قال الشاعر :
فلست لانسى ولكن لملاك      تـنزل من جو السماء iiيصوب
  فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة.
  وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك : ملاك من غير نقل ، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت ، فوزنه الآن مفاعلة ، وقال آخرون عين الكلمة واو ، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه ، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك : ملاك مثل معاذ ، ثم حذفت عينه تخفيفا ، فيكون أصل ملائكة : ملاوكة ، مثل مقاولة ، فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب.
  وقال آخرون : ملك فعل من الملك ، وهى القوة ، فالميم أصل ، ولاحذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا (جاعل) يراد به الاستقبال فلذلك عمل ، ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون (في الارض) هو الثانى (خليفة) فعيلة بمعنى فاعل ، أى يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة (أتجعل) الهمزة للاسترشاد ، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل ، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم ، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير (يسفك) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها وهى لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير ، وهمزة (الدماء) منقلبة عن ياء لان الاصل دمى ، لانهم قالوا دميان (بحمدك) في موضع الحال تقديره : نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك (ونقدس لك) أى لاجلك ، ويجوز أن تكون اللام زائدة : أى نقدسك ، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله (إني أعلم) الاصل إننى ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ، هذا هو الصحيح ، وأعلم : يجوز أن يكون فعلا ويكون ( ما ) مفعولا ، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون ( ما ) في موضع جر بالاضافة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله ، بالنصب والجر ، وسقط التنوين لان هذا الاسم لاينصرف ، فإن قلت : أفعل لاينصب مفعولا.
  قيل : إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون ( ما ) في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله ( هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ).
  قوله تعالى (وعلم) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على ( قال ربك ) وموضعه جر كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل ، وقرئ ( وعلم آدم ) على

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 29 ـ
  مالم يسم فاعله ، وآدم أفعل ، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل ، لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة ، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا ، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى (ثم عرضهم) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير ( هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، ويقرأ بهمزة واحدة ، قيل المحذوفة هى الاولى ، لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى ، وقيل المحذوفة الثانية لان الثقل بها حصل ، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس ، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف.
  قوله تعالى (سبحانك) سبحان اسم واقع موقع المصدر ، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ، ولايكاد يستعمل إلا مضافا ، لان الاضافة تبين من المعظم ، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف ، والالف والنون في آخره مثل عثمان ، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به لانه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا ، لان المعنى تنزهت ، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره : سبحت الله تسبيحا ( إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) مامصدرية أى إلا علما علمتناه ، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم ، كقولك لاإله إلا الله ، ويجوز أن تكون ( ما ) بمعنى الذى ، ويكون علم بمعنى معلوم : أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه ، ولايجوز أن تكون ( ما ) في موضع نصب بالعلم ، لان اسم ( لا ) إذا عمل فيما بعده لايبنى ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ ) أنت مبتدأ والعليم خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب ، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد ، لانها لو وقعت لكانت بدلا ، وإياك لم يؤكد بها ، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب ، و (الحكيم) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة ، وهو صحيح لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى ، والعليم بمعنى العالم ، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم ، وأن يكون بمعنى المحكم.
  قوله تعالى (أنبئهم) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبالياء على تليين الهمزة ، ولم نقلبها قلبا قياسيا ، لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت ، وقد قرئ ( آنبهم ) بكسر الباء من غير همزة ولاياء ، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا ، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، وإلى الثانى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 30 ـ
  بحرف الجر ، وهو قوله (بأسمائهم) وقد يتعدى بعن كقولك : أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى ( قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ) فيذكر في موضعه (وأعلم ماتبدون) مستأنف وليس بمحكى بقوله ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ) ويجوز أن يكون محكيا أيضا ، فيكون في موضع نصب ، وتبدون وزنه تفعون ، والمحذوف منه لامه وهى واو ، لانه من بدا يبدو ، والاصل في الياء التى في (إنى) أن تحرك بالفتح لانها اسم مضمر على حرف واحد ، فتحرك مثل الكاف في إنك ، فمن حركها أخرجها على الاصل ، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة.
  قوله تعالى ( لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا ) الجمهور على كسر التاء ، وقرئ بضمها وهى قراء‌ة ضعيفة جدا ، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء ، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة ، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف ، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت : أفى سوأة أنتنه ، بفتح التاء ، وكأنها نوت الوقف على التاء ، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة (إلا إبليس) استثناء منقطع ، لانه لم يكن من الملائكة ، وقيل هو متصل ، لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف ، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف ، وأنه لانظير له في الاسماء ، وهذا بعيد ، على أن في الاسماء مثله نحو : إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه ، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا (وكان من الكافرين) مستأنف ، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا.
  قوله (اسكن أنت وزوجك) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه والاصل في (كل) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ، ومثله خذ ، ولايقاس عليه ، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر ، وحكى سيبويه أو كل شاذا (منها) أى من ثمرتها ، فحذف المضاف ، وموضعه نصب بالفعل قبله ، ومن لابتداء الغاية و (رغدا) صفة مصدر محذوف : أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : كلا مستطيبين متهنئين (حيث) ظرف مكان ، والعامل فيه كلا ، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به ، لان الجنة مفعول وليس بظرف ، لانك تقول سكنت

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 31 ـ
  البصرة وسكنت الدار ، بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت (هذه الشجرة) الهاء بدل من الياء في هذى ، لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى ، والياء للمؤنث مع الذال لاغير ، والهاء بدل منها لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه ، وقرئ في الشاذ ( هذه الشيرة ) وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج (فتكونا) جواب النهى ، لان التقدير : إن تقربا تكونا ، وحذف النون هنا علامة النصب لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف.
  قوله تعالى (فأزلهما) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف : أى حملها على الزلة ، ويقرأ ( فأزلهما ) أى نحاهما ، وهو من قولك : زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو ( مِمَّا كَانَا فِيهِ ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة : أى من نعيم أو عيش (اهبطوا) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهى لغة ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين ، واللام متعلقة بعدو ، لان التقدير بعضكم عدو لبعض ، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ، ويجوز أن يكون صفة لعدو ، فلما تقدم عليه صار حالا ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : ( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ) ( وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره : اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار ، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار ، و ( إِلَى حِينٍ ) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين.
  قوله تعالى ( فَتَلَقَّى آدَمُ ) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس لان كل ماتلقاك فقد تلقيته ، و ( مِنْ رَبِّهِ ) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى ، ويكون لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال ( إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) هو هاهنا مثل أنت في ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وقد ذكر قوله (منها جميعا) حال : أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط (فإما) إن حرف شرط ،

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 32 ـ
  وما حرف مؤكد له ، و (يأتينكم) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا ، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس ، لان زيادة ( ما ) تؤذن بإرادة شدة التوكيد ، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون ، وجواب الشرط (فمن تبع) وجوابه ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن.
  والجواب ( فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط ، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت : من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت : من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز.
  وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من ، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه ، والرفع والتنوين هنا أوجه من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله (ولاهم) لانه معرفة ، ولا لاتعمل في المعارف ، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان ، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو : قام زيد وعمرا كلمته ، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل ، والوجه الثانى من جهة المعنى ، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية ، وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة.
  فإن قيل : لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ، ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير.
  قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره : لاخوف كثير عليهم ، فيتوهم ثبوت الياء القليل ، وهو عكس ماقدر في السؤال.
  فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا (هداى) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة ، ويقرأ هدى بياء مشددة ، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت.
  قوله (بآياتنا) الاصل في آية : أية ، لان فاء‌ها همزة وعينها ولامها ياء ان لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال ، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا : آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 33 ـ
  ومثله غاية وثاية ، وقيل أصلها أييه ثم قلبت الياء الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها ، وقبل أصلها أيية بفتح الاولى والثانية ، ثم فعل في الياء ماذكرنا .
  وكلا الوجهين فيه نظر ، لان حكم الياء‌ين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف.
