وقد جاء في كتابه (صلوات الله عليه) الذي كتبه لهم مع مسلم بن عقيل (عليه السّلام) : (( وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم : إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ ، وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي ، وثقتي من أهل بيتي ، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله ... )) (1) .
  ولمّا التقى بالحرّ وأصحابه في الطريق خطبهم ، فقال : (( أيّها الناس ، إنّها معذرة إلى الله وإليكم ، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا ، فليس لنا إمام ، لعلّ الله أن يجعلنا بك على الهدى ، فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا ، أو كنتم لمقدمي كارهين ، انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه )) (2) .
  وخطبهم خطبة أُخرى بعد صلاة العصر تتضمّن ذلك أيضاً (3) .
  وحينما ورد عليه عمر بن سعد بجيشه أرسل إليه قرّة بن قيس الحنظلي ، ليسأله عمّا جاء به وماذا يريد ، فقال (عليه السّلام) له : (( كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم ،

---------------------------
(1) الإرشاد 2 / 39 ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 262 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمصير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 47 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 303 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 86 ذكر الحرّ بن يزيد الرياحي لمّا بعثه عبيد الله بن زياد لحربه الحسين بن علي (ع) ، الإرشاد 2 / 79 ، وغيرها من المصادر .
(3) الإرشاد 2 / 79 ، تاريخ الطبري 4 / 303 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 47 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، مقتل الحسين (ع) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 58 _

  فأمّا إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم )) (1) .
  وفي حديث عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الحسين (عليه السلام) ـ وكان قد صحب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في مسيرته الطويلة من المدينة إلى حين مقتله ـ أنّه (عليه السّلام) قال : (( دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس )) (2) .
  ومن هنا لم يقع منه ما يستحق به العقاب والتنكيل ، فضلاً عن تلك الجرائم الوحشية التي قام بها الأمويون والتي هزّت ضمير المسلمين .
  وبعد ذلك كلّه فلنستعرض بإيجاز الجرائم المذكورة :

قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) هو الجريمة الأولى

  ولا ينبغي الإشكال في أنّ أعظم جريمة من الناحية الواقعية ـ بل حتى العاطفية ـ في هذه الفاجعة الممضة هو قتل شخص الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، لما يتمتّع به :
  أوّلاً : من مقام ديني رفيع يستحق به الولاء والتقديس ، كما يتّضح بالرجوع إلى ما ورد في حقّه وحقّ أهل بيته (صلوات الله عليهم) في الكتاب المجيد ، وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) ممّا لا يسعنا استيعابه بإيجاز ، فضلاً عن تفصيل الكلام فيه ، ولاسيما مع وضوحه وشيوعه ، وتيسر الاطلاع عليه بالرجوع للمصادر

---------------------------
(1) الإرشاد 2 / 85 ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 97 ـ 98 ذكر نزول الحسين (ع) بكربلاء ، تاريخ الطبري 4 / 311 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 53 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، وغيرها من المصادر .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 54 ـ 55 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 313 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، البداية والنهاية 8 / 190 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 59 _

  عمر بن شبّة : حدثنا أبو أحمد ، حدثني عمي فضيل بن الزبير ، عن عبدالرحيم بن ميمون ، عن محمد بن عمرو قال : كنا مع الحسين بنهري كربلاء ، فنظر إلى شمر بن ذي الجوشن فقال : (( صدق الله ورسوله ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كأني أنظر إلى كلب أبقع يلغ في دماء أهل بيتي )) ، وكان شمر ـ قبحه الله ـ أبرص ، وتقاسم الناس ما كان من أمواله وحواصله ، وما في خبائه حتى ما على النساء من الثياب الطاهرة (1) .

---------------------------
(1) البداية والنهاية 8/204 ، ولم يعلق على السند ، وورواه ابن عساكر بسند متصل إلى عمر بن شبة في تاريخ دمشق 23/190 ، و 55/16 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 60 _

  وزيد بن أرقم (1) ، وأبو برزة الأسلمي (2) ، وربما غيرهم (3) .
  وبالجملة : كان الناس إذا رأوا الحسين (صلوات الله عليه) ذكروا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتذكّروا مشاهده معه ، وما كان يعامله من مظاهر الحبّ والحنان والتكريم والتبجيل ، وذلك ممّا يوجب مزيداً من الانشداد الديني والعاطفي نحوه (عليه السّلام) .
  وثالثاً : من مؤهّلات شخصيته ، من عقل ودين ، واستقامة وشجاعة ، وعلم وعمل ، وخلق وسلوك ، وسخاء وحسن معاشرة ، ومخالطة مع الناس ... إلى غير ذلك ، ممّا يفرض حبّ الخاصّة والعامّة له (عليه السّلام) ، واحترامهم إيّاه ، وانشدادهم نحوه .

---------------------------
(1) مجمع الزوائد 9 / 195 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 5 / 206 ، 210 في ما رواه ثابت بن مرداس عن زيد بن أرقم ، تاريخ دمشق 14 / 236 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، و41 / 365 ـ 366 في ترجمة علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الأخبار الطوال / 260 نهاية الحسين ، فتح الباري 7 / 75 ، الوافي بالوفيات 12 / 264 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم) ، كنز العمال 13 / 673 ح 37717 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 80 ح 292 ، الفائق في غريب الحديث 1 / 363 في مادة (دحج) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) أسد الغابة 5 / 20 في ترجمة نضلة بن عبيد ، تهذيب الكمال 6 / 428 ـ 429 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 309 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ دمشق 62 / 85 في ترجمة نضلة بن عبيد ، تاريخ الطبري 4 / 293 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خروج الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة ، وص 356 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 85 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 209 ، 215 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 150 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، مروج الذهب 3 / 72 مقتل الحسين (ع) ، بغية الطلب في تاريخ حلب 3 / 38 في ترجمة الحسين بن علي بن عبد مناف أبي طالب ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 82 ح 296 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 61 _

  حتى إنّه (صلوات الله عليه) لمّا كتب إلى معاوية ينكر عليه جملة من موبقاته قيل لمعاوية : اكتب إليه كتاباً تعيبه وأباه فيه .
  فقال : ما عسيت فيه أن أقول في أبيه إلاّ أن أكذب ! ومثلي لا يعيب أحداً بالباطل ، وما عسيت أن أقول في حسين ولست أراه للعيب موضعاً ... (1) .

الإمام الحسين (عليه السّلام) هو الرجل الأوّل في المسلمين

  ومن أجل ذلك كلّه حاز المقام الأوّل في المسلمين ، حيث يأتي عن شبث بن ربعي في حديث له عن قتل الإمام الحسين أنّه (عليه السّلام) خير أهل الأرض (2) ، وعن معاوية أنّه (صلوات الله عليه) أحبّ الناس إلى الناس (3) .
  وفي حديث محمد بن الحنفية مع الإمام الحسين (عليه السّلام) قال : إنّي أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم ، فمنهم طائفة معك وأُخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنّة ، فإذا خير هذه الأُمّة كلّها نفساً وأباً وأُمّاً ، أضيعها دماً ، وأذلّها أهلاً (4) .
  وورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) مرّ على جماعة هو فيهم ، فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء ؟
  قالوا : بلى .
  قال : هو هذا الماشي ، ما كلّمني كلمة منذ ليالي صفين ، ولئن يرضى عنّي أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النعم (5) .

