حديث يزيد بن خليفة
وبالمناسبة قد يحسن ذكر معتبر يزيد بن خليفة ، وهو رجل من بني الحارث بن كعب قال : أتيت المدينة وزياد بن عبيد الله الحارثي عليه ، فاستأذنت على أبي عبد الله (عليه السّلام) ، فدخلت عليه وسلّمت عليه وتمكّنت من مجلسي .
قال : فقلت لأبي عبد الله (عليه السّلام) : إنّي رجل من بني الحارث بن كعب ، وقد هداني الله (عزّ وجلّ) إلى محبّتكم ومودّتكم أهل البيت .
قال : فقال لي أبو عبد الله (عليه السّلام) : (( وكيف اهتديت إلى مودّتنا أهل البيت ؟ فوالله إنّ محبّتنا في بني الحارث بن كعب لقليل )) .
قال : فقلت له : جعلت فداك ، إنّ لي غلاماً خراساني ، وهو يعمل القصارة ، وله همشهريجون (1) [همشهرجين] أربعة ، وهم يتداعون كلّ جمعة ، فيقع الدعوة على رجل منهم ، فيصيب غلامي كلّ خمس جمع جمعة ، فيجعل لهم النبيذ واللحم ، قال : ثمّ إذا فرغوا من الطعام واللحم جاء بإجانة فملأها نبيذاً ، ثمّ جاء بمطهّرة ، فإذا ناول إنساناً منهم قال له : لا تشرب حتى تصلّي على محمد وآل محمد ، فاهتديت إلى مودّتكم بهذا الغلام .
قال : فقال لي : (( استوص به خيراً ، واقرأه منّي السّلام ، وقل له : يقول لك جعفر بن محمد : انظر شرابك هذا الذي تشربه فإنّ كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : كلّ مسكر حرام ، وقال : ما أسكر كثيره فقليله حرام )) .
قال : فجئت إلى الكوفة ، وأقرأت الغلام السّلام من جعفر بن محمد (عليهم السّلام) ، قال : فبكى ، ثمّ قال لي : اهتمّ بي جعفر بن محمد (عليهم السّلام) حتى يقرئني السّلام ؟!
قال :
---------------------------
(1) يعني : جماعة من أهل بلده ، والكلمة فارسية الأصل .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 541 _
قلت : نعم . وقد قال لي : قل له : (( انظر شرابك هذا الذي تشربه ، فإنّ كان يسكر كثيره فلا تقربنّ قليله ؛ فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : كلّ مسكر حرام ، وما أسكر كثيره فقليله حرام )) . وقد أوصاني بك . فاذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى .
قال : فقال الغلام : والله ، إنّه لشراب ما يدخل جوفي ما بقيت في الدنيا
(1) .
هذا ما تيسّر لنا من الحديث عن إحياء فاجعة الطفّ وجميع مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) وما يتعلّق بذلك .
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمدّ القائمين بإحياء هذه المناسبات بالتسديد والتأييد ، ويشدّ من أزرهم ، ويوفّقهم لاختيار الطريق الأمثل في خدمة قضيتهم ومبدئهم ، ويتقبّلها منهم ، ويشكر سعيهم ، ويُعظِم أجرهم ، ويدفع عنهم ، ويعزّ نصرهم ، ويزيدهم إيماناً وتسليماً ، وتوفّيقاً لطاعته ومجانبة معصيته كما يوفقنا لنكون منهم ، ونحسب عليهم إنّه أرحم الراحمين ، وولي المؤمنين .
وبهذا ينتهي الكلام في المقام . وكان ذلك يوم الجمعة السادس من شهر محرّم الحرام . سنة ألف وأربعمئة وثمان وعشرين للهجرة النبوية (على صاحبها وآله أفضل الصلاة والتحية) . في النجف الأشرف ، بيمن الحرم المشرّف (على مشرّفه الصلاة والسّلام) . بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) (عُفي عنه) ، نجل سماحة آية الله (السيد محمد علي) الطباطبائي الحكيم (دامت بركاته) . حامداً مصلّياً مسلّماً ، وحسبنا الله ونِعْمَ الوكيل .
كما انتهى إعادة النظر فيه وإضافة الشيء الكثير له ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة ألف وأربعمئة وتسعة وعشرين للهجرة بيمنى مؤلّفه (عُفي عنه) حامداً مصلّياً مسلّماً .
---------------------------
(1) الكافي 6 / 411 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 543 _