  وقيل أصلها أيية على فاعلة ، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف لان التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة (أولئك) مبتدأ و (أصحاب النار) خبره ، و ( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب ، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار ، لان في الجملة ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل في الحال معنى الاضافة ، أو اللام المقدرة.
  قوله تعالى ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ) إسرائيل لاينصرف لانه علم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، لا أنه يقلب الهمزة ياء ، ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء ، ومنهم من يحذفها فيقول إسرال ، ومنهم من يقول إسرائين بالنون ، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة لانه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو.
  وقال قوم : لامه ياء ولاحجة في البنوة لانهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء ( أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ) الاصل أنعمت بها ، ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذفت حرف الجر فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله ( أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ) (وأوفوا) يقال في الماضى وفى ووفى وأوفى ، ومن هنا قرئ ( أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) وأوف بالتخفيف والتشديد (وإياى) منصوب بفعل محذوف دل عليه (فارهبون) تقديره : وارهبوا إياى فارهبون ، ولايجوز أن يكون منصوبا بارهبون لانه قد تعدى إلى مفعوله.
  قوله (مصدقا) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت ، و (معكم) منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار (أول) هى أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى ، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الاصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 34 ـ
  وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل : يأل إذا نجا فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الاولى فيها.
  وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف ، وقال بعضهم من آل يئول ، فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ، ثم عمل فيها ماعمل في الوجه الذى قبله فوزنه الآن أعفل (كافر) لفظه واحد ، وهو في معنى الجمع : أى أول الكفار ، كما يقول هو أحسن رجل ، وقيل التقدير : أول فريق كافر.
  قوله تعالى ( وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) هو مجزوم بالعطف على : ولاتلبسوا ، ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أى لاتجمعوا بينهما كقولك لاتأكل السمك وتشرب اللبن ( وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) في موضع نصب على الحال ، والعامل لاتلبسوا وتكتموا.
  قوله تعالى ( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ) أصل أقيموا أقوموا ، فعمل فيه ماذكرناه في قوله ( وَيُقِيمُونَ الصَّلاة ) في أول السورة ( وَآتُوا الزَّكَاةَ ) أصله آتيوا ، فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم : زكا الشئ يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات ( مَعَ الرَّاكِعِينَ ) ظرف.
  قوله تعالى (وتنسون) أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ماذكرناه في قوله تعالى ( اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ ) ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) استفهام في معنى التوبيخ ولاموضع له.
  قوله تعالى (واستعينوا) أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة (وإنها) الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة لان استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود ( إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ، لانه ليس قبلها مايتعلق بكبيرة ليستثنى منه.
  فهو كقولك هو كبير على زيد.
  قوله تعالى ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ ) صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى ، ورفع بإضمارهم (أنهم) أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه مايتعلق به الظن وهو اللقاء.
  وذكر من أسند إليه اللقاء.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 35 ـ
  وقال الاخفش : أن وماعملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا (ملاقوا) أصله ملاقيوا ثم عمل فيه ماذكرنا في غير موضع ، وحذفت النون تخفيفا ، لانه نكرة إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف (إليه) الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذى دل عليه ملاقوا.
  قوله تعالى ( وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ ) في موضع نصب تقديره : واذكروا تفضيلى إياكم : قوله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْماً ) يوما هنا مفعول به ، لان الامر بالتقوى لايقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك ( لا تَجْزِي نَفْسٌ ) الجملة في موضع نصب صفة اليوم ، والعائد محذوف تقديره : تجزى فيه.
  ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ، لان الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها مالايجوز في غيرها ، وقال غيره تحذف ( في ) فتصير تجزيه ، فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك (عن نفس) في موضع نصب بتجزى ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير : شيئا عن نفس و (شيئا) هنا في حكم المصدر لانه وقع موقع جزاء ، وهو كثير في القرآن.
  لان الجزاء شئ فوضع العام موضع الخاص ( وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) أى فيه وكذلك ( وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ) ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قدم انتصب على الحال ، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة ، وبالياء لانه غير حقيقى ، وحسن ذلك للفصل.
  قوله تعالى ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ ) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتى ، وكذلك : وإذ فرقنا ، وإذ واعدنا ، وإذ قلتم ياموسى ، وماكان مثله من العطوف ( مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) أصل آل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل : آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ، لان التصغير يرد إلى الاصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الالف واوا ، ولم يرده إلى الاصل ، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله ، وقيل أصل آل : أول ، من آل يئول ، لان الانسان : يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمى معرفة (يسومونكم) في موضع نصب على الحال من آل ( سُوءَ الْعَذَابِ ) مفعول به ، لان يسومونكم متعد إلى مفعولين ، يقال : سمته الخسف : أى ألزمته الذل (يذبحون) في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الاولى ، لان حالين فصاعدا لاتكون عن شئ واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لايعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم ، والجمهور

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 36 ـ
  على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف (بلاء) الهمزة بدل من واو ، لان الفعل منه بلوته ، ومنه قوله ( ولنبلونكم (من ربكم) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف.
  قوله تعالى ( فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ ) بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول أول ، والباء هنا في معنى اللام ، ويجوز أن يكون التقدير ، بسببكم ، ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد ، فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ) ويجوز أن تكون الباء للحال : أى فرقنا البحر وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة (وأنتم تنظرون) في موضع الحال ، والعامل أغرقنا.
  قوله تعالى (وعدنا موسى) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول : وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا ، فالمفعول الاول موسى ، و (أربعين) المفعول الثانى ، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين ، ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله ، وعاقبت اللص ، وقيل هو من ذلك لان الوعد من الله والقبول من موسى ، فصار كالوعد منه ، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل ، وموسى مفعل من أوسيت رأسه إذا حلقته ، فهو مثل أعطى فهو معطى ، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق.
  فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ماقبلها ، وموسى اسم النبى لايقضى عليه بالاشتقاق لانه أعجمى ، وإنما يشتق موسى الحديد ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ ) أى إلها فحذف المفعول الثانى ومثله ( بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ ) وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ، كقوله تعالى ( وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ) وكقولك : اتخذت دارا وثوبا وماأشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الاظهار على الاصل (من بعده) أى من بعد انطلاقه فحذف المضاف.
  قوله تعالى (لعلكم) اللام الاولى أصل عند جماعة ، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك ، وقيل هى زائدة والاصل علك ، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 37 ـ
  قوله تعالى (والفرقان) هو في الاصل مصدر مثل الرجحان ، والغفران ، وقد جعل اسما للقرآن.
  قوله تعالى (لقومه) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ماقبلها وتزاد عليها ياء في اللفظ لانها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده ، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء لان الهاء خفية ضعيفة ، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين ، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ ، نحو : إنه وغلامه لما ذكرنا (ياقوم) حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة ، وهذا يجوز في النداء خاصة ، لانه لايلبس ، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ماقبلها ، ومنهم من يقول : ياقوم بضم الميم ( إِلَى بَارِئِكُمْ ) القراء‌ة بكسر الهمزة ، لان كسرها إعراب ، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات ، وسيبويه لايثبت هذه الرواية ، وكان يقول : إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو ، لان أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن (ذلكم) قال بعضهم : الاصل ذانكم ، لان المقدم ذكره التوبة والقتل ، فأوقع المفرد موقع التثنية ، لان ذا يحتمل الجميع ، وهذا ليس بشئ لان قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) في الكلام حذف تقديره : ففعلتم فتاب عليكم.
  قوله تعالى ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ ) إنما قال : نؤمن لك لابك ، لان المعنى لن نؤمن لاجل قولك ، أو يكون محمولا على : لن نقر لك بما ادعتيه (جهرة) مصدر في موضع الحال من اسم الله : أى نراه ظاهرا غير مستور ، وقيل حال من التاء ، والميم في قلتم : أى قلتم ذلك مجاهرين ، وقيل هو مصدر منصوب بفعل محذوف ، أى جهرتم جهرة ، و (الصاعقة) فاعلة بمعنى مفعلة ، يقال : أصعقتهم الصاعقة فهو كقولهم : أورس النبت فهو وارس ، وأعشب فهو عاشب.
