جهل المتصدّين للفتوى والقضاء

  الأمر الأوّل : جهل المتصدّين لبيان الأحكام في الفتوى والقضاء حيث لا ينتظر من الحاكم غير المعصوم أن يلتزم بالرجوع للمعصوم والإرجاع له ، والتقيد بفتواه وقضائه ، خصوصاً بعد ما سبق من تشوّه المفاهيم التي يبتني عليها المجتمع الإسلامي للطاعة ولزوم الجماعة والفرقة والفتنة .
  وبعد ما هو المعلوم من كون المعصوم خصماً للسلطة ، وقد غُيّب ـ بما له من مقام رفيع وما يحمله من مفاهيم أصيلة ـ عن الكيان الإسلامي العام .
  ومن الطبيعي حينئذ أن يفسح الحاكم المجال لكلّ مَنْ يتعاون معه ، أو يسير في ركابه مهما كانت ثقافته الدينية وتمرّسه في القضاء ، خصوصاً مع سعة رقعة الإسلام نتيجة الفتوح ، والحاجة للتكثير من القضاة والمفتين .

ظهور الاختلاف في الحديث والقضاء والفتوى

  وبذلك ظهر الاختلاف في الحديث المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، كما هو المعلوم بالرجوع لمصادره ، وقد تضمنه الحديث السابق عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في بيان أسباب اختلاف الأحاديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) (1) .
  كما شاع الاختلاف بين القضاة والمفتين مع قربهم من عهد النبي (صلّى الله عليه وآله) (2) ،

---------------------------
(1) تقدّم في / 179 ـ 181 .
(2) ومن مفردات ذلك ما تجده في صحيح مسلم 5 / 125 كتاب الحدود ، باب حد الخمر ، ومسند أحمد 3 / 115 مسند أنس بن مالك ، وسنن الدارمي 2 / 354 كتاب الفرائض : باب قول عمر في الجد ، والسنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 247 كتاب الفرائض ، باب من ورث الإخوة للأب والأُمّ أو الأب مع الجد ، ومسند أبي يعلى 5 / 368 ح 3015 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 227 _

  بل كثيراً ما تختلف فتاوى أو قضاء الشخص الواحد في المسألة الواحدة (1) .
  من دون التزام ـ مع كلّ ذلك ـ برفع الاختلاف وتصحيح الخطّ ، لعدم الاعتراف بالمرجع المعصوم من جهة ، وعدم الاهتمام بتوحيد الفتوى وتصحيح الخطأ من جهة أخرى ، بل مع إقرار كلّ على ما يقول ، بنحو يوحي باحترام أشخاص المفتين والقضاة المنسجمين مع السلطة على حساب الحقّ والحكم الشرعي الواحد .

كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) حول اختلاف القضاء

  يقول أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) : (( ترد على أحدهم القضية في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً ، وإلههم واحد ، ونبيّهم واحد ، وكتابهم واحد .
  أفأمرهم الله تعالى بالاختلاف فأطاعوه ؟! أم نهاهم عنه فعصوه ؟! أم أنزل ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ؟! أو كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً فقصّر الرسول (صلّى الله عليه وآله) عن تبليغه وأدائه ، والله سبحانه يقول : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ... )) (2) .
  وبالمناسبة روي عن حفص بن عمر ، قال : كان عمر بن الخطاب إذا كثر عليه الخصوم صرفهم إلى زيد ، فلقي رجلاً ممّن صرفه إلى زيد ، فقال له : ما

---------------------------
(1) ومن مفردات ذلك ما تجده في السنن الكبرى ـ للبيهقي 6 / 255 كتاب الفرائض ، باب المشركة ، والمصنّف ـ لابن أبي شيبة 7 / 334 كتاب الفرائض ، ومعرفة السنن والآثار 5 / 71 كتاب الفرائض ، باب المشركة ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 10 / 262 كتاب الفرائض ، باب فرض الجد ، وغيرها من المصادر .
(2) نهج البلاغة 1 / 54 ـ 55 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 228 _

  صنعت ؟
  قال : قضى عليّ يا أمير المؤمنين .
  قال : لو كنت أنا لقضيت لك .
  قال : فما يمنعك وأنت أولى بالأمر ؟
  قال : لو كنت أردّك إلى كتاب الله أو سُنّة نبيّه فعلت ، ولكنّي إنّما أردّك إلى رأي ، والرأي مشير (1) .

ظهور الجرأة على الفتوى والقضاء

  ومن الطبيعي أن يفرز ذلك الجرأة على الفتوى والحكم والتسامح فيهم ، والاعتزاز بالرأي والإصرار عليه ، وشيوع الاختلاف ، وفقد الضوابط في التعرّف على الدين وتعاليمه وأحكامه ، وفي التصدّي للفتوى والمرجعية فيه ، وفي جميع شؤون الدين من الأصول والفروع .
  ولاسيما إنّ الكتاب المجيد لا يتيسّر لعموم الناس معرفة تفاصيل الأحكام منه ، وإنّه صالح للتأويل على وجوه مختلفة ولو كانت متكلّفة .
  وقد يتشبث بها مَنْ يتعصّب لوجهة نظر خاصة ويسير في خطّه ، أو يحاول الظهور ويحبّ السمعة ، دعماً لرأيه وإصراراً عليه .
  كما إنّ السُنّة الشريفة قد ابتُليت بالضياع على عامّة الناس ـ نتيجة ما سبق من تحجير السلطة عليها ـ ، وبالآفات التي سبق من أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) التعرّض لها في وجه اختلاف الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله) (2) .

شكوى أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أوضاع الأُمّة

  ويبدو تفاقم المشكلة من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، قال فيها : (( وما كلّ ذي قلب بلبيب ، ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ناظر ببصير ، فيا عجبي

---------------------------
(1) تاريخ المدينة 2 / 693 .
(2) تقدّم كلامه (عليه السّلام) في / 179 ـ 181 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 229 _

  ـ وما لي لا أعجب ـ من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينه ، لا يقتصّون أثر نبي ، ولا يقتدون بعمل وصي ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفون عن عيب ، يعملون في الشبهات ، ويسيرون في الشهوات .
  المعروف عندهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعرىً ثِقات ، وأسباب محكمات )) (1) .
  وقد حقّق ذلك الأرضية الصالحة لانقسام الأُمّة ، وظهور الفرق في الإسلام التي بدأت بالخوارج ، وتتابعت من بعدهم حتى يومنا هذا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحديث في ذلك طويل نقتصر منه على ما ذكرنا .

ظهور الابتداع في الدين ومخالفة نصوصه

  الأمر الثاني : ظهور الابتداع في الدين ومخالفة نصوصه وتجاوزه كما يتّضح ذلك بالرجوع لما ذكره أهل الحديث وعلماء الكلام والمؤرّخون .
  والناس على دين ملوكهم يأخذونه منهم ، بل كثيراً ما لا يهتّمون بمعرفة دينهم والتقيّد به ، أو يقدّمون طاعتهم على ما يعرفون من دينهم ، وقد تقدّم عند التعرّض لتركيز السلطة على وجوب الطاعة بعض مفردات ذلك .
  ويأتي إن شاء الله تعالى في المقام الأوّل من المبحث الثاني كلام لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يتعرّض فيه لبعض تلك المخالفات والبدع (2) .

