الفهرس العام




مقدّمة المركز


تمهيد
الائمّة اثنا عشر
المراد من الاثني عشر عند أهل السنة

  لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
  وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن .
  ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 6 _

  والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج .
  ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً .
  كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم .
  وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان ( سلسلة الندوات العقائدية ) بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها .
  وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها .
  سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله .
  مركز الابحاث العقائدية
  فارس الحسّون
إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 7 _

بسم الله الرحمن الرحيم


تمهيد

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين .
  قال الله عزّوجلّ: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) (1) .
  موضوع بحثنا في هذه الليلة إمامة بقيّة الائمّة ( عليهم السلام ) .
  بعد أن فرغنا من بيان الادلّة بنحو الاختصار والايجاز من الكتاب والسنّة والعقل على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وبحثنا أيضاً عن أدلّة القوم على إمامة أبي بكر ، كان لابدّ من

---------------------------
(1) سورة السجدة: 24.

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 8 _

  التعرض للبحث عن إمامة بقية الائمّة سلام الله عليهم .
  القول بإمامة الحسن المجتبى بعد أمير المؤمنين ، والحسين سلام الله عليه بعد الحسن ، وعلي بن الحسين السجاد ، ومحمّد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمّد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي بن موسى الرضا ، ومحمّد بن علي الجواد ، وعلي بن محمّد الهادي ، والحسن بن علي العسكري ، والامام المهدي صلوات الله عليهم أجمعين .
  القول بإمامة هؤلاء الائمّة هو من ضرورات مذهب الشيعة الاماميّة الاثني عشرية ، فلو أنّ أحداً يشكّك في إمامة أحدهم أو يشك يكون بذلك خارجاً عن هذا المذهب ، فالقول بإمامة الائمّة من ضروريات هذا المذهب، وهذه الطائفة تسمّى بالطائفة الاثني عشرية بهذه المناسبة ، وبعد أن كان هذا الاعتقاد من ضروريات هذا المذهب لا تبقى حاجة للبحث عن أدلة هذا الاعتقاد في داخل المذهب .
  ومع ذلك فهناك كتب كثيرة ألّفها علماء الطائفة في إثبات إمامة هؤلاء الائمّة سلام الله عليهم ، عن طريق النص، وعن طريق العصمة ، وعن طريق الافضليّة .
  وقد ذكرنا منذ اليوم الاوّل: أنّ طريق إثبات الامامة لامام ، إمّا

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 9 _

  يكون بالافضليّة ، وإمّا بالنص ، وإمّا بالعصمة .
  والحق إجتماع الادلّة الثلاثة في إمامة أمير المؤمنين وسائر الائمّة الطاهرين ، ولاسيّما على صعيد النصوص الواردة في إمامة الائمّة سلام الله عليهم ، فقد ثبت نصّ الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) على الحسن (عليه السلام) وهكذا على الحسين (عليه السلام) إلى آخر الائمّة ، وثبت نصّ رسول الله على إمامة كلّ هؤلاء .
  والكتب المؤلّفة في خصوص النصوص كثيرة ، بإمكانكم الرجوع إلى كتاب كفاية الاثر في النص على الائمّة الاثني عشر ، وهكذا كتاب الانصاف في النصّ على الائمّة الاشراف ، وكتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ، وغير هذه الكتب المؤلّفة في هذا الباب .
  وهل بالامكان إثبات إمامة بقية الائمّة على ضوء أدلّة أهل السنّة ؟ وهل يمكن أن نستند إلى كتب أهل السنّة المشهورة ورواياتهم في إثبات إمامة بقيّة الائمّة عليهم الصلاة والسلام أوْ لا ؟
  التحقيق أنّنا يمكننا إثبات إمامة بقيّة الائمّة أيضاً على ضوء كتب أهل السنّة فقط ، وعن طريق النصّ والعصمة والافضليّة كلّها ، وقد تتعجّبون وتستغربون من هذا الذي أدّعيه الان، ولكن لا تستعجلوا ، وسترون أنّ أيّ باحث محقّق حرّ منصف يستمع إلى ما

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 10 _

  أقوله في هذه الليلة ، سوف لا يمكنه أن يناقش في شيء ممّا أقوله ، اللهمّ إلاّ أنْ يتعصّب ، وليس لنا مع التعصّب والمتعصّب بحث .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 11 _

