تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب العقائدية ( 78 )
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


مقدمة المركز :
   لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث ، وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن .
   ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج ، ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً .
   كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم ، وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها ، وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها ، سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله .

مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون  

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 2 _

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد :
   الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين والطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين ، يقول الله سبحانه وتعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1) ، الحق في اللغة بمعنى الثبوت ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ) أي : أفمن يهدي إلى الامور الثابتة القطعية اليقينية ، هذا الذي يهدي إلى الواقع ، ( أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) أم الذي لا يهتدي ( إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .
   هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالى إرشاد إلى قاعدة عقلية قطعية عند جميع العقلاء من مسلمين وغير مسلمين ، إنّهم إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع وإلى حقيقة من الحقائق ، يهتدون بمن يعلم بتلك الحقيقة ويهدي ويوصل الانسان إلى تلك الحقيقة ، يرجعون إلى هكذا شخص ، أمّا الذي ليس بمهدي ، ليس بعارف بالحقيقة ، الذي لا يهتدي إلى الواقع ، كيف يمكن أن يكون هادياً للاخرين إلى الواقع ؟ ومن هنا قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصل إليها الانسان بالقطع واليقين ، ولا يكفي في العقيدة الظن والتقليد ، ويقول الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (2) ، الظن لا يغني من الواقعيّات شيئاً ، الواقعيّات والامور الحقيقيّة ، المطلوب فيها القطع واليقين ، ولا يكفي فيها الظن ، ولا يكفي فيها الاخذ بأقوال الاخرين ، وهذه قاعدة عقليّة ، والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية ، وحينئذ إذا دار الامر بين رجلين ، أحدهما مهتدي ويمكنه هداية الاخرين إلى العقائد الحقة والاُمور الواقعية ، والشخص الاخر يحتاج إلى من يهديه ، يحتاج إلى من يرشده ويأخذ بيده ، كيف يمكن الحكم بالاهتداء وبأخذ الحقائق والواقعيات ممّن هو بنفسه يحتاج إلى من يهديه ؟

---------------------------
(1) سورة يونس : 35 .
(2) سورة النجم : 28 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 3 _

   أمّا نحن فنعتقد بأنّ الامامة أمر لا يكون إلاّ من الله سبحانه وتعالى ، الامامة جعل ونصب من الله سبحانه وتعالى ، ولا فرق بين الامامة والنبوّة من هذه الحيثيّة ، وحينئذ نحتاج في معرفة الامام وتعيّنه إلى نصٍّ قطعيّ ، أو إلى أدلّة تقتضي أن يكون الشخص هو الامام لكونه مهتدياً وهادياً ، وأيضاً ، لو قام الدليل على عصمة شخص أو أشخاص ، فإنّ العصمة إنْ وجدت في شخص لا يجوّز العقل الاهتداء بغير هذا الشخص مع وجوده ، ومع التمكن منه ولو بالواسطة ، لذا جعلنا الامامة إمّا بالنص وإمّا بالعقل ، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة .
   وكان حديث المنزلة ـ وهو آخر الادلة اللفظية التي بحثنا عنها ـ دليلاً على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من الجهات الثلاثة جميعاً ، فلقد كان هذا الحديث نصّاً في إمامة أمير المؤمنين ، ودليلاً على عصمته ، ودليلاً على أفضليّته ( عليه السلام ) من سائر الصحابة ، وقد بحثنا عن مدلول هذا الحديث وفقهه ، وبيّنا اندفاع الشبهات التي طرحت في كتب الاُصول والكلام على هذا الحديث والاستدلال به على إمامة أمير المؤمنين ، وكان عمدة تلك الشبهات ، ثلاثة شبهات ذكرتها ، وقد كانت شبهات مترابطة ، وبيّنّا اندفاع تلك الشبهات بأدلّة عديدة تجتمع تلك الادلّة على اندفاع المناقشات الثلاثة كلّها في دلالة حديث المنزلة ، وموضوع بحثنا في هذه الليلة هو الاستدلال بما يحكم به العقل على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أي الدليل العقلي على الامامة .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 4 _

الاوصاف المجمع عليها في الامام :
   لو راجعتم كتب العقائد والكلام عند أهل السنّة ككتاب : المواقف في علم الكلام للقاضي الايجي ، وشرح المواقف للشريف الجرجاني ، وشرح القوشچي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعدالدين التفتازاني ، وشرح العقائد النسفية ، وغير هذه الكتب التي هي من أُمّهات كتب العقيدة والكلام عند أهل السنّة ، لرأيتم أنّهم يذكرون في المباحث المتعلقة بالامام فصولاً ، منها :
   إنّ نصب الامام إنّما يكون بالاختيار ، وليس بيد الله سبحانه وتعالى ، خلافاً للاماميّة ، وإذا كان نصب الامام عندهم بالاختيار ، فإنّهم يذكرون في فصل آخر الشروط التي يجب توفّرها في الامام حتّى يُختار للامامة ، وإذا راجعتم ذلك الفصل الذي يذكرون فيه الشروط ، شروط الامام أو أوصاف الامام ، يذكرون هناك أوصافاً ويقسّمونها إلى قسمين :
   قسم قالوا بأنّها أوصاف مجمع عليها ، وقسم هي أوصاف وقع الخلاف فيها ، ونحن نتكلّم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها على مسلكهم في تعيين الامام وهو الاختيار ، تلك الشروط المجمع عليها بينهم ، نتكلم معهم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها وأوجبوا توفّرها في الامام كي يختار إماماً على المسلمين بعد رسول الله ، نتكلّم معهم بغضّ النظر عن مسلكنا في تعيين الامام ، وهو أنّه بيد الله سبحانه وتعالى ، بغضّ النظر عن ذلك المسلك ، نتكلّم معهم على مسلكهم ، وعلى ضوء ذلك القسم من الاوصاف التي نصّوا على ضرورة وجودها للامام بالاجماع ، فما هي تلك الشروط والاوصاف التي أجمعوا على ضرورة وجودها في الامام حتى يختار إماماً ؟ تلك الشروط المجمع عليها بينهم :

الشرط الاول : العلم
   بأن يكون عالماً بالاصول والفروع ، بحيث يمكنه إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، ويمكنه دفع الشبهات الواردة من الاخرين ، بأن يدافع عن هذا الدين من الناحية الفكرية ، ويمكنه دفع الشبهات والاشكالات الواردة في أصول الدين وفروعه من المخالفين .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 5 _

الشرط الثاني : العدالة
   بأنْ يكون عادلاً في أحكامه ، وفي سيرته وسلوكه مع الناس ، أن يكون عادلاً في أحكامه عندما يتصدى رفع نزاع بين المسلمين ، أن يكون عادلاً عندما يريد أن يقسّم بينهم بيت المال ، أن يكون عادلاً في تصرّفاته المختلفة المتعلّقة بالشؤون الشخصية والعامة .

