( وَفِي الرِّقَابِ ) أى في تخليص الرقاب أو عتق الرقاب ، وفى متعلقة بآتى ( وَالْمُوفُونَ ) في رفعه ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون معطوفا على من آمن ، والتقدير : ولكن البر المؤمنون الموفون : والثانى هو خبر مبتدإ محذوف تقديره ، وهم الموفون ، وعلى هذين الوجهين ينتصب (الصابرين) على إضمار أعنى ، وهو في المعنى معطوف على من ، ولكن جاز النصب لما تكررت الصفات ، ولا يجوز أن يكون معطوفا على ذوى القربى ، لئلا يفصل بين المعطوف والمعطوف عليه الذى هو في حكم الصلة بالاجنبى وهم الموفون ، والوجه الثالث أن يعطف الموفون على الضمير في آمن ، وجرى طول الكلام مجرى توكيد الضمير ، فعلى هذا يجوز أن ينتصب الصابرين على إضمار أعنى ، وبالعطف على ذوى القربى ، لان الموفون على هذا الوجه داخل في الصلة ( وَحِينَ الْبَأْسِ ) ظرف للصابرين.
قوله تعالى ( الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) مبتدأ وخبر التقدير ، الحر مأخوذ بالحر ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ ) من في موضع رفع بالابتداء ، ويجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون بمعنى الذى والخبر ( فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) والتقدير : فعليه اتباع ، و ( مِنْ أَخِيهِ ) أى من دم أخيه ، و ( من ) كناية عن ولى القاتل : أى من جعل له من دم أخيه بدل وهو القصاص أو الدية ، و (شئ) كناية عن ذلك المستحق ، وقيل ( من ) كناية عن القاتل ، والمعنى : إذا عفى عن القاتل فقبلت منه الدية ، وقيل شئ بمعنى المصدر : أى من عفى له من أخيه عفو ، كما قال ( لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ) أى ضيرا ( وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ ) أى إلى ولي المقتول (بإحسان) في موضع نصب بأداء ، ويجوز أن يكون صفة للمصدر ، وكذلك بالمعروف ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء أى فعليه اتباعه عادلا ومحسنا ، والعامل في الحال معنى الاستقرار ( فَمَنْ اعْتَدَى ) شرط (فله) جوابه ، ويجوز أن يكون بمعنى الذى.
قوله تعالى ( يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) يقال في الرفع أولوا بالواو ، وأولى بالياء في الجر والنصب ، مثل ذوو ، وأولو جمع واحدة ذو من غير لفظه ، وليس له واحد من لفظه.
قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ ) العامل في إذا كتب ، والمراد بحضور الموت حضور أسبابه ومقدماته ، وذلك هو الوقت الذى فرضت الوصية فيه وليس المراد بالكتب حقيقة الخط في اللوح ، بل هو كقوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ) ونحوه ، ويجوز أن يكون العامل في إذا معنى الايصاء ، وقد دل عليه قوله الوصية ،
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول) _ 79 _
ولا يجوز أن يكون العامل فيه لفظ الوصية المذكورة في الآية لانها مصدر ، والمصدر لا يتقدم عليه معموله ، وهذا الذى يسمى التبيين ، وأما قوله ( إِنْ تَرَكَ خَيْراً ) فجوابه عند الاخفش (الوصية) وتحذف الفاء ، أى فالوصية للوالدين ، واحتج بقول الشاعر :
من يفعل الحسنات الله يشكرها والـشـر بـالـشر عـند الله iiمـثلان
فالوصية على هذا مبتدأ ، و ( لِلْوَالِدَيْنِ ) خبره ، وقال غيره : جواب الشرط في المعنى ماتقدم من معنى كتب الوصية ، كما تقول : أنت ظالم إن فعلت ، ويجوز أن يكون جواب الشرط معنى الايصاء لا معنى الكتب ، وهذا مستقيم على قول من رفع الوصية بكتب وهو الوجه ، وقيل المرفوع بكتب الجار والمجرور وهو عليكم ، وليس بشئ (بالمعروف) في موضع نصب على الحال : أى ملتبسة بالمعروف لاجور فيها (حقا) منصوب على المصدر : أى حق ذلك حقا ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف : أى كتبا حقا أو إيصاء حقا ، ويجوز في غير القرآن الرفع بمعنى ذلك حق ، و ( عَلَى الْمُتَّقِينَ ) صفة لحق ، وقيل هو متعلق بنفس المصدر وهو ضعيف ، لان المصدر المؤكد لايعمل ، وإنما يعمل المصدر المنتصب بالفعل المحذوف إذا ناب عنه كقولك : ضربا زيدا : أى اضرب.
قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) من شرط في موضع رفع مبتدأ ، والهاء ضمير الايصاء لانه بمعنى الوصية ، وقيل هو ضمير الكتب ، وقيل هو ضمير الامر بالوصية أو الحكم المأمور به ، وقيل هو ضمير المعروف ، وقيل ضمير الحق ( بَعْدَمَا سَمِعَهُ ) ( ما ) مصدرية ، وقيل هى بمعنى الذى : أى بعد الذى سمعه من النهى عن التبديل ، والهاء في (إثمه) ضمير التبديل الذى دل عليه بدل.
قوله تعالى ( مِنْ مُوصٍ ) يقرأ بسكون الواو وتخفيف الصاد ، وهو من أوصى وبفتح الواو وتشديد الصاد وهو من وصى وكلتاهما بمعنى واحد ، ولا يراد بالتشديد هنا التكثير ، لان ذلك إنما يكون في الفعل الثلاثى إذا شدد ، فأما إذا كان التشديد نظير الهمزة فلا يدل على التكثير ، ومثله نزل وأنزل ، ومن متعلقة بخاف ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أن تجعل صفة لجنف في الاصل ، ويكون التقدير : فمن خاف جنفا كائنا من موص ، فإذا قدم انتصب على الحال ، ومثله أخذت من زيد مالا ، إن شئت علقت ( من ) بأخذت وإن شئت كان التقدير : مالا كائنا من زيد.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 80 _
قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ) المفعول القائم مقام الفاعل ، وفى موضع الكاف أربعة أوجه : أحدها هى في موضع نصب صفة للكتب : أى كتبا كما كتب فما على هذا الوجه مصدرية.
والثانى أنه صفة الصوم : أى صوما مثل ماكتب ، فما على هذا بمعنى الذى : أى صوما مماثلا للصوم المكتوب على من قبلكم ، وصوم هنا مصدر مؤكد في المعنى ، لان الصيام بمعنى أن تصوموا صوما.
والثالث أن تكون الكاف في موضع حال من الصيام : أى مشبها للذى كتب على من قبلكم.
والرابع أن يكون في موضع رفع صفة للصيام.
فإن قيل : الجار والمجرور نكرة ، والصيام معرفة ، والنكرة لاتكون صفة للمعرفة.
قيل : لما لم يرد بالصيام صياما معينا كان كالمنكر ، وقد ذكرنا نحو ذلك في الفاتحة ، ويقوى ذلك أن الصيام مصدر ، والمصدر جنس ، وتعريف الجنس قريب من تنكيره.
قوله تعالى ( أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ ) لا يجوز أن ينتصب بمصدر كتب الاولى ، لا على الظرف ولا على أنه مفعول به على السعة لان الكاف في كما وصف لمصدر محذوف ، والمصدر إذا وصف لم يعمل ، وكذلك اسم الفاعل ، ولا يجوز أن ينتصب بالصيام المذكور في الآية ، لانه مصدر ، وقد فرق بينه وبين أيام بقوله ( كَمَا كُتِبَ ) ، ويعمل فيه المصدر كالصلة ، ولا يفرق بين الصلة والموصول بأجنبى ، وإن جعلت صفة الصيام لم يجز أيضا ، لان المصدر إذا وصف لا يعمل.
والوجه أن يكون العامل في أيام محذوفا تقديره : صوموا أياما ، فعلى هذا يكون أياما ظرفا ، لان الظرف يعمل فيه المعنى ، ويجوز أن ينتصب أياما بكتب ، لان الصيام مرفوع به وكما إما مصدر لكتب أو نعت للصيام ، وكلاهما لا يمنع عمل الفعل ، وعلى هذا يجوز أن يكون ظرفا ومفعولا به على السعة.
قوله تعالى ( أَوْ عَلَى سَفَرٍ ) في موضع نصب معطوفا على خبر كان تقديره : أو كان مسافرا ، وإنما دخلت على هاهنا لان المسافر عازم على إتمام سفره ، فينبغى أن يكون التقدير : أو كان عازما على إتمام سفر ، وسفر هنا نكرة يراد به سفر معين ، وهو السفر إلى المسافة المقدرة في الشرع (فعدة) مبتدأ ، والخبر محذوف : أى فعليه عدة ، وفيه حذف مضاف : أى صوم عدة ، ولو قرئ بالنصب لكان مستقيما ، ويكون التقدير : فليصم عدة ، وفي الكلام حذف تقديره : فأفطر فعليه :
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 81 _
و ( مِنْ أَيَّامٍ ) نعت لعدة و (أخر) لا ينصرف للوصف والعدل عن الالف واللام لان الاصل في فعلى صفة أن تستعمل في الجمع بالالف واللام كالكبرى والكبر ، والصغرى والصغر (يطيقونه) الجمهور على القراءة بالياء ، وقرئ ( يطوقونه ) بواو مشددة مفتوحة ، وهو من الطوق الذى هو قدر الوسع ، والمعنى يكلفونه (فدية) يقرأ بالتنوين ، و (طعام) بالرفع بدلا منها ، أو على إضمار مبتدأ : أى هى طعام و (مسكين) بالافراد ، والمعنى أن مايلزم بإفطار كل يوم إطعام مسكين واحد ، ويقرأ بغير تنوين وطعام بالجر ومساكين بالجمع ، وإضافة الفدية إلى الطعام إضافة الشئ إلى جنسه ، كقولك ، خاتم فضة ، لان طعام المسكين يكون فدية وغير فدية ، وإنما جمع المساكين لانه جمع في قوله ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) فقابل الجمع بالجمع ، ولم يجمع فدية لامرين : أحدهما أنها مصدر ، والهاء فيها لاتدل على المرة الواحدة بل هى للتأنيث فقط.