---------------------------
(1) نهج البلاغة 1 / 155 ـ 156 .
(2) يأتي في / 275 وما بعده .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 230 _

تشويه الحقائق في التاريخ والمناقب والمثالب

  الأمر الثالث : تشويه الحقائق في التاريخ والسيرة ، وفي المناقب والمثالب كما أشرنا إلى بعضه عند الكلام في ألقاب التشريف التي أُطلقت على الحكّام ومَنْ سار على خطّهم ، وفي التحجير على السُنّة النبويّة الشريفة وغير ذلك ممّا تقدّم ، وقد يأتي ما ينفع في المقام .

ظهور حجم الخطر بملاحظة ثقافة الأمويين

  ويمكن أن نعرف خطورة ما كانت تصل إليه الأمور لو بقيت الأمور على ذلك ـ من دون إصلاح في مسار السلطة ، أو معارضة تقف في وجهه ، وإنكار يكبح جماحها ـ ممّا انتهى إليه الأمر أيام الحكم الأموي .
  حيث صفت للأمويين ـ ولاءً وتثقيفاً ـ الشام التي هي مركز ثقل قوّتهم ، ولم تكن لهم فيها معارضة ظاهرة ، واستطاعوا أن يعمّموا ثقافتهم فيها للمناطق النائية عن مواقع المعارضة وتأثيرها كما تقدّم شيء منه عند التعرّض لموقف أهل إفريقية (1) .

نماذج من التحريف في العهد الأموي

  فإنّه يبدو مدى تشويه المفاهيم ، والتحريف في الدين والتعتيم على الحقائق وتجاهله وقلبه من أفعالهم وتصريحاتهم وتصريحات عمّالهم وأتباعهم حتى في بقيّة بلاد المسلمين ، استهواناً بالمعارضة ، وتحدّياً لشعور المسلمين فيه .
  1 ـ فقد سبق من معاوية قوله : الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما أخذت فلي ، وما تركته للناس فبفضل منّي (2) .

---------------------------
(1) راجع / 205 .
(2) تقدّمت مصادره في / 167 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 231 _

  2 ـ ولمّا دخل معاوية الكوفة بعد صلح الإمام الحسن (عليه السّلام) معه ، وبايعه الناس دخل عليه هاني بن الخطاب الهمداني ، أو سعيد بن الأسود بن جبلة الكندي ، فقال : أبايعك على كتاب الله وسُنّة نبيّه .
  فقال له معاوية : ولا شرط لك .
  لكنّ الرجل قال له : وأنت أيضاً فلا بيعة لك .
  فتراجع معاوية وقال : إذاً فبايع ، فما خير شيء ليس فيه كتاب الله وسُنّة نبيّه (1) .
  3 ـ كما صلّى معاوية صلاة الجمعة يوم الأربعاء (2) .
  4 ـ واتّخذ لعن أمير المؤمنين سُنّة في الدين حتى ورد أنّه إذا تركها بعضهم صاح الناس تركت السُنّة (3) .
  وقال محمد بن عقيل : أجمع أهل حمص في زمنٍ ما على أنّ الجمعة لا تصح بغير لعن أبي تراب (عليه السّلام) (4) .
  وقال عمرو بن شعيب : ويل للأُمّة ! رفعت الجمعة ، وتركت اللعنة ، وذهبت السُنّة (5) .

---------------------------
(1) أنساب الأشراف 3 / 288 ـ 289 أمر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 52 / 380 في ترجمة محمد بن خالد بن أمة .
(2) مروج الذهب 3 / 41 ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، النصائح الكافية / 116 ، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل / 56 .
(3) النصائح الكافية / 116 .
(4) النصائح الكافية / 116 .
(5) مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهرآشوب 3 / 22 .
وقال الشجري : لمّا أسقط عمر بن عبد العزيز (رحمه الله تعالى) من الخطب على المنابر لعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، قام إليه عمرو بن شعيب وقد بلغ إلى الموضع الذي كانت بنو أُميّة تلعن فيه علياً (عليه السّلام) فقرأ مكانه : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) ، فقام إليه عمرو بن شعيب (لعنه الله) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، السُنّة السُنّة ، يحرّضه على لعنه [كذا في المصدر] علي (عليه السّلام) .
فقال عمر : اسكت ، قبّحك الله ! تلك البدعة لا السُنّة .
وتمم خطبته ، الأمالي ـ للشجري 1 / 153 الحديث السابع ، فضل أهل البيت (عليهم السّلام) كافة وما يتّصل بذلك .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 232 _

  ولمّا خطب الخطيب بذلك في جامع صنعاء قام إليه ابن محفوظ ، وقال : قطعت السُنّة .
  قال : بل هي البدعة .
  فقال : لأنهضنّ إلى الشام ، فإن وجدت الخليفة قد عزم على قطعها لأضرمنّ الشام عليه ناراً .
  لكنّه لمّا خرج تبعه أهل صنعاء فرجموه بالحجارة حتى غمروه وبغلته بها (1) .
  5 ـ واستلحق زياد بن سُميّة المولود على فراش عبد ثقيف بشهادة أبي مريم السلولي بزنا أبي سفيان بسُميّة (2) تحدّياً لسُنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) المتّفق عليها بين المسلمين حيث قال (صلّى الله عليه وآله) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر )) (3) ونزعاً للحياء ، واستهتاراً بالقيم والمثل كما أشار إلى ذلك الشاعر بقوله :
ألا أبـــــلـــــغ مــــعـــاويـــةَ بـــــــــن حـــــــــرب      مــغــلــغــلـةً مـــــــــن الـــــرجــــلِ الـــيــمــانــي
أتــغــضـبُ أن يُـــقــالَ أبـــــوكَ عـــــفّ      وترضى أن يُقالَ أبوك زانِ (4)

---------------------------
(1) غاية الأماني في أخبار القطر اليماني / 117 في أحداث سنة 99 من الهجرة .
(2) الكامل في التاريخ 3 / 444 أحداث سنة أربع وأربعين من الهجرة ، ذكر استلحاق معاوية زياد ، شرح نهج البلاغة 16 / 187 ، مروج الذهب 3 / 16 ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، الحقّ زياد بأبي سفيان ، خزانة الأدب 6 / 50 ، النصائح الكافية / 81 .
(3) صحيح البخاري 3 / 5 كتاب البيوع ، باب الحلال بيّن والحرام بيّن ، وص 39 باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه ، وص 187 كتاب الوصايا ، باب قول الموصي لوصيه تعاهد ولدي وما يجوز للوصي من الدعوى ، و5 / 96 كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح ، و 8 / 9 كتاب الفرائض ، باب الولد للفراش حرّة كانت أو أمة ، وغيره ، صحيح مسلم 4 / 171 كتاب الرضاع ، باب الولد للفراش وتوقّي الشبهات ، سنن ابن ماجة 1 / 646 باب الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(4) تاريخ الطبري 4 / 235 أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 3 / 523 أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة ، ذكر هجاء يزيد بن مفرغ الحميري ، الاستيعاب 2 / 527 في ترجمة زياد بن أبي سفيان ، تاريخ دمشق 34 / 314 في ترجمة عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص ، و 65 / 180 ـ 181 في ترجمة يزيد بن زياد بن ربيعة ، وفيات الأعيان 6 / 350 في ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري ، البداية والنهاية 8 / 103 أحداث سنة تسع وخمسين من الهجرة ، قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 233 _

  6 ـ وورد أنّ المغيرة بن شعبة قال لمعاوية : إنّك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلاً ، وبسطت خيراً ، فإنّك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه .
  فقال له : هيهات ! أيّ ذكر أرجو بقاءه ؟! مَلَك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ، ثمّ مَلَك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل : عمر ، وإنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات : أشهد أنّ محمداً رسول الله ، فأيّ عمل يبقى ، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك ؟! لا والله ، إلاّ دفناً دفناً (1) .
  7 ـ وأمر معاوية بمنبر النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يحمل من المدينة إلى الشام ، وقال : لا يترك وعصا النبي (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة وهم قتلة عثمان .
  فحُرّك المنبر فكُسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية ، فأعظم الناس ذلك فتركه (2) .
  8 ـ ولمّا ولي عبد الملك همّ بنقله أيضاً فذُكر له ذلك فتركه (3) .