---------------------------
(1) أنساب الأشراف 3 / 367 أمر الحسين بن علي بن أبي طالب .
(2) يأتي في / 111 .
(3) يأتي في / 133 ـ 134 .
(4) تاريخ الطبري 4 / 253 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خلافة يزيد بن معاوية ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 16 ـ 17 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر بيعة يزيد .
(5) تاريخ دمشق 31 / 275 في ترجمة عبد الله بن عمرو بن العاص ، واللفظ له ، المعجم الأوسط 4 / 181 ، مجمع الزوائد 9 / 186 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، كنز العمال 11 / 343 ح 31695 ، أسد الغابة 3 / 235 في ترجمة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 62 _

  وفي حديث للفرزدق : هذا الحسين بن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) . هذا والله خيرة الله ، وأفضل مَنْ مشى على الأرض من خلق الله ... (1) .
  وعنه أيضاً أنّه قال للإمام الحسين (عليه السّلام) : أنت أحبّ الناس إلى الناس ، والسيوف مع بني أُميّة ، والقضاء في السماء (2) .
  وفي حديث لعبد الله بن مطيع مع الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وهو في طريقه إلى مكّة قال له فيه : فالزم الحرم ؛ فإنّك سيّد العرب في دهرك هذا ... (3) .
  وقال ابن الأثير : فقال الناس لسنان بن أنس النخعي : قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ! قتلت أعظم الناس خطراً ... (4) .
  وقد قال مَنْ شقي بحمل رأسه الشريف مخاطباً أسياده الظالمين :

---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 223 الفصل الحادي عشر ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 81 ذكر مسير الحسين (ع) إلى العراق ، مطالب السؤول / 396 ـ 397 ، كشف الغمّة 2 / 254 .
(2) تاريخ دمشق 50 / 285 ـ 286 في ترجمة لبطة بن همام الفرزدق بن غالب ، واللفظ له ، و 14 / 212 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 62 ح 284 .
(3) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 189 الفصل التاسع ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 25 ذكر وصية الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية ، أنساب الأشراف 3 / 368 أمر الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، تاريخ الطبري 4 / 261 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ، الكامل في التاريخ 4 / 19 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) ، الفصول المهمّة 2 / 758 الفصل الثالث ، فصل في ذكر مخرجه (عليه السّلام) إلى العراق ، وغيرها من المصادر .
(4) الكامل في التاريخ 4 / 79 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 347 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، أسد الغابة 2 / 21 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 63 _

أوقـرْ ركـابي فضةً وذهبا      إنّي قتلتُ السيّد المحجب
قــتـلـتُ خــيــرَ الــنــاسِ أُمّــــاً وأبـــا      وخيرَهم إذ ينسبونَ نسبا  (1)
  وقد جاء في كتاب عبد الله بن جعفر له (عليه السّلام) محاولاً صرفه عن المسير : أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لما انصرفت حين تقرأ كتابي هذا ، فإنّي مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون فيه هلاكك ، واستئصال أهل بيتك ، إنْ هلكت اليوم طُفئ نور الأرض ، فإنّك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل ... (2) .
  وقال عبد الله بن مطيع : أُذكّرك الله ـ يابن رسول الله ـ وحرمة الإسلام أن تنتهك ، أُنشدك الله في حرمة قريش ، أُنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أُميّة ليقتلنّك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحداً أبداً ... (3) .
  وروى ابن سعد مسنداً قال : مرّ حسين بن علي على ابن مطيع ، وهو ببئره

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 79 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه) ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 9 / 194 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 117 ـ 118 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ح 2852 ، الاستيعاب 1 / 393 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ دمشق 14 / 252 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، أسد الغابة 2 / 21 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 428 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 40 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 291 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، ومثله في البداية والنهاية 8 / 181 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، إلاّ أنّ فيه (نور الإسلام) بدل (نور الأرض) ، وقريب منه في الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 74 ابتداء أخبار الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(3) الإرشاد 2 / 72 ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 298 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكّة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، الكامل في التاريخ 4 / 41 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة ، الفصول المهمّة 2 / 804 الفصل الثالث ، فصل في ذكر مخرجه (عليه السّلام) إلى العراق ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 64 _

  قد أنبطه ، فنزل حسين عن راحلته ، فاحتمله ابن مطيع احتمالاً حتى وضعه على سريره ، ثمّ قال : بأبي وأُمّي ، أمسك علينا نفسك ، فوالله لئن قتلوك ليتّخذنا هؤلاء القوم عبيداً (1) .
  وعنه أيضاً أنّه قال للإمام الحسين (عليه السّلام) : ووالله لئن قُتلت لا بقيت حرمة بعدك إلاّ استحلّت (2) .
  وبنظير ذلك صرّح الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه في المعركة حينما اشتدّ به الحال ، فقد صاح بصوت عالٍ : (( يا أُمّة السوء ! بئسما خلفتم محمداً في عترته ! أما إنّكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله الصالحين فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إيّاي ...)) (3) .
  وقال (عليه السّلام) أيضاً : (( أما والله ، لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله ، الله أسخط عليكم لقتله منّي )) (4) ... إلى غير ذلك .
  ويؤكّد ما ذكرنا أنّ عبد الله بن الزبير كان شديد البغض لبني هاشم والتحامل عليهم حتى إنّه قال لابن عباس : إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة (5) ، وقد ترك الصلاة على النبي (صلّى الله عليه وآله) في خطبته ، فقيل له

---------------------------
(1) الطبقات الكبرى 5 / 145 في الحديث عن عبد الله بن مطيع ، واللفظ له ، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2608 .
(2) العقد الفريد 4 / 344 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، خلافة يزيد بن معاوية وسنه وصفته ، مقتل الحسين بن علي (ع) ، واللفظ له ، المحاسن والمساوئ 1 / 26 مساوئ قتلة الحسين بن علي (ع) .
(3) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 34 ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 135 تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (ع) .
(4) تاريخ الطبري 4 / 346 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 78 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 204 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .
(5) مروج الذهب 3 / 90 ذكر أيام معاوية بن يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم ، والمختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الزبير ، ولمع من أخبارهم وسيرهم وبعض ما كان من أيامهم ، بين عبد الله بن عباس (رضي الله عنهم) وعبد الله بن الزبير ، واللفظ له ، شرح نهج البلاغة 4 / 62 ، و 20 / 148 ، سمط النجوم العوالي 3 / 125 شأن المختار مع ابن الزبير ، وغيرها من المصادر .
وروى ابن أعثم أنّ ابن الزبير قال : ولقد كتمتم بغضكم يا بني هاشم أربعين سنة ، فقال ابن عباس : فازدد إذاً بي غضباً فوالله لا نبالي أحببتنا أم أبغضتنا ... ونبّه المحقق في الهامش إلى أنّه ورد في الأصل بدل (كتمتم) ، كتمت ، وهو الصحيح بملاحظة تتمّة الرواية ، الفتوح ـ لابن أعثم 6 / 364 ـ 365 ذكر ما جرى بين عبد الله بن عباس وابن الزبير في أمر محمد بن الحنفية .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 65 _