والثانى أنه لما أضافها إلى مضاف إلى الجمع فهم منها الجمع ، والطعام هنا بمعنى الاطعام كالعطاء بمعنى الاعطاء ، ويضعف أن يكون الطعام هو المطعوم ، لانه أضافه إلى المسكين ، وليس الطعام للمسكين قبل تمليكه إياه ، فلو حمل على ذلك لكان مجازا ، لانه يكون تقديره فعليه إخراج طعام يصير للمساكين ، ولو حملت الآية عليه لم يمتنع ، لان حذف المضاف جائز ، وتسمية الشئ بما يئول إليه جائز ( فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ) الضمير يرجع إلى التطوع ولم يذكر لفظه ، بل هو مدلول عليه بالفعل ( وَأَنْ تَصُومُوا ) في موضع رفع مبتدأ ، و (خير) خبره ، و (لكم) نعت لخير ، و (إن كنتم) شرط محذوف الجواب ، والدال على المحذوف أن تصوموا.
قوله تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) في رفعه وجهان : أحدهما هو خبر مبتدإ محذوف تقديره : هى شهر ، يعنى الايام المعدودات ، فعلى هذا يكون ( الَّذِي أَنْزَلَ ) نعتا للشهر أو لرمضان ، والثانى هو مبتدأ ، ثم في الخبر وجهان : أحدهما الذى أنزل ، والثانى أن الذى أنزل صفة ، والخبر هو الجملة التى هو قوله ( فَمَنْ شَهِدَ ).
فإن قيل : لو كان خبرا لم يكن فيه الفاء ، لان شهر رمضان لا يشبه الشرط.
قيل : الفاء على قول الاخفش زائدة ، وعلى قول غيره ليست زائدة ، وإنما دخلت لانك وصفت الشهر بالذى فدخلت الفاء كما تدخل في خبر نفس الذى ، ومثله ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ).
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 82 _
فإن قيل : فأين الضمير العائد على المبتدإ من الجملة.
قيل : وضع الظاهر موضعه تفخما : أى فمن شهده منكم كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شئ بـغـض الـموت ذا الـغنى iiوالـفقيرا
أى لا يسبقه شئ ، ومن هنا شرطية مبتدأة ، ومابعدها الخبر ، ويجوز أن تكون بمعنى الذى ، فيكون الخبر فليصمه ، و (منكم) حال من ضمير الفاعل ، ومفعول شهد محذوف أى شهد المصر ، و (الشهر) ظرف أو مفعول به على السعة ولا يجوز أن يكون التقدير : فمن شهد هلال الشهر لان ذلك يكون في حق المريض والمسافر والمقيم الصحيح ، والذى يلزمه الصوم الحاضر بالمصر إذا كان صحيحا ، وقيل التقدير : هلال الشهر ، فعلى هذا يكون الشهر مفعولا به صريحا لقيامه مقام الهلال ، وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما ما قدمنا من لزوم الصوم على العموم وليس كذلك ، والثانى أن شهد بمعنى حضر ، ولا يقال حضرت هلال الشهر ، وإنما يقال شاهدت الهلال ، والهاء في (فليصمه) ضمير الشهر ، وهى مفعول به على السعة ، وليست ظرفا ، إذ لو كانت ظرفا لكانت معها في ، لان ضمير الظرف لا يكون ظرفا بنفسه ، ويقرأ ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها أنه بدل من أياما معدودات ، والثانى على إضمار أعنى شهر ، والثالث أن يكون منصوبا بتعلمون : أى إن كنتم تعلمون شرف شهر رمضان فحذف المضاف ، ويقرأ في الشاذ شهرى رمضان على الابتداء والخبر ، وأما قوله ( أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) فالمعنى في فضله كما تقول أنزل في الشئ آية ، وقيل هو ظرف : أى أنزل القرآن كله في هذا الشهر إلى السماء الدنيا ( وهدى ، وبينات ) حالان من القرآن.
قوله تعالى ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ ) الباء هنا للالصاق ، والمعنى : يريد أن يلصق بكم اليسر فيما شرعه لكم ، والتقدير : يريد الله بفطركم في حال العذر اليسر ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) هو معطوف على اليسر ، والتقدير : لان تكملوا واللام على هذا زائدة كقوله تعالى ( وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) وقيل التقدير : ليسهل عليكم ولتكملوا وقيل ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) فعل ذلك.
قوله تعالى ( فَإِنِّي قَرِيبٌ ) أى فقل لهم إنى ، لانه جواب ( إِذَا سَأَلَكَ ) (وأجيب) خبر ثان ، و ( فَلْيَسْتَجِيبُواْ ) بمعنى فليجيبوا كما تقول قر واستقر بمعنى ، وقالوا استجابه بمعنى جابه ( لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) الجمهور على فتح الياء
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 83 _
وضم الشين ، وماضيه رشد بالفتح ، ويقرأ بفتح الشين ، وماضيه رشد بكسرها ، وهى لغة ، ويقرأ بكسر الشين وماضيه أرشد : أى غيرهم.
قوله تعالى ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ) ليلة ظرف لاحل ، ولايجوز أن تكون ظرفا للرفث من جهة الاعراب ، لانه مصدر والمصدر لايتقدم عليه معموله ، ويجوز أن تكون الليلة ظرفا للرفث على التبيين ، والتقدير : أحل لكم أن ترفثوا ليلة الصيام فحذف وجعل المذكور مبينا له ، والمستعمل الشائع رفث بالمرأة بالباء ، وإنما جاء هنا بإلى لان معنى الرفث الافضاء ، وكأنه قال الافضاء ( إِلَى نِسَائِكُمْ ) والهمزة في نساء مبدلة من واو لقولك في معناه نسوة ، وهو جمع لاواحد له من لفظه ، بل واحدته امرأة ، وأما نساء فجمع نسوة ، وقيل لا واحد له ( كُنتُمْ تَخْتَانُونَ ) كنتم هنا لفظها لفظ الماضى ، ومعناها على المضى أيضا ، والمعنى : أن الاختيان كان يقع منهم فتاب عليهم منه ، وقيل إنه أراد الاختيان في المستقبل ، وذكر كان ليحكى بها الحال كما تقول : إن فعلت كنت ظالما ، وألف تختانون مبدلة من واو لانه من خان يخون ، وتقول في الجمع خونة (فالآن) حقيقة الآن الوقت الذى أنت فيه ، وقد يقع على الماضى القريب منك ، وعلى المستقبل القريب وقوعه ، تنزيلا للقريب منزلة الحاضر ، وهو المراد هنا ، لان قوله ( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) أى فالوقت الذى كان يحرم عليكم الجماع فيه من الليل قد أبحناه لكم فيه ، فعلى هذا الآن ظرف ل (باشروهن) وقيل الكلام محمول على المعنى ، والتقدير : فالآن قد أبحنا لكم أن تباشروهن ، ودل على المحذوف لفظ الامر الذى يراد به الاباحة ، فعلى هذا الآن على حقيقته ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ ) يقال تبين الشئ وبان وأبان واستبان كله لازم ، وقد يستعمل أبان واستبان وتبين متعدية ، وحتى بمعنى إلى ، و ( مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ ) في موضع نصب ، لان المعنى حتى يباين الخيط الابيض الخيط الاسود ، كما تقول : بانت اليد من زندها أى فارقته ، وأما (من الفجر) فيجوز أن يكون حالا من الضمير في الابيض ، ويجوز أن يكون تمييزا ، والفجر في الاصل مصدر فجر يفجر إذا شق ( إِلَى اللَّيْلِ ) إلى هاهنا لانتهاء غاية الاتمام ، ويجوز أن يكون حالا من الصيام ليتعلق بمحذوف ( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ ) مبتدأ وخبر في موضع الحال ، والمعنى : لاتباشروهن وقد نويتم الاعتكاف في المسجد ، وليس المراد النهى عن مباشرتهن في المسجد ، لان ذلك ممنوع منه في غير الاعتكاف ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ) دخول الفاء هنا عاطفة على شئ محذوف تقديره : تنبهوا فلا تقربوها (كذلك) في موضع نصب صفة لمصدر محذوف أى بيانا مثل هذا البيان يبين.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 84 _
قوله تعالى (بينكم) يجوز أن يكون ظرفا لتأكلوا لان المعنى لا تتناقلوها فيما بينكم ، ويجوز أن يكون حالا من الاموال : أى كائنة بينكم أو دائرة بينكم ، وهو في المعنى كقوله ( إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ ) و (بالباطل) في موضع نصب بتأكلوا : أى لاتأخذوها بالسبب الباطل ، ويجوز أن يكون حالا من الاموال أيضا ، وأن يكون حالا من الفاعل في تأكلوا ، أى مبطلين (وتدلوا) مجزوم عطفا على تأكلوا ، واللام في (لتأكلوا) متعلقة بتدلوا ، ويجوز أن يكون تدلوا منصوبا بمعنى الجمع : أى لاتجمعوا بين أن تأكلوا وتدلوا ، و (بالاثم) مثل بالباطل.
