربة ، باب ما جاء في الكسر بالماء .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 289 _

  وأمرت بإحلال المتعتين (1) ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس

---------------------------
(1) وقد تواتر منع عمر عن المتعتين وتحريمهم ، ولا بأس بذكر بعض النصوص في ذلك :
فقد خطب عمر فقال : إنّ رسول الله هذا الرسول ، وإنّ هذا القرآن هذا القرآن ، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا أنهى عنهما ، وأعاقب عليهما : إحداهما متعة النساء ، ولا أقدر على رجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ غيّبته بالحجارة ، والأخرى متعة الحج ، افصلوا حجّكم من عمرتكم ، فإنّه أتمّ لحجّكم ، وأتمّ لعمرتكم ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 7 / 206 كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة ، واللفظ له ، مسند أحمد 1 / 52 مسند عمر بن الخطاب ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 كتاب مناسك الحج ، باب الإحرام النبوي بالحج أو العمرة ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وقال جابر بن عبد الله : تمتّعنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزل منازله فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله ، وابتوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة ، صحيح مسلم 4 / 38 كتاب الحجّ ، باب في المتعة بالحجّ والعمرة ، واللفظ له ، أحكام القرآن ـ للجصاص 2 / 193 ، تاريخ المدينة 2 / 720 ، وغيرها من المصادر .
وسأل رجل شامي عبد الله بن عمر عن متعة الحجّ ، فقال : هي حلال ، فقال له الشامي : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر أبي يُتبع أم أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟ فقال الرجل : بل أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : لقد صنعها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سنن الترمذي 2 / 159 أبواب الحج ، باب ما جاء في التمتع ، واللفظ له .
وقال بعد ذكر الحديث : هذا حديث حسن صحيح ، مسند أبي يعلى 9 / 342 ، تفسير القرطبي 2 / 388 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 290 _

  تكبيرات (1) ،

---------------------------
(1) فقد روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ التكبير على الجنازة خمس .
قال عبد الأعلى : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر خمساً ، فقام إليه أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى فأخذ بيده فقال : نسيت ؟ قال : لا ، ولكن صلّيت خلف أبي القاسم خليلي (صلّى الله عليه وآله) ، فكبّر خمساً ، فلا أتركها أبداً ، مسند أحمد 4 / 370 حديث زيد بن أرقم (رضي الله عنه) ، واللفظ له ، شرح معاني الآثار 1 / 494 كتاب الصلاة ، باب التكبير على الجنائز كم هو ، المعجم الأوسط 2 / 228 ، وغيرها من المصادر .
وعن عبد العزيز بن حكيم قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر خمساً ، ثمّ التفت فقال : هكذا كبّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، أو نبيكم (صلّى الله عليه وآله) ، مسند أحمد 4 / 371 حديث زيد بن أرقم (رضي الله عنه) .
وحدّث أيوب بن سعيد بن حمزة قال : صلّيت خلف زيد بن أرقم على جنازة فكبّر خمساً ثمّ قال : صلّيت خلف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على جنازة فكبّر خمساً فلن ندعها لأحد ، سنن الدارقطني 2 / 60 كتاب الجنائز ، باب التسليم في الجنازة واحد والتكبير أربعاً وخمساً وقراءة الفاتحة .
وقال يحيى بن عبد الله التيمي : صلّيت خلف عيسى مولى لحذيفة في المدائن على جنازة فكبّر خمساً ، ثمّ التفت إلينا فقال : ما وهمت ولا نسيت ، ولكن كبّرت كما كبّر مولاي وولي نعمتي حذيفة بن اليمان ، صلّى على جنازة وكبّر خمساً ، ثمّ التفت إلينا فقال : ما نسيت ولا وهمت ، ولكن كبّرت كما كبّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، صلّى على جنازة فكبّر خمساً ، مسند أحمد 5 / 406 حديث حذيفة بن اليمان ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 3 / 34 كتاب الجنائز ، باب التكبير على الجنازة ، سنن الدارقطني 2 / 60 كتاب الجنائز ، باب التسليم في الجنازة واحد والتكبير أربعاً وخمساً وقراءة الفاتحة ، تاريخ بغداد 11 / 143 في ترجمة عيسى البزاز المدائني ، وغيرها من المصادر .
فلمّا ولي عمر جعل التكبيرات أربعاً ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 4 / 37 كتاب الجنائز ، باب ما يستدلّ به على أنّ أكثر الصحابة اجتمعوا على أربع ، ورأي بعضهم الزيادة منسوخة، المصنّف ـ لعبد الرزاق 3 / 479 ـ 480 كتاب الجنائز باب التكبير على الجنازة ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 186 كتاب الجنائز ، مَنْ كان يكبّر على الجنازة خمساً .
فتح الباري 3 / 162 ، عون المعبود 8 / 343 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 291 _

  وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (1) ، وأخرجت مَنْ أُدخل مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مسجده ممّن كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخرجه ، وأدخلت مَنّ أُخرج بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ممّن كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أدخله (2) ، وحملت الناس

---------------------------
(1) روى الجمهور أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يجهر في الصلاة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ، راجع السنن الكبرى ـ للبيهقي 2 / 46 ـ 49 كتاب الصلاة ، باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها إذا جهر بالفاتحة ، وسنن الدارقطني 1 / 303 ـ 305 ، 308 كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها واختلاف الروايات ، ونصب الراية / 442 ، 444 ، والدراية ـ لابن حجر 1 / 131 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وعن ابن عباس أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يزل يجهر في السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم حتى قبض ، راجع سنن الدارقطني 1 / 303 كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة والجهر بها واختلاف الروايات ، وعمدة القارئ 5 / 288 ، ونصب الراية / 469 ، 486 ، والدراية ـ لابن حجر 1 / 134 ، 136 ، وغيرها من المصادر .
وقال أبو هريرة : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم فترك الناس ذلك ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 2 / 47 كتاب الصلاة ، باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها إذا جهر بالفاتحة .
وقد روى الجمهور أنّ أبا بكر وعمر وعثمان لم يجهروا به .
فقد روى حميد : إنّ أبا بكر كان يفتتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمين ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 1 / 448 كتاب الصلاة ، مَنْ كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
وقد روي عن الأسود أنّه قال : صلّيت خلف عمر سبعين صلاة فلم يجهر فيها ببسم الله الرحمن الرحيم ، راجع المصنّف ـ لابن أبي شيبة 1 / 449 كتاب الصلاة ، مَنْ كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ونيل الأوطار ـ للشوكاني 2 / 217 .
وقد روى أنس أنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله ربّ العالمين ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 1 / 447 كتاب الصلاة ، مَنْ كان لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
(2) قال الفيض : ( وأخرجت مَنْ أُدخل ) لعلّ المراد به أبو بكر وعمر ، حيث دفنا في مسجد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ( أخرجه ) ، والمراد بإخراج الرسول إيّاهما سدّ بابهما عن المسجد ، ( وأدخلت مَنْ أُخرج ) لعلّ المراد به نفسه (عليه السّلام) ، وبإخراجه سدّ بابه وبإدخاله فتحه ، الوافي 14 / 16 أبواب الخطب والرسائل .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 292 _

