64 ـ رسالة في شرائط المفتي .
  مناظرة ومناقشة مع احد اساتذته فيما يشترط في المفتي والافتاء .
  65 ـ رسالة في منجزات المريض .
  رسالة استدلالية في منجزات المريض اذا كانت تبرعا ومات في ذلك المرض .
  أقول : وطبعت هذه الرسائل الشريفة من رقم ـ 46 ـ الى هنا في المجموعة الثانية من الرسائل الفقهية .
  66 ـ الاربعون حديثا ، تحت الطبع .
  67 ـ الدرر الملتقطة في تفسير الآيات القرآنية ، سيأتي الكلام حوله .
  68 ـ رسالة اصول الدين ـ مبسوط .
  69 ـ رسالة اصول الدين ، كليات .
  70 ـ رسالة بيان اجل محتوم وغير محتوم .
  71 ـ رسالة تحقيق در حديث سهو النبي ورد صوفيان .
  72 ـ رسالة تحقيق در بارهء كوه قاف .
  73 ـ ترجمة المناظرة ، وهي ترجمة مناظرة المأمون مع جمع من العلماء في مسألة الخلافة .
  74 ـ رسالة رضاعيه .
  75 ـ رسالة اخبار واحوال ابو هذيل علاف .
  76 ـ رسالة نوروزيه .
  77 ـ اجوبه مسائل ميرزا محمد حفيظ .
  78 ـ رسالة جواب از بعض مسائل ضروريه .
  اقول : وهذه الرسائل من رقم ـ 68 ـ الى هنا كلها باللغة الفارسية قد تم استنساخها وتحقيقها ، وسيطبع عن قريب انشاء الله تعالى تحت عنوان مجموعة الرسائل الفارسية .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 27_

  79 ـ الفوائد الرجالية ، من اعظم ما الف في هذا الباب ، والتي تقر العين برؤيته .
  80 ـ التعليقة على مشرق الشمسين .
  81 ـ جامع الشتات ، كتاب لطيف مشتمل على فوائد متفرقة ، واكثرها شرح للاحاديث المنتخبة في المواضيع المختلفة .
  82 ـ التعليقة على مفتاح الفلاح للشيخ البهائي .
  83 ـ مفتاح الفلاح ومصباح النجاح في شرح دعاء الصباح .
  أقول : هذه الكتب الخمسة الأخيرة قد تم استنساخها وتصحيحها وتحقيقها ، وهي مستعدة للطبع ، وأسأل الله تبارك وتعالى ان يسهل لي طبعها ونشرها .
  هذا ما عثرت عليه من آثاره القيمة ، وهناك عدة آثار أُخر للمؤلف قدس سره لم اعثر الى الان عليها ، والملتمس من المكاتب العامة والخاصة ان يمنوا علينا بارسال ما عندهم من الكتب والرسائل للمؤلف غير ما عرف وذكر هنا .
  ولادته ووفاته
  لم اعثر الى الان على تاريخ ولادته ، ولم يتعرض لذلك ارباب المعاجم والتراجم .
  وأما وفاته ، فالصحيح انه توفي في حادي عشر من شهر شعبان سنة ( 1173 ) هـ ق .
  والذي ظهر لي من عمره الشريف انه قدس سره ناهز حوالي الثمانين سنة ، وذلك انه ادرك الفتنة الهائلة ، وكان ابتداؤها من سنة ( 1133 ) هـ ق ، وانتقل المؤلف عند ذاك الى محلة خواجو مع اهله واولاده ، والف في حين الفتنة عدة كتب ورسائل ، منها كتابه ( الاربعون حديثاً ) المحتوية على التحقيقات والتدقيقات اللطيفة ، واشار في اخر الكتاب الى بعض الوقائع الحادثة في عصره . وكان يعد مع ذلك من العلماء والفحول ، فمن كان في تلك الرتبة والمرتبة ، فلا

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _28 _

  اقل من ان يكون عمره الشريف في حوالي الاربعين سنة ، ومن ابتداء الفتنة الى وفاته ايضا اربعون سنة ، فيبلغ المجموع الى حوالي الثمانين سنة ، والله اعلم بحقائق الامور .
  ومزاره في اصفهان في المزار المعروف بـ ( تخت فولاد ) في بقعة لسان الارض المشحونة بالعلماء والصلحاء والاولياء ، وقبره الشريف بين قبر الفاضل الهندي والشيخ العارف على اكبر الاژه اي ، وهو اقرب الى الاخير .

حول الكتاب
  هذا الكتاب الذي بين يديك كما يظهر من عنوانه ، تفسير لبعض الآيات الشريفة ، التقطتها حين استنساخي وتحقيقي لاثار المحقق العلامة الخواجوئي قدس سره ، المشار اليها في فصل تآليفه القيمة .
  واكثر فوائده التفسيرية مشحونة بالتحقيقات الانيقة والمطالب الجلية ، ربما عز وجودها في غير هذا الكتاب ، وكان هذا هو السبب لجمع فوائده التفسيرية ، ليستفيد منها اهل النظر والتفسير والطالبين لمعارف القرآن الكريم .
  وهذه الفوائد التفسيرية نص الفاظ عبارات المؤلف المستخرجة من آثاره الممتعة من دون دخل وتصرف في المنقولة منها .
  ثم بعد الاستخراج والالتقاط رتبت الآيات الشريفة حسب ترتيب الكتاب العزيز ، ليسهل للمراجعين الوصول الى الآية الشريفة التي يريدون تفسيرها .
  والمؤلف قدس سره ـ كما اشار اليه المحقق القزويني في كتابه في الاطراء عليه ـ كان من المفسرين المضطلعين في تفسير القرآن الكريم ، وله رسائل وكتب في علوم القرآن ومعارفها ، منها : ما هو المطبوع في آثاره ، ومنها : لم يطبع بعد ، كتعليقته على الآيات الاحكامية للمحقق الاردبيلي قدس سره .
  وبالختام : في هذا المجال اقدم ثنائي العاطر لنشر دار القرآن ، لاخراج هذا الكتاب بهذه الحلة القشيبة والطباعة الانيقة ، واسأل الله تبارك وتعالى ان

