تأليف
أبي البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري
(538 - 616 ه‍)
الجزء الثاني


سورة الانفال
بسم الله الرحمن الرحيم

  قال الشيخ الامام العالم محب الدين أبو البقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري رحمه الله تعالى ، ورحم أسلافه بمحمد وآله وأصحابه وأنصاره : الحمد لله الذى وفقنا لحفظ كتابه ، وأوقفنا على الجليل من حكمه وأحكامه وآدابه ، وألهمنا تدبر معانيه ووجوه إعرابه ، وعرفنا تفنن أساليبه من حقيقته ومجازه وإيجازه وإسهابه ، أحمده على الاعتصام بأمتن أسبابه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مؤمن بيوم حسابه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبرز في لسنه وفصل خطابه ، ناظم حبل الحق بعد انقضابه ، وجامع شمل الدين بعد انشعابه ، صلى الله عليه وآله وأصحابه ، ما استطار برق في أرجاء سحابه ، واضطرب بحر بآذيه وعبابه.
  أما بعد : فإن أولى ما عنى باغى العلم بمراعاته ، وأحق ما صرف العناية إلى معاناته.
  ما كان من العلوم أصلا لغيره منها ، وحاكما عليها ولها فيما ينشأ من الاختلاف عنها ، وذلك هو القرآن المجيد ، الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، وهو المعجز الباقي على الابد ، والمودع أسرار المعاني التى لا تنفد ، وحبل الله المتين ، وحجته على الخلق أجمعين.
  فأول مبدوء به من ذلك تلقف ألفاظه عن حفاظه ، ثم تلقى معانيه ممن يعانيه ، وأقوم طريق يسلك في الوقوف على معناه ، ويتوصل به إلى تبيين أغراضه ومغزاه ، معرفة إعرابه واشتقاق مقاصده من أنحاء خطابه ، والنظر في وجوه القرآن المنقولة عن الائمة الاثبات .
  والكتب المؤلفة في هذا العلم كثيرة جدا ، مختلفة ترتيبا وحدا ، فمنها المختصر حجما وعلما ، ومنها المطول بكثرة إعراب الظواهر ، وخلط الاعراب بالمعانى ، وقلما تجد فيها مختصر الحجم كثير العلم ، فلما وجدتها على ما وصفت ، أحببت أن أملى كتابا يصغر حجمه يكثر علمه ، أقتصر فيه على ذكر الاعراب ووجوه القراء‌ات ، فأتيت به على ذلك ، والله أسأل أن يوفقنى فيه لاصابة لصواب ، وحسن القصد به بمنه وكرمه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 4 _

  قوله تعالى ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ ) إذ في موضع نصب : أى واذكروا ، والجمهور على ضم الدال ، ومنهم من يسكنها تخفيفا لتوالى الحركات ، و (إحدى) مفعول ثان ، و ( أَنَّهَا لَكُمْ ) في موضع نصب بدلا من إحدى بدل الاشتمال ، والتقدير : وإذ يعدكم الله ملكة إحدى الطائفتين.
  وله تعالى ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ) يجوز أن يكون بدلا من إذ الاولى ، وأن يكون التقدير : اذكروا ، ويجوز أن يكون ظرفا لتودون (بألف) الجمهور على إفراد لفظة الالف ، ويقرأ بآلف على أفعل مثل أفلس ، وهو معنى قوله ( بِخَمْسَةِ آلافٍ ) (مردفين) يقرأ بضم الميم وكسر الدال وإسكان الراء ، وفعله أردف ، والمفعول محذوف : أى مردفين أمثالهم ، ويقرأ بفتح الدال على مالم يسم فاعله : أى أردفوا بأمثالهم ، ويجوز أن يكون المردفون من جاء بعد الاوائل : أى جعلوا ردفا للاوائل ، ويقرأ بضم الميم وكسر الدال وتشديدها ، وعلى هذا في الراء ثلاثة أوجه : الفتح وأصلها مرتدفين ، فنقلت حركة التاء إلى الراء وأبدلت ذالا ليصح إدغامها في الدال ، وكان تغيير التاء أولى لانها مهموسة والدال مجهورة ، وتغيير الضعيف إلى القوى أولى.
  والثانى كسر الراء على إتباعها لكسرة الدال ، أو على الاصل في التقاء الساكنين.
  والثالث الضم إتباعا لضمة الميم ، ويقرأ بكسر الميم والراء على إتباع الميم الراء ، وقيل من قرأ بفتح الراء وتشديد الدال فهو من ردف بتضعيف العين للتكثير ، أو أن التشديد بدل من الهمزة كأفرجته وفرجته.
  قوله تعالى ( وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ) الهاء هنا مثل الهاء التى في آل عمران.
  قوله تعالى ( إِذْ يُغَشِّيكُمْ ) ( إذ ) مثل ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ) ويجوز أن يكون ظرفا لما دل عليه ( عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ويقرأ ( يغشاكم ) بالتخفيف والالف ، و (النعاس) فاعله ، ويقرأ بضم الياء وكسر الشين وياء بعدها ، والنعاس بالنصب : أى يغشيكم الله النعاس ، ويقرأ كذلك إلا أنه بتشديد الشين و (أمنة) مذكور في آل عمران ( مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ ) الجمهور على المد والجار صفة له ، ويقرأ شاذا بالقصر وهى بمعنى الذى ( رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) الجمهور على الزاى ، ويراد به هنا الوسواس ، وجاز أن يسمى رجزا لانه سبب للرجز وهو العذاب ، وقرئ بالسين ، وأصل الرجس الشئ القذر ، فجعل مايفضى إلى العذاب رجسا استقذارا له.
  قوله تعالى ( فَوْقَ الأَعْنَاقِ ) هو ظرف لاضربوا ، وفوق العنق الرأس ، وقيل هو مفعول به ، وقيل فوق زائدة (منهم) حال من ( كُلَّ بَنَانٍ ) أى كل بنان