  على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة (1) ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها (2) ، ورددت الوضوء ، والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها

---------------------------
(1) فقد روي عن ابن عباس أنّه قال : كان الطلاق على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ، صحيح مسلم 4 / 183 ـ 184 كتاب الطلاق ، باب طلاق الثلاث ، المستدرك على الصحيحين 2 / 196 كتاب الطلاق ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 7 / 336 كتاب القسم والنشوز ، باب مَنْ جعل الثلاث واحدة وما ورد في خلاف ذلك ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 6 / 392 كتاب الطلاق ، باب المطلق ثلاثاً ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
وقال أبو الصهباء لابن عباس : أتعلم إنّما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وثلاثاً من إمارة عمر ؟ فقال ابن عباس : نعم ، صحيح مسلم 4 / 184 كتاب الطلاق ، باب طلاق الثلاث ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 7 / 336 كتاب القسم والنشوز ، باب مَنْ جعل الثلاث واحدة وما ورد في خلاف ذلك ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 6 / 392 كتاب الطلاق ، باب المطلق ثلاثاً ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
(2) فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يجعل الزكاة على الخيل ، بل نهى عن ذلك ، راجع المصنّف ـ لعبد الرزاق 4 / 33 ـ 34 كتاب الزكاة ، باب الخيل ، التمهيد ـ لابن عبد البر 4 / 215 .
مع أنّ عمر فرض الزكاة عليه ، قال حي بن يعلى أنّه سمع يعلى قال : ابتاع عبد الرحمن بن أمية ـ أخو يعلى ـ من رجل فرساً أنثى بمئة قلوص ، فبدا له فندم البائع ، فأتى عمر ، فقال : إنّ يعلى وأخاه غصباني فرسي ، فكتب عمر إلى يعلى بن أمية : أنّ الحقّ بي ، فأتاه فأخبره ، فقال : إنّ الخيل لتبلغ هذا عندكم ؟! قال : ما علمت فرساً قبل هذه بلغ هذا ، قال عمر : فنأخذ من كلّ أربعين شاة شاة ولا نأخذ من الخيل شيء ؟ خذ من كلّ فرس دينار ، قال : فضرب على الخيل ديناراً ديناراً ، راجع السنن الكبرى ـ للبيهقي 4 / 119 ـ 120 كتاب الزكاة ، باب مَنْ رأى في الخيل صدقة ، واللفظ له ، والمصنّف ـ لعبد الرزاق 4 / 36 كتاب الزكاة ، باب الخيل ، والاستذكار ـ لابن عبد البر 3 / 238 ، والتمهيد ـ لابن عبد البر 4 / 216 ، ونصب الراية 2 / 422 ـ 423 ، والمبسوط ـ للسرخسي 2 / 188 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
كما فرض الزكاة على القطنية وهي العدس والحمص وأشباههم ، راجع المصنّف ـ لعبد الرزاق 4 / 120 كتاب الزكاة ، باب الخضر ، 6 / 99 كتاب الجهاد ، صدقة أهل الكتاب ، والسنن الكبرى ـ للبيهقي 9 / 210 كتاب الجزية ، باب ما يؤخذ من الذمّي إذا اتجر في غير بلده والحربي إذا دخل بلاد الإسلام بأمان ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 88 كتاب الزكاة ، في نصارى بني تغلب ما يؤخذ منهم ، ومعرفة السنن والآثار 7 / 133 ، والاستذكار ـ لابن عبد البر 3 / 231 ، 251 ، والتمهيد ـ لابن عبد البر 2 / 126 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وعلى عسل النحل ، راجع المصنّف ـ لعبد الرزاق 4 / 62 كتاب الزكاة ، باب صدقة العسل ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 33 كتاب الزكاة ، في العسل هل فيه زكاة أم لا ؟
وعلى الزيتون ، راجع المصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 33 كتاب الزكاة ، في الزيتون فيه الزكاة أم لا ؟
وعلى حلي النساء ، راجع المصنّف ـ لابن أبي شيبة 3 / 44 كتاب الزكاة ، في الحلي ، وتلخيص الحبير 6 / 19 ، كنز العمال 6 / 542 ح 16875 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 293 _

  ومواضعه ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (1) ، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنّة نبيه (صلى الله عليه وآله) (2) ، إذاً لتفرقوا عنّي .

---------------------------
(1) روي أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) صالح أهل نجران على أن لا يجليهم من أرضهم ، وأخذ منهم الجزية من المال الواسع ، سبل السلام 4 / 63 ، وكتب لهم بذلك كتاب ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 564 كتاب المغازي ، ما ذكروا في أهل نجران .
ولمّا ولي عمر أجلاهم من أرضهم ، السنن الكبرى 9 / 209 كتاب الجزية ، باب ما جاء في تفسير أرض الحجاز وجزيرة العرب ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 564 كتاب المغازي ، ما ذكروا في أهل نجران ، سبل السلام 4 / 63 ، فتح الباري 5 / 9 .
وقد استنجد أهل نجران بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فجاؤوا إليه ومعهم قطعة أيدم فيه كتاب عليه خاتم النبي (صلّى الله عليه وآله) فقالوا له : ننشدك الله كتابك بيدك ، وشفاعتك بلسانك ، إلاّ ما رددتنا إلى نجران ، فلم يفعل (عليه السّلام) شيء ، تفسير مقاتل بن سليمان 1 / 212 ، ونحوه في المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 483 كتاب الفضائل ، ما ذكر في فضل عمر بن الخطاب ، تاريخ دمشق 44 / 364 في ترجمة عمر بن الخطاب ، المغني ـ لابن قدامة 11 / 405 ، وقد كانت حادثة المباهلة المعروفة معهم .
(2) لعلّه إشارة إلى منع عمر من سبي مشركي العرب .
قال اليعقوبي : وكان أوّل ما عمل به عمر أن ردّ سبايا أهل الردّة إلى عشائرهم ، وقال : إنّي كرهت أن يصير السبي سنة على العرب ، تاريخ اليعقوبي 2 / 139 أيام عمر بن الخطاب .
وقال ابن الأثير : لمّا ولي عمر بن الخطاب قال : إنّه لقبيح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً وقد وسع الله (عزّ وجلّ) وفتح الأعاجم ، واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام ... الكامل في التاريخ 2 / 382 أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة ، ذكر ردّة حضرموت وكندة ، ومثله في تاريخ الطبري 2 / 549 أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة ، ذكر خبر حضرموت في ردّتهم ، وإمتاع الأسماع 14 / 250 ، وغيرهما من المصادر .
وقال الشعبي : لمّا قام عمر بن الخطاب قال : ليس على عربي ملك ... السنن الكبرى ـ للبيهقي 9 / 74 كتاب السير ، باب مَنْ يجري عليه الرق ، واللفظ له ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 7 / 278 باب الأمة تغر الحرة بنفسها ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 580 كتاب الجهاد ، ما قالوا في سبي الجاهلية والقرابة ، كنز العمال 6 / 545 ح 16884 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 294 _

  والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام ، غُيّرَت سنّة عمر (1) ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ... (2) .
  وقد بقي ولاء الأوّلين حاجزاً للكثيرين عن تقبّل ما أوضحه (صلوات الله عليه) من حقّ أهل البيت (عليهم السّلام) (3) ، بل سبباً للتشنيع والتشهير بشيعتهم ،

---------------------------
(1) فقد استفاضت النصوص بأنّ عمر شرع الجماعة في نافلة شهر رمضان وهي المعروفة بالتراويح ، راجع صحيح البخاري 2 / 252 كتاب الصوم ، كتاب صلاة التراويح ، باب فضل مَنْ قام رمضان ، والسنن الكبرى ـ للبيهقي 2 / 493 كتاب الصلاة ، باب قيام شهر رمضان ، والمصنّف ـ لعبد الرزاق 4 / 259 كتاب الصيام ، باب قيام رمضان ، وصحيح ابن خزيمة 2 / 155 كتاب الصلاة ، باب في بيان وتره (صلّى الله عليه وآله) في الليلة التي بات ابن عباس عنده ، ومعرفة السنن والآثار 2 / 304 ، ونصب الراية 2 / 174 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) الكافي 8 / 58 ـ 63 .
(3) وربما صار ذلك عقدة بينه (عليه السّلام) وبين بعض مَنْ كان في طاعته ، بحيث كانوا في أزمة نفسية انفجرت في التحكيم ، لتتشبث به كمبرر لتكفيره (صلوات الله عليه) والخروج عليه ، وظهور فرقة الخوارج ، كما يناسب ذلك .
أوّلاً : ضعف شبهتهم وظهور وهنها لولا العقد التي تتحقق بها الأرضية الصالحة للتشبث بالشبه الضعيفة .
وثانياً : تقديسهم الشديد لأبي بكر وعمر ، وعدم محاولتهم النظر في سلبياتهم ، ولاسيما مع ما ورد من عناية عمر ببعضهم ، كعبد الرحمن بن ملجم ، حيث كتب لعامله على مصر عمرو بن العاص أن قرّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه فوسّع له ، راجع لسان الميزان 3 / 440 في ترجمة عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، والأنساب ـ للسمعاني 1 / 451 في التدؤلي ، وتاريخ الإسلام 3 / 653 في أحداث سنة أربعين من الهجرة ، والوافي بالوفيات 18 / 172 في ترجمة عبد الرحمن بن ملجم ، وغيرها من المصادر .
وثالثاً : تميزهم بقراءة القرآن المجيد وتشبّثهم بظواهر بعض آياته الكريمة ، من دون تعريج على السنّة النبوية الشريفة التي كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يركّز عليها في إثبات حقّه وحق أهل البيت (عليهم السّلام) ، وفي توجيه كثير من مواقفه ، حيث قد يوحي ذلك بعدم ألفتهم التعريج على السنّة في الخروج عن ظواهر القرآن البدوية والجمع بينه ، تأثراً بمواقف الأوّلين من السنّة وتركيزهم على القرآن وحده .
نعم ، لا يزيد ذلك على الاحتمال أو الظنّ ، ويحتاج لمزيد من الفحص والتأمّل قد يتيسر للباحثين من أجل التعرّف على التراكمات التي انفجرت لتتجسّد في هذه الدعوة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 295 _

  ومبرّراً لانتهاك حرماتهم في دمائهم وأموالهم وكرامتهم ، إلاّ أنّ إيمان الشيعة بقضيتهم كان أقوى من أن يقف ذلك في طريقه .
  وبالجملة : كانت نتيجة جهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وخاصة أصحابه ظهور دعوة التشيّع لأهل البيت (صلوات الله عليهم) المبتنية على أنّ الإمامة والخلافة حقّ يختصّ بهم ، تبعاً للنصّ عليهم من الله (عزّ وجلّ) ورسوله الأمين (صلّى الله عليه وآله) ، وهي تعتمد على الاستدلال والبرهان .
  وذلك في مقابل ما كان عليه الجمهور من عدم اختصاص الإمامة والخلافة بأهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وهو مدعوم باحترام الأوّلين احتراماً قد يبلغ حدّ التقديس ، بحيث يكون ديناً يتديّن به ، نتيجة العوامل التي سبق ويأتي التعرّض لها .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 296 _

إيضاحه (عليه السّلام) لأحكام حرب أهل القبلة

  الأمر الثاني : أنّ مقتل عثمان كان مفتاحاً للصراع الدموي على السلطة في الإسلام ، ولظهور الانقسام في الأُمّة وظهور الفرق فيها .
  وقد تنبّأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بذلك في أحداث الشورى ، نتيجة لما عنده من مكنون العلم ، فقد روي عنه (عليه السّلام) أنّه قال لجماعة الشورى بعد أن ذكر حقّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) : (( اسمعوا كلامي ، وعوا منطقي ، عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضي فيه السيوف ، وتخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة ، وحتى يكون بعضكم أئمّة لأهل الضلالة ، وشيعة لأهل الجهالة )) (1) .
  وقد سبق أنّه (عليه السّلام) قال لعثمان : (( وإنّي أنشدك الله أن لا تكون إمام هذه الأُمّة المقتول ؛ فإنّه كان يُقال : يُقتل في هذه الأُمّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ... )) (2) .
  ومن الظاهر أنّ المسلمين لا عهد لهم بهذه الحروب ولا يعرفون أحكامها ، وإنّما يعهدون حرب الكفّار من المشركين وأهل الكتاب ، فتتحكّم فيها اجتهادات السلطة ونزواتها من دون تحديد للحقّ والباطل ، والعدل والجور .
  وفي الحقيقة : قد سبقت الحرب للمسلمين من أجل السلطة قبل ذلك عند ارتحال النبي (صلّى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى ، فإنّ بعض الحروب التي أطلق عليها حروب الردّة لم تكن في الحقيقة حروب ردّة ، بل كانت من أجل تثبيت سلطة أبي بكر على

