( القول الرابع عشر )
   جواز القراءة بكافة القراءات السبعة المشهورة ومازادت عن العشرة لا ثبوت التواتر بل بحكم اقتضاء الضرورة القاضية بالقراءة بوفقها مع المنع من قراءة ابي جعفر ويعقوب وخلف وهي كمال العشر في الصلاة لا خارجها .
   وهو صريح عبارة المقد الاردبيلي في شرحه على ارشاد العلامة حيث قال بعد نفى ثبوت تواتر السبعة ما نصه : كانه لاخلاف في السبعة وكذا في الزيادة على العشرة واما الثلاثة التي بينهما فاظاهر عدم الاكتفاء للعلم بوجوب قراءة علم كونها قرآناً وهي غير معلومة وما نقل انها متواترة غير ثابت (1) .

( القول الخامس عشر )

   حصر القراءة بالسبع لثبوت تواترها مع المنع من كمال العشر : حكاه الشهيد الاول عن جملة من الاصحاب في كتاب الذكرى بقوله : وعن بعض الاصحاب انه منع من قراءة ابي جعفر ويعقوب وخلف وهي كمال العشرة . . . (2) .
   وقال العاملي في مفتاح الكرامة : وفي التذكرة ونهاية الاحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس ومجمع البرهان والمدارك وغيرها انه لا يجوز ان يقرأ بالعشر ( أي كمال العشر ) وعن جملة منها انه لا تكفى شهادة الشهيد في الذكرى بتواترها . . . (3) .

--------------------
(1) مجمع الفائدة والبرهان ج 2 ص 418 .
(2) ذكرى الشيعة ص 187 .
(3) مفتاح الكرامة ج 2 ص 390 ط مصر .


اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 77 _

( القول السادس عشر )
   جواز القراءة بالسبع والعشر والشواذ مع الاحتياط على جهة الاستحباب بانتخاب المشهور والمتداول بين كافة المسلمين ، وهو مختار الشيخ عبد الله المامقاني في مناهج المتقين حيث صرح بقوله : يجوز القراءة عند اختلاف القراء في الصورة بكل منها كما في ( مالك ) حيث قرئ كذلك وبصيغة الماضي و ( ملك ) بفتح أوله وكسر ثانيه الذي هو صفة مشبهة و ( ملاك ) على وزن فعال وكما في ( كفوا ) حيث قرئ بضم الفاء وبالواو وبضمها وبالهمزة وبضمها وبالواو فيجوز لنا القراءة بكل منها وان كان اختيار الأكثر تداولا بين المسلمين أولى وأحوط . . . (1) .

( القول السابع عشر )

   لزوم القراءة بمقتضى قاعدة الاحتياط للخروج عن عهدة التكليف بيقين وذلك بالاتيان بالقراءات مجتمعة في كل مورد وقع الاختلاف فيه بين القراء السبعة وكمال العشرة في كلمات القرآن الكريم لتحصيل القدر المتيقن واصابة الواقع بدقة احتمالية تقريبية .
   والاصل فيه ما حكاه المحقق البحراني الشيخ يوسف في حدائقه عن شيخه المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني قال : سمعت شيخي علامة الزمان واعجوبة الدوران يقول ان جار الله الزمخشري ينكر تواتر السبع ويقول : ان القراءة الصحيحة التي قرأها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انما في صفتها وانما هي واحدة والمصلى لا تبرأ ذمته من الصلاة الاّ اذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه كمالك وملك وصراط وسراط وغير ذلك انتهى ثم عقبه بقوله : وهو جيد وجيه بناءاً على ما ذكرنا ن البيان والتوجيه ولو ما رخص لنا به الائمة عليهم السلام من القراءة بما يقرأ الناس لتعيّن عندي العمل بما ذكره (2) .

--------------------
(1) مناهج المتقين ص 67 ط قم مؤسسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ط حجري .
(2) الحدائق الناظرة ج 8 ص 102 ط النجف الاشرف .


اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 78 _
   واستسلقه الفقيه الهمداني بشريطة ان لا يؤدي بالمكلف بالاخلال بالموالاة في نظم القراءة والخروج عن كونه قارئاً عرفاً حيث قال ما نصه في كتابه مصباح الفقيه : اذا امكنه ( اي المكلف ) ذلك بأن انحصر ( اي موارد الاختلاف بين القراء ) في مورد او موردين بحيث لم يلزم من تكرير الكلمة او الكلام المشتمل عليها الى ان يحصل له الجزم بالموافقة ( من دون ) حرج او فوات موالاة معتبرة في نظم الكلاام فمقتضى القاعدة وجوب الاحتياط كما حكى عن جار الله الزمخشري التصريح به بعد انكار تواتر القراءات السبع . . . (1) .
   أقول : لا يخفى على الفطن النبيه ما فيه اذ هو مشكل لاستلزامه التكليف بما لا يطاق ولاقتضائه ادخال العسر والحرج على المكلفين قاطبة في مقام الامتثال والعمل في عباداتهم وقرباتهم اذ لا يحيط بأطرافها ووجوه اختلافها الا الا وحدى من الناس واهل الاختصاص بالفن دون عامة الناس الذين لا يتحصل لهم مثل ذلك ولعله لاجل ذلك ادعى النراقي في مستند الشيعة على بطلانه الاجماع القطعي وامرهم ( عليهم السلام ) بالقراءة كما يقرأ الناس وكما تعلموا . . . (2) .
   وربما يترائى من كلام المقدس الاردبيلي في شرحه على ارشاد الاذهان القول بالعمل به خصوصاً اذا كانت القراءة واجبة بنذر وشبهه . . . (3) ، أوقل : وظاهر طلاقه يعم الصلاة وغيرها سواء كانت بالاصل أو بالعارض .