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 5 _
  كائنا منهم ، ويضعف أن يكون حالا من بنان إذ فيه تقديم حال المضاف إليه على المضاف (ذلك) أى الامر ، وقيل ذلك مبتدأ ، و (بأنهم) الخبر : أى ذلك مستحق بشقاقهم ( وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ ) إنما لم يدغم لان القاف الثانية ساكنة في الاصل وحركتها هنا لالتقاء الساكنين فهى غير معتد بها.
  قوله تعالى ( ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ ) أى الامر ذلكم ، أو ذلكم واقع أو مستحق ، ويجوز أن يكون في موضع نصب : أى ذوقوا ذلكم ، وجعل الفعل الذى بعده مفسرا له ، والاحسن أن يكون التقدير : باشروا ذلكم فذوقوه ، لتكون الفاء عاطفة ( وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ) أى والامر أن للكافرين.
  قوله تعالى (زحفا) مصدر في موضع الحال ، وقيل هو مصدر للحال المحذوفة : أى تزحفون زحفا ، و (الادبار) مفعول ثان لتولوهم.
  قوله تعالى ( مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً ) حالان من ضمير الفاعل في يولهم.
  قوله تعالى (ذلكم) أى الامر ذلكم (و) الامر ( أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ ) بتشديد الهاء وتخفيفها ، وبالاضافة والتنوين وهو ظاهر.
  قوله تعالى ( وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) يقرأ بالكسر على الاستئناف ، وبالفتح على تقدير : والامر أن الله مع المؤمنين.
  قوله تعالى ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ) إنما جمع الصم وهو خبر شر ، لان شرا هنا يراد به الكثرة ، فجمع الخبر على المعنى ، ولو قال الاصم لكان الافراد على اللفظ والمعنى على الجمع.
  قوله تعالى ( لا تُصِيبَنَّ ) فيها ثلاثة أوجه : أحدها أنه مستأنف ، وهو جواب قسم محذوف : أى والله لا تصيبن الذين ظلموا خاصة بل تعم.
  والثانى أنه نهى ، والكلام محمول على المعنى كما تقول : لا أرينك هاهنا : أى لاتكن هاهنا ، فإن من يكون هاهنا أراه ، وكذلك المعنى هنا ، إذ المعنى لاتدخلوا في الفتنة فإن من يدخل فيها تنزل به عقوبة عامة.
  والثالث أنه جواب الامر ، وأكد بالنون مبالغة ، وهو ضعيف لان جواب الشرط متردد فلا يليق به التوكيد ، وقرئ في الشاذ ( لتصيبن ) بغير ألف.
  قال ابن جنى : الاشبه أن تكون الالف محذوفة كما حذفت في أم والله.
  وقيل في قراء‌ة الجماعة : إن الجملة صفة لفتنة ، ودخلت النون على المنفى في غير القسم على الشذوذ.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 6 _
  قوله تعالى (تخافون) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة كالذى قبله : أى خائفون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في مستضعفون.
  قوله تعالى ( وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ) يجوز أن يكون مجزوما عطفا على الفعل الاول وأن يكون نصبا على الجواب بالواو.
  قوله تعالى ( وَإِذْ يَمْكُرُ ) هو معطوف على ( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ ).
  قوله تعالى ( هُوَ الْحَقَّ ) القراء‌ة المشهورة بالنصب ، وهو هاهنا فصل ، ويقرأ بالرفع على أن : هو مبتدأ ، والحق خبره ، والجملة خبر كان ، و ( مِنْ عِنْدِكَ ) حال من معنى الحق : أى الثابت من عندك ( مِنْ السَّمَاءِ ) يجوز أن يتعلق بأمطر ، وأن يكون صفة لحجارة.
  قوله تعالى ( أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ ) أى في أن لا يعذبهم ، فهو في موضع نصب أو جر على الاختلاف ، وقيل هو حال ، وهو بعيد لان ( أن ) تخلص الفعل للاستقبال.
  قوله تعالى ( وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ ) الجمهور على رفع الصلاة ونصب المكاء ، وهو ظاهر ، وقرأ الاعمش بالعكس وهى ضعيفة ، ووجهها أن المكاء والصلاة مصدران ، والمصدر جنس ، ومعرفة الجنس قريبة من نكرته ، ونكرته قريبة من معرفته ، ألا ترى أنه لافرق بين خرجت فإذا الاسد أو فإذا أسد ، ويقوى ذلك أن الكلام قد دخله النفى والاثبات ، وقد يحسن في ذلك مالا يحسن في الاثبات المحض ألا ترى أنه لا يحسن كان رجل خيرا منك ، ويحسن ماكان رجلا إلا خيرا منك ؟ وهمزة المكاء مبدلة من واو لقولهم مكا يمكو ، والاصل في التصدية تصددة ، لانه من الصد ، فأبدلت الدال الاخيرة ياء لثقل التضعيف ، وقيل هى أصل وهو من الصدى الذى هو الصوت.
  قوله تعالى (ليميز) يقرأ بالتشديد والتخفيف ، وقد ذكر في آل عمران ، و (بعضه) بدل من الخبيث بدل البعض : أى بعض الخبيث على بعض ، ويجعل هنا متعدية إلى مفعول بنفسها ، وإلى الثانى بحرف الجر ، وقيل الجار والمجرور حال تقديره : ويجعل بعض الخبيث عاليا على بعض.
  قوله تعالى ( نِعْمَ الْمَوْلَى ) المخصوص بالمدح محذوف : أى نعم المولى الله سبحانه.
  قوله تعالى ( أَنَّمَا غَنِمْتُمْ ) ( ما ) بمعنى الذى : والعائد محذوف ، و ( مِنْ شَيْءٍ ) حال من العائد المحذوف تقديره : ماغنمتموه قليلا وكثيرا ( فَأَنَّ لِلَّهِ ) يقرأ بفتح الهمزة.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 7 _
  وفى الفاء وجهان : أحدهما أنها دخلت في خبر الذى لما في الذى من معنى المجازاة ، و ( أن ) وماعملت فيه في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالحكم أن لله خمسه.
  والثانى أن الفاء زائدة و ( أن ) بدل من الاولى ، وقيل ( ما ) مصدرية والمصدر بمعنى المفعول : أى واعلموا أن غنيمتكم : أى مغنومكم ، ويقرأ بكسر الهمزة في ( أن ) الثانية على أن تكون ( أن ) وما عملت فيه مبتدأ وخبرا في موضع خبر الاولى والخمس بضم الميم وسكونها لغتان قد قرئ بهما ( يَوْمَ الْفُرْقَانِ ) ظرف لانزلنا أو لآمنتم ( يَوْمَ الْتَقَى ) بدل من يوم الاول ، ويجوز أن يكون ظرفا للفرقان لانه مصدر بمعنى التفريق.
  قوله تعالى ( إِذْ أَنْتُمْ ) إذ بدل من يوم أيضا ، ويجوز أن يكون التقدير : اذكروا إذ أنتم ، ويجوز أن يكون ظرفا لقدير ، والعدوة بالضم والكسر لغتان قد قرئ بهما (القصوى) بالواو ، وهى خارجة على الاصل ، وأصلها من الواو ، وقياس الاستعمال أن تكون القصيا لانه صفة كالدنيا والعليا ، وفعلى إذا كانت صفة قلبت واوها ياء فرقا بين الاسم والصفة (والركب) جمع راكب في المعنى ، وليس بجمع في اللفظ ، ولذلك تقول في التصغير ركيب كما تقول فريخ ، و ( أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) ظرف : أى والركب في مكان أسفل منكم : أى أشد تسفلا ، والجملة حال من الظرف الذى قبله ، ويجوز أن تكون في موضع جر عطفا على أنتم : أى وإذ الركب أسفل منكم ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ ) أى فعل ذلك ليقضى (ليهلك) يجوز أن يكون بدلا من ليقضى بإعادة الحرف ، وأن يكون متعلقا بيقضى أو بمفعولا ( مَنْ هَلَكَ ) الماضى هنا بمعنى المستقبل ، ويجوز أن يكون المعنى : ليهلك بعذاب الآخرة من هلك في الدنيا منهم بالقتل ( مَنْ حَيَّ ) يقرأ بتشديد الياء وهو الاصل لان الحرفين متماثلان متحركان ، فهو مثل شد ومد ، ومنه قول عبيد :

عـيوا  بـأمرهم iiكما      عيت ببيضتها الحمامه
  ويقرأ بالاظهار وفيه وجهان : أحدهما أن الماضى حمل على المستقبل وهو يحيا ، فكما لم يدغم في المستقبل لم يدغم في الماضى ، وليس كذلك شد ومد فإنه يدغم فيهما جميعا.
  والوجه الثانى أن حركة الحرفين مختلفة ، فالاولى مكسورة والثانية مفتوحة ، واختلاف الحركتين كاختلاف الحرفين ، ولذلك أجازوا في الاختيار لححت عينه وضبب البلد إذا كثر ضبه ، ويقوى ذلك أن الحركة الثانية عارضة ، فكان الياء الثانية ساكنة ، ولو سكنت لم يلزم الادغام ، وكذلك إذا كانت في تقدير الساكن ، والياآن

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 8 _
  أصل وليست الثانية بدلا من واو ، فأما الحيوان فالواو فيه بدل من الياء ، وأما الحواء فليس من لفظ الحية ، بل من حوى يحوى إذا جمع ، و ( عَنْ بَيِّنَةٍ ) في الموضعين يتعلق بالفعل الاول.
  قوله تعالى ( إِذْ يُرِيكَهُمْ ) أى اذكروا ، ويجوز أن يكون ظرفا لعليم.
  قوله تعالى ( فتفشلوا ) في موضع نصب على جواب النهى ، وكذلك ( وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) ويجوز أن يكون فتفشلوا جزما عطفا على النهى ، ولذلك قرئ ( ويذهب ريحكم ).
  قوله تعالى ( بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ ) مفعول من أجله أو مصدر في موضع الحال (ويصدون) معطوف على معنى المصدر.
  قوله تعالى ( لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ ) غالب هنا مبنية ، ولكم في موضع رفع خبر لا ، واليوم معمول الخبر ، و ( مِنْ النَّاسِ ) حال من الضمير في لكم ، ولايجوز أن يكون اليوم منصوبا بغالب ، ولا من الناس حالا من الضمير في غالب ، لان اسم ( لا ) إذا عمل فيما بعده لا يجوز بناؤه ، والالف في (جار) بدل من واو لقولك جاورته ، و ( عَلَى عَقِبَيْهِ ) حال.
  قوله تعالى ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ ) أى اذكروا ويجوز أن يكون ظرفا لزين أو لفعل من الافعال المذكورة في الآية مما يصح به المعنى.
  قوله تعالى (يتوفى) يقرأ بالياء ، وفى الفاعل وجهان : أحدهما (الملائكة) ولم يؤنث للفصل بينهما ولان تأنيث الملائكة غير حقيقى ، فعلى هذا يكون ( يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ) حالا من الملائكة أو حالا من الذين كفروا ، لان فيها ضميرا يعود عليهما.
  والثانى أن يكون الفاعل مضمرا : أى إذ يتوفى الله والملائكة على هذا مبتدأ ، ويضربون الخبر ، والجملة حال ولم يحتج إلى الواو لاجل الضمير : أى يتوفاهم والملائكة يضربون وجوههم ، ويقرأ بالتاء والفاعل الملائكة.
  قوله تعالى (كدأب) قد ذكر في آل عمران مايصح منه إعراب هذا الموضع.
  قوله تعالى ( وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يقرأ بفتح الهمزة تقديره : ذلك بأن الله لم يك مغيرا وبأن الله سميع ، ويقرأ بكسرها على الاستئناف.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 9 _
  قوله تعالى ( الَّذِينَ عَاهَدْتَ ) يجوز أن يكون بدلا من الذين الاولى ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف : أى هم الذين ، ويجوز أن يكون نصبا على إضمار أعنى ، و (منهم) حال من العائد المحذوف.
  قوله تعالى ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ ) إذ أكدت أن الشرطية بما أكد فعل الشرط بالنون ليتناسب المعنى ( فَشَرِّدْ بِهِمْ ) الجمهور على الدال وهو الاصل ، وقرأ الاعمش بالذال وهو بدل من الدال ، كما قالوا : خراديل وخراذيل ، وقيل هو مقلوب من شذر بمعنى فرق ، ومنه قولهم : تفرقوا شذر مذر ، ويجوز أن تكون من شذر في مقاله إذا أكثر فيه ، وكل ذلك تعسف بعيد.
  قوله تعالى ( فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ ) أى عهدهم فحذف المفعول ، و ( عَلَى سَوَاءٍ ) حال.
  قوله تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ ) يقرأ بالتاء على الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ، والمفعول الثانى (سبقوا) ويقرأ بالياء ، وفى الفاعل وجهان : أحدهما هو مضمر : أى يحسبن من خلفهم ، أو لا يحسبن أحد ، فالاعراب على هذا كإعراب القراء‌ة الاولى.
  والثانى أن الفاعل الذين كفروا ، والمفعول الثانى سبقوا ، والاول محذوف : أى أنفسهم ، وقيل التقدير : أن سبقوا ، وأن هنا مصدرية مخففة من الثقيلة حكى عن الفراء وهو بعيد لان أن المصدرية موصولة ، وحذف الموصول ضعيف في القياس شاذ في الاستعمال ( إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ) أى لا يحسبوا ذلك لهذا ، والثانى أنه (1) متعلق بتحسب إما مفعول أو بدل من سبقوا ، وعلى كلا الوجهين تكون لازائدة وهو ضعيف لوجهين : أحدهما زيادة لا والثانى أن مفعول حسبت إذا كان جملة وكان مفعولا ثانيا كانت فيه إن مكسورة لانه موضع مبتدأ وخبر.
  قوله تعالى ( مِنْ قُوَّةٍ ) هو في موضع الحال من ( ما ) أو من العائد المحذوف في استطعتم ( تُرْهِبُونَ بِهِ ) في موضع الحال من الفاعل في اعدلوا ، أو من المفعول لان في الجملة ضميرين يعودان إليهما.
  قوله تعالى (للسلم) يجوز أن تكون اللام بمعنى إلى ، لان جنح بمعنى مال ، ويجوز أن تكون معدية للفعل بنفسها وأن تكون بمعنى من أجل ، والسلم بكسر السين وفتحها لغتان ، وقد قرئ بهما وهى مؤنثة ، ولذلك قال ( فَاجْنَحْ لَهَا ).