الشرط الثالث : الشجاعة
   بأن يكون شجاعاً ، بحيث يمكنه تجهيز الجيوش ، بحيث يمكنه الوقوف أمام هجمات الاعداء ، بحيث يمكنه الدفاع عن حوزة الدين وعن بيضة الاسلام والمسلمين ، هذه هي الشروط المتفقة عندهم ، التي يجب توفرها في الشخص حتى يمكن اختياره للامامة على مسلكهم من أنّ الامامة تكون بالاختيار ، ولابدّ وأنّكم تحبّون أنْ أقرأ لكم نصّاً من تلك الكتب التي أشرت إليها ، لتكونوا على يقين ممّا أنسبه إليهم ، ومن حقّكم أن تطالبوا بقراءة نص من تلك النصوص : جاء في كتاب المواقف في علم الكلام وشرح المواقف (1) ما نصّه :
« المقصد الثاني : في شروط الامامة ، الجمهور على أنّ أهل الامامة ومستحقّها من هو مجتهد في الاُصول والفروع ليقوم بأُمور الدين ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع نصّاً واستنباطاً، لانّ أهمّ مقاصد الامامة حفظ العقائد وفصل الحكومات ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط » .
   إذن ، الشرط الاول : أن يكون عالماً مجتهداً بتعبيره هو في الاصول والفروع ، ليقوم بأمور الدين ، وليكون متمكناً من إقامة الحجج والبراهين ، ودفع الشبه المتوجهة إلى العقائد من قبل المخالفين .

---------------------------
(1) شرح المواقف في علم الكلام 8 / 349 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 6 _

   الشرط الثاني : « ذو رأي وبصارة ، بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور ، ليقوم بأُمور الملك ، شجاع ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارك » .
   لاحظوا بدقة ولا تفوتنّكم الكلمات الموجودة في هذا النص ، وكتاب المواقف وشرح المواقف من أهم كتب القوم في علم الكلام، فالشرط الثاني هو الشجاعة ، « وقيل في مقابل قول الجمهور : لا يشترط في الامامة هذه الصفات ، لانّها لا توجد الان مجتمعة » ، وكتاب المواقف إنّما أُلّف في القرن السابع أو الثامن من الهجرة ، وهذه الصفات غير مجتمعة في الحكّام في ذلك الوقت ، إذن ، يجب عليهم أن يرفعوا اليد عن اعتبارها في الامام ، ويقولوا بإمامة من لم يكن بعالم أو لم يكن بشجاع ، وحتّى من يكون فاسقاً فاجراً كما سنقرأ صفة العدالة أيضاً .
   يقول : « نعم يجب أن يكون عدلاً ، لئلاّ يجور ، فإنّ الفاسق ربّما يصرف الاموال في أغراض نفسه فيضيع الحقوق ، فهذه الصفات شروط معتبرة في الامامة بالاجماع » ، هذا نصّ عبارته ، ثم يقول : « وهاهنا صفات أُخرى في اشتراطها خلاف » ، إذن ، نتكلم معهم باعتبارنا عقلاء مثلهم ، ونعتبر هذه الصفات الثلاث أيضاً في الامام ، ونفترض أنّ الامامة تثبت بالاختيار ، والامامة مورد نزاع بيننا وبينهم ، فنحن نقول بإمامة علي وهم يقولون بإمامة أبي بكر .
   فلنلاحظ إذن ، هل هذه الصفات المعتبرة بالاجماع في الامام ، المجوّز توفّرها فيه لانتخابه واختياره إماماً ، هل هذه الصفات توفّرت في علي أو في أبي بكر ، حتّى نختار عليّاً أو نختار أبا بكر ، ومع غضّ النظر عن الكتاب والسنّة الدالّين على إمامة علي بالنص أو غير ذلك ؟ نحن والعقل الذي يقول بأنّ الرئيس للاُمّة والخليفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجب أن يكون واجداً لهذه الصفات المجمع عليها ، ونحن تبع لهذا الاجماع الذي هم يدّعونه على هذه الصفات .
   وأيضاً : نحن نوافق على هذا الاجماع ، وإن كنّا نقول باعتبار العصمة التي هي أعلى من العدالة ، لكن مع ذلك نبحث عن هذه المسألة في هذه الليلة مع غضّ النظر عن مسلكنا في ثبوت الامامة وتعيين الامام ، إذن ، يتلخّص كلام القوم في الصفات اللازم وجودها في الامام بالاجماع في ثلاثة صفات :

