الجزاء (ويبسط) يقرأ بالسين وهو الاصل ، وبالصاد على إبدالها من السين لتجانس الطاء في الاستعلاء.
  قوله تعالى ( مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) من تتعلق بمحذوف لانها حال : أى كائنا من بنى إسرائيل ، و ( من بعد ) متعلق بالجار الاول ، أو بما يتعلق به الاول ، والتقدير : من بعد موت موسى ، و (إذ) بدل من بعد لانهما زمانان (نقاتل) الجمهور على النون ، والجزم على جواب الامر ، وقد قرئ بالرفع في الشاذ على الاستئناف ، وقرئ بالياء والرفع على أنه صفة لملك ، وقرئ بالياء والجزم أيضا على الجواب ، ومثله ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي ) بالرفع والجزم (عسيتم) الجمهور على فتح السين ، لانه على فعل ، تقول عسى مثل رمى ، ويقرأ بكسرها وهى لغة ، والفعل منها عسى مثل خشى ، واسم الفاعل عسى مثل عم ، حكاه ابن الاعرابى وخبر عسى ( أَلاَّ تُقَاتِلُوا ) والشرط معترض بينهما (ومالنا) مااستفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولنا الخبر ، ودخلت الواو لتدل على ربط هذا الكلام بما قبله ولو حذفت لجاز أن يكون منقطعا عنه ، وهو استفهام في اللفظ وإنكار في المعنى ( أَلاَّ نُقَاتِلَ ) تقديره : في أن لانقاتل ، أى في ترك القتال ، فتتعلق ( في ) بالاستقرار أو بنفس الجار ؟؟ ، فيكون أن لانقاتل في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل.
  وقال الاخفش : أن زائدة ، والجملة حال تقديره : ومالنا غير مقاتلين مثل قوله ( مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا ) وقد أعمل إن وهى زائدة ( وَقَدْ أُخْرِجْنَا ) جملة في موضع الحال ، والعامل نقاتل ( وأبنائنا ) معطوف على ديارنا ، وفيه حذف مضاف تقديره ومن بين أبنائنا.
  قوله تعالى (طالوت) هو اسم أعجمى معرفة ، فلذلك لم ينصرف وليس بمشتق من الطول ، كما أن إسحاق ليس بمشتق من السحق ، وإنماهى ألفاظ تقارب ألفاظ العربية ، و (ملكا) حال ، و (أنى) بمعنى أين أو بمعنى كيف ، وموضعها نصب على الحال من الملك ، والعامل فيها (يكون) ولايعمل فيها واحد من الظرفين لانه عامل معنوى ، فلا يتقدم الحال عليه ، ويكون يجوز أن تكون الناقصة فيكون الخبر (له) و (علينا) حال من الملك ، والعامل فيه يكون أو الخبر ، ويجوز أن يكون الخبر علينا وله حال ، ويجوز أن تكون التامة فيكون له متعلقا بيكون وعلينا حال ، والعامل فيه فيكون ( وَنَحْنُ أَحَقُّ ) في موضع الحال ، والباء ومن يتعلقان بأحق.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 104 _

  وأصل السعة وسعة بفتح الواو ، وحقها في الاصل الكسر ، وإنما حذفت في المصدر لما حذفت في المستقبل ، وأصلها في المستقبل الكسر ، وهو قولك يسع ، ولولا ذلك لم تحذف كما لم تحذف في يوجل ويوجل ، وإنما فتحت من أجل حرف الحلق ، فالفتحة عارضة فأجرى عليها حكم الكسرة ، ثم جعلت في المصدر مفتوحة لتوافق الفعل ، ويدلك على ذلك أن قولك وعد يعد مصدره عدة بالكسر لما خرج على أصله ، و ( مِنْ الْمَالِ ) نعت للسعة ( فِي الْعِلْمِ ) يجوز أن يكون نعتا للبسطة ، وأن يكون متعلقا بها ، و (واسع) قيل هو على معنى النسب : أى هو ذو سعة ، وقيل جاء على حذف الزائد ، والاصل أوسع فهو موسع ، وقيل هو فاعل وسع ، فالتقدير على هذا واسع الحلم ، لانك تقول : وسعنا حلمه.
  قوله تعالى ( أَنْ يَأْتِيَكُمَ ) خبر إن والتاء في (التابوت) أصل ووزنه فاعول ولايعرف له اشتقاق ، وفيه لغة أخرى التابوه بالهاء ، وقد قرئ به شاذا ، فيجوز أن يكونا لغتين ، وأن تكون الهاء بدلا من التاء.
  فإن قيل : لم لايكون فعلوتا من تاب يتوب ؟ قيل المعنى لايساعده ، وإنما يشتق إذا صح المعنى ( فِيهِ سَكِينَةٌ ) الجملة في موضع الحال ، وكذلك ( تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ ) و (من ربكم) نعت للسكينة ، و ( مِمَّا تَرَكَ ) نعت لبقية وأصل بقية بقيية ولام الكلمة ياء ولاحجة في بقى لانكسار ماقبلها ، ألا ترى أن شقى أصلها واو.
  قوله تعالى (بالجنود) : في موضع الحال أى فصل ، ومعه الجنود والياء في (مبتليكم) بدل من واو لانه من بلاه يبلوه ، و (بنهر) بفتح الهاء وإسكانها لغتان ، والمشهور في القراء‌ة فتحها.
  وقرأ حميد بن قيس بإسكانها ، وأصل النهر والنهار الاتساع ، ومنه أنهر الدم ( إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ ) استثناء من الجنس وموضعه نصب ، وأنت بالخيار إن شئت جعلته استثناء من ( من ) الاولى ، وإن شئت من ( من ) الثانية ، واغترف متعد ، و (غرفة) بفتح الغين وضمها وقد قرئ بهما وهما لغتان ، وعلى هذا يحتمل أن تكون الغرفة مصدرا وأن تكون المغروف ، وقيل الغرفة بالفتح المرة الواحدة ، وبالضم قدر ماتحمله اليد ، و (بيده) يتعلق باغترف ، ويجوز أن يكون نعتا للغرفة فيتعلق بالمحذوف ( إِلاَّ قَلِيلاً ) منصوب على الاستثناء من الموجب ، وقد قرئ في الشاذ بالرفع ، وقد ذكرنا وجهه في قوله تعالى ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ ) وعين الطاقة واو ، لانه من الطوق وهو القدرة ، تقول طوقته الامر ، وخبر لا (لنا) ولايجوز أن تعمل في (اليوم) ولا في (بجالوت) الطاقة ، إذ لو كان كذلك لنونت ، بل العامل فيهما

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 105 _
  الاستقرار ، ويجوز أن يكون الخبر بجالوت فيتعلق بمحذوف ، ولنا تبيين أو صفة لطاقة ، واليوم يعمل فيه الاستقرار ، وجالوت مثل طالوت ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ ) كم هنا خبر ، وموضعها رفع بالابتداء ، و (غلبت) خبرها ومن زائدة ، ويجوز أن تكون في موضع رفع صفة لكم ، كما تقول : عندى مائة من درهم ودينار ، وأصل فئة فيئة لانه من فاء يفئ إذا رجع ، فالمحذوف عينها ، وقيل أصلها فيوة ، لانها من فأوت رأسه إذا كسرته ، فالفئة قطعة من الناس ( بِإِذْنِ اللَّهِ ) في موضع نصب على الحال ، والتقدير : بإذن الله لهم ، وإن شئت جعلتها مفعولا به.
  قوله تعالى (لجالوت) تتعلق اللام ببرزوا ، ويجوز أن تكون حالا : أى برزوا قاصدين لجالوت.
  قوله تعالى ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ) هو حال أو مفعول به.
  قوله تعالى ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ ) يقرأ بفتح الدال من غير ألف ، وهو مصدر مضاف إلى الفاعل و (الناس) مفعوله ، و (بعضهم) بدل من الناس بدل بعض من كل ، ويقرأ دفاع بكسر الدال وبالالف ، فيحتمل أن يكون مصدر دفعت أيضا ، ويجوز أن يكون مصدر دافعت (ببعض) هو المفعول الثانى يتعدى إليه الفعل بحرف الجر.
  قوله تعالى ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ ) تلك مبتدأ ، وآيات الله الخبر ، و (نتلوها) يجوز أن يكون حالا من الآيات ، والعامل فيها معنى الاشارة ، ويجوز أن يكون مستأنفا ، و (بالحق) يجوز أن يكون مفعولا به ، وأن يكون حالا من ضمير الآيات المنصوب : أى ملتبسة بالحق ، ويجوز أن يكون حالا من الفاعل : أى ومعنا الحق ، ويجوز أن يكون حالا من الكاف : أى ومعك الحق.
  قوله تعالى ( تِلْكَ الرُّسُلُ ) مبتدأ وخبر ، و (فضلنا) حال من الرسل ، ويجوز أن يكون الرسل نعتا أو عطف بيان ، وفضلنا الخبر ( مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ) يجوز أن يكون مستأنفا لاموضع له ، ويجوز أن يكون بدلا من موضع فضلنا ، ويقرأ ( كَلَّمَ اللَّهُ ) بالنصب ، ويقرأ ( كالم الله ) و (درجات) حال من بعضهم : أى ذا درجات ، وقيل درجات مصدر في موضع الحال ، وقيل انتصابه على المصدر لان الدرجة بمعنى الرفعة ، فكأنه قال : ورفعنا بعضهم رفعات ، وقيل التقدير : على درجات أو في درجات أو إلى درجات ، فلما حذف حرف الجر وصل الفعل بنفسه ( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ ) يجوز أن تكون بدلا من بعدهم بإعادة حرف الجر ، ويجوز أن تكون


إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 106 _
  من الثانية تتعلق باقتتل ، والضمير الاول يرجع إلى الرسل ، والضمير في جاء‌تهم يرجع إلى الامم (ولكن) استدراك لما دل الكلام عليه ، لان اقتتالهم كان عن اختلافهم. ثم بين الاختلاف بقوله ( فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ ) والتقدير فاقتتلوا ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) استدراك على المعنى أيضا ، لان المعنى : ولو شاء الله لمنعهم ، ولكن الله يفعل مايريد ، وقد أراد أن لايمنعهم ، أو أراد اختلافهم واقتتالهم.
  قوله تعالى (أنفقوا) مفعول محذوف : أى شيئا (مما) و ( ما ) بمعنى الذى ، والعائد محذوف : أى رزقنا كموه ( لا بَيْعٌ فِيهِ ) في موضع رفع صفة ليوم ( وَلا خُلَّةٌ ) أى فيه ( وَلا شَفَاعَةٌ ) أى فيه ، ويقرأ بالرفع والتنوين ، وقد مضى تعليله في قوله ( فَلا رَفَثَ ).
  قوله تعالى ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) مبتدأ وخبر ، وقد ذكرنا موضع هو في قوله ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف : أى هو ، وأن يكون مبتدأ والخبر لا تأخذه ، وأن يكون بدلا من هو ، وأن يكون بدلا من لاإله ، والقيوم فيعول من قام يقوم ، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الاولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمتا ، ولايجوز أن يكون فعولا من هذا ، لانه لو كان كذلك لكان قووما بالواو ، لان العين المضاعفة أبدا من جنس العين الاصلية مثل : سبوح وقدوس ، ومثل : ضراب وقتال ، فالزائد من جنس العين ، فلما جاء‌ت الياء دل أنه فيعول ، ويقرأ القيم على فيعل ، مثل سيد وميت ، ويقرأ القيام على فيعال ، مثل بيطار ، وقد قرئ في الشاذ القائم مثل قوله ( قَائِماً بِالْقِسْطِ ) وقرئ في الشاذ أيضا ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) بالنصب على إضمار أعنى ، وعين الحى ولامه ياء‌ان ، وله موضع يشبع القول فيه ( لا تَأْخُذُهُ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون له موضع ، وفى ذلك وجوه : أحدها أن يكون خبرا آخر لله أو خبرا للحى ، ويجوز أن يكون في موضع الحال من الضمير في القيوم : أى يقوم بأمر الخلق غير غافل.
  وأصل السنة وسنة ، والفعل منه وسن يسن ، مثل وعد يعد ، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر ( وَلا نَوْمٌ ) لا زائدة للتوكيد ، وفائدتها أنها لو حذفت لاحتمل الكلام أن يكون لاتأخذه سنة ولانوم في حال واحدة ، فإذا قال ولانوم نفاهما على كل حال ( لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ) يجوز أن يكون خبرا آخر لما تقدم ، وأن يكون مستأنفا ( مَنْ ذَا الَّذِي ) قد ذكر

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 107 _
  في قوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ ) ، و (عنده) ظرف ليشفع ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الضمير في يشفع ، وهو ضعيف في المعنى لان المعنى يشفع إليه ، وقيل بل الحال أقوى ، لانه إذا لم يشفع من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد ( إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) في موضع الحال ، والتقدير : لاأحد يشفع عنده إلا مأذونا له ، أو إلا ومعه إذن ، أو إلا في حال الاذن. ويجوز أن يكون مفعولا به : أى بإذنه يشفعون كما تقول : ضرب بسيفه : أى هو آلة الضرب ، و (يعلم) يجوز أن يكون خبرا آخر ، وأن يكون مستأنفا ( مِنْ عِلْمِهِ ) أى معلومه لانه قال.
  إلا بما شاء ، وعلمه الذى هو صفة له لايحاط به ولابشئ منه ، ولهذا قال ( وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) ( إِلاَّ بِمَا شَاءَ ) بدل من شئ ، كما تقول : مامررت بأحد إلا بزيد ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ) الجمهور على فتح الواو وكسر السين على أنه فعل والكرسى فاعله ، ويقرأ بسكون السين على تخفيف الكسرة كعلم في علم ، ويقرأ بفتح الواو وسكون السين ورفع العين وكرسيه بالجر ( السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ) بالرفع على أنه مبتدأ وخبر ، والكرسى فعل من الكرس وهو الجمع ، والفصيح فيه ضم الكاف ، ويجوز كسرها للاتباع ( وَلا يَئُودُهُ ) الجمهور على تحقيق الهمزة على الاصل ، ويقرأ بحذف الهمزة كما حذفت همزة أناس ، ويقرأ بواو مضمومة مكان الهمزة على الابدال و (العلى) فعيل وأصله عليو ، لانه من علا يعلو.
  قوله تعالى ( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ ) الجمهور على إدغام الدال في التاء لانها من مخرجها ، وتحويل الدال إلى التاء أولى لان الدال شديدة والتاء مهموسة ، والمهموس أخف ، ويقرأ بالاظهار وهو ضعيف لما ذكرنا ، والرشد بضم الراء وسكون الشين هو المشهور ، وهو مصدر من رشد بفتح الشين يرشد بضمها ، ويقرأ بفتح الراء والشين ، وفعله رشد يرشد مثل علم يعلم ( مِنْ الغَيِّ ) في موضع نصب على أنه مفعول ، وأصل الغى غوى ، لانه من غوى يغوى ، فقلبت الواو ياء لسكونها وسبقها ثم أدغمت ، و (الطاغوت) يذكر ويؤنث ، ويستعمل بلفظ واحد في الجمع والتوحيد والتذكير والتأنيث ، ومنه قوله ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) وأصله طغيوت لانه من طغيت تطغى ، ويجوز أن يكون من الواو ، لانه يقال فيه يطغو أيضا ، والياء أكثر ، وعليه جاء الطغيان ، ثم قدمت اللام فجعلت قبل الغين فصار طيغوتا أو طوغوتا ، فلما تحرك الحرف وانفتح ماقبله قلب ألفا ، فوزنه الآن فلعوت ، وهو مصدر في الاصل مثل الملكوت والرهبوت ، (الوثقى) تأنيث الاوثق مثل الوسطى والاوسط ، وجمعه الوثق مثل الصغر والكبر ، وأما الوثق بضمتين فجمع وثيق ( لا انفِصَامَ لَهَا ) في موضع نصب على الحال من العروة ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الوثقى.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 108 _
  قوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) مبتدأ (أولياؤهم) مبتدأ ثان ، (الطاغوت) خبر الثانى ، والثانى وخبره خبر الاول.
  وقد قرئ الطواغيت على الجمع ، وإنما جمع وهو مصدر لانه صار اسما لما يعبد من دون الله (يخرجونهم) مستأنف لاموضع له ، ويجوز أن يكون حالا ، والعامل فيه معنى الطاغوت ، وهو نظير ماقال أبوعلي في قوله ( إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً ) وسنذكره في موضعه ، فأما (يخرجهم) فيجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير في ولى.
  قوله تعالى ( أَنْ آتَاهُ اللَّهُ ) في موضع نصب عند سيبويه وجر عند الخليل ، لان تقديره : لان آتاه الله فهو مفعول من أجله : والعامل في ( حاج ) ، والهاء ضمير إبراهيم ، ويجوز أن تكون ضمير الذى ، و (إذ) يجوز أن تكون ظرفا لحاج ، وأن تكون لآتاه ، وذكر بعضهم أنه بدل من أن آتاه ، وليس بشئ لان الظرف غير المصدر ، فلو كان بدلا لكان غلطا ، إلا أن تجعل إذ بمعنى أن المصدرية ، وقد جاء ذلك وسيمر بك في القرآن مثله ( أَنَا أُحْيِي ) الاسم الهمزة والنون ، وإنما زيدت الالف عليها في الوقف لبيان حركة النون ، فإذا وصلته بما بعده حذفت الالف للغنية عنها ، وقد قرأ نافع بإثبات الالف في الوصل ، وذلك على إجراء الوصل مجرى الوقف ، وقد جاء ذلك في الشعر.
  قوله تعالى ( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي ) دخلت الفاء إيذانا بتعلق هذا الكلام بما قبله ، والمعنى إذا ادعيت الاحياء والاماتة ولم تفهم فالحجة أن الله يأتى بالشمس هذا هو المعنى ، و ( مِنْ الْمَشْرِقِ ) ، و ( مِنْ الْمَغْرِبِ ) متعلقان بالفعل المذكور وليسا حالين ، وإنما هما لابتداء غاية الاتيان ، ويجوز أن يكونا حالين ، ويكون التقدير : مسخرة أو منقادة (فبهت) على مالم يسم فاعله ، ويقرأ بفتح الباء وضم الهاء ، وبفتح الباء وكسر الهاء وهما لغتان ، والفعل فيهما لازم ، ويقرأ بفتحهما فيجوز أن يكون الفاعل ضمير إبراهيم ، و (الذى) مفعول ، ويجوز أن يكون الذى فاعلا ، ويكون الفعل لازما ، قوله تعالى ( أَوْ كَالَّذِي ) في الكاف وجهان : أحدهما أنها زائدة ، والتقدير : ألم تر إلى الذى حاج أو الذى مر على قرية ، وهو مثل قوله ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ ).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 109 _
  والثانى هى غير زائدة وموضعها نصب ، والتقدير : أو رأيت مثل الذى ، ودل على هذا المحذوف قوله ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ ) أو للتفصيل أو للتخيير في التعجب بحال أى القبيلتين شاء ، وقد ذكر ذلك في قوله ( أَوْ كَصَيِّبٍ ) وغيره ، وأصل القرية من قريت الماء إذا جمعته ، فالقرية مجتمع الناس ( وَهِيَ خَاوِيَةٌ ) في موضع جر صفة لقرية ( عَلَى عُرُوشِهَا ) يتعلق بخاوية ، لان معناه واقعة على سقوفها ، وقيل هو بدل من القرية تقديره : مر على قرية على عروشها : أى مر على عروش القرية ، وأعاد حرف الجر مع البدل ، ويجوز أن يكون على عروشها على هذا القول صفة للقرية ، لابدلا تقديره : على قرية ساقطة على عروشها ، فعلى هذا يجوز أن يكون وهى خاوية حالا من العروش ، وأن يكون حالا من القرية لانها قد وصفت ، وأن يكون حالا من هاء المضاف إليه ، والعامل معنى الاضافة ، وهو ضعيف مع جوازه (أنى) في موضع نصب ييحيى ، وهى بمعنى متى ، فعلى هذا يكون ظرفا ، ويجوز أن يكون بمعنى كيف فيكون موضعها حالا من هذه ، وقد تقدم لما فيه من الاستفهام ( مِائَةَ عَامٍ ) ظرف لاماته على المعنى ، لان المعنى ألبثه ميتا مائة عام ، ولايجوز أن يكون ظرفا على الظاهر لان الاماتة تقع في أدنى زمان : ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف تقديره : فأماته فلبث مائة عام ، ويدل على ذلك قوله ( كَمْ لَبِثْتَ ) ثم قال ( بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ) (كم) ظرف للبثت ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) الهاء زائدة في الوقف ، وأصل الفعل على هذا فيه وجهان : أحدهما هو يتسنن من قوله ( حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) فلما اجتمعت ثلاث نونات قلبت الاخيرة ياء كما قلبت في تظنيت ثم أبدلت الياء ألفا ثم حذفت للجزم.
  والثانى أن يكون أصل الالف واوا من قولك : أسنى يسنى إذا مضت عليه السنون ، وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات ، ويجوز أن تكون الهاء أصلا ، ويكون اشتقاقه من السنة ، وأصلها سنهة لقولهم سنها ، وعاملته مسانهة ، فعلى هذا تثبت الهاء وصلا ووقفا ، وعلى الاول تثبت في الوقف دون الوصل ، ومن أثبتها في الوصل أجراه مجرى الوقف.
  فإن قيل : مافاعل يتسنى ؟ قيل : يحتمل أن يكون ضمير الطعام والشراب لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر بمنزلة شئ واحد ، فلذلك أفرد الضمير في الفعل ، ويحتمل أن يكون جعل الضمير لذلك ، وذلك يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد ، ويحتمل أن يكون الضمير للشراب لانه أقرب إليه ، وإذا لم يتغير