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 5 / 130 ، النصائح الكافية / 124 ، مروج الذهب 4 / 44 ـ 45 ذكر خلافة المأمون وجمل من أخباره وسيره ولمع ممّا كان في أيامه ، المأمون وحديث معاوية .
(2) الكامل في التاريخ 3 / 463 ـ 464 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 177 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، إمتاع الأسماع 10 / 108 فصل في ذكر منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 4 / 177 ـ 178 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، الكامل في التاريخ 3 / 464 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة ، إمتاع الأسماع 10 / 109 فصل في ذكر منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 234 _

  9 ـ وكذلك الوليد بن عبد الملك (1) .
  10 ـ وفي حديث عباد بن عبد الله بن الزبير قال : لمّا قدم علينا معاوية حاجّاً قدمنا معه مكة ، قال : فصلّى بنا الظهر ركعتين ، ثمّ انصرف إلى دار الندوة ، وقال : وكان عثمان حين أتمّ الصلاة إذا قدم مكّة صلّى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً ، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصّر الصلاة ، فإذا فرغ من الحجّ وأقام بمنى أتمّ الصلاة حتى يخرج من مكّة ، فلمّا صلّى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له : ما عاب أحد ابن عمّك بأقبح ما عبته به .
  فقال لهما : وما ذاك ؟
  قال : فقالا له : ألم تعلم أنّه أتمّ الصلاة بمكّة ؟
  قال : فقال لهما : ويحكما ! وهل كان غير ما صنعت ؟ قد صلّيتهما مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومع أبي بكر وعمر .
  قالا : فإن ابن عمّك قد كان أتمّها ، وإنّ خلافك إيّاه له عيب .
  قال : فخرج معاوية فصلاّها بنا أربعاً (2) .
  حيث يبدو مدى استهوانه بأحكام الإسلام وبالمسلمين من تبدّل موقفه السريع ، وتفريقه في القصر والإتمام بين صلاتين ليس بينهما فارق زمني طويل .
  11 ـ ومعاوية أوّل مَنْ اتّخذ المقصورة في الصلاة (3) .

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 3 / 464 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، ذكر إرادة معاوية نقل المنبر من المدينة ، واللفظ له ، تاريخ الطبري 4 / 177 ـ 178 أحداث سنة خمسين من الهجرة ، إمتاع الأسماع 10 / 109 فصل في ذكر منبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وغيرها من المصادر .
(2) مسند أحمد 4 / 94 حديث معاوية بن أبي سفيان ، واللفظ له ، مجمع الزوائد 2 / 156 ـ 157 كتاب الصلاة ، باب في مَنْ أتمّ الصلاة في السفر ، وذكر بعضه في فتح الباري 2 / 471 ، وعمدة القارىء 7 / 134 ، وتحفة الأحوذي 3 / 87 ، ونيل الأوطار 3 / 259 ، وغيرها من المصادر .
(3) الكامل في التاريخ 3 / 446 أحداث سنة أربع وأربعين من الهجرة ، البداية والنهاية 7 / 365 أحداث سنة أربعين من الهجرة ، صفة مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، المعارف ـ لابن قتيبة / 553 ، أنساب الأشراف 3 / 252 أمر ابن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 235 _

  12 ـ وهو أوّل مَنْ قعد في الخطبة (1) وعن ابن أبي رؤبة الدباس أنّ بني أُميّة كانوا يقعدون في إحدى خطبتي العيد والجمعة ويقومون في الأخرى (2) .
  13 ـ ولمّا أراد عمرو بن سعيد الأشدق عامل يزيد بن معاوية على المدينة أن يبعث جيشاً إلى عبد الله بن الزبير في مكة المكرّمة قال له أبو شريح : لا تغزُ مكّة ، فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( إنّما أذن لي في القتال بمكة ساعة من نهار ، ثمّ عادت كحرمتها )) فأبى عمرو أن يسمع قوله ، وقال : نحن أعلم بحرمتها منك أيّها الشيخ (3) .
  14 ـ ولمّا استولى عبد الله بن الزبير على السلطة في الحجاز منع عبد الملك بن مروان أهل الشام من حجّ بيت الله الحرام ، واستبدله بحجّ بيت المقدس (4) .
  15 ـ وكان الوليد بن يزيد يصلّي ـ إذا صلّى أوقات إفاقته من السكر ـ إلى

---------------------------
(1) السنن الكبرى ـ للبيهقي 3 / 197 كتاب الجمعة ، باب الخطبة قائم ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 2 / 21 كتاب الجمعة ، من كان يخطب قائم ، فتح الباري 3 / 333 ، عمدة القاريء 6 / 219 ، عون المعبود 3 / 310 ، نيل الأوطار 3 / 330 ، سبل السلام 2 / 47 ، فقه السنة 1 / 311 ، الدرّ المنثور 6 / 222 ، تاريخ دمشق 59 / 202 في ترجمة معاوية بن أبي سفيان ، البداية والنهاية 8 / 148 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ترجمة معاوية بن أبي سفيان ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(2) شرح نهج البلاغة 15 / 240 .
(3) تاريخ الطبري 4 / 257 أحداث سنة ستين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 18 أحداث سنة ستين من الهجرة ، ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمرو بن سعيد ، تاريخ ابن خلدون 3 / 21 عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد ، ونحوه في مسند أحمد 4 / 32 حديث أبي شريح الخزاعي (رضي الله عنه) ، وشرح معاني الآثار 3 / 327 ، والسيرة النبوية ـ لابن هشام 4 / 873 ، وتاريخ دمشق 46 / 38 في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص ، والبداية والنهاية 4 / 350 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
(4) البداية والنهاية 8 / 308 أحداث سنة ستة وستين من الهجرة ، تاريخ اليعقوبي 2 / 261 أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ، وفيات الأعيان 3 / 72 في ترجمة عبد الله بن الزبير ، حياة الحيوان / 119 في مادة أوز ، خلافة الوليد بن عبد الملك ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 236 _

