الشمس آخر القوس ، فيصير الليل خمس عشر ساعة ، والنهار تسع ساعات ، فتكون الليل في غاية الطول ، والنهار في غاية النقصان .
ثم يأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة الى سادس عشر آذار عند حلول الشمس آخر الحوت ، فيستوي الليل والنهار ، ويسمى الاعتدال الربيعي ، ثم يستأنف .
قال الشيخ البهائي قدس سره في تفسير قوله ـ عليه السلام ـ
( يولج كل واحد منهما في صاحبه ويولج صاحبه فيه ) اي : يدخل كلاً من الليل والنهار في الاخر ، بأن ينقص من احدهما شيئا ويزيده في الاخر ، كنقصان نهار الشتاء وزيادة ليله ، وزيادة نهار الصيف ونقصان ليله .
فان قلت : هذا المعنى يستفاد من قوله ـ عليه السلام ـ
( يولج كل واحد منهما في صاحبه ، فأي فائدة في قوله ـ عليه السلام ـ ) ويولج صاحبه فيه ( ؟ .
قلت : مراده ـ عليه السلام ـ التنبيه على أمر مستغرب ، وهو حصول الزيادة والنقصان معاً في كل من الليل والنهار في وقت واحد ، وذلك بحسب اختلاف البقاع ، كالشمالية عن خط الاستواء ، والجنوبية عنه ، سواء كانت مسكونة اولا .
فان صيف الشمالية شتاء الجنوبية وبالعكس ، فزيادة النهار ونقصانه واقعان في وقت واحد لكن في بقعتين ، وكذلك زيادة الليل ونقصانه .
ولو لم يصرح ـ عليه السلام ـ بقوله
( ويولج صاحبه فيه ) لم يحصل التنبيه على ذلك ، بل كان الظاهر من كلامه ـ عليه السلام ـ وقوع زيادة النهار في وقت ونقصانه في آخر ، وكذا الليل ، كما هو محسوس معروف للخاص والعام .
فالواو في قوله ـ عليه السلام ـ
( ويولج صاحبه فيه ) واو الحال باضمار مبتدأ ، كما هو المشهور بين النحاة
(1) انتهى .
أقول : كون الواو للحال مبني على تقدير المبتدأ ، كما في نجوت وارهنهم
--------------------
(1) مفتاح الفلاح : 107 ـ 108 .
الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية
_ 172_
مالكاً ، وقمت واصك وجهه .
وحاصل الجواب : ان معنى الجهة الحالية وان كان مفهوماً من الاولى ، فيكون تأكيداً ، الا انها ذكرت للتنبيه .
وأنت خبير بأن ايلاج كل واحد منهما في صاحبه يتضمن حصول الزيادة والنقصان معاً في كل واحد منهما بحسب اختلاف البقاع ؛ اذ لا يمكن ايلاج الليل في النهار في بقعة إلا حال إيلاج النهار في الليل في بقعة اخرى وبالعكس ، وزيادة النهار يتضمن نقصانه حال زيادته ، وكذلك الليل في بقعتي الشمالية والجنوبية عن خط الاستواء ، فالتنبيه حاصل بدون ذكرها .
وانما ذكرت للتصريح بما علم ضمناً ؛ لانه لما كان أمراً مستغرباً لم يكتف في الدلالة عليه بالتضمنية ، بل دل عليه بالدلالتين التضمنية والتصريحية ايماء لطيفاً الى شأن الامر .
ثم أقول : اختلاف البقاع في العرض الشمالي والجنوبي وانتقال الشمس عن مدار من المدارات اليومية بحركتها الخاصة ، يوجب ان يدخل بعض زمان الليل في زمان النهار وبالعكس في البقاع الشمالية عن خط الاستواء والجنوبية عنه ، في كل يوم بليلته من ايام السنة في جميع الافاق الا في المستقيم والرحوي ، وهذا معنى قوله ( يولج كل واحد منهما في صاحبه ) .
وكذا اختلاف طول البقاع مع الحركة الاولى ففي حال زيادة زمان النهار ونقصان الليل وبالعكس في البقاع المذكورة بحسب الاختلافات العرضية ، يدخل بعض زمان الليل في النهار وبالعكس في الاماكن الشمالية عن خط الاستواء المختلفة في الطول ، وكذا الجنوبية عنه المختلفة فيه بحسب هذا الاختلاف ، وهذا معنى قوله ( يولج صاحبه فيه ) .
فالحالية تأسيس ؛ لانها اشارة الى نوع آخر من الزيادة والنقصان ، وعليه يتفرع وجوب صوم احد وثلاثين يوماً في صورة ، وثمانية وعشرين في اخرى ، على المسافر من بلد الى آخر بعيد عنه بعد رؤية الهلال .
الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية
_ 173_
ويحتمل عكس ذلك ، بأن يكون الاولى اشارة الى ما يكون بالاختلافات العرضية مع الحركة الخاصة الشمسية .
ويحتمل ان يكون معنى الاولى ادخال كل من الليل والنهار مكان الاخر بدلاً منه في كل البقاع ، فعبر عن احداث النهار مع امتلاء العالم بالليل وبالعكس بالايلاج ، ومعنى الثانية ادخال بعض زمان كل منهما في زمان الاخر في كل يوم بليلته في كل البقاع بحسب اختلافاتها العرضية والطولية في حال الادخال الاول .
ويحتمل العكس ، وعليه فالحالية تأسيس ، ومعنى الجملتين اكثر مما سبق ، ويتحقق معناهما في كل الافاق حتى في الرحوي في بعض ايامه .
ثم الحكمة في نقصان كل منهما وزيادة الاخر على التدريج ظاهرة ، اذ لو كان دخول احدهما على الاخر ، وذلك بحركة الشمس بغتة لأضر بالابدان والثمار وغيرهما ، كما ان الخروج من حمام حار الى موضع بارد دفعة يضر البدن ويسقمه .
الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية
_ 175_
( سورة المؤمنون )
*
(قد افلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ الايتان : 1 ـ 2 ]
الخشوع في الصلاة خشية القلب ، والزام البصر موضع السجود ، وبالجملة هو حضور القلب وتأثره وخوفه وطمعه .
ويظهر ذلك بالتوجه التام الى الصلاة ، والى الله تعالى ، بحيث يظهر اثر البكاء في العين ، والاضطراب في القلب ، واستعمال الاعضاء الظاهرة على الوجه المندوب .
وترك المكروهات ، مثل العبث بثيابه وجسده ، والالتفات يميناً وشمالاً ، بل النظر الى غير المسجد حال القيام ، والتمطي ، والتثأب ، والفرقعة ، وغير ذلك مما بين في الفروع وورد في الاصول .
في مجمع البيان : عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ انه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته ، فقال : أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه .
ثم قال الشيخ : وفي هذا دلالة على ان الخشوع في الصلاة يكون بالقلب والجوارح ، فأما بالقلب ، فهو ان يفرغ قلبه بجمع الهمة لها والاعراض عما سواها ، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود ، وأما بالجوارح ، فهو غض البصر والاقبال عليها ، وترك الالتفات والعبث
(1) .
وأورد عليه : ان اقبال الجوارح الى العبادة ليس له معنى ظاهر ؛ لان الاقبال
--------------------
(1) مجمع البيان : 4 / 99 .