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 7 _

   أنْ يكون متمكناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، لانّ أهم مقاصد الامامة حفظ العقائد وفصل الخصومات ، فلابدّ وأن يكون عالماً في الدين بجميع جهاته من أُصوله وفروعه ، ليتمكّن من الدفاع عن هذا الدين إذا ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية ، وأن يكون شجاعاً ، ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارك ، لانّ الامام إذا فرّ من المعركة فالمأمومون أيضاً يفرّون ، إذا فرّ القائد فالجنود يفرّون تبعاً له ، إذا انكسر الرئيس انكسر الجيش كلّه ، وهذا واضح ، إذن بنصّ عبارة هؤلاء يجب أن يكون من أهل الثبات في المعارك .
   وأن يكون عدلاً غير ظالم ولا فاسق ، فإمّا تكون هذه الصفات مجتمعة في علي دون غيره ، فيكون علي هو الامام ، وإمّا تكون مجتمعة في غير علي فيكون ذاك هو الامام ، وإمّا تكون مجتمعة في كليهما ، فحينئذ ينظر إلى أنّ أيّهما الواجد لهذه الصفات في أعلى مراتبها ، وإلاّ فمن القبيح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً ، والقرآن الكريم يقول : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي ) ، من يكون عادلاً أولى بأن يكون إماماً أو من يكون فاسقاً ؟ العالم أولى أن يكون إماماً نقتدي به أو من يكون جاهلاً ؟ وعلى فرض أن يكون كلاهما عالمين فالاعلم هو المتعيّن أو لا ؟ لابدّ من الرجوع إلى العقل والعقلاء ، ونحن نتكلّم على هذا الصعيد .
   قالوا : هذه هي الصفات المعتبرة بالاجماع ، أمّا أنْ يكون هاشميّاً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون معصوماً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون حرّاً ، ربّما يكون فيه خلاف ، ربّما ينسبون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه أمر بإطاعة من ولّي على المسلمين وإنْ كان عبداً ، ربّما ينسبون إليه هكذا حديث ، لكن هذه قضايا مختلف فيها ، فالعصمة تقول بها الشيعة وغيرهم لا يقولون بها ، وكذا سائر الصفات فهي مورد خلاف ، مثل أن يكون هاشمياً ، أن يكون قرشياً ، أن يكون حرّاً ، وغير ذلك من الصفات المطروحة في الكتب ، أمّا الصفات المتفق عليها بين الجميع فهي : العلم والعدالة والشجاعة ، ونحن نبحث على ضوء هذه الصفات .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 8 _

الصفة الاُولى : العلم
   العلم والتمكن من إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، والتمكن من دفع شبه المخالفين ، من الصفات المتفق عليها ، لندرس سيرة علي وسيرة أبي بكر ، لندرس ما ورد في هذا وهذا ، لندرس ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ما قاله الصحابة ، ما قاله سائر العلماء في علي ، وما قيل في أبي بكر ، ولا نرجع إلى شيء ممّا يروى عن كلّ واحد منهما في حقّ نفسه ، فعلي ( عليه السلام ) يقول : « علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كلّ باب ألف باب » (1) .
   لا نرجع إلى هذا الحديث ، وهذا الخبر ، لانّ المفروض أنّه في علي ومن علي ، نرجع إلى غير هذه الروايات ، مثلاً يقول علي : « سلوني قبل أن تفقدوني » (2) هذا لم يرد عن أبي بكر ، أبو بكر لم يقل في يوم من الايام : سلوني قبل أن تفقدوني ، لكن نضع على جانب مثل هذه الروايات الواردة عن علي ، وإنْ كنّا نستدلّ بها في مواضعها ، وهي موجودة في كتب أهل السنّة ، لكنّا نريد أن ندرس سيرة هذين الرجلين ، أن ندرس سيرة أمير المؤمنين وأبي بكر على ضوء ما ورد وما قيل فيهما عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والصحابة والعلماء ، لنكون على بصيرة من أمرنا ، عندما نريد أن نختار وننتخب أحدهما للامامة بعد رسول الله على مسلك القوم .

أنا مدينة العلم وعلي بابها :
   نلاحظ في كتب القوم أنّ رسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، ونحن الان نبحث عن الصفة الاولى وهي العلم ، والتمكن من إقامة الحجج والبراهين ، ورسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » .

---------------------------
(1) كنز العمال 13 / 114 رقم 36372 ، 165 رقم 36500 .
(2) أخرجه أحمد في المناقب وابن سعد وابن عبد البر وغيرهم ، الاستيعاب 3 / 1103 ، الرياض النضرة 2 / 198 ، الصواعق المحرقة : 76 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 9 _

   هذا الحديث موجود في كتبهم ، يرويه :
(1) عبد الرزاق بن همّام الصنعاني .
(2) يحيى بن معين، الامام في الجرح والتعديل ، مع تصحيحه لهذا الحديث .
(3) أحمد بن حنبل .
(4) الترمذي .
(5) البزّار .
(6) ابن جرير الطبري .
(7) الطبراني .
(8) أبو الشيخ .
(9) ابن السقا الواسطي .
(10) ابن شاهين .
(11) الحاكم النيسابوري .
(12) ابن مردويه .
(13) أبو نعيم الاصبهاني .
(14) الماوردي .
(15) الخطيب البغدادي .
(16) ابن عبد البر .
(17) السمعاني .
(18) ابن عساكر .
(19) ابن الاثير .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 10 _

(20) ابن النجّار .
(21) السيوطي .
(22) القسطلاني .
(23) ابن حجر المكي .
(24) المتقي الهندي .
(25) علي القاري .
(26) المنّاوي .
(27) الزرقاني .
(28) الشاه ولي الله الدهلوي .
   وغيرهم ، وكلّ هؤلاء يشهدون بأنّ رسول الله قال في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » (1) ، وهل قال مثل هذا الكلام في غير علي ؟

---------------------------
(1) تهذيب الاثار « مسند الامام علي ( عليه السلام ) » : 105 رقم 173 ـ مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر ـ 1402 ، صحيح الترمذي ، كما في جامع الاُصول 9 / 473 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 170 وغيرهما ، المعجم الكبير للطبراني 11 / 65 رقم 11061 ـ دار إحياء التراث العربي ، تاريخ بغداد 4 / 348 ، 7 / 172 ، 11 / 204 ، الاستيعاب 3 / 1102 ، فردوس الاخبار 1 / 76 ، أُسد الغابة 4 / 22 ، الرياض النضرة 2 / 255 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تاريخ جرجان : 24 ، تذكرة الحفاظ 4 / 28 ، البداية والنهاية 7 / 358 ، مجمع الزوائد 9 / 114 ، عمدة القاري 7 / 631 ، اتحاف السادة المتقين 6 / 224 ، مستدرك الحاكم 3 / 126 و 127 ، ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 2 / 465 رقم 984 ، جامع الاُصول 8 / 657 رقم 6501 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1403 ، الجامع الصغير للسيوطي 1 / 415 رقم 2705 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1401 ، الصواعق المحرقة : 189 ، كنز العمال 11 / 614 رقم 32978 و 32979 ، فيض القدير للمنّاوي : 3 / 46 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1391 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 11 _