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 195 ، واللفظ له ، نهج البلاغة 2 / 23 ، تاريخ الطبري 3 / 300 أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، قصّة الشورى ، الكامل في التاريخ 3 / 74 أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، ذكر قصّة الشورى .
(2) تقدّم في / 263 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 297 _

  ما ذكرناه في جواب السؤال الرابع من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة) .
  إلاّ إنّ السلطة قد حاولت تشويه موقف المعارضة بإطلاق حروب الردّة عليها ، كما إنّها تخبّطت في التعامل مع المعارضة عن عمد أو جهل ، كما أشرنا لشيء من ذلك في المبحث الأوّل عند عرض نماذج من الانحراف في العهد الأموي (1) ، ومن ثمّ لم يعرف المسلمون شيئاً عن التعامل الإسلامي الحقّ في حرب أهل القبلة .

سيرته (عليه السّلام) في حروبه صارت سنّة للمسلمين

  فكانت بيعة أمير المؤمنين (عليه السّلام) وتولّيه السلطة ، ومباشرته لتلك الحروب التي ترتّبت على بيعته سبباً في وضوح أحكامه ، وصارت سيرته (عليه السّلام) فيها علماً للمسلمين حتى قال أبو حنيفة : ما قاتل أحد علياً إلاّ وعلي أولى بالحقّ منه ، ولولا ما سار علي فيهم ما علم أحد كيف السيرة في المسلمين (2) .
  وقال : وسُئل عن يوم الجمل ، فقال : سار علي فيه بالعدل ، وهو علّم المسلمين السنّة في قتال أهل البغي (3) .
  وقال تلميذه محمد بن الحسن : لو لم يقاتل معاوية علياً ظالماً له ، متعدّياً باغياً كنّا لا نهتدي لقتال أهل البغي (4) .

---------------------------
(1) تقدّم في / 230 وما بعده .
(2) بغية الطلب في تاريخ حلب 1 / 291 باب في ذكر صفين ... الفصل الثاني في بيان أنّ علياً (عليه السّلام) على الحقّ في قتاله معاوية ، واللفظ له ، مناقب أبي حنيفة ـ للخوارزمي 2 / 83 الباب الرابع والعشرون في ذكر ألفاظ جرت على لسانه فصارت أمثالاً بين الناس ، مناقب أبي حنيفة ـ للكردري 2 / 71 .
(3) مناقب أبي حنيفة ـ للخوارزمي 2 / 84 الباب الرابع والعشرون في ذكر ألفاظ جرت على لسانه فصارت أمثالاً بين الناس ، مناقب أبي حنيفة ـ للكردري 2 / 72 .
(4) الجواهر المضية في طبقات الحنفية 2 / 26 في ترجمة محمد بن أحمد بن موسى بن داود الرازي البرزالي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 298 _

  وقال الشافعي : لولا علي لما عُرف شيء من أحكام أهل البغي (1) .
  ولمّا أنكر يحيى بن معين على الشافعي استدلاله بسيرة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في قتال البغاة ، وقال : أيجعل طلحة والزبير بغاة ؟! ردّ عليه أحمد بن حنبل وقال : ويحك ! وأي شيء يسعه أن يضع في هذا المقام ؟!
  وقال ابن تيمية : يعني : إنْ لم يقتد بسيرة علي في ذلك لم يكن معه سنّة من الخلفاء الراشدين في قتال البغاة (2) .
  وقد أوضح أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بسيرته وأقواله في تلك الحروب أمرين :

إسلام الباغي يعصمه من الرق ويعصم ماله

  أوّلهما : إنّ الباغي وإنْ هدر دمه دفعاً لشرّه ، إلاّ إنّ إسلامه يعصمه من الرق ، ويعصم ماله الذي لم يقاتل به (3) ، أو جميع ماله حتى ما قاتل به (4) ، وليس هو كالكافر في ذلك .
  وقد سبب ذلك له (عليه السّلام) إحراجاً في واقعة الجمل ، لأنّ المسلمين لم يعهدوا التفريق بين الأمرين في حروبهم ، إلاّ أنّه استطاع أن يقنعهم حينما قال : (( فأقرعوا على عائشة ، لأدفعها إلى مَنْ تصيبه القرعة )) فعرفوا خطأهم ، وقالوا : نستغفر

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 331 .
(2) مجموع الفتاوى 4 / 438 مفصل اعتقاد السلف ، فصل في أعداء الخلفاء الراشدين والأئمّة الراشدين .
(3) شرح نهج البلاغة 1 / 250 ، جامع بيان العلم وفضله ـ لابن عبد البر 2 / 105 ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 710 كتاب الجمل ، مسير عائشة وعلي وطلحة والزبير ، الدراية ـ لابن حجر 2 / 139 باب البغاة ، المحلّى 11 / 103 حكم قتل أهل البغي ، كنز العمال 11 / 336 ح 31676 ـ 31677 ، وغيرها من المصادر .
(4) جواهر الكلام 21 / 339 ـ 341 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 299 _

  الله يا أمير المؤمنين (1) .
  وهذا من مظاهر أمانته (صلوات الله عليه) واهتمامه بتطبيق أحكام الله (عزّ وجلّ) ، فهو لم يندفع في الانتقام من محاربيه شفاءً لغيظه وتحكيماً لعاطفته ، بل وقف عند الحكم الشرعي ، لا من أجل مجاراة الناس ، فإنّهم يجهلون الحكم المذكور ، بل قياماً بوظيفته الشرعية ، وأداءً لأمانته وما عهد إليه من تعريف الأُمّة بدينها ، وإنّ سبّب ذلك إحراجاً له مع عسكره .
  كما إنّه صار سبباً لزهد الناس في الجهاد معه في تلك الحروب التي بها تقرير مصير حكمه وتثبيت سلطته ، لأنّ من أهمّ دواعي الجهاد عند عامة الناس هو الفوز بالغنائم والاستكثار منها .
  والسلطة من بعده (عليه السّلام) وإن خرجت عن ذلك بسبب انحرافها ، كما هو المعلوم بأدنى مراجعة للتاريخ ، وأشرنا إلى بعض ذلك في المبحث الأوّل عند عرض نماذج من الانحراف في العهد الأموي ، إلاّ أنّ سيرته (عليه السّلام) صارت سبباً لظهور جورها في سيرته ، وهو مكسب عظيم للإسلام ، حيث ظهرت براءته من تلك السيرة الجائرة .

