استغلال المعارضة للفاجعة ضدّ الحكم الأموي

  هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الجريمة بأبعادها الواقعية والعاطفية قد استغلّت على أتمّ وجوه الاستغلال من قِبَل المعارضة .
  وأظهرها في ذلك الوقت عبد الله بن الزبير العدوّ اللدود لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولعموم بني هاشم ، كما تشهد بذلك مواقفه المشهورة ، وقد أشرنا لبعضها في المقدّمة (1) ، ويأتي الإشارة لبعضها في الموضع المناسب .
  ومع ذلك فقد حاول أن يستغلّ الفاجعة لصالحه ، فقد كان في جملة كلامه ـ بعد أن ذمّ أهل العراق عامّة والكوفة خاصّة ـ أن ذكر الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال : ولكنّه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله حسيناً وأخزى قاتل حسين ... أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ، ونصدّق قولهم ، ونقبل لهم عهداً ؟! لا ولا نراهم لذلك أهلاً ، أما والله ، لقد قتلوه طويلاً بالليل قيامه ، كثيراً في النهار صيامه ، أحقّ بما هم فيه منهم ، وأولى به في الدين والفضل ، أما والله ، ما كان يبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الحرام ، ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد فسوف يلقون غيّاً ، يعرض بيزيد .
  فثار إليه أصحابه ، فقالوا له : أيّها الرجل أظهر بيعتك ، فإنّه لم يبقَ أحد ـ إذ هَلك حسين ـ ينازعك هذا الأمر ، وقد كان يبايع سرّاً ، ويظهر أنّه عائذ بالبيت ، فقال لهم : لا تعجلوا (2) .

---------------------------
(1) تقدّم في / 64 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 364 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 98 ـ 99 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد ، وقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر خطبة ابن الزبير في تذكرة الخواص / 268 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 114 _

  وهكذا حاول أن يجعل من فاجعة الطفّ مبرّراً للامتناع من بيعة يزيد ، وإنكار شرعية حكمه ، والدعوة للخروج عليه .
  ولنكتف بهذا المقدار في بيان ردود الفعل السريعة من قِبَل المسلمين نتيجة هول الفاجعة ، ويأتي إن شاء الله تعالى في المبحث الثالث من الفصل الأوّل من المقصد الثاني تمام الكلام في التداعيات اللاحقة للفاجعة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 115 _

المقام الثاني : في موقف السلطة نتيجة ردّ الفعل المذكور

  وانقلاب موقفها من الحدث ومن عائلة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)
  من الطبيعي جدّاً أن يكون يزيد قد أوعز لابن زياد بقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بعد أن امتنع عن بيعته ، واستجاب لطلب شيعته في الكوفة أن يأتيه ، ليكون هو الخليفة والإمام عليهم .
  بل لا يشكّ المنصف في أنّ مثل هذه الجريمة الكبرى لا يمكن أن يقدم عليها ابن زياد لوحده لو لم يكن يزيد من ورائه دافعاً له وداعماً لموقفه .
  ولاسيما أنّ ابن زياد قد سبق منه أن قتل سفير الإمام الحسين إلى الكوفة مسلم بن عقيل (عليهما السّلام) ، وهاني بن عروة ، وأرسل رأسيهما إلى يزيد (1) ، وكان ذلك فاتحة الردّ على موقف الإمام الحسين (عليه السّلام) من يزيد الذي انتدب له ابن زياد ، فلو

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 306 أحداث سنة ستين من الهجرة : ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين بن علي ليسير إليهم وقتل مسلم بن عقيل ، تاريخ الطبري 4 / 285 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى ما قبلهم وأمر مسلم بن عقيل (رضي الله عنه) ، أنساب الأشراف 2 / 341 ـ 342 مقتل مسلم بن عقيل ، تاريخ الإسلام 4 / 171 حوادث سنة ستين من الهجرة ، بيعة يزيد ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 69 ـ 70 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد إلى يزيد بن معاوية ، الإرشاد 2 / 65 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 116 _

  لم يكن من رأي يزيد قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) لكان عليه إلفات نظر ابن زياد وتحذيره من الاندفاع بالاتجاه المذكور .

شواهد أمر يزيد بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام)

  على أنّه قد روى غير واحد أنّ يزيد كتب إلى ابن زياد يأمره بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) (1) ، كما يأتي من يزيد الاعتراف بتحمّله تبعة قتله (عليه السّلام) (2) .
  بل عن ابن زياد في الاعتذار عن قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّه قال : أمّا قتلي الحسين فإنّه أشار عليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله (3) .
  وهو المناسب لأمور :
  الأوّل : حنق يزيد على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من أيام معاوية ، لأنّه منع من تزويجه بنت عبد الله بن جعفر (4) ، ورفض بيعته في أيام معاوية ، حيث ردّ على معاوية فيمَنْ ردّ عليه (5) .
  وكان يزيد يضيق من مداراة معاوية للإمام الحسين (عليه السّلام) في بعض المناسبات

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 242 أيام يزيد بن معاوية ، تاريخ دمشق 14 / 213 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، الأخبار الطوال / 284 ، نور الأبصار / 143 ، وغيرها من المصادر .
(2) يأتي في / 128 .
(3) الكامل في التاريخ 4 / 140 في أحداث سنة أربع وستين من الهجرة ، ذكر هرب ابن زياد إلى الشام .
(4) تاريخ دمشق 57 / 245 ـ 246 في ترجمة مروان بن الحكم بن أبي العاص ، الكامل 3 / 208 ـ 209 كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم ، معجم البلدان 1 / 469 في مادة (بغيبغ) .
(5) تاريخ الطبري 4 / 226 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، دعاء معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولي العهد ، الكامل في التاريخ 3 / 509 ، 511 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، البداية والنهاية 8 / 162 أحداث سنة ستين من الهجرة ، قصّة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة ومقتله ، الإمامة والسياسة 1 / 151 قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة ، الفتوح ـ لابن أعثم 4 / 340 ـ 341 ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وممّا كان منه بمكة والمدينة إلى رجوعه ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 117 _

  ويحمله على مجابهته وردعه ، ولا يستجيب له معاوية في ذلك (1) .
  الثاني : إنّ يزيد كتب للوليد بن عتبة والي المدينة كتاباً يخبره فيه بموت معاوية ، ويأمره بأخذ البيعة من الناس ، وأرفقه بكتاب صغير كأنّه أُذن فأرة ، وفيه : أمّا بعد ، فخذ الحسين ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً عنيفاً ليست فيه رخصة ، فمَنْ أبى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه ، والسّلام (2) .
  نعم ، ذكر بعضهم الكتاب هكذا : أمّا بعد ، فخذ حسيناً ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة (3) ولو تمّ فهو وإن لم يصرح فيه بالقتل ، إلاّ إنّه راجع إليه ، وإلاّ فكيف يكون الأخذ الشديد من عامل يزيد في مثل هذا الأمر الحساس الذي يتوقّف عليه استقرار حكمه وإحكام سلطانه ؟!

