وعلى الجسر الذي يصل الشاطئين الأموي والعباسي ، أخذت جماعات من المجان والخلعاء تمر فوقه ، مخلفة وراءها الفضيلة التي صرعت على مذابح اللهو والمجون والخلاعة ، لتستقبل على الشاطئ الآخر الرذيلة وقد تجردت من ثيابها جميعا ، وبسطت ذراعيها إلى أقصاهما ، لتضم إلى أحضانها هؤلاء الوافدين من طلابها ، وتبلغ الغواية مداها ، ويتساقط الشباب تساقط الفراش المتهافت على النار ، وكلما اشتدت ظلمة الهاوية زاد عدد المتخبطين فيها ، وفي أعماقها السحيقة مضت جماعات من الشعراء تضرب على غير هدى ، وقد ألف اللهو بينهم ، وربط المجون بين أسبابهم ، كلهم فاسق ، وكلهم خليع ، وكلهم سكير ... وهذه المدرسة اللاهية ، هي التي أرست قواعد غزل النساء وغزل الغلمان ، وكلا اللونين لم يكونا تعبيرا عن عاطفة روحية ، وإنما كان تعبيرا عن لذة حسية ، فالغزل في هذه المدرسة ، لم يكن حديث العاطفة وإنما كان حديث الغريزة ، ولم يكن نجوى الروح وإنما كان نداء الجسد ، وعلى بناء هذه المدرسة كثرت طائفة الجواري والمغنيات في المجتمع الإسلامي ، وعلى أكتاف هذه المدرسة انتشرت الزندقة ودقت أوتادها ، وراج شعر الأديرة (3). ------------------------------- (1) حياة الشعر : 633 ـ 634 . (2) حياة الشعر : 633 . (3) حياة الشعر : 506 - 606 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم فلقد روى البخاري عن الزهري أنه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت (1) إن أنس لا يعرف حوله أي مظهر من المظاهر التي كانت على حياة رسول الله، إلا الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت ، وما ضاعت الصلاة في نهاية الطريق إلا عندما ضاع الحكم في أول الطريق وهذا هو الدليل ، أخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله (ص) قال : ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، أولهن نقضا الحكم وآخرهن ( الصلاة ) (2) . ثانياً : العواصف : 1 ـ قتل عثمان : في عهد عثمان بحث ولاة البيت الأموي عن الذهب والمتعة في كل مكان ، وفي نهاية عهد عثمان تعرضت الدولة لانتفاضتين سببهما واحد ، ظلم الولاة. الانتفاضة الأولى : مرت بهدوء ولكنها ألقت بظلالها على الثانية . ------------------------------- (1) البخاري : 13 / 1 . (2) الخصائص الكبرى / السيوطي : 265 / 2 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم أولا ، لم يكن في السياسة ما يشجع للدفاع عنها ، وهذه السياسة قام بتعريتها أبو ذر الغفاري حين فضح معاوية في الشام وعندما رده معاوية إلى عثمان قام الأخير بنفيه إلى الربذة ، وهذا الحدث ثابت في كتب التواريخ والسير وغيرها . ثانيا : إن السيدة عائشة أدلت بدلوها في الأحداث وأصدرت فتوى مبكرة في قتل عثمان وقالت : ( اقتلوا نعثلا فقد كفر ) . ثالثا : كان هناك من الولاة من يهمه انقلاب الأوضاع طمعا في التهام قطعة من أرض الأمة ، فعمرو بن العاص على سبيل المثال يذكر ، ابن سعد بأسانيده ، أن عثمان لما عزله عن مصر قدم إلى المدينة فجعل يطعن على عثمان فبلغ عثمان . فزجره فخرج إلى أرض فلسطين فأقام بها (1) : فهذه العوامل ، أي السياسة الخطأ وشحن ابن العاص لأهل المدينة ، وفتوى السيدة عائشة كل هذه عوامل تبرر هذا السكون الذي يرفع راية السلبية وأكبر رأس في الدولة محاصر ، ويضاف إلى هذا معاوية ، لقد روي أنه كان بالمدينة في أوائل الأحداث وعلم أن هناك خطورة على عثمان ومع ذلك لم نرى على امتداد الأحداث أن معاوية جاء بجيش جرار للدفاع عن رأس الأمويين، حتى أمراء الأجناد في المدينة وما حولها لم تر لجيادهم غبار ، فإن دل هذا على شئ فإنما يدل على اتفاق يقضي بالتضحية بثمرة لامتلاك بستان فيه كثير من الثمر ، فالأمراء من بني أمية والذهب في أيديهم وسحق القوى المعارضة مضمون ، وعن مثل هذه الأنماط البشرية يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم ، " كان في بني إسرائيل جدي في غنم كثيرة ترضعه أمه، فانفلت فرضع الغنم كلها ، ثم لم يشبع. فبلغ ذلك نبيهم ، فقال : إن هذا ------------------------------- (1) الإصابة : 61 / 6 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم إن عدم حركة بني أمية أثناء الحصار وعدم محاكمة قتلة عثمان بعد أن تولى معاوية خلافة المسلمين التي تاجر على أول أعتابها بقميص عثمان ، هي من معالم الفئة الباغية التي