  في ذلك فقال : إنّ له أهل سوء يشرئبون لذكره ، ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به (1) ، وكان ينال من أمير المؤمنين (عليه السّلام) (2) .
  حتى إنّه لمّا عزّى عبد الله بن عباس بالإمام الحسين (عليه السّلام) ثمّ انصرف ، قال ابن عباس : إنّه ليعدل عندي مصيبة الحسين شماتة ابن الزبير ، أترون مشي ابن الزبير إليّ يعزّيني ؟! إن ذلك منه إلاّ شماتة (3) .
  ومع كلّ ذلك كان يعرف هو وغيره أنّه لا يستطيع طلب البيعة لنفسه والإمام الحسين (صلوات الله عليه) في الحرم حتى اتّهمه الناس في مشورته على الإمام الحسين (عليه السّلام) بالخروج إلى العراق (4) .
  وقال الإمام (عليه السّلام) : (( إنّ هذا ليس شيء من الدنيا أحبّ إليه من أن أخرج من

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 261 أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير وأيام من أيام عبد الملك ، واللفظ له ، ومثله مع اختلاف يسير في أنساب الأشراف 5 / 333 أمر عمرو بن لزبير بن العوام ومقتله ، و 7 / 133 أمر عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك ومقتله ، والعقد الفريد 4 / 377 مقتل مصعب بن الزبير ، ومروج الذهب 3 / 90 بعد حديثه عن الكيسانية ، وشرح نهج البلاغة 4 / 62 ، و 19 / 92 ، و 20 / 128 ، وقريب منه في سمط النجوم العوالي 3 / 125 شأن المختار مع ابن الزبير .
(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 261 ـ 262 أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير وأيام من أيام عبد الملك ، جمهرة خطب العرب 2 / 90 خطبة محمد بن الحنفية يرد على عبد الله بن الزبير وقد تنقص الإمام ، مروج الذهب 3 / 90 بين ابن الحنفية وابن الزبير ، شرح نهج البلاغة 4 / 62 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ دمشق 14 / 239 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 440 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 86 ح 298 .
(4) تقدّمت مصادره في / 13 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 66 _

  الحجاز ، وقد علم أنّ الناس لا يعدلونه بي ، فودّ أنّي خرجت حتى يخلو له )) (1) .
  بل ورد أنّ ابن الزبير قال للإمام الحسين (صلوات الله عليه) : أما إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر ههنا لما خالفنا عليك ، وبايعناك ونصحنا لك (2) ، وقال له : أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس (3) .
  كلّ ذلك لما ذكرناه من أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) كان هو الرجل الأوّل في المسلمين ، ولا يتقدّم عليه غيره .
  وبذلك كان الإقدام على قتله وانتهاك حرمته هو الجريمة الكبرى التي قام بها الأمويون في الواقعة ، والمصيبة العظمى التي حلّت بالمؤمنين والمسلمين .
  وقد زاد في بشاعة هذه الجريمة أنّه (صلوات الله عليه) لم يُقتل مواجهة في المعركة ، وإنّما قُتل ذبحاً صبراً ، بعد أن ضعف عن القتال ، وأعياه نزف الدم ، فبقي على وجه الأرض طويلاً (4) .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 38 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 288 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، الفصول المهمّة 2 / 798 الفصل الثالث ، فصل في ذكر مخرجه (عليه السّلام) إلى العراق ، وغيرها من المصادر .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 38 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 288 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره .
(3) تاريخ الطبري 4 / 289 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 38 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر مسير الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة .
(4) تاريخ الطبري 4 / 346 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 78 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، سير أعلام النبلاء 3 / 302 في ترجمة الحسين الشهيد ، البداية والنهاية 8 / 204 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 67 _

  وقد أُضيف إلى هذه الجريمة النكراء جرائم وانتهاكات زادت في مأساوية الفاجعة :

جريمة قتل أهل البيت (عليهم السّلام) الذين معه

  الأوّل : قتل مَنْ كان مع الحسين (صلوات الله عليه) من أولاده وإخوته وبني عمومته من آل أبي طالب الذين هم أقرب الناس للنبي (صلّى الله عليه وآله) وأخصهم به ، بحيث يكون وجودهم بقاء له ومذكّراً به .
  خصوصاً وإنّ فيهم مَنْ يشبه النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقد ورد أنّه لمّا برز علي بن الحسين الأكبر (عليهم السّلام) قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه) : (( اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ... )) (1) .
  ثمّ رفع (عليه السّلام) صوته وقرأ : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) .
  وفي حديث الريان بن شبيب عن الإمام الرضا (صلوات الله عليه) قال : وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه (3) .
  هذا مضافاً إلى ما تحظى به هذه الثلّة الكريمة من مقام رفيع عند المسلمين ، حيث الدين والخلق السامي والشرف والسؤدد .

---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 30 ، واللفظ له ، بحار الأنوار 45 / 42 ـ 43 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 67 ، ومثله مع اختلاف يسير في الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 130 تسمية من قتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (رضي الله عنهم) ، ومقاتل الطالبيين / 77 مقتل الحسين بن علي (عليه السّلام) .
(2) سورة آل عمران / 33 ـ 34 .
(3) الأمالي ـ للصدوق / 192 المجلس السابع والعشرون ، واللفظ له ، عيون أخبار الرضا 2 / 268 ، إقبال الأعمال 3 / 29 ، بحار الأنوار 98 / 130 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 68 _

  وقد وصفتهم العقيلة زينب الكبرى بقولها في خطبتها في مجلس يزيد : بإراقتك دماء ذرية آل محمد (صلّى الله عليه وآله) ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب (1) .
  ووصفهم ابن عباس في كتابه إلى يزيد بقوله : وقد قتلت حسيناً وفتيان عبد المطلب ، مصابيح الدجى ، ونجوم الهدى ، وأعلام التقى (2) .
  وعن الحسن البصري أنّه قال : قُتل مع الحسين بن علي ستة عشر من أهل بيته ما كان لهم على وجه الأرض شبيه (3) .
  وعن منذر أنّه قال : كنّا إذا ذكرنا الحسين بن علي ومَنْ قُتل معه ، قال محمد بن الحنفية : قد قتلوا سبعة عشر شاباً كلّهم قد ارتكضوا في رحم فاطمة (4) .
  وعن الربيع بن خيثم أنّه قال : لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأحبّهم ، وأطعمهم بيده ، وأجلسهم على فخذه (5) .
  وقال أيضاً : لقد قتلوا صبية