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 110 _
  الشراب مع سرعة التغير إليه فإن لايتغير الطعام أولى ، ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية ، كما قال الشاعر :

فكأن في العينين حب قرنفل      أو سـنبل كـحلت بـه iiفانهلت
  (ولنجعلك) معطوف على فعل محذوف تقديره ، أريناك ذلك لتعلم قدر قدرتنا ولنجعلك ، وقيل الواو زائدة ، وقيل التقدير : ولنجعلك فعلنا ذلك ( كَيْفَ نُنشِزُهَا ) في موضع الحال من العظام والعامل في كيف ننشرها ، ولا يجوز أن تعمل فيها انظر ، لان الاستفهام لايعمل فيه ماقبله ، ولكن كيف وننشرها جميعا حال من العظام ، والعامل فيها انظر ، تقديره : انظر إلى العظام محياة.
  وننشرها يقرأ بفتح النون وضم الشين وماضيه نشر.
  وفيه وجهان : أحدهما أن يكون مطاوع أنشر الله الميت فنشر ، ويكون نشر على هذا بمعنى أنشر ، فاللازم والمتعدى بلفظ واحد والثانى أن يكون من النشر الذى هو ضد الطى : أى يبسطها بالاحياء ، ويقرأ بضم النون وكسر الشين : أى نحييها ، وهو مثل قوله ( إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ).
  ويقرأ بالزاى أى نرفعها ، وهو من النشز ، وهو المرتفع من الارض ، وفيها على هذا قراء‌تان : ضم النون وكسر الشين من أنشزته ، وفتح النون وضم الشين وماضيه نشزته ، وهما لغتان و (لحما) مفعول ثان ( قَالَ أَعْلَمُ ) يقرأ بفتح الهمزة واللام على أنه أخبر عن نفسه ، ويقرأ بوصل الهمزة على الامر وفاعل قال ( الله ) وقيل فاعله عزيز ، وأمر نفسه كما يأمر المخاطب كما تقول لنفسك : اعلم ياعبدالله ، وهذا يسمى التجريد ، وقرئ بقطع الهمزة وفتحها وكسر اللام ، والمعنى : أعلم الناس.
  قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ ) العامل في إذ محذوف تقديره : اذكر فهو مفعول به لاظرف ، و (أرنى) يقرأ بسكون الراء ، وقد ذكر في قوله ( وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ) ( كَيْفَ يُحْيِ ) الجملة في موضع نصب بأرنى : أى أرنى كيفية إحياء الموتى ، فكيف في موضع نصب بتحيى (ليطمئن) اللام متعلقة بمحذوف تقديره ، سألتك ليطمئن ، والهمزة في يطمئن أصل ، ووزنه يفعلل ، ولذلك جاء ( فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ ) مثل اقشعررتم ( مِنْ الطَّيْرِ ) صفة لاربعة ، وإن شئت علقتها بخذ ، وأصل الطير مصدر طار يطير طيرا مثل باع يبيع بيعا ، ثم سمى الجنس بالمصدر ، ويجوز أن يكون أصله طيرا مثل سيد ، ثم خففت كما خفف سيد ، ويجوز أن يكن جمعا مثل تاجر وتجر ، والطير واقع على الجنس والواحد طائر (فصرهن) يقرأ بضم الصاد وتخفيف الراء وبكسر الصاد وتخفيف الراء.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 111 _
  ولهما معنيان : أحدهما أملهن ، يقال صار يصوره ويصيره إذا أماله ، فعلى هذا تتعلق إلى بالفعل ، وفى الكلام محذوف تقديره : أملهن إليك ثم قطعهن.
  والمعنى الثانى أن يصوره ويصيره بمعنى يقطعه ، فعلى هذا في الكلام محذوف يتعلق به إلى : أى فقطعهن بعد أن تميلهن إليك ، والاجود عندى أن تكون إليك حالا من المفعول المضمر تقديره فقطعهن مقربة إليك أو ممالة ونحو ذلك ، ويقرأ بضم الصاد وتشديد الراء ، ثم منهم من يضمها ، ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يكسرها مثل مدهن ، فالضم على الاتباع ، والفتح للتخفيف ، والكسر على أصل التقاء الساكنين ، والمعنى في الجميع من صره يصره إذا جمعه (منهن) في موضع نصب على الحال من (جزء‌ا) وأصله صفة للنكرة قدم عليها فصار حالا ، ويجوز أن يكون مفعولا لاجعل ، وفى الجزء لغتان : ضم الزاى ، وتسكينها ، وقد قرئ بهما ، وفيه لغة ثالثة كسر الجيم ، ولم أعلم أحدا قرأ به ، وقرئ بتشديد الزاى من غير همزة.
  والوجه فيه أنه نوى الوقف عليه ، فحذف الهمزة بعد أن ألقى حركتها على الزاى ثم شدد الزاى ، كما تقول في الوقف : هذا فرح ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ، و (يأتينك) جواب الامر و (سعيا) مصدر في موضع الحال : أى ساعيات ، ويجوز أن يكون مصدرا مؤكدا ، لان السعى والاتيان متقاربان ، فكأنه قال : يأتينك إتيانا.
  قوله تعالى ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ) في الكلام حذف مضاف تقديره : مثل إنفاق الذين ينفقون ، أو مثل نفقة الذين ينفقون ، ومثل مبتدأ ، و ( كمثل حبة ) خبره ، وإنما قدر المحذوف لان الذين ينفقون لايشبهون بالحبة : بل إنفاقهم أو نفقتهم ( أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ) الجملة في موضع جر صفة لحبة ( فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) ابتداء وخبر في موضع جر صفة لسنابل ، ويجوز أن يرفع مائة حبة بالجار ، لانه قد اعتمد لما وقع صفة ، ويجوز أن تكون الجملة صفة لسبع كقولك : رأيت سبعة رجال أحرار وأحرارا ، ويقرأ في الشاذ مائة بالنصب بدلا من سبع ، أو بفعل محذوف تقديره : أخرجت ، والنون في سنبلة زائدة ، وأصله من أسبل ، وقيل هى أصل ، والاصل في مائة مئية ، يقال : أمأت الدراهم إذا صارت مائة ثم حذفت اللام تخفيفا كما حذفت لام يد.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ) مبتدأ ، والخبر ( لَهُمْ أَجْرُهُمْ ) ولام الاذى ياء ، يقال : أذى ياذى أذى مثل نصب ينصب نصبا.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 112 _
  قوله تعالى ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ) مبتدأ (ومغفرة) معطوف عليه ، والتقدير : وسبب مغفرة ، لان المغفرة من الله فلا تفاضل بينها وبين فعل عبده ، ويجوز أن تكون المغفرة مجاوزة المزكى واحتماله للفقير ، فلا يكون فيه حذف مضاف ، والخبر ( خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ ) و (يتبعها) صفة لصدقة ، وقيل قول معروف مبتدأ خبره محذوف أى أمثل من غيره ، ومغفرة مبتدأ ، وخير خبره.
  قوله تعالى ( كَالَّذِي يُنفِقُ ) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، وفى الكلام حذف مضاف تقديره : إبطالا كإبطال الذى ينفق ، ويجوز أن يكون في موضع الحال من ضمير الفاعلين : أى لاتبطلوا صدقاتكم مشبهين الذى ينفق ماله : أى مشبهين الذى يبطل إنفاقه بالرياء ، و ( رِئَاءَ النَّاسِ ) مفعول من أجله ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال : أى ينفق مرائيا ، والهمزة الاولى في رئاء عين الكلمة لانه من راء‌ى ، والاخيرة بدل من الياء لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة كالقضاء والدماء ، ويجوز تخفيف الهمزة الاولى بأن تقلب ياء فرارا من ثقل الهمزة بعد الكسرة ، وقد قرئ به ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول ، ودخلت الفاء في قوله (فمثله) لربط الجملة بما قبلها.
  والصفوان جمع صفوانة ، والجيد أن يقال هو جنس لا جمع ، ولذلك عاد الضمير إليه بلفظ الافراد في قوله ( عَلَيْهِ تُرَابٌ ) وقيل هو مفرد ، وقيل واحده صفا وجمع فعل على فعلان قليل ، وحكى صفوان بكسر الصاد ، وهو أكثر الجموع ، ويقرأ بفتح الفاء وهو شاذ ، لان فعلانا شاذ في الاسماء وإنما يجئ في المصادر مثل الغليان والصفات مثل يوم صحوان ، و ( عَلَيْهِ تُرَابٌ ) في موضع جر صفة لصفوان ، ولك أن ترفع ترابا بالجر لانه قد اعتمد على ما قبله ، وأن ترفعه بالابتداء ، والفاء في (فأصابه) عاطفة على الجار ، لان تقديره : استقر عليه تراب فأصابه ، وهذا أحد مايقوى شبه الظرف بالفعل ، والالف في أصاب منقلبة عن واو ، لانه من صاب يصوب ( فَتَرَكَهُ صَلْداً ) هو مثل قوله ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) وقد ذكر في أول السورة ( لا يَقْدِرُونَ ) مستأنف لا موضع له ، وإنما جمع هنا بعد ما أفرد في قوله كالذى ومابعده ، لان الذى هنا جنس ، فيجوز أن يعود الضمير إليه مفردا وجمعا ، ولا يجوز أن يكون من الذى ، لانه قد فصل بينهما بقوله ( فمثله ) وما بعده.
  قوله تعالى (ابتغاء) مفعول من أجله (وتثبيتا) معطوف عليه ، ويجوز أن يكونا حالين : أى مبتغين ومتثبتين ( مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) يجوز أن يكون من بمعنى اللام :