  غير القبلة ، فقيل له في ذلك ، فقرأ : ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) (1) .
  16 ـ وكان الحجّاج ـ عامل عبد الملك بن مروان وابنه الوليد ـ مستهتراً بالدين والمسلمين ، وهو الذي سمّى المدينة المنوّرة : أُمّ نتن ، وأساء إلى أهلها ، وقال : أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان ... (2) .
  وذكر الذين يزورون قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : تبّاً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورِمة بالية ، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ، ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله ؟! (3) .
  17 ـ وكذلك خالد بن عبد الله القسري عامل سليمان بن عبد الملك حيث أجرى الماء العذب لأهل مكّة من أجل أن يستبدلوا بها عن زمزم ، وخطب الناس فقال : أيّها الناس ، أيّهما أعظم أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم ؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة إلاّ أنّ إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 15 / 242 .
(2) الكامل في التاريخ 4 / 358 ـ 359 أحداث سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، ذكر قتل ابن الزبير ، أنساب الأشراف 7 / 136 أمر عبد الله بن الزبير في أيام عبد الملك ومقتله ، نهاية الأرب في فنون الأدب 21 / 89 أحداث سنة ثلاث وسبعين من الهجرة ، ذكر مبايعة أهل مكة عبد الملك بن مروان وما فعله الحجّاج من هدم الكعبة وبنائها ومسيره إلى المدينة وما فعله فيها بالصحابة (رضي الله عنهم) .
(3) شرح نهج البلاغة 15 / 242 ، واللفظ له ، النصائح الكافية / 106 ، وقد روي المقطع الأوّل من قوله : إنّما يطوفون بأعواد ورمة بالية ، في إمتاع الأسماع 12 / 259 ، والعقد الفريد 5 / 51 كتاب اليتيمة الثانية ، فرش كتاب أخبار زياد والحجّاج والطالبيين والبرامكة ، أخبار الحجّاج ، مَنْ زعم أنّ الحجّاج كان كافراً ، وحياة الحيوان / 119 في مادة أوز ، خلافة الوليد بن عبد الملك ، ونثر الدرّ 5 / 23 الباب الثاني ، كلام الحجّاج ، وغيرها من المصادر .
وقد روي ما يقرب من المقطع الأخير من كلامه : خليفة المرء خير من رسوله ، في سنن أبي داود 2 / 400 كتاب السُنّة ، باب في الخلفاء ، وعون المعبود 12 / 256 ، وتاريخ دمشق 12 / 158 في ترجم الحجّاج بن يوسف ، والبداية والنهاية 9 / 151 أحداث سنة خمس وتسعين من الهجرة ، في ترجمة الحجّاج بن يوسف الثقفي ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 237 _

  ملحاً أُجاجأً ، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً (1) .
  وخطب أيضاً فقال : قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أُمّ الخنافس ، يعني زمزم (2) .
  وكان يقول : والله ، لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه (3) .
  وقال : أيّما أكرم عندكم على الرجل ، رسوله في حاجته ، أو خليفته في أهله ؟ يعرض بأنّ هشاماً خير من النبي (صلّى الله عليه وآله) (4) .
  وكان يقول حين أخذ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب بمكة : كأنّكم أنكرتم ما صنعت ؟! والله ، لو كتب إليّ أمير المؤمنين أن أنقضها حجراً حجراً لفعلت ، يعني الكعبة المعظّمة (5) .
  وأمر خالد ببناء بيعة لأُمّه فكُلّم في ذلك ، فقال : نعم يبنونه ، فلعنهم الله إن

---------------------------
(1) تاريخ الطبري 5 / 225 أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 4 / 536 أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة ، ذكر ولاية خالد بن عبد الله القسري مكة ، البداية والنهاية 9 / 92 أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة ، تاريخ الإسلام 6 / 35 أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة ، أخبار مكة 3 / 60 ذكر منبر مكة وأوّل من جعله وكيف كانوا يخطبون بمكة قبل أن يتخذ المنبر ومَنْ خطب عليه ، الأغاني 22 / 17 في أخبار خالد بن عبد الله ، يتطاول على مقام النبوّة ، وغيرها من المصادر .
(2) أنساب الأشراف 9 / 58 في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 16 / 161 في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد ، سير أعلام النبلاء 5 / 429 في ترجمة القسري ، بغية الطلب في تاريخ حلب 7 / 3085 في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد ، وقريب منه في الروض المعطار في خبر الأقطار 1 / 293 في الكلام عن زمزم .
(3) الأغاني 22 / 17 في أخبار خالد بن عبد الله ، يتطاول على مقام النبوّة .
(4) الأغاني 22 / 17 ـ 18 في أخبار خالد بن عبد الله ، يتطاول على مقام النبوّة ، وقريب منه في الكامل في التاريخ 5 / 280 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري .
(5) أنساب الأشراف 9 / 59 في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 16 / 161 في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد ، سير أعلام النبلاء 5 / 429 في ترجمة القسري ، بغية الطلب في تاريخ حلب 7 / 3085 في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد ، الأغاني 22 / 17 في أخبار خالد بن عبد الله يتطاول على مقام النبوّة ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 238 _

  كان دينها شرّاً من دينكم (1) .
  واتّخذ كنيسة لأُمّه في قصر الإمارة ... وأمر المؤذّنين أن لا يؤذّنوا حتى يضرب النصارى بنواقيسهم (2) ... إلى غير ذلك ممّا يدلّ على استخفافه بالدين .
  18 ـ وذكر ابن عائشة أنّ خالد بن سلمة بن العاص بن هشام المخزومي المعروف بالفأفاء كان ينشد بني مروان الأشعار التي هُجي بها النبي (صلّى الله عليه وآله) (3) .
  19 ـ وفي حديث جابر الجعفي عن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السّلام) في أمر خروجه قال : يا جابر ، لا يسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله ، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت ، وذلك أنّي شهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقلت للسّاب : ويلك يا كافر ! أما إنّي لو تمكّنت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار .
  فقال لي هشام : مه عن جليسنا يا زيد ... (4) .
  20 ـ وكان بنو أُميّة في ملكهم يؤذّنون ويقيمون في صلاة العيد (5) .
  وروي أنّ أوّل مَنْ أحدثه منهم معاوية (6) .

---------------------------
(1) أنساب الأشراف 9 / 60 في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام ، ونظيره في الكامل في التاريخ 5 / 280 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري .
(2) أنساب الأشراف 9 / 63 في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام ، وقريب منه في الأغاني 22 / 14 في أخبار خالد بن عبد الله ، يتطاول على مقام النبوّة .
(3) تهذيب التهذيب 3 / 84 في ترجمة خالد بن سلمة بن العاص ، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل / 93 باب تعديل الفسّاق .
(4) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 113 .
(5) شرح نهج البلاغة 15 / 240 ، المحلّى 5 / 82 صلاة العيدين ، مسألة 543 ، الاستذكار ـ لابن عبد البر 2 / 378 كتاب العيدين ، باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة ، تاريخ الطبري 6 / 26 أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة ، الكامل في التاريخ 5 / 359 أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة ، وغيرها من المصادر .
(6) المصنّف ـ لابن أبي شيبة 2 / 75 كتاب صلاة العيدين ، مَنْ قال ليس في العيدين أذان ولا إقامة ، و 8 / 328 كتاب الأوائل ، باب أوّل ما فعل ومن فعله ، نيل الأوطار 3 / 364 ، عمدة القاريء 6 / 282 ، فيض القدير 5 / 268 ، سبل السلام 2 / 67 ، تحفة الأحوذي 3 / 62 ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 239 _

  21 ـ وقد قدموا الخطبة في صلاة العيد أيضاً . وأوّل مَنْ قام بذلك عثمان (1) ، أو معاوية (2) ، أو مروان (3) ، وروي أنّه سبقهم إلى ذلك عمر بن الخطاب (4) .
  22 ـ كما كان بنو أُميّة يبيعون الرجل في الدين يلزمه ، وعقوبة على جرم منه ، ويرون أنّه يصير رقيقاً .
  قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتاب افتراق هاشم وعبد شمس : كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرّاً مولى لبني العنبر ، فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي ، وباع الحجّاج علي بن بشير بن الماحوز ـ لكونه قتل رسول المهلّب ـ على رجل من الأزد (5) .
  23 ـ وكانوا يسبون ذراري الخوارج وغيرهم ، ويسترقّونهم كما تُسترقّ الكفّار .
  قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتابه المذكور : لمّا قُتل قريب وزحاف