الائمّة اثنا عشر

  إنّنا نسأل أهل السنّة ونراجع كتبهم ، ونفحص في رواياتهم ، عمّا إذا كان عندهم شيء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الامامة ، وعدد الائمّة بعد رسول الله، هل هناك دليل على حصر الائمّة بعد رسول الله في عدد معيّن أو لا يوجد دليل ؟ وإذا كان يوجد دليل فما هو ذلك العدد ؟ ومن هم أُولئك الائمّة الذين دلّت عليهم وعلى إمامتهم تلك الادلّة ؟
  الجواب واضح تماماً ، فحديث الائمّة إثنا عشر أو الخلفاء من بعدي إثنا عشر ، هذا الحديث مقطوع الصدور ، اتفق عليه الشيخان وغيرهما من أئمّة الحديث ، وأخرجوه بطرق وأسانيد معتبرة ، ورووه عن عدة من الصحابة ، أقرأ لكم نصوصاً من هذا الحديث ، وأرجو الدقّة في ألفاظ هذه النصوص ، والتأمّل فيما تختلف فيه هذه الالفاظ ، والتوصل إلى نتيجة قطعية على ضوء الدقّة في هذه النصوص .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 12 _

  نصوص من حديث الائمّة اثنا عشر
  أخرج أحمد في المسند عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر خليفة ) (1) .
  وأخرج أحمد أيضاً عن مسروق قال : كنّا جلوساً عند عبدالله ابن مسعود وهو يقرؤنا القرآن فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كم تملك هذه الاُمّة من خليفة ؟ فقال : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثمّ قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : ( إثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ) (2) ، في هذا اللفظ توجد هذه الاضافة : ( كعدّة نقباء بني إسرائيل ) .
  وأخرج أحمد عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله، قال : فكتب إليّ: سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يوم جمعة عشية رجم الاسلمي ـ يعطي علامة أنّه في ذلك اليوم المعين الذي رجم فيه فلان ـ سمعته يقول : ( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو

---------------------------
(1) مسند أحمد 5/106 .
(2) مسند أحمد 1/398 .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 13 _

  يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ) (1) .
  لاحظوا الاضافات في هذا اللفظ عن نفس جابر الراوي لهذا الحديث .
  وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة ، نفس هذا الشخص قال : دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول : ( إنّ هذا الامر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ) ، ثمّ تكلّم بكلام خفي عَلَيّ، فقلت لابي : ما قال ؟ قال : قال : ( كلّهم من قريش ) (2) .
  في هذا اللفظ إضافة، والتفتوا إلى هذه الفوارق.
  وأمّا البخاري فيروي في صحيحه عن جابر نفسه: سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول : ( إثنا عشر أميراً ) ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه يقول : ( كلّهم من قريش ) (3) .
  وأخرج الترمذي عن جابر نفسه قال : قال رسول الله: ( يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ) ، ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه فسألت الذي يليني فقال : قال : ( كلّهم من قريش ) ، قال الترمذي : هذا حديث

---------------------------
(1) مسند أحمد : 5/86 .
(2) صحيح مسلم 3/1452 رقم 5 .
(3) صحيح البخاري 9/101 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 14 _

  حسن صحيح ، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة ، وفي الباب عن ابن مسعود وعبدالله بن عمرو (1) .
  وأمّا في صحيح أبي داود يقول جابر ، ـ الرواية عن جابر نفسه ـ : سمعت رسول الله يقول : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ) ، قال : فكبّر الناس وضجّوا ، ثمّ قال كلمة خفيت ، قلت لابي : يا أبه ، ما قال ؟ قال : قال : ( كلّهم من قريش ) (2) .
  يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني : أصل هذا الحديث في صحيح مسلم بدون كلمة : فكبّر الناس وضجّوا (3) .
  وقد قرأنا عبارته ، لم تكن فيه هذه الجملة : فكبّر الناس وضجّوا ، لكنّها موجودة في صحيح أبي داود .
  وللطبراني لفظ آخر ، يقول الطبراني عن جابر بن سمرة : ( يكون لهذه الاُمّة اثنا عشر قيّماً ) ـ لم يقل خليفة ، ولم يقل أميراً ـ ( لا يضرّهم من خذلهم ، كلّهم من قريش ) (4) .