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 29_

  يوفقهم ويسددهم لنشر اثار سلفنا الصالح ، والله خير ناصر ومعين .
  والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله ، ونستغفره مما وقع من خلل وحصل من زلل ، والسلام على من اتبع الهدى ، السيد مهدي الرجائي
  10 / ربيع الثاني / 1412 هـ ق قم المشرفة
  ص ب 753 ـ 37185

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _31 _

الدرر الملتقطة
  في تفسير الآيات القرآنية
   بسم الله الرحمن الرحيم
  بعد حمد من صيرنا من امة نبيه ، وشيعة عليه ، واحبة ذرية وليه ، الذين جعل مودتهم اجر الرسالة ، ومحبتهم في الثواب بمثابة الشهادة ، صلى الله عليهم وعلى من انتسب بالمودة اليهم .
  فهذه فوائد وملتقطات تفسيرية ، التقطها من مجموعة ما وصل الينا من اثار المحقق المدقق العلامة المتتبع الشيخ محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الاصفهاني الخواجوئي قدس الله سره .
  وترى في هذه الفوائد التفسيرية : مباحث لغوية ، وفقهية ، وكلامية ، وحكمية ، وحديثية ، وتفسير الآيات الاحكامية ، والتعرض لتفسير الآيات الواردة في اهل البيت ـ عليهم السلام . وفيها مناقشة لاراء بعض المفسرين ، كالزمخشري والبيضاوي وغيرهما .
  وقبل الخوض في المقصود نقدم خمس فوائد هامة في شأن القرآن الكريم ، وهي كلها للمؤلف قدس سره ، واليك نص عباراته والفاظه الى نهاية الكتاب :

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 32_

  1 ـ فائدة
  [ القرآن افضل من كل شيء دون الله تعالى ]
  قد بلغ القرآن في عظم شأنه ورفعة مكانه الى ان ورد انه افضل من كل شيء دون الله .
  قال في جامع الاخبار في الفصل التاسع والعشرون في فضيلة القرآن وقراءته ، قال ـ عليه السلام : القرآن افضل من كل شيء دون الله عز وجل ، فمن وقر القرآن فقد وقر الله ، ومن لم يوقر القرآن ، فقد استخف بحرمة الله ، وحرمة الله على القرآن كحرمة الوالد على ولده (1) .
  اقول : والله يعلم ، لعل المراد بتوقيره اعتقاد انه افضل كل شيء دون الله ، او العمل بما فيه من الاحكام ، والتصديق بحقية ما يشتمل عليه من الاخبار .
  او احترامه بترك خلاف الادب بالنسبة اليه ، والى ما يتعلق به من الجلد والغلاف .
  او تعظيمه بالقيام له عند حضوره ، وترك القارىء توقير غيره بانحناء وشبهه ، داخلا او خارجا ، ظاهرا او ناظرا .
  وأما اذا كان الداخل او الخارج حاملا للقرآن ، فان كان الغرض الاصلي توقيره ، فالظاهر عدم الحرمة .
  2 ـ فائدة
  [ تجلى الله لعباده في كلامه ]
  قال الصادق ـ عليه السلام : لقد تجلى الله لعباده في كلامه ، ولكن لا يبصرون (2) .

--------------------
(1) جامع الاخبار : 40 .
(2) بحار الانوار : 92 / 107 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 33_

  اقول : معناه انه سبحانه لقنهم في كتابه العزيز ادلة وجوده ووحدته وذاته وصفاته ووعدهم واوعدهم ، وبشرهم وانذرهم بما ينبغي ان يبشر وينذر .
  وامرهم بالطاعات ، ونهاهم عن السيئات ، ودلهم على الحسنات ، وارشدهم الى طريق النجاة ، وحذرهم عما يؤدي الى الهلكات .
  وبالجملة هداهم النجدين ، طريقي الشرور والخيرات ، فكأنه بذلك تجلى لهم في كلامه ، ولكنهم لعدم تدبرهم فيه وتفكرهم لا يبصرون ، كما قال ( افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها ) (1) .
  يدل على ذلك كلام سيدنا امير المؤمنين سلام الله عليه في بعض خطبه : الحمد لله الذي بعث محمداً بقرآن قد بينه ، واحكمه ، ليعلم العباد ربهم بعد ان جهلوه ، وليقروا به بعد ان جحدوه ، وليثبتوه بعد ان انكروه ، فتجلى سبحانه لهم في كتابه ، من غير ان يكونوا رأوه بما اراهم من قدرته ، وخوفهم من سطوته (2) .
  3 ـ فائدة
  [ القرآن ذلول ذو وجوه ]
  قال ـ عليه السلام : القرآن ذلول ذو وجوه ، فاحملوه على احسن الوجوه (3) .
  اقول : في نهاية ابن الاثير : الذلول من الذل بالكسر ضد الصعب (4) .
  وفي مجمع البيان في فصل اللغة في كريمة ( جعل لكم الارض ذلولاً ) (5) :