قوله تعالى ( عَنْ الأَهِلَّةِ ) الجمهور على تحريك النون وإثبات الهمزة بعد اللام على الاصل ، ويقرأ في الشذوذ بإدغام النون في اللام وحذف الهمزة ، والاصل الاهلة ، فألقيت حركة الهمزة على اللام فتحركت ، ثم حذفت همزة الوصل لتحرك اللام فصارت لهلة (1) فلما لقيت النون اللام قلبت النون لاما وأدغمت في اللام الاخرى ومثله لحمر في الاحمر وهى لغة (والحج) معطوف على الناس ، ولا اختلاف في رفع (البر) هنا.
لان خبر ليس ( بِأَنْ تَأْتُوا ) ولزم ذلك بدخول الباء فيه ، وليس كذلك ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا ) إذ لم يقترن بأحدهما مايعينه اسما أو خبرا ، و (البيوت) يقرأ بضم الباء ، وهو الاصل في الجمع على فعول ، والمعتل كالصحيح ، وإنما ضم أول هذا الجمع ليشاكل ضمة الثانى والواو بعده ، ويقرأ بكسر الباء بعده لان بعده ياء ، والكسرة من جنس الياء ، ولايحتفل بالخروج من كسر إلى ضم ، لان الضمة هنا في الياء والياء مقدرة بكسرتين فكانت الكسرة في الباء كأنها وليت كسرة ، هكذا الخلاف في العيون والجيوب والشيوخ ، ومن هاهنا جاز في التصغير الضم والكسر فيقال : بييت وبييت ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى ) مثل ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ ) وقد تقدم.
قوله تعالى ( وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ ) يقرأ ثلاثتها بالالف ، وهو نهى عن مقدمات القتل ، فيدل على النهى عن القتل من طريق الاولى ، وهو مشاكل لقوله : وقاتلوا في سبيل الله ، ويقرأ ثلاثتها بغير ألف ، وهو منع من نفس القتل وهو مشاكل لقوله ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ) ولقوله ( فاقتلوهم ) والتقدير في قوله : فإن قاتلوكم : أى فيه (كذلك) مبتدأ : و (جزاء) خبره ، والجزاء مصدر مضاف إلى المفعول ،
--------------------
(1) قوله (فصارت لهلة) كذا بالاصل ، وقد ترك عمل إدغام اللام في اللام ولعله لوضوحه ، فتأمل اه مصححه . (*)
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 85 _
ويجوز أن يكون في معنى المنصوب ، ويكون التقدير كذلك جزاء الله الكافرين ، ويجوز أن يكون في معنى المرفوع على مالم يسم فاعله ، والتقدير : كذلك يجزى الكافرون ، وهكذا في كل مصدر يشاكل هذا.
قوله تعالى ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ) أى لهم.
قوله تعالى ( حَتَّى لا تَكُونَ ) يجوز أن تكون بمعنى كى ، ويجوز أن تكون بمعنى إلى أن ، وكان هنا تامة ، وقوله ( وَيَكُونَ الدِّينُ ) يجوز أن تكون كان تامة وأن تكون ناقصة ، ويكون (لله) الخبر ( إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ) في موضع رفع خبر لا ، ودخلت إلا للمعنى ، ففى الاثبات تقول : العدوان على الظالمين ، فإذا جئت بالنفى وإلا بقى الاعراب على ماكان عليه.
قوله تعالى ( فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) يجوز أن تكون من شرطية ، وأن تكون بمعنى الذى (بمثل) الباء غير زائدة ، والتقدير : بعقوبة مماثلة لعدوانهم ، ويجوز أن تكون زائدة ، وتكون مثل صفة لمصدر محذوف : أى عدوانا مثل عدوانهم.
قوله تعالى (بأيديكم) الباء زائدة ، يقال : ألقى يده وألقى بيده.
وقال المبرد ليست زائدة ، بل هى متعلقة بالفعل كمررت بزيد (والتهلكة) تفعلة من الهلاك.
قوله تعالى ( وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) الجمهور على النصب ، واللام متعلقة بأتموا ، وهى لام المفعول له ، ويجوز أن تكون في موضع الحال تقديره ، كائنين لله ، ويقرأ بالرفع على الابتداء والخبر ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) ( ما ) في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف : أى فعليكم ، ويجوز أن تكون خبرا والمبتدأ محذوف : أى فالواجب مااستيسر ، ويجوز أن تكون ( ما ) في موضع نصب تقديره : فأهدوا أو فأدوا واستيسر بمعنى تيسر ، والسين ليست للاستدعاء هنا ، و (الهدى) بتخفيف الياء مصدر في الاصل ، وهو بمعنى المهدى ، ويقرأ بتشديد الياء وهو جمع هدية ، وقيل هو فعيل بمعنى مفعول ، والمحل يجوز أن يكون مكانا ، وأن يكون زمانا (ففدية) في الكلام حذف تقديره فحلق فعليه فدية (من صيام) في موضع رفع صفة للفدية ، و (أو) هاهنا للتخيير على أصلها.
والنسك في الاصل مصدر بمعنى المفعول لانه من نسك ينسك ، والمراد به هاهنا المنسوك ، ويجوز أن يكون اسما لامصدرا ، ويجوز تسكين السين ( فَإِذَا أَمِنتُمْ ) إذا في موضع نصب ( فَمَنْ تَمَتَّعَ )
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 86 _
شرط في موضع مبتدإ ( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) جواب فمن ، ومن جوابها جواب إذا ، والعامل في إذا معنى الاستقرار ، لان التقدير : فعليه مااستيسر : أى يستقر عليه الهدى في ذلك الوقت ، ويجوز أن تكون من بمعنى الذى ، ودخلت الفاء في خبرها إيذانا بأن مابعدها مستحق بالتمتع ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ) من في موضع رفع بالابتداء ، ويجوز أن تكون شرطا ، وأن تكون بمعنى الذى ، والتقدير : فعليه صيام وقرئ صياما بالنصب على تقدير فليصم ، والمصدر مضاف إلى ظرفه في المعنى ، وهو في اللفظ مفعول به على السعة (وسبعة) معطوفة على ثلاثة ، وقرئ وسبعة بالنصب تقديره : ولتصوموا سبعة ، أو وصوموا سبعة (ذلك لمن) اللام على أصلها : أى ذلك جائز لمن ، وقيل اللام بمعنى على : أى الهدى على من لم يكن أهله كقوله ( أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ ).
قوله تعالى (الحج) مبتدأ و (أشهر) الخبر : والتقدير الحج حج أشهر ، وقيل جعل الاشهر الحج على السعة ، ويجوز أن يكون التقدير : أشهر الحج أشهر ، وعلى كلا الوجهين لابد من حذف مضاف ( فَمَنْ فَرَضَ ) من مبتدأ ، ويجور أن تكون شرطا بمعنى الذى ، والخبر : فلا رفث ومابعده ، والعائد محذوف تقديره : فلارفث منه ، ويقرأ ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ ) بالفتح فيهن على أن الجميع اسم لا الاولى ، و ( لا ) مكررة للتوكيد في المعنى ، والخبر (في الحج) ويجوز أن تكون لا المكررة مستأنفة فيكون في الحج خبر ولاجدال وخبر لا الاولى والثانية محذوف : أى فلا رفث في الحج ولافسوق في الحج ، واستغنى عن ذلك بخبر الاخيرة ، ونظير ذلك قولهم زيد وعمرو وبشر قائم ، فقائم خبر بشر وخبر الاولين محذوف ، وهذا في الظرف أحسن ، وتقرأ بالرفع فيهن على أن تكون ( لا ) غير عاملة ، ويكون مابعدها مبتدأ وخبرا ويجوز أن تكون لاعاملة عمل ليس ، فيكون في الحج في موضع نصب ، وقرئ برفع الاولين وتنوينهما وفتح الاخير ، وإنما فرق بينهما لان معنى فلا رفث ولافسوق : لاترفثوا ولاتفسقوا ، ومعنى ولاجدال : أى لاشك في فرض الحج ، وقيل لاجدال أى لاتجادلوا وأنتم محرمون ، والفتح في الجميع أقوى لما فيه من نفى العموم ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) من خير فيه أوجه قد ذكرنا ذلك في قوله ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) ونزيد هاهنا وجها آخر ، وهو أن يكون من خير في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره ، ماتفعلوا فعلا من خير.
قوله تعالى ( أَنْ تَبْتَغُوا ) في موضع نصب على تقدير في أن تبتغوا ، وعلى قول
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 87 _
غير سيبويه هو في موضع جر على مابيناه في غير موضع ، فلو ظهرت في اللفظ لجاز أن تتعلق بنفس الجناح لما فيه من معنى الجنوح والميل ، أو لانه في معنى الاثم ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لجناح ، وأجاز قوم أن يتعلق حرف الجر بليس وفيه ضعف من ربكم) يجوز أن يكون متعلقا بتبتغوا فيكون مفعولا به أيضا ويجوز أن يكون صفة لفضل فيتعلق بمن بمحذوف ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ ) ظرف ، والعامل فيه فاذكروا ، ولا تمنع الفاء هنا من عمل مابعدها فيما قبلها لانه شرط ، و (عرفات) جمع سمى به موضع واحد ، ولولا ذلك لكان نكرة وهو معرفة ، وقد نصبوا عنه على الحال فقالوا : هذه عرفات مباركا فيها لان المراد بها بقعة بعينها ، ومثله أبانان اسم جبل أو بقعة ، والتنوين في عرفات ، وجمع جمع التأنيث نظير النون في مسلمون ، وليست دليل الصرف ، ومن العرب من يحذف التنوين وبكسر التاء ، ومنهم من يفتحها ويجعل التاء في الجمع كالتاء في الواحد ، ولايصرف للتعريف والتأنيث ، وأصل أفضتم أفضيتم ، لانه من فاض يفيض إذا سال ، وإذا كثر الناس في الطريق كان مشيهم كجريان السيل ( عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا من ضمير الفاعل ( كَمَا هَدَاكُمْ ) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف ، ويجوز أن تكون حالا من الفاعل تقديره : فاذكروه مشبهين لكم حين هداكم ، ولابد من تقدير حذف مضاف لان الجثة لاتشبه الحدث ، ومثله ( كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ ) الكاف نعت لمصدر محذوف أو حال تقديره : فاذكروا الله مبالغين ، ويجوز أن تكون الكاف في الاولى بمعنى على تقديره : فاذكروا الله على ماهداكم ، كما قال تعالى ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ )( وَإِنْ كُنتُمْ ) إن هاهنا مخففة من الثقيلة ، والتقدير : إنه كنتم من قبله ضالين ، وقد ذكرنا ذلك في قوله ( وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ).