  قوله تعالى ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ ) أى جعلناه ظلا ، وليس كقولك : ظللت زيدا بظل لان ذلك يؤدى إلى أن يكون الغمام مستورا بظل آخر ، ويجوز أن يكون التقدير بالغمام ، والغمام جمع غمامة ، والصحيح أن يقال هو جنس ، فإذا أردت الواحد زدت عليه التاء.
  قوله تعالى (المن والسلوى) جنسان ( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ) ( من ) هنا للتبعيض أو لبيان الجنس ، والمفعول محذوف ، والتقدير : كلوا شيئا من طيبات (أنفسهم) مفعول (يظلمون) وقد أوقع أفعلا ، وهو من جموع القلة موضع جمع الكثرة.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 38 ـ
  قوله تعالى ( هَذِهِ الْقَرْيَةِ ) القرية نعت لهذه (سجدا) حال وهو جمع ساجد وهو أبلغ من السجود (حطة) خبر مبتدإ محذوف أى سؤالنا حطة ، وموضع الجملة نصب بالقول ، وقرئ حطة بالنصب على المصدر : أى حط عنا حطة ( نَغْفِرْ لَكُمْ ) جواب الامر وهو مجزوم في الحقيقة بشرط محذوف تقديره : إن تقولوا ذلك نغفر لكم ، والجمهور على إظهار الراء عند اللام ، وقد أدغمها قوم ، وهو ضعيف لان الراء مكررة فهى في تقدير حرفين ، فإذا أدغمت ذهب أحدهما ، واللام المشددة لاتكرير فيها ، فعند ذلك يذهب التكير القائم مقام حرف ، ويقرأ ( تغفر لكم ) بالتاء على مالم يسم فاعله ، وبالياء كذلك لانه فصل بين الفعل والفاعل ، ولان تأنيث الخطايا غير حقيقى (خطاياكم) هو جمع خطيئة ، وأصله عند الخليل : خطائئ بهمزتين ، الاولى منهما مكسورة ، وهى المنقلبة عن الياء الزائدة في خطيئة فهو مثل صحيفة وصحائف ، فاستثقل الجمع بين الهمزتين ، فنقلوا الهمزة الاولى إلى موضع الثانية ، فصار وزنه فعالئ ، وإنما فعلوا ذلك لتصير المكسورة طرفا فتنقلب ياء فتصير فعالى ثم أبدلوا من كسرة الهمزة الاولى فتحة فانقلبت الياء بعدها ألفا ، كما قالوافى : يالهفى وياأسفى ، فصارت الهمزة بين ألفين ، فأبدل منها لان ياء الهمزة قريبة من الالف ، فاستكرهوا اجتماع ثلاث ألفات ، فخطايا فعالى ، ففيها على هذاخمس تغييرات : تقديم اللام عن موضعها ، وإبدال الكسرة فتحة ، وإبدال الهمزة الاخيرة ياء ، ثم إبدالها ألفا ، ثم إبدال الهمزة التى هى لام ياء ، وقال سيبويه : أصلها خطائئ ، كقول الخليل : إلا أنه أبدل الهمزة الثانية لانكسار ماقبلها ، ثم أبدل من الكسرة فتحة فانقلبت الياء ألفا ، ثم أبدل الهمزة ياء ، فلا تحويل على مذهبه.
  وقال الفراء : الواحدة خطية ، بتخفيف الهمزة والادغام ، فهو مثل مطية ومطايا.
  قوله تعالى (فبدل الذين ظلموا) في الكلام حذف تقديره : فبدل الذين ظلموا بالذى قيل لهم قولا غير الذى قيل لهم ، فبدل يتعدى إلى مفعول واحد بنفسه ، وإلى آخر بالباء ، والذى مع الباء هو المتروك ، والذى بغير باء هو الموجود كقول أبى النجم :
وبــدلـت والـدهـر ذو iiتـبـدل      هيفا دبورا بالصبا والشمأل
  فالذى انقطع عنها الصبا ، والذى صار لها الهيف ، فكذلك هاهنا ، ويجوز أن يكون

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 39 ـ
  بدل محمولا على المعنى تقديره : فقال الذين ظلموا قولا غير الذى ، لان تبديل القول كان بقول (من السماء) في موضوع نصب متعلق بأنزلنا ، ويجوز أن يكون صفة لرجز ، فيتعلق بمحذوف ، والرجز بكسر الراء وضمها لغتان (بما كانوا) الباء بمعنى السبب : أى عاقبناهم بسبب فسقهم.
  قوله (استسقى) الالف منقلبة عن ياء لانه من السقى ، وألف العصا من واو ، لان تثنيتها عصوان ، وتقول : عصوت بالعصا : أى ضربت بها ، والتقدير : فضرب ( فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ ) من العرب من يسكن الشين ، ومنهم من يكسرها ، وقد قرئ بهما ، ومنهم من يفتحها (مفسدين) حال مؤكدة لان قوله ( لا تعثوا ) لا تفسدوا.
  قوله تعالى ( يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ ) مفعول يخرج محذوف تقديره : شيئا مما تنبت الارض ، و ( ما ) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، ولاتكون مصدرية لان المفعول المقدر لايوصف بالانبات ، لان الانبات مصدر والمحذوف جوهر (من بقلها) من هنا لبيان الجنس ووضعها نصب على الحال من الضمير المحذوف تقديره : مما تنبته الارض كائنا من بقلها ، ويجوز أن يكون بدلا من ( ما ) الاولى بإعادة حرف الجر ، والقثاء بكسر القاف وضمها لغتان ، وقد قرئ بهما ، والهمزة أصل لقولهم : أقثأت الارض ، واحدته قثاء‌ة (أدنى) ألفه منقلبة عن واو لانه من دنا يدنو إذا قرب ، وله معنيان : أحدهما أن يكون المعنى ماتقرب قيمته بخساسته ويسهل تحصيله ، والثانى أن يكون بمعنى القريب منكم لكونه في الدنيا و ( الذى هو خير ) ماكان من امتثال أمر الله ، لانه نفعه متأخر إلى الآخرة.
  وقيل الالف مبدلة من همزة لانه مأخوذ من دنؤ يدنؤ فهو دنئ ، والمصدر الدناء‌ة ، وهو من الشئ الخسيس ، فأبدل الهمزة ألفا كما قال : ( لا هناك المرتع ) وقيل أصله أدون ، من الشئ الدون ، فأخر الواو فانقلبت ألفا ، فوزنه الآن أفلع (اهبطوا) الجيد كسر الباء والضم لغة وقد قرئ به (مصرا) نكرة ، فلذلك انصرف ، والمعنى : اهبطوا بلدا من البلدان ، وقيل هو معرفة وانصرف لسكونه أوسطه ، وترك الصرف جائز ، وقد قرئ به ، وهو مثل هند ودعد ، والمصر في الاصل : هو الحد بين الشيئين (ماسألتم) ( ما ) في موضع نصب اسم إن ، وهى بمعنى الذى ، ويضعف أن تكون نكرة موصوفة (وباء‌وا) الالف في باء‌وا منقلبة عن واو ، لقولك في المستقبل يبوء (بغضب) في موضع الحال : أى رجعوا مغضوبا عليهم (من الله) في موضع جر

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 40 ـ
  صفة لغضب (ذلك بأنهم) ذلك مبتدأ ، وبأنهم ( كَانُوا يَكْفُرُونَ ) الخبر ، والتقدير : ذلك الغضب مستحق بكفرهم (النبيين) أصل النبى الهمزة ، لانه من النبأ ، وهو الخبر ، لانه يخبر عن الله ، لكنه خفف بأن قلبت الهمزة ياء ، ثم أدغمت الياء الزائدة فيها ، وقيل من لم يهمز أخذه من النبوة وهو الارتفاع ، لان رتبة النبى ارتفعت عن رتب سائر الخلق ، وقيل النبى الطريق ، فالمبلغ عن الله طريق الخلق إلى الله وطريقه إلى الخلق ، وقد قرئ بالهمز على الاصل (بغير الحق) في موضع نصب على الحال من الضمير في يقتلون ، والتقدير : يقتلونهم مبطلين ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف تقديره قتلا بغير الحق ، وعلى كلا الوجهين هو توكيد (عصوا) أصله عصيوا ، فلما تحركت الياء وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ، ثم حذفت الالف لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة تدل عليها ، والواو هنا تدغم في الواو التى بعدها لانها مفتوح ماقبلها ، فلم يكن فيها مد يمنع من الادغام ، وله في القرآن نظائر كقوله ( فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا ) فإن انضم ماقبل هذه الواو نحو : آمنوا وعملوا لم يجز إدغامها ، لان الواو المضموم ماقبلها يطول مدها فيجرى مجرى الحاجز بين الحرفين.