---------------------------
(1) سنن الترمذي 4/106 رقم 2223 .
(2) سنن أبي داود 4/106 رقم 4280 ـ دارالفكر ـ بيروت .
(3) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1402 .
(4) المعجم الكبير للطبراني 2/196 رقم 1794 ـ دار إحياء التراث العربي .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 15 _

  قال ابن حجر في فتح الباري في شرح البخاري : ووقع عند الطبراني من وجه آخر هذا الحديث في آخره يقول جابر هذا الراوي يقول : فالتفتُ فإذا أنا بعمر بن الخطّاب وأبي في أُناس ، فأثبتوا إليّ الحديث (1) .
  هذه هي الالفاظ التي انتخبتها ، واكتفيت بها لالقائها في هذه الجلسة .
  ولاحظوا أوّلاً ألفاظ الحديث إلى الان، في بعض الالفاظ : ( إثنا عشر خليفة ) ، في بعض الالفاظ : ( إثنا عشر أميراً ) ، في بعض الالفاظ : ( إثنا عشر قيّماً ) ، وبين الكلمات فرق كبير .
  ثمّ في بعض الالفاظ : ( لا يزال هذا الدين عزيزاً ) ، وفي بعض الالفاظ توجد جملة : ( لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة... ) ، وفي بعض الالفاظ : ( لا يضرّهم من خذلهم ) .
  أمّا هذه الالفاظ التي لم ينقلها كلّ الرواة ونقلها بعضهم دون بعض ، لماذا ؟ لماذا لم تكن جملة ( فكبّر الناس وضجّوا ) في صحيح مسلم ، والحال أنّ الحديث نفس الحديث كما ينصّ الحافظ ابن حجر ؟ غير مسلم يأتي بهذه الجملة لكن ليست الجملة في

---------------------------
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180 .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 16 _

  صحيح مسلم ! أمّا البخاري فلم ينقل من هذه النقاط الاضافيّة المهمة شيئاً !
  تارة المتكلم يتكلّم ثمّ يخفض صوته فلا يسمع كلامه ، وتارة المتكلم لا يخفض صوته ، وإنّما الصياح في أطرافه والضجّة من حوله تمنع من وصول كلامه وبلوغ لفظه فلا يسمع كلامه ، وفي أكثر الالفاظ يقول جابر : إنّه قال كلمة لم أسمعها ، قال كلمة لم أفهمها ، قال كلمة خفيت عَلَيّ .
  ولسائل أن يسأل : ما هو السبب في خفاء هذه الكلمة أو غيرها من الكلمات على جابر ؟ جابر الذي ينقل الحديث من رسول الله ويقول : سمعته ... فلمّا وصل إلى هنا خفّض رسول الله صوته أو كانت هناك أسباب وعوامل خارجية ؟ فهذه العوامل الخارجية مَن الذي أحدثها وأوجدها ؟ لماذا قال رسول الله بعض الحديث وسُمع كلامه وبعض الحديث خفي ولم يُسمَع ؟ وماذا قال ؟ وهل كان لعمر بن الخطّاب وأصحابه دور في خفاء صوته وعدم بلوغ لفظه إلى الحاضرين ؟ أو لم يكن ؟
  لسائل أن يسأل عن هذه الاُمور ، والمحقق لا يترك مثل هذه القضايا على حالها ، المحقق لا يتجاوز هذه الاشياء بلا حساب ، تارةً يراد منّا أن نقرأ ونسكت ، وتارة يراد منّا أن نسمع ونسلّم ،