أنا دار الحكمة وعلي بابها :
   ويقول رسول الله في حق علي : « أنا دار الحكمة وعلي بابها » ، وعندما نراجع الكتب نرى هذا الحديث يرويه :

(1) أحمد بن حنبل .
(2) الترمذي .
(3) محمّد بن جرير الطبري .
(4) الحاكم النيسابوري .
(5) ابن مردويه .
(6) أبو نعيم .
(7) الخطيب التبريزي .
(8) العلائي .
(9) الفيروزآبادي .
(10) ابن الجزري .
(11) ابن حجر العسقلاني .
(12) السيوطي .
(13) القسطلاني .
(14) الصالحي الدمشقي .
(15) ابن حجر المكي .
(16) المتقي الهندي .
(17) المنّاوي .
(18) الزرقاني .
(19) ولي الله الدهلوي ، وغيرهم .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 12 _

   وهؤلاء يشهدون بأنّ رسول الله قال في علي : « أنا دار الحكمة وعلي بابها » (1) ، فإذا كان رسول الله يقول في حقّ علي هكذا ، وهم يروون هذا الحديث ، فهل علي المتمكن من إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ودفع الشبه ، أو غيره الذي لم يرد مثل هذا الحديث في حقّه ؟ أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي : والاظهر من هذا قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : « أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي » .
   فقد نصب علياً للحكم بيننا في كلّ ما اختلفنا فيه ، من أُمور ديننا ودنيانا ، وهذا الحديث يرويه :
(1) الحاكم النيسابوري ، ويصحّحه .
(2) ابن عساكر ، في تاريخ دمشق .
(3) الديلمي .
(4) السيوطي .
(5) المتقي الهندي .
(6) المنّاوي .

   وجماعة آخرون يروون هذا الحديث (2) ، ولم يرد مثل هذا الحديث في حقّ غير علي .

---------------------------
(1) فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام) : 138 رقم 203 ، سنن الترمذي 5 / 637 ، تهذيب الاثار « مسند علي ( عليه السلام ) » : 104 رقم 8 ، حلية الاولياء 1 / 64 ، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي 2 / 504 رقم 6096 ـ دار الارقم ـ بيروت ، أسنى المطالب لابن الجزري : 70 ـ مكتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ أصفهان ، الرياض النضرة 2 / 255 ، شرح المواهب اللدنية 3 / 129 ، الجامع الصغير للسيوطي 1 / 415 رقم 2704 ، الصواعق المحرقة : 189 ، كنز العمال 11 / 600 رقم 32889 و 13 / 147 رقم 36462 ، فيض القدير 3 / 46 .
(2) مستدرك الحاكم 3 / 122 ، ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 2 / 488 رقم 1008 و 1009 ، كنز العمال 11 / 615 رقم 32983 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 13 _

عليّ هو الاُذن الواعية :
   وأيضاً ، لمّا نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيهَا أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (1) نرى رسول الله يقول : بأنّ عليّاً هو الاُذن الواعية ، فيكون علي وعاءً لكلّ ما أنزل الله سبحانه وتعالى ، يكون وعاء لجميع الحقائق ، يكون واعياً لجميع الاُمور ، وهذا الحديث تجدونه في :
(1) تفسير الطبري .
(2) تفسير الكشاف .
(3) تفسير الرازي .
(4) الدر المنثور ، حيث يرويه السيوطي هناك عن : سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والواحدي ، وابن النجار .

   وتجدونه أيضاً في :
5 ـ حلية الاولياء .
6 ـ مجمع الزوائد .
   وفي غير هذه الكتب (2) .

أقضاكم عليّ :
   ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أقضاكم علي » ، وكنّا نحتاج إلى الامام لرفع الخصومات كما ذكر صاحب شرح المواقف ، كنّا نحتاج إليه لرفع الخصومات والتنازعات والخلافات بين الناس ، ورسول الله يقول : « علي أقضاكم » .

---------------------------
(1) سورة الحاقة : 12 .
(2) تفسير الطبري 29 / 35 ـ 36 ، تفسير الكشاف 4 / 151 ، تفسير الرازي 30 / 107 ، الدر المنثور 8 / 267 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 14 _

   ولم يرد مثل هذا الكلام في حق غير علي ، فما ذنبنا إن قلنا بأنّ عليّاً هو المتعيّن للامامة حتّى لو كان الامر موكولاً إلى الاُمّة ، حتّى لو كان الامر مفوّضاً إلى اختيار الناس ؟ كان عليهم أنْ يختاروا عليّاً ، لانّ هذه هي الضوابط التي قرّروها في علم الكلام ، وقالوا : بأن هذه الصفات هي صفات مجمع على اعتبارهم في الامام .
   وحديث « أقضاكم علي » تجدونه في :
(1) صحيح البخاري .
(2) مسند أحمد .
(3) المستدرك .
(4) سنن ابن ماجه .
(5) الطبقات الكبرى .
(6) الاستيعاب .
(7) سنن البيهقي .
(8) مجمع الزوائد .
(9) حلية الاولياء .
(10) أُسد الغابة .
(11) الرياض النضرة .
   وفي غيرها من الكتب .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 15 _

   هذا فيما يتعلّق ـ باختصار ـ بكلمات رسول الله التي يروونها هم ، وفيها شهادة رسول الله أو إخبار رسول الله بمقامات علي ، وبأنّه المتمكن من إقامة الحجج ، إقامة البراهين ، ودفع الشبه ، إنّ عليّاً هو المرجع من قبل رسول الله في رفع الخلافات ، هو المبيّن لما اختلف فيه المسلمون بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