--------------------
(1) مصباح الفقيه ج 2 كتاب الصلاة ص 275 ط حجري .
(2) مستند الشيعة ج 1 ص 335 ط قم مكتبة السيد المرعشي .
(3) مجمع الفائدة والبرهان ج 2 ص 219 ط قم جامعة مدرسين .


اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 79 _
( القول الثامن عشر )

   بطلان الصلاة عند القراءة بالمروي عن اهل العصمة ( عليهم السلام ) للمنع منها في زمن الغيبة الكبرى وكذا الشواذ ، وبه افتى العلامة البحراني الشيخ حسين في سداد العباد بقوله : فلو . . . قرأ بالشواذ مع قدرته على السبع او العشر في زمن الهدنة ولو كانت القراءة منسوبة لهم ( عليهم السلام ) . . . عمداً بطلبت صلاته (1) .
   وقال الشيخ ابو الحسن الشعراني في تعليقته على شرح المولى محمد صالح المازندراني المطبوع : القراءة المنسوبة الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو الائمة منقولة لنا ايضاً بطريق الآحاد ولا نثق بصحة لانسبة . . . (2) .
   ويمكن الاستئناس له بقول العلامة المجلسي ( رضوان الله تعالى عليه ) في البحار حيث يقول : ان الخبر قد صح عن ائمتنا ( عليهم السلام ) انهم امروا بقراءة ما بين الدفتين وان لا نتعداه بلا زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه السلام فيقرأ الناس القرآن على ما انزله الله تعالى وجمعه امير المؤمنين ( عليه السلام ) وانما انهونا ( عليهم السلام ) عن قراءة ما وردت به الاخبار من احرف يزيد على الثابت في المصحف لانها لم يأت على التواتر وانما جاء بالآحاد وقد يغلط الواحد فيما ينقله ولانه متى قرا بما يخالف ما بين الدفتين غرر بنفسه مع اهل الخلاف و اغرى به الجبارين و عرض نفسه للهلاك فمنعونا ( عليهم السلام ) من قراءة القران بخلاف ما يثبت بين الدفتين لما ذكرناه .

--------------------
(1) سداد العباد ورشاد العباد ج 1 ص 169 ط نجف الاشرف .
(2) شرح المولى محمد صالح المازندراني على الكافي ج 11 ص 65 ط طهران .


اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 80 _
   فان قال قائل : كيف تصح القول بان الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وانتم تروون عن الائمة ( عليهم السلام ) انهم قرأوا : « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ » « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا » وقرؤا « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ » وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في ايدي الناس .
   قيل له : قد مضى الجواب عن هذا وهو ان الاخبار التي جاءت بذلك اخبار احاد لا يقطع على الله بصحتها فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بيناه مع انه لا ينكر ان تأتي القراءة على وجهين منزلتين احدهما ما تضمنه المصحف والثاني ما جاء به الخبر كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى فمن ذلك قوله تعالى : « وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » يريد بمتهم وبالقراءة الاخرى « وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ » يريد بخيل ومثل قوله : « جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ » على قراءة وعلى قراءة اخرى « تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ » ونحو قوله « إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ » وفي قراءة اخرى « إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ » وما اشبه ذلك مما يكثر تعداده ويطول الجواب باثباته (1) .

( القول التاسع عشر )

   المنع من صدق اسم القرآن على غير المقطوع به بالتواتر ذهب اليه جمع من الاعلام ، قال النراقي في مستند الشيعة : اما ما ورد في بعض الاخبار من الامر بالقراءة كما يقرأ الناس أو كما تعلمتم فلا يفيد العموم مع انه انما ورد في مقال السؤال عما وجد في مصاحف الائمة ( عليهم السلام ) من بعض الكلمات الخالية عنها سائر المصاحف وانهم لا يحسنون قراءة ذلك .
   اقول : المستفاد مما افاده قدس سره ان كل قراءة وردت بأي نحو اتفق لا يمكن الركون اليها مجرداً من دون قيد أو شرط بدعوى وورد النص عنهم ( عليهم السلام ) بالقراءة كما يقرأ الناس فان القرائن الحالية والمقالية حاكمة على النص ومخصصة له بما يفيد المنع من كل قراءة لم يثبت تواترها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم تنقل عن من يعتد به لسابقة صحبة أو شدة ملازمة له أو لقرب عهده به ( صلى الله عليه وآله ) مع اتصافه بشروط العدالة من حسن الظاهر واستقامة السيرة وسلامة المعتقد .