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 17 _

  وتارة يراد منّا أن نحقق ونفهم .
  لقد وجدنا أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمّا أمر بإتيان دواة وقرطاس إليه ، كثر اللغطُ من حوله ، وجعل الحاضرون يتصايحون ، لئلاّ يسمع كلامه ، ولئلاّ يلبّ طلبه ! وحينئذ قال عمر كلمته المشهورة في تلك القضية !! أتستبعدون أن يكون رسول الله قد قال هنا كلمات ومنعوا الحاضرين من سماع تلك الكلمات لئلاّ ينقلوها إلى من بعدهم ، عن طريق إحداث الضجّة من حوله والتكبير ؟ وماذا قال رسول الله حتّى يكبّروا كما جاء في الحديث : فكبّر الناس وضجّوا ؟ لماذا ؟ وأيّ مناسبة بين قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يكون بعدي خلفاء... ) وبين التكبير ، وبين الضجّة ولماذا ؟
  وعندما بحثت عن ألفاظ الحديث ، وجدت في عمدة المصادر لا يلتفتون إلى هذه الحقيقة ، أوْ لا ينبّهون على هذه النقطة ، حتّى عثرت على اسم عمر بن الخطّاب في أحد ألفاظه ، هذا المقدار الذي بحثت عنه ، وقارنت بين القضيّة هذه وبين قضية الدواة والقرطاس .
  وإن أردتم مزيداً من التأكيد والتوضيح ، فراجعوا بعض مؤلفات أهل السنّة من المتأخرين ، فإذاً لوجدتم الحديث عن نفس جابر وبنفس السند الذي في صحيح البخاري ، كانت تلك الكلمة

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 18 _

  التي خفيت على جابر: ( كلّهم من بني هاشم ) وليس ( كلّهم من قريش ) فماذا حدث ؟ وماذا فعل القوم ؟ وكيف انقلبت ألفاظ رسول الله وتغيّرت من لفظ إلى لفظ على أثر الضجّة ؟ منعوا من سماع الكلمة وحالوا دون وصول كلامه ، فإذا سئلوا ماذا قال ؟ أجابوا بغير ما قال رسول الله، عندما سأل : يا أبه أو يا عمر أو يا فلان ، يقول : سألت الذي يليني ماذا قال رسول الله ؟ قال : ( كلّهم من قريش ) .
  لكن عبد الملك بن عمير ، يروي الرواية عن جابر نفسه أنّه قال : ( كلّهم من بني هاشم ) ، وعبد الملك بن عمير نفس الراوي عن جابر في صحيح البخاري ، فراجعوا .
  نحن وإنْ كنّا لا نوافق على وثاقة عبد الملك بن عمير ، هذا الرجل عندنا مطعون ومجروح ، لانّه كان قاضي الكوفة ، وعندما أرسل الحسين ( عليه السلام ) إلى الكوفة رسولاً من قبله ، وأمر عبيد الله بن زياد بأن يأخذوا هذا الشخص إلى القصر وأمر بإلقائه من أعلى القصر إلى الارض فسقط على الارض وبه رمق ، جاء عبد الملك ابن عمير ، وذبح هذا الرجل في الشارع ، فلمّا اعترض عليه قال : أردت أنْ أُريحه .
  هذا الشخص ـ عبد الملك ـ ليس عندنا بثقة ، لكنّه من رجال

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 19 _

  الصحاح الستّة .
  عبد الملك بن عمير يروي الحديث عن جابر وفيه بدل ( كلّهم من قريش ) جملة ( كلّهم من بني هاشم ) .
  وأيضاً ، يوافق عبد الملك بن عمير في رواية الحديث عن جابر بلفظ ( كلّهم من بني هاشم ) : سماك بن حرب ، وسماك بن حرب من رجال مسلم ، ومن رجال البخاري في تعليقاته ، ومن رجال الصحاح الاربعة الاُخرى .
  فعبدالملك وسماك كلاهما يرويان عن جابر الحديث نفسه بلفظ ( كلّهم من بني هاشم ) .
  وإذا ما رجعتم إلى كتب أصحابنا وجدتموهم يروون هذا الحديث بأسانيدهم إلى جابر نفسه ، وتجدون الحديث مشتملاً على ألفاظ وخصوصيات أُخرى ، وسأقرأ لكم تلك الخصوصيات عندما أُريد أنْ أستدلّ بهذا الحديث على إمامة الائمّة (عليهم السلام) .
  وإلى الان عرفنا من هذه الاحاديث :
  أوّلاً:
  عدد الائمّة على وجه التحديد ، عدد الخلفاء ، أو القوّام على هذا الدين على وجه التحديد : اثنا عشر .
  ثانياً :
  يقول رسول الله بأنّ هؤلاء باقون إلى قيام الساعة .
  ثالثاً :
  يقول رسول الله بأنّ عزّ الاسلام منوط بوجود هؤلاء ،