---------------------------
(1) اختيار معرفة الرجال / 124 عند ذكر عمرو بن الحمق ، تاريخ دمشق 14 / 206 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 6 حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، مقتل الحسين ، وغيرها من المصادر .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 180 ، واللفظ له ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 9 ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة ، تاريخ اليعقوبي 2 / 241 أيام يزيد بن معاوية إلاّ إنّه اقتصر على الإمام الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير ، ونظيره في مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب 3 / 240 ، واللهوف في قتلى الطفوف / 16 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 250 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خلافة يزيد بن معاوية ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 14 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر بيعة يزيد ، البداية والنهاية 8 / 157 أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية ، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه ، المنتظم 5 / 323 أحداث سنة ستين من الهجرة ، باب ذكر بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .
وأشار إلى هذا الكتاب الدينوري في الأخبار الطوال / 227 مبايعة يزيد ، أنساب الأشراف 5 / 313 ذكر ما كان من أمر الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وابن الزبير في بيعة يزيد بعد موت معاوية بن أبي سفيان ، سمط النجوم العوالي 3 / 54 بيعة يزيد بن معاوية ، تاريخ ابن خلدون 3 / 19 بيعة يزيد ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 118 _

  وقد سبق نظيره ممّنْ هو أكثر تعقّلاً من يزيد وأبعد نظراً منه . ففي أحداث السقيفة هُدّد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بالقتل (1) ، وقريب من ذلك كان الموقف من سعد بن عبادة (2) ، وأخيراً قُتل (3) ، وفي أحداث الشورى أمر عمر بقتل

---------------------------
(1) الإمامة والسياسة 1 / 16 كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب (ع) ، شرح نهج البلاغة 2 / 60 ، كتاب سليم بن قيس / 153 ، الاحتجاج 1 / 109 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 1 / 381 ، بحار الأنوار 28 / 356 .
(2) صحيح البخاري 8 / 27 ـ 28 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة ، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت ، مسند أحمد 1 / 56 مسند عمر بن الخطاب ، حديث السقيفة ، المصنف ـ لابن أبي شيبة 8 / 572 كتاب المغازي ، ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردّة ، المصنف ـ لعبد الرزاق 5 / 444 كتاب المغازي ، بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ، صحيح ابن حبان 2 / 150 ـ 151 باب حق الوالدين ، الزجر عن أن يرغب المرء عن أبائه إذ استعمال ذلك ضرب من الكفر ، تاريخ دمشق 30 / 283 في ترجمة أبي بكر الصديق ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
(3) العقد الفريد 4 / 242 ـ 243 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، سقيفة بني ساعدة ، أنساب الأشراف 1 / 291 تسمية السبعين الذين بايعوا عند العقبة ، و 2 / 272 أمر السقيفة .
وقد اتّهم الجنّ بقتله في كلّ من المستدرك على الصحيحين 3 / 283 كتاب معرفة الصحابة ، ذكر مناقب سعد بن عبادة الخزرجي النقيب ، والاستيعاب 2 / 599 في ترجمة سعد بن عبادة ، ومجمع الزوائد 1 / 206 كتاب الطهارة ، باب البول قائم ، والمعجم الكبير 6 / 16 في ترجمة سعد بن عبادة الأنصاري ، وسير أعلام النبلاء 1 / 277 في ترجمة سعد بن عبادة ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وعلّق ابن أبي الحديد على اتّهام الجنّ بقوله : أمّا أنا فلا اعتقد أنّ الجنّ قتلت سعداً ، ولا أنّ هذا من شعر الجنّ ، ولا أرتاب أنّ البشر قتلوه ، وأنّ هذا الشعر شعر البشر ، ولكن لم يثبت عندي أنّ أبا بكر أمر خالداً ، ولا استبعد أن يكون فعله تلقاء نفسه ، ليرضي بذلك أبا بكر ـ وحاشاه ـ فيكون الإثم على خالد ، وأبو بكر برئ من إثمه ، وما ذلك من أفعال خالد ببعيد ، شرح نهج البلاغة 17 / 223 ـ 224 .
وقال أيضاً : وقال بعض المتأخّرين :
وما ذنبُ سعدٍ أنّه بالَ قائما      ولكنّ سعداً لم يُبايع أبا بكر
وقـد صـبرت عـن لذةِ العيشِ أنفس      وما صبرت عن لذةِ النهي والأمر
شرح نهج البلاغة 10 / 111 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 119 _

  مَنْ يخالف حكمها (1) ، وهُدّد أمير المؤمنين (عليه السّلام) عند بيعة عثمان بذلك (2) .
  وروي أنّه لمّا أراد معاوية البيعة ليزيد بولاية العهد وامتنع هؤلاء النفر جمعهم في مكة ، وبعد أن سمع منهم ما لم يعجبه قال لهم : فإنّي قد أحببت أن أتقدّم إليكم ، إنّه قد أُعذر مَنْ أُنذر ، إنّي كنت أخطب فيكم فيقوم إليّ القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس ، فأحمل ذلك وأصفح ، وإنّي قائم بمقالة فأقسم بالله لئن ردّ أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه ، فلا يبقينَّ رجل إلاّ على نفسه .
  ثمّ جمع صاحب حرسه بحضرتهم فقال : أقم على رأس كلّ رجل من هؤلاء رجلين ، ومع كلّ واحد سيف ، فإن ذهب رجل منهم يردّ عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفهما .

---------------------------
(1) المصنف ـ لابن أبي شيبة 8 / 582 كتاب المغازي ، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب ، صحيح ابن حبان 15 / 332 كتاب إخباره (صلّى الله عليه وآله) عن مناقب الصحابة ، مناقب عمر بن الخطاب ، وصف وفاته ، تاريخ الطبري 3 / 294 أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، قصّة الشورى ، الكامل في التاريخ 3 / 67 أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة ، ذكر قصّة الشورى ، المصنف ـ لابن أبي شيبة 8 / 582 كتاب المغازي ، ما جاء في خلافة عثمان وقتله ، الإمامة والسياسة 1 / 26 تولية عمر بن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم ، تاريخ المدينة 3 / 925 ، كنز العمال 12 / 694 ح 36076 ، الطبقات الكبرى 3 / 342 ذكر استخلاف عمر ، نهاية الأرب في فنون الأدب 19 / 240 ذكر قصّة الشورى ، العقد الفريد 4 / 256 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .
(2) أنساب الأشراف 6 / 128 أمر الشورى وبيعة عثمان ، الإمامة والسياسة 1 / 27 ـ 28 ذكر الشورى وبيعة عثمان بن عفان ، شرح نهج البلاغة 1 / 194 ، نهاية الأرب في فنون الأدب 19 / 244 قصّة الشورى .
ونظيره في صحيح البخاري 8 / 123 كتاب الأحكام ، باب كيف يبايع الإمام الناس ، السنن الكبرى ـ للبيهقي 8 / 147 كتاب قتال أهل البغي ، باب كيفية البيعة ، المصنف ـ لعبد الرزاق 5 / 477 كتاب المغازي ، حديث أبي لؤلؤة قاتل عمر ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 120 _

  ثمّ خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم ، لا يُبَتّ (1) أمر دونهم ، ولا يُقضى إلاّ عن مشورتهم ، وإنّهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ، فبايعوا على اسم الله .
  فبايع الناس وكانوا يتربّصون بيعة هؤلاء النفر ، ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى المدينة (2) .
  فلقي الناس أولئك النفر فقالوا لهم : زعمتم أنّكم لا تبايعون ، فلِمَ أُرضيتم وأُعطيتم وبايعتم ؟
  قالوا : والله ما فعلنا .
  فقالوا : ما منعكم أن تردّوا على الرجل ؟
  قالوا : كادنا وخفنا القتل (3) .
  كما إنّ ذلك هو المناسب لطلب مروان من الوليد بن عتبة أن يقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) إن لم يبايع وتأنيبه له على ترك قتله (4) ، ولعزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة في شهر رمضان بعد خروج الإمام الحسين (عليه السّلام) بقليل (5) ، بل صرّح في