  قوله تعالى (والصابئين) يقرأ بالهمز على الاصل ، وهو من صبأ يصبأ إذا مال ويقرأ بغير همز وذلك على قلب الهمزة ألفا في صبا ، وعلى قلبها ياء في صابى ، ولما قلبها ياء حذفها من أجل ياء الجمع.
  والالف في هادوا منقلبة عن واو ، لانه من هاد يهود إذا تاب ، ومنه قوله تعالى ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) ويقال هو من الهوادة ، وهو الخضوع ، ويقال أصلها ياء ، من هاد يهيد ، إذا تحرك (من آمن) من هنا شرطية في موضع مبتدإ ، والخبر آمن ، والجواب (فلهم أجرهم) والجملة خبر إن الذين ، والعائد محذوف تقديره : من آمن منهم ، ويجوز أن يكون من بمعنى الذى غير جازمة ، ويكون بدلا من اسم إن ، والعائد محذوف أيضا ، وخبر إن ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ) وقد حمل على لفظ من آمن وعمل ، فوجد الضمير وحمل على معناها ( فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ) فجمع وأجرهم مبتدأ ، ولهم خبره ، وعند الاخفش أن أجرهم مرفوع بالجار و (عند) ظرف ، والعامل فيه معنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون عند في موضع الحال من الاجر تقديره ، فلهم أجرهم عند (ربهم) والاجر في الاصل مصدر يقال : أجره الله يأجره أجرا ، ويكون بمعنى المفعول به لان الاجر هو الشئ الذى يجازى به المطيع فهو مأجور به.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 41 ـ
  قوله تعالى (فوقكم) ظرف لرفعنا ، ويضعف أن يكون حالا من الطور ، لان التقدير يصير رفعنا الطور عاليا ، وقد استفيد هذا من رفعنا ، ولان الجبل لم يكن فوقهم وقت الرفع ، وإنما صار فوقهم بالرفع ( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ ) التقدير : وقلنا خذوا ، ويجوز أن يكون القول المحذوف حالا والتقدير : رفعنا فوقكم الطور قائلين خذوا (بقوة) في موضع نصب على الحال المقدرة ، والتقدير : خذوا الذى آتيناكموه عازمين على الجد في العمل به ، وصاحب الحال الواو في خذوا ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير المحذوف ، والتقدير : خذوا ما آتيناكموه ، وفيه الشدة والتشدد في الوصية بالعمل به.
  قوله تعالى (فلولا) هى مركبة من لو ولا ، ولو قبل التركيب يمتنع بها الشئ لامتناع غيره ، ولاللنفى ، والامتناع نفى في المعنى ، فقد دخل النفى بلا على أحد امتناعى ( لو ) والامتناع نفى في المعنى ، والنفى إذا دخل على النفى صار إيجابا ، فمن هنا صار معنى لولا هذه يمتنع بها الشئ لوجود غيره ، و (فضل الله) مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : لولا فضل الله حاضر ، ولزم حذف الخبر لقيام العلم به ، وطول الكلام بجواب لولا ، فإن وقعت أن بعد لولا ظهر الخبر كقوله تعالى ( فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ) فالخبر في اللفظ لان.
  وذهب الكوفيون إلى أن الاسم الواقع بعد لولا هذه فاعل لولا.
  قوله ( عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا ) علمتم هاهنا بمعنى عرفتم ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، و (منكم) في موضع نصب حالا من الذين اعتدوا : أى المعتدين كائنين منكم ، و (في السبت) متعلق باعتدوا ، وأصل السبت مصدر ، يقال : سبت يسبت سبتا ، إذا قطع ، ثم سمى اليوم سبتا ، وقد يقال يوم السبت فيخرج مصدرا على أصله ، وقد قالوا : اليوم السبت ، فجعلوا اليوم خبرا عن السبت ، كما يقال : اليوم القتال ، فعلى ماذكرنا يكون في الكلام حذف تقديره يوم السبت (خاسئين) الفعل منه خسأ إذا ذل ، فهو لازم مطاوع خسأته ، فاللازم منه والمتعدى بلفظ واحد مثل : زاد الشئ وزدته ، وغاض الماء وغضته ، وهو صفة لقردة ، ويجوز أن كون خبرا ثانيا وأن يكون حالا من فاعل كان ، والعامل فيها كان.
  قوله تعالى (فجعلناها) الضمير للعقوبة أو المسخة أو الامة ، و (نكالا) مفعول ثان.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 42 ـ
  قوله تعالى (يأمركم) الجمهور على ضم الراء ، وقرئ بإسكانها ، لان الكاف متحركة وقبل الراء حركة ، فسكنوا الاوسط تشبيها له بعضد ، وأجروا المنفصل مجرى المتصل ، ومنهم من يختلس ولايسكن ، والجيد همزه ، وقرئ بالالف على إبدال الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ماقبلها ، ومثله : الراس والباس (أن تذبحوا) في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الجر ، وتقديره : بأن تذبحوا ، وعلى قول الخليل هو في موضع جر بالباء ويجوز أن يقول الخليل هو هنا في موضع نصب فتعدى أمرت بنفسه ، كما قال : ( أمرتك الخير فافعل ) (هزوا) مصدر وفيه ثلاث لغات : الهمز وضم الزاى ، والهمز وسكون الزاى ، وقلب الهمزة واوا مع ضم الزاى ، وربما سكنت الزاى أيضا وهو مفعول ثان لاتخذ ، وفيه مضاف محذوف تقدير : أتتخذنا ذوى هزؤ ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى المفعول تقديره : مهزوء‌ا بهم ، وجواب الاستفهام معنى ( أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ ) لان المعنى أن الهازئ جاهل كأنه قال : لاأهزأ.
  قوله تعالى (ادع لنا) اللغة الجيدة ضم العين ، والواو محذوفة علامة للبناء عند البصريين وللجزم عند الكوفيين ، ومن العرب من يكسر العين ، ووجهها أنه قدر العين ساكنة كأنها آخر الفعل ، ثم كسرها لسكونها وسكون الدال قبلها (مالونها) مااسم للاستفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولونها الخبر ، والجملة في موضع نصب بيبين ، ولو قرئ لونها بالنصب لكان له وجه ، وهو أن تجعل مازائدة كهى في قوله ( أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ) ويكون التقدير : يبين لنا لونها.
  ( وأما ) ماهى ( فابتداء وخبر لاغير ، إذ لايمكن جعل مازائدة ، لان هى لايصلح أن يكون مفعول يبين (لافارض) صفة لبقرة ، ( ولا ) لا تمنع ذلك لانها دخلت لمعنى النفى ، فهو كقولك : مررت برجل لاطويل ولاقصير ، وإن شئت جعلته خبر مبتدإ : أى لاهى فارض (ولابكر) مثله ، وكذلك (عوان بين ذلك) أى بينهما ، وذلك لما صلح للتثنية والجمع جاز دخول بين عليه واكتفى به (ماتؤمرون) أى به ، أو تؤمرونه ، ومابمعنى الذى ، ويضعف أن يكون نكرة موصوفة ، لان المعنى على العموم ، وهو بالذى أشبه.