--------------------
(1) ( قوله والثانى أنه الخ ) الظاهر أنه مقابل لقوله لا يحسبوا ذلك الخ يعنى أنه وجه ثان اه‍. (*)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 10 _
  قوله تعالى ( حَسْبَكَ اللَّهُ ) مبتدأ وخبر ، وقال قوم : حسبك مبتدأ ، والله فاعله : أى يكفيك الله ( وَمَنْ اتَّبَعَكَ ) في من ثلاثة أوجه : أحدها جر عطفا على الكاف في حسبك ، وهذا لا يجوز عند البصريين لان العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار لايجوز.
  والثانى موضعه نصب بفعل محذوف دل عليه الكلام تقديره : ويكفى من اتبعك.
  والثالث موضعه رفع على ثلاثة أوجه (1) : أحدها هو معطوف على اسم الله ، فيكون خبرا آخر كقولك : القائمان زيد وعمرو ، ولم يثن حسبك لانه مصدر.
  وقال قوم : هذا ضعيف لان الواو للجمع ، ولا يحسن هاهنا كما لم يحسن في قولهم : ماشاء الله وشئت ، وثم هنا أولى ، والثانى أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره : وحسبك من اتبعك.
  قوله تعالى ( إِنْ يَكُنْ ) يجوز أن تكون التامة فيكون الفاعل (عشرون) ، و (منكم) حال منها أو متعلقة بيكون ، ويجوز أن تكون الناقصة فيكون عشرون اسمها ومنكم الخبر.
  قوله تعالى (أسرى) فيه قراء‌ات قد ذكرت في البقرة ( وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ ) الجمهور عل نصب الآخرة على الظاهر ، وقرئ شاذا بالجر تقديره : والله يريد عرض الآخرة ، فحذف المضاف وبقى عمله ، كما قال بعضهم :
أكـل  امـرئ تـحسبين iiأمـرأ      ونار توقد بالليل نارا أى وكل نار
  قوله تعالى ( لَوْلا كِتَابٌ ) كتاب مبتدأ ، و (سبق) صفة له ، و ( مِنْ اللَّهِ ) يجوز أن يكون صفة أيضا ، وأن يكون متعلقا بسبق والخبر محذوف : أى تدارككم.
  قوله تعالى ( حَلالاً طَيِّباً ) قد ذكر في البقرة.
  قوله تعالى (خيانتك) مصدر خان يخون ، وأصل الياء الواو فقلبت لانكسار ما قبلها ووقوع الالف بعدها.
  قوله تعالى ( مِنْ وَلايَتِهِمْ ) يقرأ بفتح الواو وكسرها وهما لغتان ، وقيل هى بالكسر الامارة ، وبالفتح من موالاة النصرة.

--------------------
(1) ( قوله على ثلاثة أوجه ) لم يذكر منها غير وجهين ، وانظر لم اسقط الثالث مع أنه معيب اه‍. (*)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 11 _
  قوله تعالى ( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ ) الهاء تعود على النصر ، وقيل على الولاء والتأمر.
  قوله تعالى ( فِي كِتَابِ اللَّهِ ) في موضع نصب بأولى : أى يثبت ذلك في كتاب الله.

