وبغي الخارجين عليه ، ووجوب قتالهم ، كما ذكرنا بعض ما يتعلّق بذلك في أواخر الكلام في المقام الأوّل (1) .
كما لا يتهيأ أنصار أكثر من أنصاره ولا أفضل ، حيث بايعه عن قناعة تامّة الكثرة الكاثرة من المسلمين ، وفيهم العدد الكثير من المهاجرين والأنصار وذوي السابقة والأثر الحميد في الإسلام ، ومن أهل النجدة في العرب ، وذوي المقام الاجتماعي والنفوذ فيهم ، والذين لهم الأثر الكبير في فتوح الإسلام ، وقد قدّموا من أجل دعمه (عليه السّلام) ونجاح مشروعه أعظم التضحيات .
وأيضاً لا يتوقّع ـ بمقتضى الوضع الطبيعي ـ أن يأتي زمان أفضل من زمانه (عليه السّلام) ، لقربه من عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والتعرّف على تعاليمه ، ووجود الكثرة الكاثرة من صحابته .
وقد أكّدت الأحداث المتلاحقة ذلك حيث لم يسجّل تاريخ الإسلام نجاح حركة إصلاحية حقيقية ـ تلتزم المبادئ في أهدافه ، وفي وسائل نجاحها في صراعاته ، محافظة على نقائها واستقامتها ـ وبقاءها مدّة أطول من عهد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) .
ويعلم أهل المعرفة أنّ انهيار مشروعه (صلوات الله عليه) عسكرياً إنّما تسبّب عن التزامه بالمبادئ وحرفية التشريع ، واستغلال خصومه ذلك ومحاولتهم الخروج عنه ، والالتفاف عليه في وسائل صراعهم معه ، وفي تثبيت سلطانهم بعده ، لوجود الأرضية الصالحة لتقبّل ذلك من عامّة الناس ، لعدم استحكام الدين والمبادئ في نفوسهم ، وثقل الأمانة والاستقامة عليهم .
ولا يتوقّع صلاح المجتمع الإسلامي بعد أن دخله الفساد ، بل كلّما زادت ألفتهم له زاد استحكامه فيهم ، وتعذّر تطهيرهم منه .
---------------------------
(1) راجع / 265 وما بعده .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 341 _
نعم ، يمكن أن يغلب الباطل بباطل مثله في المكر ، وانتهاك الحرمات ، والخروج عن المبادئ والقيم والالتفاف عليه كما حصل ، والدنيا دول .
ونتيجة لذلك كان توجّه هؤلاء النفر إلى المحافظة على الموجودين من ذوي الدين والصلاح بتجنّب الاحتكاك بالحاكم ، لأنّ ذلك غاية الميسور .
وربما يكون ذلك هو المنظور لكثير ممّن أشار على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) بترك الخروج على يزيد ، ومنهم عبد الله بن جعفر كما يظهر من كتابه للإمام الحسين (عليه السّلام) الذي تقدّم التعرّض له في المطلب الأوّل
(1) .
بل كلّما زاد الاحتكاك بالحاكم ، وتحقّق منه التجاوز عن الحدّ في الردّ زاد جرأة على انتهاك الحرمات ، وأبعد في التجاوز عليه ، وتعوّد الناس على ذلك وألفوه ، وخفّ استنكارهم له .
فكيف إذا كان المنتهك حرمته هو الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) الذي هو أعظم الناس حرمة ، والرجل الأوّل في المسلمين ؟! كما يشير إلى ذلك ما تقدّم منه (صلوات الله عليه) في المعركة ، ومن عبد الله بن مطيع في حديثه معه (عليه السّلام)
(2) وغير ذلك .
وربما تُدعم وجهة نظر هؤلاء بأمرين :
الأوّل : الحذر من شقّ كلمة المسلمين وتفريق جماعتهم ، وإلقاح الفتنة بينهم الذي قد يتشبّث به الكثير جهلاً ، أو نفاقاً وممالأة للظالم .
الثاني : طلب العافية جبناً ، أو لعدم الشعور بالمسؤولية .
---------------------------
(1) تقدّم في / 63 .
(2) راجع / 63 .
فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها
_ 342 _