تحقيق هدفه عن المبادئ الشريفة ، والتعاليم الدينية القويمة بأعذار ومبرّرات ما أنزل الله بها من سلطان ، فيكون قد أعطى باليمين ما أخذه باليسار .
بل قد يزيد في الفساد ، لأنّه إذا فتحت الباب للأعذار والمبرّرات صعب غلقها أو تحجيمها وتحديدها ، وكلّما استمر الإنسان على ذلك زاد هو وكلّ مَنْ هو على خطّه جرأة على الخروج عن المبادئ الشريفة والتعاليم السامية حتى يتمحّض مشروعه في الجريمة .
على أنّه ربما يفشل في مشروعه ، ويبقى عليه تبعة الخروج في سبيل تحقيق هدفه عن الموازين الدينية والعقلية والأخلاقية .
مع إنّ تبرير الجريمة في نفسه من أجل الغاية من قِبَل الشخصيات ذات الوجود الاجتماعي المحترم موجب لتخفيف حدّة الجريمة في نفوس العامّة ، وضعف الرادع الوجداني عنها تدريجاً ، فيسهل ارتكابها ، وبذلك تضيع معالم الحقّ ، وهو من أعظم الجرائم في حق المجتمع .
وما أكثر ما استغلّ المصلحيون والانتهازيون في سبيل تحقيق مصالحهم وأهدافهم الجهنمية تأجيج العواطف ضدّ الفساد ، والدعوة للإصلاح ، من أجل إغفال أتباعهم عن واقعهم المشبوه وسلوكهم المشين ، فسار الناس وراءهم متغافلين عن كلّ ما يصدر منهم ، ثمّ لم ينتبهوا إلاّ بعد فوات الأوان حيث لا ينفع الندم .
ونسأل الله سبحانه وتعالى العصمة والسداد .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 426 _
المقام الثاني : في النتائج
سبق أن أشرنا إلى أنّ تجربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في السلطة كشفت عن تعذّر إصلاح المجتمع الإسلامي بإقامة حكم يطبّق الإسلام عملياً بنحو كامل .
لكنّ اهتمام شيعة أهل البيت (صلوات الله عليهم) والموالين لهم في الكوفة بالإصلاح ، ومعاناتهم من الفساد ، وشعورهم بالتقصير آنفاً إزاء أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) كلّ ذلك جعلهم يستسهلون الصعاب في سبيل الإصلاح المذكور ، وأفقدهم النظرة الموضوعية في الموازنة بين قوى الخير والشرّ ، وفي التمييز بين ذوي المبادئ والتصميم حتى النفس الأخير ، وغيرهم ممّنْ ينهار إذا جدّ الجدّ وضاقت الأمور ، أو يكون انتهازياً في مواقفه من أوّل الأمر .
وقد جعلهم ذلك يترددون على الإمامين الحسن والحسين (صلوات الله عليهم) في عهد معاوية يحاولون حملهما على الخروج عليه ، لكنّهما (عليهما السّلام) لم يستجيبا لهم ، لعدم تحقّق الظرف المناسب على ما يأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى .
حتى إذا انتهى عهد معاوية تخيّلوا إمكان تحقيق حلمهم في الإصلاح ، فاندفعوا في سبيل ذلك ، وتحمّلوا مسؤولية تعهّدهم للإمام الحسين (صلوات الله عليه) ، وحملهم له على تلك النهضة المقدّسة ، وتبعات تقصيرهم في حقّه ، والعدوان الذي حصل عليه وعلى مَنْ معه .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 427 _
وإذا كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد استجاب لهم من أجل التضحية لصالح الدين ـ كما أوضحناه فيما سبق ـ فإنّ ذلك لم يكن هو مشروعهم الذي تحرّكوا من أجله ، بل حاولوا إقامة حكم إسلامي أصيل يطبّق الإسلام عملياً بالوجه الكامل .