---------------------------
(1) بتّ الأمر : أمضاه .
(2) سمط النجوم العوالي 3 / 45 .
(3) الكامل في التاريخ 3 / 508 ـ 509 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة : ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، واللفظ له ، تاريخ خليفة بن خياط / 164 أحداث سنة إحدى وخمسين من الهجرة ، أخذ معاوية بن أبي سفيان البيعة لابنه يزيد ، تاريخ الإسلام 4 / 152 حوادث سنة إحدى وخمسين من الهجرة ، الإمامة والسياسة 1 / 153 قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة ، سمط النجوم العوالي 3 / 45 عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة ، وغيرها من المصادر .
(4) تاريخ الطبري 4 / 251 ـ 252 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خلافة يزيد بن معاوية ، الكامل في التاريخ 4 / 15 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر بيعة يزيد ، البداية والنهاية 8 / 157 أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية ، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه ، تاريخ الإسلام 4 / 169 حوادث سنة ستين من الهجرة ، بيعة يزيد ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 14 ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة ، الإمامة والسياسة 1 / 165 إباية القوم الممتنعين عن البيعة ، وغيرها من المصادر .
(5) تاريخ ابن خلدون 3 / 21 عزل الوليد عن المدينة وولاية عمرو بن سعيد ، تاريخ الطبري 4 / 254 أحداث سنة ستين من الهجرة ، خلافة يزيد بن معاوية ، الكامل في التاريخ 4 / 18 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد ، البداية والنهاية 8 / 158 أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية ، في ترجمة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه ، وفي الاستيعاب 3 / 1388 في ترجمة مروان بن الحكم ، وتاريخ دمشق 63 / 207 ـ 208 في ترجمة الوليد بن عتبة بن صخر بن حرب ، وتاريخ خليفة بن خياط / 174 أحداث سنة ستين من الهجرة ، إلاّ إنّه لم يحدّد في شهر رمضان ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 121 _

  بعض المصادر أنّ سبب عزله امتناعه من تنفيذ أمر يزيد بإرغام الإمام الحسين (عليه السّلام) على البيعة (1) .
  ولما ورد من أنّ أبا هرم رأى الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وهو في طريقه إلى كربلاء فقال له : يابن النبي ، ما الذي أخرجك من المدينة ؟!
  فقال (عليه السّلام) : (( ويحك يا أبا هرم ! شتموا عرضي فصبرت ، وطلبوا مالي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت . وأيم الله ليقتلنني ... )) (2) .
  الثالث : إنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لمّا دخل مكّة واجتمع الناس إليه بلغ يزيد ذلك فكتب إلى ابن عباس : أمّا بعد ، فإنّ ابن عمّك حسيناً وعدوّ الله ابن الزبير التويا بيعتي ، ولحقا بمكّة مرصدين للفتنة ، معرضين أنفسهما للهلكة ... .
  وكتب أسفل الكتاب أبياتاً منها قوله :
إنّــــي لأعــلــمُ أو ظــنـاً كـعـالـمه      والظنّ يصدق أحياناً فينتظم
أن ســـوفَ يـتـركـكم مــا تـدعـون بــه      قتلى تهاداكم العقبانُ والرخمُ (3)

---------------------------
(1) الاستيعاب 3 / 1388 في ترجمة مروان بن الحكم ، البداية والنهاية 8 / 158 أحداث سنة ستين من الهجرة ، في ترجمة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 240 .
(2) الأمالي ـ للصدوق / 218 المجلس 30 ، مثير الأحزان / 33 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 43 ـ 44 ، وقريب منه في الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 79 ذكر مسير الحسين إلى العراق .
(3) تذكرة الخواص / 237 ـ 238 الباب التاسع في ذكر الحسين (عليه السّلام) ، واللفظ له ، وذكرت جميع الأبيات مع اختلاف في الكتاب في تاريخ دمشق 14 / 211 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وتهذيب الكمال 6 / 420 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، والبداية والنهاية 8 / 177 في أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 122 _

  الرابع : ما روي من أنّ يزيد دسّ مع الحاج ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة وأمرهم باغتيال الإمام الحسين (عليه السّلام) (1) .
  ويناسب ذلك حديث الفرزدق الشاعر قال : حججت بأُمّي ، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحجّ ـ وذلك في سنة ستين ـ إذ لقيت الحسين بن علي خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسه ... فقلت : بأبي أنت وأُمّي يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحجّ ؟
  فقال : (( لو لم أعجل لأُخذت ... )) (2) .
  وما سبق من أنّه (عليه السّلام) كان يعتذر عن خروجه بأنّه يخشى أن تُهتك به حرمة الحرم (3) .
  الخامس : بقاء ابن زياد عاملاً ليزيد حتى مات يزيد ، بل قال ابن أعثم : لمّا قُتل الحسين استوسق العراقان جميعاً لعبيد الله بن زياد ، وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة ... ثمّ علا أمره ، وارتفع قدره ... (4) .
  وقال المسعودي : وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب ، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد ، وذلك بعد قتل الحسين ، فأقبل على ساقيه وقال :
أسـقني شـربةً تـروي مـشاشي      ثمّ مِل فاسقِ مثلها ابنَ زياد
صـاحبَ الـسرِّ والأمانةِ عندي      ولتسديدِ مغنمي وجهادي (5)

---------------------------
(1) ينابيع المودّة 3 / 59 خروج الحسين من مكة ، بحار الأنوار 45 / 99 .
(2) تاريخ الطبري 4 / 290 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 180 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، الأمالي ـ للشجري 1 / 166 فضل الحسين بن علي (عليهما السّلام) وذكر مصرعه وسائر أخباره وما يتصل بذلك .
(3) تقدّمت مصادره في / 39 .
(4) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 156 ـ 157 ذكر ما كان بعد مقتل الحسين بن علي (ع) .
(5) مروج الذهب 3 / 78 فسق يزيد وعمّاله وزندقتهم .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 123 _