--------------------
(1) البحر ج 89 ص 75 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 81 _
   وقال الفيض الكاشاني في كتاب الوافي فيما تقدم نقله عنه : الحق ان المتواتر من القرآن اليوم ليس الا القدر المشترك بين القراءات جميعاً دون خصوص آحادها اذ المقطوع به ليس الاّ ذاك فان المتواتر لا يشتبه بغيره .
   وقال الفاضل المتتبع الشيخ محمد بن الحسن بن محمد الاصفهاني المشتهر على السنة الفقهاء بالفاضل الهندي صاحب كشف اللثام في كتاب قراح الاقتراح في تهذيب كتاب اقتراح النحو للشيخ جلال الدين السيوطي .
   والذي يحتج به في النحو من المسموعات ثلاثة الكتاب والسنة وكلام العرب ثم قال الكلام في الكتاب لا شك ان ما نقل منه متواتراً حجة واما ما نقل آحاداً فان كان باخبار عدل وهكذا الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فهو ايضاً حجة فان خالف قياساً معروفاً كان ذلك مستثنى لا يقاس عليه واما الاكتفاء بفصاحة الراوي فلا وجه له وان صرح بأنه مروية فصيح فانه حينئذ لا يكون الاحتجاج الا بفصاحته وبالجملة فما لم يحصل اليقين او الظن المقارب له بأنه من القرآن لا يصح الاستدلال به من حيث انه من القرآن (1) .
   وقد بالغ المقدس الاردبيلي بل شدد النكير على من مال الى دعوى تواتر القراءات بقوله : يفهم من بعض كتب الاصول ان تجويز قراءاة ما ليس بمعلوم كونه قرآناً يقيناً فسق بل كفر فكل ما ليس بمعلوم ان يقيناً قرآن فينبغي لمن يجزم انه يقرأ قرآناً تحصيله من التواتر فلابد من العلم .

--------------------
(1) الملحق المضاف في آخر المجلد الثاني من كشف اللثام ص 481 ط طهران منشورات فراهاني .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 82 _
   فعلى هذا فالظاهر عدم جواز الاكتفاء بالسماع من عدل واحد مع عدم حصول العلم بالقرائن مثل تكرره في الالسن بحيث يعلم لا يختل مع ان خصوصية كل كلمة كلمة في الاعراب والبناء وسائر الخصوصيات قليلاً ما يوجد العدل العارف بذلك فاشتراط ذلك موجب لسرعة ذهاب القرآن عن البين ولما ثبت تواتره فهو مأمون من الاختلال لفسقه مع انه مضبوط في الكتب حتى انه معدود حرفاً حرفاً وحركة حركة .
   وكذا طريق الكتابة وغيرها مد يفيد الظن الغالب بل العلم بعدم الزيادة على ذلك والنقص فلا يبعد الاخذ في مثله عن ألهه غير العدل والكتب المدونة لحصول ظن قريب مع العلم بعدم التغيير . . . (1) .
   وقال المحقق السيد حسين البروجردي في تفسير الصراط المستقيم بعد نقل شطر من كلام المقدس الاردبيلي المتقدم : اما ما صدر عن المقدس فغريب جداً سيما حكمه بعدم كون غير المقطوع به قرآناً واغرب منه ما حكاه كسابقه عن حكاية التفسيق بل التكفير ولعله لذلك ما شيخنا في الجواهر الى عدم وجوب متابعة شيء من السبع او العشر (2) .
   وحاصل ما افادوه وسطروه عطر الله مراقدهم ان المشترك ما بين القراءات السبع بل وبين غيرها قرآن قطعاً لثبوت تواتره واطباق عامة المسلمين على نقله وتعاهده بالضرورة ، واما ما يتعلق بخصوص ما تفرد به كل واحد من القراء السبع أو العشرة أو غيرها فما لم يقم دليل عليها يفيد تواترها عن الصادع بالرسالة النبي الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) مورث للاطمئنان بحالها بالطرق المقبولة علمياً فلا يمكن عدها من القرآن في شيء ولا يصح القراءة بها على انها جزء من القرآن .

--------------------
(1) مجمع الفائدة والبرهان ج 2 ص 217 ـ 218 ط قم جامعة مدرسين .
(2) تفسير الاصراط المستقيم ج 3 ص 123 ط بيروت مؤسسة الوفاء .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 83 _
( القول العشرون )

