والثانى أنه معطوف على موضع إن كقولك : إن زيدا وعمرو قائمان ، وهذا خطأ لان خبر إن لم يتم ، وقائمان إن جعلته خبر إن لم يبق لعمرو وخبر ، وإن جعلته خبر عمرو لم يبق لان خبر ، ثم هو ممتنع من جهة المعنى لانك تخبر بالمثنى عن المفرد.
فأما قوله تعالى
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ) على قراءة من رفع ملائكته فخبر إن محذوف تقديره : إن الله يصلى ، وأغنى عنه خبر الثانى ، وكذلك لو قلت : إن عمرا وزيد قائم ، فرفعت زيدا جاز على أن يكون مبتدأ وقائم خبره أو خبر إن.
والقول الثالث أن الصابئون معطوف على الفاعل في هادوا ، وهذا فاسد لوجهين : أحدهما أنه يوجب كون الصابئين هودا وليس كذلك ، والثانى أن الضمير لم يؤكد.
والقول الرابع أن يكون خبر الصابئين محذوفا من غير ان ينوى به التأخير ، وهو ضعيف أيضا لما فيه من لزوم الحذف والفصل.
والقول الخامس أن إن بمعنى نعم ، فما بعدها في موضع رفع ، فالصابئون كذلك.
والسادس أن الصابئون في موضع نصب ، ولكنه جاء على لغة بلحرث الذين يجعلون التثنية بالالف على كل حال ، والجمع بالواو على كل حال وهو بعيد.
والقول السابع أن بجعل النون حرف الاعراب.
فإن قيل : فأبو على إنما أجاز ذلك مع الياء لا مع الواو ، قيل : قد أجازه غيره والقياس لا يدفعه ، فأما (النصارى) فالجيد أن يكون في موضع نصب على القياس المطرد ولا ضرورة تدعو إلى غيره.
قوله تعالى
( فَرِيقاً كَذَّبُوا ) فريقا الاول مفعول كذبوا ، والثانى مفعول (يقتلون) وكذبوا جواب كلما ، ويقتلون بمعنى قتلوا ، وإنما جاء كذلك لتتوافق رءوس الآى.
قوله تعالى
( أَلاَّ تَكُونَ ) يقرأ بالنصب على أن أن الناصبة للفعل ، وحسبوا بمعنى الشك ، ويقرأ بالرفع على أن أن المخففة من الثقيلة وخبرها محذوف
(1) وجاز ذلك لما فصلت ( لا ) بينها وبين الفعل ، وحسبوا على هذا بمعنى علموا ، وقد جاء الوجهان فيها ، ولايجوز أن تكون المخففة من الثقيلة مع أفعال الشك والطبع ، ولا الناصبة للفعل مع علمت وماكان في معناها ، وكان هنا التامة
( فَعَمُوا وَصَمُّوا ) هذا هو المشهور ، ويقرأ بضم العين والصاد وهو من باب زكم وأزكمه الله ، ولا يقال عميته وصممته ، وإنما جاء بغير همزة فيما لم يسم فاعله وهو قليل ، واللغة الفاشية أعمى وأصم
( كَثِيرٌ مِنْهُمْ ) هو خبر مبتدإ محذوف : أى العمى والصم كثير ، وقيل هو بدل من ضمير الفاعل في صموا ، وقيل هو مبتدأ والجملة قبله خبر عنه : أى كثير منهم
--------------------
(1) (قوله وخبرها محذوف) كذا بالنسخ التى بأيدينا ، وصوابه أن يقول : واسمها محذوف كما لايخفى اه مصححه . (*)
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 223 _
عموا وهو ضعيف ، لان الفعل قد وقع في موضعه فلا ينوى به غيره ، وقيل الواو علامة جمع لا اسم ، وكثير فاعل صموا.
قوله تعالى ( ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ) أى أحد ثلاثة ، ولا يجوز في مثل هذا إلا الاضافة ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ ) من زائدة وإله في موضع مبتدأ ، والخبر محذوف : أى وما للخلق إله ( إِلاَّ اللَّهَ ) بدل من إله ، ولو قرئ بالجر بدلا من لفظ إله كان جائزا في العربية (ليمسن) جواب قسم محذوف وسد مسد جواب الشرط الذى هو وإن لم ينتهوا و (منهم) في موضع الحال ، إما من الذين ، أو من ضمير الفاعل في كفروا.
قوله تعالى ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) في موضع رفع صفة لرسول ( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) لا موضع له من الاعراب (أنى) بمعنى كيف في موضع الحال ، والعامل فيها (يؤفكون) ولايعمل فيها نظرا لان الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
قوله تعالى ( مَا لا يَمْلِكُ ) يجوز أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة ، وأن تكون بمعنى الذى.
قوله تعالى (تغلوا) فعل لازم ( غَيْرَ الْحَقِّ ) صفة لمصدر محذوف : أى غلوا غير الحق ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل : أى لاتغلوا مجاوزين الحق.