قوله تعالى ( أَفَاضَ النَّاسُ ) الجمهور على رفع السين وهو جمع وقرئ الناسى يريد آدم وهى صفة غلبت عليه كالعباس والحرث ، ودل عليه قوله : فنسى ولم نجد له عزما.
قوله تعالى (مناسككم) واحدها منسك بفتح السين وكسرها ، والجمهور على إظهار الكاف الاولى ، وأدغمها بعضهم شبه حركة الاعراب بحركة البناء فحذفها ( أَوْ أَشَدَّ ) أو هاهنا للتخيير والاباحة ، وأشد يجوز أن يكون مجرورا عطفا على ذكركم ، تقديره أو كأشد : أى أو كذكر أشد ، ويجوز أن يكون منصوبا عطفا على الكاف ، أى أو ذكرا أشد ، و (ذكرا) تمييز وهو في موضع مشكل ، وذلك أن
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 88 _
أفعل تضاف إلى مابعدها إذا كان من جنس ماقبلها ، كقولك ذكرك أشد ذكر ووجهك أحسن وجه : أى أشد الاذكار وأحسن الوجوه ، وإذا نصبت مابعدها كان غير الذى قبلها كقولك : زيد أفره عبدا ، فالفراهة للعبد لالزيد ، والمذكور قبل أشد هاهنا هو الذكر ، والذكر لايذكر حتى يقال الذكر أشد ذكرا ، وإنما يقال الذكر أشد ذكر بالاضافة ، لان الثانى هو الاول ، والذى قاله أبوعلي وابن جنى وغيرهما أنه جعل الذكر ذاكرا على المجاز ، كما تقول : زيد أشد ذكرا من عمرو ، وعندى أن الكلام محمول على المعنى ، والتقدير : أو كونوا أشد ذكرا لله منكم لآبائكم ودل على هذا المعنى قوله تعالى ( فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) أي كونوا ذاكريه ، وهذا أسهل من حمله على المجاز.
قوله تعالى ( فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ) يجوز أن تكون ( في ) متعلقة بآتنا ، وأن تكون صفة لحسنة قدمت فصارت حالا (وقنا) حذفت منه الفاء كما حذفت في المضارع إذا قلت يقى وحذفت لامها للجزم ، واستغنى عن همزة الوصل لتحرك الحرف المبدوء به.
قوله تعالى ( فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) إن قيل : الايام واحدها يوم ، والمعدودات واحدها معدودة ، واليوم لايوصف بمعدودة لان الصفة هنا مؤنثة والموصوف مذكر ، وإنما الوجه أن يقال أيام معدودة فتصف الجمع بالمؤنث.
والجواب أنه أجرى معدودات على لفظ أيام ، وقابل الجمع بالجمع مجازا ، والاصل معدودة كما قال ( لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً ).
ولو قيل : إن الايام تشتمل على الساعات والساعة مونثة فجاز الجمع على معنى ساعات الايام ، وفيه تنبيه على الامر بالذكر في كل ساعات هذه الايام أو في معظمها لكان جوابا سديدا ، ونظير ذلك الشهر والصيف والشتاء ، فإنها يجاب بها عن كم ، وكم إنما يجاب عنها بالعدد ، وألفاظ هذه الاشياء ليست عددا ، وإنما هى أسماء لمعدودات ، فكانت جوابا من هذا الوجه ( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) الجمهور على إثبات الهمزة ، وقرئ ( فلثم ) ووجهها أنه لما خلط لا بالاسم حذف الهمزة لشبهها بالالف ، ثم حذف ألف لا لسكونها وسكون الثاء بعدها ( لِمَنْ اتَّقَى ) خبر مبتدإ محذوف تقديره : جواز التعجيل والتأخير لمن اتقى.
قوله تعالى ( مَنْ يُعْجِبُكَ ) من نكرة موصوفة ، و ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) متعلق بالقول ، والتقدير : في أمور الدنيا ، ويجوز أن يتعلق بيعجبك ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ ) يجوز أن يكون معطوفا على يعجبك ، ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 89 _
من الضمير في يعجبك ، أى يعجبك وهو يشهد الله ، ويجوز أن يكون حالا من الهاء في قوله ، والعامل فيه القول ، والتقدير : يعجبك أن يقول في أمر الدنيا مقسما على ذلك ، والجمهور على ضم الياء وكسر الهاء ونصب اسم الله ، وقرئ بفتح الياء والهاء ورفع اسم الله وهو ظاهر ( وَهُوَ أَلَدُّ ) يجوز أن تكون الجملة صفة معطوفة على يعجبك ، ويجوز أن تكون حالا معطوفة على ويشهد ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير في يشهد ، و (الخصام) هنا جمع خصم نحو كعب وكعاب ، ويجوز أن يكون مصدرا ، وفى الكلام حذف مضاف : أى أشد ذوى الخصام ، ويجوز أن يكون الخصام هنا مصدرا في معنى اسم الفاعل كما يوصف بالمصدر في قولك : رجل عدل وخصم ، ويجوز أن يكون أفعل هاهنا لا للمفاضلة ، فيصح أن يضاف إلى المصدر تقديره : وهو شديد الخصومة ، ويجوز أن يكون هو ضمير المصدر الذى هو قوله : وقوله خصام والتقدير : خصامه ألد الخصام.
قوله تعالى (ليفسد) اللام متعلقة بسعى (ويهلك) بضم الياء وكسر اللام وفتح الكاف معطوف على يفسد ، هذا هو المشهور ، وقرئ بضم الكاف أيضا على الاستئناف أو على إضمار مبتدإ : أى وهو يهلك ، وقيل هو معطوف على يعجبك ، وقيل هو معطوف على معنى سعى ، لان التقدير : واذا تولى يسعى ، ويقرأ بفتح الياء وكسر اللام وضم الكاف ورفع الحرث ، والتقدير : ويهلك الحرث بسعيه ، وقرئ بفتح الياء واللام وهى لغة ضعيفة جدا ، و (الحرث) مصدر حرث يحرث وهو هاهنا بمعنى المحروث (و) كذلك (النسل) بمعنى المنسول.
قوله تعالى ( الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ ) في موضع نصب على الحال من العزة ، والتقدير : أخذته العزة ملتبسة بالاثم ، ويجوز أن تكون حالا من الهاء : أى أخذته العزة آثما.
ويجوز أن تكون الباء للسببية فيكون مفعولا به ، أى أخذته العزة بسبب الاثم (فحسبه) مبتدأ ، و (جهنم) خبره ، وقيل جهنم فاعل حسبه لانه حسبه في معنى اسم الفاعل : أى كافيه ، وقد قرئ بالفاء الرابطة للجملة بما قبلها وسد الفاعل مسد الخبر ، وحسب مصدر في موضع اسم الفاعل ( وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) المخصوص بالذم محذوف : أى ولبئس المهاد جهنم.
قوله تعالى ( ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) الجمهور على تفخيم مرضاة ، وقرئ بالامالة لتجانس كسرة التاء ، وإذا اضطر حمزة هنا إلى الوقف وقف بالتاء ، وفيه وجهان :
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 90 _
أحدهما هو لغة في الوقف على تاء التأنيث حيث كانت ، والثانى أنه دل بالوقف على التاء على إرادة المضاف إليه فهو في تقدير الوصل.
قوله تعالى ( فِي السِّلْمِ ) يقرأ بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام وبفتح السين واللام : وهو الصلح ، ويذكر ويؤنث ، ومنه قوله تعالى ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) ومنهم من قال الكسر بمعنى الاسلام ، والفتح بمعنى الصلح (كافة) حال من الفاعل في ادخلوا ، وقيل هو حال من السلم : أى في السلم من جميع وجوهه.
قوله تعالى ( هَلْ يَنظُرُونَ ) لفظه لفظ الاستفهام ومعناه النفى ، ولهذا جاءت بعده إلا (في ظلل) يجوز أن يكون ظرفا وأن يكون حالا ، والظلل جمع ظلة ، ويقرأ في ظلال ، قيل هو جمع ظل ، وقيل جمع ظلة أيضا ، مثل خلة وخلال وقلة وقلال ( مِنْ الْغَمَامِ ) يجوز أن يكون وصفا لظلل ، ويجوز أن يتعلق من بيأتيهم : أى يأتيهم من ناحية الغمام ، والغمام جمع غمامة (والملائكة) يقرأ بالرفع عطفا على اسم الله ، وبالجر عطفا على ظلل ، ويجوز أن يعطف على الغمام.
قوله تعالى (سل) فيه لغتان سل واسأل ، فماضى اسأل سأل بالهمزة ، فاحتيج في الامر إلى همزة الوصل لسكون السين ، وفى سل وجهان : أحدهما أن الهمزة ألقيت حركتها على السين ، فاستغنى عن همزة الوصل لتحرك السين.