لا ينكرها أحد ، لقد كان السكون يدب في أرجاء المدينة ، ولم يكن في بيت عثمان للدفاع عنه سوى قلة من الرجال من بينهم الحسن والحسين ، جاؤوا لعلمهم بما سيحدث وفقا لأخبار الرسول بما سيجري بعده ، ففي الحديث عن يزيد ابن مريم عن أبيه قال ، (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حدثنا ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة (2) وعن حذيفة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما فلم يدع شيئا إلا ذكره إلى أن تقوم الساعة ، عقله من عقله ونسيه من نسيه ) فالحسنين كانت دائرة الذهن عندهم تراقب الأحداث ، فجاؤوا ليقيموا الحجة بأنهم ليسوا طرفا في طبخ الفتنة ، ولأن الفتنة واقعة لا محالة لأنها ثمرة لطريق طويل ، وقف الحسن والحسين في مربع المقتول وليس القاتل ، والوقوف في مربع المقتول ليس شهادة للمقتول ، وإنما لأن مربع القاتل في دائرته أصابع خفية ستحكم وعندما تحكم ستذيق أمة محمد الذل ألوانا ، وعن علي بن أبي طالب أنه قال عن صناع الفتن : ( ما من ثلاثمائة تخرج إلا ولو شئت سميت سائقها وناعقها إلى يوم القيامة ) (3) فحركت الأحداث عند أمير المؤمنين وأولاده معروفة لأن الرسول أخبر بأسماء رؤوس الهدم على امتداد التاريخ فعن حذيفة أنه قال : ( والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا ، والله ما ترك رسول الله من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا ، إلا وقد سماه لنا ، باسمه وسم أبيه واسم قبيلته ) (4) ، فحركة الإمام علي والحسنين حركة على بصيرة بالأحداث ، لذا وقفوا في مربع المقتول ليقيموا ------------------------------- (1) رواه الطبراني ( كنز العمال : 368 / 3 ) . (2) رواه البغوي وابن عساكر ( كنز العمال : 426 / 12) . (3) رواه الحاكم وأقره الذهبي ( كنز 472 / 4 ) . (4) رواه أبو داوود : حديث رقم 4222 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم وما هو ؟ قالا : رأينا الوليد وهو سكران من خمر شربها ، وهذا خاتمه أخذناه وهو لا يعقل وفي رواية المسعودي: وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فرزأهما ودفع في صدورهما وقال : تنحيا عني ، وفي رواية البلاذري : وقد يقال : إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا ، فأتوا عليا فشكوا إليه ، فأتى عثمان وقال ، عطلت الحدود وضربت قوما شهود على أخيك فقلبت الحكم ، وأخرج البلاذري : فأتى الشهود عائشة ، فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان ، وأن عثمان زبرهم ، فنادت عائشة : إن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود . وأخرج صاحب الأغاني ، أن عثمان قال ـ : أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة ، فسمعت فرفعت نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم ، وقالت : تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل ، فتسامع الناس فجاؤوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل ، أحسنت ، ومن قائل : ما للنساء ولهذا ؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال ، وأخرج البلاذري، وكان ذلك أول قتال بين المسلمين بعد النبي ، ومرت هذه الانتفاضة بسلام بعد أن أقيم الحد على الوليد بن عقبة ، فأما الانتفاضة الثانية فكان سببها أخو عثمان أيضا ولكن من الرضاعة، عبد الله بن أبي السرح وكان النبي قد أهدر دمه يوم الفتح ولكنه اختبأ عند عثمان والقصة ذكرناها من قبل ، ومن أسبابها أيضا مروان وهو ابن عم عثمان ومروان طرد النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم أباه ولعنه وذكرنا هذا من قبل . والخلاصة يقول فيها صاحب الإصابة : كان سبب قتل عثمان ، أن أمراء الأمصار، كانوا من أقاربه ، كان بالشام كلها معاوية وبالبصرة سعيد بن العاص وبمصر عبد الله بن أبي السرح وبخراسان عبد الله بن عامر ، وكان من حج من الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم وكتب لهم كتابا بتولية محمد بن أبي بكر ، فرضوا بذلك ، فلما كانوا في أثناء الطريق ، رأوا راكبا على راحلة ، فاستخبروه فأخبرهم أنه من عند عثمان باستقرار ابن أبي السرح ، ومعاقبة جماعة من أعيانهم ، فأخذوا الكتاب ورجعوا وواجهوه به ، فحلف أنه ما كتب ، فقالوا سلمنا كاتبك ، فخشي عليه من القتل ، وكان كاتبه مروان بن الحكم وهو ابن عمه ، فغضبوا ، وحاصروه في داره (1) . وروى ابن أعثم (2)، أن أم المؤمنين عائشة لما رأت اتفاق الناس على قتل عثمان قالت له : أي عثمان خصصت بيت مال المسلمين، لنفسك ، وأطلقت أيدي بني أمية على أموال المسلمين ، ووليتهم البلاد وتركت أمة محمد في ضيق وعسر ، قطع الله عنك بركات السماء وحرمك خيرات الأرض ، ولولا أنك تصلي الخمس لنحروك كما تنحر الإبل ، فقرأ عليها عثمان : ! ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين (3) وبعد ، أن فرغ عثمان كانت الفتوى ، أخرج الطبري وابن أعثم وابن الأثير وغيرهم ، أن أم المؤمنين قالت : ( اقتلوا نعثلا فقد كفر ) (4) وانتشرت الكلمة على الأفواه ، وخرجت السيدة عائشة قاصدة مكة ، ولم ينام بنو أمية على أعتاب دار عثمان ، ولم يبدو في الأفق غبار سرية من سرايا أمراء بني أمية الذين فتحوا البلدان ومصروا الأمصار . تبشر بفك الحصار المضروب على أكبر رأس في الدولة . والخلاصة : قتل عثمان ! 2 ـ أضواء على يوم الجمل : بعد دفن عثمان ، تهافت الصحابة الكبار على علي بن أبي طالب ، يطلبون ------------------------------- (1) الإصابة : 4 / 223 ـ 224 . (2) تاريخ ابن أعثم : 155 . (3) سورة التحريم ، الآية : 10 . (4) الطبري : 477 / 4 ، ابن الأثير : 87 / 3 ، ابن أعثم : 115 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ( لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شئ ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره ، ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شئ ، ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره ) (1) باختصار كان أمير المؤمنين يقف في دائرة مملوءة بالغرباء . وكان من أقواله في هذه الدائرة قول النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم ، ( طلب الحق غربة ) (2) لقد كان عليه أن يواجه الرؤوس ولكن القاعدة التي سيستند عليها في معظم الأحوال لم يسهر عليها ولم يربيها بنفسه ، وأمام هذه الحقيقة عندما طالب الصحابة بمبايعته تردد في أول الأمر ، ليس خوفا من الموقف ، وإنما لعلمه أن تقدمه سيفتح بابا إلى الجنة وبابا إلى النار ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل : من يحمل رايتك يوم القيامة يا رسول الله ؟ قال ، ( من يحسن من يحملها إلا من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب ) (3) لقد كان أمير المؤمنين يجد الطريق طويل وعليه يسقط الكثير وهذا ما كان يحزنه ، لكنهم عندما أصروا على مبايعته قبلها ومما ذكره الطبري: فأتاه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم ، فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله ، فقال ، لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإن لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضى المسلمين ، وروي بسند آخر: ( فجاء فصعد المنبر. فاجتمع الناس إليه . ------------------------------- (1) رواه أحمد ( الزوائد : 196 / 5 ) . (2) رواه ابن عساكر عن علي ( كنز العمال : 239 / 1 ) . (3) رواه الطبراني ( كنز العمال : 136 / 12 ) . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم وروي أن طلحة والزبير كانا ضمن الذين بايعوا الإمام ـ على مشهد من الناس ـ وحينما هم أمير المؤمنين لمباشرة أعماله التي بدأها بتغيير الولاة ، جرت الأحداث لتعميق كل هذا ، فلقد خرجت عليه السيدة عائشة وانضم إليها طلحة والزبير بعد أن نكثا ببيعتهما ومما رواه الطبري : أن عائشة سألت عن الأحداث وهي في طريقها إلى المدينة عبد الله بن أم كلاب ، فقال : قتلوا عثمان فمكثوا ثمانية ، قالت ، ثم صنعوا ماذا ؟ قال : أخذها أهل المدينة بالإجماع ، إجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : ردوني ردوني ، فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه ، فقال لها ابن أم كلاب : ولم ؟ فوالله إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر ، قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، ولد لملت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها :
فانصرفت إلى مكة ، فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر فتسترت ، واجتمع إليها الناس ، فقالت : ( يا أيها الناس إن عثمان قتل مظلوما ، والله لأنملة من عثمان خير من علي الدهر كله ) (2) وعلى أثر هذا بدأت الحركة ، وهذه الحركة كانت الحجة قد أقيمت عليها من النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم من قبل ، فقد روي أن الناس ذهبوا إلى حذيفة وقالوا : إن عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال : آمركم أن تلزموا عمارا ، قالوا : إن عمارا لا يفارق علي ، قال : إن الحسد هو أهلك الجسد ، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي ، فوالله لعلي أفضل من ------------------------------- (1) الطبري : 5 / 152 . (2) الطبري : 172 / 5 ، البلاذري : 91 / 5 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ترجعون إلى أمركم الأول (3) والأمر الأول يقف علي بن أبي طالب في قلب دائرته ، ويواصل النبي إقامة الحجة على حركة الأحداث فعن معاذة الغفارية قالت ، كنت أخرج مع رسول الله في الأسفار أقوم على المرضى وأداوي الجرحى ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة وعلي خارج من عندها ، فسمعته يقول لعائشة : إن هذا أحب الرجال إلي وأكرمهم علي . فاعرفي لي حقه واكرمي مثواه (4) وعن رافع مولى عائشة قال ، كنت غلاما أخدمها إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ، وإنه قال : عادي الله من عادى عليا (5) وعن ابن عباس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه : ليت شعري ، أيتكن صاحبة الجمل الأديب (أي الكثير الشعر) تخرج فتنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير (6) ، وأحاديث نباح كلاب الحوأب أخرجها أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم والبيهقي وأبو نعيم ، من هذا كله نعلم أن الحركة كلها تحت مظلة الحجة ، فالدين دين الله وحركته حركة ------------------------------- (1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقاة ( الزوائد : 243 / 7 ) . (2) فتح الباري : 85 / 13 وقال الهيثمي رجاله ثقاة ( الزوائد : 236 / 7 ) . (3) رواه الطبراني ( كنز العمال : 149 / 11 ) . (4) الإصابة : 183 / 8 . (5) الإصابة وقال ابن حجر رواه ابن منده وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه : 2 / 191 . (6) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح ( الزوائد : 234 / 3 ) . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم نبحت عليها الكلاب ، فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : الحوأب (3) ، قالت ، ما أظنني إلا راجعه فقال الزبير: لا ، تقدمي فيراك الناس ويصلح الله ذات بينهم . قالت : أظنني إلا راجعة ، سمعت رسول الله يقول : كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب (4) وذكر المسعودي أن الزبير قال لها : بالله ما هذا الحوأب ! ولقد غلط فيه من أخبرك به ، وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها ، فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب ، وشهد معها خمسون رجلا ممن كان معهم ، فكان ذلك أول شهادة زور أقيمت في الإسلام (5) . وتقدمت عائشة تاركة وراءها نصيحة العديد ومنهم جارية بن قدامة السعدي قال : يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح ، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك ، وإن كنت أتيتينا مكرهة فاستعيني بالناس في الرجوع (6) وقال لها زيد بن ------------------------------- (1) نهج البلاغة . (2) مروج الذهب : 390 / 2 . (3) الحوأب منزل بين البصرة ومكة . (4) الخصائص الكبرى / السيوطي 232 / 2 . (5) مروج الذهب : 367 / 2 ، البداية والنهاية : 232 / 7 . (6) البداية والنهاية : 233 / 7 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم وعندما التقى الجمعان دنا عمار من موضع عائشة وقال : ماذا تدعين ؟ قالت : الطلب بدم عثمان فقال : قاتل الله في هذا اليوم الباغي والطالب بغير الحق، ثم قال ، أيها الناس إنكم لتعلمون أينا الممالئ في قتل عثمان (2) وما أن انتهى عمار ، حتى جاء في اتجاه عائشة فوارس أربعة ، فهتفت عائشة : فيهم رجل عرفته إن أبي طالب ورب الكعبة ، سلوه ما يريد ؟ فقال لها أمير المؤمنين: أنشدك بالله الذي أنزل الكتاب مع رسوله (صلى الله عليه وآله) وسلم في بيتك أتعلمين أن رسول الله جعلني وصيا على أهله وفي أهله ، قالت : اللهم نعم . قال : فما لك ؟ قالت أطلب بدم أمير المؤمنين عثمان ، قال : أريني قتلة عثمان ، ثم انصرف (3) وقال لطلحة والزبير : أني أراكما قد جمعتما خيلا ورجالا وعددا ، فهل أعددتما عذرا يوم القيامة ، فاتقيا الله ، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (4) ثم قال لطلحة : نشدتك لله سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ قال : نعم قال ، فلم تقاتلني ؟ قال : لم أذكر وانصرف إلى المعسكر (5) ثم قال للزبير : ألم تذكر قول النبي لك ، إنك تقاتلني وأنت ظالم ؟ فقال ، اللهم نعم ، ولو ذكرت ما سرت سيري هذا ، والله لا أقاتلك (6) وكان علي قبل ذلك قد أقام الحجة في المسجد وقال للناس : أنشد الله من سمع رسول الله يقول يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه أن يقوم فقام ثلاثون رجلا ، وقالوا نشهد أننا قد ------------------------------- (1) البداية : 234 / 7 . (2) مروج الذهب : 371 / 2 . (3) رواه الطبراني ( كنز العمال : 238 / 7 ) . (4) البداية : 241 / 7 . (5) رواه الحاكم ( المستدرك : 371 / 3 ) . (6) البداية والنهاية 241 / 7. الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ولما سقط البعير على الأرض ، انهزم أصحابه وحمل هودج عائشة لتعود إلى بيتها ، وكان الهودج كالقنفذ من السهام ، ونادى منادي على الناس ، إنه لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح (4) ويقال أن أعين بن ضبعة اطلع في الهودج فقالت عائشة : إليك ، لعنك الله ، فقال : والله ما أرى إلا حميراء ، فقالت هتك الله سترك (5) ، وعن أبي ثابت مولى أبي ذر قال كنت مع علي يوم الجمل فلما رأيت عائشة دخلني بعض ما يدخل الناس ، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر ، فقاتلت مع أمير المؤمنين ، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة ، فأتيت أم سلمة ، فقلت أني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا ، ولكني مولى لأبي ذر . فقالت : مرحبا ، فقصصت عليها قصتي ، فقالت : أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت : إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس ، قالت : أحسنت ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض (6) . ------------------------------- (1) الطبري : 213 / 5 . (2) البداية والنهاية : 7 / 8 . (3) البداية والنهاية : 244 ، 266 / 7 . (4) البداية والنهاية : 245 / 7 . (5) البداية : 245 / 8 . (6) رواه الحاكم وأقره الذهبي ( المستدرك : 124 / 3 ) . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم لقد كان لموقعة الجمل أسبابا كثيرة في دوائر كثيرة قد تكون دوائر الحسد وقد تكون دوائر الطمع في الكرسي وقد تكون الطمع في المال ، وقد تكون لا هذا ولا ذاك ، وتكون الموقعة ضمن المخطط العام لبني أمية للسيطرة على جميع خزائن المال في الدولة ، وإشارة ذلك أن مروان ابن طريد رسول الله الحكم . كان في معسكر عائشة ضد علي ، لكن قلبه لم يكن مع عائشة ، وكان يعمل أعمال الطابور الخامس داخل صفوف الجمل ، روى البغوي بسند صحيح عن أبي سبرة ، قال ، لما كان يوم الجمل ، نظر مروان إلى طلحة فقال : لا أطلب ثأري بعد اليوم ، فنزع له بسهم فقتله وروي بسند صحيح عنه أنه قال : رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم ، فوقع في عين ركبته ، فما زال الدم يسبح إلى أن مات (2) وقتل مروان لطلحة مشهور وصرحت به جميع المصادر التي تعتني بهذه الأمور ، فمروان كان عضوا أصيلا في حركة هدامة تصنع الحدث وتراقبه ، وتستأصل في الأحداث كل من يمثل لهم عقبة من العقبات . والدليل على أن حركة الهدم تراقب الأحداث ، ما ذكره ابن كثير قال ، قام عمر بن العامر في الناس فقال ، إن صناديد الكوفة والبصرة قد تقاتلوا يوم الجمل ، ولم يبق مع علي إلا شرذمة قليلة من الناس ، وقد قتل الخليفة أمير المؤمنين عثمان . فالله الله في حقكم أن تضيعوه (3) ، قال ذلك عندما هرول إلى معاوية وعقد معه صفقة ، أن يساند معاوية في حربه ضد علي نظير أن يعطيه معاوية مصر طيلة حياته ، وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عن الزهري ، لما بلغ معاوية غلبة ------------------------------- (1) النهج الخطبة : 12 . (2) الإصابة : 292 / 3 . (3) البداية : 255 / 7 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم والخلاصة : لقد اعتبر الخلف أن معارك السلف كانت بين حق وحق وهذه المقولة قامت بتمييع أمور كثيرة ، والقضية لم تكن أبدا محاكمة الموتى ، وإنما هي النظر في خطوات الماضي التي تنطلق إلى الحاضر ، فقد يكون الماضي فتنة وهذه الفتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة وإنما تتعداهم وتصل إلى عقول التمييع والتلجيم والتكميم وتنطلق بهم إلى الدجال ، وما من فتنة صغيرة أو كبيرة منذ صنعت الدنيا إلا من أجل فتنة الدجال (2) قال تعالى : ( ! واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) (3) لقد أمر الله المؤمنين بأن يتقوا فهل من الاتقاء أن يقال إن معارك الماضي كانت بين حق وحق ؟ إن هذه الفتنة التي أمر الله باتقائها . قال عنها ابن كثير : قال السدي نزلت في أهل بدر ، فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا ... وقال مجاهد : هي أيضا لكم ، وفي قول لابن عباس : أمر الله المؤمنين أن لا يقربوا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم بعذاب (4) . 3 ـ أضواء على صفين وقتال الخوارج إذا جاز لنا أن نضع عنوانا لهذه الموقعة ، فإننا نختار قول النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم : ( علي يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ) (5) وعن علي أنه قال : ( أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار ) (6) وقال مرة ، والمال يعسوب الظلمة (7) ، كان مع علي في قتاله معاوية ثمانون بدريا ------------------------------- (1) فتح الباري : 85 / 13 . (2) حديث مخرج سابقا . (3) سورة الأنفال ، الآية : 25 . (4) ابن كثير في التفسير : 299 / 2 . (5) يعسوب أي ملك المؤمنين ، واليعسوب ملك النحل ، رواه ابن عدي ( كنز العمال : 14 / 11 ) . (6) رواه أبو نعيم ( 119 / 13 كنز العمال ) . (7) أبو نعيم ( كنز : 119 / 13 ) . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ( أبلغ عليا أني أقاتله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل ، وقد بلغ في طاعتهم لمعاوية أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة يوم الأربعاء ، ولقد أعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه عليها (2) والعمود الفقري لهذه المعركة كان عمار بن ياسر ، فهو ميزان الحركة ، من في صفه فهو على الحق ومن خالفه فهو من البغاة ، وفيه قال النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم : ( من عادى عمار عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله، (3) وكان عمار مع علي ، وقال النبي : ( إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق ، (4) وقال : ( دوروا مع كتاب الله حيث دار ) فقال الناس : ( يا رسول الله فإذا اختلف الناس ، فمع من نكون ؟ فقال ، أنظروا الفئة التي فيها ابن سمية ، فالزموها ، فإنه يدور مع كتاب الله ) (5) وعلي يدور مع كتاب الله ويقاتل معاركة على تأويله ، قال رسول الله: ( أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله ) (6) . وأهم العلامات التي وضعها الرسول (صلى الله عليه وآله) وسلم قوله : ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ) (7) فإذا كانوا يدعونه إلى النار فكيف يكون قتال السلف حق ضد حق ؟ وروي في بداية المعركة أن عمار خطب الناس فقال فيما ذكره الطبري : أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبتغون دم عثمان ، ويزعمون أنه قتل مظلوما ، والله ما قصدهم الأخذ بدمه ، ولا الأخذ بثاره ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا ، واستحلوها واستمرأوا ------------------------------- (1) البداية : 255 / 7 . (2) مروج الذهب : 41 / 3 . (3) رواه أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح ( الفتح الرباني : 329 / 22 ) . (4) رواه الطبراني ( كنز : 721 / 11 ) . (5) رواه الحاكم ( كنز العمال : 168 / 11 ) ، البداية 271 / 7 . (6) الإصابة : 22 / 1 وحديث قتال علي على التأويل أخرجها أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم . (7) رواه أحمد والبخاري وابن عساكر وابن أبي شيبة ( الفتح الرباني : 321 / 22 ، كنز العمال 724 / 11 ، البداية والنهاية : 269 / 7 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا ذلك ما تبعهم من الناس رجلان ، ولكانوا أذل وأخس وأقل ، ولكن قول الباطل له حلاوة في أسماع الغافلين ، فسيروا إلى الله سيرا جميلا ، واذكروا الله ذكرا كثيرا (1) . وقال : والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة ، والذي نفسي بيده لو ضربونا حتن يبلغوا بنا سعفات هجر ، لعرفت أن مصلحنا على الحق وأنهم على الضلالة (2) وقال : من سره أن يكتنفه الحور العين فليتقدم بين الصفين محتسبا (3) وأنشد شعرا يقول فيه : نحن ضربناكم على تنزيله ، واليوم يضربكم على تأويله ضربا يزيل الهام عن مقيله ، ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله (4) . وكان علي (عليه السلام ) قد خاطب معاوية مرات عديدة كي يدخل في الجماعة ، ويكف عن تعبئة الناس للحرب ولكن معاوية رفض جميع المبادرات السلمية ، ومارس هو وطابوره كل الأعمال لعرقلة مسيرة الاصلاح وعندما جاء القتال ذكر علماء التاريخ وغيرهم ، أن عليا بارز في أيام صفين وقاتل وقتل خلفا حتى ذكر بعضهم أنه قتل خمسمائة ، ونادى علي : ويحك يا معاوية ، ابرز إلي ولا تفني العرب بيني وبينك ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : اغتنمه فقال له معاوية : والله لقد علمت أن عليا لم يقهر قط ، وإنما أردت قتلي لتصيب ------------------------------- (1) البداية والنهاية : 292 / 7 . (2) رواه أحمد ( البداية : 267 / 7 ) . (3) أخرجه ابن أبي شيبة ( فخ الباري : 86 / 13 ) . (4) تاريخ الشعر : 354 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم قتل من الفريقين فيما ذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه ، نحو سبعين ألفا ، وقيل كانوا أكثر من ذلك ، ويقال كان بينهم أكئر من سبعين زحفا (2) وعلى امتداد المعارك قتل عمار ، وكان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وسلم قد أخبر بأن آخر زاد له من الدنيا ضياح من لبن ، يقول حبة بن جوين : شهدت عمار يوم قتل وهو يقول : إئتوني بآخر رزق لي في الدنيا ، فأتي بضياح من لبن في قدح له حلقة حمراء ، وقال : اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه ، ثم قاتل حتى قتل (3) وبعد قتل عمار التهبت المعارك وشارك فيها نفر من الذين اعتزلوا القتال ، بعد أن تبينوا أن معسكر معاوية على الضلالة ، فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك ، قال لمعاوية ، هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ، ولا يزيدهم إلا فرقة ؟ قال : نعم قال نرفع المصاحف ثم نقول هذا حكم بيننا وبينكم ، فإن بعضهم سيقول ينبغي أن نقبل فتكون فرقة بينهم ، وإن قبلوا رفعنا القتال عنا إلى أجل ، فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا : هذا حكم كتاب الله بيننا وبينكم ، فلما رآها الناس قالوا نجيب إلى كتاب الله (4) . لقد تاجروا بما تأولوه ووضعوه في غير موضعه ، تاجروا بالمصحف الذي أخفوه تحت أغطية الرأي ، ودخلت الحيلة على الأجيال التي شبت في عالم الرأي ، وطالبوا الأمير بأن يقبل التحكيم ، فقال : ( عباد الله! إمضوا إلى حقكم وصدقكم ، وقتال عدوكم ، فإن معاوية وعمرو بن العاص ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وأنا أعرف بهم منكم ، صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فهم شر أطفال ------------------------------- (1) البداية : 264 / 7 ، ابن الأثير : 158 / 3 . (2) فخ الباري : 86 / 13 . (3) ابن الأثير : 157 ، 161 / 3 . (4) الطبري : 48 / 6 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون ( (3) ، فقال له بعض القراء الذين صاروا خوارج فيما بعد : يا علي أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم ، فقال : فاحفظوا عني نهي إياكم . واحفظوا مقالتكم لي ، فإن تطيعوني فقاتلوا ، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم (4) ، وكان النبي صلى عليه وآله وسلم ، قد أخبر عن اختلاف الأمة بعد موته ، وأن دائرة هذا الاختلاف ستتسع عند تحكيم حكمين ، فقال : ( إن بني إسرائيل اختلفوا ، فلم يزل اختلافهم بينهم ، حتى بعثوا حكمين فضلا وأضلا . وإن هذه الأمة ستختلف فلا يزال اختلافهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضلا وضل من اتبعهما ( (5) واتفق الطرفان على الحكمين وارتضى معسكر معاوية بابن العاص حكما