قوله تعالى ( مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) في موضع الحال من الذين كفروا أو من ضمير الفاعل في كفروا ( عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ ) متعلق بلعن كقولك : جاء زيد على الفرس ( ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا ) قد تقدم ذكره في غير موضع ، وكذلك و ( لَبِئْسَ مَا كَانُوا ) و ( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ ).
قوله تعالى ( أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) أن والفعل في تقدير مصدر مرفوع خبر ابتداء محذوف : أى هو سخط الله ، وقيل في موضع نصب بدلا من ( ما ) أى بئس شيئا سخط الله عليهم ، وقيل هو في موضع جر بلام محذوفة ، أى لان سخط.
قوله تعالى (عداوة) تمييز ، والعامل فيه أشد ، و ( لِلَّذِينَ آمَنُوا ) متعلق بالمصدر أو نعت له (اليهود) المفعول الثانى لتجد (ذلك) مبتدأ ، و ( بِأَنَّ مِنْهُمْ ) الخبر : أى ذلك كائن بهذه الصفة.
قوله تعالى ( وَإِذَا سَمِعُوا ) الواو هاهنا عطفت إذا على خبر أن ، وهو قوله ( لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فصار الكلام داخلا في صلة أن وإذا في موضع نصب ب (ترى) وإذا
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 224 _
وجوابها في موضع رفع عطفا على خبر أن الثانية ، ويجوز أن يكون مستأنفا في اللفظ ، وإن كان له تعلق بما قبله في المعنى ، و (تفيض) في موضع نصب على الحال ، لان ترى من رؤية العين ، و ( مِنْ الدَّمْعِ ) فيه وجهان : أحدهما أن من لابتداء الغاية : أى فيضها من كثرة الدمع ، والثانى أن يكون حالا ، والتقدير : تفيض مملوءة من الدمع ، وأما ( مِمَّا عَرَفُوا ) فمن لابتداء الغاية ومعناها : من أجل الذى عرفوه ، و ( مِنْ الْحَقِّ ) حال من العائد المحذوف (يقولون) حال من ضمير الفاعل في عرفوا.
قوله تعالى ( وَمَا لَنَا ) ما في موضع رفع بالابتداء ، ولنا الخبر ، و ( لا نُؤْمِنُ ) حال من الضمير في الخبر ، والعامل فيه الجار : أى مالنا غير مؤمنين ، كما تقول : مالك قائما ( وَمَا جَاءَنَا ) يجوز أن يكون في موضع جر : أى وبما جاءنا ( مِنْ الْحَقِّ ) حال من ضمير الفاعل ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية : أى ولما جاءنا من عند الله ، ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الحق الخبر ، والجملة في موضع الحال (ونطمع) يجوز أن يكون معطوفا على نؤمن : أى ومالنا لانطمع ، ويجوز أن يكون التقدير : ونحن نطمع ، فتكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في نؤمن ، و ( أَنْ يُدْخِلَنَا ) أى في أن يدخلنا ، فهو في موضع نصب أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه.
قوله تعالى (حلالا) فيه ثلاثة أوجه : أحدها هو مفعول كلوا ، فعلى هذا يكون مما في موضع الحال لانه صفة للنكرة قدمت عليها ، ويجوز أن تكون ( من ) لابتداء غاية الاكل ، فتكون متعلقة بكلوا كقولك : أكلت من الخبز رغيفا إذا لم ترد الصفة.
والوجه الثانى أن يكون حالا من ( ما ) لانها بمعنى الذى ، ويجوز أن يكون حالا من العائد المحذوف فيكون العامل رزق.
والثالث أن يكون صفة لمصدر محذوف : أى أكلا حلالا ، ولايجوز أن ينصب حلالا برزق على أنه مفعوله ، لان ذلك يمنع من أن يعود إلى ( ما ) ضمير.
قوله تعالى ( بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها أن تكون متعلقة بنفس اللغو لانك تقول : لغا في يمينه ، وهذا مصدر بالالف واللام يعمل ولكن معدى بحرف الجر.
والثانى أن تكون حالا من اللغو : أى باللغو كائنا أو واقعا في أيمانكم.