والثانى أنه من سال يسال مثل خاف يخاف وهى لغة فيه ، وفيه لغتان ثالثة وهى اسل حكاها الاخفش ، ووجهها أنه ألقى حركة الهمزة على السين وحذفها ، ولم يعتد بالحركة لكونها عارضة ، فلذلك جاء بهمزة الوصل كما قالوا الحمر ( كَمْ آتَيْنَاهُمْ ) الجملة في موضع نصب ، لانها المفعول الثانى لسل ، ولاتعمل سل في كم لانها استفهام ، وموضع كم فيه وجهان : أحدهما نصب لانها المفعول الثانى لآتيناهم ، والتقدير : أعشرين آية أعطيناهم ، والثانى هى في موضع رفع بالابتداء ، وآتيناهم خبرها ، والعائد محذوف ، والتقدير : آتيناهموها أو آتيناهم إياها ، وهو ضعيف عند سيبويه ، و ( مِنْ آيَةٍ ) تمييز لكم والاحسن إذا فصل بين كم وبين مميزها أن يؤتى بمن ( وَمَنْ يُبَدِّلْ ) في موضع رفع بالابتداء ، والعائد الضمير في يبدل ، وقيل العائد محذوف تقديره شديد العقاب له 7.
قوله تعالى (زين) إنما حذفت التاء لاجل الفصل بين الفعل وبين ماأسند إليه ، ولان تأنيث الحياة غير حقيقى ، وذلك يحسن مع الفصل والوقف على آمنوا ( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا ) مبتدأ ، و (فوقهم) خبره.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 91 _
قوله تعالى ( مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) حالان ( وَأَنزَلَ مَعَهُمْ ) معهم في موضع الحال من (الكتاب) أى وأنزل الكتاب شاهدا لهم ومؤيدا ، والكتاب جنس أو مفرد في موضع الجمع (وبالحق) في موضع الحال من الكتاب : أى مشتملا على الحق وممتزجا بالحق (ليحكم) اللام متعلقة بأنزل وفاعل ( يحكم ) الله ، ويجوز أن يكون الكتاب ( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ ) من تتعلق باختلف ، ولا يمنع إلا من ذلك كما تقول : ماقام إلا زيد يوم الجمعة ، و (بغيا) مفعول من أجله ، والعامل فيه اختلف ( مِنْ الْحَقِّ ) في موضع الحال من الهاء في فيه ، ويجوز أن تكون حالا من ما ، و (باذنه) حال من الذين آمنوا : أى مأذونا لهم ، ويجوز أن يكون مفعولا هدى أى هداهم بأمره.
قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ ) أم بمنزلة بل والهمزة فهى منقطعة ، و ( أَنْ تَدْخُلُوا ) أن وما عملت فيه تسد مسد المفعولين عند سيبويه ، وعند الاخفش المفعول الثانى محذوف (ولما) هنا ( لم ) دخلت عليها ( ما ) وبقى جزمها (مستهم) جملة مستأنفة لا موضع لها ، وهى شارحة لاحوالهم ، ويجوز أن تضمر معها قد فتكون حالا ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ) يقرأ بالنصب ، والتقدير : إلى أن يقول الرسول فهو غاية ، والفعل هنا مستقبل حكيت به حالهم والمعنى على المضى والتقدير : إلى أن قال الرسول ، ويقرأ بالرفع على أن يكون التقدير : وزلزلوا فقال الرسول : فالزلزلة سبب القول ، وكلا الفعلين ماض فلم تعمل فيه حتى ( مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ) الجملة ومابعدها في موضع نصب بالقول ، وفى هذا الكلام إجمال ، وتفصيله أن أتباع الرسول قالوا متى نصر الله فقال الرسول ألا إن نصر الله قريب ، وموضع متى رفع لانه خبر المصدر ، وعلى قول الاخفش موضعه نصب على الظرف ، ونصر مرفوع به.
قوله تعالى (يسئلونك) يجوز أن تلقى حركة الهمزة على السين وتحذفها ، ومن قال سأل فجعلها ألفا مبدلة من ولو قال يسألونك مثل يحافونك ( مَاذَا يُنفِقُونَ ) في ماذا مذهبان للعرب أحدهما أن تجعل ما استفهاما بمعنى أى شئ وذا بمعنى الذى وينفقون صلته ، والعائد محذوف فتكون ما مبتدأ وذا وصلته خبرا ، ولا نجعل ذا بمعنى الذى إلا مع ( ما ) عند البصريين ، وأجاز الكوفيون ذلك مع غير ما.
والمذهب الثانى أن تجعل ما وذا بمنزلة اسم واحد للاستفهام ، وموضعه هنا نصب بينفقون ، وموضع الجملة نصب بيسألون على المذهبين ( مَا أَنفَقْتُمْ ) ما شرط في موضع
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 92 _
نصب بالفعل الذى بعدها ، و ( مِنْ خَيْرٍ ) قد تقدم إعرابه ( فَلِلْوَالِدَيْنِ ) جواب الشرط ، ويجوز أن تكون ما بمعنى الذى فتكون مبتدأ والعائد محذوف ومن خير حال من المحذوف فللوالدين الخبر ، فأما ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) فشرط البتة.
قوله تعالى ( وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) الجملة في موضع الحال ، وقيل في موضع الصفة ويقرأ بضم الكاف وفتحها وهما لغتان بمعنى ، وقيل الفتح بمعنى الكراهية فهو مصدر والضم اسم المصدر ، وقيل الضم بمعنى المشقة أو إذا كان مصدرا احتمل أن يكون المعنى فرض القتال إكراه لكم ، فيكون هو كناية عن الفرض والكتب ، ويجوز أن يكون كناية عن القتال ، فيكون الكره بمعنى المكروه ( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا ) أن والفعل في موضع رفع فاعل عسى ، وليس في عسى ضمير ( وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) جملة في موضع نصب ، فيجوز أن يكون صفة لشئ ، وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا ، ويجوز أن تكون حالا من النكرة ، لان المعنى يقتضيه.
قوله تعالى ( قِتَالٍ فِيهِ ) هو بدل من الشهر بدل الاشتمال ، لان القتال يقع في الشهر.
وقال الكسائى : هو مخفوض على التكرير ، يريد أن التقدير عن قتال فيه وهو معنى قول الفراء ، لانه قال هو مخفوض بعن مضمرة ، وهذا ضعيف جدا لان حرف الجر لا يبقى عمله بعد حذفه في الاختيار.
وقال أبوعبيدة : هو مجرور على الجوار ، وهو أبعد من قولهما ، لان الجوار من مواضع الضرورة والشذوذ ، ولايحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة ، وفيه يجوز أن يكون نعتا لقتال ، ويجوز أن يكون متعلقا به كما يتعلق بقاتل ، وقد قرئ بالرفع في الشاذ ، ووجهه على أن يكون خبر مبتدإ محذوف معه همزة الاستفهام تقديره : أجائز قتال فيه ( قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) مبتدأ وخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لانها قد وصفت بقوله ( فيه ).
فإن قيل : النكرة إذا أعيدت أعيدت بالالف واللام كقوله ( فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ ) قيل : ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسئول عنه حتى يعاد بالالف واللام ، بل المراد تعظيم أى قتال كان في الشهر الحرام ، فعلى هذا القتال الثانى غير القتال الاول (وصد) مبتدأ ، و ( عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) صفة له أو متعلق به (وكفر) معطوف على صد ( وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ) معطوف أيضا ، وخبر الاسماء ، الثلاثة (أكبر) وقيل خبر صد وكفر محذوف أيضا أغنى عنه خبر إخراج أهله ، ويجب أن يكون المحذوف على هذا أكبر لا كبير كما قدره بعضهم ، لان ذلك يوجب
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 93 _
أن يكون إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر وليس كذلك ، وأما جر المسجد الحرام فقيل هو معطوف على الشهر الحرام ، وقد ضعف ذلك بأن القوم لم يسألوا عن المسجد الحرام إذ لم يشكوا في تعظيمه ، وإنما سألوا عن القتال في الشهر الحرام لانه وقع منهم ولم يشعروا بدخوله فخافوا من الاثم ، وكان المشركون عيروهم بذلك ، وقيل هو معطوف على الهاء في به ، وهذا لا يجوز عند البصريين إلا أن يعاد الجار ، وقيل هو معطوف على السبيل ، وهذا لا يجوز لانه معمول المصدر والعطف بقوله ( وَكُفْرٌ بِهِ ) يفرق بين الصلة والموصول ، والجيد أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه الصد ، تقديره : ويصدون عن المسجد كما قال تعالى ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )( حَتَّى يَرُدُّوكُمْ ) يجوز أن تكون حتى بمعنى كى ، وأن تكون بمعنى إلى ، وهى في الوجهين متعلقة بيقاتلونكم ، وجواب ( إِنْ اسْتَطَاعُوا ) محذوف قام مقامه ( وَلا يَزَالُونَ ) (فيمت) معطوف على يرتدد ويرتدد مظهرا لما سكنت الدال الثانية لم يمكن تسكين الاولى لئلا يجتمع ساكنان ويجوز أن يكون في العربية يرتد ، وقد قرئ في المائدة بالوجهين ، وهناك تعلل القراءتان إن شاء الله ، ومنكم في موضع الحال من الفاعل المضمر ، ومن في موضع مبتدأ ، والخبر هو الجملة التى هى قوله ( فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ ) قوله تعالى ( فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ) الاحسن القراءة بالباء لانه يقال إثم كبير وصغير ويقال في الفواحش العظام الكبائر وفيما دون ذلك الصغائر ، وقد قرئ بالثاء وهو جيد في المعنى ، لان الكثرة كبر والكثير كبير ، كما أن الصغير يسير حقير (وإثمهما) و (نفعهما) مصدران مضافان إلى الخمر والميسر ، فيجوز أن تكون إضافة المصدر إلى الفاعل ، لان الخمر هو الذى يؤثم ، ويجوز أن تكون الاضافة إليهما لانهما سبب الاثم أو محله ( قُلْ الْعَفْوَ ) يقرأ بالرفع على أنه خبر ، والمبتدأ محذوف تقديره : قل المنفق ، وهذا إذا جعلت ماذا مبتدأ وخبرا ، ويقرأ بالنصب بفعل محذوف تقديره ينفقون العفو ، وهذا إذا جعلت ما وذا اسما واحدا ، لان العفو جواب وإعراب الجواب كإعراب السؤال (كذلك) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أى تبيينا مثل هذا التبيين يبين لكم.