كلمات الصحابة في المقام العلمي للامام علي ( عليه السلام ) :
   وأمّا كلمات الصحابة فما أكثرها ، وإنّي أنقل لكم نصّاً من أحد كبار الحفّاظ بترجمة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، يشتمل هذا النص على شهادات من كبار الصحابة والتابعين في حقّ علي ( عليه السلام ) من حيث مقامه العلمي ، يقول الحافظ النووي في كتاب تهذيب الاسماء واللغات حيث يترجم لعلي ( عليه السلام ) : أحد العلماء الربّانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين ، وأحد السابقين إلى الاسلام . . . إلى أن قال : أمّا علمه ، فكان من العلوم في المحلّ العالي ، روى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسمائة حديث وستّة وثمانين حديثاً ، اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين ، وانفرد البخاري بتسعة ، ومسلم بخمسة عشر ، روى عنه بنوه الثلاثة الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية ، وروى عنه : ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو موسى ، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير ، وأبو سعيد ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبد الله ، وروى عنه من التابعين خلائق مشهورون .
   ونقلوا عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أن أقضى المدينة علي ، قال ابن المسيّب : ما كان أحد يقول : سلوني غير علي ، وقال ابن عباس : أُعطي علي تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي ، قال ابن عباس : وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره .
   ثمّ يقول النووي : وسؤال كبار الصحابة ـ متى قالوا كبار الصحابة فمقصودهم المشايخ الثلاثة وغيرهم من العشرة المبشرة ، هذه الطبقة ـ ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات ، مشهور » (1) .

---------------------------
(1) تهذيب الاسماء واللغات : 1 / 344 ـ 346 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 16 _

   فإذا كان كبار الصحابة يرجعون إلى علي في معضلاتهم ، ويأخذون بقوله ولم نجد ـ ولا مورداً واحداً ـ رجع فيه علي إلى واحد منهم ، أو احتاج إلى الاخذ عن أحدهم ، فماذا يحكم عقلنا ؟ وكيف تحكمون ؟

عدم رجوع الامام علي إلى أحد من الصحابة :
   ويشهد بعدم رجوع علي إلى أحد منهم ، ورجوع غير واحد منهم إلى علي في المعضلات كما نصّ النووي ، يشهد بذلك موارد كثيرة ـ يذكرها ابن حزم الاندلسي في كلام له طويل ـ فيها جهل الصحابة وكبار الاصحاب بمسائل الدين ، ورجوعهم إلى غيرهم، وليس في ذلك الكلام الطويل لابن حزم ـ ولا مورد واحد ـ يذكر رجوع علي إلى أحد من القوم .
   يقول ابن حزم : ووجدناهم ـ أي الصحابة ـ يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن ، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة ـ لاحظوا هذا الحديث المشهور عن أبي هريرة ـ يقول : إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالاسواق ، وإنّ إخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على أموالهم » ، وعلي ما شغله الصفق في الاسواق ، ولم يشغله القيام بأمواله ، وإنّما لازم رسول الله ليلاً ونهاراً .
   يقول ابن حزم : وهذا أبو بكر لم يعرف فرض ميراث الجدّة وعرّفه محمّد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ( فاحتاج مثل أبي بكر إلى المغيرة بن شعبة في حكم شرعي ! ! ) وهذا أبو بكر سأل عائشة في كم كفن كفّن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) » ، وهكذا يذكر موارد أُخرى عنه ، حيث جهل القضايا ورجع إلى غيره .
   ثمّ يقول : وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان : أُخفي عَلَيّ ، ألهاني الصفق في الاسواق ، وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرّفه غيره ، وغضب على عيينة بن حصن حتّى ذكّره الحر بن قيس ، وخفي عليه أمر رسول الله بإجلاء اليهود ، وخفي على أبي بكر قبله ، وخفي على عمر أمره بترك الاقدام على الوباء وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف ، وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول الله ( وهذا طريف جدّاً ) في صلاتي الفطر والاضحى ، هذا وقد صلاّهما رسول الله أعواماً كثيرة .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 17 _

   صلّى رسول الله الفطر والاضحى أعواماً كثيرة ، وعمر جهل إنّ رسول الله أيّ سورة كان يقرأ في هاتين الصلاتين وسأل أبا واقد الليثي ! ، ثمّ يقول ابن حزم : ولم يدر ( أي عمر ) ما يصنع بالمجوس حتّى ذكّره عبد الرحمن بأمر رسول الله ، ونسي قبوله الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ، ولعلّه قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره ، ونسي أمره بتيمّم الجنب فقال : لا يتيمّم أبداً ولا يصلّي ما لم يجد الماء ، وذكّره بذلك عمّار ، وأراد قسمة مال الكعبة حتّى ذكّره بعض الصحابة .
   ثمّ ينتقل ابن حزم إلى عثمان وغيره فيقول : وهذا عثمان . . ، وهذه عائشة . . ، وهذه حفصة . . ، وهذا ابن عمر . . ، وهذا زيد بن ثابت . . . وليس ـ ولا مورد واحد ـ يذكره كشاهد على جهل علي بمسألة فيكون محتاجاً إلى غيره ، ليسأله عن تلك المسألة ، هذا النص تجدونه في إحكام الاحكام (1) .

لولا عليّ لهلك عمر :
   وأمّا كلمة عمر بن الخطّاب : لولا علي لهلك عمر ، فإن هذه الكلمة جرت مجرى الامثال ، سمع بها الكل حتّى الاطفال ، وكذا قوله : لا أبقاني الله لمعضلة لست لها يا أبا الحسن .
   وروى كلمة : لولا علي لهلك عمر في واقعة :
1 ـ عبد الرزاق بن همّام .
2 ـ عبد بن حميد .
3 ـ ابن المنذر .
4 ـ ابن أبي حاتم .
5 ـ البيهقي .
6 ـ ابن عبد البر .
7 ـ المحب الطبري .
8 ـ المتقي الهندي في كنز العمال (2) .