والثالث أن يتعلق في بيؤاخذكم (عقدتم) يقرأ بتخفيف القاف وهو الاصل ، وعقد اليمين هو قصد الالتزام بها ، ويقرأ بتشديدها وذلك لتوكيد اليمين
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 225 _
كقوله : ( اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ) ونحوه ، وقيل التشديد يدل على تأكيد العزم بالالتزام بها ، وقيل إنما شدد لكثرة الحالفين وكثرة الايمان ، وقيل التشديد عوض من الالف في عاقد ، ولايجوز أن يكون التشديد لتكرير اليمين لان الكفارة تجب وإن لم تكرر ، ويقرأ ( عاقدتم ) بالالف ، وهى بمعنى عقدتم كقولك : قاطعته وقطعته من الهجران (فكفارته) الهاء ضمير العقد ، وقد تقدم الفعل الدال عليه ، وقيل تعود على اليمين بالمعنى لان الحالف واليمين بمعنى واحد ، و (إطعام) مصدر مضاف إلى المفعول به ، والجيد أن يقدر بفعل قد سمى فاعله ، لان ماقبله ومابعده خطاب ، ف (عشرة) على هذا في موضع نصب ( مِنْ أَوْسَطِ ) صفة لمفعول محذوف تقديره : إن تطعموا عشرة مساكين طعاما أو قوتا من أوسط : أى متوسطا ( مَا تُطْعِمُونَ ) أى الذى تطعمون منه أو تطعمونه ( أَوْ كِسْوَتُهُمْ ) معطوف على إطعام ، ويقرأ شاذا ( أو كاسوتهم ) فالكاف في موضع رفع : أى أو مثل أسوة أهليكم في الكسوة ( أَوْ تَحْرِيرُ ) معطوف على إطعام وهو مصدر مضاف إلى المفعول أيضا ( إِذَا حَلَفْتُمْ ) العامل في إذا كفارة إيمانكم ، لان المعنى ذلك يكفر أيمانكم وقت حلفكم (كذلك) الكاف صفة مصدر محذوف أى يبين لكم آياته تبيينا مثل ذلك.
قوله تعالى (رجس) إنما أفرد لان التقدير إنما عمل هذه الاشياء رجس ، ويجوز أن يكون خبرا عن الخمر وإخبار المعطوفات محذوف لدلالة خبر الاول عليها ، و ( مِنْ عَمَلِ ) صفة لرجس أن خبر ثان ، والهاء في (اجتنبوه) ترجع إلى الفعل أو إلى الرجس والتقدير رجس من جنس عمل الشيطان.
قوله تعالى ( فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) في متعلقة بيوقع ، وهى بمعنى السبب : أى بسبب شرب الخمر وفعل الميسر ، ويجور أن تتعلق في بالعداوة ، أو بالبغضاء : أى أن تتعادوا ، وأن تتباغضوا بسبب الشرب ، وهو على هذا مصدر بالالف واللام معمل ، والهمزة في البغضاء للتأنيث وليس مؤنث أفعل ، إذ ليس مذكر البغضاء أبغض وهو مثل البأساء والضراء ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) لفظه استفهام ، ومعناه الامر : أى انتهوا ، لكن الاستفهام عقيب ذكر هذه المعايب أبلغ من الامر.
قوله تعالى ( إِذَا مَا اتَّقَوْا ) العامل في إذا معنى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح : أى لايأثمون إذا مااتقوا.
قوله تعالى ( مِنْ الصَّيْدِ ) في موضع جر صفة لشئ ، ومن لبيان الجنس،
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 226 _
وقيل للتبعيض إذ لا يحرم إلا الصيد في حال الاحرام ، وفى الحرم وفى البر والصيد في الاصل مصدر ، وهو هاهنا بمعنى المصيد ، وسمى مصيدا وصيدا لمآله إلى ذلك وتوفر الدواعى إلى صيده ، فكأنه لما أعد للصيد صار كأنه مصيد (تناله) صفة لشئ ، ويجوز أن يكون حالا من شئ لانه قد وصف ، وأن يكون حالا من الصيد (ليعلم) اللام متعلقة بليبلونكم (بالغيب) يجوز أن يكون في موضع الحال من ( من ) أو من ضمير
الفاعل في يخافه : أى يخافه غائبا عن الخلق ، ويجوز أن يكون بمعنى في : أى في الموضع الغائب عن الخلق ، والغيب مصدر في موضع فاعل.
قوله تعالى
( وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) في موضع الحال من ضمير الفاعل في تقتلوا ، و (متعمدا) حال من الضمير الفاعل في قتله (فجزاء) مبتدأ والخبر محذوف ، وقيل التقدير.