   جواز القراءة بكل ما كان متداولا في زمن الائمة ( عليهم السلام ) سواء ثبت نقله عنهم ( عليهم السلام ) أم عن غيرهم ممن شملهم الاذن بخلاف من منعوا من قراءته كابن مسعود الذي قال في شأنه الامام الصادق ( عليه السلام ) : ان كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال وتفضيل القول فيه سورة ( يس ) في كتابنا كنز القراء.
   قال فقيه المجتهدين في عصره السيد محسن الحكيم في منهاج الصالحين : الاقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الائمة ، وزاد الشهيد السعيد السيد الصدر في تعليقه على الكتاب المذكور بقوله ولم يعلم بمخالفتها لواقع النص القرآني (1) .
   اقول : ينبغي الاشارة الى عدة امور لا يضاح حقيقة المراد في المسألة :
( الامر الاول ) المستفاد من كلامهما عدم المنع من القراءة المنقولة عن الائمة ( عليهم السلام ) بدليل عدم الاستفصال بتقييد او تخصيص الذي يفيد العموم بل هو ظاهر اطلاق العبارة فيشمل الجواز قراءتهم ( عليهم السلام ) كما يعم قراءة غيرهم ولعدم النهي عنها نهى تحريم .
( الامر الثاني ) ان الادلة الواردة عنهم ( عليهم السلام ) بجواز القراءة كما يقرأ الناس يستفاد منها أن تخصيص القراءة بما تداوله الناس في أزمنتهم ( عليهم السلام ) حيث اطلاعهم على مدى قربهم من النص المنزل وعلى نوعية قراءتهم ومقدار مطابقتها لأصول اللغة وقواعدها لتنصيصهم على ذلك في عدة مقامات :
( الأول ) ما ورد عن الامام ابي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : في خبر الكافي المتقدم ذكره حيث جاء فيه : ( اقرؤا كما تعلمتم فسيجيء من يعلمكم ) حيث يستفاد من ( تعلمتم ) ما تلقى من القراءة في ماضي الايام بالنسبة لزمان السؤال والاستفسار وما اشتهر من تواتر السبع وكمال العشر والاصطلاح عليهما جملة وتفصيلا انما هو أمر حادث لها في الازمنة المتأخرة بين العامة كما هو ظاهر لا شبهة فيه .

--------------------
(1) منهاج الصالحين بتعليقة الشهيد الصدر ج 1 ص 231 ط بيروت دار التعارف .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 84 _
( الثاني ) ما يقرب منه في ارادة الدلالة المتقدمة في خبر الكافي ايضاً عن سفيان بن السمط قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن تنزيل القرآن قال : اقرؤوا كما علمتم) .
( الثالث ) خبر سالم بن سلمة الذي قال فيه الامام الصادق ( عليه السلام ) : ( اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ) ، حيث يستفاد من ارادة التنبيه بالفعل المضارع ( يقرأ ) كفاية القراءة بما يتداوله الناس في زمان الاستفسارو ان العمل بها مجزي الى زمان قيام القائم وظهر دولته وبسط سلطانه لانهم ( عليهم السلام ) قد احاطوا بها واطلعوا على نسبة شذوذها كما تقدم ذكره .
   يضاف الى ذلك ان ( ال ) في ( الناس ) تفيد العهد الذهني الخارجي والمراد بهم ما حكاه السيد البروجردي في تفسيره عن محكي ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الشيخ ابي جعفر الاسكافي انه قال في كتابه المسمى بنقض العثمانية في جملة كلام له في الامامة : وقد تعلمون ان بعض الملوك ربما احدثوا قولا أو ديناً لهوى فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفوا غيره كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وابي بن كعب وتوعد على ذلك سوى ما صنع هو وجبابرة بني امية وطغاة بني مروان بولد علي ( عليه السلام ) وشيعته وانما كان سلطانه نحو عشرين سنة .
   فما مات الحجاج حتى اجتمع اهل العراق على قراءة عثمان ونشأ ابناؤهم ولا يعرفون غيرها لامساك الاباء عنها وكف المعلمين عن تعليمها حتى لو قرأت قراءة عبد الله وأبي ما عرفوها ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان لألف العادة وطول الجهالة لانه اذا استولت على الرعية الغلبة وطالت عليهم ايام التسلط وشاعت فيهم المخافة وشملتهم التقية اتفقوا على التخاذل والتساكت فلا تزل الايام تأخذ من بصائرهم وتنقص من ضمائرهم حتى تصير البدعة التي احدثوها غامرة للسنة (1) .
   وهذا التعبير شبيه بتعبير امير المؤمنين عن عائشة بقوله : ( المرأة شر لا بد منه ) حيث لم يرد ( ال ) الجنسية أو الاستغراقية كما قد يتبادر لبعض من لا علم له بل اراد بها ( ال ) التعريف لافادة ارادة تلك المرأة المعهودة في زمانه والتي جرت الويلات على المسلمين وخرجت من خدرها عصياناً لقوله تعالى « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ » وبارزته بالحرب في وقعة الجمل وغيرها من المواقف التي حفظها التاريخ .