سقوط حرمة الباغي وانقطاع العصمة معه

  ثانيهما : التأكيد على بغي الخارج على الإمام الحقّ ، وسقوط حرمته ، وخروجه عن ضوابط الإيمان والإسلام الحقّ مهما كان شأنه الديني والاجتماعي ،

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 1 / 251 ، واللفظ له ، جامع بيان العلم وفضله ـ لابن عبد البر 2 / 105 ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 710 كتاب الجمل ، مسير عائشة وعلي وطلحة والزبير ، الدراية ـ لابن حجر 2 / 139 باب البغاة ، المحلّى 11 / 103 حكم قتل أهل البغي ، كنز العمال 11 / 336 ح 31676 ـ 31677 ، نصب الراية 4 / 363 باب البغاة ، وصيّة سيّدنا علي (ع) يوم الجمل والحديث في ذلك ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 300 _

  كما يشير إلى ذلك ما يأتي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في الفتنة .
  وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : (( أنا فقأت عين الفتنة ، لم يكن ليجترئ عليها غيري ، ولو لم أكُ فيكم ما قوتل أصحاب الجمل وأهل النهروان ... )) (1) .
  وفي كتاب له (عليه السّلام) إلى معاوية : (( وإنّ طلحة والزبير بايعاني ، ثمّ نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردّتهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون ... )) (2) .
  ولمّا أرادوا كتابة عهد التحكيم بعد حرب صفين قيل له (عليه السّلام) : أتقرّ أنّهم مؤمنون مسلمون ؟
  فقال (صلوات الله عليه) : (( ما أقرّ لمعاوية ولا لأصحابه أنّهم مؤمنون ولا مسلمون ، ولكن يكتب معاوية ما شاء لنفسه وأصحابه ، ويسمّي نفسه وأصحابه ما شاء )) (3) .

---------------------------
(1) بحار الأنوار 33 / 366 ، واللفظ له ، كتاب السنّة ـ لعبد الله بن أحمد 2 / 627 ، حلية الأولياء 4 / 186 في ترجمة علي بن أبي طالب ، السنن الكبرى ـ للنسائي 5 / 165 كتاب المناقب ، ذكر ما خصّ به علي من قتال المارقين ، ثواب من قاتلهم ، إلاّ إنّه ذكر أهل النهروان ولم يذكر أهل الجمل ، بينما ذكرهم في كتاب خصائص أمير المؤمنين / 146 ما خصّ به علي من قتال المارقين ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 698 كتاب المغازي ، ما ذكر في عثمان ، إلاّ إنّه كنّى عن عائشة وطلحة والزبير بـ : (فلان وفلان وفلان) ، كنز العمال 11 / 298 ح 31565 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 193 خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، كتاب سليم بن قيس / 256 ، وغيرها من المصادر .
وروي مبتوراً في علل الدارقطني 4 / 23 مسند علي بن أبي طالب ، تاريخ دمشق 42 / 474 في ترجمة علي بن أبي طالب .
(2) شرح نهج البلاغة 3 / 75 ، واللفظ له ، و 14 / 36 ، الإمامة والسياسة 1 / 80 كتاب علي إلى معاوية مرّة ثانية ، تاريخ دمشق 59 / 28 في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان ، العقد الفريد 4 / 306 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، خلافة علي بن أبي طالب (ع) ، أخبار علي ومعاوية ، وقعة صفين / 29 ، المناقب ـ للخوارزمي / 202 ، وغيرها من المصادر .
(3) وقعة صفين / 509 ـ 510 ، واللفظ له ، شرح نهج البلاغة 2 / 233 ، ينابيع المودّة 2 / 20 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 301 _

  بل ليس سقوط حرمة الباغي بهدر دمه فقط ، كالزاني المحصن ، بل ورد عنه (عليه السّلام) ما يناسب انقطاع العصمة بين الباغي وأهل الحقّ ، فلا تجري عليه أحكام المسلمين بعد القتل مراسيم التجهيز الشرعية (1) كما تجري على المسلمين.
  وعلى هذا يبتني حديث الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مع معاوية ، قال اليعقوبي بعد أن ذكر مقتل حجر بن عدي الكندي وجماعته (رضوان الله عليهم) : ( وقال معاوية للحسين بن علي (عليهم السلام) : يا أبا عبد الله علمت أنا قتلنا شيعة أبيك ، فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم ، فقال الحسين : حججتك ورب الكعبة ، لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم ، ولا حنطناهم ، ولا صلينا عليهم ولا دفناهم ) (2) .
  وقيل : ( ولما بلغ الحسن البصري قتل حجر وأصحابه قال : أصلوا عليهم ، وكفنوهم ، ودفنوهم ، واستقبلوا بهم القبلة ؟ قالوا : نعم ، قال : حجوهم ورب الكعبة ) (3) .
  حيث يظهر من ذلك أن إجراء السلطان أحكام الإسلام على من يقتله يكون حجة للمقتول على السلطان ، لأنه لا يجتمع مع شرعية قتله له ، وأن القتل والقتال من الإمام متى كان بحق ولم يكن تعدياً أوجب انقطاع العصمة.

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 66 أحداث سنة سبع وثلاثين من الهجرة : ذكر ما كان من خبر الخوارج ، الكامل في التاريخ 3 / 348 أحداث سنة سبع وثلاثين من الهجرة : ذكر مقتل ذي الثدية ، تاريخ ابن خلدون 2 ق : 2 / 181 أمر الخوارج وقتالهم.
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 231 وفاة الحسن بن علي ، واللفظ له ، الاحتجاج 2 / 19 ، وسائل الشيعة 2 / 704 باب : 18 من أبواب تغسيل الميت ح : 3.
(3) الكامل في التاريخ 3 / 486 أحدث سنة إحدى وخمسين من الهجرة : ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهم ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 8 / 27 في ترجمة أرقم بن عبد الله الكندي ، تاريخ الطبري 4 / 207 أحدث سنة إحدى وخمسين من الهجرة : تسمية من قتل من أصحاب حجر (رحمه الله) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 302 _

  وقد صرّح بذلك زهير بن القين (رضوان الله عليه) في خطبته على عسكر الأمويين قبيل معركة الطف ، حيث قال : ( يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب الله نذار ، إن حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتى الآن أخوة ، وعلى دين واحد ، وملة واحدة ، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، وأنتم للنصيحة منا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنا أمة وأنتم أمة ... ) (1) .
  وبذلك يظهر موقف أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من جميع من قاتله في حروبه ، ونظرته إليهم ، وتقييمه لهم.