  السادس : طيش يزيد وعنجهيته حتى فعل بالمدينة المنوّرة في واقعة الحرّة ، وفي مكّة المكرّمة في قتاله لابن الزبير ما فعل .
  السابع : طلبه من ابن زياد إرسال العائلة الكريمة إلى الشام (1) ، فأرسلها بذلك الوضع المزري (2) الذي أشارت إلى بعض مآسيه العقيلة زينب الكبرى بقولها في خطبتها في مجلس يزيد : أَمِنَ العدل يابن الطلقاء ، تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟! قد هتكت ستورهنَّ ، وأبديت وجوههنَّ ، يحدي بهنَّ من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل ، ويتصفّح وجوههنَّ القريب والبعيد ، والدني والشريف ... ! (3) .
  ثمّ تزيين الشام لاستقبالهم (4) ، وقد أُقيموا على درج باب المسجد حيث يُقام السبي (5) ، وأُدخلوا على يزيد مربّقين بالحبال (6) .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 84 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ الطبري 4 / 354 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 81 ح 296 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 99 ، وغيرها من المصادر .
(2) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 147 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، الكامل في التاريخ 4 / 83 في أحداث سنة إحدى وستين ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ الطبري 4 / 352 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الثقات ـ لابن حبان 2 / 312 ـ 313 في ترجمة يزيد بن معاوية ، الفصول المهمّة 2 / 831 الفصل الثالث ، فصل في ذكر مصرعه ومدّة عمره وإمامته (عليه السّلام) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 55 ـ 56 ، إقبال الأعمال 3 / 89 ، وغيرها من المصادر .
(3) راجع ملحق رقم 4 .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 60 .
(5) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 149 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 61 ، الأمالي ـ للصدوق / 230 ، اللهوف في قتلى الطفوف / 102 ، الاحتجاج 2 / 33 ، البدء والتاريخ 6 / 12 مقتل أبي عبد الله الحسين بن علي (ع) .
تاريخ مختصر الدول / 110 ـ 111 الدولة التاسعة ، يزيد بن معاوية ، وغيرها من المصادر .
(6) ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 83 ح 297 ، الكامل في التاريخ 4 / 86 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، أنساب الأشراف 3 / 416 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، العقد الفريد 4 / 350 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، مقتل الحسين بن علي ، تذكرة الخواص / 262 ، الإمامة والسياسة 2 / 185 قدوم من أسر من آل علي على يزيد ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 124 _

  الثامن : صلب رأس الإمام الحسين (عليه السّلام) (1) على باب القصر في دمشق ثلاثة أيام (2) ، ثمّ التشهير به وتسييره في البلدان (3) .
  التاسع : إظهار السرور والشماتة بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) (4) ، وإنشاده الأبيات السابقة ، وقوله : إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام :
أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت      قـواضـبُ فــي أيـماننا تـقطرُ الـدما
يُــفــلّــقــنَ هــــامــــاً مــــــــن رجـــــــالٍ أعـــــــزة      علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما (5)

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 16 / 180 في ترجمة خالد بن غفران ، السيرة الحلبية 3 / 157 في كلامه عن سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 73 ـ 74 ، الأمالي ـ للصدوق / 231 المجلس الحادي والثلاثون ، وغيرها من المصادر .
(2) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 75 ، تاريخ دمشق 69 / 160 في ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية ، سير أعلام النبلاء 3 / 319 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 107 في ترجمة الحسين بن علي (ع) ، الوافي بالوفيات 12 / 264 ، البداية والنهاية 8 / 222 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .
(3) أنساب الأشراف 3 / 419 في مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، نور الأبصار / 147 فصل اختلفوا في رأس الحسين (ع) ، مثير الأحزان / 85 .
(4) الثقات ـ لابن حبان 2 / 313 في ترجمة يزيد بن معاوية ، سير أعلام النبلاء 3 / 320 في ترجمة الحسين الشهيد ، البداية والنهاية 8 / 209 ـ 211 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، الأنساب ـ للسمعاني 3 / 476 في كلامه عن الشهيد ، أنساب الأشراف 3 / 416 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، وغيرها من المصادر .
(5) الكامل في التاريخ 4 / 85 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، واللفظ له ، الفصول المهمّة 2 / 834 ، وقد اقتصر على البيت الثاني في مجمع الزوائد 9 / 193 كتاب المناقب ، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، والمعجم الكبير 3 / 104 مسند الحسين بن علي ، ذكر مولده وصفته ، وتاريخ دمشق 62 / 85 في ترجمة نضلة بن عبيد ، و 65 / 396 في ترجمة يزيد بن معاوية ، و 68 / 95 في ترجمة رجل من خثعم له صحبة ، و 70 / 14 ـ 15 في ترجمة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ، وأسد الغابة 5 / 381 في ترجمة عبد الواحد بن عبد الله القرشي ، وتهذيب الكمال 6 / 428 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 125 _

  العاشر : ردّ العقيلة زينب الكبرى على يزيد في خطبتها المشار إليها آنفاً ، وكتاب ابن عباس له (1) المؤكّد لاشتراكه في الجريمة ... إلى غير ذلك ممّا لا يبقى معه شك في أمر يزيد بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) وسروره به بعد حصوله .

محاولة يزيد التنصّل من الجريمة واستنكاره لها

  ومع كلّ ذلك فقد تبدّل موقف يزيد حيث نسب له بعض المؤرّخين وأهل الحديث التنصّل من الجريمة ، أو الاستنكار لها ، وأنّه كان يرضى من طاعة أهل الكوفة بدون ذلك ، وأنّه قد حمّل ابن زياد مسؤوليتها (2) .
  وروى غير واحد أنّه قد أُقيم المأتم على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في داره ، وشاركت عائلته عائلة الإمام الحسين (عليه السّلام) فيه (3) .

---------------------------
(1) المعجم الكبير 10 / 242 أحاديث عبد الله بن عباس ، ومن مناقب عبد الله بن عباس وأخباره ، مجمع الزوائد 7 / 251 كتاب الفتن ، باب فيما كان من أمر ابن الزبير ، الكامل في التاريخ 4 / 128 في أحداث سنة أربع وستين من الهجرة ، ذكر بعض سيرة يزيد وأخباره ، تاريخ اليعقوبي 2 / 248 في مقتل الحسين بن علي ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 78 ، وغيرها من المصادر .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 84 ـ 85 ، 87 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، تاريخ الطبري 4 / 352 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 148 ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (ع) ، تاريخ دمشق 18 / 445 في ترجمة زحر بن قيس الجعفي ، أنساب الأشراف 3 / 415 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، الأخبار الطوال / 261 نهاية الحسين ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 83 ح 297 ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 56 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(3) تاريخ الطبري 4 / 355 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، البداية والنهاية 8 / 212 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، أنساب الأشراف 3 / 417 مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، سير أعلام النبلاء 3 / 304 في ترجمة الحسين الشهيد ، تذكرة الخواص / 265 ، الأمالي ـ للصدوق / 230 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 126 _

  بل لا إشكال في أنّه أسرع بإرجاع العائلة الثاكلة للمدينة المنوّرة مكرّمة معزّزة ، وفسح المجال لها لإقامة المآتم ومراسم العزاء بوجه مهيج للشعور ضدّه على الصعيد العام ، وغضّ النظر عن تبعة ذلك عليه .
  كما إنّه أوصى مسلم بن عقبة صاحب وقعة الحرّة بالإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) (1) ، وأعفاه من البيعة التي طلبها من أهل المدينة (2) حيث طلب منهم أن يبايعوا على أنّهم عبيد ليزيد (3) .