قوله تعالى ( فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) وفى متعلقة بيتفكرون ، ويجوز أن تتعلق بيبين ( إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) إصلاح مبتدأ ولهم نعت له وخير خبره ، فيجوز أن يكون التقدير خير لهم ، ويجوز أن يكون خير لكم : أى إصلاحهم نافع لكم ، ويجوز
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 94 _
أن يكون لهم نعتا لخير قدم عليه فيكون في موضع الحال ، وجاز الابتداء بالنكرة وإن لم توصف لان الاسم هنا في معنى الفعل تقديره : أصلحوهم ، ويجوز أن تكون النكرة والمعرفة هنا سواء ، لانه جنس ( فَإِخْوَانُكُمْ ) أى فهم إخوانكم ، ويجوز في الكلام النصب تقديره : فقد خالطتم إخوانكم ، و (المفسد) و (المصلح) هنا جنسان ، وليس الالف واللام لتعريف المعهود ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ ) المفعول محذوف تقديره : ولو شاء الله إعناتكم ( لاعنتكم ).
قوله تعالى ( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ) ماضى هذا الفعل ثلاثة أحرف ، يقال : نكحت المرأة إذا تزوجتها ( وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ ) بضم التاء لانه من أنكحت الرجل إذا زوجته ( وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ) لو ها هنا بمعنى إن ، وكذا في كل موضع وقع بعد لو الفعل الماضى ، ولو كان جوابها متقدما عليها ( وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ) يقرأ بالجر عطفا على الجنة ، والرفع على الابتداء.
قوله تعالى ( عَنْ الْمَحِيضِ ) يجوز أن يكون المحيض موضع الحيض ، وأن يكون نفس الحيض ، والتقدير : يسألونك عن الوطئ في زمن الحيض أو في مكان الحيض مع وجود الحيض ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ ) أى وطئ النساء ، وهو كناية عن الوطئ الممنوع ، ويجوز أن يكون كناية عن المحيض ، ويكون التقدير : هو سبب أذى ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) يقرأ بالتخفيف وماضيه طهرن : أى انقطع دمهن وبالتشديد ، والاصل يتطهرن : أى يغتسلن فسكن التاء وقلبها طاء وأدغمها ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ ) من هنا لابتداء الغاية على أصلها : أى من الناحية التى تنتهى إلى موضع الحيض ، ويجوز أن تكون بمعنى في ليكون ملائما لقوله في المحيض ، وفى الكلام حذف تقديره : أمركم الله بالاتيان منه.
قوله تعالى ( حَرْثٌ لَكُمْ ) إنما أفرد الخبر والمبتدأ جمع ، لان الحرث مصدر وصف به وهو في معنى المفعول : أى محروثات ( أَنَّى شِئْتُمْ ) أى كيف شئتم ، وقيل متى شئتم ، وقيل من أين شئتم بعد أن يكون في الموضع المأذون فيه والمفعول محذوف : أى شئتم الاتيان ، ومفعول (قدموا) محذوف تقديره : نية الولد أو نية الاعفاف (وبشر) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم لجرى ذكره في قوله يسألونك.
قوله تعالى ( أَنْ تَبَرُّوا ) في موضع نصب مفعول من أجله : أى مخافة أن تبروا ، وعند الكوفيين لئلا تبروا.
وقال أبوإسحاق : هو في موضع رفع بالابتداء ، والخبر
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 95 _
محذوف : أى أن تبروا وتتقوا خير لكم ، وقيل التقدير : في أن تبروا فلما حذف حرف الجر نصب ، وقيل هو في موضع جر بالحرف المحذوف.
قوله تعالى ( فِي أَيْمَانِكُمْ ) يجوز أن تتعلق ( في ) بالمصدر كما تقول لغا في يمينه ، ويجوز أن يكون حالا منه تقديره : باللغو كائنا في أيمانكم ويقرب عليك هذا المعنى أنك لو أتيت بالذى لكان المعنى مستقيما ، وكان صفة كقولك باللغو الذى في أيمانكم ( بِمَا كَسَبَتْ ) يجوز أن تكون ما مصدرية فلا تحتاج إلى ضمير ، وأن تكون بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، فيكون العائد محذوفا.
قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ ) اللام متعلقة بمحذوف وهو الاستقرار ، وهو خبر والمبتدأ (تربص) وعلى قول الاخفش هو فعل وفاعل ، وأما من فقيل يتعلق بيؤلون ، يقال : آلى من امرأته وعلى امرأته ، وقيل الاصل على ، ولا يجوز أن يقام من مقام على ، فعند ذلك تتعلق من بمعنى الاستقرار ، وإضافة التربص إلى الاشهر إضافة المصدر إلى المفعول فيه في المعنى ، وهو مفعول به على السعة ، والالف في (فاءوا) منقلبة عن ياء لقولك فاء يفى فيئة.
قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) أى على الطلاق ، فلما حذف الحرف نصب ، ويجوز أن يكون حمل عزم على نوى ، فعداه بغير حرف ، والطلاق اسم للمصدر ، والمصدر التطليق.
قوله تعالى ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ ) قيل لفظه خبر ، ومعناه الامر : أى ليتربصن : وقيل هو على بابه ، والمعنى : وحكم المطلقات أن يتربصن ( ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) وانتصاب ثلاثة هنا على الظرف ، وكذلك كل عدد أضيف إلى زمان أو مكان ، وقروء جمع كثرة ، والموضع موضع قلة فكان الوجه ثلاثة أقراء ، واختلف في تأويله فقيل : وضع جمع الكثرة في موضع جمع القلة ، وقيل لما جمع في المطلقات أتى بلفظ جمع الكثرة ، لان كل مطلقة تتربص ثلاثة ، وقيل التقدير : ثلاثة أقراء من قروء ، واحد القروء قرء وقرئ بالفتح والضم ( مَا خَلَقَ اللَّهُ ) يجوز أن تكون بمعنى الذى ، وأن تكون نكرة موصوفة ، والعائد محذوف : أى خلقه الله ( فِي أَرْحَامِهِنَّ ) يتعلق بخلق ، ويجوز أن يكون حالا من المحذوف وهى حال مقدرة ، لان وقت خلقه ليس بشئ حتى يتم خلقه (وبعولتهن) الجمهور على ضم التاء ، وأسكنها بعض الشذاذ ، ووجهها أنه حذف الاعراب لانه شبهه بالمتصل نحو عضد وعجز (في ذلك) قيل ذلك كناية عن العدة ، فعلى هذا يتعلق بأحق : أى يستحق رجعتها ما دامت
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 96 _
في العدة ، وليس المعنى أنه أحق أن يردها في العدة ، وإنما يردها في النكاح أو إلى النكاح ، وقيل ذلك كناية عن النكاح ، فتكون ( في ) متعلقة بالرد (بالمعروف) يجوز أن تتعلق الباء بالاستقرار في قوله ( ولهن ) أى استقر ذلك بالحق ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمثل لانه لم يتعرف بالاضافة ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) درجة مبتدأ ، وللرجال الخبر ، عليهن يجوز أن يكون متعلقا بالاستقرار في اللام ، ويجوز أن يكون في موضع نصب حالا من الدرجة والتقدير : درجة كائنة عليهن ، فلما قدم وصف النكرة عليها صار حالا ، ويضعف أن يكون عليهن الخبر ولهن حال من درجة ، لان العامل حينئذ معنوى ، والحال لا يتقدم عليه.
قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ) تقديره : عدد الطلاق الذى يجوز معه الرجعة مرتان (فإمساك) أى فعليكم إمساك ، و (بمعروف) يجوز أن يكون صفة لامساك وأن يكون في موضع نصب بإمساك ( أَنْ تَأْخُذُوا ) مفعوله (شيئا) ومما وصف له قدم عليه فصار حالا ، ومن للتبعيض وما بمعنى الذى ، وآتيتم تتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف أحدهما وهو العائد على ما ، تقديره : آتيتموهن إياه ( إِلاَّ أَنْ يَخَافَا ) أن والفعل في موضع نصب على الحال ، والتقدير : إلا خائفين ، وفيه حذف مضاف تقديره : ولا يحل لكم أن تأخذوا على كل حال ، أو في كل حال إلا في حال الخوف وقد قرئ يخافا بضم الياء : أى يعلم منهما ذلك أو يخشى ( أَلاَّ يُقِيمَا ) في موضع نصب بيخافا تقديره : إلا أن يخافا ترك حدود الله (عليهما) خبر لا (وفيما) متعلق بالاستقرار ، ولا يجوز أن يكون عليهما في موضع نصب بجناح ، وفيما افتدت الخبر لان اسم لا إذا عمل ينون ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) مبتدأ وخبره ، و (تعتدوها) بمعنى تتعدوها.
قوله تعالى ( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ) أى في أن يتراجعا (يبينها) يقرأ بالياء والنون ، والجملة في موضع نصب من الحدود ، والعامل فيها معنى الاشارة.