الخلاصة في هدفه (عليه السّلام) من تولي السلطة

  والمتحصل من جميع ما سبق : أن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) لم يقبل بالبيعة من أجل أن يَرجِع الحقّ إلى أهله ، وتبقى السلطة في الإسلام في مسارها الذي أراده الله تعالى له ، لأنه (عليه السّلام) كان على يقين من عدم تيسر ذلك ، وأنه لابد من عود السلطة إلى الانحراف في مساره.
  وإنما كانت الثمرة المهمة لتوليه (عليه السّلام) الخلافة تنبيه الأمة لانحراف مسار السلطة في الإسلام ، وظهور كثير من الأحكام الشرعية والحقائق التي يتوقف عليها بقاء دعوة الإسلام الحقّ ، وسماع صوته ، إقامة للحجة ، حتى مع عود السلطة للانحراف الذي فرض على الإسلام بعد ارتحال النبي (صلّى الله عليه وآله) للرفيق الأعلى.

قيامه (عليه السّلام) بالأمر بعد عثمان بعهد من الله تعالى

  ومن الطبيعي أن ذلك كله كان بعهد إليه من النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الله عز وجل ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة ) (2) .

---------------------------
(1) تقدمت مصادره في / 139.
(2) سورة الأنفال الآية : 42.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 303 _

  قال (عليه السّلام) في خطبته لما بويع : ( ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيكم (صلّى الله عليه وآله) والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ، ولتغربلن غربلة ، ولتساطن سوط القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم ، وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقن سابقون كانوا قصرو ، وليقصرن سباقون كانوا سبقو ، والله ما كتمت وشمة ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ... حق وباطل ، ولكل أهل ، فلئن أمر الباطل لقديماً فعل ، ولئن قلّ الحقّ فلربما ولعل ، ولقلما أدبر شيء فأقبل ) (1) .
  وذيل هذا الكلام مشعر بيأسه (عليه السّلام) من تعديل مسار السلطة في الإسلام ، وبقاء الخلافة في موضعها الذي وضعها الله عز وجل فيه بعد أن خرجت عنه وأدبرت.

كلام للنبي (صلّى الله عليه وآله) في الفتنة

  وقال ابن أبي الحديد في التعقيب على كلام لأمير المؤمنين في الفتنة مذكور في نهج البلاغة : "وهذا الخبر مروي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد رواه كثير من المحدثين عن علي (عليه السّلام) أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال له : إن الله قد كتب عليك جهاد المفتونين كما كتب عليّ جهاد المشركين ، قال : فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة التي كتب عليّ فيها الجهاد ؟ قال : قوم يشهدون أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وهم مخالفون للسنة ، فقلت : يا رسول الله فعلام أقاتلهم وهم يشهدون كما أشهد ؟ قال : على الإحداث في الدين ومخالفة الأمر ... فقلت : يا رسول الله لو بينت لي قليل.
  فقال : إن أمتي ستفتن من بعدي ، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي ، وتستحل الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع ، وتحرف الكتاب عن مواضعه ،

---------------------------
(1) نهج البلاغة 1 / 47 ـ 48 ، واللفظ له ، الكافي 8 / 67 ـ 68.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 304 _

  وتغلب كلمة الضلال ، فكن جليس بيتك حتى تقلَّده ، فإذا قلِّدتها جاشت عليك الصدور ، وقلبت لك الأمور ، تقاتل حينئذ على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى.
  فقلت : يا رسول الله فبأي المنازل أنزل هؤلاء المفتونين من بعدك ، أبمنزلة فتنة أم بمنزلة رِدّة ؟ فقال : بمنزلة فتنة يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ... ) (1) ... إلى غير ذلك مما ورد عنهم (صلوات الله عليهم) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 206.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 305 _

المقام الثاني : في مواجهة السلطة لجهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخاصته

  بعد أن استولى معاوية على السلطة ، وصفت له الأمور ، وظّف قدراتِ الإسلام المعنوية والمادية لصالح حكمه ، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده ، بأمل قيام دولة أموية تتولى قيادة المسلمين ، وتتحكم في الإسلام لصالحها وصالح أصولها الجاهلية ، مهما كانت الوسائل والنتائج.

اهتمام معاوية بالقضاء على خط أهل البيت (عليهم السّلام)

  وكان همه الأكبر القضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذي يمثل الإسلام الصحيح ، ويذكر به ، ويدعو له.
  ويبدو أنه كان يرى في بدء الأمر أن سياسة الترغيب والترهيب تكفي في نجاح الخط الأموي ، وفشل خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وأن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) إنما نصره من نصره رغبة ورهبة حينما كان له السلطان ، وكان بمقدوره أن يضر وينفع.
  أما بعد أن قتل (عليه السّلام) وخرج السلطان عنه وعن أهل بيته ـ بحيث لا يُخافون ولا يُرجَون ـ فسوف يُنسى هو وأهل البيت من بعده ، وتنسى معهم دعوة الحقّ ـ المتمثلة بخط أهل البيت (عليهم السّلام) وتموت بموته ، وينفرد معاوية في الساحة ، ولا يعيقه عن تحقيق هدفه شيء.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 306 _

إدراك معاوية قوة خط أهل البيت (عليهم السّلام) عقائدي

  لكنه فوجئ بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قد أخذ موقعه من قلوب كثير من الناس ، وتعلقوا به ، وثبتوا على موالاته ، والإيمان بدعوته ، والتمسك به ، حتى قال معاوية عنه (عليه السلام) : ( والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته ) (1) .
  وأدرك أن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد أرسى دعوة ذات بعد عقائدي ، تهدد مشروعه ، وتقف حجر عثرة في طريقه ، حيث ترتفع الأصوات من حملتها بالإنكار عليه وفضحه.
  ولاسيما أن خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) بما له من بُعد عقائدي يعتمد على أمور لها أهميتها في تركيز العقيدة وإرسائها وتجذره.