  قوله تعالى (فاقع لونها) إن شئت جعلت فاقع صفة ، ولونها مرفوعا به ، وإن شئت كان خبرا مقدما والجملة صفة (تسر) صفة أيضا ، وقيل فاقع صفة للبقرة ، ولونها مبتدأ ، وتسر خبره ، وأنث اللون لوجهين : أحدهما أن اللون صفرة هاهنا فحمل على المعنى ، والثانى أن اللون مضاف إلى المؤنث فأنث ، كما قال : ذهبت بعض أصابعه ، و ) يلتقطه بعض السيارة ).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 43 ـ
  قوله تعالى (إن البقر) الجمهور على قراء‌ة البقر بغير ألف ، وهو جنس للبقرة ، وقرئ شاذا ( إن الباقر ) وهو اسم بقرة ، ومثله الجامل (تشابه) الجمهور على تخفيف الشين وفتح الهاء لان البقر تذكر والفعل ماض ، ويقرأ بضم الهاء مع التخفيف على تأنيث البقر إذ كانت كالجمع ، ويقرأ بضم الهاء وتشديد الشين وأصله ، تتشابه ، فأبدلت التاء الثانية شينا ثم أدغمت ، ويقرأ كذلك ، إلا أنه بالياء على التذكير (إن شاء الله) جواب الشرط إن وماعملت فيه عند سيبويه ، وجاز ذلك لما كان الشرط متوسطا ، وخبر إن هو جواب الشرط في المعنى ، وقد وقع بعده فصار التقدير : إن شاء الله هدايتنا اهتدينا ، والمفعول محذوف وهو هدايتنا ، وقال المبرد : الجواب محذوف دلت عليه الجملة ، لان الشرط معترض ، فالنية به التأخير ، فيصير كقولك أنت ظالم إن فعلت.
  قوله تعالى (لا ذلول) إذا وقع فعول صفة لم يدخله الهاء للتأنيث ، تقول : امرأة صبور وكشور ، وهو بناء للمبالغة ، وذلول رفع صفة للبقرة ، أو خبر ابتداء محذوف وتكون الجملة صفة (تثير) في موضع نصب حالا من الضمير في ذلول وتقديره لاتذل في حال إثارتها ، ويجوز أن يكون رفعا اتباعا لذلول ، وقيل هو مستأنف أى هى تثير ، وهذا قول من قال : إن البقرة كانت تثير الارض ، ولم تكن تسقى الزرع.
  وهو قول بعيد من الصحة لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه ( وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ ) فنفى المعطوف ، فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك لانه في المعنى واحد ، ألا ترى أنك لاتقول : مررت برجل قائم ولاقاعد ، بل تقول : لاقاعد ، بغير واو كذلك يجب أن يكون هنا ، والثانى أنها لو أثارت الارض لكانت ذلولا ، وقد نفى ذلك ، ويجوز على قول من أثبت هذا الوجه أن تكون تثير في موضع رفع صفة للبقرة ( ولا تسقى الحرث ) يجوز أن يكون صفة أيضا ، وأن يكون خبر ابتداء محذوف ، وكذلك (مسلمة) و ( لا شِيَةَ فِيهَا ) والاحسن أن يكون صفة ، والاصل في شية وشية ، لانه من وشا يشى ، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر وعوضت التاء من المحذوف ، ووزنها الآن علة ، وفيها خبر لا في موضع رفع ( قالوا الآن ) الالف واللام في الآن زائدة وهو مبنى ، قال الزجاج ، بنى لتضمنه معنى حرف الاشارة ، كأنك قلت هذا الوقت ، وقال أبوعلى : بنى لتضمنه معنى لام التعريف ، لان الالف واللام الملفوظ بهما لم تعرفه ، ولا هو علم ولا مضمر ، ولاشئ من أقسام المعارف ، فيلزم أن يكون تعريفه باللام المقدرة ، واللام هنا زائدة زيادة لازمة كما لزمت في الذى وفى اسم الله.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 44 ـ
  وفى ( الآن ) أربعة أوجه : أحدها تحقيق الهمزة وهو الاصل ، والثانى القاء حركة الهمزة على اللام وحذفها وحذف ألف اللام (1) في هذين الوجهين لسكونها وسكون اللام في الاصل ، لان حركة اللام هاهنا عارضة ، والثالث كذلك ، إلا أنهم حذفوا ألف اللام لما تحركت اللام فظهرت الواو في قالوا ، والرابع إثبات الواو في اللفظ وقطع ألف اللام وهو بعيد (بالحق) يجوز أن يكون مفعولا به ، والتقدير : أجأت الحق ، أو ذكرت الحق ، ويجوز أن يكون حالا من التاء تقديره : جئت ومعك الحق (وإذ قتلتم) تقديره : اذكروا إذ (فادارأتم) أصل الكلمة تدارأتم ، ووزنه تفاعلتم ، ثم أرادوا التخفيف فقلبوا التاء دالا لتصير من جنس الدال التى هى فاء الكلمة لتمكن الادغام ثم سكنوا الدال ، إذ شرط الادغام أن يكون الاول ساكنا فلم يمكن الابتداء بالساكن فاجتلبت له همرة الوصل ، فوزنه الآن افاعلتم بتشديد الفاء مقلوب ن اتفاعلتم ، والفاء الاولى زائدة ولكنها صارت من جنس الاصل فينطق بها مشددة لا لانهما أصلان ، بل لان الزائد من جنس الاصلى ، فهو نظير قولك ضرب بالتشديد ، فإن إحدى الراء‌ين زائدة ، ووزنه فعل بتشديد العين كما كانت الراء كذلك ولم نقل في الوزن فعول ولافوعل ، فيؤتى بالراء الزائدة في المثال ، بل زيدت العين في المثال كما زيدت في الاصل ، وكانت من جنسه ، فكذلك التاء في تدارأتم صارت بالابدال دالا من جنس فاء الكلمة.
  فإن سئل عن الوزن ليبين الاصل من الزائد بلفظه الاول أو الثانى ، كان الجواب أن يقال : وزن أصله الاول تفاعلتم ، والثانى اتفاعلتم ، والثالث افاعلتم ، ومثل هذه المسألة ( اثاقلتم إلى الارض ( و ) حتى إذا اداركوا فيها ).
  قوله تعالى ( مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ) ( ما ) في موضع نصب بمخرج وهى بمعنى الذى ، والعائد محذوف ، ويجوز أن تكون مصدرية ويكون المصدر بمعنى المفعول : أى يخرج كتمكم أى مكتومكم.
  قوله تعالى ( كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ ) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف تقديره يحيى الله الموتى إحياء مثل ذلك ، وفى الكلام حذف تقديره : فضربوها فحييت ، قوله تعالى ( فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ ) الكاف حرف جر متعلقة بمحذوف تقديره : فهى مستقرة كالحجارة ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل في موضع رفع ، ولاتتعلق بشئ (أو أشد) أو هاهنا كأو في قوله ( أَوْ كَصَيِّبٍ ) وأشد معطوف على الكاف

--------------------
(1) (قوله وحذف ألف اللام الخ) الصواب أن يقال : وحذف واو قالوا الخ كما يؤخذ من السفاقسى (=)

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 45 ـ
  تقديره أو هى أشد ، وقرئ بفتح الدال على أنه مجرور عطفا على الحجارة ، تقديره : أو كأشد من الحجارة و (قسوة) تمييز وهى مصدر (لما يتفجر) مابمعنى الذى في موضع نصب اسم إن واللام للتوكيد ، ولو قرئ بالتاء جاز ، ولو كان في غير القرآن لجاز منها على المعنى (يشقق) أصله يتشقق ، فقلبت التاء شينا وأدغمت وفاعله ضمير ما ، ويجوز أن يكون فاعله ضمير الماء ، لانه (يشقق) يجوز أن يجعل للماء على المعنى ، فيكون معك فعلان فيعمل الثانى منهما في الماء ، وفاعل الاول مضمر على شريطة التفسير ، وعند الكوفيين يعمل الاول فيكون في الثانى ضميره ( مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) من في موضع نصب بيهبط ، كما تقول : يهبط بخشية الله ( عَمَّا يَعْمَلُونَ ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون مصدرية.