---------------------------
(1) راجع ملحق رقم 4 .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 78 ، واللفظ له ، وقريب منه في مجمع الزوائد 7 / 251 كتاب الفتن ، باب فيما كان من أمر ابن الزبير ويزيد بن معاوية واستخلاف أبيه وغير ذلك ، والمعجم الكبير 10 / 242 باب أحاديث عبد الله بن عباس ، ومن مناقب عبد الله بن عباس وأخباره ، والكامل في التاريخ 4 / 128 أحداث سنة أربع وستين من الهجرة ، ذكر بعض سيرة يزيد بن معاوية وأخباره ، وتاريخ اليعقوبي 2 / 248 مقتل الحسين بن علي ، وأنساب الأشراف 5 / 322 أمر عبد الله بن الزبير بعد مقتل الحسين ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 47 ، واللفظ له ، الاستيعاب 1 / 396 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، العقد الفريد 4 / 350 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، مقتل الحسين بن علي. تاريخ خليفة بن خياط / 179 أحداث سنة إحدى وستين ، ذخائر العقبى / 146 مقتل الحسين وذكر قاتله ، نظم درر السمطين / 218 ، وغيرها من المصادر .
(4) ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 87 ح 305 ، واللفظ له ، المعجم الكبير ، مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته 3 / 104 ح 2805 ، وص 119 ح 2855 ، مجمع الزوائد 9 / 198 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي ، الوافي بالوفيات 12 / 265 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر .
(5) تذكرة الخواص / 268 ذكر قول أُمّ سلمة والحسن البصري والربيع بن خيثم وغيرهم ، واللفظ له ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 44 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 69 _

  لو أدركهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأجلسهم في حجره ، ولوضع فمه على أفمامهم (1) .
  وقال لأشياخ من أهل الكوفة أتوه ليعرفوا رأيه في قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) : أرأيتم لو أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دخل الكوفة وفيها أحد من أهل بيته فيمَنْ كان ينزل ؟! (2) .
  هذا مضافاً إلى ما ورد عن بعضهم من النكات المضيئة الشاهدة بشرف نفوسهم ورفعة مقامهم وقوّة بصائرهم .
  فعن عقبة بن سمعان أنّه قال : فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل ، وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : (( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين )) ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاث .
  قال : فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبتِ جُعلت فداك ! ممّ حمدت الله واسترجعت ؟
  قال : (( بُني إنّي خفقت برأسي خفقة ، فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا )) .
  قال له : يا أبتِ لا أراك الله سوء ! ألسنا على الحقّ ؟
  قال : (( بلى والذي إليه مرجع العباد )) .
  قال : يا أبتِ إذاً لا نبالي ، نموت محقّين .
  فقال له : (( جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده )) (3) .
  وفي اليوم التاسع من المحرّم نادى الشمر : بنو أختي عبد الله وجعفر

---------------------------
(1) ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 87 ح 304 ، واللفظ له ، تفسير الثعلبي 8 / 239 في تفسير قوله تعالى : ( اللّهمّ فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ... ) من سورة الزمر .
(2) ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 87 ح 303 .
(3) تاريخ الطبري 4 / 308 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 51 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، الإرشاد 2 / 82 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 450 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 70 _

  والعباس وعثمان .
  فأعرضوا عنه . فقال لهم الإمام الحسين (عليه السّلام) : (( أجيبوه وإن كان فاسقاً ... )) .
  فقالوا له : ما شأنك ؟
  قال : يا بني أختي أنتم آمنون . فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد (1) .
  فقالوا له : لعنك الله ولعن أمانك لئن كنت خالنا ! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له ؟! (2) ، أتأمرنا أن نترك سيّدنا وأخانا وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء ؟! (3) .
  وهم بهذا العدد قد خلت بيوتهم من الرجال وأوحشت ، ولم يبقَ فيها إلاّ نساء وأطفال يهيجون العواطف ويستثيرون الأسى والنقمة .

قتل الثلّة الصالحة من أصحاب الحسين (عليه السّلام) معه

  الثاني : قتل الثلّة الصالحة من أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وفيهم الصحابة ، والقرّاء ، والمعروفون بالدين والورع ، والأثر الحميد في الإسلام ، والمواقف المشرّفة فيه (رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم) .
  وقد قال الإمام الحسين (عليه السّلام) لهم ليلة العاشر من المحرّم : (( أمّا بعد ، فإنّي لا

---------------------------
(1) هكذا ورد النص في اللهوف في قتلى الطفوف / 54 ، وقريب منه في بقية المصادر الآتية في الهامش التالي .
(2) تاريخ الطبري 4 / 315 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 56 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تذكرة الخواص / 249 الباب التاسع في ذكر الحسين (عليه السّلام) ، ذكر وصول الحسين (عليه السّلام) إلى العراق ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 104 ـ 105 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (ع) ، وغيرها من المصادر .
(3) مثير الأحزان / 28 واللفظ له ، اللهوف في قتلى الطفوف / 54 .
وروي أنّ ابن زياد كتب لهم أماناً فلمّا رأوا الكتاب قالوا : لا حاجة لنا في أمانكم ، أمان الله خير من أمان ابن سمية ، لاحظ تاريخ الطبري 4 / 314 ـ 315 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 56 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، والبداية والنهاية 8 / 190 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 71 _

  أعلم أصحاباً أوفى ولا أخير من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي )) (1) .
  وقال عمرو بن الحجّاج عنهم في المعركة مخاطباً عسكر ابن سعد : ويلكم يا حمقاء مهلاً ! أتدرون لِمَنْ تقاتلون ؟! إنّما تقاتلون فرسان المصر ، وأهل البصائر ، وقوماً مستميتين ... (2) .
  وقال حبيب بن مظاهر مخاطباً عسكر ابن سعد واعظاً لهم : أما والله ، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذريّة نبيه (عليه السّلام) وعترته وأهل بيته (صلّى الله عليه وآله) ، وعباد أهل هذا المصر ، المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيراً .
  فقال له عزرة بن قيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت .
  فقال له زهير بن القين : يا عزرة ، إنّ الله قد زكّاها وهداه ، فاتقِ الله يا عزرة ؛ فإنّي لك من الناصحين ، أُنشدك الله يا عزرة أن تكون ممّنْ يعين الضلال على قتل النفوس الزكية (3) .
  وفي حديث غلام عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري قال : فجعل برير يهازل عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : دعنا ، فوالله ما هذه بساعة باطل .
  فقال له برير : والله لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 57 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 317 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 105 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (ع) ، ينابيع المودّة 3 / 65 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 247 الفصل الحادي عشر ، الأمالي ـ للصدوق / 220 المجلس الثلاثون ، الإرشاد 2 / 91 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 55 ، وغيرها من المصادر .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 15 ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 331 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 67 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، أنساب الأشراف 3 / 400 مقتل الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 316 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 109 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (ع) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 72 _