سورة التوبة
بسم اللّه الرحمن الرحيم

  قوله تعالى (براء‌ة) فيه وجهان : أحدهما هو خبر مبتدأ محذوف : أى هذا براء‌ة أو هذه ، و ( مِنْ اللَّهِ ) نعت له ، و ( إِلَى الَّذِينَ ) متعلقة ببراء‌ة كما تقول : برئت إليك من كذا ، والثانى أنها مبتدأ ، ومن الله نعت لها ، وإلى الذين الخبر ، وقرئ شاذا ( مِنْ اللَّهِ ) بكسر النون على أصل التقاء الساكنين ، و ( أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) ظرف لفسيحوا.
  قوله تعالى ( وَأَذَانٌ ) مثل براء‌ة ، و ( إِلَى النَّاسِ ) متعلق بأذان أو خبر له ( أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ ) المشهور بفتح الهمزة ، وفيه وجهان : أحدهما : هو خبر الاذان : أى الاعلام من الله براء‌ته من المشركين ، والثانى هو صفة : أى وأذان كائن بالبراء‌ة ، وقيل التقدير : وإعلام من الله بالبراء‌ة ، فالباء متعلقة بنفس المصدر (ورسوله) يقرأ بالرفع وفيه ثلاثة أوجه : أحدها هو معطوف على الضمير في برئ ، وما بينهما يجرى مجرى التوكيد ، فلذلك ساغ العطف.
  والثانى هو خبر مبتدأ محذوف : أى ورسوله برئ.
  والثالث معطوف على موضع الابتداء ، وهو عند المحققين غير جائز ، لان المفتوحة لها موضع غير الابتداء بخلاف المكسورة ، ويقرأ بالنصب عطفا على اسم إن ، ويقرأ بالجر شاذا وهو على القسم ، ولايكون عطفا على المشركين لانه يؤدى إلى الكفر.
  قوله تعالى ( إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ ) في موضع نصب على الاستثناء من المشركين ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر فأتموا (ينقصوكم) الجمهور بالصاد ، وقرئ بالضاد أى ينقضوا عهودكم فحذف المضاف ، و (شيئا) في موضع المصدر.
  قوله تعالى ( وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) المرصد مفعل من رصدت ، وهو هنا مكان ، وكل ظرف لاقعدوا ، وقيل هو منصوب على تقدير حذف حرف الجر أى على كل مرصد أو بكل.
  قوله تعالى ( وَإِنْ أَحَدٌ ) هو فاعل لفعل محذوف دل عليه مابعده ، و ( حَتَّى يَسْمَعَ ) أى إلى أن يسمع أو كى يسمع.
  ومأمن مفعل من الامن وهو مكان ، ويجوز أن يكون مصدرا ويكون التقدير : ثم أبلغه موضع مأمنه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 12 _
  قوله تعالى ( كَيْفَ يَكُونُ ) اسم يكون (عهد) وفي الخبر ثلاثة أوجه : أحدها كيف وقدم للاستفهام ، وهو مثل قوله ( كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ).
  والثانى أنه للمشركين ، و (عند) على هذين ظرف للعهد ، أو ليكون أو للجار ، أو هى وصف للعهد.
  والثالث الخبر عند الله وللمشركين تبيين أو متعلق بيكون ، وكيف حال من العهد ( فَمَا اسْتَقَامُوا ) في ( ما ) وجهان أحدهما هى زمانية ، وهى المصدرية على التحقيق ، والتقدير : فاستقيموا لهم مدة استقامتهم لكم ، والثانى هى شرطية كقوله ( مَا يَفْتَحْ اللَّهُ ) والمعنى : إن استقاموا لكم فاستقيموا ، ولاتكون نافية لان المعنى يفسد ، إذ يصير المعنى استقيموا لهم لانهم لم يستقيموا لكم.
  قوله تعالى ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا ) المستفهم عنه محذوف تقديره : كيف يكون لهم عهد أو كيف تطمئنون إليهم (إلا) الجمهور بلام مشددة من غير ياء ، وقرئ ( إيلا ) مثل ريح ، وفيه وجهان : أحدهما أنه أبدل اللام الاولى ياء لثقل التضعيف وكسر الهمزة.
  والثانى أنه من آلى يئول إذا ساس ، أو من آل يئول إذا صار إلى آخر الامر ، وعلى الوجهين قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ماقبلها (يرضونكم) حال من الفاعل في لا يرقبوا عند قوم ، وليس بشئ لانهم بعد ظهورهم لايرضون المؤمنين ، وإنما هو مستأنف.
  قوله تعالى (فإخوانكم) أى فهم إخوانكم ، و ( فِي الدِّينِ ) متعلق بإخوانكم.
  قوله تعالى ( أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ) هو جمع إمام ، وأصله أئمة مثل خباء وأخبية ، فنقلت حركة الميم الاولى إلى الهمزة الساكنة وأدغمت في الميم الاخرى ، فمن حقق الهمزتين أخرجهما على الاصل ، ومن قلب الثانية ياء فلكسرتها المنقولة إليها ، ولايجوز هنا أن تجعل بين بين كما جعلت همزة أئذا ، لان الكسرة هنا منقولة وهناك أصلية ، ولو خففت الهمزة الثانية هنا على القياس لكانت ألفا لانفتاح ماقبلها ، ولكن ترك ذلك لتتحرك بحركة الميم في الاصل.
  قوله تعالى ( أَوَّلَ مَرَّةٍ ) هو منصوب على الظرف ( فَاللَّهُ أَحَقُّ ) مبتدأ.
  وفي الخبر وجهان : أحدهما هو أحق ، و ( أَنْ تَخْشَوْهُ ) في موضع نصب أو جر : أى بأن تخشوه ، وفي الكلام حذف : أى أحق من غيره بأن تخشوه ، أو أن تخشوه مبتدأ بدل من اسم الله بدل الاشتمال ، وأحق الخبر ، والتقدير خشية الله أحق ، والثانى أن أن تخشوه مبتدأ ، وأحق خبره مقدم عليه ، والجملة خبر عن اسم الله.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 13 _
  قوله تعالى ( وَيَتُوبُ اللَّهُ ) مستأنف ، ولم يجزم لان توبته على من يشاء ليست جزاء على قتال الكفار ، وقرئ بالنصب على إضمار أن.
  قوله تعالى (شاهدين) حال من الفاعل في يعمروا ( وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) أى وهم خالدون في النار ، وقد وقع الظرف بين حرف العطف والمعطوف.
  قوله تعالى ( سِقَايَةَ الْحَاجِّ ) الجمهور على سقاية بالياء ، وهو مصدر مثل العمارة ، وصحت الياء لما كانت بعدها تاء التأنيث ، والتقدير : أجعلتم أصحاب سقاية الحاج ، أو يكون التقدير : كإيمان من آمن ليكون الاول هو الثانى ، وقرئ ( سقاة الحاج وعمار المسجد ) على أنه جمع ساق وعامر ( لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ) مستأنف ، ويجوز أن يكون حالا من المفعول الاول والثانى ، ويكون التقدير : سويتم بينهم في حال تفاوتهم.
  قوله تعالى ( لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ ) الضمير كناية عن الرحمة والجنات.
  قوله تعالى ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ) هو معطوف : على موضع في مواطن ، و (إذ) بدل من يوم.
  قوله تعالى ( دِينَ الْحَقِّ ) يجوز أن يكون مصدر يدينون ، وأن يكون مفعولا به ، ويدينون بمعنى يعتقدون ( عَنْ يَدٍ ) في موضع الحال : أى يعطوا الجزية أذلة.
  قوله تعالى ( عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ) يقرأ بالتنوين على أن عزيرا مبتدأ ، وابن خبره ، ولم يحذف التنوين إيذانا بأن الاول مبتدأ ، وأن مابعده خبر وليس بصفة ، ويقرأ بحذف التنوين وفيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه مبتدأ وخبر أيضا ، وفي حذف التنوين وجهان : أحدهما أنه حذف لالتقاء الساكنين ، والثانى أنه لاينصرف للعجمة والتعريف وهذا ضعيف لان الاسم عربى عند أكثر الناس ، ولان مكبره ينصرف لسكون أوسطه فصرفه في التصغير أولى.
  والوجه الثانى أن عزيرا خبر مبتدأ محذوف تقديره : نبينا أو صاحبنا أو معبودنا ، وابن صفة ، أو يكون عزيرا مبتدأ وابن صفة والخبر محذوف أى عزيرا ابن الله صاحبنا.
  والثالث أن ابنا بدل من عزير ، أو عطف بيان ، وعزير على ماذكرنا من الوجهين وحذف التنوين في الصفة ، لانها مع الموصوف كشئ واحد (ذلك) مبتدأ ، و (قولهم) خبره ، و (بأفواههم) حال والعامل فيه القول ، ويجوز أن يعمل فيه معنى الاشارة ، ويجوز أن تتعلق الباء بيضاهون ،

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 14 _
  فأما (يضاهون) فالجمهور على ضم الهاء من غير همز ، والاصل ضاهى ، والالف منقلبة عن ياء وحذفت من أجل الواو ، وقرئ بكسر الهاء وهمزة مضمومة بعدها وهو ضعيف ، والاشبه أن يكون لغة في ضاهى وليس مشتقا من قولهم امرأة ضهياء ، لان الياء أصل والهمزة زائدة ، ولا يجوز أن تكون الياء زائدة إذ ليس في الكلام فعيل بفتح الفاء.
  قوله تعالى (والمسيح) أى واتخذوا المسيح ربا فحذف الفعل وأحد المفعولين ، ويجوز أن يكون التقدير : وعبدوا المسيح ( إِلاَّ لِيَعْبُدُوا ) قد تقدم نظائره.
  قوله تعالى ( وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ ) يأبى بمعنى يكره ، ويكره بمعنى يمنع فلذلك استثنى لما فيه من معنى النفى والتقدير : يأبى كل شئ إلا إتمام نوره.
  قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ ) مبتدأ ، والخبر (فبشرهم) ويجوز أن يكون منصوبا تقديره : بشر الذين يكنزون ، ينفقونها الضمير المؤنث يعود على الاموال أو على الكنوز المدلول عليها بالفعل ، أو على الذهب والفضة لانهما جنسان ، ولهما أنواع ، فعاد الضمير على المعنى أو على الفضة لانها أقرب ، ويدل ذلك على إرادة الذهب ، وقيل يعود على الذهب ويذكر ويؤنث.
  قوله تعالى ( يَوْمَ يُحْمَى ) يوم ظرف على المعنى : أى يعذبهم في ذلك اليوم ، وقيل تقديره : عذاب يوم ، وعذاب بدل من الاول ، فلما حذف المضاف أقام اليوم مقامه ، وقيل التقدير : اذكر ، و (عليها) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل وقيل القائم مقام الفاعل مضمر : أى يحمى الوقود أو الجمر (بها) أى بالكنوز.
  وقيل هى بمعنى فيها : أى في جهنم ، وقيل يوم ظرف لمحذوف تقديره : يوم يحمى عليها يقال لهم هذا ما كنزتم.
  قوله تعالى ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ ) عدة مصدر مثل العدد ، و (عند) معمول له ، و ( فِي كِتَابِ اللَّهِ ) صفة لاثنى عشر ، وليس بمعمول لعدة ، لان المصدر إذا أخبر عنه لايعمل فيما بعد الخبر ، و ( يَوْمَ خَلَقَ ) معمول لكتاب على أن كتابا هنا مصدر لاجثة ، ويجوز أن يكون جثة ، ويكون العامل في معنى الاستقرار ، وقيل في كتاب الله بدل من عند ، وهو ضعيف لانك قد فصلت بين البدل والمبدل منه بخبر العامل في المبدل ( مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ) يجوز أن تكون الجملة صفة لاثنى عشر ، وأن تكون حالا من استقرار ، وأن تكون مستأنفة (فيهن) ضمير الاربعة ، وقيل