  قوله تعالى ( أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) حرف الجر محذوف ، أى في أن يؤمنوا ، وقد تقدم ذكر موضع مثل هذا من الاعراب (وقد كان) الواو واو الحال ، والتقدير : أفتطمعون في إيمانهم وشأنهم الكذب والتحريف (منهم) في موضع رفع صفة لفريق ، و (يسمعون) خبر كان ، وأجاز قوم أن يكون يسمعون صفة لفريق ، ومنهم الخبر وهو ضعيف (ماعقلوه) ( ما ) مصدرية ( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) حال ، والعامل فيها يحرفونه ، ويجوز أن يكون العامل عقلوه ، ويكون حالا مؤكدة.
  قوله تعالى ( بِمَا فَتَحَ اللَّهُ ) يجوز أن تكون ( ما ) بمعنى الذى ، وأن تكون مصدرية ، وأن تكون نكرة موصوفة (ليحاجوكم) اللام بمعنى كى ، والناصب للفعل أن مضمرة ، لان اللام في الحقيقة حرف جر ، ولاتدخل إلا على الاسم ، وأكثر العرب يكسر هذه اللام ، ومنهم من يفتحها.
  قوله تعالى (أميون) مبتدأ وماقبله الخبر ، ويجور على مذهب الاخفش أن يرتفع بالظرف ( لا يَعْلَمُونَ ) في موضع رفع صفة لاميين ( إِلاَّ أَمَانِيَّ ) استثناء منقطع ، لان الامانى ليست من جنس العلم ، وتقدير إلا في مثل هذا بلكن ، أى لكن يتمنونه أمانى ، وواحد الامانى : أمنية ، والياء مشددة في الواحد والجمع ، ويجوز تخفيفها فيهما (وإن هم) إن بمعنى ما ، ولكن لاتعمل عملها ، وأكثر ماتأتى بمعناها إذا انتقض النفى بإلا ، وقد جاء‌ت وليس معها إلا ، وسيذكر في موضعه ، والتقدير : وإن هم (إلا) قوم (يظنون).

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 46 ـ
  قوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ) ابتداء وخبر ، ولو نصب لكان له وجه على أن يكون التقدير : ألزمهم الله ويلا ، واللام للتبيين لان الاسم لم يذكر قبل المصدر والويل مصدر لم يستعمل منه فعل ، لان فاء‌ه وعينه معتلتان.
  قوله تعالى (الكتاب) مفعول به : أى المكتوب ، ويضعف أن يكون مصدرا ، وذكر الايدى توكيد ، وواحدها يد ، وأصلها يدى كفلس ، وهذا الجمع جمع قلة ، وأصله أيدى بضم الدال ، والضمة قبل الياء ، مستثقلة لاسيما مع الياء المتحركة ، فلذلك صيرت الضمة كسرة ولحق بالمنقوص (ليشتروا) اللام متعلقة بيقولون ( مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ) مابمعنى الذى أو نكرة موصوفة أو مصدرية ، وكذلك ( مِمَّا يَكْسِبُونَ ).
  قوله تعالى ( إِلاَّ أَيَّاماً ) منصوب على الظرف ، وليس للا فيه عمل ، لان الفعل لم يتعد إلى ظرف قبل هذا الظرف ، وأصل أيام ، أيوام ، فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الاولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء تخفيفا (أتخذتم) الهمزة للاستفهام ، وهمزة الوصل محذوفة استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، وهو بمعنى جعلتم المتعدية إلى مفعول واحد (فلن يخلف) التقدير : فيقولوا لن يخلف ( مَا لا تَعْلَمُونَ ) ( ما ) بمعنى الذى ، أو نكرة ، ولا تكون مصدرية هنا.
  قوله تعالى (بلى) حرف يثبت به المجيب المنفى قبله تقول : ماجاء زيد ، فيقول المجيب بلى : أى قد جاء ولهذا يصح أن تأتى بالخبر المثبت بعد بلى ، فتقول : بلى قد جاء ، فإن قلت في جواب النفى نعم كان اعترافا بالنفى ، وصح أن تأتى بالنفى بعده كقوله : ماجاء زيد ، فنقول نعم ماجاء ، والياء من نفس الحرف.
  وقال الكوفيون : هى بل زيدت عليها الياء ، وهو ضعيف (من كسب) في ( من ) وجهان أحدهما : هى معنى الذى ، والثانى شرطية ، وعلى كلا لوجهين هى مبتدأة إلا أن ( كسب ) لا موضع لها إن كانت من موصولة ولها موضع إن كانت شرطية ، والجواب (فأولئك) وهو مبتدأ ، و (أصحاب النار) خبره ، والجملة جواب الشرط أو خبر من ، والسيئة على فيعلة مثل : سيد وهين ، وقد ذكرناه في قوله ( أو كصيب ) وعين الكلمة واو لانه من ساء‌ه يسوء‌ه (به) يرجع إلى لفظ من ، وما بعده من الجمع يرجع إلى معناها ، ويدل على أن من بمعنى الذى المعطوف ، وهو قوله ( وَالَّذِينَ آمَنُوا ).
  قوله تعالى ( لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ ) يقرأ بالتاء على تقدير : قلنا لهم لا تعبدون ، وبالياء لان بنى إسرائيل اسم ظاهر ، فيكون الضمير وحرف المضارعة بلفظ الغيبة ، لان الاسماء الظاهرة كلها غيب.

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 47 ـ
  وفيها من الاعراب أربعة أوجه : أحدها أنه جواب قسم دل عليه المعنى وهو قوله ، ( أَخَذْنَا مِيثَاقَ ) لان معناه أحلفناهم ، أو قلنا لهم بالله لا تعبدون.
  والثانى أن ( أن ) مرادة ، والتقدير أخذنا ميثاق بنى إسرائيل على أن لا تعبدوا إلا الله ، فحذف حرف الجر ثم حذف أن فارتفع الفعل ، ونظيره : ( ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى ) بالرفع والتقدير عن أن أحضر.
  والثالث أنه في موضع نصب على الحال تقديره : أخذنا ميثاقهم موحدين ، وهى حال مصاحبة ومقدرة ، لانهم كانوا وقد أخذ العهد موحدين ، والتزموا الدوام على التوحيد ، ولو جعلتها حالا مصاحبة فقط على أن يكون التقدير : أخذنا ميثاقهم ملتزمين الاقامة على التوحيد جاز ، ولو جعلتها حالا مقدرة فقط جاز ويكون التقدير أخذنا ميثاقهم مقدرين التوحيد أبدا ما عاشوا.
  والوجه الرابع أن يكون لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهى ، والتقدير : قلنا لهم لا تعبدوا ، وفيه وجه خامس وهو أن يكون الحال محذوفة ، والتقدير : أخذنا ميثاقهم قائلين كذا وكذا ، وحذف القول كثير ومثل ذلك قوله تعالى ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ ) (إلا الله) مفعول تعبدون ، ولا عمل للا في نصبه ، إلا أن الفعل قبله لم يستوف مفعوله ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) إحسانا مصدر ، أى وقلنا أحسنوا بالوالدين إحسانا ، ويجوز أن يكون مفعولا به ، والتقدير : وقلنا استوصوا بالوالدين إحسانا ، ويجوز أن يكون مفعولا له : أى ووصيناهم بالوالدين لاجل الاحسان إليهم (وذى القربى) إنما أفرد ذى هاهنا لانه أراد الجنس ، أو يكون وضع الواحد موضع الجمع ، وقد تقدم نظيره (واليتامى) جمع يتيم ، وجمع فعيل على فعالى قليل ، والميم في (والمساكين) زائدة لانه من السكون (وقولوا) أى وقلنا لهم قولوا (حسنا) يقرأ بضم الحاء وسكون السين وبفتحهما ، وهما لغتان مثل : العرب والعرب والحزن والحزن ، وفرق قوم بينهما فقالوا الفتح صفة لمصدر محذوف : أى قولا حسنا ، والضم على تقدير حذف مضاف أى قولا ذا حسن ، وقرئ بضم الحاء من غير تنوين على أن الالف للتأنيث ( إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ ) النصب على الاستثناء المتصل وهو الوجه ، وقرئ بالرفع شاذا ، ووجهه أن يكون بفعل محذوف كأنه قال : امتنع قليل ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لان المعنى يصير ثم تولى قليل ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر محذوف : أى إلا قليل منكم لم يتول ، كما قالوا : ما مررت بأحد إلا ورجل من بنى تميم خير منه ، ويجوز

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 48 ـ
  أن يكون توكيدا للضمير المرفوع المستثنى منه ، وسيبويه وأصحابه يسمونه نعتا ووصفا ، وأنشد أبوعلي في مثل رفع هذه الآية :
وبالصريمة منهم منزل خلق      عـاف تـغير إلا الـنؤى والـوتد
  ( وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) جملة في موضع الحال المؤكدة ، لان توليتم يغنى عنه ، وقيل المعنى توليتم بأبدانكم وأنتم معرضون بقلوبكم ، فعلى هذا هى حال منتقلة ، وقيل توليتم يعنى آباء‌هم وأنتم معرضون ، يعنى أنفسهم كما قال : ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) يعنى آباء‌هم.