---------------------------
(1) الاحكام في أصول الاحكام المجلّد الاوّل الجزء 2 / 151 ـ 153 ـ دار الجيل ـ بيروت 1407 .
(2) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1103 ، الرياض النضرة في مناقب العشرة 4 / 194 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 18 _

   وفي مورد آخر أيضاً قال هذه الكلمة ـ لولا علي لهلك عمر ـ وذلك المورد قضية المرأة المجنونة التي زنت فهمّ عمر برجمها ، وتلك القضية رواها :
1 ـ عبد الرزاق .
2 ـ البخاري .
3 ـ الدارقطني .
   وغيرهم من كبار الائمّة (1) ، وقد قالها في موارد أُخرى ، لا نطيل بذكرها ، ولا بأس بذكر كلمة المنّاوي بهذا الصدد ، يقول المنّاوي في شرح قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » ، وهذا حديث أيضاً وارد عن رسول الله ، يقول : أخرج أحمد : إنّ عمر أمر برجم امرأة ، فمرّ بها علي فانتزعها ، فأُخبر عمر ، فقال عمر : ما فعله إلاّ لشيء ، فأرسل إليه فسأله ، فقال علي : أما سمعت رسول الله يقول : « رفع القلم عن ثلاث . . . قال : نعم ، فقال عمر : لولا علي لهلك عمر .
   قال المنّاوي : واتفق له مع أبي بكر نحوه ـ أي اتفق إنّ أبا بكر أيضاً همّ بمثل هذه القضية وعلي منعه واستسلم لقول علي ـ وربّما قال : لولا علي لهلك أبو بكر (2) ، كما أنّا وجدنا في بعض المصادر مورداً عن عثمان قال فيه : لولا علي لهلك عثمان (3) .
   إذن ، مَنِ المتمكن من إقامة الحجج والبراهين ودفع الشبه ؟ نحن الان في القرن الرابع عشر أو في القرن الخامس عشر ، ومن أين نعرف حالات علي وأحوال أبي بكر ، ونحن نريد أن نختار أحدهما للامامة على مسلك القوم ؟ أليس من هذه الطرق ؟ أليس طريقنا ينحصر بالاطلاع على هذه القضايا لنعرف من الذي توفّر فيه الشرط الاول، الشرط الاول المتفق عليه ، المجمع عليه بين العلماء من المسلمين ، فهذا علي وهذه قضاياه ، وهذه هي الكلمات الواردة في حقّه ، وهذا رجوع غيره إليه ، وعدم رجوعه إلى غيره ، أي إنّه كان مستغنياً عن الغير وكان الاخرون محتاجين إليه .

---------------------------
(1) فيض القدير 4 / 357 .
(2) فيض القدير 4 / 357 .
(3) زين الفتى في سورة هل أتى 1 / 317 رقم 225 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 19 _

   انتشار العلوم الاسلامية بالبلاد بواسطة الامام علي وتلامذته : ولذا نرى أنّ العلوم الاسلاميّة كلّها قد انتشرت بالبلاد الاسلاميّة بواسطة علي وتلامذته من كبار الصحابة ، وهذا أمر قد حقّقناه في موضعه في بحث مفصل ، لانّ البلاد الاسلاميّة في ذلك العصر كانت : المدينة المنوّرة ، مكة المكرمة ، البصرة ، الكوفة ، اليمن ، الشام ، وقد دقّقنا النظر وحقّقنا في الامر ، ورأينا أنّ العلوم انتشرت في جميع هذه البلدان عن علي ( عليه السلام ) .
   أمّا في المدينة والكوفة ، فقد عاش علي في هاتين المدينتين وأفاد فيهما الناس بعلومه ، أمّا الكوفة فقبل مجيء علي إليها كان فيها عبد الله بن مسعود ، والشام كان عالمها الاكبر أبو الدرداء ، وأبو الدرداء تلميذ عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن مسعود تلميذ علي ( عليه السلام ) ، وأمّا البصرة ومكة المكرمة ، فانتشرت العلوم في هاتين البلدتين أو هذين القطرين بواسطة عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عباس تلميذ علي عليه الصلاة والسلام .
   وهنا نصوص سجّلتها فيما يتعلق بهذا الموضوع من ذلك البحث الذي حقّقت فيه هذه القضية ، ولكن لا أُريد أنْ أقرأ تلك النصوص لئلاّ يطول بنا المجلس ، وأمّا اليمن ، فقد سافر إليها علي ( عليه السلام ) بنفسه أكثر من مرّة ، وقبيلة همدان أسلمت على يده ، فكان حديث مدينة العلم ، وحديث أنا دار الحكمة ، وغير هذين الحديثين ، وما ورد في تفسير قوله تعالى : ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) وشهادات كبار الصحابة ، وشهادات كبار العلماء في القرون المختلفة ، وأيضاً انتشار العلوم بواسطة علي ، كلّ هذه الاُمور كانت أدلّة على أنّ المبرّز في هذا الميدان هو علي ( عليه السلام ) ، فالشرط الاول إنّما توفّر في علي دون غيره .
   ولدلالة هذه الاُمور على تقدّم علي على غيره من الاصحاب ، يضطر القوم إلى التحريف والتكذيب ، فانكم إذا راجعتم صحيح الترمذي لا تجدون حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، مع رواية غير واحد من الحفاظ الاعلام كابن الاثير والسيوطي وابن حجر هذا الحديث عنه ! وهكذا يضطرّ ابن تيميّة أنْ يكذّب كلّ هذه الاُمور ، حتّى أنّ كون ابن عباس تلميذاً لعلي يكذّبه ابن تيميّة ، حتّى أخذ عبد الله بن مسعود عن علي يكذّبه ، وحديث مدينة العلم يكذّبه ، وهكذا الاحاديث الاُخرى التي ذكرت بعضها .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 20 _