--------------------
(1) محمد : 24 .
(2) نهج البلاغة : 204 ط 147 .
(3) عوالي اللالي : 4 / 104 ، برقم : 153 .
(4) نهاية ابن الاثير : 2 / 166 .
(5) الملك : 15 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _34 _

  الذلول من المراكب ما لا صعوبة فيه (1) .
  فالظاهر في وجه الشبه ان يقال : كما ان الذلول من المراكب ينقاد لراكبه ويطيعه حيث يشاء ، والى اي وجه يريد انعطافه .
  كذلك القرآن لما كان ذا وجوه كثيرة ، كما يشعر به الاتيان بصيغة جمع الكثرة يمكنهم حمله على اي وجه ارادوا واي مذهب شأوا .
  ولذلك قال علي ـ عليه السلام ـ في وصيته لعبد الله بن عباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج : لاتخاصمهم بالقرآن ، فان القرآن حمال ذو وجوه ، تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فانهم لم يجدوا عنها محيصا ، كذا في نهج البلاغة (2) .
  ومن هنا ترى الامة بعد نبيهم ـ صلى الله عليه وآله ـ قد كثر اختلافهم في المذاهب والاعتقادات ، وكلهم يحتجوا بآي منه ، وقلت آية لم يذكروا فيها وجوها عديدة ومحامل سنية ، ولم ينقلوا فيها اقوالا ومذاهب ، كما يشهد به تتبع التفاسير والسير ، وخاصة التفسير الكبير (3) للامام الطبرسي رحمه الله .
  لكن الواجب على ما دل عليه ظاهر الخبر ، ويؤيده قوله تعالى ( فبشر عبادي الذي يستعمون القول فيتبعون احسنه ) (4) حمله على احسن الوجوه ، وهو ما كان ظاهرا قريبا متبادرا محفوفا بشواهد شرعية ، مقرونا بقواعد عربية ، مطابقا للامر نفسه ، موافقا لميزان العقل وقانونه من غير كلفة وسماجة .
  ولذا كان مدار الاستدلال بالآيات والروايات من السلف الى الخلف على

--------------------
(1) مجمع البيان : 5 / 325 .
(2) نهج البلاغة : 465 ، برقم : 77 .
(3) وهو تفسير مجمع البيان ، والتفسير الصغير هو جوامع الجامع له .
(4) الزمر : 18 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 35_

  الظاهر المتبادر ، لا ان يفسره بمجرد رأيه وميله واستحسان عقله من غير دليل ولا شاهد غير معتبر عقلا او نقلا .
  كما يوجد في كلام المبتدعين ، فانهم يأولونه على وفق آرائهم ، ليحتجوا به على اغراضهم الفاسدة واديانهم الكاسدة ، ولولا ذلك الرأي لم يكن لهم من القرآن ذلك المعنى .
  وهذا يكون مع العلم تارة ، كالذي يحتج بآية على تصحيح بدعته ، وهو يعلم انه ليس المراد بها ذلك ، ولكن يلبس به على خصمه ، ومع الجهل اخرى .
  ولكن اذا كانت الآية محتملة ، فيميل فهمه الى الوجه الذي يوافق غرضه ، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه .
  وتارة يكون له غرض صحيح ، فيطلب له دليلا من القرآن ، ويستدل عليه بما يعلم انه غير مراد ، ولكن يقول به لتغرير الناس ودعوتهم على مذهب الباطل ، فينزل القرآن على رأيه ومذهبه على امر يعلم قطعا انه ما اريد به ذلك .
  وذلك كما روى الصدوق في معاني الاخبار عن الصادق ـ عليه السلام ـ قال : من اتبع هواه واعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه وتصفه (1) .
  فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني ، لانظر مقداره ومحله ، فرأيته قد احدق به خلق كثير من غثاء العامة ، فوقفت منتبذا عنهم ، متغشيا بلثام ، انظر اليه واليهم ، فما زال يراوغهم (2) حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر ، فتفرقت العوام عنه لحوائجهم .
  وتبعته اقتفي اثره ، فلم يلبث ان مر بخباز ، فتغفله فأخذ من دكانه رغيفين

--------------------
(1) في المصدر : وتسفه .
(2) يراوغهم يخالفهم ، ويميل عن طريقتهم ، راغ الرجل روغا وروغانا مال وحاد عن الشيء ( منه ) .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _36 _

  مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة .
  ثم مر بعده بصاحب رمان ، فما زال به حتى تغفله ، فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي : لعله معاملة ، ثم اقول : وما حاجته اذا الى المسارقة .
  ثم لم ازل اتبعه حتى مر بمريض ، فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء .
  فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك واحببت لقاءك ، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي ، واني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي .
  قال : ما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخباز وسرقت منه رغيفين ، ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانيتين .
  قال فقال لي : قبل كل شيء حدثني من انت ؟ قلت : رجل من ولد آدم ـ عليه السلام ـ من امة محمد ـ صلى الله عليه وآله .
  قال : حدثني من انت ؟
  قلت : رجل من أهل بيت رسولا الله ـ صلى الله عليه وآله .
  قال : اين بلدك ؟
  قلت : المدينة .
  قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم .
  قلت : بلى .
  فقال لي : فما ينفعك شرف اصلك مع جهلك بما شرفت به ، وتركك علم جدك وابيك ، لئلا تنكر ما يجب ان يحمد ويمدح عليه فاعله ؟
  قلت : وما هو ؟
  قال : القرآن كتاب الله .
  قلت : وما الذي جهلت منه ؟