  قوله تعالى (من دياركم) الياء منقلبة عن واو لانه جمع دار ، والالف في دار واو في الاصل ، لانها من دار يدور ، وإنما قلبت ياء في الجمع لانكسار ما قبلها واعتلالها في الواحد.
  فإن قلت : فكيف صحت في لو اذا ؟ قيل : لما صحت في الفعل صحت في المصدر ، والفعل لاوذت.
  فإن قلت : فكيف في ديار ؟ قيل الاصل فيه ديوار فقلبت الواو وأدغمت ، (ثم أقررتم) فيه وجهان : أحدهما أن ثم على بابها في إفادة العطف والتراخى ، والمعطوف عليه محذوف تقديره : فقبلتم ثم أقررتم ، والثانى أن تكون ( ثم ) جاء‌ت لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه ، كقوله تعالى ( ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ ).
  قوله تعالى ( ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاء ) أنتم مبتدأ ، وفى خبره ثلاثة أوجه : أحدها تقتلون ، فعلى هذا في هؤلاء وجهان : أحدهما في موضع نصب بإضمار أعنى ، والثانى هو منادى : أى يا هؤلاء ، إلا أن هذا لا يجوز عند سيبويه ، لان أولاء مبهم ، ولا يحذف حرف النداء مع المبهم ، والوجه الثانى أن الخبر هؤلاء على أن يكون بمعنى الذين ، وتقتلون صلته ، وهذا ضعيف أيضا ، لان مذهب البصريين أن أولاء هذا لا يكون بمنزلة الذين ، وأجازه الكوفيون.
  والوجه الثالث أن الخبر هؤلاء على تقدير حذف مضاف تقديره : ثم أنتم مثل هؤلاء كقولك : أبو يوسف أبوحنيفة ، فعلى هذا تقتلون حال يعمل فيها معنى التشبيه.
  قوله ( تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ ) في موضع نصب على الحال ، والعامل فيها تخرجون ، وصاحب الحال الواو ، ويقرأ بتشديد الظاء ، والاصل تتظاهرون ، فقلبت التاء الثانية ظاء وأدغمت ، ويقرأ بالتخفيف على حذف التاء الثانية ، لان الثقل والتكرر حصل بها ، ولان الاولى حرف يدل على معنى ، وقيل المحذوفة هى الاولى ، ويقرأ بضم التاء وكسر الهاء والتخفيف ، وماضيه ظاهر (والعدوان) مصدر مثل

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 49 ـ
  الكفران ، والكسر لغة ضعيفة ، أسارى حال وهو جمع أسير ، ويقرأ بضم الهمزة وبفتحها ، مثل سكارى وسكارى ، ويقرأ أسرى ، مثل جريح وجرحى ، ويجوز في الكلام أسراء ، مثل شهيد وشهداء (تفدوهم) بغير ألف ( وتفادوهم ) بالالف ، وهو من باب المفاعلة ، فيجوز أن يكون بمعنى القراء‌ة الاولى ، ويجوز أن يكون من المفاعلة التى تقع من اثنين ، لان المفاداة كذلك تقع ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ ) هو مبتدأ ، وهو ضمير الشان ، ومحرم خبره ، و (إخراجهم) مرفوع بمحرم ، ويجوز أن يكون إخراجهم مبتدأ ، ومحرم خبر مقدم ، والجملة خبر هو ، ويجوز أن يكون هو ضمير الاخراج المدلول عليه بقوله ( وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ ) ويكون محرم الخبر.
  وإخراجهم بدل من الضمير في محرم ، أو من هو (فما جزاء) ما نفى والخبر (خزى) ويجوز أن تكون استفهاما مبتدأ ، وجزاء خبره ، وإلا خزى بدل من جزاء ( يفعل ذلك منكم ) في موضع نصب على الحال من الضمير في يفعل (في الحياة الدنيا) صفة للخزى ، ويجوز أن يكون ظرفا تقديره : إلا أن يخزى في الحياة الدنيا (يردون) بالياء على الغيبة لان قبله مثله ، ويقرأ بالتاء على الخطاب ردا على قوله ( تقتلون ) ومثله (عما تعملون) بالتاء والياء.
  قوله عزوجل (وقفينا) الياء بدل من الواو لقولك : قفوته ، وهو يقفوه إذا اتبعه ، فلما وقعت رابعة قلبت ياء (الرسل) بالضم وهو الاصل ، والتسكين جائز تخفيفا ، ومنهم من يسكن إذا أضاف إلى الضمير هربا من توالى الحركات ، ويضم في غير ذلك (عيسى) فعلى من العيس ، وهو بياض يخالطه شقرة ، وقيل هو أعجمى لا اشتقاق له و (مريم) علم أعجمى ، ولو كان مشتقا من رام يريم لكان مريما بسكون الياء ، وقد جاء في الاعلام بفتح الياء نحو مزيد ، وهو على خلاف القياس (وأيدناه) وزنه فعلناه ، وهو من الايد ، وهو القوة ، ويقرأ ( آيدناه ) بمد الالف وتخفيف الياء ، ووزنه أفعلناه.
  فإن قلت : فلم لم تحذف الياء التى هى عين كما حذفت في مثل أسلناه من سال يسيل ؟ قيل : لو فعلوا ذلك لتوالى إعلالان : أحدهما قلب الهمزة الثانية ألفا ، ثم حذف الالف المبدلة من الياء لسكونها وسكون الالف قبلها ، فكان يصير اللفظ أدناه فكانت تحذف الفاء والعين ، وليس كذلك أسلناه ، لان هناك حذفت العين وحدها (القدس) بضم الدال وسكونها لغتان ، مثل المعسر والعسر (أفكلما) دخلت الفاء ها هنا لربط مابعدها بما قبلها ، والهمزة للاستفهام الذى بمعنى التوبيخ و (جاء‌كم) يتعدى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 50 ـ
  بنفسه وبحرف الجر تقول : جئته وجئت إليه (تهوى) ألفه منقلبة عن ياء لان عينه واو ، وباب طويت وشويت أكثر من باب جوة وقوة ، ولا دليل في هوى لانكسار العين وهو مثل شقى ، فإن أصله واو ، ويدل على أن هوى من اليائى أيضا قولهم في التثنية هويان (استكبرتم) جواب كلما ( ففريقا كذبتم ) أى فكذبتم فريقا ، فالفاء عطفت كذبتم على استكبرتم ، ولكن قدم المفعول ليتفق رء‌وس الآى ، وفى الكلام حذف : أى ففريقا منهم كذبتم.
  قوله تعالى (غلف) يقرأ بضم اللام ، وهو جمع غلاف ، ويقرأ بسكونها ، وفيه وجهان : أحدهما هو تسكين المضموم ، مثل كتب وكتب والثانى هو جمع أغلف ، مثل أحمر وحمر ، وعلى هذا لا يجوز ضمه ، و (بل) ههنا إضراب عن دعواهم ، وإثبات أن سبب جحودهم لعن الله إياهم عقوبة لهم.