قوله تعالى (ضرارا) مفعول من أجله ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال : أى مضارين كقولك : جاء زيد ركضا ، و (لتعتدوا) اللام متعلقة بالضرار ويجوز أن تكون اللام لام العاقبة ( نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) يجوز أن يكون عليكم في موضع نصب بنعمة لانها مصدر : أى أن أنعم الله عليكم ، ويجوز أن يكون حالا منها فيتعلق بمحذوف ( وَمَا أَنزَلَ ) يجوز أن يكون ( ما ) في موضع نصب عطفا على النعمة ، فعلى هذا يكون ( يعظكم ) حالا إن شئت من ما والعائد إليها الهاء في به
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 97 _
وإن شئت من اسم الله ، ويجوز أن تكون ما مبتدأ ، ويعظكم خبره ، و (من الكتاب) حالا من الهاء المحذوفة تقديره وما أنزله عليكم.
قوله تعالى ( أَنْ يَنكِحْنَ ) تقديره من أن ينكحن ، أو عن أن ينكحن فلما حذف الحرف صار في موضع نصب عند سيبويه ، وعند الخليل هو في موضع جر ( إِذَا تَرَاضَوْا ) ظرف لان ينكحن ، وإن شئت جعلته ظرفا لتعضلوهن (بالمعروف) يجوز أن يكون حالا من الفاعل ، وأن يكون صفة لمصدر محذوف : أى تراضيا كائنا بالمعروف ، وأن يتعلق بنفس الفعل (ذلك) ظاهر اللفظ يقتضى أن يكون ذلكم ، لان الخطاب في الآية كلها للجمع ، فأما الافراد فيجوز أن يكون للنبى صلى الله عليه وسلم وحده ، وأن يكون لكل إنسان ، وأن يكون اكتفى بالواحد عن الجمع ( أَزْكَى لَكُمْ ) الالف في أزكى مبدلة من وا ، ولانه من زكى يزكو ، ولكم صفة له (وأطهر) أى لكم.
قوله عزوجل ( وَالْوَالِدَاتُ ) الوالدات والوالد صفتان غالبتان ، فلذلك لا يذكر الموصوف معهما لجريهما مجرى الاسماء ، و (يرضعن) مثل يتربصن وقد ذكروا (حولين) ظرف و (كاملين) صفة له ، وفائدة هذه الصفة اعتبار الحولين من غير نقص ، ولولا ذكر الصفة لجاز أن يحمل على ما دون الحولين بالشهر والشهرين ( لِمَنْ أَرَادَ ) تقديره ذلك لمن أراد (أن يتم) الجمهور على ضم الياء وتسمية الفاعل ، ونصب (الرضاعة) وتقرأ بالتاء مفتوحة ورفع الرضاعة ، والجيد فتح الراء في الرضاعة وكسرها جائز ، وقد قرئ به ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ ) الالف واللام بمعنى الذى ، والعائد عليها الهاء في (له) وله القائم مقام الفاعل (بالمعروف) حال من الرزق والكسوة ، والعامل فيها معنى الاستقرار في على ( إِلاَّ وُسْعَهَا ) مفعول ثان وليس بمنصوب على الاستثناء ، لان كلفت تتعدى إلى مفعولين ، ولو رفع الوسع هنا لم يجز لانه ليس ببدل ( لا تُضَارَّ ) يقرأ بضم الراء وتشديدها.
وفيها وجهان : أحدهما : أنه على تسمية الفاعل وتقديره لا تضارر بكسر الراء الاولى ، والمفعول على هذا محذوف تقديره : لاتضار والدة والدا بسبب ولدها.
والثانى أن تكون الراء الاولى مفتوحة على مالم يسم فاعله ، وأدغم لان الحرفين مثلان ، ورفع لان لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهى ، ويقرأ بفتح الراء وتشديدها على أنه نهى ، وحرك لالتقاء الساكنين ، وكان الفتح أولى لتجانس الالف والفتحة قبلها ، وعلى هذه القراءة يجوز أو يكون أصله تضارر ، وتضارر على تسمية الفاعل وترك تسميته على ماذكرنا في قراءة الرفع ، وقرئ شاذا بسكون الراء.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 98 _
والوجه فيه أن يكون حذف الراء الثانية فرارا من التشديد في الحرف المكرر وهو الراء ، وجاز الجمع بين الساكنين إما لانه أجرى الوصل مجرى الوقف ، أو لان مدة الالف تجرى مجرى الحركة ( عَنْ تَرَاضٍ ) في موضع نصب صفة لفصال ، ويجوز أن يتعلق بأرادا (وتشاور) أى منهما (تسترضعوا) مفعوله محذوف تقديره أجنبية أو غير الام (أولادكم) مفعول حذف منه حرف الجر تقديره : لاولادكم ، فتعدى الفعل إليه كقوله : أمرتك الخير (فلاجناح) الفاء جواب الشرط ، و ( إِذَا سَلَّمْتُمْ ) شرط أيضا ، وجوابه مايدل عليه الشرط الاول وجوابه ، وذلك المعنى هو العامل في إذا ( مَا آتَيْتُمْ ) يقرأ بالمد ، والمفعولان محذوفان تقديره : ما أعطيتموهن إياه ، ويقرأ بالقصر تقديره ماجئتم به فحذف.
وقال أبوعلي تقديره : ماجئتم نقده أو تعجيله ، كما تقول أتيت الامر : أى فعلته.
قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ) في هذه الآية أقوال : أحدها أن الذين مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره وفيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم ، ومثله ( السارق والسارقة ) ( والزانية والزانى ) وقوله (يتربصن) بيان الحكم المتلو وهذا قول سيبويه.
والثانى أن المبتدأ محذوف ، والذين قام مقامه تقديره : وأزواج الذين يتوفون منكم ، والخبر يتربصن ، ودل على المحذوف قوله ( وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً ).
والثالث أن الذين مبتدأ ويتربصن الخبر ، والعائد محذوف تقديره : يتربصن بعدهم أو بعد موتهم.
والرابع أن الذين مبتدأ ، وتقدير الخبر : أزواجهم يتربصن ، فأزواجهم مبتدأ ، ويتربصن الخبر ، فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه.
والخامس أنه ترك الاخبار عن الذين ، وأخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن بالذين ، لان الحديث معهن في الاعتداد بالاشهر ، فجاء الاخبار عما هو المقصود ، وهذا قول الفراء.
والجمهور على ضم الياء في يتوفون على مالم يسم فاعله ، ويقرأ بفتح الياء على تسمية الفاعل ، والمعنى : يستوفون آجالهم. و (منكم) في موضع الحال من الفاعل المضمر ، (وعشرا) أى عشر ليال ، لان التاريخ يكون بالليلة إذا كانت هى أول الشهر واليوم تبع لها (بالمعروف) حال من الضمير المؤنث في الفعل ، أو مفعول به ، أو نعت لمصدر محذوف ، وقد تقدم مثله.
قوله تعالى ( مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ) الجار والمجرور في موضع الحال من الهاء المجرورة فيكون العامل فيه عرضتم ، ويجوز أن يكون حالا من ما فيكون العامل فيه الاستقرار.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 99 _
والخطبة : بالكسر ، خطاب المرأة في التزويج ، وهى مصدر مضاف إلى المفعول ، والتقدير : من خطبتكم النساء ، و (أو) للاباحة والمفعول محذوف تقديره أو أكننتموه ، يقال أكننت الشئ في نفسى إذا كتمته ، وكننته إذا سترته بثوب أو نحوه (ولكن) هذا الاستدراك من قوله ( فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ ) و (سرا) مفعول به لانه بمعنى النكاح : أى لاتواعدوهن نكاحا ، وقيل هو مصدر في موضع الحال تقديره : مستخفين بذلك ، والمفعول محذوف تقديره : لاتواعدوهن النكاح سرا ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف : أى مواعدة سرا ، وقيل التقدير في سر فيكون ظرفا ( إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا ) في موضع نصب على الاستثناء من المفعول ، وهو منقطع ، وقيل متصل ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ ) أى غلى عقدة (النكاح) وقيل تعزموا بمعنى تنووا ، وهذا يتعدى بنفسه فيعمل عمله ، وقيل تعزموا بمعنى تعقدوا ، فتكون عقدة النكاح مصدرا ، والعقدة بمعنى العقد فيكون المصدر مضافا إلى المفعول.