فالواجب جزاء ، ويقرأ بالتنوين ، فعلى هذا يكون (مثل) صفة له أو بدلا ، ومثل هنا بمعنى مماثل ، ولا يجوز على هذه القراءة أن يعلق من النعم بجزاء ، لانه مصدر ومايتعلق به من صلته ، والفصل بين الصلة والموصول بالصفة أو البدل غير جائز
، لان الموصول لم يتم فلا يوصف ولايبدل منه ، ويقرأ شاذا ( جزاء ) بالتنوين ، ومثل بالنصب ، وانتصابه بجزاء ، ويجوز أن ينتصب بفعل دل عليه جزاء : أى يخرج أو يؤدى مثل ، وهذا أولى فإن الجزاء يتعدى بحرف الجر ، ويقرأ في المشهور بإضافة جزاء إلى المثل ، وإعراب الجزاء على ماتقدم ، ومثل في هذه القراءة في حكم الزائدة ، وهو كقولهم : مثلى لايقول ذلك : أى أنا لاأقول ، وإنما دعا إلى هذا التقدير أن الذى يجب به الجزاء المقتول لامثله ، وأما
( مِنْ النَّعَمِ ) ففيه أوجه : أحدها أن تجعله حالا من الضمير في قتل لان المقتول يكون من النعم ، والثانى أن يكون صفة لجزاء إذا نونته : أى جزاء كائن من النعم ، والثالث أن تعلقها بنفس الجزاء إذا أضفته ، لان المضاف إليه داخل في المضاف فلا يعد فصلا بين الصلة والموصول ، وكذلك إن نونت الجزاء ونصبت مثلا لانه عامل فيهما فهما من صلته ، كما تقول : يعجبني ضربك زيدا بالسوط
( يَحْكُمُ بِهِ ) في موضع رفع صفة لجزاء إذا نونته ، وأما على الاضافة فهو في موضع الحال ، والعامل فيه معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف
( ذَوَا عَدْلٍ ) الالف للتثنية ، ويقرأ شاذا ( ذو ) على الافراد ، والمراد به الجنس ، كما تكون ( من ) محمولة على المعنى ، فتقديره : على هذا فريق ذو عدل أو حاكم ذو عدل ، و (منكم) صفة لذوا ، ولا يجوز أن يكون صفة العدل لان عدلا هنا مصدر غير وصف (هديا) حال من الهاء في به وهو بمعنى
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 227 _
مهدى ، وقيل هو مصدر ، أى يهديه هديا ، وقيل على التمييز ، و ( بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) صفة لهدى ، والتنوين مقدر : أى بالغا الكعبة ( أَوْ كَفَّارَةٌ ) معطوف على جزاء : أى أو عليه كفارة إذا لم يجد المثل ، و (طعام) بدل من كفارة أو خبر مبتدإ محذوف أى هى طعام ، ويقرأ بالاضافة ، والاضافة هنا لتبيين المضاف ، و (صياما) تمييز (ليذوق) اللام متعلقة بالاستقرار : أى عليه الجزاء ليذوق ، ويجوز أن تتعلق بصيام وبطعام ( فَيَنتَقِمُ اللَّهُ ) جواب الشرط ، وحسن ذلك لما كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ.
قوله تعالى (وطعامه) الهاء ضمير البحر ، وقيل ضمير الصيد ، والتقدير : وإطعام الصيد أنفسكم ، والمعنى أنه أباح لهم صيد البحر وأكل صيده بخلاف صيده البر (متاعا) مفعول من أجله ، وقيل مصدر : أى متعتم بذلك تمتيعا ( مَا دُمْتُمْ ) يقرأ بضم الدال وهو الاصل ، وبكسرها وهى لغة ، يقال دمت تدام (حرما) جمع حرام ككتاب وكتب ، وقرئ في الشاذ حرما بفتح الحاء والراء : أى ذوى حرم ، أى إحرام ، وقيل جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه.
قوله تعالى ( جَعَلَ اللَّهُ ) هى بمعنى صبر فيكون (قياما) مفعولا ثانيا ، وقيل هى بمعنى خلق فيكون قياما حالا ، و (البيت) بدل من الكعبة.
ويقرأ ( قياما ) بالالف : أى سببا لقيام دينهم ومعاشهم ، ويقرأ ( قيما ) بغير ألف ، وهو محذوف من قيام كخيم في خيام (ذلك) في موضع رفع خبر مبتدإ محذوف : أى الحكم الذى ذكرناه ذلك : أى لاغيره ، ويجوز أن يكون المحذوف هو الخبر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب : أى فعلنا ذلك أو شرعنا ، واللام في (لتعلموا) متعلقة بالمحذوف.
قوله تعالى ( عَنْ أَشْيَاءَ ) الاصل فيها عند الخليل وسيبويه شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهى فعلاء من لفظ شئ ، وهمزتها الثانية للتأنيث ، وهى مفردة في اللفظ ومعناها الجمع ، مثل قصباء وطرفاء ، ولاجل همزة التأنيث لم تنصرف ، ثم إن الهمزة الاولى التى هى لام الكلمة قدمت فجعلت قبل الشين كراهية الهمزتين بينهما ألف خصوصا بعد الياء فصار وزنها لفعاء ، وهذا قول صحيح لايرد عليه إشكال.
وقال الاخفش والفراء : أصل الكلمة شئ مثل هين على فعل ، ثم خففت ياؤه كما خففت ياء هين فقيل شئ كما قيل هين ، ثم جمع على أفعلاء وكان الاصل أشياء.