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 113 _
  أى تثبيتا لانفسهم كما تقول : فعلت ذلك كسرا من شهوتى ، ويجوز أن تكون على أصلها أى تثبيتا صادرا من أنفسهم ، والتثبيت مصدر فعل متعد ، فعلى الوجه الاول يكون من أنفسهم مفعول المصدر ، وعلى الوجه الثانى يكون المفعول محذوفا تقديره : ويثبتون أعمالهم بإخلاص النية ، ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى تثبت فيكون لازما ، والمصادر قد تختلف ويقع بعضها موقع بعض : ومثله قوله تعالى ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) أى تبتلا.
  وفى قوله ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ ) حذف تقديره : ومثل نفقة الذين ينفقون لان المنفق لا يشبه بالجنة ، وإنما تشبه النفقة التى تزكو بالجنة التى تثمر ، والربوة بضم الراء وفتحها وكسرها ثلاث لغات ، وفيها لغة أخرى رباوة ، وقد قرئ بذلك كله (أصابها) صفة للجنة ، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من الجنة ، لانها قد وصفت ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في الجار ، وقد مع الفعل مقدرة ، ويجوز أن تكون الجملة صفة لربوة ، لان الجنة بعض الربوة.
  والوابل من وبل ، ويقال أوبل فهو موبل ، وهى صفة غالبة لايحتاج معها إلى ذكر الموصوف ، وآتت متعد إلى مفعولين ، وقد حذف أحدهما : أى أعطت صاحبها ، ويجوز أن يكون متعديا إلى واحد ، لان معنى آتت أخرجت ، وهو من الاتاء وهو الريع ، والاكل بسكون الكاف وضمها لغتان ، وقد قرئ جمعا والواحد منه أكلة وهو المأكول.
  وأضاف الاكل إليها لانها محله أو سببه ، و (ضعفين) حال : أى مضاعفا (فطل) خبر مبتدإ محذوف تقديره : فالذى يصيبها طل ، أو فالمصيب لها ، أو فمصيبها ، ويجوز أن يكون فاعلا تقديره : فيصيبها طل ، وحذف الفعل لدلالة فعل الشرط عليه ، والجزم في يصيبها بلم لا بإن ، لان لم عامل يختص بالمستقبل ، وإن قد وليها الماضى ، وقد يحذف معها الفعل ، فجاز أن يبطل عملها.
  قوله تعالى ( مِنْ نَخِيلٍ ) صفة لجنة ، ونخيل جمع وهو نادر ، وقيل هو جنس و (تجرى) صفة أخرى ( لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) في الكلام حذف تقديره له فيها رزق من كل أو ثمرات من كل أنواع الثمرات ، ولا يجوز أن يكون من مبتدإ وما قبله الخبر ، لان المبتدأ لا يكون جارا ومجرورا إلا إذا كان حرف الجر زائدا ، ولا فاعلا ، لان حرف الجر لا يكون فاعلا ولكن يجوز أن يكون صفة لمحذوف ، ولا يجوز أن تكون من زائدة على قول سيبويه ، ولا على قول الاخفش ، لان المعنى يصير له فيها كل الثمرات ، وليس الامر على هذا إلا أن يراد به هاهنا الكثرة لا الاستيعاب ، فيجوز أن الاخفش ، لانه يجوز زيادة ( من ) في الواجب وإضافة

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 114 _
  ( كل ) إلى مابعدها بمعنى اللام ، لان المضاف إليه غير المضاف (وأصابه) الجملة حال من أحد ، وقد مرادة تقديره : وقد أصابه ، وقيل وضع الماضى موضع المضارع ، وقيل حمل في العطف على المعنى ، لان المعنى أيود أحدكم أن لو كانت له جنة فأصابها وهو ضعيف ، إذ لا حاجة إلى تغيير اللفظ مع صحة معناه ( وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ) جملة في موضع الحال من الهاء في أصابه.
  واختلف في أصل الذرية على أربعة أوجه : أحدها أن أصلها ذرورة من ذر يذر إذا نشر ، فأبدلت الراء الثانية ياء لاجتماع الراء‌ات ، ثم أبدلت الواو ياء ثم ادغمت ، ثم كسرت الراء إتباعا ، ومنهم من يكسر الذال إتباعا أيضا ، وقد قرئ به ، والثانى أنه من ذر أيضا إلا أنه زاد الياء‌ين ، فوزنه فعلية ، والثالث أنه من ذرأ بالهمز فأصله على هذا ذروء‌ة فعولة ، ثم أبدلت الهمزة ياء وأبدلت الواو ياء فرارا من ثقل الهمزة الواو والضمة ، والرابع أنه من ذرا يذرو لقوله ( تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ) فأصله ذرورة ثم أبدلت الواو ياء ثم عمل ما تقدم ، ويجوز أن يكون فعلية على الوجهين (فأصابها) معطوف على صفة الجنة.
  قوله تعالى ( أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ) المفعول محذوف : أى شيئا من طيبات ، وقد ذكر مستوفى فيما تقدم ( وَلا تَيَمَّمُوا ) الجمهور على تخفيف التاء وماضيه تيمم والاصل تتيمموا فحذف التاء الثانية كما ذكر في قوله ( تظاهرون ) ويقرأ بتشديد التاء وقبله ألف ، وهو جمع بين ساكنين ، وإنما سوغ ذلك المد الذى في الالف ، وقرئ بضم التاء وكسر الميم الاولى على أنه لم يحذف شيئا ووزنه تفعلوا (منه) متعلقة ب‍ (تنفقون) والجملة في موضع الحال من الفاعل في تيمموا ، وهى حال مقدرة لان الانفاق منه يقع بعد القصد إليه ، ويجوز أن يكون حالا من الخبيث لان في الكلام ضميرا يعود إليه : أى منفقا منه ، والخبيث صفة غالبة فلذلك لايذكر معها الموصوف ( وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ) مستأنف لا موضع له ( إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا ) في موضع الحال : أى إلا في حال الاغماض ، والجمهور على ضم التاء وإسكان الغين وكسر الميم وماضيه أغمض وهو متعد ، وقد حذف مفعوله أى تغمضوا أبصاركم أو بصائركم ، ويجوز أن يكون لازما مثل أغضى عن كذا ، ويقرأ كذلك إلا إنه بتشديد الميم وفتح الغين والتقدير : أبصاركم ، ويقرأ تغمضوا بضم التاء والتخفيف وفتح الميم على مالم يسم فاعله : والمعنى : إلا أن تحملوا على التفاعل عنه والمسامحة فيه ، ويجوز أن يكون من أغمض إذا صودف على تلك الحال ، كقولك : أحمد الرجل : أى وجد محمودا

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 115 _
  ويقرأ بفتح الفاء وإسكان الغين وكسر الميم من غمض يغمض ، وهى لغة في غمض ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الميم وهو من غمض كظرف ، أى خفى عليكم رأيكم فيه ، قوله تعالى (يعدكم) أصله يوعدكم فحذفت الواو لوقوعها بين ياء مفتوحة وكسرة ، وهو يتعدى إلى مفعولين ، وقد يجئ بالباء يقال وعدته بكذا ( مَغْفِرَةً مِنْهُ ) يجوز أن يكون صفة وأن يكون مفعولا متعلقا بيعد : أى يعدكم من تلقاء نفسه (وفضلا) تقديره : منه استغنى بالاولى عن إعادتها.
  قوله تعالى ( وَمَنْ يُؤْتَ ) يقرأ بضم الياء وفتح التاء ، ومن على هذا مبتدأ وما بعدها الخبر ، ويقرأ بكسر التاء ، فمن على هذا في موضع نصب بيؤت ، ويؤت مجزوم بها ، فقد عمل فيما عمل فيه ، والفاعل ضمير اسم الله ، والاصل في (يذكر) يتذكر ، فأبدلت التاء ذالا لتقرب منها فتدغم.
  قوله تعالى ( مَا أَنفَقْتُمْ ) ما شرط وموضعها نصب بالفعل الذى يليها ، وقد ذكرنا مثله في قوله ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ).
  قوله تعالى (فنعما) نعم فعل جامد لايكون فيه مستقبل وأصله نعم كعلم ، وقد جاء على ذلك في الشعر إلا أنهم سكنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلا على الاصل ، ومنهم من يترك النون مفتوحة على الاصل ، ومنهم من يكسر النون والعين إتباعا ، وبكل قد قرئ ، وفيه قراء‌ة أخرى هنا وهى إسكان العين والميم مع الادغام ، وهو بعيد لما فيه من الجمع بين الساكنين ، وقيل إن الراوى لم يضبط القراء‌ة ، لان القارئ اختلس كسرة العين فظنه إسكانا وفاعل نعم مضمر ، وما بمعنى شئ وهو المخصوص بالمدح : أى نعم الشئ شيئا (هى) خبر مبتدإ محذوف ، كأن قائلا قال ، ما الشئ الممدوح ، فيقال ، هى أى الممدوح الصدقة.
  وفيه وجه آخر وهو أن يكون هى مبتدأ مؤخرا ، ونعم وفاعلها الخبر : أى الصدقة نعم الشئ ، واستغنى عن ضمير يعود على المبتدإ لاشتمال الجنس على المبتدإ ( فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) الجملة جواب الشرط ، وموضعها جزم ، وهو ضمير مصدر لم يذكر ، ولكن ذكر فعله ، والتقدير : فالاخفاء خير لكم ، أو فدفعها إلى الفقراء في خفية خير ( نُكَفِّرْ عَنْكُمْ ) يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عزوجل ، ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضا ، وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الاخفاء ، ويقرأ وتكفر بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة ، ويقرأ بجزم الراء عطفا على موضع فهو ، وبالرفع على إضمار مبتدأ : أى ونحن أو وهى ، و (من) هنا زائدة