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 15 _
  ضمير اثنى عشر ، و (كافة) مصدر في موضع الحال من المشركين ، أو من ضمير الفاعل في قاتلوا.
  قوله تعالى ( إِنَّمَا النَّسِيءُ ) يقرأ بهمزة بعد الياء ، وهو فعيل مصدر مثل النذير والنكير ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول : أى إنما المنسوء ، وفي الكلام على هذا حذف تقديره : إن نسا النسئ أو إن النسئ ذو زيادة ، ويقرأ بتشديد الياء من غير همز على قلب الهمزة ياء ، ويقرأ بسكون السين وهمزة بعدها وهو مصدر نسأت ، ويقرأ بسكون السين وياء مخففة بعدها على الابدال أيضا (يضل) يقرأ بفتح الياء وكسر الضاد ، والفاعل (الذين) ويقرأ بفتحهما وهى لغة ، والماضى ظللت بفتح اللام الاولى وكسرها ، فمن فتحها في الماضى كسر الضاد في المستقبل ، ومن كسرها في الماضى فتح الضاد في المستقبل ، ويقرأ بضم الياء وفتح الضاد على مالم يسم فاعله ، ويقرأ بضم الياء وكسر الضاد : أى يضل به الذين كفروا أتباعهم ، ويجوز أن يكون الفاعل مضمرا : أى يضل الله أو الشيطان (يحلونه) يجوز أن يكون مفسرا للضلال فلا يكون له موضع ، ويجوز أن يكون حالا.
  قوله تعالى (اثاقلتم) الكلام فيها مثل الكلام في ادارأتم ، والماضى هنا بمعنى المضارع : أى مالكم تتثاقلون ، وموضعه نصب : أى أى شئ لكم في التثاقل ، أو في موضع جر على رأى الخليل ، وقيل هو حال : أى مالكم متثاقلين ( مِنْ الآخِرَةِ ) في موضع الحال : أى بدلا من الآخرة.
  قوله تعالى ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) هو حال من الهاء : أى أحد اثنين ، ويقرأ بسكون الياء وحقها التحريك ، وهو من أحسن الضرورة في الشعر ، وقال قوم : ليس بضرورة ، ولذلك أجازوه في القرآن ( إِذْ هُمَا ) ظرف لنصره لانه بدل من إذ الاولى ، ومن قال العامل في البدل غير العامل في المبدل قدر هنا فعلا آخر : أى نصره إذ هما ( إِذْ يَقُولُ ) بدل أيضا ، وقيل إذ هما ظرف لثانى ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ ) هى فعيلة بمعنى مفعلة : أى أنزل عليه مايسكنه ، والهاء في (عليه) تعود على أبى بكر رضى الله عنه لانه كان منزعجا ، والهاء في (أيده) للنبى صلى الله عليه وسلم ( وَكَلِمَةُ اللَّهِ ) بالرفع على الابتداء ، و ( هِيَ الْعُلْيَا ) مبتدأ وخبر ، أو تكون هى فضلا ، وقرئ بالنصب : أى وجعل كلمة الله ، وهو ضعيف لثلاثة أوجه : أحدها أن فيه وضع الظاهر موضع المضمر ، إذ الوجه أن تقول كلمته.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 16 _
  والثانى أن فيه دلالة على أن كلمة الله كانت سفلى فصارت عليا ، وليس كذلك.
  والثالث أن توكيد مثل ذلك بهى بعيد إذ القياس أن يكون إياها.
  قوله تعالى ( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً ) اسم كان مضمر تقدير ولو كان مادعوتم إليه ( لَوْ اسْتَطَعْنَا ) الجمهور على كسر الواو على الاصل ، وقرئ بضمها تشبيها للواو الاصلية بواو الضمير نحو ( اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ ) ( يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا من الضمير في يحلفون.
  قوله تعالى ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) حتى متعلقة بمحذوف دل عليه الكلام تقديره : هلا أخرتهم إلى أن يتبين أو ليتبين ، وقوله ( لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) يدل على المحذوف ، ولا يجوز أن يتعلق حتى بأذنت ، لان ذلك يوجب أن يكون أذن لهم إلى هذه الغاية أو لاجل التبيين ، وهذا لايعاتب عليه.
  قوله تعالى (خلالكم) ظرف لاوضعوا : أى أسرعوا فيما بينكم (يبغونكم) حال من الضمير في أوضعوا.
  قوله تعالى ( يَقُولُ ائْذَنْ لِي ) هو مثل قوله ( يَا صَالِحُ ائْتِنَا ) وقد ذكر.
  قوله تعالى ( هَلْ تَتَربَّصُونَ ) الجمهور على تسكين اللام وتخفيف التاء ، ويقرأ بكسر اللام وتشديد التاء ووصلها والاصل تتربصون ، فسكن التاء الاولى وأدغمها ووصلها بما قبلها وكسرت اللام لالتقاء الساكنين ، ومثله ( نَاراً تَلَظَّى ) وله نظائر ( وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ ) مفعول نتربص ، وبكم متعلقة بنتربص.
  قوله تعالى ( أَنْ تُقْبَلَ ) في موضع نصب بدلا من المفعول في منعهم ، ويجوز أن يكون التقدير : من أن تقبل ، و ( أَنَّهُمْ كَفَرُوا ) في موضع الفاعل ، ويجوز أن يكون فاعل منع الله ، وأنهم كفروا مفعول له : أى إلا لانهم كفروا.
  قوله تعالى ( أَوْ مُدَّخَلاً ) يقرأ بالتشديد وضم الميم وهو مفتعل من الدخول ، وهو الموضع الذى يدخل فيه ، ويقرأ بضم الميم وفتح الخاء من غير تشديد ، ويقرأ بفتحهما وهما مكانان أيضا ، وكذلك المغارة وهى واحد مغارات ، وقيل الملجأ ومابعده مصادر : أى لو قدروا على ذلك لمالوا إليه.
  قوله تعالى (يلمزك) يجوز كسر الميم وضمها وهما لغتان قد قرئ بهما ( إِذَا هُمْ ) إذا هنا للمفاجأة ، وهى ظرف مكان وجعلت في جواب الشرط كالفاء لما فيها من المفاجأة ، ومابعدها ابتداء وخبر ، والعامل في إذا (يسخطون).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 17 _
  قوله تعالى (فريضة) حال من الضمير في الفقراء : أى مفروضة ، وقيل هو مصدر ، والمعنى فرض الله ذلك فرضا.
  قوله تعالى ( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ ) أذن خبر مبتدإ محذوف : أى هو ويقرأ بالاضافة أى مستمع خير ، ويقرأ بالتنوين ورفع خير على أنه صفة لاذن ، والتقدير : أذن ذو خير ، ويجوز أن يكون خير بمعنى أفعل : أى أذن أكثر خيرا لكم ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ) في موضع رفع صفة أيضا واللام في (للمؤمنين) زائدة دخلت لتفرق بين يؤمن بمعنى يصدق ، ويؤمن بمعنى يثبت الامان (ورحمة) بالرفع عطف على أذن : أى هو أذن ورحمة ، ويقرأ بالجر عطفا على خير فيمن جر خيرا.
  قوله تعالى ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ ) مبتدأ ، و (أحق) خبره ، والرسول مبتدأ ثان وخبره محذوف دل عليه خبر الاول.
  وقال سيبويه : أحق خبر الرسول ، وخبر الاول محذوف وهو أقوى ، إذ لايلزم منه التفريق بين المبتدإ وخبره ، وفيه أيضا أنه خبر الاقرب إليه ، ومثله قول الشاعر :
نـحن بـما عندنا وأنت بما      عندك راض والرأى مختلف
  وقيل أحق أن يرضوه خبر عن الاسمين ، لان أمر الرسول تابع لامر الله تعالى ، ولان الرسول قائم مقام الله بدليل قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) وقيل أفرد الضمير وهو في موضع التثنية ، وقيل التقدير : أن ترضوه أحق ، وقد ذكرناه في قوله ( وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) وقيل التقدير : أحق بالارضاء.
  قوله تعالى ( أَلَمْ يَعْلَمُوا ) يجوز أن تكون المتعدية إلى مفعولين ، وتكون (أنه) وخبرها سد مسد المفعولين ، ويجوز أن تكون المتعدية إلى واحد ، و (من) شرطية موضع مبتدإ ، والفاء جواب الشرط ، فأما (أن) الثانية فالمشهور فتحها وفيها أوجه أحدها أنها بدل من الاولى ، وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما أن الفاء التى معها تمنع من ذلك ، والحكم بزيادتها ضعيف ، والثانى أن جعلها بدلا يوجب سقوط جواب ( من ) من الكلام.
  والوجه الثانى أنها كررت توكيدا كقوله تعالى ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ) ثم قال ( إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) والفاء على جواب الشرط.
  والثالث أن ( أن ) هاهنا مبتدأ والخبر محذوف : أى فلهم أن لهم.
  والرابع أن تكون خبر مبتدأ محذوف : أى فجزاؤهم أن لهم ، أو فالواجب أن لهم ، ويقرأ بالكسر على الاستئناف.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 18 _
  قوله تعالى ( أَنْ تُنَزَّلَ ) في موضع نصب بيحذر على أنها متعدية بنفسها ، ويجوز أن يكون بحرف الجر : أى من أن تنزل ، فيكون موضعه نصبا أو جرا على ماذكرنا من اختلافهم في ذلك.
  قوله تعالى ( أَبِاللَّهِ ) الباء متعلقة ب‍ (يستهزء‌ون) وقد قدم معمول خبر كان عليها ، فيدل على جواز تقديم خبرها عليها.
  قوله تعالى ( بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) مبتدأ وخبر : أى بعضهم من جنس بعض في النفاق ( يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ) مستأنف مفسر لما قبلها.
  قوله تعالى (كالذين) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، وفي الكلام حذف مضاف تقديره : وعدا كوعد الذين ( كَمَا اسْتَمْتَعَ ) أى استمتاعا كاستمتاعهم ( كَالَّذِي خَاضُوا ) الكاف في موضع نصب أيضا ، وفى ( الذي ) وجهان : أحدهما أنه جنس ، والتقدير : خوضا كخوض الذين خاضوا ، وقد ذكر مثله في قوله تعالى ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ) ، والثانى أن ( الذي ) هنا مصدرية : أى كخوضهم وهو نادر.
  قوله تعالى ( قَوْمِ نُوحٍ ) هو بدل من الذين.
  قوله تعالى ( وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ ) مبتدأ ، و (أكبر) خبره.
قوله تعالى ( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ) إن قيل كيف حسنت الواو هنا والفاء أشبه بهذا الموضع ففيه ثلاثة أجوبة : أحدها أنها واو الحال ، والتقدير افعل ذلك في حال استحقاقهم جهنم ، وتلك الحال حال كفرهم ونفاقهم.
  والثانى أن الواو جئ بها تنبيها على إرادة فعل محذوف تقديره : واعلم أن مأواهم جهنم.
  والثالث أن الكلام محمول على المعنى ، والمعنى : أنه قد اجتمع لهم عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة وعذاب الآخرة بجعل جهنم مأوى لهم.
  قوله تعالى ( مَا قَالُوا ) هو جواب قسم ، ويحلفون قائم مقام القسم.
  قوله تعالى ( وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ ) أن وماعملت فيه مفعول نقموا أى وماكرهوا إلا إغناء الله إياهم ، وقيل هو مفعول من أجله ، والمفعول به محذوف أى ما كرهوا الايمان إلا ليغنوا.
  قوله تعالى ( لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ ) فيه وجهان : أحدهما تقديره : عاهد فقال لئن آتانا ، والثانى أن يكون عاهد بمعنى قال ، إذا العهد قول.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 19 _
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ) مبتدأ ، و ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ) حال من الضمير في ( المطوعين ) و ( فِي الصَّدَقَاتِ ) متعلق بيلمزون ، ولايتعلق بالمطوعين لئلا يفصل بينهما بأجنبى ( وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ ) معطوف على الذين يلمزون ، وقيل على المطوعين : أى ويلمزون الذين لا يجدون ، وقيل هو معطوف على المؤمنين ، وخبر الاول على هذه الوجوه فيه وجهان : أحدهما (فيسخرون) ودخلت الفاء لما في الذين من الشبه بالشرط ، والثانى أن الخبر ( سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) وعلى هذا المعنى يجوز أن يكون الذين يلمزون في موضع نصب بفعل محذوف يفسر سخر تقديره : عاب الذين يلمزون ، وقيل الخبر محذوف تقديره منهم الذين يلمزون.
  قوله تعالى ( سَبْعِينَ مَرَّةً ) هو منصوب على المصدر ، والعدد يقوم مقام المصدر كقولهم : ضربته عشرين ضربة.
  قوله تعالى (بمقعدهم) أى بقعودهم ، و (خلاف) ظرف بمعنى خلف ( رَسُولِ اللَّهِ ) أى بعده ، والعامل فيه مقعد ، ويجوز أن يكون العامل فرح ، وقيل هو مفعول من أجله ، فعلى هذا هو مصدر : أى لمخالفته ، والعامل المقعد أو فرح ، وقيل هو منصوب على المصدر بفعل دل عليه الكلام لان مقعدهم عنه تخلف.
  قوله تعالى (قليلا) أى ضحكا قليلا أو زمنا قليلا ، و (جزاء) مفعول له أو مصدر على المعنى.
  قوله تعالى ( فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ ) هى متعدية بنفسها ومصدرها رجع ، وتأتى لازمة ومصدرها الرجوع.
  قوله تعالى (منهم) صفة لاحد ، و (مات) صفة أخرى ، ويجوز أن يكون منهم حالا من الضمير في مات (أبدا) ظرف لتصل.
  قوله تعالى ( أَنْ آمِنُوا ) أى آمنوا ، والتقدير : يقال فيها آمنوا ، وقيل إن هنا مصدرية تقديره : أنزلت بأن آمنوا ، أى بالايمان.
  قوله تعالى ( مَعَ الْخَوَالِفِ ) هو جمع خالفة وهى المرأة ، وقد يقال للرجل خالف وخالفة ، ولا يجمع المذكر على خوالف.
  قوله تعالى ( وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ ) يقرأ على وجوه كثيرة قد ذكرناها في قوله ( بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 20 _
  قوله تعالى ( إِذَا نَصَحُوا ) العامل فيه معنى الكلام : أى لا يخرجون حينئذ.
  قوله تعالى ( وَلا عَلَى الَّذِينَ ) هو معطوف على الضعفاء فيدخل في خبر ليس ، وإن شئت عطفته على المحسنين فيكون المبتدأ من سبيل ، ويجوز أن يكون المبتدأ محذوفا : أى ولا على الذين إلى تمام الصلة حرج أو سبيل ، وجواب إذا (تولوا) وفيه كلام قد ذكرناه عند قوله ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ) ( وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ ) الجملة في موضع الحال ، و ( مِنْ الدَّمْعِ ) مثل الذى في المائدة ، و (حزنا) مفعول له أو مصدر في موضع الحال أو منصوب على المصدر بفعل دل عليه ماقبله ( أَلاَّ يَجِدُوا ) يتعلق بحزن وحرف الجر محذوف ، ويجوز أن يتعلق بتفيض.
  قوله تعالى (رضوا) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا ، وقد معه مرادة.
  قوله تعالى ( قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ ) هذا الفعل قد يتعدى إلى ثلاثة أولها ( نا ) والاثنان الآخران محذوفان تقديره : أخبارا من أخباركم مثبتة ، و ( مِنْ أَخْبَارِكُمْ ) تنبيه على المحذوف وليست ( من ) زائدة ، إذ لو كانت زائدة لكانت مفعولا ثانيا ، والمفعول الثالث محذوف وهو خطأ ، لان المفعول الثانى إذا ذكر في هذا الباب لزم ذكر الثالث ، وقيل ( من ) بمعنى عن.
  قوله تعالى (جزاء) مصدر : أى يجزون بذلك جزاء ، أو هو مفعول له.
  قوله تعالى ( وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا ) أى بأن لا يعلموا.
  قوله تعالى ( بِكُمْ الدَّوَائِرَ ) يجوز أن تتعلق الباء بيتربص ، وأن يكون حالا من الدوائر ( دَائِرَةُ السَّوْءِ ) يقرأ بضم السين وهو الضرر وهو مصدر في الحقيقة يقال سؤته سوء‌ا ومساء‌ة ومسائية ، ويقرأ : بفتح السين وهو الفساد والرداء‌ة.
  قوله تعالى (قربات) هو مفعول ثان ليتخذ و ( عِنْدَ اللَّهِ ) صفة لقربات أو ظرف ليتخذ أو لقربات ( وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ) معطوف على ماينفق تقديره : وصلوات الرسول قربات ، و (قربة) بسكون الراء وقرئ بضمها على الاتباع.
  قوله تعالى (والسابقون) يجوز أن يكون معطوف على قوله ( مَنْ يُؤْمِنُ ) تقديره : ومنهم السابقون ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، وفى الخبر ثلاثة أوجه : أحدها (الاولون) والمعنى : والسابقون إلى الهجرة الاولون من أهل الملة ، أو والسابقون إلى الجنة الاولون إلى الهجرة.
  والثانى الخبر ( مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ ) والمعنى فيه الاعلام بأن السابقين من هذه الامة هم من المهاجرين والانصار.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 21 _
  والثالث أن الخبر (رضى الله عنهم) ويقرأ والانصار بالرفع على أن يكون معطوفا على السابقون ، أو أن يكون مبتدأ والخبر رضى الله عنهم ، وذلك على الوجهين الاولين.
  وبإحسان حال من ضمير الفاعل في اتبعوهم ( تَجْرِي تَحْتَهَا ) ومن تحتها ، والمعنى فيهما واضح.
  قوله تعالى (وممن) من بمعنى الذى ، و (منافقون) مبتدأ وما قبله الخبر ، و (مردوا) صفة لمبتدأ محذوف تقديره : ومن أهل المدينة قوم مردوا ، وقيل مردوا صفة لمنافقون ، وقد فصل بينهما ، ومن أهل المدينة خبر مبتدأ محذوف تقديره : من أهل المدينة قوم كذلك ( لا تَعْلَمُهُمْ ) صفة أخرى مثل مردوا ، وتعلمهم بمعنى تعرفهم ، فهى تتعدى إلى مفعول واحد.
  قوله تعالى ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا ) هو معطوف على منافقون ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، واعترفوا صفته ، و (خلطوا) خبره ( وَآخَرَ سَيِّئاً ) معطوف على عملا ، ولو كان بالباء جاز أن تقول خلطت الحنطة والشعير ، وخلطت الحنطة بالشعير ، ( عَسَى اللَّهُ ) الجملة مستأنفة ، وقيل خلطوا حال ، وقد معه مرادة : أى اعترفوا بذنوبهم قد خلطوا ، وعسى الله خبر المبتدأ.
  قوله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) يجوز أن تكون من متعلقة بخذ ، وأن تكون حالا من ( صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ) في موضع نصب صفة لصدقة ، ويجوز أن يكون مستأنفا والتاء للخطاب : أى تطهرهم أنت (وتزكيهم) التاء للخطاب لا غير لقوله (بها) ويجوز أن يكون ( تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) في موضع نصب صفة لصدقة مع قولنا إن التاء فيهما للخطاب ، لان قوله تطهرهم تقديره : بها ، ودل عليه بها الثانية ، وإذا كان فيهما ضمير الصدقة جاز أن يكون صفة لها ، ويجوز أن تكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في خذ.
  قوله تعالى ( إِنَّ صَلاتَكَ ) يقرأ بالافراد والجمع وهما ظاهران ، و (سكن) بمعنى مسكون إليها ، فلذلك لم يؤنثه ، وهو مثل القبض بمعنى المقبوض.
  قوله تعالى ( هُوَ يَقْبَلُ ) هو مبتدأ ، ويقبل الخبر ، ولايجوز أن يكون هو فصلا ، لان يقبل ليس معرفة ولا قريب منها.
  قوله تعالى ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ ) هو معطوف على وآخرون اعترفوا.
  ومرجون بالهمز على الاصل ويغير همز وقد ذكر أصله في الاعراف ( إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ) إما هاهنا للشك والشك راجع إلى المخلوق ، وإذا كانت إما للشك جاز أن يليها الاسم ، وجاز أن يليها الفعل ، فإن كانت للتخيير ووقع الفعل بعدها كانت معه أن كقوله : أما أن تلقى ، وقد ذكر.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 22 _
  قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ) يقرأ بالواو ، وفيه وجهان : أحدهما هو معطوف على وآخرون مرجون : أى ومنهم الذين اتخذوا ، والثانى هو مبتدأ ، والخبر : أفمن أسس بنيانه : أى منهم فحذف العائد للعلم به ، ويقرأ بغير واو وهو مبتدأ ، والخبر أفمن أسس على ماتقدم (ضرارا) يجوز أن يكون مفعولا ثانيا لا تخذوا وكذلك مابعده وهذه المصادر كلها واقعة موضع اسم الفاعل : أى مضرا ومفترقا ، ويجوز أن تكون كلها مفعولا له.
  قوله تعالى (لمسجد) اللام لام الابتداء ، وقيل جواب قسم محذوف ، و (أسس) نعت له ، و (من أل) يتعلق بأسس ، والتقدير عند بعض البصريين من تأسيس أول يوم ، لانهم يرون أن ( من ) لاتدخل على الزمان ، وإنما ذلك لمنذ وهذا ضعيف هاهنا لان التأسيس المقدر ليس بمكان حتى تكون ( من ) لابتداء غايته ويدل على جواز دخول ( من ) على الزمان ماجاء في القرآن من دخولها على قبل التى يراد بها الزمان ، وهو كثير في القرآن وغيره والخبر ( أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ ) و (فيه) الاولى تتعلق بتقوم ، والتاء لخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فِيهِ رِجَالٌ ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها هو صفة لمسجد جاء‌ت بعد الخبر.
  والثانى أن الجملة حال من الهاء في فيه الاولى ، والعامل فيه تقوم ، والثالث هى مستأنفة.
  قوله تعالى ( عَلَى تَقْوَى ) يجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في أسس أى على قصد التقوى ، والتقدير : قاصدا ببنيانه التقوى ، ويجوز أن يكون مفعولا لاسس (جرف) بالضم والاسكان وهما لغتان : وفى (هار) وجهان : أحدهما أصله هور أو هير على فعل ، فلما تحرك حرف العلة ، وانفتح ماقبله قلب ألفا وهذا يعرف بالنصب (1) والرفع والجر مثل قولهم كبش صاف : أى صوف ، ويوم راح : أى روح.
  والثانى أن يكون أصله هاورا أو هايرا ، ثم أخرت عين الكلمة فصارت بعد الراء وقلبت الواو ياء لانكسار ماقبلها ، ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين ، فوزنه بعد القلب قالع ، وبعد الحذف قال ، وعين الكلمة واو أو ياء يقال تهور البناء وتهير ( فَانْهَارَ بِهِ ) به هنا حال : أى فانهار وهو معه.