---------------------------
(1) المصنّف ـ لعبد الرزاق 3 / 284 كتاب صلاة العيدين ، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى ، نيل الأوطار 3 / 362 كتاب العيدين ، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه .
(2) المصنّف ـ لعبد الرزاق 3 / 284 كتاب صلاة العيدين ، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى ، فتح الباري 2 / 376 ، نيل الأوطار 3 / 363 كتاب العيدين ، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه ، سبل السلام 2 / 66 كتاب الصلاة ، باب صلاة العيدين ، وغيرها من المصادر .
(3) المصنّف ـ لعبد الرزاق 3 / 285 كتاب صلاة العيدين ، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 2 / 77 كتاب صلاة العيدين ، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة ، نيل الأوطار 3 / 363 كتاب العيدين ، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه ، وغيرها من المصادر .
(4) فقد روي عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : أوّل مَنْ بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب لمّا رأى الناس ينقصون ، فلمّا صلّى حبسهم في الخطبة ، المصنّف ـ لعبد الرزاق 3 / 283 كتاب صلاة العيدين ، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى ، وقريب منه في المصنّف ـ لابن أبي شيبة 2 / 77 كتاب صلاة العيدين ، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة ، وقد نبّه إلى ذلك في نيل الأوطار 3 / 363 كتاب العيدين ، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه .
(5) شرح نهج البلاغة 15 / 242 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 240 _

  الخارجيان سبى زياد ذراريهم ، فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهم ، وأعطى عباد بن حصين الأخرى .
  وسُبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري ، وبنت لقطري بن فجاءة المازني ، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك ، واسمها أُمّ سلمة ، فوطئها بملك اليمين على رأيهم ، فولدت له المؤمّل ومحمداً وإبراهيم وأحمد وحصيناً بني عباس بن الوليد بن عبد الملك .
  وسُبي واصل بن عمرو القن واستُرق ، وسُبي سعيد الصغير الحروري واستُرق ، وأُمّ يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة (1) .
  وقال ابن أعثم عن واقعة العقر حيث حارب بنو مروان بني المهلّب بقيادة مسلمة بن عبد الملك : ثمّ حلف مسلمة أنّه يبيع نساءهم وأولادهم بيع العبيد والإماء .
  فقام إليه الجراح بن عبد الله الحكمي ، فقال : أصلح الله الأمير ، فإنّي قد اشتريتهم منك بمئة ألف درهم ، تبرئة ليمينك .
  فقال مسلمة أخزاه الله : قد بعتك إيّاهم .
  قال : ثمّ استحى مسلمة أن يبيع قوماً أحرار .
  فقال للجراح : أقلني من بيعتي .
  قال : قد أقلتك أيّها الأمير ، فأعتقهم مسلمة وخلّى سبيلهم ، وألحقهم بقومهم بالبصرة (2) .
  ويناسب ذلك من معاوية أمران :
  الأوّل : إنّه في حرب صفين نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة ، فقال في ذلك خالد بن المعمر :

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 15 / 241 ـ 242 .
(2) الفتوح ـ لابن أعثم 8 / 257 خلافة يزيد بن عبد الملك ، ذكر فتنة يزيد بالبصرة ومبايعة يزيد بن المهلّب .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 241 _

تـــمــنّــى ابــــــن حــــــربٍ نــــــذرة فــــــي نــســائـنـا      ودونَ الـــــــذي يـــنـــوي ســـيـــوف قـــواضـــبِ
ونـــمـــنـــحُ مـــلـــكـــاً أنـــــــــتَ حــــاولــــتَ خـــلـــعــه      بني هاشم قولُ امرئ غيرُ كاذبِ (1)
  الثاني : إنّه بعد التحكيم بعث بسر بن أرطاة مُغيراً على الحرمين واليمن ، فأغار على همدان وسبى نساءهم فكنّ أوّل نساء مسبيّات في الإسلام (2) .
  وعن أبي رباب وصاحب له أنّهما سمعا أبا ذرّ (رضي الله عنه) يدعو ويتعوّذ في صلاة صلاها ، أطال قيامها وركوعها وسجودها .
  قال : فسألناه مِمَّ تعوّذت وفيمَ دعوت ؟
  فقال : تعوّذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة .
  فقلنا : وما ذاك ؟
  قال : أمّا يوم البلاء فتلتقي فتيان [فئتان] من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً ، وأمّا يوم العورة فإنّ نساءً من المسلمات ليسبينّ ، فيُكشف عن سوقهنّ ، فأيّتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتُريت على عظم ساقها ، فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان ، ولعلّكما تدركانه .
  قال : فقُتل عثمان ، ثمّ أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساءً مسلمات فأقمنَ في السوق (3) .
  كما يناسب ذلك أيضاً من ابنه يزيد أمران :
  الأوّل : ما جرى منه مع عائلة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
  فعن فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّها قالت : لمّا أُدخلنا على يزيد ساءه ما رأى من

---------------------------
(1) وقعة صفين / 294 .
(2) الاستيعاب 1 / 161 في ترجمة بسر بن أرطأة ، أسد الغابة 1 / 180 في ترجمة بسر بن أرطأة ، الوافي بالوفيات 10 / 81 في ترجمة بسر بن أرطأة .
(3) الاستيعاب 1 / 161 في ترجمة بسر بن أرطأة ، واللفظ له ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 672 كتاب المغازي ، ما ذكر في فتنة الدجّال ، الوافي بالوفيات 10 / 81 ـ 82 في ترجمة بسر بن أرطأة ، ونحوه مختصراً في تاريخ الإسلام 5 / 369 في ترجمة بسر بن أبي أرطأة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 242 _

  سوء حالنا ... .
  قالت : فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، هبّ لي هذه الجارية ، يعنيني ... فارتعدت وفرقت ، وظننت أن ذلك يجوز لهم ، فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب .
  فقالت عمّتي : كذبت والله ولؤمت ، ما ذلك لك ولا له .
  فغضب يزيد وقال : بل أنتِ كذبتِ ، إنّ ذلك لي ، ولو شئت فعلته .
  قالت : كلاّ والله ما جعل لك ذلك ، إلاّ أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا .
  فقال : إيّاي تستقبلين بهذا ؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوكِ .
  قالت زينب : بدين الله ودين أبي وجدّي اهتديت إن كنت مسلماً .
  فقال : كذبتِ يا عدوّة الله .
  قالت زينب : أمير مسلّط يشتم ظالماً ، ويقهر بسلطانه ، اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك .
  فاستحيى يزيد ، وندم وسكت مطرقاً .
  وعاد الشامي إلى مثل كلامه ... فقال له يزيد : اعزب عنّي لعنك الله ، ووهب لك حتفاً قاضياً ! ويلك لا تقل ذلك ، فهذه بنت علي وفاطمة ، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا (1) .
  الثاني : ما حصل من قائد جيشه في المدينة المنوّرة بعد واقعة الحرّة حيث أخذ الناس بالبيعة على أنّهم عبيد ليزيد (2) .
  وقد سبقهم إلى ذلك خالد بن الوليد حيث سبى في أوّل خلافة أبي بكر بني حنيفة قوم مالك بن نويرة بعد أن قتله في قضية مشهورة .