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 116 _
  عند الاخفش ، فيكون (سيئاتكم) المفعول ، وعند سيبويه المفعول محذوف : أى شيئا من سيئاتكم ، والسيئة فعيلة ، وعينها واو لانها من ساء يسوء فأصلها سيوئة ، ثم عمل فيها ما ذكرنا في صيب.
  قوله تعالى (للفقراء) في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره : الصدقات المذكورة للفقراء ، وقيل التقدير : اعجبوا للفقراء ( فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) ( في ) متعلقة بأحصروا على أنها ظرف له ، ويجوز أن تكون حالا : أى أحصروا مجاهدين ( لا يَسْتَطِيعُونَ ) في موضع الحال ، والعامل فيه أحصروا : أى أحصروا عاجزين ويجوز أن يكون مستأنفا (يحسبهم) حال أيضا ، ويجوز أن يكون مستأنفا لا موضع له ، وفيه لغتان كسر السين وفتحها ، وقد قرئ بهما ، و (الجاهل) جنس فلذلك لم يجمع ولا يراد به واحد ( مِنْ التَّعَفُّفِ ) يجوز أن يتعلق ( من ) بيحسب : أى يحسبهم من أجل التعفف ، ولا يجوز أن يتعلق بمعنى أغنياء ، لان المعنى يصير إلى ضد المقصود ، وذلك أن معنى الآية أن حالهم يخفى على الجاهل بهم فيظنهم أغنياء ، ولو علقت ( من ) بأغنياء صار المعنى أن الجاهل يظن أنهم أغنياء ولكن بالتعفف ، والغنى بالتعفف فقير من المال (تعرفهم) يجوز أن يكون حالا وأن يكون مستأنفا ، و ( لا يَسْأَلُونَ ) مثله و (إلحافا) مفعول من أجله ، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف دل عليه يسئلون ، فكأنه قال : لا يلحفون ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : ولا يسألون ملحفين.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ ) الموصول وصلته مبتدأ ، وقوله ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ) جملة في موضع الخبر ، ودخلت الفاء هنا لشبه الذى بالشرط في إبهامه ووصله بالفعل (بالليل) ظرفا والباء فيه بمعنى في ، و ( سِرّاً وَعَلانِيَةً ) مصدران في موضع الحال.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ) مبتدأ ( لا يَقُومُونَ ) خبره ، والكاف في موضع نصب وصفا لمصدر محذوف تقديره : إلا قياما مثل قيام الذى يتخبطه ولام الربا واو لانه من ربا يربو وتثنيته ربوان ، ويكتب بالالف.
  وأجاز الكوفيون كتبه وتثنيته بالياء قالوا لاجل الكسرة التى في أوله وهو خطأ عندنا ، و ( مِنْ الْمَسِّ ) يتعلق بيتخبطه : أى من جهة الجنون فيكون في موضع نصب (ذلك) مبتدأ ، و ( بِأَنَّهُمْ قَالُوا ) الخبر : أى مستحق بقولهم ( جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ ) إنما لم تثبت التاء لان تأنيث الموعظة غير حقيقى ، فالموعظة بمعنى.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 117 _
  قوله تعالى ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ) روى أبوزيد الانصارى أن بعضهم قرأ بكسر الراء وضم الباء وواو ساكنة ، وهى قراء‌ة بعيدة إذ ليس في الكلام اسم في آخره واو قبلها ضمة لاسيما وقبل الضمة كسرة ، وقد يؤول على أنه وقف على مذهب من قال هذه افعوا فتقلب الالف في الوقف واوا ، فإما أن يكون لم يضبط الراوى حركة الباء أو يكون سمى قربها من الضمة ضما.
  قوله تعالى ( مَا بَقِيَ ) الجمهور على فتح الباء ، وقد قرئ شاذا بسكونها ، ووجهه أنه خفف بحذف الحركة عن الياء بعد الكسرة ، وقد قال المبرد : تسكين ياء المنقوص في النصب من أحسن الضرورة هذا مع أنه معرب فهو في الفعل الماضى أحسن.
  قوله تعالى ( فَأْذَنُوا ) يقرأ بوصل الهمزة وفتح الذال وماضيه أذن ، والمعنى : فأيقنوا بحرب ، ويقرأ بقطع الهمزة والمد وكسر الذال وماضيه آذن : أى أعلم ، والمفعول محذوف : أى فأعلموا غيركم ، وقيل المعنى : صيروا عالمين بالحرب ( لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) يقرأ بتسمية الفاعل في الاول ، وترك التسمية في الثانى ووجهه أن منعهم من الظلم أهم فبدئ به ، ويقرأ بالعكس ، والوجه فيهأنه قدم ما تطمئن به نفوسهم من نفى الظلم عنهم ثم منعهم من الظلم ، ويجوز أن تكون القراء‌تان بمعنى واحد ، لان الواو لا ترتب.
  قوله تعالى ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ ) كان هنا التامة : أى إن حدث ذو عسرة ، وقيل هى الناقصة ، والخبر محذوف تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق أو نحو ذلك ، ولو نصب فقال ذا عسرة لكان الذى عليه الحق معينا بالذكر السابق ، وليس ذلك في اللفظ إلا أن يتحمل لتقديره ، والعسرة والعسر بمعنى ، والنظرة بكسر الظاء مصدر بمعنى التأخير ، والجمهور على الكسر ، ويقرأ بالاسكان إيثارا للتخفيف كفخذ وفخذ وكتف وكتف ، ويقرأ فناظرة بالالف وهى مصدر كالعاقبة والعافية ، ويقرأ فناظره على الامر كما تقول ساهله بالتأخير ( إِلَى مَيْسَرَةٍ ) أى إلى وقت ميسرة أو وجود ميسرة ، والجمهور على فتح السين والتأنيث ، وقرئ بضم السين وجعل الهاء ضميرا ، وهو بناء شاذ لم يأت منه إلا مكرم ومعون ، على أن ذلك قد تؤول على أنه جمع مكرمة ومعونة ، وتحتمل القراء‌ة بعد ذلك أمرين : أحدهما أن يكون جمع ميسرة كما قالوا في البناء‌ين.
  والثانى أن يكون أراد ميسورة فحذف الواو اكتفاء بدلالة الضمة عليها وارتفاع نظرة على الابتداء والخبر محذوف : أى فعليكم نظرة.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 118 _
  وإلى يتعلق بنظرة ( وَأَنْ تَصَدَّقُوا ) يقرأ بالتشديد وأصله تتصدقوا ، فقلب التاء الثانية صادا وأدغمها ، ويقرأ بالتخفيف على أنه حذف التاء حذفا.
  قوله تعالى ( تُرْجَعُونَ فِيهِ ) الجملة صفة يوم ، ويقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل ، وبضمها على ترك التسمية على أنه من ترجعته : أى رددته ، وهو متعد على هذا الوجه ، ولولا ذلك لما بنى لما لم يسم فاعله ، ويقرأ بالياء على الغيبة ( وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) يجوز أن يكون حالا من ( كل ) لانها في معنى الجمع ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يرجعون على القراء‌ة بالياء على أنه خرج من الخطاب إلى الغيبة كقوله ( حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ).
  قوله تعالى ( إِلَى أَجَلٍ ) هو متعلق بتداينتم ، ويجوز أن يكون صفة لدين : أى مؤخر ومؤجل ، وألف (مسمى) منقلبة عن ياء ، وكذا كل ألف وقعت رابعة فصاعدا إذا كانت منقلبة فإنها تكون منقلبة عن ياء ، ثم ينظر في أصل الياء (بالعدل) متعلق بقوله ( وليكتب ) أى ليكتب بالحق ، فيجوز أن يكون أى وليكتب عادلا ، ويجوز أن يكون مفعولا به ، أى بسبب العدل ، وقيل الباء زائدة ، والتقدير : وليكتب العدل ، وقيل هو متعلق بكاتب : أى كاتب موصوف بالعدل أو محضار ( كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ، وهو من تمام أن يكتب ، وقيل هو متعلق بقوله (فليكتب) ويكون الكلام قد تم عند قوله : أن يكتب ، والتقدير : فليكتب كما علمه الله (وليملل) ماضى هذا الفعل أمل ، وفيه لغة أخرى أملى ، ومنه قوله ( فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ ) وفيه كلام يأتى في موضعه إن شاء الله ( مِنْهُ شَيْئاً ) يجوز أن يتعلق من بيبخس ، ويكون لابتداء غاية البخس ، ويجوز أن يكون التقدير شيئا منه ، فلما قدمه صار حالا والهاء للحق ( أَنْ يُمِلَّ هُوَ ) هو هنا توكيد والفاعل مضمر ، والجمهور على ضم الهاء ، لانها كلمة منفصلة عما قبلها فهى مبدوء بها وقرئ بإسكانها على أن يكون أجرى المنفصل مجرى المتصل بالواو أو الفاء أو اللام نحو وهو فهو لهو (بالعدل) مثل الاولى ( مِنْ رِجَالِكُمْ ) يجوز أن يكون صفة لشهيدين ، ويجوز أن يتعلق باستشهدوا ( فَإِنْ لَمْ يَكُونَا ) الالف ضمير الشاهدين (فرجل) خبر مبتدأ محذوف : أى فالمستشهد رجل ( وَامْرَأَتَانِ ) وقيل هو فاعل : أى فليستشهد رجل ، وقيل الخبر محذوف تقديره : رجل وامرأتان يشهدون ، ولو كان قد قرئ بالنصب لكان التقدير فاستشهدوا ، وقرئ في الشاذ وامرأتان بهمزة ساكنة ، ووجهه أنه خفف الهمزة فقربت من الالف ، والمقربة من