كما قالوا هين وأهوناء ثم حذفت الهمزة الاولى فصار وزنها أفعاء فلامها محذوفة ، ومثل آخرون الاصل في شئ شيئ مثل صديق ، ثم جمع على أفعلاء كأصدقاء وأنبياء ، ثم حذفت
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 228 _
الهمزة الاولى ، وقيل هو جمع شئ من غير تغيير كبيت وأبيات وهو غلط ، لان مثل هذا الجمع ينصرف ، وعلى الاقوال الاول يمتنع صرفه لاجل همزة التأنيث ، ولو كان أفعالا لانصرف ، ولم يسمع أشياء منصرفة البتة ، وفى هذا المسألة كلام طويل فموضعه التصريف ( إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) الشرط وجوابه في موضع جر صفة لاشياء ( عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ) قيل هو مستأنف ، وقيل هو في موضع جر أيضا ، والنية به التقديم : أى عن أشياء قد عفا الله لكم عنها.
قوله تعالى ( مِنْ قَبْلِكُمْ ) هو متعلق بسألها ، ولايجوز أن يكون صفة لقوم ولاحالا ، لان ظرف الزمان لايكون صفة للجثة ولاحالا منها ولاخبرا عنها.
قوله تعالى ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ) ( من ) زائدة ، وجعل هاهنا بمعنى سمى فعلى هذا يكون بحيرة أحد المفعولين والآخر محذوف : أى ماسمى الله حيوانا بحيرة ويجوز أن تكون جعل متعدية إلى مفعول واحد بمعنى ماشرع ، ولاوضع ، وبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة.
والسائبة فاعلة من ساب يسيب إذا جرى ، وهو مطاوع سيبه فساب ، وقيل هى فاعلة بمعنى مفعولة : أى مسيبة.
والوصيلة بمعنى الواصلة ، والحامى فاعل من حمى ظهره يحميه.
قوله تعالى (حسبنا) هو مبتدأ وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، و ( مَا وَجَدْنَا ) هو الخبر ( ما ) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والتقدير : كافينا الذى وجدناه ووجدنا هنا يجوز أن تكون بمعنى علمنا ، فيكون (عليه) المفعول الثانى ، ويجوز أن تكون بمعنى صادفنا فتتعدى إلى مفعول واحد بنفسها.
وفى عليه على هذا وجهان : أحدهما هى متعلقة بالفعل معدية له كما تتعدى ضربت زيدا بالسوط.
والثانى أن تكون حالا من الآباء ، وجواب ( أو لو كان ) محذوف ، تقديره : أو لو كانوا يتبعونهم.
قوله تعالى ( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ) عليكم هو اسم للفعل هاهنا ، وبه انتصب أنفسكم ، والتقدير : احفظوا أنفسكم ، والكاف والميم في عليكم في موضع جر لان اسم الفعل هو الجار والمجرور ، وعلى وحدها لم تستعمل اسما للفعل ، بخلاف رويدكم فإن الكاف والميم هناك للخطاب فقط ولاموضع لهما لان رويدا قد استعملت اسما للامر للمواجه من غير كاف الخطاب ، وهكذا قوله : ( مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ) ، الكاف والميم في موضع جر أيضا ، ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى ( لا يَضُرُّكُمْ ) يقرأ بالتشديد والضم على أنه مستأنف ، وقيل حقه الجزم على جواب الامر ولكنه حرك بالضم إتباعا لضمة الضاد ، ويقرأ بفتح الراء على أن حقه الجزم وحرك بالفتح
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 229 _
ويقرأ بتخفيف الراء وسكونها وكسر الضاد وهو من ضاره يضيره ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الضاد وهو من ضاره يضوره ، وكل ذلك لغات فيه ، و (إذا) ظرف ليضر ، ويبعد أن يكون ظرفا لضل لان المعنى لايصح معه.
قوله تعالى ( شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ) يقرأ برفع الشهادة وإضافتها إلى بينكم ، والرفع على الابتداء ، والاضافة هنا إلى بين على أن تجعل بين مفعولا به على السعة ، والخبر اثنان ، والتقدير : شهادة اثنين ، وقيل التقدير : ذوا شهادة بينكم اثنان ، فحذف المضاف الاول ، فعلى هذا يكون ( إِذَا حَضَرَ ) ظرفا للشهادة ، وأما ( حِينَ الْوَصِيَّةِ ) ففيه على هذا ثلاثة أوجه : أحدها هو ظرف للموت.
والثانى ظرف لحضر ، وجاز ذلك إذ كان المعنى حضر أسباب الموت.
والثالث أن يكون بدلا من إذا ، وقيل شهادة بينكم مبتدأ وخبره إذا حضر ، وحين على الوجوه الثلاثة في الاعراب ، وقيل خبر الشهادة حين ، وإذا ظرف للشهادة ، ولايجوز أن يكون إذا خبرا للشهادة وحين ظرفا لها ، إذ في ذلك الفصل بين المصدر وصلته بخبره ، ولايجوز أن تعمل الوصية في إذا لان المصدر لا يعمل فيما قبله ، ولاالمضاف إليه في الاعراب يعمل فيما قبله.