---------------------------
(1) سير أعلام النبلاء 3 / 320 ـ 321 في ترجمة الحسين الشهيد ، تاريخ الإسلام 5 / 21 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، مقتل الحسين / 28 قصّة الحرّة ، تاريخ الطبري 4 / 379 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، البداية والنهاية 8 / 239 ـ 241 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة عن الحديث عن وقعة الحرّة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 184 ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين ، الكامل في التاريخ 4 / 119 ـ 120 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، ذكر وقعة الحرّة ، وغيرها من المصادر .
(2) تاريخ الطبري 4 / 379 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، تاريخ الإسلام 5 / 28 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، قصّة الحرّة ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 184 ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين ، الكامل في التاريخ 4 / 111 ـ 112 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، ذكر وقعة الحرّة ، تاريخ اليعقوبي 2 / 251 في مقتل الحسين بن علي ، مروج الذهب 3 / 80 ـ 81 معركة حرّة واقم ، وغيرها من المصادر .
(3) الإصابة 6 / 232 في ترجمة مسلم بن عقبة بن رباح ، تهذيب التهذيب 11 / 316 في ترجمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، فتح الباري 13 / 60 ـ 61 ، تاريخ الطبري 4 / 379 ـ 381 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 4 / 118 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، ذكر وقعة الحرّة ، تاريخ الإسلام 5 / 29 ـ 30 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، قصّة الحرّة ، البداية والنهاية 8 / 243 أحداث ستة ثلاث وستين من الهجرة ، الإمامة والسياسة 2 / 187 إخراج بني أُميّة عن المدينة وذكر قتال أهل الحرّة ، تاريخ خليفة بن خياط / 183 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، أمر الحرّة ، تاريخ دمشق 58 / 105 ـ 107 ، 114 في ترجمة مسلم بن عقبة ، لسان الميزان 6 / 293 في ترجمة يزيد بن معاوية ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 182 ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين ، تاريخ اليعقوبي 2 / 250 في مقتل الحسين بن علي ، النصائح الكافية / 62 ، معجم البلدان 2 / 249 في (حرّة واقم) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 127 _

  وكلّ ذلك لا بدّ أن يكون بسبب ردود الفعل المباشرة التي سبق الكلام فيها ، والتي تكشف عن شدّة وقع الجريمة في نفوس المسلمين حيث شعر بخسارته في المعركة شعوراً فرض عليه الخروج في معالجة الموقف عن طبيعته في الطيش والعنجهية التي بقيت معه في بقيّة الأحداث التي واجهته بعد فاجعة الطفّ ، ومنها ردّه ببشاعة على أهل المدينة في واقعة الحرّة ، وعلى ابن الزبير في استحلال الحرم ، ورمي مكّة المكرّمة والكعبة المعظّمة بالمنجنيق .
  قال ابن الأثير : وقيل : ولمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حسُنت حال ابن زياد عنده ، ووصله وسرّه ما فعل ، ثمّ لم يلبث إلاّ يسيراً حتى بلغه بغض الناس له ، ولعنهم وسبّهم ، فندم على قتل الحسين ، فكان يقول : وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري ، وحكمته فيما يريد ، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني ... لعن الله ابن مرجانة فإنّه اضطره ... فقتله ، فبغّضني بقتله إلى المسلمين ، وزرع في قلوبهم العداوة ، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة ، لعنه الله ، وغضب عليه ؟! (1) .
  وقد روى مثل ذلك الطبري وغيره عن أبي عبيدة عن يونس بن حبيب (2) .

محاولة ابن زياد التنصّل من الجريمة وشعوره بالخطأ

  كما يظهر أنّ ابن زياد أيضاً حاول أن يتنصّل من قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، ويُحمّل عمر بن سعد تبعته .
  قال الطبري : قال هشام : عن عوانة ، قال : قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين : يا عمر ، أين الكتاب الذي كتبت إليك في قتل الحسين ؟
  قال : مضيت لأمرك ، وضاع الكتاب .
  قال : لتجيئني به .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 4 / 87 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
(2) تاريخ الطبري 4 / 388 ، ذكر الخبر عمّا كان من أمر عبيد الله بن زياد وأمر أهل البصرة معه بها بعد موت يزيد ، سير أعلام النبلاء 3 / 317 في ترجمة الحسين الشهيد .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 128 _

  قال : ضاع .
  قال : والله لتجيئني به .
  قال : تُرك والله يُقرأ على عجائز قريش ، اعتذاراً إليهنَّ بالمدينة ، أما والله ، لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقّاص كنت قد أدّيت حقّه .
  قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله : صدق والله ، والله ، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسيناً لم يُقتل .
  قال : فوالله ، ما أنكر ذلك عليه عبيد الله (1) .
  وقد ذكر ابن الأثير أيضاً حديث عبيد الله بن زياد هذا مع عمر بن سعد من دون أن يذكر السند (2) .
  وقالت مرجانة لابنها عبيد الله بن زياد : يا خبيث ! قتلت ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ! لا ترى الجنّة أبداً (3) .
  ويبدو شعور يزيد وابن زياد بسوء تبعة قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) عليهما ممّا رواه ابن أعثم من أنّ يزيد حين علم إصرار ابن الزبير على الامتناع من بيعته أمهله ، وأخذ يتأنّى في أمره ، ويقول لأصحابه : ويحكم ! إنّي قتلت بالأمس الحسين بن علي وأقتل اليوم عبد الله بن الزبير ؟! أخاف أن تشعث عليّ العامّة ، ولا يحتمل ذلك لي ، ويتنغّص عليّ أمري (4) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 357 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، عند الكلام في مقتل الحسين (عليه السّلام) ، واللفظ له ، ومثله في البداية والنهاية 8 / 227 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، فصل [بلا عنوان] .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 93 ـ 94 في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) .
(3) تاريخ دمشق 37 / 451 في ترجمة عبيد الله بن زياد ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 265 أحداث سنة سبع وستين من الهجرة ، ذكر مقتل ابن زياد ، تهذيب التهذيب 2 / 308 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 15 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، مقتل الحسين ، البداية والنهاية 8 / 314 أحداث سنة سبع وستين من الهجرة ، ترجمة ابن زياد ، الوافي بالوفيات 12 / 265 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 88 ح 311 ، وغيرها من المصادر .
(4) الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 174 ابتداء حرب واقم وما قُتل فيها من أولاد المهاجرين والأنصار والعبيد والموالي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 129 _

  وممّا ذكره غير واحد من أنّ يزيد لمّا كتب إلى ابن زياد يأمره بغزو ابن الزبير ، قال ابن زياد : لا أجمعهما للفاسق أبداً ، أقتل ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأغزو البيت ؟ ! (1) .

موقف الحكّام إذا أدركوا سوء عاقبة جرائمهم عليهم

  وهذه هي الطريقة التي يجري عليها الحكّام عموماً عندما يشعرون بخطأ مواقفهم ، أو يرون ردود فعلها السيئة عليهم ، حيث يحاولون أن يتنصّلوا منه ، ويحمّلوا عمّالهم وأعوانهم تبعتها .
  وربما أبعدوهم وعزلوهم ، بل قد يعاقبونهم أو يقيدون منهم ويقتصّون ، إمعاناً في التنصّل ممّا قاموا به .
  لكنّ الذي يبدو أنّ شكر يزيد في نفسه لابن زياد على جريمته ، وامتنانه منه ، جعله يتريّث في ذلك ، حيث لم يظهر منه تبدّل في موقفه من ابن زياد حتى مات .