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 119 _
  الالف في حكمها ولهذا لا يبتدأ بها ، فلما صارت كالالف قلبها همزة ساكنة كما قالوا خأتم وعألم ، قال ابن جنى : ولا يجوز أن يكون سكن الهمزة لان المفتوح لا يسكن لخفة الفتحة ، ولو قيل إنه سكن الهمزة لتوالى الحركات وتوالى الحركات يجتنب وإن كانت الحركة فتحة كما سكنوا باء ضربت لكان حسنا ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ ) هو في موضع رفع صفة لرجل وامرأتين تقديره : مرضيون ، وقيل هو صفة لشهيدين وهو ضعيف للفصل الواقع بينهما ، وقيل هو بدل من ( مِنْ رِجَالِكُمْ ) وأصل ترضون ترضوون ، لان لام الرضا واو لقولك الرضوان ( مِنْ الشُّهَدَاءِ ) يجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف : أى ترضونه كائنا من الشهداء ، ويجوز أن يكون بدلا من ( من ) ( أَنْ تَضِلَّ ) يقرأ بفتح الهمزة على أنها المصدرية الناصية للفعل وهو مفعول له وتقديره : لان تضل إحداهما (فتذكر) بالنصب معطوف عليه.
  فإن قلت ، ليس الغرض من استشهاد المرأتين مع الرجل أن تضل إحداهما فكيف يقدر باللام.
  فالجواب ما قاله سيبويه : إن هذا كلام محمول على المعنى ، وعادة العرب أن تقدم ما فيه السبب فيجعل في موضع المسبب لانه يصير إليه ، ومثله قولك أعددت هذه الخشبة أن تميل الحائط فأدعمه بها ، ومعلوم أنك لم تقصد بإعداد الخشبة ميل الحائط ، وإنما المعنى لادعم بها الحائط إذا مال ، فكذلك الآية تقديرها : لان تذكر إحداهما الاخرى إذا ضلت أو لضلالها ، ولا يجوز أن يكون التقدير : مخافة أن تضل ، لانه عطف عليه فتذكر ، فيصير المعنى مخافة أن تذكر إحداهما الاخرى إذا ضلت ، وهذا عكس المراد ، ويقرأ فتذكر بالرفع على الاستئناف.
  ويقرأ إن بكسر الهمزة على أنها شرط ، وفتحة اللام على هذا حركة بناء لالتقاء الساكنين ، فتذكر جواب الشرط ، ورفع الفعل لدخول الفاء الجواب ، ويقرأ بتشديد الكاف وتخفيفها ، يقال : ذكرته وأذكرته ، و (إحداهما) للفاعل ، و (الاخرى) المفعول ويصح في المعنى العكس إلا أنه يمتنع في الاعراب على ظاهر قول النحويين ، لان الفاعل والمفعول إذا لم يظهر فيهما علامة الاعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كل موضع يخاف فيه اللبس ، فعلى هذا أمن اللبس جاز تقديم المفعول كقولك : كسر عيسى العصا ، وهذه الآية من هذا القبيل ، لان النسيان والاذكار لا يتعين في واحدة منهما ، بل ذلك على الابهام ، وقد علم بقوله ( فتذكر ) أن التى تذكر هى الذاكرة ، والتى تذكر هى الناسية ، كما علم لفظ كسر من يصح منه الكسر ، فعلى هذا يجوز أن يجعل إحداهما فاعلا ، والاخرى مفعولا ، وأن يعكس.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 120 _
  فإن قيل : لم لم يقل فتذكرها الاخرى.
  قيل فيه وجهان : أحدهما أنه أعاد الظاهر ليدل على الابهام في الذكر والنسيان ، ولو أضمر لتعين عوده إلى المذكور ، والثانى أنه وضع الظاهر موضع المضمر تقديره فتذكرها ، وهذا يدل على أن إحداهما الثانية مفعول مقدم ، ولا يجوز أن يكون فاعلا في هذا الوجه ، لان الضمير هو المظهر بعينه ، والمظهر الاول فاعل تضل ، فلو جعل الضمير لذلك المظهر لكانت الناسية هى المذكرة وذا محال ، والمفعول الثانى لتذكر محذوف تقديره : الشهادة ونحو ذلك وكذلك مفعول (يأب) وتقديره : ولا يأب الشهداء إقامة الشهادة وتحمل الشهادة ، و (إذا) ظرف ليأب ويجوز أن يكون ظرفا للمفعول المحذوف ، و ( أَنْ تَكْتُبُوهُ ) في موضع نصب بتسأموا وتسأموا يتعدى بنفسه ، وقيل حرف الجر ، و ( صَغِيراً أَوْ كَبِيراً ) حالان من الهاء ، و (إلى) متعلقة بتكتبوه ، ويجوز أن تكون حالا من الهاء أيضا ، و ( عِنْدَ اللَّهِ ) ظرف لاقسط ، واللام في قوله (للشهادة) يتعلق بأقوم ، وأفعل يعمل في الظروف وحروف الجر ، وصحت الواو في أقوم كما صحت في فعل التعجب ، وذلك لجموده وإجرائه مجرى الاسماء الجامدة ، وأقوم يجوز أن يكون من أقام المتعدية لكنه حذف الهمزة الزائدة ثم أتى بهمزة أفعل كقوله تعالى ( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ) فيكون المعنى : أثبت لاقامتكم الشهادة ، ويجوز أن يكون من قام اللازم ، ويكون المعنى : ذلك أثبت لقيام الشهادة ، وقامت الشهادة ثبتت وألف (أدنى) منقلبة عن واو لانه من دنا يدنو ، و ( أَلاَّ تَرْتَابُوا ) في موضع نصب ، وتقديره.
  وأدنى لئلا ترتابوا ، أو إلى أن لا ترتابوا (تجارة) يقرأ بالرفع على أن تكون التامة ، و (حاضرة) صفتها ، ويجوز أن تكون الناقصة ، واسمها تجارة ، وحاضرة صفتها ، و (تديرونها) الخبر ، و (بينكم) ظرف لتديرونها ، وقرئ بالنصب على أن يكون اسم الفاعل مضمرا فيه تقديره ، إلا أن تكون المبايعة تجارة ، والجملة المستثناة في موضع نصب لانه استثناء من الجنس ، لانه أمر بالاستشهاد في كل معاملة ، واستثنى منه التجارة الحاضرة ، والتقدير : إلا في حال حضور التجارة ، ودخلت الفاء في (فليس) إيذانا بتعلق ما بعدها بما قبلها ، و ( أن لا تكتموها ) تقديره في ألا تكتبوها ، وقد تقدم الخلاف في موضعه من الاعراب في غير موضع ( وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ ) فيه وجوه من القراء‌ات قد ذكرت في قوله ( لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ ) وقرئ هنا بإسكان الراء مع التشديد وهى ضعيفة ، لانه في التقدير جمع بين ثلاث سواكن إلا أن لها وجها وهو أن الالف لمدها تجرى مجرى المتحرك فيبقى ساكنان ، والوقف عليه ممكن ، ثم أجرى الوصل

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 121 _
  مجرى الوقف ، أو يكون وقف عليه وقيفة يسيرة ، وقد جاء ذلك في القوافى.
  والهاء في (فإنه) تعود على الاباء أو الاضرار ، و (بكم) متعلق بمحذوف تقديره لاحق بكم ( وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ ) مستأنف لاموضع له ، وقيل موضعه حال من الفاعل في اتقوا تقديره : واتقوا الله مضمونا التعليم أو الهداية ، ويجوز أن يكون حالا مقدرة ، قوله تعالى (فرهن) خبر مبتدإ محذوف تقديره : فالوثيقة أو التوثق ، ويقرأ بضم الهاء وسكونها وهو جمع رهن مثل سقف وسقف وأسد وأسد ، والتسكين لثقل الضمة بعد الضمة ، وقيل رهن جمع رهان ورهان جمع رهن ، وقد قرئ به مثل كلب وكلاب ، والرهن مصدر في الاصل وهو هنا بمعنى مرهون ( الَّذِي اؤْتُمِنَ ) إذا وقفت على الذى ابتدأت أو تمن ، فالهمزة للوصل والواو بدل من الهمزة التى هى فاء الفعل ، فإذا وصلت حذفت همزة الوصل وأعدت الواو إلى أصلها وهو الهمزة ، وحذفت ياء الذى لالتقاء الساكنين ، وقد أبدلت الهمزة ياء ساكنة ، وياء الذى محذوفة لما ذكرنا ، وقد قرئ به (أمانته) مفعول يؤد لامصدر اؤتمن ، والامانة بمعنى المؤتمن ( وَلا تَكْتُمُوا ) الجمهور على التاء للخطاب كصدر الآية وقرئ بالياء على الغيبة لان قبله غيبا ، إلا أن الذى قبله مفرد في اللفظ وهو جنس ، فلذلك جاء الضمير مجموعا على المعنى (فإنه) الهاء ضمير من ، ويجوز أن تكون ضمير الشأن ، و (آثم) فيه أوجه : أحدها أنه خبر إن ، و (قلبه) مرفوع به ، والثانى كذلك إلا أن قلبه بدل من آثم لا على نية طرح الاول ، والثالث أن قلبه بدل من الضمير في آثم ، والرابعأن قلبه مبتدأ وآثم خبر مقدم ، والجملة خبر إن ، وأجاز قوم قلبه بالنصب على التمييز وهو بعيد لانه معرفة.
  قوله تعالى ( فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ ) يقرآن بالرفع على الاستئناف : أى فهو يغفر ، وبالجزم عطفا على جواب الشرط ، وبالنصب عطفا على المعنى بإضمار أن تقديره : فإن يغفر ، وهذا يسمى الصرف ، والتقدير : يكن منه حساب فغفران ، وقرئ في الشاذ بحذف الفاء ، والجزم على أنه بدل من يحاسبكم.
  قوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ ) معطوف على الرسول فيكون الكلام تاما عنده ، وقيل المؤمنون مبتدأ ، و (كل) مبتدأ ثان والتقدير : كل منهم ، و (آمن) خبر المبتدإ الثانى ، والجملة خبر الاول ، وأفرد الضمير في آمن ردا على لفظ كل (وكتبه) يقرأ بغير ألف على الجمع ، لان الذى معه جمع ، ويقرأ و ( كتابه )