--------------------
(1) تفسير الصراط المستقيم ج 3 ص 114 ط بيرون مؤسسة الوفاء .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 85 _
( الأمر الثالث ) ان القراءة المنسوبة اليهم ( عليهم السلام ) والتي تضمنتها طائفة كبيرة من الروايات ينبغي ان تقسم الى طائفتين :
( الطائفة الاولى )
   ما يمكن بل ينبغي الاخذ به والعمل بمقتضاه وهو ما كان شأنه كشأن سائر القراءات ومقدار مخالفته لها كقدر التخالف والتغاير بينها ويستدل عليه بما ورد عنهم ( عليهم السلام ) بالقراءة به والتزامه وهو بمثابة المخصص لعموم الامر بالقراءة كما يقرأ الناس فلا منافاة بينهما .
   فمن ذلك الخبر المروي في الكافي والتهذيب والاستغاثة عن عروة التميمي عن زرارة عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال سألته عن قول الله تعالى : ( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) قال : ليس هكذا تنزيها انما هي ( فاغسلوا وجوهكم وايديكم من المرافق ) ، وعليه فتكون من الايات التي دخلها التغيير من المخالفين وفيه دليل على ان القراءات السبع ليست بمتواترة وان ( الى ) في الاية غير غائية ولا تتوجه فيها الغاية الا بجعلها للمغسول دون الغسل .
   ومن ذلك ما رواه الصدوق في العيون باسناده عن الوشا عن الرضا ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : قال أبي ( عليه السلام ) قال ابو عبد الله ( عليه السلام ) ان الله عز وجل قال لنوح انه ليس من اهلك لانه كان مخالفاً له وجعل من اتبعه من اهله قال : وسألني كيف يقرؤن هذه الاية في ابن نوح ؟ قلت : يقرؤها الناس على وجهين : ( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) و ( انه عمل غير صلاح ) (1) فقال : كذبوا هو ابنه ولكن الله عز وجل نفاه عنه حين خالفه في دينه .
   قال السيد عبد الله شبر في مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار في شرح هذا الخبر قوله على وجهين يعنى على وزن المصدر وعلى وزن الفعل وقراءة المصدر توهم انه تولد من الزنا وان الخيانة وقعت من امه كما حكى عن اكثر الجمهور وجعلوه المراد من قوله تعالى : ( تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (2) ، وقوله ( عليه السلام ) ( كذبوا ) يعني في القراءة الموهمة لذلك .

--------------------
(1) هود ـ 46 .
(2) التحريم ـ 10 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 86 _
   فان قيل : الذي قرأ على وزن الفعل الكسائي ويعقوب وسهيل والباقون على صيغة المصدر فما معنى نفيه ( عليه السلام ) منها مع انها من القراءة المتواترة قرأ بها اكثر السبعة واكثر العلماء على ان القراءات السبع كل متواترة نزل بها الروح الامين وعلى ذلك بنوا ما روى عنه ( صلى الله عليه وآله ) انه قال نزل القرآن على سبعة احرف ان المراد بها القراءات قيل الجواب من وجهين :
( الاول ) انا لا نسلم ان تواتر القراءات عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بل عن اربابها من القراء وهم آحاد من المخالفين استبدوا بآرائهم وجعلوا قراءتهم قسيمة لقراءة اهل البيت العالمين بالتنزيل والتأويل فيكون هذا الخبر قدحاً في تواترها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والثاني ان يكون التكذيب راجعاً الى تأويلهم قراءة المصدر بذلك التأويل القبيح الباطل فلا يكون راجعاً الى اصل القراءة . . . (1) .
   ومن ذلك ما ورد في قوله عز وجل : ( لَقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) ( التوبة ـ 119 ) ففي الاحتجاج عن الصادق ( عليه السلام ) ولامجمع عن الرضا ( عليه السلام ) ( لقد تاب اله بالنبي عن المهاجرين ) والقمي في تفسيره عن الصادق ( عليه السلام ) انه قال هكذا انزلت وفي الاحتجاج عنه ايضاً انه قال : واي ذنب كان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى تاب منه انما تاب الله به على أمته .
   ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى : ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ . . . ) الاية ففي المجمع عن السجاد والباقر والصادق ( عليهم السلام ) انهم قرأوا ( خالفوا ) والقمي عن العالم ( عليه السلام ) والكافي والعياشي عن الصادق ( عليه السلام ) مثله قال : لو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة .

--------------------
(1) مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار ج 2 ص 46 ـ 47 ط النجف المطبعة العلمية .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 87 _
   ومن ذلك ما ورد في قوله عز وجل : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ) ( الرعد ـ 12 ) ففي تفسير القمي عن الصادق ( عليه السلام ) ان هذه الاية قرئت عنده فقال لقارئها الستم عرباً فكيف تكون المعقبات من بين يديه ؟ وانما المعقب من خلفه فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا ؟ فقال انما انزلت : ( له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظنه بامر الله ) ومن ذا الذي يقدر ان يحفظ الشيء من امر الله ؟ وهم الملائكة المقربون الموكلون بالناس الخبر ومثله في تفسير العياشي .
   الى غير ذلك من الاحاديث المتظافرة المتواترة المعتبرة التي قال في شأنها العلامة المجلسي ( ره ) في مرآة العقول في شرح الكافي بعد الاشارة الى خبر هشام بن سالم : ولا يخفى ان هذا الخبر وكثير من الاخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي ان الاخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الاخبار رأساً بل ظني ان الاخبار في هذا الباب لا يقصر عن اخبار الامامة فكيف بثبوتها بالخبر . . . (1) .
   وقال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة : اللازم اما العمل بما قالوا من ان كل ما قرأت به القراء السبعة وورد عنهم في اعراب او كلام او نظام فهو الحق الذي نزل به جبرئيل ( عليه السلام ) من رب العالمين على سيد المرسلين وفيه رد لهذه الاخبار على ما هي عليه من الصحة والصراحة والاستشهاد وهذا ما لا يكاد يتجرأ عليه المؤمن بالله سبحانه ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) والائمة الاطهار ( عليهم السلام ) واما العمل بهذه الاخبار وبطلان ما قالوه وهو الحق الحقيق بالاتباع لذوي البصائر والافكار . . . (2) .
   ويمكن تأييده واعتضاده بما أفاده العلامة المحقق السيد حسين البروجردي في تفسير الصراط المستقيم بقوله : ان علم القراءة كان متداولا في زمان الائمة ( عليهم السلام ) حتى ان بعض اعاظم اصحابهم وثقاتهم والمقربين عندهم كانوا عارفين ماهرين بهذا العلم مثل حمران بن اعين الذي هو في غاية الجلالة عندهم ونهاية الاخلاص والاطاعة لهم .