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _37 _

  قال : قول الله عز وجل ( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها وما جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها ) (1) واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين ، فهذا اربع سيئات ، فلما تصدقت بكل واحد منهما كان لي بها اربعين حسنة ، فانتقص من اربعين حسنة اربع بأربع سيئات ، بقي لي ست وثلاثون حسنة .
  قلت : ثكلتك امك ، انت الجاهل بكتاب الله ، اما سمعت انه عز وجل يقول : ( انما يتقبل الله من المتقين ) (2) .
  انك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ، ولما سرقت رمانتين كانت ايضا سيئتين ، ولما دفعتهما الى غير صاحبيهما بغير امر صاحبيهما ، كنت انما اضفت اربع سيئات الى اربع سيئات ، ولم تضف اربعين حسنة الى اربع سيئات ، فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته .
  قال الصادق ـ عليه السلام : بمثل هذا التأويل القبيح المستكره يَضلون ويُضلون .
  وهذا نحو تأويل معاوية لما قتل عمار بن ياسر رحمه الله ، فارتعدت فرائص خلق كثير ، وقالوا : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية .
  فدخل عمرو على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمار . فقال معاوية : قتل عمار فماذا ؟ قال : اليس قد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : عمار تقتله الفئة الباغية ؟ فقال له معاوية : دحضت في قولك ، انحن قتلناه ؟ انما قتله علي بن ابي طالب لما القاه بين رماحنا .

--------------------
(1) الانعام : 162 .
(2) المائدة : 31 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _38_

ف  اتصل ذلك بعلي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ فقال : اذاً رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الذي قتل حمزة لما القاه بين رماح المشركين .
  ثم قال الصادق ـ عليه السلام : طوبى للذين هم كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين (1) .
  وفي هذا الخبر احكام ، اذا تأملها عارف يعرفها .
  وفي الخبر الاول دلالة ظاهرة على بطلان قول من لا يجوز تفسير شيء من ظاهر القرآن الا بخبر وسمع ( افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) (2) .
  ونحن قد فصلنا القول فيه في تعليقاتنا على الآيات الاحكامية للفاضل المولى احمد الاردبيلي قدس سره ، فمن اراد الاطلاع عليه فليراجع اليه ، والى الله المرجع والمآب ، وهو يهدي من يشاء الى الصراط السوي والطريق الصواب .
  4 ـ فائدة
  [ عدم تطرق التحريف الى القرآن ]
  عن ابي عبد الله الصادق ـ عليه السلام ـ قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين ، وتحريف الغالين ، وانتحال الجاهلين ، كما ينفي الكير خبث الحديد (3) .
  اقول : فيه دلالة على ان الصحابة والصحابيات والتابعين لهم واللاحقين بهم ، وهكذا في كل قرن من القرون ، كانت طائفة منهم عدول بالغون حد التواتر ، ينفون عن القرآن تحريف المحرفين على وجه لا يشوبه شائبة تغيير ولا

--------------------
(1) معاني الاخبار : 33 ـ 35 .
(2) محمد : 24.
(3) اختيار معرفة الرجال : 1 / 10 ـ 11 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 39_

  تبديل ، ولا زيادة ولا نقصان ، بوجه من الوجوه ، وبطريق من الطرق ، كما يصرح به التشبيه المذكور .
  ويدل عليه ايضا ما في خبر آخر : يحمل هذا العلم من كل خلف عدول ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين (1) .
  وحمل العدول على الائمة ـ عليهم السلام ـ يدفعه ( في كل قرن ) لانه لا يكون فيه الا واحد منهم ، وهو عدل لا عدول ، والدين يشمل القرآن ، بل هو مبنى اصول الديانات وفروعها ، ومنه يستنبط مسموعها ومعقولها .
  ويدل عليه ايضا قوله تعالى : انزلت عليك كتاباً لا يغرقه الماء ولا تحرقه النار .
  اذ ليس المراد به ظاهره ، فانا نرى عياناً ان القرآن يغرقه الماء وتحرقه النار .
  روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ انه قال : وقع مصحف في البحر ، فوجدوه وقد ذهب ما فيه ، الا هذه الآية ( الا الى الله تصير الامور) (2) (3) .
  بل المراد به ان شياطين الانس والجن اللذين هما كالنار في ازالة احكام الله وآياته ، لا يقدرون على تحريفه حروفا ، وان كانوا يحرفونه حدوداً .
  كما دل عليه ما في روضة الكافي في رسالة ابي جعفر ـ عليه السلام ـ الى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حروفه وحرفوا حدوده (4) .
  او المراد انه كلوء عن التغيير ، محفوظ عن الزوال ، على وجه لو فرض القاؤه على الماء والنار لا يؤثران فيه ، لحفظه تعالى اياه ، كما اخبر عنه بقوله

--------------------
(1) اصول الكافي : 1 / 32 ح 2 .
(2) الشورى : 53 .
(3) اصول الكافي : 2 / 632 ح 18 .
(4) روضة الكافي : 8 / 53 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 40_