وإذا جعلت الظرف خبرا عن الشهادة فاثنان خبر مبتدإ محذوف : أى الشاهدان اثنان ، وقيل الشهادة مبتدأ ، وإذا وحين غير خبرين ، بل هما على ماذكرنا من الظرفية ، واثنان فاعل شهادة ، وأغنى الفاعل عن خبر المبتدإ ، و ( ذَوَا عَدْلٍ ) صفة لاثنين ، وكذلك ( مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ ) معطوف على اثنان ، و ( مِنْ غَيْرِكُمْ ) صفة لآخران ، و ( إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ ) معترض بين آخران وبين صفته ، وهو ( تحبسونهما ) أى أو آخران من غيركم محبوسان ، و ( مِنْ بَعْدِ ) متعلق بتحبسون ، وأنتم مرفوع بأنه فاعل فعل محذوف لانه واقع بعد إن الشرطية فلا يرتفع بالابتداء ، والتقدير : إن ضربتم ، فلما حذف الفعل وجب أن يفصل الضمير فيصير أنتم ليقوم بنفسه ، وضربتم تفسير للفعل المحذوف لاموضع له ( فَيُقْسِمَانِ ) جملة معطوفة على تحبسونهما ، و ( إِنْ ارْتَبْتُمْ ) معترض بين يقسمان وجوابه ، وهو ( لا نَشْتَرِي ) وجواب الشرط محذوف في الموضعين أغنى عنه معنى الكلام ، والتقدير : إن ارتبتم فاحبسوهما أو فحلفوهما ، وإن ضربتم في الارض فأشهدوا اثنين ، ولا نشتري جواب يقسمان لانه يقوم مقام اليمين ، والهاء في (به) تعود إلى الله تعالى أو على القسم أو اليمين أو الحلف أو على تحريف الشهادة أو على الشهادة لانها قول ، و (ثمنا) مفعول نشترى ، ولاحذف فيه لان
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 230 _
الثمن يشترى كما يشترى به ، وقيل التقدير : ذا ثمن ( وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) اى ولو كان المشهود له لم يشتر ( وَلا نَكْتُمُ ) معطوف على لا نشتري ، وأضاف الشهادة إلى الله لانه أمر بها فصارت له ، ويقرأ شهادة بالتنوين ، وألله بقطع الهمزة من غير مد وبكسر الهاء على أنه جره بحرف القسم محذوفا ، وقطع الهمزة تنبيها على ذلك ، وقيل قطعها عوض من حرف القسم ، ويقرأ كذلك إلا أنه بوصل الهمزة والجر على القسم من غير تعويض ولاتنبيه ، ويقرأ كذلك إلا أنه بقطع الهمزة ومدها ، والهمزة على هذا عوض من حرف القسم ، ويقرأ بتنوين الشهادة ووصل الهمزة ونصب إسم الله من غير مد على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا.
قوله تعالى ( فَإِنْ عُثِرَ ) مصدره العثور ، ومعناه اطلع ، فأما مصدر عثر في مشيه ومنطقه ورأيه فالعثار ، و ( عَلَى أَنَّهُمَا ) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل (فآخران) خبر مبتدإ محذوف : أى فالشاهدان آخران ، وقيل فاعل فعل محذوف : أى فليشهد آخران ، وقيل هو مبتدأ والخبر (يقومان) وجاز الابتداء هنا بالنكرة لحصول الفائدة ، وقيل الخبر الاوليان ، وقيل المبتدأ الاوليان ، وآخران خبر مقدم ، ويقومان صفة آخران إذا لم تجعله خبرا ، و (مقامهما) مصدر ، و ( مِنْ الَّذِينَ ) صفة أخرى لآخران ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في يقومان (استحق) يقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل ، والفاعل الاوليان ، والمفعول محذوف : أى وصيتهما ، ويقرأ بضمها على مالم يسم فاعله ، وفى الفاعل وجهان : أحدهما ضمير الاثم لتقدم ذكره في قوله ( اسْتَحَقَّا إِثْماً ) أى استحق عليهم الاثم ، والثانى الاوليان : إى إثم الاولين ، وفى (عليهم) ثلاثة أوجه : أحدها هى على بابها كقولك : وجب عليه الاثم.
والثانى هى بمعنى في : أى استحق فيهم الوصية ونحوها.
والثالث هى بمعنى من : أى استحق منهم الاوليان ، ومثله ( اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ) أى من الناس (الاوليان) يقرأ بالالف على تثنية أولى.
وفى رفعه خمسة أوجه : أحدها هو خبر مبتدإ محذوف : أى هما الاوليان ، والثانى هو مبتدأ وخبره آخران ، وقد ذكر ، والثالث هو فاعل استحق وقد ذكر أيضا ، والرابع هو بدل من الضمير في يقومان ، والخامس أن يكون صفة لآخران لانه وإن كان نكرة فقد وصف والاوليان لم يقصد بهما قصد اثنين بأعيانهما وهذا محكى عن الاخفش.