--------------------
(1) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج 12 ص 525 .
(2) الحدائق الناضرة ج 8 ص 103 ـ 104 ط النجف .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 88 _
   وكان ماهراً في علم القراءة على قراءة حمزة القارئ والصادق ( عليه السلام ) امره بمناظرة الشامي في علم القراءة والشامي كان مريداً للمناظرة مع الصادق ( عليه السلام ) في هذا العلم حتى ان الشامي قال له حين أمر حمران بمناظرته انما اريدك اياك لاحمران فقال ( عليه السلام ) : ان غلبت حمران فقد غلبتني مناظرة فغلب حمران عليه .
   ومثله ابان بن تغلب الثقة الجليل فقد ذكروا في ترجمته : ان له قراءة مفردة مشهورة عند القراء وثعلبة بن ميمون الذي قالوا في ترجمته انه كان وجهاً في اصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية حسن العمل كثير العبادة والزهد وغيرهم من الاجلة الذين كانوا ماهرين في هذا العلم وفي غاية المتابعة والاطاعة للائمة الذين هم ( عليهم السلام ) قرروهم عليه ولم يتأملوا في علمهم ولا في عملهم .
   ومن المعلوم ان مراعاة هذا العلم لاجل العمل في مقام القراءة فلو لم يكن مشروعاً لكانوا يمنعون امثال هؤلاء الاجلة وخصوصاً مع تمكنهم من تحصيل ما هو ( من ) منصب الانبياء والاوصياء ، ويؤيد ما ذكرناه من كون هذا العلم متداولا عند اصحاب الائمة ( عليهم السلام ) على وجه يشعر بتقريرهم اياهم على ذلك ما رواه الكشي عن حمزة الطيار قال سألني ابو عبد الله ( عليه السلام ) عن قراءة القرآن فقلت ما انا بذلك فقال ( عليه السلام ) لكن ابوك قال : ثم قال ان رجلا من قريش كان لي صديقاً وكاان عالماً قارئاً فاجتمع هو وابوك عند ابي جعفر ( عليه السلام ) فقال : ليقبل كل منكما على صاحبه يسأل كل منكما صاحبه ففعلا فقال القرشي لابي جعفر ( عليه السلام ) : قد علمت ما اردت ان تعلمني ان في اصحابك مثل هذا قال ( عليه السلام ) : هو ذاك فكيف رأيت ذلك .
   وفي ترجمة حمران بن أعين عن رسالة ابي غالب الزراري : ان حمران ابن أعين من اكبر مشائخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم وكان احد حملة القرآن ومن بعده يذكر اسمه في القراءات وروى انه قرأ علي ابن جعفر ( عليه السلام ) وكان مع ذلك عالماً بالنحو واللغة .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 89 _
   وفي ترجمة ابان بن تغلب عن النجاشي : انه كان قارئاً من وجوه القرّاء فقيهاً لغوياً سمع من العرب وحكى عنهم وكان مقدماً في كل فن من العلم في القرآن والفقه والحديث الى ان قال : ولابان قراءة مفردة مشهورة عند القراء اخبرنا بها ابو الحسن التميمي عن احمد بن محمد بن سعيد عن محمد بن يوسف الرازي المقرىء عن ابي نعيم عن محمد بن موسى صاحب اللؤلؤ قال : سمعت ابان بن تغلب و ما رأيت احداً اقرأ منه قط يقول انما الهمزة رياضة وذكر قراءته الى آخرها .
   وذكر الشيخ في الفهرست مثله وذكر الاسناد الى قراءته المفردة وستسمع ان حمران بن اعين من مشايخ حمزة القارئ ، وفي التيسير والمجمع ان حمزة قرأ على الصادق ( عليه السلام ) وان الكسائي وهو أحد القرّاء السبعة قرأ على ابان بن تغلب وان الاعمش وابا اسحق السبيعي وابا الأسود الدؤلي كانوا ممن يؤخذ عنهم القراءة وذكر الشيخ في الفهرست في ترجمة عمر بن موسى : ان له كتاب قراءة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) .
   ثم ذكر الاسناد اليه وقل : هذا قراءة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال وما رأيت اعلم بالكتاب وناسخه ومنسوخه ومشكله واعرابه منه وفي ترجمة محمد ابن عياش انه له كتاب قراءة امير المؤمنين ( عليه السلام ) وكتاب قراءة أهل البيت ( عليهم السلام ) (1).
   أقول : والمستفاد من ذلك ان عمل القدماء وأصحاب الائمة كان على ما قدمنا ذكره ونبهنا عليه الا انه لما فقدت مصنفاتهم وكتبهم وقع الشيعة في حيرة ذكره منهم من الاقوال المتكاثرة وارتكاب التأويلات البعيدة والتفسيرات الركيكة والجنوح والنزوع الى مذاهب وأقوال واهية بعيدة غاية البعد عن أصول المذهب الحق .