موقف معاوية ممّا فعله بسر بن أرطاة

  وبالمناسبة ذكر ابن أبي الحديد ما فعله بسر بن أرطاة في غارته بأمر معاوية على الحرمين وبلاد الحجاز عامّة ونجد واليمن ، وقتله ابني عبيد الله بن العباس وهما صبيان ، ثمّ قال : وروى أبو الحسن المدائني قال : اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوماً عند معاوية بعد صلح الحسن (عليه السّلام) ، فقال له ابن عباس : أنت أمرت

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 371 في أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، واللفظ له ، البداية والنهاية 8 / 239 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة عن الحديث عن وقعة الحرّة ، الكامل في التاريخ 4 / 111 ـ 112 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، ذكر وقعة الحرّة ، وقريب منه في الأمالي ـ للشجري 1 / 164 الحديث الثامن ، فضل الحسين بن علي (عليهما السّلام) وذكر مصرعه وسائر أخباره وما يتصل بذلك .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 130 _

  اللعين السيئ الفدْم (1) أن يقتل ابني ؟
  فقال : ما أمرته بذلك ، ولوددت أنّه لم يكن قتلهم .
  فغضب بسر ، ونزع سيفه فألقاه ، وقال لمعاوية : اقبض سيفك ؛ قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت ، حتى إذا بلغت ما أردت قلت : لم أهوَ ولم آمر ؟!
  فقال : خذ سيفك ، فلعمري ، إنّك ضعيف مائق حين تُلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف قد قتلت أمس ابنيه .
  فقال له عبيد الله بن العباس : أتحسبني يا معاوية قاتلاً بسراً بأحد ابني ؟! هو أحقر وألأم من ذلك ، ولكنّي والله لا أرى لي مقنعاً ولا أدرك ثأراً إلاّ أن أُصيب بهما يزيد وعبد الله .
  فتبسّم معاوية وقال : وما ذنب معاوية وابني معاوية ؟! والله ، ما علمت ولا أمرت ، ولا رضيت ولا هويت ، واحتملها منه لشرفه وسؤدده (2) .
نــبــنـي كـــمــا كـــانــت أوائــلـنـا      تبني ونفعلُ مثلَ ما فعلوا
  وعلى كلّ حال فالذي يظهر بعد ملاحظة الأحداث والتدبّر فيها أنّ الجريمة بأبعادها الواقعية والعاطفية قد أخذت موقعها في نفوس المسلمين ، وصارت صرخة في ضمائرهم تُرعب الظالمين .
  وإلاّ فمن غير الطبيعي أن يتراجع هذان الجبّاران المستهتران مع ما هما عليه من الطيش والعنجهية بهذه السرعة من دون أن يظهر أي وهن في قواهما المادية ، أو التخلّي منهما عن سياسة العنف والعنجهية في معالجة المشاكل الطارئة .
  وقد صدق مَنْ قال :
مــــا رأيــــتُ واقــعــةً كــواقـعـةِ الــطـفّ      عضّ فيها المنتصرُ أناملهُ ندما

---------------------------
(1) قال في لسان العرب : الفدم من الناس : العيي عن الحجة والكلام ، مع ثقل ورخاوة وقلّة فهم ، وهو أيضاً الغليظ السمين الأحمق الجافي .
(2) شرح نهج البلاغة 2 / 17 ـ 18 ، وقريب منه في أنساب الأشراف 3 / 216 غارة بسر بن أرطاة القرشي .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 131 _

  ويبدو أنّ مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وفداحة مصيبتهم وآثارها السلبية على أعدائهم قد فرض نفسه على أرض الواقع حتى اضطر للاعتراف به أعداؤهم .

موقف عبد الملك بن مروان من الفاجعة

  فمروان بن الحكم من ألدّ أعدائهم حتى إنّه كان من المحرّضين على قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، وأظهر الشماتة بقتله ، لكنّ ابنه عبد الملك كتب إلى الحجّاج حينما كان عاملاً له على الحجاز : جنّبني دماء آل بني أبي طالب ، فإنّي رأيت بني حرب لمّا قتلوا الحسين نزع الله ملكهم (1) .
  مع وضوح أنّ يزيد لم يقتصر على واقعة الطفّ ، بل أعقبها بواقعة الحرّة بفظاعتها وبشاعتها ، وبهتك حرمة الحرم ورمي الكعبة المعظّمة بالمنجنيق ، فنسبة عبد الملك انخذال بني حرب لخصوص واقعة الطفّ شاهد بما ذكرنا .

إدراك الوليد بن عتبة سوء أثر الجريمة على الأمويين

  بل يظهر أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان قد أدرك ذلك من أوّل الأمر ،

---------------------------
(1) المحاسن والمساوئ ـ للبيهقي / 40 مساوئ من عادى علي بن أبي طالب (ع) ، واللفظ له ، أنساب الأشراف 7 / 233 ما قيل في عبد الملك وأخباره بعد مقتل ابن الزبير ، مروج الذهب 3 / 176 ذكر أيام الوليد بن عبد الملك في رسالة أخرى من عبد الملك إلى الحجّاج ، العقد الفريد 4 / 352 فرش كتاب العسجدة الثانية ، تسمية مَنْ قُتل مع الحسين بن علي (ع) من أهل بيته ومَنْ أُسر منهم / 366 ولاية عبد الملك بن مروان ، الفصول المهمّة 2 / 863 الفصل الرابع في ذكر علي بن الحسين (عليهما السّلام) ، ينابيع المودّة 3 / 107 ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 92 ح 329 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 78 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 304 وفاة علي بن الحسين ، جواهر المطالب 2 / 278 الباب الخامس والسبعون ، تسمية مَنْ قتل مع الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته ومَنْ أُسر منهم .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 132 _

  فهو لم يستجب ليزيد حينما أمره بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) إن لم يبايع .
  ولمّا عتب عليه مروان بن الحكم في ذلك لم يعتبه ، بل أصرّ على موقفه ، وقد بادر يزيد فعزله عن ولاية المدينة المنوّرة كما سبق (1) .
  ولمّا سار الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة كتب الوليد إلى ابن زياد : أمّا بعد ، فإنّ الحسين بن علي قد توجّه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله ، فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك في هذه الدنيا ما لا يسدّه شيء ، ولا تنساه الخاصّة والعامّة أبداً مادامت الدنيا (2) .
  وربما نُسب هذا الكتاب لمروان بن الحكم (3) ، لكنّ نفسية مروان ومواقفه قبل قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وبعده لا تناسب ذلك .
  وكيف كان فالكتاب المذكور يكشف عن إدراك كاتبه مسبقاً لشدّة بشاعة الجريمة وأثرها السلبي على السلطة الغاشمة وبني أُميّة عامّة .

موقف معاوية المسبق من الجريمة

  ولعلّ ذلك هو الذي دعا معاوية إلى أن يوصي يزيد بالإمام الحسين (عليه السّلام) فيما رواه جماعة (4) .
  ففي رواية الطبري أنّه قال له : وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 120 ـ 121 .
(2) بحار الأنوار 44 / 368 ، واللفظ له ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 221 الفصل الحادي عشر ، الفتوح ـ لابن أعثم 5 / 78 ذكر مسير الحسين إلى العراق ، إلاّ أنّ فيه بدل (أن تأتي إليه بسوء فتهيج) (أن تبعث إليه رسولاً فتفتح) .
(3) تاريخ دمشق 14 / 212 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 422 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد / 62 ح 283 .
(4) الكامل في التاريخ 4 / 6 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر وفاة معاوية بن أبي سفيان ، البداية والنهاية 8 / 123 في أحداث سنة ستين من الهجرة النبويّة ، تاريخ ابن خلدون 3 / 18 وفاة معاوية ، الأخبار الطوال / 226 موت معاوية ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 133 _

  العراق لن يدعوه حتى يخرجوه ، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه ، فإنّ له رحماً ماسّة ، وحقّاً عظيماً (1) .
  وإلاّ فمعاوية قد قتل الإمام الحسن (صلوات الله عليه) بالسمّ (2) ، وشمت بموته (3) ، مع أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) يشارك الإمام الحسين (عليه السّلام) في الرحم والحقّ ، إن لم يزد عليه في معايير الحقّ عندهم .
  على أنّ ابن عساكر روى ما يناسب إقرار معاوية ليزيد فيما حصل منه مع الإمام الحسين (عليه السّلام) ، حيث ذكر أنّه قال له : انظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فإنّه أحبّ الناس إلى الناس ، فصل رحمه ، وارفق به يصلح لك أمره ، فإنّ يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيكه الله بمَنْ قتل أباه ، وخذل أخاه (4) .