  تعالى : ( نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) (1) ، فيكون كناية عن صونه من جميع انحاء شوائب التغيير والزوال .
  او انه لما كان محفوظا في الصدور ، يتلوه اكثر الامة ظاهرا ، كما قال الله تعالى : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم ) (2) ولذا جاء في صفة هذه الامة : صدورهم اناجيلهم .
  بخلاف سائر الكتب السماوية ، فانها ما كانت تقرأ الا من المصاحف ، كما ذكره صاحب الكشاف (3) ، لا يقدر احد على تحريفه وتغييره ، فكأنه تعالى لما جعله محفوظا في الصدور ، جعله على وجه لا يغرقه الماء ولا تحرقه النار .
  وفي نهاية ابن الاثير : فيه انه قال فيما حكى عن ربه : وانزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ، اراد انه لا يمحى ابدا بل هو محفوظ في صدور الذين اوتوا العلم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكانت الكتب المنزلة لا تجمع حفظا ، وانما يعتمد في حفظها على الصحف ، بخلاف القرآن ، فان حفاظه اضعاف مضاعفة لصحفه . وقوله ( تقرؤه نائماً ويقظان ) اي : تجمعه في حالة النوم واليقظة . وقيل : اراد تقرؤه في يسر وسهولة (4) انتهى .
  وفي حديث عقبة بن عامر : لو كان القرآن في اهاب ما اكلته النار (5) .
  قال ابو عبيد : اراد بالاهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعي القرآن فيكون المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الاخرة ، فجعل جسم حافظ

--------------------
(1) الحجر : 9 .
(2) العنكبوت : 49 .
(3) الكشاف : 3 / 209 .
(4) نهاية ابن الاثير : 3 / 367 .
(5) كنز العمال : 1 / 517 ، برقم : 2312 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 41_

  القرآن كالاهاب (1) .
  وقال ابن الانباري : معناه ان النار لاتبطله ، ولا تقلعه من الاسماع التي وعته ، والافهام التي حصلته ، كقوله في الحديث الاخر : وانزلت عليك كتابا لا يغسله الماء ، اي : لا يبطله ، ولا يقلعه من الاوعية الطيبة ومواضعه ؛ لان وإن غسله الماء في الظاهر ، لا يغسله بالقلع من القلوب .
  وعند الطبراني من حديث عصمة بن مالك : لو جمع القرآن في اهاب ما احرقته النار (2) .
  وعنده من حديث سهل بن سعد : لو كان القرآن في اهاب ما مسته النار (3) .
  ولنا في تلك المسألة رسالة مفردة جامعة للاقوال ، محتوية على اكثر ما يمكن ان يتمسك في الاستدلال ، فليطلب من هناك حقيقة الحال ، والصلاة على محمد وآله خير آل .
  5 ـ فائدة
  [ اول ما نزل من القرآن المجيد ]
  مختار كثير من العلماء ان فاتحة الكتاب عندهم اول السور نزولاً .
  وفي رواية : اول ما نزل من القرآن ( بسم الله الرحمن الرحيم * اقرأ باسم ربك ) وآخره ( اذا جاء نصر الله ) (4) .
  وقيل : اول سورة نزلت هي المدثر .
  وقيل : هي سورة القلم .

--------------------
(1) نهاية ابن الاثير : 1 / 83 .
(2) كنز العمال : 1 / 517 ، برقم : 2313 .
(3) كنز العمال : 1 / 536 ، برقم : 2404 .
(4) اصول الكافي : 2 / 638 ح 5 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _42 _

  وعن سيدنا امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قال : سألت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ عن ثواب القرآن ، فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء ، فأول ما نزل عليه فاتحة الكتاب ، ثم اقرأ باسم ربك (1) .
  وظاهر الفاضل العلامة يعطي انه نزل بهذا الترتيب المفتتح بالتحميد المختتم بالاستعاذة ، حيث قال في جواب مسألة : الحق انه لا تبديل فيه ولا تقديم ولا تأخير ، وانه لم يزد ولم ينقص ، نعوذ بالله من اعتقاد مثل ذلك ، فانه يوجب التطرق الى معجزة الرسول المنقولة بالتواتر (2) .
  وظاهر الكشاف حيث قال في ديباجته : وجعله بالتحميد مفتتحا وبالاستعاذة مختتما (3) ، انه يذهب الى هذا المذهب . وهذا هو الحق ، وما ينافيه : اما مؤول ، او مطروح .

--------------------
(1) راجع مجمع البيان : 5 / 514 .
(2) اجوبة المسائل المهنائية : 121 .
(3) الكشاف : 1 / 5 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 43_