--------------------
(1) تفسير الصراط المستقيم ج 3 ص 126 ـ 127 ـ 128 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 90 _
   كيف كان فالأجدر بنا بعد الاحاطة بأطراف الاقوال وما صدرناه بها وما استطرفناه في خاتمتها الى ان انتهى بنا المطاف الى هذا الموضع ان نقف وقفة عزم وثبات في طريق تحرير وتهذيب وتصحيح القراءات المنقولة الينا وبالخصوص في هذا العصر الذي ازدهرت فيه وسائل وطرق الاتصال بالماضي وسبر أغواره والوقوف على دقائقه واطرافه عن طريق توفر المصادر نفسها او سبل تحصيلها الكفيلة باعطاء زخم هائل من الادلة الممهدة والموصلة لضبط وتحقيق اصول ومسائل القراءات الصحيحة او الجائزة وضوباطهما وما يرتبط بهما من قريب أو بعيد بالاصل او بالعرض بالاعتماد على ما صح من أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) والائمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ومن يعتد به من العلماء والمفسرين وأقوال اللغويين واذا قامت البينة وتظافرت الادلة على صحتها وقوة وجهها وسلامتها من النقض والابرام ونفى ما عداها من القراءات التي تؤدي الى اظهار الآيات بمعان مشكلة مرفوضة تسيء الى قداءة الباري جل وعلا او احد الانبياء والرسل الماضين أو قداءة خاتم النبيين والمرسلين الرسول الاكرم محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) او اسقاط فضل او منقبة او كرامة وردت في الروايات المعتبرة في اسباب نزول الآيات لاحد الائمة من أهل بيت النبوة أو احد أخيار الصحابة أو تغيير حكم ثبت النصّ عليه من قبل الشارع أو نحو ذلك كما اشرنا الى بعض امثلة ذلك فيما تقدم ذكره .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 91 _
   ولا يخفى على الفطن الخبير والفهم النحرير ان ذلك كله يحتاج الى مصنف مبسوط الاطراف واسع الاكناف يكون عمدة للدراسين وطالبي الحق اليقين ثم لا يخفى ان ذلك مما لا يتنافى مع أصل القرآن بل لا يعد ضرباً من التحريف ولا فيه شيء من وجوه التوهين والتسخيف لقداسته ولا يفتخ على الشيعة الامامية اذا عملت به لبقية المذاهب سهام النقض والابرام والتعنيف فلكل طائفة من المسلمين كافة اليوم كما كان في سابق أيامهم وعنودهم الغابرة قراءة وتلاوة خاصة رجحوها على ما سواها وانتخبوها من جملة ما عداها سواء كانت من السبعة أو من كمال العشرة او ما زاد على ذلك كما يقف عليه المتتبع ولم يعد ذلك عزوفاً عن الحق او ترجيحاً للباطل او نقضاً لاصل القرآن مع ثبات أصله وتواتر متن سوره وآياته أو قدحاً لتلاوته وترتيله .
   واما الوقوف والمحسنات اللفظية الاخرى ففيها مسامحات جمة فلا مشاحة فيها اذ هي أمور اصطلاحية يصح فيها التعدد والاختلاف وتزداد همية ما نبهنا عليه اذا اسهمت اطروحته في تأصيل كتاب الله المقدس ونفى ما قد يتطرق اليه من التحريف والتأويلات الفاسدة والمذاهب الباطلة وللمزيد من التوسع ينبغي مراجعة كتابنا الكبير كنز القراء في تحقيق اصول الاقراء وفقنا اله لاتمامه والفوز بسعادة اختتامه .
   ومما يؤيد ما قدمناه لك ايضاً ما رواه العلامة المجلسي ( ره ) في البحر في مواضع منعددة ، فمنه ما رواه من اسباب كتابة المصحف واستنساخه وتكثيره للانتفاع به عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال ك ست خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته ولد صال يستغفر له ومصحف يقرأ منه . . . الخ (1) .