  إنّي لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ... (1) .
  ولمّا ذهب كعب بن جابر الأزدي ليحمل على برير قال له عفيف بن زهير بن أبي الأخنس رادعاً له : إنّ هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يُقرئنا القرآن في المسجد .
  ولمّا قتله ورجع إلى الكوفة قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القرّاء ! لقد أتيت عظيماً من الأمر ! والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً (2) .
  ولمّا حمل عمرو بن الحجّاج بأصحابه على أصحاب الحسين (عليه السّلام) وصرع مسلم بن عوسجة ، قال أصحاب عمرو بن الحجّاج متبجّحين : قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي .
  فقال شبث بن ربعي : ثكلتكم أُمّهاتكم ! تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة ؟! أما والذي أسلمت له لرُبّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين ، أفيقتل منكم مثله وتفرحون ؟! (3) .
  وقال أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي للإمام الحسين (عليه السّلام) : يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء ! إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تُقتل حتى

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 321 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 60 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 193 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .
(2) تاريخ الطبري 4 / 329 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، وذكر بعضه في الكامل في التاريخ 4 / 67 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، وأنساب الأشراف 3 / 399 مقتل الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 332 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 67 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 73 _

  أُقتل دونك إن شاء الله ، وأحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها .
  فرفع الإمام الحسين (عليه السّلام) رأسه ، ثمّ قال : (( ذكرت الصلاة ! جعلك الله من المصلّين الذاكرين ، نعم ، هذا أوّل وقتها )) (1) ... إلى غير ذلك ممّا يشهد بما ذكرنا من رفيع مقامهم (رضوان الله تعالى عليهم) .

قتل الأطفال بما فيهم الرضيع

  الثالث : قتل الأطفال الأبرياء العزّل (2)

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 334 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 70 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 17 .
(2) قال هاني بن ثبيت الحضرمي : إنّي لواقف عاشر عشرة ليس منّا رجل إلاّ على فرس وقد جالت الخيل وتصعصعت ، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص ، وهو مذعور يتلفّت يميناً وشمالاً ، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أُذنيه تذبذبان كلّما التفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف ... تاريخ الطبري 4 / 343 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، البداية والنهاية 8 / 202 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، مقاتل الطالبيين / 79 مقتل الحسين بن علي (عليه السّلام) .
وقال ابن طاووس : فخرج عبد الله بن الحسن (عليه السّلام) وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتدّ حتى وقف إلى جنب الحسين ، فلحقته زينب بنت علي (عليه السّلام) لتحبسه ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً ، فقال : لا والله ، لا أفارق عمّي ، فأهوى بحر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كاهل ـ إلى الحسين (عليه السّلام) بالسيف ، فقال الغلام : ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمّي ؟! فضربه بالسيف ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام : يا أُمّاه ، فأخذه الحسين (عليه السّلام) وضمّه إليه ، وقال : (( يابن أخي ، اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ الله يلحقك بآبائك الصالحين )) ، قال : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين (عليه السّلام) ، اللهوف في قتلى الطفوف / 71 ، واللفظ له ، ومثله في الإرشاد 2 / 110 ، ومقاتل الطالبيين / 77 مقتل الحسين بن علي (عليه السّلام) ، وتاريخ الطبري 4 / 344 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والكامل في التاريخ 4 / 77 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، وغيرها من المصادر .
وقال ابن سعد : وقد كان ابنا عبد الله بن جعفر لجئا إلى امرأة عبد الله بن قطبة الطائي ، ثمّ النبهاني ، وكانا غلامين لم يبلغا ، وقد كان عمر بن سعد أمر منادياً فنادى : مَنْ جاء برأس فله ألف درهم ، فجاء ابن قطبة إلى منزله ، فقالت له امرأته : إنّ غلامين لجئا إلينا ، فهل لك أن تشرف بهم ، فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة ؟ قال : نعم أرينهم ، فلّما رآهما ذبحهم ، وجاء برؤوسهما إلى عبيد الله بن زياد ... ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 77 ح 292 .
وقد ذكر بتفصيل في مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 48 ـ 52 ، ولكن ذكر أنّهما من ولد جعفر الطيّار في الجنة ، وذكره كذلك عن المناقب القديم في بحار الأنوار 45 / 100 ـ 107 .
وذكره بتفصيل أكثر الشيخ الصدوق في أماليه المجلس التاسع عشر / 143 ـ 145 ، ولكن ذكر أنّهما ولدان لمسلم بن عقيل (عليه السّلام) ، وهو المعروف اليوم ، ولهما مشهد يُزار .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 74 _

  بما فيهم الرضيع (1) ، وكذا بعض النساء من دون أن يُقاتلنَ (2) ، حيث يكشف

---------------------------
(1) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 131 تسمية مَنْ قُتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (رضي الله عنهم) ، ينابيع المودةّ 3 / 79 .
قال ابن طاووس : وقال لزينب : (( ناوليني ولدي الصغير ؛ حتى أودّعه )) ، فأخذه وأومأ إليه ليقبّله فرماه حرملة بن كاهل الأسدي (لعنه الله) بسهم فوقع في نحره فذبحه ، فقال لزينب : (( خذيه )) ، ثمّ تلقى الدم بكفيه ، فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ، قال : (( هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله )) ، قال الباقر (عليه السّلام) : (( فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض )) ، اللهوف في قتلى الطفوف / 69 ، واللفظ له ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 32 .
وورد قتل الطفل الصغير في حجر الإمام الحسين (عليه السّلام) في تاريخ الطبري 4 / 342 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والكامل في التاريخ 4 / 75 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والإرشاد 2 / 108 ، وغيرها من المصادر .
وقال اليعقوبي : فإنّه لواقف على فرسه إذ أتي بمولود قد ولد في تلك الساعة ، فأذّن في أذنه ، وجعل يحنّكه إذ أتاه سهم ، فوقع في حلق الصبي فذبحه ، فنزع الحسين السهم من حلقه ، وجعل يلطخه بدمه ، ويقول : (( والله ، لأنت أكرم على الله من الناقة ، ولمحمد أكرم على الله من صالح ... )) تاريخ اليعقوبي 2 / 245 مقتل الحسين بن علي .
(2) فقد خرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجه ، فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجهه ، وتقول : هنيئاً لك الجنة ، فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فشدخه فماتت مكانها . الكامل في التاريخ 4 / 69 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 333 ـ 334 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 13 ، لكن الموجود فيه أنّ المقتولة أُمّ وهب الكلبي ، وأنّها أوّل امرأة قُتلت في حرب الحسين (عليه السّلام) ، وظاهره قتل نساء أُخر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 75 _

  ذلك عن ثقافة إجرامية ووحشية مقزّزة .