سورة الفاتحة
   بسم الله الرحمن الرحيم .
   ( الحمد لله رب العالمين ) .
  اختلف في كلمة ( الله ) هل هو علم شخصي ، او من الصفات الغالبة المخصوصة به تعالى ، بحيث صار كالعلم له ؟ فخليل بن احمد وسيبويه والمبرد على انه اسم غير مشتق ، انفرد الحق سبحانه به ، كأسماء الاعلام ، وعليه كثير من العلماء .
  وقيل : انه من الاسماء المشتقة ، وعليه جمهور المعتزلة ، واستدل الامام على كونه علما ، بأنه لو كان صفة مشتقة ، غلبت في الاستعمال على المعبود بالحق ، لم يكن قولنا ( لا اله الا الله ) صريحاً في التوحيد ؛ لان المفهوم من المشتق هو الموصوف بالمشتق منه .
  وهذا مفهوم كلي لا يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة فيه ، فثبت انه لو كان صفة لكان كليا ، ولو كان كليا لم يكن قولنا ( لا اله الا الله ) صريحا في التوحيد ، فعلم انه اسم علم وليس من الصفات .
  واجيب بأنه وان كان في الاصل وصفا ، الا انه غلب عليه تعالى ، بحيث لا يستعمل في غيره ، وصار كالعلم له في عدم تطرق احتمال الشركة اليه ، فحصل التصريح بالتوحيد .
  واستدل القائل بكونه صفة ، بأنه لو كان علما لذات مخصوصة لم يكن للحكم عليه بأنه احد فائدة ، وقد قال الله تعالى ( قل هو الله احد ) .
  واجيب عنه : بأن المعنى انه احد في المعبودية بالحق ، لا يشاركه فيها أحد ، وهذه الصفة لازمة له تعالى مفهومة من لفظ ( الله ) كما يقال لزيد الذي هو

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 44_

  العالم الكامل في البلد : ان زيداً واحد في البلد ، بمعنى انه واحد في العالمية على وجه الكمال ، بحيث لا يشاركه فيها احد في البلد .
  على ان ما ذكره مشترك بين كونه علما وصفة غالبة الاستعمال في ذاته المخصوصة ، بحيث صارت كالعلم له ، ولا يطلق على غيره .
  وقد يجاب : بأن المراد من الاحد ما لا جزء له بوجه ، لا الوحدانية الدال عليه الله .
  والحق ان شيئا من الادلة لا تفيد الجزم بكونه علما ، او صفة ، فتأمل .
  وأما حمده سبحانه على بعض صفاته ، كقول القائل حمد الله على علمه ، فراجع الى الحمد على آثاره المرتبة عليه من الافعال المحكمة المتقنة الدالة على ان فاعلها عليم حكيم ، وهو عين ذاته المقدسة .
  خلافا للاشعرية القائلة بزيادة الصفات على الذات ، فهي مستندة الى الذات صادرة عنه من غير اختيار منه ، والا لزم منه : اما تقدم الشيء على نفسه ، او التسلسل ، فالحمد عليه ليس هو الثناء على مزية اختيارية ، فتأمل .
  و ( الحمد ) لما عم الفضائل والفواضل ، فالمحمود لا بد وان يكون على احد من هذه الامور : اما كاملا في ذاته وصفاته ، او محسنا ، او مرجو الاحسان ، او يكون ممن يتقى منه ويخاف .
  فذكر الصفات المذكورة بعد اسم الذات ، للاشارة الى ان المحمود في هذا المقام جامع للفضائل الكاملة والفواضل الشاملة ، فهو احق بالحمد والتعظيم من كل من يحمد ويعظم ، لجمعه جميع ما يحمد عليه ، بخلاف غيره من المحمودين .
  * (الرحمن الرحيم ) .
  الرحمة رقة القلب وانعطاف ، اي : ميل روحاني يقتضي التفضل والاحسان ، واذا وصف الله تعالى بها ، كان المراد بها غايتها ، وهي التفضل

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _45 _

  والاحسان ؛ لان الرقة من الكيفيات المزاجية التابعة للتأثر والانفعال ، والله منزه عنها .
  وهو : اما من باب المجاز المرسل ، بذكر السبب وارادة المسبب ، اذ الرحمة سبب التفضل والاحسان .
  واما على طريقة التمثيل ، بأن شبه حاله تعالى بالقياس الى المرحومين في ايصال الخير اليهم ، بحال الملك اذا عطف على رعيته ورق لهم ، فأصابهم بمعروفه وانعامه ، فاستعير الكلام الموضوع للهيئة الثانية للاولى ، ومن غير تمحل في شيء من مفرداته .
  وقيل : ان صفات الله التي على صيغة المبالغة كلها مجاز ؛ لانها موضوعة للمبالغة ، ولا مبالغة فيها ، فانها في صفات تقبل الزيادة والنقصان ، وصفاته تعالى منزهة عن ذلك .
  فيه ان صيغ المبالغة قسمان : قسم تحصل المبالغة فيه بزيادة الفعل ، والثاني بتعدد المفعولات ، ولا شك ان تعددها لا يوجب للفعل زيادة ؛ اذ الفعل الواحد قد يقع على جماعة ، وعليه تنزل صفاته تعالى ، ويرتفع الاشكال .
  والرحمن ابلغ من الرحيم ، فعند اعتبار الابلغية فيه باعتبار الكمية ، نظرا الى كثرة افراد المرحومين ، يقال : يا رحمن الدنيا ورحيم الاخرة ، لشمول رحمة الدنيا للمؤمن والكافر .
  وعند اعتبار الابلغية فيه باعتبار الكيفية ، وهي جلالة الرحمة ودقتها بالنسبة الى مجموع كل من الرحمتين ، يقال : يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيم الدنيا ، لجلالة رحمة الاخرة بأسرها ، بخلاف رحمة الدنيا .
  وباعتبار نسبة بعض افراد كل من رحمة الدنيا والاخرة الى بعض ، يقال : يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما ؛ لان بعضا من كل منهما أجل من بعض ، وبعضا من كل منهما أدق ، وقد ورد كل ذلك في الادعية المأثورة عنهم ـ عليهم السلام .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _46 _