--------------------
(1) البحار ج 89 ص 34 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 92 _
   ومنه ما رواه في شأن ضبطه ومراعاة نظمه وأصول الاملاء في تدوينه بقوله وروي ان زيداً لما قرأ التابوة قال علي ( عليه السلام ) اكتبه التابوت فكتبه كذلك (1) .
   وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعدة طرق انه قال لبعض كتابه :
(أ) « الق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن ( الله ) ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على اذنك اليسرى فاه اذكر لك » (2) .
(ب) « اذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه » (3) .
(ج) « اذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن » (4) .
(د) « من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجودة تعظيماً لله غغفر الله له » (5) .
(و) « تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له » (6) .
   أقول : وما ذكر ههنا على جهة التمثيل واشرفية الذكر لا الحصر والا فان الحث والفضل المذكور يجري في سائل كلمات القرآن وآياته ، ومنه ما رواه في شأن شيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) وانهم من أهل البشارة بقراءته كما انزل : فعن امير المؤمنين ( عليه السلام ) انه قال كأني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما انزل » (7) ، وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : كأني بشيعة علي في ايديهم المثاني يعلمون القرآن (8) .

--------------------
(1) البحار ج 89 ص 53 .
(2 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6) البحار ج 89 ص 34 ـ 35 .
(7 ـ 8) البحار ج 89 ص 59 .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 93 _
( الطائفة الثانية )
   وهي التي دلت على نقصان القرآن في الجملة وتحريفه وتغييره وتقويضه فان الأنسب بأصول المذهب والأليق بالمشرب ان تؤول بما أفاده جملة من محققي أعلام الامامية ، كتصريح الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال ( قدس سره ) : ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال ان مرادهم ( عليهم السلام ) بالتحريف والتغيير والحذف انهم هو من حيث المعنى دون اللفظ فمعنى قولهم كذا نزلت ان المراد به ذلك لا يفهمه الناس من ظاهره وليس مرادهم انها نزلت كذلك في اللفظ فحذف ذلك اخفاءاً للحق واطفاءاً لنور الله .
   ومما يدل على هذا ما رواه الكافي باسناده عن ابي جعفر ( عليه السلام ) انه كتب في رسالته الى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب ان أقاموا حروفه وحرفوا حدونده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية الحديث (1) .
   واما مصحف ابي الحسن ( عليه السلام ) المدفوع الى ابن ابي نصرونهيه ( عليه السلام ) عن النظر فيه ونهى ابي عبد الله ( عليه السلام ) الرجل عن القراءة على غير ما يقرؤه الناس فيحتمل ان يكون ذلك تفسيراً منهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عز وجل ووفق ما انزل جل جلاله لا أن تكون تلك الزيادات بعينها أجزاء لألفاظه المنزلة . . . (2) .
   وقوله في كتابه الصافي في تفسير القرآن لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهو اهم والتغيير فيه ان وقع فانما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الان والضبط الشديد انما كان بعد ذلك فلا تنافى .

--------------------
(1) الكافي ج 8 ص 53 .
(2) المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء ج 2 ص 263 ـ 264 ط قم جامعة مدرسين ومثله ورد في تفسير الصافي ج 1 ص 34 ط طهران .

اتحـاف الفـقهـاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء _ 94 _
   وما قاله ابن شهر آشوب في كتابه ( متشابه القرآن ومحكمه ) : قوله سبحانه ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ( 17 / 75 ) دال على ان الله تعالى جامع للقرآن وقال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) واول محافظته ان يكون مجموعاً منه تعالى وقال : ( حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) ولفظ الكتاب والقرآن يدلان على كونه مجموعاً منه تعالى يقال كتبت الكتيبة وكتبت البغلة وكتبت الكتاب وقريب الماء في الحوض وقرى النمل وام القرى والقرية وقد ثبت ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قرأ القرآن وحصره وامر بكتابته على هذا الوجه وكان يقرأ كل سنة على جبرئيل مرة الا السنة التي قبض فيها فانه قرأ عليه مرتين وان جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن منهم ابي ابن كعب وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات وانه ( صلى الله عليه وآله ) فضل كل سورة وذكر فضل قاريها ولو لم يكن مجموعاً لما صح هذا كله ثم ان البخاري روى عن انس انه لم يحفظ القرآن من الصحابة الا أربعة كلهم من الانصارابي ومعاذ وزيد وابو زيد ولم يذكر الثالث فكيف يجمع من لم يحفظ وقيل للحسين بن علي ( عليه السلام ) ان فلاناً زاد في القرآن ونقص منه فقال ( عليه السلام ) : أو من بما نقض واكفر بما زاد والصحيح ان كل ما يروي في المصحف من الزيادة انما هو تأويل والتنزيل بحالة ما نقص منه وما زاد (1) .
   الى هنا ينتهي ما ارادنا ايراده في هذه العجالة وكان الفراغ من كتابته في شهر جمادي الثانية احد شهور سنة 1409 هـ (2) في مدينة قم حرسها الله تعالى من طوارق الحدثان بحق المودعة في ارضها عليها وعلى العترة الهادية من ابائها واخيها وبنيه أفضل الصلاة والسلام والحمد لله أولا وآخراً .

--------------------
(1) متشابه القرآن ومحكمه ج 2 ص 77 ط قم بيدار .
(2) وقد اعيد النظر فيه في موضعين منه في اواخر ربيع الثاني سنة 1410 هـ .