ويقرأ الاولين ، وهو جمع أول ، وهو صفة للذين استحق أو بدل من الضمير في عليهم ، ويقرأ الاولين وهو جمع أولى ، وإعرابه كإعراب الاولين ، ويقرأ الاولان تثنية الاول ، وإعرابه
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 231 _
كإعراب الاوليان (فيقسمان) عطف على يقومان ( لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ ) مبتدأ وخبر ، وهو جواب يقسمان.
قوله تعالى ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا ) : أى من أن يأتوا أو إلى أن يأتوا ، وقد ذكر نظائره ، و ( عَلَى وَجْهِهَا ) في موضع الحال من الشهادة : أى محققة أو صحيحة ( أَوْ يَخَافُوا ) معطوف على يأتوا ، و ( بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ) ظرف لترد أو صفة الايمان.
قوله تعالى ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّه ) العامل في يوم يهدى : أى لايهديهم في ذلك اليوم إلى حجة أو إلى طريق الجنة ، وقيل هو مفعول به ، والتقدير : واسمعوا خبر ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ ) فحذف المضاف (ماذا) في موضع نصب ب (أجبتم) وحرف الجر محذوف : أى بماذا أجبتم ، وما وذا هنا بمنزلة اسم واحد ، ويضعف أن يجعل ذا بمعنى الذى هاهنا لانه لاعائد هنا ، وحذف العائد مع حرف الجر ضعيف ( إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) و ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) مثل ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وقد ذكر في البقرة.
قوله تعالى ( إِذْ قَالَ اللَّهُ ) يجوز أن يكون بدلا من يوم ، والتقدير : إذ يقول ، ووقعت هنا إذ هى للماضى على حكاية الحال ، ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ يقول ( يَا عِيسَى ابْنَ ) يجوز أن يكون على الالف من عيسى فتحة ، لانه قد وصف بابن وهو بين علمين ، وأن يكون عليها ضمة ، وهى مثل قولك : يازيد بن عمرو بفتح الدال وضمها ، فإذا قدرت الضم جاز أن تجعل ابن مريم صفة وبيانا وبدلا ( إِذْ أَيَّدتُّكَ ) العامل في إذ ( نعمتى ) ويجوز أن يكون حالا من نعمتى ، وأن يكون مفعولا به على السعة ، وأيدتك وآيدتك قد قرئ بهما ، وقد ذكر في البقرة ( تُكَلِّمُ النَّاسَ ) في موضع الحال من الكاف في أيدتك ، و ( فِي الْمَهْدِ ) ظرف لتكلم أو حال من ضمير الفاعل في تكلم (وكهلا) حال منه أيضا ، ويجوز أن يكون من الكاف في أيدتك وهى حال مقدرة.
( وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ) واذ تخلق ، وإذ تخرج معطوفات على إذ أيدتك ( مِنْ الطِّينِ ) يجوز أن يتعلق بتخلق فتكون من لابتداء غاية الخلق وأن يكون حالا ( من هيئة الطير ) على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه ، والكاف مفعول تخلق ، وقد تكلمنا على قوله ( هيئة الطير ) في آل عمران ( فَتَكُونُ طَيْراً ) يقرأ بياء ساكنة من غير ألف.
وفيه وجهان : أحدهما أنه مصدر في معنى الفاعل.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 232 _
والثانى أن يكون أصله طيرا مثل سيد ، ثم خفف إلا أن ذلك يقل فيما عينه ياء وهو جائز ، ويقرأ طائرا وهى صفة غالبة ، وقيل هو اسم للجمع مثل الحامل والباقر ، و (تبرئ) معطوف على تخلق ( إِذْ جِئْتَهُمْ ) ظرف لكففت ( سِحْرٌ مُبِينٌ ) يقرأ بغير ألف على أنه مصدر ، ويشار به إلى ماجاء به من الآيات ، ويقرأ ساحر بالالف والاشارة به إلى عيسى ، وقيل هو فاعل في معنى المصدر كما قالوا عائذا بالله منك : أى عوذا أو
عياذا.
قوله تعالى ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ ) معطوف على ( إِذْ أَيَّدتُّكَ ) ( أَنْ آمِنُوا ) يجوز أن تكون أن مصدرية فتكون في موضع نصب بأوحيت ، وأن تكون بمعنى أى ، وقد ذكرت نظائره.