التضييق على ركب الإمام الحسين (عليه السّلام) ومنعهم من الماءع

  الرابع : التضييق على الإمام الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته وأصحابه ومنعهم من الماء حتى أضرّ بهم العطش ، تذرعاً بالانتقام لعثمان ، مع أنّ من المعلوم للجميع أنّ أهل البيت (صلوات الله عليهم) أبرأ الناس من دمه ، وأسمى من أن يمنعوه الماء .
  ولاسيما أنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) نفسه قد سقى الحرّ وأصحابه حينما التقى بهم في الطريق ، وهم قد جاؤوا ليأخذوه أسيراً لابن زياد (1) .
  كما إنّ من المعروف أنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) لم يَجزِ معاوية وعسكره في حرب صفين بالمثل ، فلم يمنعهم الماء في حرب صفين ، وإن سبق منهم منعه ومنع عسكره من الماء لمّا استولوا عليه .

انتهاك حرمة العائلة النبويّة

  الخامس : انتهاك حرمة العائلة النبويّة الكريمة ، ذات المكانة العالية في النفوس ، والمعروفة بالخدر والحشمة ، سواء في المعركة (2) أم بعدها ، وذلك بإرعابها وبحرق خيامها ، وسلبها ، والتشهير بها وتسييرها في البلدان ، بوجه تقشعرّ له الأبدان .

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 30 ـ 31 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 333 ـ 334 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 69 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 16 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 76 _

انتهاك حرمة الأجساد الشريفة بعد القتلّة

  السادس : انتهاك حرمة الأجساد الشريفة بعد القتل بسلب الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، ورضّ جسده الشريف بالخيل ، وترك جسده وأجساد مَنْ قُتل معه بالعراء من دون دفن ، وقطع الرؤوس ورفعها على الرماح والتشهير بها في البلدان ... إلى غير ذلك من مظاهر الانحطاط والوحشية التي هي سمة الطغاة والجبابرة والمعقّدين ، الذين خرجوا في مفاهيمهم وسلوكهم عن ضوابط الإنسانية القويمة ، وأوقعوا بالمجتمع الإنساني في عصوره المختلفة وحتى عصرنا الحاضر صنوف المصائب والفواجع والجرائم المقزّزة والمغرقة في الوحشية .

النيل من الإمام الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته   السابع : النيل من الإمام الحسين وأهل بيته وأسلافه الطاهرين (صلوات الله عليهم) على المنابر وفي المحافل (1) ، من أجل إسقاط حرمتهم ، وبيان شرعية

---------------------------
(1) مثل ما يأتي في خطبة ابن زياد في مسجد الكوفة ، قوله للعقيلة زينب الكبرى (عليها السّلام) في مجلسه : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ، و : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك . تاريخ الطبري 4 / 349 ـ 350 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 81 ـ 82 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 210 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، إلاّ أنّه لم يخرج إلاّ المقطع الأوّل من كلام ابن زياد ، وغيرها من المصادر .
وما عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) قال : (( حتى إذا أدخلنا دمشق صاح صائح : يا أهل الشام ، هؤلاء سبايا أهل البيت الملعون )) . إقبال الأعمال 3 / 89 ، بحار الأنوار 45 / 154 .
وقول يزيد للعقيلة زينب (عليه السّلام) : إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك . تاريخ الطبري 4 / 353 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 86 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 212 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، الأمالي ـ للصدوق / 231 المجلس الحادي والثلاثون ، الإرشاد 2 / 121 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وما يأتي في الملحق الخامس من أمره بمنبر وخطيب يقع في الإمامين أمير المؤمنين والحسين (عليهم السّلام) فأكثر الوقيعة فيهم ... إلى غير ذلك ممّا يظهر للمتتبع .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 77 _

  قتلهم وما فعلوه بهم. مع أنّهم (صلوات الله عليهم) بالمكان الرفيع من الاحترام والتقديس .
  كلّ ذلك أضاف للجريمة الكبرى بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بعداً إجرامياً كبيراً ، واقعياً وعاطفياً .
  وزاد في البعد الإجرامي للواقعة وتأثيرها على المجتمع الإسلامي أمور :
  الأوّل : إنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) كان بقيّة أصحاب الكساء (صلوات الله عليهم) ، فانقطع بقتله أثرهم ، كما تضمّن ذلك ما رواه الصدوق بسنده عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) : يابن رسول الله ، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة وغم وجزع وبكاء ، دون اليوم الذي قُبض منه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، واليوم الذي ماتت فيه فاطمة (عليها السّلام) ، واليوم الذي قُتل فيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، واليوم الذي قُتل فيه الحسن (عليه السّلام) بالسم ؟
  فقال : (( إنّ يوم الحسين (عليه السّلام) أعظم مصيبة من جميع سائر الأيام ؛ وذلك أنّ أصحاب الكساء الذي كانوا أكرم الخلق على الله تعالى كانوا خمسة ، فلمّا مضى عنهم النبي (صلّى الله عليه وآله) بقي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) فكان فيهم للناس عزاء وسلوة ، فلمّا مضت فاطمة (عليها السّلام) كان في أمير المؤمنين والحسن والحسين للناس عزاء وسلوة ، فلمّا مضى منهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان للناس في الحسن والحسين عزاء وسلوة ، فلما مضى الحسن (عليه السّلام) كان للناس في الحسين (عليه السّلام) عزاء وسلوة ، فلمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 78 _

  عزاء وسلوة ، فكان ذهابه كذهاب جميعهم ، كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم ، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة )) .
  قال عبد الله بن الفضل الهاشمي : فقلت له : يابن رسول الله ، فلِمَ لم يكن للناس في علي بن الحسين عزاء وسلوة ، مثل ما كان لهم في آبائه (عليهم السّلام) ؟
  فقال : (( بلى ، إنّ علي بن الحسين كان سيّد العابدين ، وإماماً وحجّةً على الخلق بعد آبائه الماضين ، ولكنّه لم يلقَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولم يسمع منه ، وكان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وكان أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) قد شاهدهم الناس مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أحوال في آن يتوالى ، فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكّروا حاله مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقول رسول الله له وفيه ، فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على الله (عزّ وجلّ) ، ولم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلاّ في فقد الحسين (عليه السّلام) ؛ لأنّه مضى آخرهم ، فلذلك صار يومه أعظم الأيام مصيبة )) (1) .
  ويناسب ذلك ما تقدّم من العقيلة زينب الكبرى (عليها السّلام) في حديثها مع الإمام الحسين (عليه السّلام) ليلة العاشر من قولها : اليوم ماتت أُمّي فاطمة وعلي أبي وحسن أخي ، يا خليفة الماضين ، وثمال الباقين (2) .
  تذكّر الناس أحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله) وغيره عن عظم الجريمة
  الثاني : تذكّر الناس لأحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) وغيرهما ممّا يتضمّن التنبؤ بالواقعة ، وتقييمها ، وشدة ألمهما (صلوات الله عليهما وآلهما) وحسرتهما له ، وبيان المقام الرفيع الذي يفوز به الإمام الحسين (صلوات الله