--------------------
(1) ( قوله وهذا يعرف بالنصب الخ ) الاولى تأخيره بعد قوله والثانى أن يكون إلى تمام التصريف اه‍ مصححه . (*)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 23 _
  قوله تعالى ( بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ) الباء هنا للمقابلة ، والتقدير : باستحقاقهم الجنة (يقاتلون) مستأنف ( فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) هو مثل الذى في آخر آل عمران في وجوه القراء‌ة (وعدا) مصدر : أى وعدهم بذلك وعدا ، و (حقا) صفته.
  قوله تعالى (التائبون) يقرأ بالرفع : أى هم التائبون ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر ( الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ) ومابعده وهو ضعيف ، ويقرأ بالياء على إضمار أعنى أو أمدح ، ويجوز أن يكون مجرورا صفة للمؤمنين ، ( وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ ) إنما دخلت الواو في الصفة الثامنة إيذانا بأن السبعة عندهم عدد تام ، ولذلك قالوا سبع في ثمانية : أى سبع أذرع في ثمانية أشبار ، وإنما دلت الواو على ذلك لان الواو تؤذن بأن مابعدها غير ماقبلها ، ولذلك دخلت في باب عطف النسق.
  قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ) في فاعل كاد ثلاثة أوجه : أحدها ضمير الشأن ، والجملة بعده في موضع نصب ، والثانى فاعله مضمر تقديره : من بعد ماكاد القوم ، والعائد على هذا الضمير في منهم ، والثالث فاعلها القلوب ، ويزيغ في نية التأخير ، وفيه ضمير فاعل ، وإنما يحسن ذلك على القراء‌ة بالتاء ، فأما على القراء‌ة بالياء فيضعف أصل هذا التقدير ، وقد بيناه في قوله ( ما كاد يصنع فرعون ).
  قوله تعالى ( وَعَلَى الثَّلاثَةِ ) إن شئت عطفته على النبى صلى الله عليه وسلم : أى تاب على النبى وعلى الثلاثة ، وإن شئت على عليهم : أى ثم تاب عليهم وعلى الثلاثة ( لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ ) خبر ( لا ) من الله ( إِلاَّ إِلَيْهِ ) استثناء مثل لاإله إلا الله.
  قوله تعالى (موطئا) يجوز أن يكون مكانا فيكون مفعولا به ، وأن يكون مصدرا مثل الموعد.
  قوله تعالى ( فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ) يجوز أن يكون منهم صفة لفرقة ، وأن يكون حالا من (طائفة).
  قوله تعالى (غلظة) يقرأ بكسر الغين وفتحها وضمها وكلها لغات.
  قوله تعالى ( هَلْ يَرَاكُمْ ) تقديره : يقولون هل يراكم.
  قوله تعالى ( عَزِيزٌ عَلَيْهِ ) فيه وجهان : أحدهما هو صفة لرسول ، ومامصدرية موضعها رفع بعزيز.
  والثانى أن ( مَا عَنِتُّمْ ) مبتدأ ، وعزيز عليه خبر مقدم ، والجملة صفة لرسول (بالمؤمنين) يتعلق ب‍ (رء‌وف).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 24 _
سورة يونس عليه السلام
بسم اللّه الرحمن الرحيم