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 122 _
  على الافراد وهو جنس ، ويجوز أن يراد به القرآن وحده (ورسله) يقرأ بالضم والاسكان ، وقد ذكر وجهه ( لا نُفَرِّقُ ) تقديره : يقولون وهو في موضع الحال وأضاف (بين) إلى أحد ، لان أحدا في معنى الجمع (وقالوا) معطوف على آمن ( غُفْرَانَكَ ) أى اغفر غفرانك فهو منصوب على المصدر ، وقيل التقدير : نسألك غفرانك.
  قوله تعالى (كسبت) وفى الثانية (اكتسبت) قال قوم : لافرق بينهما ، واحتجوا بقوله ( وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ) وقال ( ذوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) فجعل الكسب في السيئات كما جعله في الحسنات : وقال آخرون : اكتسب افتعل بدل على شدة الكلفة ، وفعل السيئة شديد لما يؤول إليه ( لا تُؤَاخِذْنَا ) يقرأ بالهمزة والتخفيف ، والماضى آخذته ، وهو من الاخذ بالذنب وحكى وأخذته بالواو.

سورة آل عمران
بسم اللّه الرحمن الرحيم

  (الم) قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة والميم من ميم حركت لالتقاء الساكنين وهو الميم ، ولام التعريف في اسم الله ، ولم تحرك لسكونها وسكون الياء قبلها ، لان جميع هذه الحروف التى على هذا المثال تسكن إذا لم يلقها ساكن بعدها كقوله لام ميم ذلك الكتاب ، وحم ، وطس ، وق وك.
  وفتحت لوجهين : أحدهما كثرة استعمال اسم الله بعدها ، والثانى ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة ، وأجاز الاخفش كسرها ، وفيه من القبح ماذكرنا ، وقيل فتحت لان حركة همزة الله ألقيت عليها ، وهذا بعيد لان همزة الوصل لاحظ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها ، وقيل الهمزة في الله همزة قطع ، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال ، فلذلك ألقيت حركتها على الميم لانها تستحق الثبوت ، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف أل ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) قد ذكر إعرابه في آية الكرسى ( نَزَّلَ عَلَيْكَ ) هو خبر آخر ، وماذكرناه في قوله ( لا تَأْخُذُهُ ) فمثله هاهنا ، وقرئ نزل عليك بالتخفيف و (الكتاب) بالرفع ، وفى الجملة وجهان : أحدهما هى منقطعة ، والثانى هى متصلة بما قبلها ، والضمير محذوف تقديره : من عنده ، و (بالحق) حال من الكتاب ، و (مصدقا) إن شئت جعلته حالا ثانيا ، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله بالحق ، وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور (التوراة) فوعلة من ورى الزنديرى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 123 _
  إذا ظهر منه النار ، فكان التوراة ضياء من الضلال ، فأصلها وورية فأبدلت الواو الاولى تاء كما قالوا تولج وأصله وولج وأبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها.
  وقال الفراء : أصلها تورية على تفعلة كتوصية ، ثم أبدل من الكسرة الفتحة فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا في ناصية ناصاة ، ويجوز إمالتها لان أصل ألفها ياء (والانجيل) إفعيل من النجل وهو الاصل الذى يتفرع عنه غيره ، ومنه سمى الولد نجلا ، واستنجل الوادى إذا نز ماؤه ، وقيل هو من السعة من قولهم : نجلت الاهاب إذا شققته ، ومنه عين نجلاء واسعة الشق ، فالانجيل الذى هو كتاب عيسى تضمن سعة لم تكن لليهود ، وقرأ الحسن ( الانجيل ) بفتح الهمزة ، ولايعرف له نظير ، إذ ليس في الكلام أفعيل ، إلا أن الحسن ثقة ، فيجوز أن يكون سمعها ، و ( مِنْ قَبْلِ ) يتعلق بأنزل ، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة ، والاصل من قبل ذلك ، فقبل في حكم بعض الاسم وبعض الاسم لا يستحق إعرابا (هدى) حال من الانجيل والتوراة ، ولم يئن لانه مصدر ، ويجوز أن يكون حالا من الانجيل ، ودل على حال للتوراة محذوفة كما يدل أحد الخبرين على الآخر (للناس) يجوز أن يكون صفة لهدى ، وأن يكون متعلقا به ، و (الفرقان) فعلال من الفرق ، وهو مصدر في الاصل ، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق ويجوز أن يكون التقدير ذا الفرقان.
  قوله تعالى ( لَهُمْ عَذَابٌ ) ابتداء وخبر في موضع خبر إن ، ويجوز أن يرتفع العذاب بالظرف.
  قوله تعالى ( فِي الأَرْضِ ) يجوز أن يكون صفة لشئ ، وأن يكون متعلقا بيخفى قوله تعالى ( فِي الأَرْحَامِ ) في متعلقة بيصور ، ويجوز أن يكون حالا من الكاف والميم : أى يصوركم وأنتم في الارحام مضغ ( كَيْفَ يَشَاءُ ) كيف في موضع نصب بيشاء وهو حال ، والمفعول : محذوف تقديره : يشاء تصويركم ، وقيل كيف ظرف ليشاء ، وموضع الجملة حال تقديره : يصوركم على مشيئته أى مريدا ، فعلى هذا يكون حالا من ضمير اسم الله ، ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم : أى يصوركم متقلبين على مشيئته ( لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) هو مثل قوله لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
  قوله تعالى ( مِنْهُ آيَاتٌ ) الجملة في موضع نصب على الحال من الكتاب ، ولك أن ترفع آيات بالظرف لانه قد اعتمد ، ولك أن ترفعه بالابتداء والظرف خبره ( هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) في موضع رفع صفة لآيات وإنما أفرد أم وهو خبر عن جمع ،

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 124 _
  لان المعنى أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة فأفرد على المعنى ، ويجوز أن يكون أفرد في موضع الجمع على ماذكرنا في قوله ( وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) ويجوز أن يكون المعنى كل منهن أم الكتاب ، كما قال الله تعالى ( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ ) أى فاجلدوا كل واحد منهم (وأخر) معطوف على آيات ، و (متشابهات) نعت لاخر.
  فإن قيل : واحدة متشابهات متشابهة ، وواحدة أخر أخرى ، والواحد هنا لايصح أن يوصف بهذا الواحد فلا يقال أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضا ، وليس المعنى على ذلك ، وإنما المعنى أن كل آية تشبه آية أخرى فكيف صح وصف هذا الجمع بهذا الجمع ، ولم يوصف مفرده بمفرده.
  قيل : التشابه لا يكون إلا بين اثنين فصاعدا ، فإذا اجتمعت الاشياء المتشابهة كان كل منهما مشابها للآخر ، فلما لم يصح التشابه إلا في حالة الاجتماع وصف الجمع بالجمع ، لان كل واحد من مفرداته يشابه باقيها ، فأما الواحد فلا يصح فيه هذا المعنى ، ونظيره قوله تعالى ( فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ ) فثنى الضمير وإن كان لايقال في الواحد يقتتل ( مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ) ما بمعنى الذى ، ومنه حال من ضمير الفاعل : والهاء تعود على الكتاب (ابتغاء) مفعول له ، والتأويل مصدر أول يؤول ، وأصله من آل يئول إذا انتهى نهايته ، و (الراسخون) معطوف على اسم الله ، والمعنى أنهم يعلمون تأويله أيضا ، و (يقولون) في موضع نصب على الحال وقيل الراسخون مبتدأ ، ويقولون الخبر ، والمعنى : أن الراسخين لا يعلمون تأويله بل يؤمنون به (كل) مبتدأ : أى كله أو كل منه ، و ( مِنْ عِنْدِ ) الخبر وموضع آمنا وكل من عند ربنا نصب بيقولون.
  قوله تعالى ( لا تُزِغْ قُلُوبَنَا ) الجمهور على ضم التاء ونصب القلوب ، يقال : زاغ القلب وأزاغه الله ، وقرئ بفتح التاء ورفع القلوب على نسبة الفعل إليها ، و ( إِذْ هَدَيْتَنَا ) ليس بظرف لانه أضيف إليه بعد ( مِنْ لَدُنْكَ ) لدن مبنية على السكون ، وهى مضافة لان علة بنائها موجودة بعد الاضافة ، والحكم يتبع العلة ، وتلك العلة أن لدن بمعنى عند الملاصقة للشئ ، فعند إذا ذكرت لم تختص بالمقارنة ، ولدن عند مخصوص فقد صار فيها معنى لايدل عليه الظرف بل هو من قبيل مايفيده الحرف ، فصارت كأنها متضمنة للحرف الذى كان ينبغى أن يوضع دليلا على القرب ومثله ثم وهنا لانهما بنيا لما تضمنا حرف الاشارة.
  وفيها لغات هذه إحداها ، وهى فتح اللام وضم الدال وسكون النون ، والثانية كذلك إلا أن الدال ساكنة ، وذلك