---------------------------
(1) علل الشرائع 1 / 225 ـ 226 ب 162 العلّة التي من أجلها صار يوم عاشوراء أعظم الأيام مصيبة .
(2) تقدّمت مصادره في / 49 ـ 50 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 79 _

  عليه) ، وسوء منقلب الطرف الآخر بسببه ، والتأكيد على عظم الجريمة ، وتأنيب المسلمين لتقصيرهم إزاءه ، وتخاذلهم في أداء واجبهم ، وما جرى مجرى ذلك .
  تشفّي الأمويين بالفاجعة ثأراً لأسلافهم المشركين
  الثالث : ما طفح على لسان الأمويين من التشفّي بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بسبب قتل النبي (صلّى الله عليه وآله) لأسلافهم في حروب الإسلام .
  فعن أبي عبيدة في كتاب المثالب أنّه لمّا ورد كتاب عبيد الله بن زياد على عمرو بن سعيد الأشدق يبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ، قرأه على الناس ، وأومأ إلى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلاً : يوم بيوم بدر (1) .
  وروي مثل ذلك عن يزيد حين أخذ ينكت ثغر الإمام الحسين (عليه السّلام) بالقضيب في مجلسه (2) ، وكذا عن ابن زياد حين أنكر عليه بعض مَنْ رآه يضرب بالقضيب ثنايا الإمام الحسين (صلوات الله عليه) (3) .
  ولمّا وردت رؤوس القتلى على يزيد ـ وكان في منظرة له على جيرون ـ أنشد :
لـمّـا بــدت تـلكَ الـحمولُ وأشـرقت      تلكَ الشموسُ على رُبى جيرون
نعبَ الغرابُ فقلتُ صح أو لا تصح      فـلـقد قـضـيتُ مــن الـغـريمِ ديـونـي (4)

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 4 / 72 ، الكامل للمبرد 1 / 401 ، النصائح الكافية / 75 .
(2) مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 260 .
(3) الأمالي ـ للصدوق / 229 المجلس الحادي والثلاثون ، روضة الواعظين / 190 ، بحار الأنوار 45 / 154 .
(4) تذكرة الخواص / 261 ـ 262 ، ورواها الآلوسي هكذا : ولقد اقتضيت من الرسول ديوني ، روح المعاني 26 / 72 ، ونقل مثله ابن الدمشقي عن تاريخ ابن القفطي كما في جواهر المطالب ـ لابن الدمشقي 2 / 301 ، وذكره أيضاً في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب 1 / 124 مطلب في حرمة اللعن لمعين وما ورد فيه .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 80 _

  ولمّا أُدخل عليه رأس الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أخذ ينكت ثغره بالقضيب ، وأنشد أبيات ، منها :
لـــيــتَ أشــيــاخـي بــبــدرٍ شــهــدوا      جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل
لأهـــلّــوا واســتـهـلّـوا فـــرحــا      ثمّ قالوا يا يزيدَ لا تُشل
قد قتلنا القرمَ من ساداتهم      وعـــدلـــنـــاهُ بـــــبــــدرٍ فـــاعـــتـــدل
لـعبت هـاشمُ بالملكِ فلا      خبرٌ جاءَ ولا وحي نزل
لــسـتُ مـــن خــنـدفَ إن لـــم أنـتـقم      من بني أحمدَ ما كان فعل (1)
  وقد استنكرت عليه العقيلة زينب الكبرى (عليها السّلام) ذلك ، فخطبت في مجلسه خطبتها الشهيرة ، وأشارت لإنشاده الأبيات المذكورة ، وقد بدأتها بقولها : الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسّلام على سيّد المرسلين ، صدق الله تعالى إذ يقول : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) ... أتهتف بأشياخك ؟! زعمت تناديهم ، فلتردنَّ وشيكاً موردهم ، ولتودّنَّ أنّك شُللت وبُكمت ولم تكن قُلت ما قُلت ... فكد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ... (2) .

الجو الديني الذي عاشه الإمام الحسين (عليه السّلام) وأصحابه

  وفي مقابل ذلك كلّه كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ومَنْ معه

---------------------------
(1) اللهوف في قتلى الطفوف / 105 ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 150 ـ 151 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، بلاغات النساء / 21 كلام زينب بنت علي (عليهم السّلام) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 66 ـ 67 ، تذكرة الخواص / 261 ذكر حمل الرأس إلى يزيد ، ينابيع المودّة 3 / 32 ، النصائح الكافية / 263 ، وذكر بعضه في البداية والنهاية 8 / 209 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، ومقاتل الطالبيين / 80 مقتل الحسين بن علي (عليه السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(2) راجع ملحق رقم 4 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 81 _

  يذكّرون بالله (عزّ وجلّ) ويدعون إليه ، ويحذّرون من عذابه وانتقامه ، ويلهجون بذكره واللجأ إليه والتوكّل عليه ، ويردّدون الرضى بما يختاره لهم ، ويحتسبون مصائبهم في سبيله تعالى ، ويؤكّدون أنّ هدفهم إحقاق الحقّ وإبطال الباطل ، وأنّ همّهم رضى الله سبحانه ، وأداء حقّ النبي (صلّى الله عليه وآله) في أهل بيته ، ونحو ذلك ، مع ما ظهر من استجابة دعائهم على أعدائهم في المعركة (1) وبعدها (2) .
  وقد زاد ذلك في البُعد الديني لنهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فهو الممثّل الحقيقي للدين الحنيف ، والداعي إليه ، ولم ينهض في وجه مسلمين مؤمنين من أجل الصراع على السلطة كما قد يزعمون ، ولا لمجرّد انحرافهم عمليّاً عن تعاليم الإسلام كما قد يظهر بدواً .
  وإنّما نهض في وجه منافقين ، يبطنون الكفر ، ويظهرون الإسلام من أجل الوصول للحكم ، والحفاظ عليه ؛ فلا يُؤمَن منهم دفع المجتمع الإسلامي نحو الكفر والتخلّي عن الإسلام تدريجياً لو تيسّر لهم ذلك .
  وذلك في الحقيقة كان معروفاً للخاصة من مواقف أهل البيت (صلوات