قوله تعالى ( مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) مامصدرية ، والزمان معها محذوف تقديره : في زمن ترك مسهن ، وقيل ماشرطية : أى إن لم تمسوهن ، ويقرأ ( تمسوهن ) بفتح التاء من غير ألف ، على أن الفعل للرجال ، ويقرأ ( تماسوهن ) بضم التاء والالف بعد الميم ، وهو من باب المفاعلة ، فيجوز أن يكون في معنى القراءه الاولى ، يجوز أن يكون على نسبة الفعل إلى الرجال والنساء كالمجامعة والمباشرة ، لان الفعل من الرجل والتمكين من المرأة والاستدعاء منها أيضا ، ومن هنا سميت زانية (فريضة) يجوز أن تكون مصدرا ، وأن تكون مفعولا به ، وهو الجيد ، وفعيلة هنا بمعنى مفعولة ، والموصوف محذوف تقديره : متعة مفروضة (ومتعوهن) معطوف على فعل محذوف تقديره : فطلقوهن ومتعوهن ( عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ) الجمهور على الرفع ، والجملة في موضع الحال من الفاعل تقديره : بقدر الوسع ، وفى الجملة محذوف تقديره ، على الموسع منكم ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة لاموضع لها ، ويقرأ قدره بالنصب ، وهو مفعول على المعنى ، لان معنى متعوهن أى ليؤد كل منكم ، قدر وسعه ، وأجود من هذا أن يكون التقدير : فأوجبوا على الموسع قدره ، والقدر والقدر لغتان وقد قرئ بهما ، وقيل القدر بالتسكين الطاقة وبالتحريك المقدار (متاعا) اسم للمصدر والمصدر التمتيع ، واسم المصدر يجرى مجراه (حقا) مصدر حق ذلك حقا ، و (على) متعلقة بالناصب للمصدر.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 100 _
قوله تعالى ( وَقَدْ فَرَضْتُمْ ) في موضع الحال (فنصف) أى فعليكم نصف أو فالواجب نصف ، ولو قرئ بالنصب لكان وجهه : فأدوا نصف مافرضتم ( إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ ) أن والفعل في موضع نصب ، والتقدير : فعليكم نصف مافرضتم إلا في حال العفو ، وقد سبق مثله في قوله ( إِلاَّ أَنْ يَخَافَا ) بأبسط من هذا ، والنون في يعفون ضمير جماعة النساء ، والواو قبلها لام الكلمة لان الفعل هنا مبنى ، فهو مثل يخرجن ويقعدن ، فأما قولك الرجال يعفون ، فهو مثل النساء يعفون في اللفظ ، وهو مخالف له في التقدير ، فالرجال يعفون أصله يعفوون مثل يخرجون ، فحذفت الواو التى هى لام وبقيت واو الضمير ، والنون علامة الرفع ، وفى قولك النساء يعفون لم يحذف منه شئ على مابينا ( وَأَنْ تَعْفُوا ) مبتدأ ، و (أقرب) خبره ، و (للتقوى) متعلق بأقرب ، ويجوز في غير القرآن أقرب من التقوى ، وأقرب إلى التقوى ، إلا أن اللام هنا تدل على معنى غير معنى إلى وغير معنى من ، فمعنى اللام العفو أقرب من أجل التقوى ، فاللام تدل على علة قرب العفو ، وإذا قلت أقرب إلى التقوى كان المعنى مقارب التقوى ، كما تقول : أنت أقرب إلي ، وأقرب من التقوى يقتضى أن يكون العفو والتقوى قريبين ، ولكن العفو أشد قربا من التقوى ، وليس معنى الآية على هذا بل على معنى اللام ، وتاء التقوى مبدلة من واو وواوها مبدلة من ياء لانه من وقيت ( وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ ) في ( ولو تنسوا ) من القراءات ووجهها ماذكرناه في اشتروا الضلالة (بينكم) ظرف لتنسوا أو حال من الفضل ، وقرئ ( ولا تناسوا الفضل ) على باب المفاعلة ، وهو بمعنى المتاركة لابمعنى السهو.
قوله تعالى (حافظوا) يجوز أن يكون من المفاعلة الواقعة من واحد ، كعاقبت اللص وعافاه الله ، وأن يكون من المفاعلة الواقعة من اثنين ، ويكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين ، إذ كان الوجوب حاثا على الفعل ، فكأنه شريك الفاعل الحافظ ، كما قالوا في قوله ( وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى ) فالوعد كان من الله والقبول من موسى ، وجعل القبول كالوعد ، وفى حافظوا معنى لايوجد في احفظوا ، وهو تكرير الحفظ ( الصَّلاةِ الْوُسْطَى ) خصت بالذكر وإن دخلت في الصلوات تفضيلا لها والوسطى فعلى من الوسط (لله) يجوز أن تتعلق اللام بقوموا ، وإن شئت (بقانتين).
قوله تعالى (فرجالا) حال من المحذوف تقديره : فصلوا رجالا أو فقوموا رجالا ، ورجالا جمع راجل كصاحب وصحاب ، وفيه جموع كثيرة ليس هذا موضع
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 101 _
ذكرها ( كَمَا عَلَّمَكُمْ ) في موضع نصب : أى ذكرا مثل ماعلمكم ، وقد سبق مثله في قوله ( كَمَا أَرْسَلْنَا ) وفى قوله ( وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ).
قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ) الذين مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : يوصون وصية ، هذا على قراءة من نصب (وصية) ومن رفع الوصية فالتقدير : وعليهم وصية ، وعليهم المقدرة خبر لوصية ، و (لازواجهم) نعت للوصية وقيل هو خبر الوصية ، وعليهم خبر ثان أو تبيين ، وقيل الذين فاعل فعل محذوف تقديره : ليوص الذين يتوفون وصية ، وهذا على قراءة من نصب وصية ( مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ ) مصدر ، لان الوصية دلت على يوصون ، ويوصون بمعنى يمتعون ، ويجوز أن يكون بدلا من الوصية على قراءة من نصبها أو صفة لوصية ، وإلى الحول متعلق بمتاع أو صفة له ، وقيل متاعا حال : أى متمتعين أو ذوى متاع ( غَيْرَ إِخْرَاجٍ ) غير هنا تنتصب إنتصاب المصدر عند الاخفش تقديره : لا إخراجا.
وقال غيره : هو حال ، وقيل هو صفة متاع ، وقيل التقدير : من غير إخراج.
قوله تعالى ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ ) ابتداء وخبر و (حقا) مصدر وقد ذكر مثله قبل.
قوله تعالى ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ ) قد ذكر في آية الصيام.
قوله تعالى ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ ) الاصل في ترى ترأى ، مثل ترعى ، إلا أن العرب اتفقوا على حذف الهمزة في المستقبل تخفيفا ، ولايقاس عليه ، وربما جاء في ضرورة الشعر على أصله ، ولما حذفت الهمزة بقى آخر الفعل ألفا فحذفت في الجزم والالف منقلبة عن ياء ، فأما في الماضى فلا تحذف الهمزة ، وإنما عداه هنا بإلى ، لان معناه ألم ينته علمك إلى كذا ، والرؤية هنا بمعنى العلم ، والهمزة في ألم استفهام ، والاستفهام إذا دخل على النفى صار إيجابا ، وتقريرا ولايبقى الاستفهام ولاالنفى في المعنى ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) معطوف على فعل محذوف تقديره : فماتوا ثم أحياهم ، وقيل معنى الامر هنا الخبر ، لان قوله ( فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ) أى فأماتهم فكان العطف على المعنى ، وألف أحيا منقلبة عن ياء.
قوله تعالى (وقاتلوا) المعطوف عليه محذوف تقديره : فأطيعوا وقاتلوا ، أو فلا تحذروا الموت كما حذره من قبلهم ولم ينفعهم الحذر.
قوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي ) من استفهام في موضع رفع بالابتداء ، وذا خبره والذى نعت لذا أو بدل منه ، و (يقرض) صلة الذى ، ولايجوز أن تكون من
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 102 _
وذا بمنزلة اسم واحد ، كما كانت ( ماذا ) لان ( ما ) أشد إبهاما من ( من ) إذا كانت من لم يعقل ، ومثله ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ ) والقرض اسم للمصدر ، والمصدر على الحقيقة الاقراض ، ويجوز أن يكون القرض هنا بمعنى المقرض ، كالخلق بمعنى المخلوق ، فيكون مفعولا به ، و (حسنا) يجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف تقديره : من ذا الذى يقرض الله مالا إقراضا حسنا ، ويجوز أن يكون صفة للمال ، ويكون بمعنى الطيب أو الكثير (فيضاعفه) يقرأ بالرفع عطفا على يقرض ، أو على الاستئناف : أى فالله يضاعفه ، ويقرأ بالنصب.
وفيه وجهان : أحدهما أن يكون معطوفا على مصدر يقرض في المعنى ، ولا يصح ذلك إلا بإضمار أن ليصير مصدرا معطوفا على مصدر تقديره : من ذا الذى يكون منه قرض فمضاعفة من الله.
والوجه الثانى أن يكون جواب الاستفهام على المعنى ، لان المستفهم عنه وإن كان المقرض في اللفظ فهو عن الاقراض في المعنى ، فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه ، ولا يجوز أن يكون جواب الاستفهام على اللفظ ، لان المستفهم عنه في اللفظ المقرض لا القرض.
فإن قيل : لم لايعطف على المصدر الذى هو قرضا كما يعطف الفعل على المصدر بإضمار أن مثل قول الشاعر : ( للبس عباءة وتقر عينى ) قيل لا يصح هذا لوجهين :
أحدهما أن قرضا هنا مصدر مؤكد ، والمصدر المؤكد لايقدر بأن والفعل ، والثانى أن عطفه عليه يوجب أن يكون معمولا ليقرض ، ولايصح هذا في المعنى لان المضاعفة ليست مقرضة ، وإنما هى فعل من الله ، ويقرأ يضعفه بالتشديد من غير ألف وبالتخفيف مع الالف ، ومعناهما واحد ، ويمكن أن يكون التشديد للتكثير ، ويضاعف من باب المفاعلة الواقعة من واحد كما ذكرنا في حافظوا ، و (أضعافا) جمع ضعف ، والضعف هو العين وليس بالمصدر ، والمصدر الاضعاف أو المضاعفة ، فعلى هذا يجوز أن يكون حالا من الهاء ، في يضاعفه ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا على المعنى ، لان معنى يضاعفه يصيره أضعافا ، ويجوز أن يكون جمع ضعف ، والضعف اسم وقع موقع المصدر كالعطاء ، فإنه اسم للمعطى ، وقد استعمل بمعنى الاعطاء ، قال القطامى :
أكـفرا بعد رد الموت iiعنى وبعد عطائك المائة الرتاعا
فيكون انتصاب أضعافا على المصدر ، فإن قيل : فكيف جمع ؟ قيل : لاختلاف جهات التضعيف بحسب اختلاف الاخلاص ، ومقدار المقرض ، واختلاف أنواع