  قد تقدم القول على الحروف المقطعة في أول البقرة والاعراف ، ويقاس الباقى عليهما ، و (الحكيم) بمعنى المحكم ، وقيل هو بمعنى الحاكم.
  قوله تعالى ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا ) اسم كان ، وخبرها عجبا ، وللناس حال من عجب ، لان التقدير : أكان عجبا للناس ، وقيل هو متعلق بكان ، وقيل هو يتعلق بعجب على التبيين ، وقيل عجب هنا بمعنى معجب ، والمصدر إذا وقع موقع اسم مفعول أو فاعل جاز أن يتقدم معموله عليه كاسم المفعول ( أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ ) يجوز أن تكون أن مصدرية ، فيكون موضعها نصبا بأوحينا ، وأن تكون بمعنى أى فلا يكون لها موضع.
  قوله تعالى ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا.
  قوله تعالى ( وَعْدَ اللَّهِ ) هو منصوب على المصدر بفعل دل عليه الكلام ، وهو قوله ( إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ) لان هذا وعد منه سبحانه بالبعث ، و (حقا) مصدر آخر تقديره : حق ذلك حقا ( إِنَّهُ يَبْدَأُ ) الجمهور على كسر الهمزة على الاستئناف ، وقرئ بفتحها ، والتقدير : حق أنه يبدأ فهو فاعل ، ويجوز أن يكون التقدير لانه يبدأ وماضى يبدأ بدأ ، وفيه لغة أبدأ ( بِمَا كَانُوا ) في موضع رفع صفة أخرى لعذاب ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف.
  قوله تعالى ( جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً ) مفعولان ، ويجوز أن يكون ضياء حالا ، وجعل بمعنى خلق ، والتقدير : ذات ضياء ، وقيل الشمس هى الضياء ، والياء منقلبة عن واو لقولك ضوء ، والهمزة أصل ، ويقرأ بهمزتين بينهما ألف ، والوجه فيه أن يكون أخر الياء وقدم الهمزة ، فلما وقعت الياء ظرفا بعد ألف زائدة قلبت همزة عند قوم ، وعند آخرين قلبت ألفا ، ثم قلبت الالف همزة لئلا يجتمع ألفان ( والقمر نورا ) أى ذا نور ، وقيل المصدر بمعنى فاعل : أى منيرا ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ ) أى وقدر له فحذف حرف الجر ، وقيل التقدير : قدره ذا منازل ، وقدر على هذا متعدية إلى مفعولين لان معناه جعل وصير ، ويجوز أن يكون قدر متعديا إلى واحد بمعنى خلق ومنازل ، حال : أى منتقلا.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 25 _
  قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ ) خبر إن ( أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ ) فأولئك مبتدأ ومأواهم مبتدأ ثان ، والنار خبره ، والجملة خبر أولئك ( بِمَا كَانُوا ) الباء متعلقة بفعل محذوف دل عليه الكلام : أى جوزوا بما كانوا يكسبون.
  قوله تعالى ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا من ضمير المفعول في يهديهم والمعنى يهديهم في الجنة إلى مراداتهم في هذه الحال ( فِي جَنَّاتِ ) يجوز أن يتعلق بتجرى ، وأن يكون حالا من الانهار ، وأن يكون متعلقا بيهدى ، وأن يكون حالا من ضمير المفعول في يهدى ، وأن يكون خبرا ثانيا لان.
  قوله تعالى ( دعواهم ) مبتدأ (سبحانك) منصوب على المصدر ، وهو تفسير الدعوى لان المعنى : قولهم سبحانك اللهم ، و (فيها) متعلق بتحية ( أَنْ الْحَمْدُ ) أن مخففة من الثقيلة ، ويقرأ أن بتشديد النون وهى مصدرية ، والتقدير : آخر دعواهم حمد الله.
  قوله تعالى (الشر) هو مفعول يعجل ، و (استعجالهم) تقديره : تعجيلا مثل استعجالهم ، فحذف المصدر وصفته المضافة ، وأقام المضاف إليه مقامهما.
  وقال بعضهم : هو منصوب على تقدير حذف حرف الجر : أى كاستعجالهم ، وهو بعيد ، إذ لو جاز ذلك لجاز زيد غلام عمرو : أى كغلام عمرو ، وبهذا ضعفه جماعة ، وليس بتضعيف صحيح إذ ليس في المثال الذى ذكر فعل يتعدى بنفسه عند حذف الجار ، وفى الآية فعل يصح فيه ذلك وهو قوله ( يعجل ) (فنذر) هو معطوف على فعل محذوف تقديره : ولكن نمهلهم فنذر ، ولا يجوز أن يكون معطوفا على يعجل إذ لو كان كذلك لدخل في الامتناع الذى تقتضيه لو ، وليس كذلك لان التعجيل لم يقع ، وتركهم في طغيانهم وقع.
  قوله تعالى (لجنبه) في موضع الحال : أى دعانا مضجعا ومثله ( قَاعِداً أَوْ قَائِماً ) وقيل العامل في هذه الاحوال مس ، وهو ضعيف لامرين : أحدهما أن الحال على هذا واقعة بعد جواب ( إذا ) وليس بالوجه ، والثانى أن المعنى كثرة دعائه في كل أحواله ، لا على أن الضر يصيبه في كل أحواله ، وعليه جاء‌ت آيات كثيرة في القرآن ( كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا ) في موضع الحال من الفاعل في مر ( إِلَى ضُرٍّ ) أى إلى كشف ضر ، واللام في ( لجنبه ) على أصلها عند البصريين ، والتقدير دعانا ملقيا لجنبه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 26 _
  قوله تعالى ( مِنْ قَبْلِكُمْ ) متعلق بأهلكنا وليس بحال من القرون لانه زمان ، و ( جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ ) يجوز أن يكون حالا : أى وقد جاء‌تهم ، ويجوز أن يكون معطوفا على ظلموا.
  قوله تعالى (لننظر) يقرأ في الشاذ بنون واحدة وتشديد الظاء ، ووجهها أن النون الثانية قلبت ظاء وأدغمت.
  قوله تعالى ( وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ) هو فعل ماض من دريت ، والتقدير : لو شاء الله لما أعلمكم بالقرآن ويقرأ : ولادراكم به على الاثبات.
  والمعنى : ولو شاء الله لاعلمكم به بلا واسطة ، ويقرأ في الشاذ ( ولا أدرأكم به ) بالهمزة مكان الالف ، قيل هى لغة لبعض العرب يقلبون الالف المبدلة من ياء همزة ، وقيل هو غلط لان قارئها ظن أنه من الدرء وهو الدفع ، وقيل ليس بغلط ، والمعنى : ولو شاء الله لدفعكم عن الايمان به (عمرا) ينتصب نصب الظروف : أى مقدار عمر أو مدة عمر.
  قوله تعالى ( مَا لا يَضُرُّهُمْ ) ( ما ) بمعنى الذى ، ويراد بها الاصنام ، ولهذا قال تعالى ( هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا ) فجمع حملا على معنى ( ما ).
  قوله تعالى ( وَإِذَا أَذَقْنَا ) جواب ( إذا ) الاولى (إذا) الثانية ، والثانية للمفاجأة والعامل في الثانية الاستقرار الذى في (لهم) وقيل ( اذا ) الثانية زمانية أيضا ، والثانية ومابعدها جواب الاولى.
  قوله تعالى (يسيركم) يقرأ بالسين من السير ، وينشركم من النشر : أى يصرفكم ويبثكم ( وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) ضمير الغائب ، وهو رجوع من الخطاب إلى الغيبة ، ولو قال بكم لكان موافقا لكنتم ، وكذلك (فرحوا) ومابعده (جاء‌تها) الضمير للفلك ، وقيل للريح.
  قوله تعالى ( إِذَا هُمْ ) هو جواب لما ، وهى للمفاجأة كالتى يجاب بها الشرط (بغيكم) مبتدأ ، وفى الخبر وجهان : أحدهما ( عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) وعلى متعلقة بمحذوف ، أى كائن لا بالمصدر ، لان الخبر لايتعلق بالمبتدأ ف‍ (متاع) على هذا خبر مبتدأ محذوف : أى هومتاع أو خبر بعد خبر.
  والثانى أن الخبر متاع ، وعلى أنفسكم متعلق بالمصدر ، ويقرأ متاع بالنصب ، فعلى هذا على أنفسكم خبر المبتدأ ، ومتاع منصوب على المصدر : أى يمتعكم بذلك متاع ، وقيل هو مفعول به ، والعامل فيه بغيكم ، ويكون البغى هنا بمعنى الطلب : أى طلبكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ، فعلى هذا على أنفسكم ليس بخبر ، لان المصدر لايعمل فيما بعد خبره ، بل على أنفسكم