   يقول بالنسبة إلى حديث : « هو الاُذُن الواعية » يقول : إنّه حديث موضوع باتفاق أهل العلم ، وحديث « أقضاكم علي » يكذّبه ابن تيميّة ، حتّى يقول : هذا الحديث لم يثبت ، وليس له إسناد تقوم به الحجة ، لم يروه أحد في السنن المشهورة ، ولا المسانيد المعروفة ، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف (1) .
   وقد ذكرنا أنّه في البخاري ، وفي سنن النسائي ، وسنن ابن ماجة ، وفي الطبقات لابن سعد ، وفي مسند أحمد ، وغيرها من الكتب ، وتكذيب ابن تيمية هو الاخر دليل على ثبوت هذه القضايا ، وعلى تقدم علي في هذا الشرط على غيره ، وتلخّص ، أنّه إذا كان العلم بالاصول والفروع ، وإذا كان التمكن من إقامة الحجج والبراهين ودفع الشبه ، هو الشرط الاول المتفق عليه بين المسلمين في الامام الذي يريد المسلمون أن يختاروه على مسلك الاختيار ، فهذا الشرط موجود في علي دون غيره .
  فأيّ حديث يروونه في حقّ أبي بكر في مقابل هذه الادلّة وغيرها ؟ يروون حديثاً يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ أي ينسبونه إلى رسول الله ـ « ما صبّ الله في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر » ، إن كان هذا الحديث صدقاً ، فلماذا يقول ابن حزم جهل كذا فرجع إلى فلان ، جهل كذا فرجع إلى فلان ، جهل كذا فرجع إلى فلان ، ولكنّ هذا الحديث أدرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات ونصّ على أنّه كذب (2) ، ولا يوجد حديث آخر في باب العلم يروونه بحق أبي بكر سوى هذا الحديث الذي ذكرته ، فكيف تحكمون ؟ قال الله تعالى : ( فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ ) .

---------------------------
(1) منهاج السنة 7 / 512 .
(2) كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1 / 219 ، الاخبار الموضوعة : 454 للملاّ علي القاري ـ المكتب الاسلامي ـ بيروت ـ 1406 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 21 _

الصفة الثانية : العدالة
   ننتقل الان إلى الشرط الثاني ، وهو العدالة ، وأيضاً : نجد الاحاديث الكثيرة المتفق عليها بين المسلمين بين الطرفين المتخاصمين في هذه المسألة ، تلك الاحاديث شاهدة على أنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان أعدل القوم .
   أذكر لكم حديثين فقط : أحدهما : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « كفّي وكفّ علي في العدل سواء » ، هذا الحديث يرويه :
1 ـ ابن عساكر في تاريخ دمشق .
2 ـ الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد .
3 ـ المتقي الهندي في كنز العمّال .
4 ـ صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشّرة .
   وغير هؤلاء (1) .
   الثاني : قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : « يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي ، وتخصم الناس بسبع ولا يخصمك فيها أحد من قريش : أنت أوّلهم إيماناً بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسويّة ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله مزيّة » ، فهذا ما يقوله رسول الله ، ويرويه :
1 ـ أبو نعيم في حلية الاولياء (2) .
2 ـ وصاحب الرياض النضرة .
3 ـ ابن عساكر، حيث يرويه عن عمر بن الخطّاب نفسه حيث يقول : كفّوا عن ذكر علي . . . ، ويذكر هذه القطعة من الحديث أيضاً .
   وأنتم تعرفون قضية ما كان بين عقيل وعلي ( عليه السلام ) ، لعدالته ، وتعرفون أيضاً قضايا أُخرى كثيرة من عدله ( عليه السلام ) في كتب الفريقين ، ممّا لا نطيل بذكرها هذا البحث .

---------------------------
(1) ترجمة علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 2 / 438 رقم 945 و 946 ، تاريخ بغداد 8 / 77 ، وفيه « يدي ويد علي في العدل سواء » ، كنز العمال 11 / 604 رقم 32921 ، الرياض النضرة 2 / 120 ، وفيه « كفّي وكفّ علي في العدد سواء » .
(2) حلية الاولياء 11 / 65 ـ دار الكتاب العربي ـ 1405 ـ بيروت .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 22 _

الصفة الثالثة : الشجاعة
   وأمّا الشرط الثالث الذي هو الشجاعة ، قال في شرح المواقف : إنّما اعتبر هذا الشرط ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارك ، فراجعوا الاخبار والتواريخ وأنباء الحروب والغزوات ، ليظهر لكم من كان الذاب عن الحوزة والحافظ لبيضة الاسلام والثابت أو ذوالثبات في المعارك ؟ من كان ؟ لقد علم الموافق والمخالف أنّ عليّاً ( عليه السلام ) كان أشجع الناس ، وأنّ بسيفه ثبتت قواعد الاسلام ، وتشيّدت أركان الايمان ، وكانت الراية بيده في كافة الغزوات ، وما انهزم ( عليه السلام ) في موطن من المواطن قط .
   هذه الاُمور أعتقد أنّها قد تجاوزت حدّ الرواية وبلغت إلى حدّ الدراية ، فتلك مواقفه في بدر ، وأُحد ، وخيبر ، وحنين ، والخندق ـ الاحزاب ـ وغير ذلك من الحروب والغزوات ، من ذا يشك في أشجعيّة علي ومواقفه مع رسول الله ؟ نعم ، يشك في ذلك مثل ابن تيميّة ، لاحظوا ماذا يقول ، يقول في جواب العلامة الحلي حيث يقول : إنّ عليّاً كان أشجع الناس ، يقول : هذا كذب ، فأشجع الناس رسول الله (1) .
   وهل كان البحث عن شجاعة رسول الله ؟ وهل كان من شك في أشجعيّة رسول الله ؟ إنّما الكلام بين علي وأبي بكر ! كلامنا في الامامة بعد رسول الله ، كلامنا في الخلافة بعد رسول الله ، لاحظوا كيف يغالط ؟ ولماذا يغالط ؟ لانّه ليس عنده جواب ، يعلم ابن تيميّة ـ ويعلم كلّهم ـ بأنّ الشيخين قد فرّا في أكثر من غزوة ، وأنّهما لم يقتلا ولا واحداً في سبيل الله .
   يقول العلاّمة الحلّي : إنّ عليّاً قتل بسيفه الكفّار ، فيقول في جوابه ابن تيميّة : قوله : إنّ عليّاً قتل بسيفه الكفّار ، فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الكفّار ، وهل قال العلاّمة الحلّي : إنّ عليّاً قتل كلّ الكفّار ! فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الكفّار .