---------------------------
(1) مقتل الحسين ـ للخوارزمي 2 / 62 ، واللفظ له ، الإرشاد 2 / 121 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 / 474 ـ 475 الباب الثاني ، الفصل الرابع ، مثير الأحزان / 80 ، وغيرها من المصادر .
وأُسندت الحادثة لفاطمة بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الأمالي ـ للصدوق / 231 المجلس الحادي والثلاثون ، وتاريخ الطبري 4 / 353 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والكامل في التاريخ 4 / 86 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، والبداية والنهاية 8 / 211 ـ 212 أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة ، وتاريخ دمشق 69 / 176 ـ 177 في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب ، وغيرها من المصادر .
(2) تقدّمت مصادره في / 126 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 243 _

  لكنّ ذلك أحدث لغطاً بين المسلمين ، فلمّا قدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ، ويسأله أن يردّ عليهم سبيهم ، ودى أبو بكر مالكاً من بيت المال وأمر بردّ السبي (1) .
  هذا وربما يجد المتتبع كثيراً من مفردات تحكّم الأمويين في الدين وتحريفهم له ، ولا يسعنا فعلاً استقصاء ذلك .
  24 ـ ومن شواهد تعتيمهم على الحقائق وتشويهها وقلبها ما روي من أنّ عمر بن عبد العزيز كان يلعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، فسمعه معلّمه مرّة فقال له : متى علمت أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ؟!
  فقال له عمر : وهل كان علي من أهل بدر ؟
  قال : ويحك ! وهل كانت بدر كلّها إلاّ له ؟! (2) .
  25 ـ وحين حضرت وفود الأنصار بباب معاوية ، وخرج إليهم حاجبه

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ 2 / 359 أحداث سنة إحدى عشرة من الهجرة ، ذكر مالك بن نويرة ، إمتاع الأسماع 14 / 240 ، تاريخ دمشق 16 / 257 في ترجمة خالد بن الوليد ، تاريخ الإسلام 1 / 37 مقتل مالك بن نويرة ، وص 377 في ترجمة خالد بن الوليد ، الإصابة 5 / 560 في ترجمة مالك بن نويرة ، تاريخ الطبري 2 / 503 أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة ، ذكر البطاح وخبره ، شرح نهج البلاغة 17 / 206 ـ 207 ، سير أعلام النبلاء 1 / 377 في ترجمة خالد بن الوليد ، وغيرها من المصادر الكثيرة .
وقريب منه في أسد الغابة 4 / 296 في ترجمة مالك بن نويرة ، وتاريخ خليفة بن خياط / 68 أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة ، الردّة ، وتاريخ دمشق 16 / 256 في ترجمة خالد بن الوليد ، وغيرها من المصادر .
(2) شرح نهج البلاغة 4 / 58 ـ 59 ، وقد ذكر مختصراً في تاريخ دمشق 45 / 136 في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، وسير أعلام النبلاء 5 / 117 في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، وتاريخ الإسلام 7 / 188 في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، والوافي بالوفيات 22 / 312 في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، والبداية والنهاية 9 / 218 أحداث سنة إحدى ومئة من الهجرة ، في ترجمة عمر بن عبد العزيز ، والسيرة الحلبية 2 / 470 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 244 _

  سعد أبو درّة ، قال له : استأذن لنا ، فدخل ، وقال لمعاوية : الأنصار بالباب .
  وكان عنده عمرو بن العاص فضاق بهذا اللقب الذي عرفوا به نتيجة جهودهم العظيمة في نصر الإسلام ، وثبت لهم في الكتاب المجيد والسنة الشريفة ، وقال لمعاوية : ما هذا اللقب الذي جعلوه نسباً ؟! أرددهم إلى نسبهم .
  فقال معاوية : إنّ علينا في ذلك شناعة .
  قال : وما في ذلك ؟! إنّما هي كلمة مكان كلمة ، ولا مردّ له .
  فقال له معاوية : اخرج فنادِ : مَنْ بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل .
  فخرج فنادى بذلك ، فدخل مَنْ كان هناك منهم سوى الأنصار .
  فقال له : اخرج فنادِ : مَنْ كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل ، فخرج فنادى ذلك .
  فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول :
يـــا سـعـدُ لا تُـعِـدِ الـدعـاءَ فـمـا لـنـا      نسبٌ نجيبُ به سوى الأنصارِ
نــــــســـــبٌ تــــخـــيّـــرهُ الإلــــــــــهُ لـــقـــومــنــا      أثــــقِـــل بـــــــه نــســبــاً عـــلـــى الــكــفّــارِ
إنّ الـــــذيـــــنَ ثـــــــــووا بـــــبــــدرٍ مـــنـــكـــم      يــــــومَ الــقــلـيـبِ هــــــم وقــــــودُ الـــنـــارِ
  وقام مغضباً فانصرف .
  فبعث معاوية فردّه وترضّاه ، وقضى حوائجه وحوائج مَنْ حضر معه من الأنصار (1) .
  26 ـ ومرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة ـ وهو ولي عهد ـ فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله) ومغازيه ، فقال أبان : هي عندي قد أخذتها مصحّحة ممّن أثق به .
  فأمر بنسخه ، وألقى فيها إلى عشرة من الكتاب فكتبوها في رق ، فلمّا صارت إليه نظر ، فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين ، وذكر الأنصار في بدر ، فقال : ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل ، فإمّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم ، وإمّا أن يكونوا ليس هكذا ... ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين ، لعلّه يخالفه ؟!
  فأمر بذلك الكتاب فخُرّق .

---------------------------
(1) الأغاني 16 / 48 أخبار النعمان بن بشير ونسبه ، الأنصار خير ألقاب أهل المدينة .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 245 _

  ولمّا رجع إلى أبيه أخبره ، فقال عبد الملك : وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل ؟! تريد أن تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها ؟!
  قال سليمان : فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته ... فصوّب رأيه (1) .
  27 ـ وقال إسماعيل بن عياش : سمعت حريز بن عثمان يقول : هذا الذي يرويه الناس عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال لعلي : (( أنت منّي بمنزلة هارون من موسى )) حق ، ولكن أخطأ السامع .
  قلت : فما هو ؟
  قال : إنّما هو أنت منّي بمنزلة قارون من موسى .
  قلت : عمّن ترويه ؟
  قال : سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر (2) .
  28 ـ وحكى الأزدي في الضعفاء أنّ حريزاً هذا روى أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لمّا أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ؛ ليقع النبي (صلّى الله عليه وآله) (3) .
  29 ـ وعن أبي يحيى السكري قال : دخلت مسجد دمشق فرأيت في مسجدها خلقاً ، فقلت : هذا بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليهم ، وملت إلى حلقة في المسجد في صدرها شيخ جالس فجلست إليه ، فسأله رجل ممّن بين يديه ، فقال : يا أبا المهلّب ، مَنْ علي بن أبي طالب ؟!
  قال : خنّاق ، كان بالعراق ، اجتمعت إليه جميعة فقصد أمير المؤمنين يحاربه فنصره الله عليه .
  قال : فاستعظمت ذلك وقمت ، فرأيت في جانب المسجد شيخاً يصلّي

---------------------------
(1) الموفقيات / 331 ـ 333 خبر أبان بن عثمان يكتب سير النبي (صلّى الله عليه وآله) ومغازيه .
(2) تهذيب التهذيب 2 / 209 في ترجمة حريز بن عثمان ، واللفظ له ، تهذيب الكمال 5 / 577 في ترجمة حريز بن عثمان ، تاريخ بغداد 8 / 262 في ترجمة حريز بن عثمان ، تاريخ دمشق 12 / 349 في ترجمة حريز بن عثمان ، تاريخ الإسلام 10 / 122 في ترجمة حريز بن عثمان ، النصائح الكافية / 117 ، وغيرها من المصادر .
(3) تهذيب التهذيب 2 / 209 ـ 210 في ترجمة حريز بن عثمان ، واللفظ له ، الضعفاء والمتروكين ـ لابن الجوزي 1 / 197 في ترجمة حريز بن عثمان ، النصائح الكافية / 117 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 246 _