  وأما وجه تقديم الرحمن على الرحيم ، فقيل : لما كان الملتفت اليه بالقصد الاول في مقام العظمة والكبرياء ، جلائل النعم وعظائمها دون دقائقها ، قدم الرحمن واردف بالرحيم كالتتمة ، تنبيهاً على ان الكل منه ، وان عنايته شاملة لذرات الوجود ، كيلا يتوهم أن محقرات الامور لا تليق بذاته ، فيحتشم عنه من سؤالها .
  ففيه اشارة الى ان العاقل ينبغي له ان يرجع في حوائجه كلها اليه وينزلها به ، جليلة كانت او حقيرة ، ولا يأنف من رفع المحقرات اليه ، فانه غاية التوكل عليه .
  يا موسى سلني كل ما تحتاج اليه حتى علف شاتك وملح عجينك .
  * (مالك يوم الدين) .
  لما وصف الله سبحانه نفسه بالرحمن الرحيم الدالين على كمال لطفه واحسانه وجوده وامتنانه على العباد في الاخرة والاولى ، اوجب ذلك غروراً ، وغلب به الرجاء على الخوف ، بل صار رجاءً بحتاً ، فكان موضع طغيان ومحل عصيان .
  فعقب ذلك بما يدل على غاية قدرته ، وكمال سطوته في يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والامر يؤمئذ لله ، دفعا لذلك الغرور ، وحسما لمادة الشرور .
  فهذه الاضافة والتخصيص للتهويل والتخويف ، وبذلك يصير الرجاء معادلا للخوف ، بحيث لا يرجح احدهما على الاخر .
  فهذا في الحقيقة اشارة الى اسباب الخوف والرجاء ، فالرحمن الرحيم ينشأ منهما الرجاء ، ومالك وملك يوم الدين يورثان الخوف لمكان الجزاء .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _47 _

  * ( اياك نعبد واياك نستعين ) .
  (اياك نعبد ) مدحة وثناء لله رب العالمين ؛ لانه بيان للحمد ( واياك نستعين ) مسألة ودعاء وطلب حاجة ؛ لانه مبين بـ ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، ومن شرائط اجابة الدعاء تقديم المدحة لله والثناء عليه قبل المسألة ، كما ورد في غير واحد من الاخبار : اذا طلب احدكم الحاجة ، فليثن ربه وليمدحه ، فان الرجل منكم اذا طلب الحاجة من السلطان هيأ له من الكلام احسن ما يقدر عليه (1) .
  وفي حديث سيدنا امير المؤمنين سلام الله عليه : المدحة قبل المسألة (2) .
  فهذا منه سبحانه تعليم للعباد ، وارشادهم الى طريق المسألة ، وكيفية الدعاء ، وطلب الحاجة منه عز اسمه .
  وأما ايثار صيغة المتكلم مع الغير على المتكلم وحده ، فلعل النكتة فيه ارشاد الله تعالى الى ملاحظة القارىء دخول الحفظة ، او حضار صلاة الجماعة ، او جميع حواسه وقواه الظاهرة والباطنة ، او جميع ما حوته دائرة الامكان واتسم بسمة الوجود .
  وذلك لان هذه السورة نزلت لتعليم العباد ، وارشادهم الى طريق الاخلاص ، وسبيل الاختصاص ، والاقبال عليه تعالى .
  فكأنه قال لهم : قولوا اياك نعبد بصيغة المتكلم مع الغير ، ارشدهم الى ان عبادته سبحانه لا يبنبغي ان تكون بمجرد اللسان ، حتى تكون منزلة صلاة الفذ ؛ بل به وبالجنان المستلزم لمتابعة القوى والاركان ، فيتحقق به مصداق صيغة

--------------------
(1) اصول الكافي : 2 / 485 ح 6 .
(2) اصول الكافي : 2 / 484 ح 2 .

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _ 48_

  المتكلم ، فحينئذ تكون تلك الصلاة بمثابة صلاة الجماعة .
  بيان ذلك : انه لما كانت بين الجوارح والقلب علاقة شديدة ، يتأثر كل منهما بالاخر ، كما اذا حصلت للاعضاء آفة ، سرى اثرها الى القلب فاضطرب ، واذا تألم القلب بخوف مثلا سرى اثره الى الجوارح فارتعدت ، كان القلب بمنزلة السلطان ، والجوارح بمنزلة العسكر .
  فمتى توجه القلب الى جناب الله تعالى ، كان كل جارحة على الوجه المطلوب في احوال الصلاة ، بأن لا يطرق رأسه ، وينظر حال القيام الى موضع سجوده ، ولا يسمع الى كلام احد غير ما يقوله مع معبوده ، وتكون يده ورجله وحركاته وسكناته على الوجه المطلوب ، بأن لا يلتفت الى غير جنابه الاقدس ، وبذلك تصير الصلاة صلاة جماعة ، فيحقق مساغ نون المتكلم مع الغير ، فيصح له ان يقول : اياك نعبد واياك نستعين .
  والحاصل : انه انما اختار صيغة المتكلم مع الغير على صيغة المتكلم وحده ، ليدل بذلك على عظم شأن عبادة الله تعالى ، لما فيه من الاشارة الى ان هذا الامر العظيم والخطب الجسيم مما لا يمكنه ان يتولاه وحده ، بل يحتاج الى معاون ونصير وممد وظهير . وكذا الكلام في طلب الاعانة .
  وأما ما قيل بلزوم الاحتراز بذلك عن الكذب الظاهر ، وما نقل عن مالك بن دينار انه قال : لولا اني مأمور بقراءة هذه الآية ما كنت قرأتها قط ، لاني كاذب فيها .
  فهو غير لازم ؛ لان نبينا واوصياءه ـ عليهم السلام ـ كانوا يقرؤون هذه الآية مع استعانتهم بغير الله تعالى في الامور الدينية والدنيوية ، وهذا مما لا يمكن انكاره .
  كيف ؟ والانسان مدني بالطبع يحتاج بعضهم في امور معاشه ومعاده الى بعض .
  فالاستعانة بغيره تعالى من حيث انه جعله سبباً ، وابى ان يجري الاشياء الا بأسبابها ، راجعة الى الاستعانة به تعالى ، ولا يلزم منه كذب ولا