وارتضى الذين في معسكر أمير المؤمنين أبو موسى الأشعري حكما ، ولكن أمير المؤمنين اعترض وقال ( إني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى أن أوليه ) فقالوا : لكنا لا نرضى إلا به ، فقال لهم ، افعلوا ما شئتم (6) واحفظوا عني نهي إياكم ، واحفظوا مقالتكم لي (7) ، وبدأ التحكيم ، وكما بدأت الحركة بخدعة المصاحف أنهت الموقف ------------------------------- (1) ابن أبي الحديد : 426 / 1 ، البداية : 274 / 7 ، الطبري : 48 / 6 ، ابن الأثير : 161 / 3 . (2) أبي الحديد : 426 / 1 . (3) البداية : 299 / 7 . (4) ابن الأثير : 161 / 3 . (5) أخرجه البيهقي ( الخصائص الكبرى : 234 / 2 ) . (6) الطبري : 038 / 6 . (7) البداية : 274 / 7 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم فقال أبو موسى لعمرو : ما لك ، لا وفقك الله ، غدرت وفجرت إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا فقال له عمرو : بل إياك يلعن الله ، كذبت وغدرت ، إنما مثلك مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، ثم وكز أبا موسى فألقاه لجنبه (2) وهكذا اكتملت المأساة وصار مصير الأمة يلهو به من مثله كمثل الحمار والكلب ، وهكذا خضع كل شئ للتجارة بعد رحيل النبي بزمن يسير . وعندما علم أمير المؤمنين بهذه الخدعة قال : قد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر ، ولكن أبيتم إلا ما أردتم ألا إن هذين الرجلين الذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه ، بغير هدى من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين، استعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام (3) وكان معسكر أمير المؤمنين قد انشق قبل التحكيم وظهرت الخوارج على مسرح الأحداث وكانوا قد أنكروا تحكيم الرجال ، فبعث إليهم يخبرهم بالنتيجة التي أسفر عنها رفع المصاحف ، وقال لهم : فإذا بلغكم كتابي هذا ------------------------------- (1) ابن الأثير : 168 / 3 . (2) المسعودي : 41 / 2 ، ابن الأثير : 168 / 3 . (3) ابن الأثير : 171 / 3 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم وبينما أمير المؤمنين يستعد لقتال معاوية قتل الخوارج بعض من شيعته وكان فيهم أطفالا ، وأتى الخبر عليا والناس معه فقالوا يا أمير المؤمنين علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفونا في عيالنا وأموالنا سر بنا إلى القوم ، فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام ، وسار أمير المؤمنين لقتال الخوارج ، وقال قبل بدء قتالهم : ... ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة ، ونبأتكم أنها مكيدة ، وإن القوم ليسوا بأصحاب دين فعصيتموني ، فلما فعلت شرط واستوثقت على الحكمين أن يحيا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات القرآن ، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة . فنبذنا أمرهما ونحن على الأمر الأول فمن أين أنتم ؟ قالوا : إنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا ، وكنا بذلك كافرين ، وقد تبنا ، فإن تبت فنحن معك ومنك ، وإن أبيت فإنا منابذوك على سواء ، فقال علي : أصابكم حاصب ولا بقي منكم وابر ، أبعد إيماني برسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله ، أشهد على نفسي بالكفر ، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ، ثم انصرف ------------------------------- (1) ابن الأثير : 171 / 4 . (2) ابن الأثير : 174 / 3 . الانحرافات الكبرى القرى الظالمة في القرآن الكريم قالوا : النهروان ، قال : صدق رسول الله وكذبتم إنه لفيهم ، فالتمسوه ، فوجدوه وجاؤوا به وعليه العلامة التي قد قالها لهم ، فكبر علي (عليه السلام ) ، وعندما سمع أحد أبنائه يقول ، الحمد لثه الذي أراح أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وسلم من هذه العصابة ، قال أمير المؤمنين: لو لم يبق من أمة محمد إلا ثلاثة لكان أحدهم على رأي هؤلاء ، أنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء (2) . لقد كشف أمير المؤمنين عن مناهج ثلاث داخل البيت الإسلامي : أحدهما : على رأي الخوارج . والثاني : على رأي أهل الشام . ------------------------------- (1) ابن الأثير : 174 / 3 . (2) رواه الطبراني في الأوسط ( كنز : 291 / 11 ) . |