  إلى سارية ، حسن السمت والصلاة والهيئة ، فقعدت إليه ، فقلت له : يا شيخ ، أنا رجل من أهل العراق ، جلست إلى تلك الحلقة ، وقصصت عليه القصّة .
  فقال لي : في هذا المسجد عجائب ، بلغني أنّ بعضهم يطعن على أبي محمد حجّاج بن يوسف ، فعلي بن أبي طالب مَنْ هو ؟! (1) .
  30 ـ وعن معمر أنّه قال : دخلت مسجد حمص ، فإذا أنا بقوم لهم رواء فظننت بهم الخير ، فجلست إليهم ، فإذا هم ينتقصون علي بن أبي طالب ويقعون فيه ، فقمت من عندهم فإذا شيخ يصلّي ظننت به خير ، فجلست إليه ، فلمّا حسّ بي جلس وسلّم ، فقلت له : يا عبد الله ، ما ترى هؤلاء القوم يشتمون علي بن أبي طالب وينتقصونه ؟! وجعلت أحدّثه بمناقب علي بن أبي طالب ، وأنّه زوج فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأبو الحسن والحسين ، وابن عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
  فقال : يا عبد الله ، ما لقي الناس من الناس ، لو أنّ أحداً نجا من الناس لنجا منهم أبو محمد (رحمه الله) ، هو ذا يُشتم ويُنتقص .
  قلت : ومَنْ أبو محمد ؟!
  قال : الحجّاج بن يوسف (رحمه الله) . وجعل يبكي .
  فقمت عنه ، وقلت : لا أستحلّ أن أبيت به ، فخرجت من يومي (2) .
  31 ـ ولمّا سقطت الدولة الأموية أرسل عبد الله بن علي مشيخة من أهل الشام لأبي العباس السفّاح ، فحلفوا له أنّهم لا يعرفون للنبي (صلّى الله عليه وآله) قرابة غير بني أُميّة (3) .
  32 ـ وأمّا وضع الأحاديث المكذوبة على النبي (صلّى الله عليه وآله) وغيره في عهدهم فهو أشهر من أن يحتاج إلى بيان ، ويأتي التعرّض لطرف منه في المقام الثاني من المبحث الثاني إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) تاريخ دمشق 1 / 365 باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام .
(2) تاريخ دمشق 1 / 366 باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام .
(3) سير أعلام النبلاء 6 / 79 في ترجمة السفّاح ، وفيات الأعيان 6 / 101 ـ 102 في ترجمة هلال بن المحسن الصابئ ، شرح نهج البلاغة 7 / 159 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 247 _

  ولا ينبغي أن يستُغرب شيء من ذلك بعد فتح هذا الباب من اليوم الأوّل كما سبق ، وبعد النظر لواقع الحكّام واهتماماتهم ، والقياس على بقيّة الأديان السماوية الحقّة التي انطمست معالمها وتاريخها الصحيح نتيجة تحكّم السلطة فيها ، أو تحكّم المؤسسات التي تنسّق مع السلطة .
  هذا ما تيسّر لنا التعرّض له في بيان ما من شأنه أن يترتّب على انحراف أمر السلطة في الإسلام لو لم تكن هناك معارضة ، وجهود تقف في وجه الانحراف وتكبح جماحه .
  والظاهر أنا لم نعطِ الموضوع حقّه ، ولم نستوفِ ما حصل ، وبمزيد من الفحص تتّضح كثير من الشواهد والمؤيّدات لما سبق ، ومن الله (عزّ وجلّ) نستمدّ العون والتوفيق .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 249 _

المبحث الثاني : في جهود أهل البيت في كبح جماح الانحراف
وما كسبه الإسلام بكيانه العام من ذلك


  والكلام تارة : في جهود أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) وجهود الخاصّة من الصحابة والتابعين الذين كانوا معه .
  وأُخرى : في مواجهة معاوية لجهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد استيلائه على السلطة بعد مقتل أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) ، وصلح الإمام الحسن (عليه السّلام) معه .
  وثالثة : في نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) التي خُتمت بفاجعة الطفّ ، وأثرها في الإسلام بكيانه العام .
  فهنا مقامات ثلاثة :

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 250 _

المقام الأوّل : في جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)
وجهود الخاصّة من الصحابة والتابعين الذين كانوا معه


  أشرنا آنفاً إلى أنّ قيام السلطة بعد انحرافها عن خطّ أهل البيت بالفتوح الكبرى ، وما استتبعها من الغنائم العظيمة كان هو السبب في نشر الإسلام بواقعه المنحرف .
  كما إنّ له أعظم الأثر في احترام الإسلام المذكور ، واحترام رموزه في نفوس عامّة المسلمين ، خصوصاً بعد ما سبق من التحجير على السُنّة النبويّة ، ومنع الحديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) إلاّ بما يتناسب مع نهج السلطة وتوجّهاته ، ولو بوضع الأحاديث ، والكذب على النبي (صلّى الله عليه وآله) لصالحها .
  إلاّ إنّ الانحراف لمّا ابتنى على عدم نظام للسلطة ، فقد صارت السلطة معرضة لأن تكون مطمعاً لكلّ أحد من قريش قبيلة النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ التي ابتنى الانحراف الفاتح على اختصاص حقّ الخلافة بها من دون فرق بين قبائلها ـ مهما كان حال الشخص ومقامه في الإسلام .
  وقد روي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنّه قال لمّا بويع أبو بكر : كرديد نكرديد ، أما والله ، لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله (1) .

---------------------------
(1) الإيضاح / 457 ـ 458 .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 251 _

تخوّف عمر بن الخطاب من أطماع قريش

  كما إنّ شدّة عمر بن الخطاب وضيق بعض الصحابة من ذلك ـ على ما سبق في حديث طلحة وغيره (1) ـ جعلته يخشى من محاولة قريش التخلّص منه ، أو الخروج عليه حتى إنّه لمّا طُعن لم يبرئ الصحابة من التآمر عليه ، بل سألهم فقال : عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني ؟
  فتبرؤوا من ذلك وحلفوا (2) .
  وقد أدرك أنّ عامّة المسلمين المنتشرين في أقطار الأرض ما داموا في سكرة الفتوح والغنائم والانتصارات فهم في غفلة عن كلّ تغيير ، بل هم يستنكرون ذلك لما للسلطة ورموزها من الاحترام في نفوسهم .