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الثاني) _ 27 _
  متعلق بالمصدر ، والخبر محذوف تقديره : طلبكم متاع الحياة الدنيا ضلال ونحو ذلك ويقرأ متاع بالجر على أنه نعت للانفس ، والتقدير : ذوات متاع ، ويجوز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل ، أى ممتعات الدنيا ، ويضعف أن يكون بدلا إذ قد أمكن أن يجعل صفة.
  قوله تعالى ( فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ ) الباء للسبب : أى اختلط النبات بسبب اتصال الماء به ، وقيل المعنى خالطه نبات الارض ، أى اتصل به فرباه ، و ( مِمَّا يَأْكُلُ ) حال من النبات (وازينت) أصله تزينت ، ثم عمل فيه ماذكرنا في ( ادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) ويقرأ بفتح الهمزة وسكون الزاى وياء مفتوحة بعدها خفيفة النون والياء : أى صارت ذات زينة كقولك : أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى ، وصحح الياء ، والقياس أن تقلب ألفا ، ولكن جاء مصححا كما جاء استحوذ ، ويقرأ و ( ازيأنت ) بزاى ساكنة خفيفة بعدها ياء مفتوحة بعدها همزة بعدها نون مشددة والاصل وازيانت مثل احمارت ولكن حرك الالف فانقلبت همزة كما ذكرنا في الضالين ( تَغْنَ بِالأَمْسِ ) قرئ في الشاذ ( تتغن ) بتاء‌ين وهو في القراء‌ة المشهورة والامس هنا يراد به للزمان الماضى لاحقيقة أمس الذى قبل يومك ، وإذا أريد به ذلك كان معربا ، وكان بلا ألف ولام ولاإضافة نكرة.
  قوله تعالى ( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ ) الجملة مستأنفة ، ويجوز أن يكون حالا ، والعامل فيها الاستقرار في الذين : أى استقرت لهم الحسنى مضمونا لهم السلامة ونحو ذلك ، ولايجوز أن يكون معطوفا على الحسنى لان الفعل إذا عطف على المصدر احتاج إلى أن ذكرا أو تقديرا ، وإن غير مقدرة لان الفعل مرفوع.
  قوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا ) مبتدأ ، وفى الخبر وجهان : أحدهما هو قوله ( مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) أو قوله ( كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ ) أو قوله ( أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ ) ويكون ( جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ) معترضا بين المبتدأ وخبره.
  والثانى الخبر جزاء سيئة ، وجزاء مبتدأ ، وفى خبره وجهان ، أحدهما بمثلها والباء زائدة كقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، ويجوز أن تكون غير زائدة ، والتقدير : جزاء سيئة مقدر بمثلها.
  والثانى أن تكون الباء متعلقة بجزاء والخبر محذوف : أى وجزاء سيئة بمثلها واقع ( وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ) قيل هو معطوف على كسبوا ، وهو ضعيف لان المستقبل لايعطف على الماضى ، وإن قيل هو بمعنى الماضى فضعيف أيضا ، وقيل الجملة حال (قطعا) يقرأ بفتح الطاء وهو جمع قطعة ، وهو مفعول ثان لاغشيت ، و ( مِنْ اللَّيْلِ ) صفة لقطع ، و (مظلما) حال من الليل ، وقيل من قطعا أو صفة لقطعا وذكره لان القطع في معنى الكثير ، ويقرأ بسكون الطاء فعلى هذا يكون مظلما صفة لقطع ، أو حالا منه أو حالا من الضمير في من ، أو حالا من الليل.