قوله تعالى ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ ) أى اذكر اذ قال ، ويجوز أن يكون ظرفا لمسلمون ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ) يقرأ بالياء على أنه فعل وفاعل ، والمعنى : هل يقدر ربك أو يفعل ، وقيل التقدير : هل يطيع ربك ، وهما بمعنى واحد مثل استجاب وأجاب وأستجب وأجب ، ويقرأ بالتاء ، وربك نصب ، والتقدير : هل يستطيع سؤال ربك فحذف المضاف ، فأما قوله ( أَنْ يُنَزِّلَ ) فعلى القراءة الاولى هو مفعول يستطيع ، والتقدير : على أن ينزل ، أو في أن ينزل ، ويجوز أن لا يحتاج إلى حرف جر على أن يكون يستطيع بمعنى يطيق ، وعلى القراءة الاخرى يكون مفعولا لسؤال المحذوف.
قوله تعالى ( أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا ) أن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف وقد عوض منه وقيل أن مصدرية وقد لاتمنع من ذلك (نكون) صفة لمائدة ، و (لنا) يجوز أن يكون خبر كان ، ويكون (عيدا) حالا من الضمير في الظرف أو حالا من الضمير في كان على قول من ينصب عنها الحال ، ويجوز أن يكون عيدا الخبر ، وفى لنا على هذا وجهان : أحدهما أن يكون حالا من الضمير في تكون.
والثانى أن تكون حالا من عيد لانه صفة له قدمت عليه ، فأما ( لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا ) فإذا جعلت لنا خبرا أو حالا من فاعل تكون فهو صفة لعيد ، وإن جعلت لنا صفة لعيد كان لاولنا وآخرنا بدل من الضمير المجرور بإعادة الجار ، ويقرأ لاولانا وأخرانا على تأنيث الطائفة أو الفرقة ، وأما من السماء فيجوز أن يكون صفة لمائدة ، وأن يتعلق بينزل (وآية) عطف على عيد ، و (منك) صفة لها.
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 233 _
قوله تعالى (منكم) في موضع الحال من ضمير الفاعل في يكفر (عذابا) اسم للمصدر الذى هو التعذيب فيقع موقعه ، ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة ،
وأما قوله ( لا أُعَذِّبُهُ ) يجوز أن تكون الهاء للعذاب ، وفيه على هذا وجهان : أحدهما أن يكون حذف حرف الجر : أى لاأعذب به أحدا.
والثانى أن يكون مفعولا به على السعة ، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد كقولك ظننته زيدا منطلقا ، ولا تكون هذه الهاء عائدة على العذاب الاول.
فإن قلت : لاأعذبه صفة لعذاب ، فعلى هذا التقدير لايعود من الصفة إلى الموصوف شئ.
قيل إن الثانى لما كان واقعا موقع المصدر والمصدر جنس وعذابا نكرة كان الاول داخلا في الثانى ، والثانى مشتملا على الاول ، وهو مثل : زيد نعم الرجل ، ويجوز أن تكون الهاء ضمير من ، وفى الكلام حذف : أى لاأعذب الكافر : أى مثل الكافر : أى مثل عذاب الكافر.
قوله تعالى (اتخذونى) هذه تتعدى إلى مفعولين لانهما بمعنى صيرونى ، و ( مِنْ دُونِ اللَّهِ ) في موضع صفة إلهين ، ويجوز أن تكون متعلقة باتخذوا ( أَنْ أَقُولَ ) في موضع رفع فاعل يكون ، ولى الخبر ، و ( مَا لَيْسَ ) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة وهو مفعول أقول ، لان التقدير : أن أدعى أو أذكر ، واسم ليس مضمر فيها ، وخبرها (لى) و (بحق) في موضع الحال من الضمير في الجار ، والعامل فيه الجار ، ويجوز أن يكون بحق مفعولا به تقديره : ماليس يثبت لى بسبب حق ، فالباء تتعلق بالفعل المحذوف لابنفس الجار ، لان المعانى لا تعمل في المفعول به ، ويجوز أن يجعل بحق خبر ليس ، ولى تبيين كما في قولهم : سقيا له ورعيا ، ويجوز أن يكون بحق خبر ليس ، ولى صفة بحق قدم عليه فصار حالا ، وهذا يخرج على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه ( إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ ) كنت لفظها ماض ، والمراد المستقبل ، والتقدير : إن يصح دعواى لى ، وإنما دعا هذا لان إن الشرطية لامعنى لها إلا في المستقبل ، فآل حاصل المعنى إلى ماذكرناه.
قوله تعالى ( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ) ( ما ) في موضع نصب بقلت أى ذكرت أو أديت الذى أمرتنى به فيكون مفعولا به ، ويجوز أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة.
وهو مفعول به أيضا ( أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ ) يجوز أن تكون أن مصدرية والامر صلة لها ، وفى الموضع ثلاثة أوجه : الجر على البدل من الهاء ، والرفع على إضمار هو ، والنصب على إضمار أعنى أو بدلا من موضع به ، ولايجوز أن تكون بمعنى أن المفسرة ، لان القول قد صرح به ، وأى لاتكون مع التصريح بالقول (ربى) صفة لله أو بدل منه ، و (عليهم) يتعلق ب (شهيدا).
إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن ( الجزء الاول)
_ 234 _