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 20 _

  بإمامة هؤلاء ، بخلافة هؤلاء .
  رابعاً :
  هؤلاء أئمّة قوّام للدين ، وإن خذلوا وإن خولفوا .
  يقول أصحابنا بأنّ المراد من هذا العدد وهؤلاء الذين ذكرهم رسول الله أو أشار إليهم هم أئمّتنا الاثنا عشر سلام الله عليهم .
  ومن العجيب أنّ إمامة أئمّتنا بنفس العدد والنص موجود في الكتب السماوية السابقة ، وثابت عند أهل الكتاب وأهل الاديان السالفة ، ولذا لو أنّ أحداً من أهل الكتاب أسلم ، صار شيعيّاً ، وهذا ما ينصّ عليه ابن تيميّة في منهاج السنّة (1) .

---------------------------
(1) منهاج السنة 8 / 242 .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 21 _

المراد من الاثني عشر عند أهل السنة

  فإذا كان المراد بنظر أصحابنا من هذا الحديث أئمّتنا الاطهار الاثنا عشر ، فلنرجع إلى أئمّة أهل السنّة ومحدّثيهم الحفّاظ الكبار ، لنلاحظ ماذا يقولون في معنى هذا الحديث ، ومَن المراد من هؤلاء الائمّة في هذا الحديث الثابت ؟ فهنا أُمور :
  الامر الاوّل:
  هذا الحديث لا يمكنهم ردّه، لصحّته ووجوده في الصحيحين وغيرهما من الكتب .
  الامر الثاني :
  إنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة الامامية .
  الامر الثالث :
  إنّ الذين تولّوا الامر بعد رسول الله عددهم أكثر من هذا العدد بكثير .
  ومع الالتفات إلى هذه الاُمور الثلاثة ، لاحظوا ما يقولون في شرح هذا الحديث ، وانظروا كيف يضطربون وتتضارب أفكارهم

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 22 _

  وآراؤهم وأقوالهم في شرح هذا الحديث وبيان معناه ، ولو أردتُ أنْ أذكر لكم كلّ ما حصلت عليه من كلماتهم لطال بنا المجلس ، وعندنا بحوث لاحقة أيضاً فلا يبقى لها مجال .
  أقول :
  لقد اضطربوا في معنى هذا الحديث اضطراباً كبيراً ، فابن حجر العسقلاني في فتح الباري يذكر آراء ابن الجوزي والقاضي عياض ، ويباحثهم فيما قالا ، وابن كثير الدمشقي يذكر في كتابه البداية والنهاية ـ حيث يعنون هذا الحديث ـ يذكر آراء البيهقي وغيره ويناقشهم ، ولا بأس أنْ أقرأ لكم رأي ابن كثير فقط ، وبه أكتفي لئلاّ يطول بنا البحث .
  يقول ابن كثير بعد أنْ يذكر رأي البيهقي وغيره : وفيه نظر ، وبيان ذلك : إنّ الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد أكثر من اثني عشر على كل تقدير ، وبرهانه إنّ الخلفاء الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث سفينة : ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ) ، ثمّ بعدهم الحسن بن علي كما وقع ـ لانّ عليّاً أوصى إليه ، وبايعه أهل العراق وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام ـ ثمّ معاوية ، ثمّ ابنه يزيد بن معاوية ، ثمّ ابنه معاوية بن يزيد ، ثمّ مروان بن الحكم ، ثمّ ابنه عبد الملك بن مروان ، ثمّ ابنه الوليد بن عبد الملك ، ثمّ سليمان بن عبد الملك ، ثمّ عمر بن عبد العزيز ، ثمّ يزيد

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 23 _

  بن عبد الملك ، ثمّ هشام بن عبد الملك . فهؤلاء خمسة عشر ، فزادوا ثلاثة ، وعلى كلّ تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز ، فهذا الذي سلكه أي البيهقي على هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز ، الذي أطبق الائمّة على شكره وعلى مدحه ، وعدّوه من الخلفاء الراشدين ، وأجمع الناس قاطبة على عدله ، وأنّ أيّامه كانت من أعدل الايّام ، حتّى الرافضة يعترفون بذلك (1) .
  فإن قال : ـ يعني البيهقي ـ أنا لا أعتبر إلاّ من اجتمعت الاُمّة عليه ، لزمه على هذا القول أنْ لا يعدّ علي بن أبي طالب ولا ابنه ، لانّ الناس لم يجتمعوا عليهما ، وذلك لانّ أهل الشام بكاملهم لم يبايعوهما ، وعدّ حينئذ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد ، ولم يعتد بأيّام مروان ولا ابن الزبير ، لانّ الاُمّة لم تجتمع على واحد منهما ، ولكن هذا لا يمكن أن يسلك ، لانّه يلزم منه إخراج علي وابنه الحسن من هؤلاء الاثني عشر ، وهو خلاف ما نصّ عليه أئمّة