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 125 _
  تخفيف كما خفف عضد ، والثالثة بضم اللام وسكون الدال ، والرابعة لدى (1) والخامسة لد بفتح اللام وضم الدال من غير نون ، والسادسة بفتح اللام وإسكان الدال ولاشئ بعد الدال.
  قوله تعالى ( جَامِعُ النَّاسِ ) الاضافة غير محضة لانه مستقبل ، والتقدير : جامع الناس (ليوم) تقديره : لعرض يوم أو حساب يوم ، وقيل اللام بمعنى في : أى في يوم ، والهاء في (فيه) تعود على اليوم ، وإن شئت على الجمع ، وإن شئت على الحساب أو العرض ، ولاريب في موضع جر صفة ليوم ( إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ ) أعاد ذكر الله مظهرا تفخيما ، ولو قال إنك لا تخلف كان مستقيما ، ويجوز أن يكون مستأنفا وليس محكيا عمن تقدم ، و (الميعاد) مفعال من الوعد قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ماقبلها.
  قوله تعالى ( لَنْ تُغْنِيَ ) الجمهور على التاء لتأنيث الفاعل ، ويقرأ بالياء لان تأنيث الفاعل غير حقيقى ، وقد فصل بينهما أيضا ( مِنْ اللَّهِ ) في موضع نصب لان التقدير : من عذاب الله ، والمعنى : لن تدفع الاموال عنهم عذاب الله ، و (شيئا) على هذا في موضع المصدر تقديره : غنى ويجوز أن يكون شيئا مفعولا به على المعنى ، لان معنى تغنى عنهم تدفع ، ويكون من الله صفة لشئ في الاصل قدم فصار حالا ، والتقدير لن تدفع عنهم الاموال شيئا من عذاب الله ، والوقود بالفتح الحطب وبالضم التوقد ، وقيل هما لغتان بمعنى.
  قوله تعالى ( كَدَأْبِ ) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، وفى ذلك المحذوف أقوال : أحدها تقديره : كفروا كفرا كعادة آل فرعون ، وليس الفعل المقدر هاهنا هو الذى في صلة الذين ، لان الفعل قد انقطع تعلقه بالكاف لاجل استيفاء الذين خبره ، ولكن بفعل دل عليه ( كَفَرُوا ) التي هي صلة.
  والثانى تقديره عذبوا عذابا كدأب آل فرعون ، ودل عليه أولئك هم وقود النار.
  والثالث تقديره بطل انتفاعهم بالاموال والاولاد كعادة آل فرعون.
  والرابع تقديره : كذبوا تكذيبا كدأب آل فرعون ، فعلى هذا يكون الضمير في كذبوا لهم ، وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حل بآل فرعون ، وفى أخذه لآل فرعون ( وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) على هذا في موضع جر عطفا على آل فرعون ، وقيل الكاف في موضع رفع خبر ابتداء محذوف تقديره : دأبهم في ذلك مثل دأب آل فرعون ، فعلى هذا يجوز في والذين من قبلهم وجهان : أحدهما هو جر بالعطف أيضا ، وكذبوا في موضع الحال

--------------------
(1) ( قوله والرابعة لدى ) يقرأ بالتنوين كقفا كما في القاموس اه‍ مصححة . (*)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 126 _
  وقد معه مرادة ، ويجوز أن يكون مستأنفا لاموضع له ذكر لشرح حالهم ، والوجه.
  الآخر أن يكون الكلام تم على فرعون والذين من قبلهم مبتدأ ، و (كذبوا) خبره ، و ( شَدِيدُ الْعِقَابِ ) تقديره : شديد عقابه فالاضافة غير محضة ، وقيل شديد هنا بمعنى مشدد ، فيكون على هذا من إضافة اسم الفاعل إلى المفعول ، وقد جاء فعيل بمعنى مفعل ومفعل.
  قوله تعالى ( سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ) يقرآن بالتاء على الخطاب : أى واجههم بذلك وبالياء تقديره : أخبرهم بأحوالهم فإنهم سيغلبون ويحشرون ( وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) أي جهنم فحذف المخصوص بالذم.
  قوله تعالى ( قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ ) آية اسم كان ، ولم يؤنث لان التأنيث غير حقيقى ، ولانه فصل ، ولان الآية والدليل بمعنى ، وفى الخبر وجهان : أحدهما لكم و ( فِي فِئَتَيْنِ ) نعت لآية.
  والثاني أن الخبر في فئتين ، ولكم متعلق بكان ، ويجوز أن يكون لكم في موضع نصب على الحال على أن يكون صفة لآية : أى آية كائنة لكم فيتعلق بمحذوف ، و ( التقتا) في موضع جر نعتا لفئتين ، و (فئة) خبر مبتدأ محذوف : أى إحداهما فئة (وأخرى) نعت لمبتدأ محذوف تقديره : وفئة أخرى (كافرة) فإن قيل : إذا قررت في الاولى إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والاخرى : أى والاخرى فئة كافرة ، قيل ، لما علم أن التفريق هنا لنفس المثنى المقدم ذكره كان التعريف والتنكير واحدا ، ويقرأ في الشاذ ( فئة تقاتل وأخرى كافرة ) بالجر فيهما على أنه بدل من فئتين ، ويقرأ أيضا بالنصب فيهما على أن يكون حالا من الضمير في التقتا تقديره : التقتا مؤمنة وكافرة ، وفئة أخرى على هذا للحال ، وقيل فئة ، وماعطف عليها على قراء‌ة من رفع بدل من الضمير في التقتا (ترونهم) يقرأ بالتاء مفتوحة ، وهو من رؤية العين ، و (مثليهم) حال ، و ( رَأْيَ الْعَيْنِ ) مصدر مؤكد ، ويقرأ في الشاذ ( تَرَوْنَهُمْ ) بضم التاء على مالم يسم فاعله ، وهو من أورى إذا دله غيره عليه كقولك ، أريتك هذا الثوب ، ويقرأ في المشهور بالياء على الغيبة ، فأما القراء‌ة بالتاء فلان أول الآية خطاب ، وموضع الجملة على هذا يجوز أن يكون نعتا صفة لفئتين ، لان فيها ضميرا يرجع عليهما ، ويجوز أن يكون حالا من الكاف في لكم ، وأما القراء‌ة بالياء فيجوز أن يكون في معنى التاء ، إلا أنه رجع من الخطاب إلى الغيبة ، والمعنى واحد وقد ذكر نحوه ، ويجوز أن يكون مستأنفا ، ولا يجوز أن يكون من رؤية القلب على كل الاقوال لوجهين : أحدهما قوله رأى العين ، والثانى أن رؤية القلب علم ، ومحال أن يعلم الشئ شيئين.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 127 _
  (يؤيد) يقرأ بالهمز على الاصل وبالتخفيف ، وتخفيف الهمزة هنا جعلها واوا خالصة لاجل الضمة قبلها ، ولايصح أن تجعل بين بين لقربها من الالف ، ولايكون ماقبل الالف إلا مفتوحا ، ولذلك لم تجعل الهمزة المبدوء بها بين بين لاستحالة الابتداء بالالف.
  قوله تعالى (زين) الجمهور على ضم الزاى ، ورفع (حب) ويقرأ بالفتح ونصب حب تقديره : زين للناس الشيطان على ماجاء صريحا في الآية الاخرى ، وحركت الهاء بفى (الشهوات) لانها اسم غير صفة ( مِنْ النِّسَاءِ ) في موضع الحال من الشهوات ، والنون في القنطار أصل ، ووزنه فعلال مثل حملاق ، وقيل هى زائدة واشتقاقه من قطر يقطر إذا جرى ، والذهب والفضة يشبهان بالماء في الكثرة وسرعة التقلب ، و ( مِنْ الذَّهَبِ ) في موضع الحال من المقنطرة (والخيل) معطوف على النساء لا على الذهب والفضة لانها لاتسمى قنطارا ، وواحد الخيل خائل ، وهو مشتق من الخيلاء مثل طير وطائر ، وقال قوم : لا واحد له من لفظه بل هو اسم للجمع والواحد فرس ، ولفظه لفظ المصدر ، ويجوز أن يكون مخففا من خيل ولم يجمع (الحرث) لانه مصدر بمعنى المفعول ، وأكثر الناس على أنه لايجوز إدغام الثاء في الذال هنا لئلا يجمع بين ساكنين لان الراء ساكنة ، فأما الادغام في قوله يلهث ذلك فجائز ، و (المآب) مفعل من آب يئوب ، والاصل مأوب ، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها في الاصل وهو آب قلبت ألفا.
  قوله تعالى ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، وتقلب الثانية واوا خالصة لانضمامها وتليينها وهو جعلها بين الواو والهمزة ، وسوغ ذلك انفتاح ماقبلها ( بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ ) ( من ) في موضع نصب بخير تقديره : بما يفضل ذلك ، ولايجوز أن يكون صفة لخير ، لان ذلك يوجب أن تكون الجنة ومافيها مما رغبوا فيه بعضا لما زهدوا فيه من الاموال ونحوها ( لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ) خبر المبتدأ الذى هو (جنات) و (تجري) صفة لها.
  وعند ربهم يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون ظرفا للاستقرار ، والثانى أن يكون صفة للجنات في الاصل قدم فانتصب على الحال ويجوز أن يكون العامل تجرى ، و ( مِنْ تَحْتِهَا ) متعلق بتجرى ، ويجوز أن يكون حالا من ( الأَنْهَارُ ) أي تجرى الانهار كائنة تحتها.
  ويقرأ جنات بكسر التاء وفيه وجهان : أحدهما هو مجرور بدلا من خير ، فيكون للذين اتقوا على هذا صفة لخير ، والثانى أن يكون منصوبا على إضمار أعنى ، أو بدلا من موضع بخير ، ويجوز أن يكون