دعم العقل والدليل لخط أهل البيت (عليهم السّلام)

  الأول : العقل والبرهان ، حيث يملك الدليل الكافي على إثبات حقهم (عليهم السّلام) ، وقد نبّه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الناس إلى ذلك في فترة حكمه القصيرة.
  ومن الأحاديث المهمة التي ذكرها (عليه السّلام) حديث الدار عند إنذار النبي (صلّى الله عليه وآله) عشيرته الأقربين في بدء الدعوة ، حيث أعلن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن أخوة أمير المؤمنين له (صلّى الله عليه وآله) ووصيته وخلافته فيهم ، وأمرَهم بأن يسمعوا له ويطيعوا (2) .

---------------------------
(1) العقد الفريد 2 / 83 فرش كتاب الجمانة في الوفود : الوافدات على معاوية : وفود الزرقاء على معاوية ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 69 / 167 في ترجمة زرقاء بنت عدي بن مرة الهمدانية ، بلاغات النساء / 34 في كلام الزرقاء بنت عدي.
(2) تاريخ الطبري 2 / 63ـ64 ذكر الخبر عما كان من أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبرئيل (عليه السّلام) إليه بوحيه ، الكامل في التاريخ 2 / 63 ذكر أمر الله تعالى نبيه (صلّى الله عليه وآله) بإظهار دعوته ، تاريخ دمشق 42 / 49 ، 50 في ترجمة علي بن أبي طالب. شرح نهج البلاغة 13 / 210 ـ 211 ، كنز العمال 13 / 114 ح : 36371 ، / 131 ـ 133 ح : 36419 ، وغيرها من المصادر.
وقد أبدل ابن كثير في تفسيره (3 / 364) وصيي وخليفتي بـ (كذا وكذ) ، وكذا فعل في كتابه البداية والنهاية (3 / 53) باب الأمر بإبلاغ الرسالة ، وقد سبقه في ذلك الطبري في تفسيره (19 / 149) مع أنه رواه في تاريخه بدون تصرف.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 307 _

  ومنها حديث الغدير في أواخر حياة النبي (صلّى الله عليه وآله) فقد روى أحمد بن حنبل عن حسين بن محمد وأبي نعيم المعني قالا : حدثنا فطر عن أبي الطفيل قال : ( جمع علي (ع) الناس في الرحبة ، ثم قال لهم : أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام ، فقام ثلاثون من الناس ، وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير ، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه، قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئ ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول كذا وكذ ، قال : فما تنكر ؟! قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول ذلك له ) (1) .
  وهذه المناشدة للناس مشهورة بين رجال الحديث تعرضنا لبعض الكلام فيها في جواب السؤال السابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة) .
  وقد دعم جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ذلك جماعة من أكابر الصحابة ممن كان معه سواءً كان ذلك منهم أيام عثمان ـ كما ذكرناه آنفاً ـ أم بعده في عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، ومن ذلك استجابتهم له في مناشدة الرحبة.
  بل دعمه بعد ذلك بعض من لم يكن معه ولا على خطه من الصحابة ، بعد أن أصيبوا بالإحباط ، واستشعروا الوهن ، لتولي معاوية الأمر وتقدمه عليهم ،

---------------------------
(1) مسند أحمد 4 / 370 حديث زيد بن أرقم (رضي الله عنه) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 308 _

  فنشروا كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الشاهدة بحقه وحق أهل بيته (عليهم السلام) ، كرد فعل على ابتزاز معاوية للخلافة.
  وأحد هؤلاء سعد بن أبي وقاص الذي كان ينال من أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عهد رسول الله (1) (صلّى الله عليه وآله) ، وامتنع من بيعته حينما بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان (2) ، وكان ثالث ثلاثة تظاهروا عليه (عليه السّلام) في الشورى لصالح عثمان الذي صارت خلافته سبباً لنفوذ الأمويين ، حتى انتهى الأمر إلى خلافة معاوية وتقدمه عليه وعلى غيره من المهاجرين والأنصار ، ورأى بعينه سوء عاقبة مواقفه ، فروى كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، كما يظهر بالرجوع للمصادر الكثيرة (3) .

---------------------------
(1) الأحاديث المختارة 3 / 267 فيما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (رضي الله عنه) ، مجمع الزوائد 9 / 129 كتاب المناقب : باب مناقب علي بن أبي طالب (ع) : باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه ، مسند أبي يعلى 2 / 109 مسند سعد بن أبي وقاص ، تاريخ دمشق 42 / 204 في ترجمة علي بن أبي طالب (ع) ، البداية والنهاية 7 / 383 أحداث سنة أربعين من الهجرة : شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وغيرها من المصادر.
(2) تاريخ الطبري 3 / 454 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنساب الأشراف 3 / 7 بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، الكامل في التاريخ 3 / 191 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) البداية والنهاية 7 / 253 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : ذكر بيعة علي بالخلافة ، تاريخ ابن خلدون 1 / 214 (ع) الفتوح لابن أعثم 4 / 440 ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنه ، شرح نهج البلاغة 4 / 9 ، وغيرها من المصادر.
(3) راجع صحيح مسلم 7 / 120 كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل الامام علي (ع) ، ومسند أحمد 1 / 182 في مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص (ع) ، والمستدرك على الصحيحين 3 / 499 ـ 500 كتاب معرفة الصحابة (رضي الله عنهم) : مناقب سعد بن أبي وقاص ، والسنن الكبرى 5 كتاب الخصائص / 108 ذكر منزلة علي بن أبي طالب (ع) ، / 118 ، 119 ذكر قوله (صلّى الله عليه وآله) ما أنا أدخلته وأخرجتكم بل الله أدخله وأخرجكم ، وسنن ابن ماجة 1 / 45 باب اتباع سنة رسول (صلى الله عليه وسلم) : فضل علي بن أبي طالب (ع) ، ومجمع الزوائد 9 / 107 كتاب المناقب : باب مناقب علي بن أبي طالب : باب قوله (صلّى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعلي مولاه ، والمصنف لابن أبي شيبة 7 / 496 كتاب الفضائل : فضائل علي بن أبي طالب (ع) ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم / 595 ، 596 ، 610 ، ومسند أبي يعلى 2 / 109 ، 132 مسند سعد بن أبي وقاص ، والدر المنثور 2 / 39 ، وغيرها من المصادر الكثيرة جد.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 309 _

انشداد الناس عاطفياً لخط أهل البيت (عليهم السّلام)

  الثاني : العاطفة ، لما لأهل البيت (صلوات الله عليهم) من المكانة السامية في نفوس المسلمين ، لقربهم من النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ولمؤهلاتهم الشخصية ، ومثاليتهم العالية ، الموجبة لانشداد الناس لهم.
  خصوصاً بعد مرور تجربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الحكم ، وما استتبعها من أسباب تعلق الناس به التي تقدم التعرض له.
  ويزيد في ذلك ابتناء حكم معاوية على التجبر والطغيان والظلم والاستئثار ، حيث يذكّر ذلك بعدل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، بنحو يوجب انشداد الناس له ولنهجه ، والتنفر من معاوية ونهجه ، ويتجلى به الفرق بين النهجين ، (والضد يظهر حسنه الضد) .

ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة

  الثالث : ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة ، فقد ظهر للعيان تردي الأوضاع حتى انتهت الخلافة إلى معاوية ، وهو من الطلقاء ، واستولى الأمويون ذوو الأثر السيء في الإسلام في عهده وعهد عثمان ـ من قبله ـ على مقدرات الإسلام والمسلمين ، وانتهكوا من الحرمات ما لا يحصى.
  كلّ ذلك بسبب انفراط أمر الخلافة ، وعدم تحديد ضوابطها بعد خروجها بالقوة عن موضعها الذي جعله الله عز وجل فيه.

---------------------------
(1) روي في غير واحد من المصادر أنّ عمر بن الخطاب وسّع المسجد الحرام ومسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد أبى جماعة ممّن كانت دورهم في ضمن التوسعة ، فهدمت وأُدخلت فيه على غير رضى منهم ، وروي أنّ عثمان فعل ذلك أيضاً .
فقد روى الفاكهي أنّ المسجد كان مُحاطاً بالدور على عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر فضاق على الناس ، فوسّعه عمر واشترى دوراً فهدمها ، وأعطى مَنْ أبى أن يبيع ثمن داره ، فتح الباري 7 / 112 .
وعن ابن جريج قال : كان المسجد الحرام ليس عليه جدران محيطة ، إنّما كانت الدور محدقة به من كلّ جانب غير أنّ بين الدور أبواباً يدخل منها الناس من كلّ نواحيه ، فضاق على الناس ، فاشترى عمر بن الخطاب دوراً فهدمها ، وهدم على قرب من المسجد ، وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن وتمنّع من البيع فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد ، ثمّ أحاط عليه جداراً قصيراً .
ثمّ كثر الناس في زمان عثمان بن عفان فوسّع المسجد ، فاشترى من قوم ، وأبى آخرون أن يبيعوا ، فهدم عليهم فصيحوا به ، فدعاهم فقال : إنّما جرّأكم عليّ حلمي عنكم ، فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد ، فأحدثت على مثاله فصحتم بي ، ثمّ أمر بهم إلى الحبس حتى كلّمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد .
تاريخ مكة المشرّفة والمسجد الحرام / 151 الباب الأوّل ، تاريخ مكة المشرّفة ، ذكر عمل عمر بن الخطاب وعثمان ، ومثله في فتوح البلدان 1 / 53 مكة .
وقد شملت التوسعة دار جعفر بن أبي طالب (ع) التي خطّها النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو بأرض الحبشة ، راجع وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 76 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الثاني عشر في زيادة عمر في المسجد .
وفي رواية أنّ عمر اشترى نصفها بمئة ألف فزادها في المسجد ، وفي رواية أُخرى أنّ عثمان هو الذي اشتراها .
راجع خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى 2 / 86 الباب الرابع في ما يتعلّق بأمور مسجدها الأعظم النبوي ، الفصل الرابع عشر في زيادة عثمان .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 310 _

تنبؤ سيدة النساء فاطمة (عليه السّلام) وغيرها بنتائج الانحراف

  وسبق من سيدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) أن قالت في مبدأ الانحراف ، بعد التحاق النبي (صلّى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى ، وافتتان الأمة ، وخروج الخلافة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه : ( أما لعمرُ الله لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقر ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفس ، واطمئنوا للفتنة جأش ، وابشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيد ... ) (1) .
  وعن عبد الله بن عمر أنه قال : ( لما بايع الناس أبا بكر سمعت سلمان الفارسي يقول : كرديد ونكرديد ، أما والله لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : فلما سمعت سلمان يقول ذلك أبغضته ، وقلت : لم يقل هذا إلا بغضاً منه لأبي بكر ) قال : ( فأبقاني الله حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول الله ، فقلت : رحم الله أبا عبد الله ، لقد قال ما قال بعلم كان عنده ) (2) .
  وفي حديث أبي الأشعث الصنعاني أن ثمامة كان على صنعاء ، وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلما جاء نعي عثمان بكى بكاءً شديد ، فلما أفاق قال : ( هذا حين انتزعت خلافة النبوة من آل محمد وصارت ملكاً وجبرية ، من غلب على كلّ شيء أكله ) (3) .
  فإن ذلك يؤكد صدق مدعي النص ، ولاسيما بعد كون المنصوص عليه

---------------------------
(1) راجع ملحق رقم (2) .
(2) الإيضاح / 457 ـ 458.
(3) تاريخ دمشق 11 / 158 في ترجمة ثمامة بن عدي القرشي.

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 311 _

  هم أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، الذين هم أولى الناس بالنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأخصهم به ، وأعلمهم بالدين ، وأحرصهم عليه ، وأكملهم تطبيقاً له وعملاً به ، وتفاعلاً معه.
  وأولهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي رأوا في تجربته الحفاظ على الضوابط الدينية ، والعدل والمثالية ، ونشر المعارف الدينية ، وظهور المعاجز والكرامات على يديه ، ودعم التسديدات الإلهية له ... إلى غير ذلك ، بحيث يصلح عهده لأن يكون امتداداً للعهد النبوي الشريف.

انتشار التشيع إذا لم تزرع الألغام في طريقه

  وهذه الأمور بمجموعها تقتضي تقبل المسلمين لدعوة التشيع وانتشارها بينهم إذا لم تزرع الألغام في طريقها وتوضع المعوقات أمامه.
  وكأنه لذلك قال الإمام الصادق (صلوات الله عليه) ـ في حديث سليمان بن خالد : ( إذا أراد الله بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء ، فجال القلب يطلب الحقّ ، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره ) (1) وقريب منه غيره.

الألغام التي زرعها معاوية في طريق التشيع

  وبعد أن أدرك معاوية ذلك ، وعرف حجم المشكلة التي تواجهه بأبعادها المتقدمة ، فقد سلك في سبيل تنفيذ مخططه ، والقضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) والوقوف في وجه دعوتهم وتطويقها طريقين :

---------------------------
(1) المحاسن / 201 ، واللفظ له ، بحار الأنوار 5 / 204.