---------------------------
(1) إذن ، يظهر : إنّ الملاك في الائمّة أن يكونوا عدولاً ، حتّى يُعَدوا في الاثني عشر الذين أرادهم رسول الله، فيعترض على القوم لماذا أدخلتم يزيد بن معاوية وأخرجتم عمر بن عبد العزيز ؟ والحال أنّ عمر بن عبد العزيز معروف بالعدل ؟

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 24 _

  السنّة بل الشيعة (1) .
  فهذا قول من أقوالهم ، وهو من البيهقي ، ثمّ هذا قول ابن كثير باعتراضه على البيهقي حيث يقول بأنّ لازم كلامكم إخراج علي والحسن من الاثني عشر .
  ولو أردتم التفصيل ، فراجعوا : شرح النووي على صحيح مسلم ، راجعوا فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، وراجعوا تفصيل كلام ابن كثير في تاريخه ، فقد ذكروا في هذه الكتب أن بعضهم أخرج الامام عليّاً ( عليه السلام ) والحسن من الائمّة الاثني عشر ، وأدخلوا في مقابلهما ومكانهما معاوية ويزيد ابن معاوية وأمثالهما (2) .

---------------------------
(1) البداية والنهاية المجلد 3 الجزء 6/249 ـ 250 ـ دارالفكر ـ بيروت .
(2) لنا بحث طويلٌ حول هذا الحديث ، يقع في جهتين :
الاولى: في تحقيق الوجوه التي ذكرها القوم في معناه ، ونقدها واحداً واحداً .
والثانية : في بيان معناه على ضوء الادلّة المتقنة من الكتاب والسنّة ، لاسيّما سائر الاحاديث الصحيحة الواردة في الموضوع ، لانّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً .
وبعبارة أُخرى : يتكوّن البحث في معنى هذا الحديث من فصلين :
أحدهما : في الموانع عن انطباق الحديث على الاشخاص الذين ذكرهم القوم .
والثاني : في مصاديقه الذين قصدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وكلّ ذلك بالنظر إلى الاحاديث الصحيحة وأخبار أولئك الاشخاص المدوّنة في كتب السير والتواريخ .
هذا ، وقد توافق القوم على ذكر جملة من ملوك بني أُميّة في عداد الخلفاء الاثني عشر ، وذلك باطلٌ بالنظر إلى أن الحديث في ( الخلفاء ) لا ( الملوك ) وبالنظر إلى ما ورد في كتب الفريقين في ذمّ بني أُميّة ، لاسيّما الحديث المعتبر بتفسير قوله تعالى : ( ... وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) [ الاسراء: 60 ] من أنّ المراد بنو أُميّة .

إمامة بقية الائمّة (عليهم السلام) _ 25 _

  لكن ممّا يهوّن الخطب أنّهم بعد أنْ شرّقوا وغرّبوا ، اضطرّوا إلى الاعتراف بعدم فهمهم للحديث ، وكما ذكرنا في الاُمور الثلاثة ، فإنّ الحقيقة هي أنّهم لا يريدون أن يعترفوا بما تقوله الشيعة ، ورغم جميع محاولاتهم ، وعلى مختلف آرائهم ، فإنّ الحديث لا ينطبق على خلفائهم وأئمّتهم ، فماذا يفعلون ؟ يعترفون بأنّا لم نفهم معنى هذا الحديث ، لاحظوا هذه الكلمات :
  يقول الحافظ ابن العربي المالكي كما في شرح الترمذي (1) : لم أعلم للحديث معنى .
  وفي فتح الباري عن ابن البطال إنّه حكى عن المهلب قوله ـ وهي عبارة مهمة ـ: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشيء معيّن (2) .
  وعن ابن الجوزي : قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث

---------------------------
(1) عارضة الاحوذي في شرح الترمذي 9/69 .
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13/180 .