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _49 _

  تهور ، فان لكل امرء ما نوى ، وانما الاعمال بالنيات .
  وكذا الكلام في الخضوع لاهل الدنيا من الملوك والوزراء ونحوهم ، فانه ان كان من باب التقية ودفع الضرر ، فظاهر انه لا ينافي دعوى حصر الخضوع في الله .
  وان كان من باب التعظيم ورعاية الادب من حيث ان لوجودهم مدخلا في حفظ بيضة الاسلام وترويج شريعة سيد الانام عليه وآله السلام ، فكذلك .
  ولذلك جوز بعض علمائنا السجود الذي هو اقصى غاية الخضوع للملوك والابوين والاخوة ، كما وقع في اخوة يوسف ـ عليه السلام ـ على قصد الادب والتعظيم ، واعتقاد انهم عبيد مخلوقون .
  فان الخضوع للانسان يقع على وجه الادب والتعظيم ، ويكون راجحا اذا كان في العرف تركه اهانة والانسان اهل التعظيم ، لانه عبد الله ، فتعظيمه تعظيم الله .
  وبالجملة الاستعانة بغير الله وتعظيمه وتكريمه بالقيام له ، بل الخضوع ونحوه اذا كان اهلا له ، او من باب التقية ودفع الضرر ، او لان له مدخلا في تحصيل المعاش والمعاد ونحو ذلك ، لا ينافي دعوى حصر العبادة والاستعانة في الله تعالى ، بعد ان كانت نيته صادقة وغرضه ما ذكرناه ، فتأمل .
  اقول : والعبادة نسبة بين العابد والمعبود ، فتحققها ذهناً وخارجاً موقوف على تحققهما ، لكن المعبود ادخل في ذلك من العابد ، اذ لولاه لما عبد العابد ، فلم يتحقق العبادة .
  فينبغي للعابد ان يعبده كأنه بحضرته ويراه ، فان لم يكن يراه فانه يراه ، كما قال سيد الاوصياء وسند الاتقياء سلام الله عليه وعلى ذريته الاصفياء : اعبد الله كأنك تراه ، فان لم تكن تراه فانه يراك .
  فينبغي لك التبتل والانقطاع اليه بتجافيك عن دار الغرور ، وترقيك الى عالم النور ، ومؤانستك به ومجالستك له ومكالمتك معه ، فتكون صلاتك

الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ في تفسير الآيات القرآنية _50 _

  بذلك معراجك ، تعرج فيها الى سماء الحقيقة .
  كما ورد في الخبر عن سيد البشر ـ صلى الله عليه وآله ـ عدد قطرات المطر : الصلاة معراج المؤمن .
  فانه يعرج فيها بنعت بعد نعت ، ووصف بعد وصف ، من مرقاة الى مرقاة ، ودرجة الى درجة ، حتى اذا بلغ محل الحضور وعالم النور ، يرفع عنه الحجاب ، ويقام على الباب ، ويرخص في الخطاب ، فيقول بلسان ذليق طليق اياك نعبد واياك نستعين .
  فيصير جليسا لربه ، دثارا لخالقه ، مقترحا على رازقه ، منادما لمالك دار الفناء ودار البقاء ، مشرفا بحضرة سلطان السماء ، فيقول : اهدنا الصراط المستقيم .
  فيكون حاله حال راهب لما قيل له : ما اصبرك على الوحدة ؟ قال : انا جليس ربي ، اذا شئت ان يناجيني قرأت كتابه ، واذا شئت ان اناجيه صليت .
  * (اهدنا الصراط المستقيم) .
  الهداية هي الدلالة على ما من شأنه الايصال الى البغية من غير ان يشترط في مدلولها الوصول ، ولذلك كانت الدلالات التكوينية المنصوبة في الافاق والانفس ، والبينات الواردة في الكتب السماوية على الاطلاق ، بالنسبة الى البرية كافة برها وفاجرها هدايات حقيقية فائضة من الله تعالى .
  وهداية الله تعالى انما يتحقق باحداثه الشوق في السالك ، واهتياجه قلبه وجذبه الى ارادته ومحبته والمواظبة عليه .
  فان الشوق وهو ادراك لذة المحبة اللازمة لفرط الارادة الممتزجة بالم المفارقة ، يكون في حال السلوك بعد اشتداد الارادة ضروريا .
  وربما كان حاصلا قبل السلوك ، وذلك اذا حصل الشعور بكمال المطلوب ، ولم تنضم اليه القدرة على السير ، وقل الصبر على المفارقة ، وكلما ترقى السالك