تحجير عمر على كبار الصحابة

  ومن أجل إبقائهم على غفلتهم رأى أنّ اللازم الحجر على كبار الصحابة وذوي الشأن منهم وحبسهم في المدينة المنوّرة ، وجعلهم تحت سيطرته بحيث لا يخرج منهم خارج عنها إلاّ تحت رقابة مشدّدة ، من أجل الالتزام بتعاليمه والسير على خطّه ، ولا أقل من عدم الخروج عنه وزرع بذور الخلاف والانشقاق ، لأنّ صحبتهم للنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وقدمهم في الإسلام ، واشتراكهم في حروبه الأولى تجعل لهم حرمة في نفوس عامّة المسلمين قد يستغلّونها من أجل كشف

---------------------------
(1) تقدّم في / 175 وما بعده .
(2) المصنّف ـ لعبد الرزاق 10 / 357 كتاب أهل الكتابين ، باب هل يدخل المشرك الحرم ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة 8 / 581 ـ 582 كتاب المغازي ، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب ، الاستيعاب 3 / 1153 ـ 1154 في ترجمة عمر بن الخطاب ، الطبقات الكبرى 3 / 348 ذكر استخلاف عمر ، تاريخ دمشق 44 / 420 في ترجمة عمر بن الخطاب ، تاريخ المدينة 3 / 904 دعاء عمر عند طعنه ، شرح نهج البلاغة 12 / 187 ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 252 _

  الحقيقة ، وإيضاح واقع الإسلام الحقّ ، أو من أجل تثبيت مراكز قوّة ونفوذ لهم في مقابل السلطة ، لتحقيق أطماعهم الشخصية ، أو نحو ذلك ممّا قد يؤدّي إلى تعدّد الاتجاهات داخل الكيان الإسلامي ، وظهور الخلافات أو حصول الشقاق .
  وهذا بخلاف حديثي الإسلام والمنافقين على ما تقدّم توضيحه عند التعرّض للخطوات التي قامت بها السلطة من أجل تثبيت شرعيتها .
  وقد تقدّم منه أنّه لمّا سُئل عن توليته المؤلّفة قلوبهم والطلقاء وأبناءهم ، وترك أمير المؤمنين (عليه السّلام) والعباس والزبير وطلحة ، قال : أمّا علي فأنبه من ذلك ، وأمّا هؤلاء النفر من قريش فإنّي أخاف أن ينتشروا في البلاد ، فيكثروا فيها الفساد (1) .
  وعن قيس بن حازم قال : جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو ، فقال عمر : اجلس في بيتك ، فقد غزوت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
  قال : فردّد ذلك عليه ، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها : اقعد في بيتك ، فوالله ، إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) (2) .
  وفي رواية أخرى : فانطلق الزبير وهو يتذمّر .
  فقال عمر : مَنْ يعذرني من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) ، لولا أنّي أمسك بفمٍ هذا الشغب لأهلك أُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) (3) .
  وفي رواية ابن عساكر : مَنْ يعذرني من أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله) لولا أنّي أمسك بفمي هذا الشِعب لأهدموا أُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) (4) .
  قال اليعقوبي : واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد ، فقال :

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 9 / 29 ـ 30 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 120 كتاب معرفة الصحابة ، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ممّا لم يخرجاه ، واللفظ له ، عون المعبود 11 / 246 ـ 247 ، كنز العمّال 11 / 267 ح 31476 .
(3) تاريخ بغداد 7 / 464 في ترجمة الحسن بن يزيد بن ماجة بن محمد القزويني .
(4) تاريخ دمشق 18 / 403 في ترجمة الزبير بن العوام .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 253 _

  قد تقدّم لكم مع رسول الله .
  قال : إنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة ، لا تخرجوا فتسللوا بالناس يميناً وشمالاً .
  قال عبد الرحمن بن عوف : فقلت : نعم يا أمير المؤمنين ، ولِمَ تَمنعنا من الجهاد ؟
  فقال : لأن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أُجيبك .
  ثمّ اندفع يحدّث عن أبي بكر حتى قال : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ، فمَنْ عاد لمثلها فاقتلوه (1) .
  وعن الشعبي أنّه قال : لم يمت عمر حتى ملّته قريش ، وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم ، وقال : إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأُمّة انتشاركم في البلاد .
  فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو ـ وهو ممّن حبس في المدينة من المهاجرين ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة ـ فيقول : قد كان لك في غزوك مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما يبلغك ، وخير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك ، فلمّا ولي عثمان خلّى عنهم فاضطربوا في البلاد ، وانقطع إليهم الناس (2) .
  قال محمد بن طلحة : فكان ذلك أوّل وهن دخل على الإسلام ، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلاّ ذلك (3) .

توقّف أهل البيت (عليهم السّلام) عن تنبيه عامّة المسلمين لحقّهم في الخلافة

  ونتيجة لجميع ما سبق لا بدّ أن يتوقّف أهل البيت (صلوات الله عليهم)

---------------------------
(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 157 ـ 158 في أيام عمر بن الخطاب .
(2) تاريخ الطبري 3 / 426 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، ذكر بعض سير عثمان بن عفان ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 3 / 180 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، ذكر بعض سيرة عثمان ، تاريخ دمشق 39 / 302 ـ 303 في ترجمة عثمان بن عفان ، كنز العمّال 14 / 76 ح 37978 ، شرح نهج البلاغة 11 / 12 ـ 13 ، وغيرها من المصادر .
(3) تاريخ الطبري 3 / 426 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، ذكر بعض سير عثمان بن عفان ، واللفظ له ، كنز العمّال 14 / 76 ح 37978 ، تاريخ دمشق 39 / 302 في ترجمة عثمان بن عفان ، وغيرها من المصادر .

فاجعة الطف أبعادها ـ ثمراتها ـ توقيتها _ 254 _

  والخاصّة من شيعتهم عن تنبيه عامّة الناس لحقّهم (عليهم السّلام) في الخلافة ، ولحصول التشويه والتحريف في كثير من الحقائق الدينية ، لعدم حصول الأرضية المناسبة لذلك ، ويقتصر نشاطهم على الخاصّة من أجل إعدادهم للعمل في الوقت المناسب .
  ولاسيما أنّ أخلاقياتهم ومثلهم واهتمامهم بفرض احترامهم على المسلمين قد تمنعهم من أن يُعرف عنهم أنّهم السبب في شقّ كلمة المسلمين ، وزرع بذور الخلاف والشقاق بينهم ، وكانوا يرون أنّ الأنسب لهم أن تظهر أسباب الخلاف والشقاق والفتنة من غيرهم ، وهو ما يتوقّع حصوله في القريب العاجل بسبب تداعيات الانحراف الذي حصل في السلطة .

إحساس عمر بأنّ الاستقرار على وشك النهاية

  وكان عمر بن الخطاب قد أدرك ذلك ، وعرف أنّ زمان الاستقرار على وشك النهاية .
  قال ابن أبي الحديد : وروى أبو جعفر الطبري في تاريخه ، قال : كان عمر قد حجّر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلاّ بإذن وأجل ، فشَكَوه ، فبلغه ، فقام فخطب فقال : ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير ، يبدأ فيكون جذع ، ثمّ ثني ، ثمّ يكون رباعي ، ثمّ سديس ، ثمّ بازل ، ألا فهل ينتظر بالبازل إلاّ النقصان .
  ألا وإنّ الإسلام قد صار بازلاً ، وإنّ قريشاً يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم ، ألا إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة ، ويروم خلع الربقة ، أما وابن الخطاب حيّ فلا ، إنّي قائم دون شعب الحرّة ، آخذ بحلاقيم قريش وحُجَزها أن يتهافتوا في النار (1) .
  ولعلّ ذلك هو المنشأ لما سبق من شكّه

---------------------------
(1) شرح نهج البلاغة 11 / 12 ، وقريب منه في تاريخ الطبري 3 / 426 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة ، ذكر بعض سير عثمان بن عفان ، وتاريخ دمشق 39 / 302 في ترجمة عثمان بن عفان ، وكنز العمّال 14 / 75 ح 37977 ، وغيرها من المصادر إلاّ أنّه قد حُذفت منها : إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة ، ويروم خلع الربقة .