  قوله (بكفرهم) الباء متعلقة بلعن ، وقال أبوعلي : النية به التقديم : أى وقالوا قلوبنا غلف بسبب كفرهم ، بل لعنهم الله معترض ، ويجوز أن يكون في موضع الحال من المفعول في لعنهم أى كافرين كما قال ـ وقد دخلوا بالكفر ـ (فقليلا) منصوب صفة لمصدر محذوف ، و (ما) زائدة أى فإيمانا قليلا ( يؤمنون ) وقيل صفة لظرف : أى فزمانا قليلا يؤمنون ، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ، لان قليلا لا يبقى له ناصب ، وقيل ( ما ) نافية : أى فما يؤمنون قليلا ولا كثيرا ، ومثله ( قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ) و ( قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ) وهذا أقوى في المعنى وإنما يضعف شيئا من جهة تقدم معمول ما في حيز ما عليها.
  قوله تعالى ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) يجوز أن يكون في موضع نصب لابتداء غاية المجئ ، ويجوز أن يكون في موضع رفع صفة لكتاب (مصدق) بالرفع صفة لكتاب ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال ، وفى صاحب الحال وجهان : أحدهما الكتاب ، لانه قد وصف فقرب من المعرفة.
  والثانى أن يكون حالا من الضمير في الظرف ، ويكون العامل الظرف أو ما يتعلق به الظرف ، ومثله ( رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ ).
  قوله (من قبل) بنيت ههنا لقطعها عن الاضافة والتقدير ، من قبل ذلك ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ ) أتى بلما بعد لما من قبل جواب الاولى ، وفى جواب الاولى وجهان :
  أحدهما جوابها لما الثانية وجوابها ، وهذا ضعيف لان الفاء مع لما الثانية ، ولما لا تجاب بالفاء إلا أن يعتقد زيادة الفاء على ما يجيزه الاخفش ، والثانى أن كفروا جواب الاولى

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 51 ـ
  والثانية لان مقتضاهما واحد ، وقيل الثانية تكرير فلم تحتج إلى جواب ، وقيل جواب الاولى محذوف تقديره أنكروه ، أو نحو ذلك ( فَلَعْنَةُ اللَّهِ ) هو مصدر مضاف إلى الفاعل.
  قوله تعالى ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا ) فيه أوجه : أحدها أن تكون ( ما ) نكرة غير موصوفة منصوبة على التمييز قاله الاخفش ، واشتروا على هذا صفة محذوف تقديره شئ أو كفر ، وهذا المحذوف هو المخصوص ، وفاعل بئس مضمر فيها ونظيره : ( لنعم الفتى أضحى بأكناف حايل ) أى فتى أضحى.
  وقوله ( أَنْ يَكْفُرُوا ) خبر مبتدإ محذوف : أى هو أن يكفروا ، وقيل أن يكفروا في موضع جر بدلا من الهاء في به ، وقيل هو مبتدأ ، وبئس وما بعدها خبر عنه.
  والوجه الثانى أن تكون ( ما ) نكرة موصوفة ، واشتروا صفتها ، وأن يكفروا على الوجوه المذكورة ، ويزيد هاهنا أن يكون هو المخصوص بالذم.
  والوجه الثالث أن تكون ( ما ) بمنزلة الذى ، وهو اسم بئس ، وأن يكفروا المخصوص بالذم ، وقيل اسم بئس مضمر فيها ، والذى وصلته المخصوص بالذم.
  والوجه الرابع أن تكون ( ما ) مصدرية أى بئس شراؤهم ، وفاعل بئس على هذا مضمر ، لان المصدر هنا مخصوص ليس بجنس.
  قوله (بغيا) مفعول له ، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر ، لان ما تقدم يدل على أنهم بغوا بغيا ( أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ ) مفعول من أجله : أى بغوا ، لان أنزل الله ، وقيل التقدير : بغيا على ما إنزال الله : أى حسدا على ماخص الله به نبيه من الوحى ومفعول ينزل محذوف : أى ينزل الله شيئا (من فضله) ويجوز أن تكون من زائدة على قول الاخفش ، و (من) نكرة موصوفة : أى على رجل (يشاء) ويجوز أن تكون بمعنى الذى ، ومفعول يشاء محذوف : أى يشاء نزوله عليه ، ويجوز أن يكون يشاء يختار ويصطفى ، و ( من عباده ) حال من الهاء المحذوفة ، ويجوز أن يكون في موضع جر صفة أخرى لمن ( فَبَاءُوا بِغَضَبٍ ) أى مغضوبا عليهم فهو حال (على غضب) صفة لغضب الاول (مهين) الياء بدل من الواو ، لانه من الهوان.
  قوله تعالى (ويكفرون) أى وهم يكفرون ، والجملة حال ، والعامل فيها قالوا من قوله ( قَالُوا نُؤْمِنُ ) ، ولا يجوز أن يكون العامل نؤمن ، إذ لو كان كذلك لوجب أن يكون لفظ الحال ونكفر : أى ونحن نكفر ، والهاء في (وراء‌ه) تعود على ( ما ) والهمزة في وراء بدل من ياء لان ما فاؤه واو لا يكون لامه واوا ، ويدل عليه أنها ياء في تواريت لا همزة ، وقال ابن جنى : هى عندنا همزة لقولهم ، وريئة بالهمز

إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراء‌ات في جميع القرآن ( الجزء الاول) ـ 52 ـ
  في التصغير (وهو الحق) جملة في موضع الحال ، والعامل فيها يكفرون.
  ويجوز أن يكون العامل معنى الاستقرار الذى دلت عليه ( ما ) إذ التقدير : بالذى استقر وراء‌ه (مصدقا) حال مؤكدة ، والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل ، إذ المعنى وهو ثابت مصدقا ، وصاحب الحال الضمير المستتر في الحق عند قوم ، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دل عليه الكلام ، والحق مصدر لا يتحمل الضمير على حسب تحمل اسم الفاعل له عندهم ، فأما المصدر الذى ينوب عن الفعل كذلك : ضربا زيدا فيتحمل الضمير عند قوم (فلم) ما هنا استفهام ، وحذفت ألفها مع حرف الجر للفرق بين الاستفهامية والخبرية ، وقد جاء‌ت في الشعر غير محذوفة ، ومثله ( فيم أنت من ذكراها ـ وعم يتساء‌لون ـ ومم خلق ) (تقتلون) أى قتلتم ، والمعنى أن آباء‌هم قتلوا ، فلما رضوا بفعلهم أضاف القتل إليهم (إن كنتم) جوابها محذوف دل عليه ما تقدم.
  قوله تعالى (بالبينات) يجوز أن تكون في موضع الحال من موسى ، تقديره : جاء‌كم ذا بينات وحجة ، أو جاء ومعه البينات ، ويجوز أن يكون مفعولا به : أى بسبب إقامة البينات.
  قوله تعالى ( فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ ) أى حب العجل فحذف المضاف ، لان الذى يشربه القلب المحبة لا نفس العجل (بكفرهم) أى بسبب كفرهم ، ويجوز أن يكون حالا من المحذوف : أى مختلطا بكفرهم ، وأشربوا في موضع الحال ، والعامل فيه قالوا : أى قالوا ذلك وقد أشربوا ، وقد مرادة ، لان الفعل الماضى لا يكون حالا إلا مع قد.
  وقال الكوفيون : لايحتاج إليها ، ويجوز أن يكون وأشربوا مستأنفا والاول أقوى ، لانه قد قال بعد ذلك ( قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ ) فهو جواب قولهم ( سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) فالاولى أن لا يكون بينهما أجنبى.
  قوله تعالى ( إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ ) الدار اسم كان ، وفى الخبر ثلاثة أوجه : أحدها هو (خالصة) وعند ظرف لخالصة أو للاستقرار الذى في لكم ، ويجوز أن تكون عند حالا من الدار ، والعامل فيها كان أو الاستقرار ، وأما لكم فتكون على هذا متعلقة بكان لانها تعمل في حروف الجر ، ويجوز أن تكون للتبيين فيكون موضعها بعد خالصة أى خالصة لكم ، فيتعلق بنفس خالصة ، ويجوز أن يكون صفة لخالصة قدمت عليها فيتعلق حينئذ بمحذوف ، والوجه الثانى أن يكون خبر كان لكم ، وعند الله ظرف ، وخالصة حال ، والعامل كان أو الاستقرار.