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 238 في أحداث سنة ستين من الهجرة .
(2) الاستيعاب 1 / 389 ـ 390 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ، تاريخ دمشق 13 / 284 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ، تهذيب الكمال 6 / 252 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ، سير أعلام النبلاء 3 / 274 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ، البداية والنهاية 8 / 47 في أحداث سنة تسع وأربعين من الهجرة ، في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 136 الفصل السادس ، تذكرة الخواص / 211 الباب الثامن في ذكر الحسن (عليه السّلام) ، ذكر وفاته (عليه السّلام) ، شرح نهج البلاغة 16 / 11 ، عيون الأنباء في طبقات الأطباء / 174 ، الإرشاد 2 / 16 ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 202 ، وغيرها من المصادر .
(3) الإمامة والسياسة 1 / 142 موت الحسن بن علي (ع) ، العقد الفريد 4 / 331 فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم ، خلافة الحسن بن علي ، مقتل الحسين ـ للخوارزمي 1 / 140 الفصل السادس ، تاريخ الخميس 2 / 294 ذكر وصية الحسن لأخيه الحسين (ع) ، وفيات الأعيان 2 / 66 ـ 67 في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب ، مروج الذهب 3 / 9 أثر موت الحسن (ع) على معاوية ، تذكرة الخواص / 214 الباب الثامن في ذكر الحسن (عليه السّلام) ، ذكر وفاته (عليه السّلام) ، حياة الحيوان / 108 في (الأوز) ، الأمالي ـ للمرتضى 1 / 200 المجلس التاسع عشر ، مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 203 ، وغيرها من المصادر .
(4) تاريخ دمشق 14 / 206 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 6 / 414 في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب ، تاريخ الإسلام 5 / 7 الطبقة السابعة ، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة ، مقتل الحسين ، البداية والنهاية 8 / 175 أحداث سنة ستين من الهجرة ، صفة مخرج الحسين إلى العراق ، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد / 55 ح 283 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 134 _

  إذ من الظاهر أنّ أهل الكوفة لا يكفونه أمر الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذا لم يأمرهم يزيد بذلك ، ويستعين على تحقيقه بالترغيب والترهيب ، فلو لم يكن معاوية راضياً به لم يكتفِ بتنبيه يزيد لموقفهم .
  ويشبه ذلك ما رواه بعضهم في موقفه من أهل المدينة المنوّرة حيث ورد أنّه قال ليزيد : إنّ لك من أهل المدينة يوم ، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة ، فإنّه رجل قد عرفت نصيحته (1).

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 380 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 112 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، ذكر وقعة الحرّة ، البداية والنهاية 8 / 242 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، تاريخ خليفة بن خياط / 182 أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة ، أمر الحرّة ، تاريخ دمشق 58 / 104 في ترجمة مسلم بن عقبة بن رياح ، فتح الباري 13 / 60 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 135 _

المقصد الثاني : في ثمرات فاجعة الطفّ وفوائده

  والكلام تارة : فيما جناه دين الإسلام العظيم من ثمرات النهضة المباركة التي انتهت بالفاجعة .
  وأُخرى : في العِبَر التي تستخلص من هذه النهضة الشريفة ، لينتفع بها المعتبرون ، ولاسيما الذين يهتمّون بالصالح العام .
  وذلك في فصلين :

الفصل الأوّل : فيما جناه الدين من ثمرات فاجعة الطفّ
  وهذا هو المنظور الأوّل للإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، وهو الذي يرتفع به إلى منزلة القدّيسين ، وبه صار ثار الله (عزّ وجلّ) (1) .

الهدف الأوّل للإمام الحسين (عليه السّلام)

  فإنّه (صلوات الله عليه) مهما تمتّع به من مؤهّلات ومثالية هي مدعاة للفخر والاعتزاز ، ودليل على سموّ الذات ـ كإباء الضيم ، وقوّة الإرادة ، ووحدة الموقف ، والشجاعة ، والصبر ، والسخاء ، والشرف ، وغير ذلك ـ فهو فوق كلّ

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 91 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 136 _

  ذلك عبد لله (عزّ وجلّ) ، فانٍ في ذاته تعالى ، وصاحب رسالة قد حمّله الله سبحانه إيّاه ، وائتمنه عليها .
  وقد تحمّل (عليه السّلام) مسؤولية حفظها ورعايتها وخدمتها ، فيلزمه النظر فيما يصلحها ، وبذل كلّ إمكانيّاته ومؤهّلاته في سبيل ذلك ، ولها الأولوية عنده على كلّ شيء .
  ولذا نرى ذلك الشخص الأبي ، والذي وقف من يزيد ذلك الموقف الصلب ـ مع علمه بأنّه يؤدّي إلى تلك التضحيات الجسيمة ـ قد صبر عشرين عاماً على مضض ، ولم يحرّك ساكناً مع معاوية مع إنّه قد نقض العهد ، وتجاوز الحدود ، وانتهك حرمته (عليه السّلام) ، وحرمة أهل بيته وشيعته ، وحرمة الدين الذي كان (صلوات الله عليه) مسؤولاً عنه وعن رعايته .
  كلّ ذلك لأنّ مصلحة دين الإسلام العظيم الذي كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مسؤولاً عنه قد فرضت عليه في كلّ ظرف الموقف المناسب له مهما كلّفه من متاعب ومصائب ومآسٍ وفجائع .
  فنحن نقدّس الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، ونشيد بموقفه في حفظ الدين قبل أن نشيد بإبائه للضيم وشجاعته ، وصبره وصلابة موقفه وتضحيته الكبرى نتيجة ذلك ، بل لا نشيد بهذه الأمور منه (عليه السّلام) إلاّ من أجل أنّها صارت وسيلة لخدمة قضيته ، وأداء منه لأمانته إزاء الدين التي تحمّلها (عليه السّلام) بإخلاص .
  وهكذا الحال في جميع الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) وإن اختلفت المواقف تبعاً لاختلاف الظروف ، فمواقفهم جميعاً (صلوات الله عليهم) ليست كيفية ، ولا مزاجية ، ولا انفعالية ، بل هي مواقف حكيمة ـ بتسديد من الله (عزّ وجلّ) ـ لخدمة القضية الكبرى ، وقياماً بمقتضى الأمانة التي حُمّلوها إزاء الدين ، قد يظهر لنا وجه الحكمة في بعضه ، وقد يخفى علينا في بعضه .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 137 _