---------------------------
(1) المصنف ـ لابن أبي شيبة 8 / 633 كتاب المغازي ، من كره الخروج في الفتنة وتعوذ عنه ، مجمع الزوائد 9 / 193 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 114 ، 117 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ، إكمال الكمال 2 / 571 في باب حويزة ، تاريخ الطبري 4 / 328 ـ 329 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 66 ـ 67 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ دمشق 14 / 233 ، 235 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 108 ذكر اجتماع العسكر إلى حرب الحسين بن علي (ع) ، وص 130 تسمية مَنْ قُتل بين يدي الحسين من ولده وإخوانه وبني عمّه (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 249 ، بحار الأنوار 45 / 301 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) سير أعلام النبلاء 3 / 311 في ترجمة الحسين الشهيد ، تهذيب الكمال 6 / 430 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الطبري 4 / 312 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 53 ـ 54 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 35 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 82 _

  الله عليهم) وسلوكهم ، ومن منهج معاوية والأمويين عامة ، ومن سلوكهم وتعاملهم مع مفردات الإسلام ورموزه ، إلاّ أنّ مثل هذه التصريحات تزيد ذلك وضوحاً وجلاءً ، وتُعطي للنهضة المباركة ولجريمة الأمويين بُعداً عقائدياً يزيد في نقمة المسلمين عموماً عليهم ، ويسدّ باب الاعتذار عنهم .
  الرابع : انتهاك الأمويين لشهر المحرّم الذي هو من الأشهر الحرم التي حرّم فيها البدء بالقتال في الجاهلية ، فضلاً عن الإسلام ، ولذا أمهل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في صفين معاوية وأصحابه ولم يقاتلهم حتى خرج شهر المحرّم حفظاً لحرمته (1) .
  وفي معتبر الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا (عليه السّلام) في أوّل يوم من المحرّم فقال لي : (( أصائم أنت ؟ )) .
  فقلت : لا ... .
  ثمّ قال : (( يابن شبيب ، إنّ المحرّم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، فما عرفت هذه الأُمّة حرمة شهرها ، ولا حرمة نبيّها (صلّى الله عليه وآله) ، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريّته ، وسبوا نساءه ، وانتهبوا ثقله ، فلا غفر الله لهم ذلك أبداً ، يابن شبيب ، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش ، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لهم في الأرض شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله ... )) (2) .

---------------------------
(1) وقعة صفين / 202 ، الفتوح ـ لابن أعثم 3 / 21 ذكر الوقعة الثانية بصفين ، شرح نهج البلاغة 4 / 25 من أخبار يوم صفين ، الأخبار الطوال / 171 وقعة صفين ، بحار الأنوار 32 / 457 .
(2) الأمالي ـ للصدوق / 192 المجلس السابع والعشرون ، حديث الرضا (عليه السّلام) عن يوم عاشوراء ، عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2 / 268 ، بحار الأنوار 44 / 286 ، إقبال الأعمال 3 / 29 فيما نذكره من عمل أوّل ليلة المحرّم .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 83 _

الأحداث الكاشفة عن ارتباط الفاجعة بالله تعالى

  الخامس : ما استفاضت به الأخبار التي رواها شيعة أهل البيت والجمهور من حدوث الأمور الغريبة الخارقة للعادة بسبب مصيبة الإمام الحسين (عليه السّلام) الكاشفة عن رفعة شأنه ، وعن غضب الله تعالى لفاجعته .
  فقد رمى الإمام الحسين (عليه السّلام) بشيء من دمه (1) ودم ولده (2) للسماء فلم يسقط منه قطرة (3) .
  ولمّا صُرع علي بن الحسين الأكبر (عليه السّلام) نادى رافعاً صوته : هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة (4) .
  وتكلّم رأس الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بعد قتله (5) ، وظهرت

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 343 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 76 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ دمشق 14 / 223 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 430 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 311 في ترجمة الحسين الشهيد ، الوافي بالوفيات 12 / 265 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 214 ، ذخائر العقبى / 144 ، بحار الأنوار 45 / 301 ـ 311 ، وغيرها من المصادر .
(2) مقاتل الطالبيين / 59 ـ 60 عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، اللهوف في قتلى الطفوف / 69 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 257 ، مثير الأحزان / 53 ـ 54 ، بحار الأنوار 45 / 46 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ دمشق 14 / 223 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 34 ، كفاية الطالب / 432 ، بحار الأنوار 45 / 53 ، وغيرها من المصادر .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 31 ، واللفظ له ، مقاتل الطالبيين / 77 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، اللهوف في قتلى الطفوف / 67 ، بحار الأنوار 45 / 44 ، وغيرها من المصادر .
(5) تاريخ دمشق 22 / 117 ـ 118 في ترجمة سلمة بن كهيل ، و 60 / 370 في ترجمة منهال بن عمرو ، الوافي بالوفيات 15 / 200 في ذكر سلمة بن كهيل الحضرمي ، فيض القدير 1 / 265 ، الإرشاد 2 / 117 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 473 ، الخرائج والجرائح 2 / 577 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 84 _

  الأنوار محيطة به (1) .
  وصار التراب الذي دفعه النبي (صلّى الله عليه وآله) لأُمّ سلمة من تربته دماً علامة على قتله (2) .
  وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار (3) ، وأخذ بعضها يضرب بعضاً (4) ، وأظلمت الدنيا ثلاثة أيام (5) ،

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 80 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ الطبري 4 / 348 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 217 ، ينابيع المودّة 3 / 90 ، وغيرها من المصادر .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 93 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 95 ـ 97 الفصل الثاني عشر ، تاريخ اليعقوبي 2 / 245 مقتل الحسين بن علي ، معارج الوصول / 94 إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) بما يجري على الحسين (عليه السّلام) ، نظم درر السمطين ، 217 ، ينابيع المودّة 3 / 12 ، الأمالي ـ للطوسي / 315 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 213 باب إمامة أبي عبد الله الحسين ، وغيرها من المصادر .
(3) السنن الكبرى ـ للبيهقي 3 / 337 كتاب صلاة الخسوف ، باب ما يستدل به على جواز اجتماع الخسوف والعيد لجواز وقوع الخسوف في العاشر من الشهر ، مجمع الزوائد 9 / 197 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 114 ح 2838 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، فيض القدير 1 / 265 ، تاريخ دمشق 14 / 228 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 433 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنساب الأشراف 3 / 413 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(4) مجمع الزوائد 9 / 197 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، المعجم الكبير 3 / 114 ح 2839 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته وهيأته ، تاريخ دمشق 14 / 227 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 433 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 312 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 15 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين ، مقتل الحسين ، وغيرها من المصادر .
(5) تاريخ دمشق 14 / 229 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 434 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، نظم درر السمطين / 221 ، معارج الوصول / 99 ، إمتاع الأسماع ـ للمقريزي 12 / 243 ، و 14 / 150 ، بغية الطلب في تاريخ حلب 6 / 2637 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 91 الفصل الثاني عشر ، الصواعق المحرقة / 295 الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في بعض أهل البيت كفاطمة وولديه ، بحار الأنوار 45 / 216 ، وغيرها من المصادر .