  ونعود للحديث عمّا كسبه الدين الحنيف من نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، فنقول : بعدما سبق من أنّ نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) كانت بأمر من الله تعالى ، وبتسديد منه ، فلا بدّ أن يكون الهدف منها مصلحة للدين ـ الذي هو أهم شيء عند الله (عزّ وجلّ) ـ تناسب حجم التضحية .
  ومن ثمّ كان ذلك هو المتسالم عليه عند شيعة أهل البيت (أعز الله دعوتهم) حتى قال شاعرهم بعد أن تعرّض لتحلّل يزيد واستهتاره :
وأصبحَ الدينُ منه يشتكي سقما      وما إلى أحدٍ غيرَ الحسينِ شكا
فما رأى السبطُ للدينِ الحنيفِ شفا      إلاّ إذا دمــــــــــهُ فـــــــــي نـــــصــــرهِ ســـفـــكـــا
وما رأينا عليلاً لا شفاءَ له      إلاّ بـنـفـسِ مـداويـه إذا هـلـك
بقتلهِ فاحَ للإسلامِ نشرُ هدى      فـكـلّما ذكـرتـهُ الـمـسلمونَ ذكـى
  وقد تضمّنت زياراته (صلوات الله عليه) ، وزيارات أصحابه (عليهم السّلام) معه التي وردت عن الأئمّة (صلوات الله عليهم) ما يناسب ذلك ، حيث تكرّر فيها التعبير بأنّهم أنصار الله (عزّ وجلّ) وأنصار دينه ورسوله ، ووضوح ذلك يُغني عن إطالة الكلام فيه .
  والذي يهمّنا هنا هو التعرّف على طبيعة الخدمة التي أداها الإمام الحسين (صلوات الله عليه) للدين الحنيف ، وتشخيص الخطر الذي دفعه (عليه السّلام) عنه بنهضته المباركة وتضحياته الجسيمة .
  فإنّ من الظاهر أنّ النهضة المباركة لم تمنع من استمرار العمل على نظام ولاية العهد في الخلافة من دون مراعاة أهلية المعهود له ، واستمر ما سنّه معاوية في دول الإسلام المتعاقبة حتى تمّ إلغاء الخلافة في العصور القريبة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 138 _

ندم جماعة من المشاركين في المعركة
  وإذا كان كثير من المسلمين قد استنكروا على معاوية ـ في وقته ـ فتح هذا الباب ، فإنّهم قد سكتوا عمّن بعده ، وتأقلموا مع النظام المذكور كأمر واقع ، بل أقرّ فقهاء الجمهور الخلافة المبتنية عليه ، كما أقرّوا خلافة الأوّلين .
  كما إنّ النهضة الشريفة قد جرّأت الأمويين على الدماء ، كما توقّع الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه وبعض مَنْ نصحه بعدم الخروج على ما تقدّم (1) ، وجرى على ذلك من بعدهم من الحكّام في الدول المتعاقبة .
  ومن الظاهر أيضاً أنّ النهضة الشريفة لم تخفّف من غلواء السلطات المتعاقبة باسم الإسلام في الظلم والطغيان ، والأثرة والتعدّي ، وانتهاك الحرمات العظام ، والخروج عن أحكام الله (عزّ وجلّ) في مختلف المجالات .
  وكذلك لم تمنع هذه النهضة من اختلاف المسلمين وتفرّقهم وتناحرهم ، وانتهاكهم للحرمات ، وتدهور أوضاعهم وتسافلها حتى انتهى بهم الأمر على ما هم عليه اليوم من الوهن والهوان .
  كما إنّ من القريب جدّاً أنّه لو ابتُلي المسلمون بعد ذلك بمثل واقعة الطفّ في الظروف والمقارنات وانتهاك الحرمات لم يخرجوا منها بأحسن ممّا خرجوا في الواقعة المذكورة ، بل قد يزيدون عليها إجراماً وبشاعة .
  بل تسببت فاجعة الطفّ التي خُتمت بها هذه النهضة عن ردود فعل ومضاعفات زادت في عمق الخلاف بين شيعة أهل البيت والجمهور ، وأُريقت بسببها أنهار من الدماء ، وانتُهكت كثير من الحرمات .
  وإلى ذلك يشير زهير بن القين (رضي الله عنه) في خطبته قُبيل المعركة حيث قال : يا أهل الكوفة ، نذارِ لكم من عذاب الله نذارِ ، إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 64 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 139 _

  المسلم ، ونحن حتى الآن أخوة ، وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، وأنتم للنصيحة منّا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا أُمّة وأنتم أُمّة ... (1) .
  كما إنّ هذه النهضة لم تقف حاجزاً دون تدهور المجتمع الإسلامي دينياً وخلقياً ، بشرب الخمور ، وظهور الفجور ، واستعمال الملاهي ، وأكل الحرام ، والجرأة على الدماء ... إلى غير ذلك .
  وعلى ذلك لا بدّ من كون المكاسب الشريفة التي حصل عليها الدين الحنيف بسبب هذه النهضة العظيمة أموراً لا تتنافى مع كلّ ذلك ، بل هي من الأهمية بحيث تناسب حجم التضحية ، وتهون معها هذه الأمور .
  وتأتي محاولتنا هذه للتعرّف على تلك المكاسب وتقييمها .
  والناظر في تراث أهل البيت (صلوات الله عليهم) يجد منهم التركيز على رفعة مقام الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، وعلى شدّة ظلامته ، وفداحة المصاب به ، وإبراز الجوانب العاطفية في الواقعة ، وعلى عظم الجريمة في نفسها ، وشدّة النكير على القائمين بها ، وكلّ مَنْ له دخل فيها من قريب أو بعيد ، وخبثهم وسوء منقلبهم ونحو ذلك ، ممّا يرجع إلى الإنكار عليهم ومحاولة التنفير منهم .
  كلّ ذلك مع التأكيد المكثّف على أهمية إحياء الفاجعة ، وتحرّي المناسبات للتذكير بها بمختلف الأساليب ، من دون تركيز على الجهة التي نحن بصددها .
  غاية الأمر أنّه تقدّم عن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 4 / 323 ـ 324 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 63 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، ذكر مقتل الحسين (ع) ، البداية والنهاية 8 / 194 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 140 _

  أنّ نتيجة نهضته وشهادته هي الفتح (1) ، كما تقدّم عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على أنّ بقاء الصلاة شاهد على انتصار الإمام الحسين (عليه الصلاة والسّلام) (2) من دون أن يوضحا (عليهما السّلام) منشأ الفتح والشهادة المذكورين .

الزيارات المتضمّنة أنّ الهدف إيضاح معالم الدين
  نعم ، ورد في إحدى زيارات الإمام الحسين (صلوات الله عليه) المروية عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه) قوله عنه (عليه السّلام) : (( فأعذر في الدعاء ، وبذل مهجته فيك ، ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة ، والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى )) (3) .
  وفي زيارته (عليه السّلام) في يوم الأربعين عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أيضاً قال : (( فأعذر في الدعاء ، ومنح النصح ، وبذل مهجته فيك ، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة ... )) (4) .
  وقريب منه ما ورد في زيارته (عليه السّلام) ليلة عيد الفطر ، وفي عيد الأضحى (5) .
  وذلك صريح في أنّ الهدف من النهضة الشريفة هو التعريف بالدين على حقيقته ، وإيضاح معالمه ، ووضوح الحجّة عليه ، ورفع الارتياب والحيرة فيه ،

---------------------------
(1) تقدّمت مصادره في / 45 ـ 46 .
(2) تقدّمت مصادره في / 46 .
(3) كامل الزيارات / 401 ، واللفظ له ، تهذيب الأحكام 6 / 59 ، المزار للمفيد / 108 ، وغيرها من المصادر .
(4) مصباح المتهجد / 788 ، واللفظ له ، تهذيب الأحكام 6 / 113 ، إقبال الأعمال 3 / 102 ، وغيرها من المصادر .
(5) مصباح الزائر / 332 ، المزار ـ لمحمد بن المشهدي / 160 ، بحار الأنوار 98 / 354 .