---------------------------
(1) منهاج السنة 8 / 76 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 23 _

   يقول ابن تيميّة : وكذلك سائر المشهورين بالقتال من الصحابة ، كعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة والبراء بن مالك وغيرهم .
   يقول : ما منهم من أحد إلاّ قتل بسيفه طائفة من الكفّار ، فإذا سئل ابن تيميّة : أين تلك الطائفة من الكفّار الذين قتلهم عمر ؟ يقول في الجواب : القتل قد يكون باليد كما فعل علي وقد يكون بالدعاء . . . القتال يكون بالدعاء كما يكون باليد ، بالنص عبارته ـ والله ـ راجعوا كتاب منهاج السنة فإنّه موجود (1) .
   إذن ، قتل عمر طائفة من الكفّار بالدعاء ، ولا بأس ! ! وأيّ مانع من هذا ! ! وإذا سألنا ابن تيميّة عن شجاعة أبي بكر ـ أليس الشرط الثالث : الشجاعة ؟ ـ إذا سألناه عن شجاعة أبي بكر ، يقول في الجواب بنصّ عبارته ـ بلا زيادة ونقيصة ـ : إذا كانت الشجاعة المطلوبة من الائمّة شجاعة القلب ، فلا ريب أنّ أبا بكر كان أشجع من عمر ، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير ، وكان يوم بدر مع النبي في العريش (2) .
   إذن ، تكون شجاعة أبي بكر بقوّة القلب فقط ، وقد جاهد وقاتل بقوّة القلب ، فالشجاعة على قسمين أو لها معنيان : الشجاعة التي يفهمها كلّ عربي ، ومعنى آخر يراد من الشجاعة : قوّة القلب ، وأبو بكر كان قوي القلب ! ! ، وهكذا يجيب ابن تيميّة عن توفّر هذا الشرط في علي دون الشيخين ، يجيب عن ذلك بجواب لا تجدونه في أيّ كتاب من الكتب ، فيجعل عمر مقاتلاً ، لكن لا باليد بل بالدعاء ، والقتال بالدعاء كالقتال باليد ، ويجعل أبا بكر شجاعاً ، لكن شجاعة القلب وهي المطلوبة في الائمّة ! ! وكأنّ عليّاً كانت عنده الشجاعة البدنية ولم تكن عنده شجاعة قلبيّة ! ! وكلّ هذا من ابن تيميّة ينفعنا في يقيننا بصحة استدلالاتنا ، وإلاّ فأيّ معنى لتفسير القتال والجهاد في سبيل الله وقتل طائفة من الكفّار بالدعاء ؟

---------------------------
(1) منهاج السنة 4 / 482 .
(2) منهاج السنة 8 / 79 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 24 _

   ثمّ لو كانا واجدين لقوّة القلب ـ كما يقول ابن تيميّة ـ فلماذا فرّا ؟ لاريب في أنّهما قد فرّا في أُحد ، وقد روى الخبر أئمّة القوم ، منهم :

(1)أبو داود الطيالسي .
(2) ابن سعد صاحب الطبقات .
(3) أبو بكر البزّار .
(4) الطبراني .
(5) ابن حبّان .
(6) الدارقطني .
(7) أبو نعيم .
(8) ابن عساكر .
(9) الضياء المقدسي .
   وغيرهم من الائمّة الاعلام ، راجعوا كنز العمال (1) ، أعطيكم بعض الاوقات بعض الارقام ، لانّ القضايا حساسة فأضطرّ إلى إعطاء المصدر .

---------------------------
(1) كنز العمال 10 / 424 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 25 _

   أمّا في خيبر، فقد روى فرارهما :

(1) أحمد .
(2) ابن أبي شيبة .
(3) ابن ماجة .
(4) البزّار .
(5) الطبري .
(6) الطبراني .
(7) الحاكم .
(8) البيهقي .
(9) الضياء المقدسي .
(10) الهيثمي .
  وجماعة غيرهم ، راجعوا أيضاً كنز العمال ، يروي عن كلّ هؤلاء (1) ، وأمّا في حنين ، فالذي صبر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو علي فقط ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس ، وهذا الحديث في المستدرك (2) ، أمّا في الخندق فالكل يعلم كلمة رسول الله : « لَضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » (3) ، أو « أفضل من عبادة الامّة إلى يوم القيامة » (4) .

---------------------------
(1) كنز العمال 10 / 461 .
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 111 .
(3) شرح المواهب 8 / 371 .
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 32 .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 26 _

خاتمة المطاف :
   ففي من توفّرت هذه الشروط : العلم ، العدالة ، الشجاعة . . . ، هذه الشروط والصفات المتفق على ضرورة وجودها في شخص حتّى يصلح ذلك الشخص لانتخاب الناس إيّاه واختياره للامامة بعد رسول الله على مسلك الاختيار ؟ هذه الشروط إنّما توفّرت في علي ( عليه السلام ) ، وليست بمتوفرة في غيره ، وعلى فرض وجودها في غيره أيضاً ، أعني أبا بكر وعمر ، فقد أمكننا أن نعرف على ضوء الادلّة الواردة في الكتب الموثوقة المعتمدة ، أن نعرف الذي كانت تلك الصفات موجودة فيه على الوجه الاتم الافضل ، وقد ثبت أنّ عليّاً ( عليه السلام ) ـ على فرض وجود هذه الصفات في غيره ـ هو الاولى، فثبت أنّه الافضل ، وثبت أنّه الاحق ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى ) .
   إذا كان الرجل والرجلان يجهلان المسألة والمسألتين ، ومسائل فرعية في الاحكام الشرعية ، ويجهل الرجل ماذا كان رسول الله يقرأ في صلاتي الفطر والاضحى ، كيف نجعل هذا الشخص قائماً مقام رسول الله ، متمكّناً من إقامة الحجج والبراهين ، والذب عن دين الله وعن شريعة سيد المرسلين ، متى ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية عن خارج البلاد الاسلامية ؟ فما لهم كيف يحكمون .

المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره _ 27 _

مسألة تقدّم المفضول على الفاضل :
   نعم ، لا مناص لمن يقول بقبح تقدّم المفضول على الفاضل كابن تيميّة ـ ابن تيميّة ينصُّ في أكثر من موضع من منهاج السنّة على قبح تقدم المفضول على الفاضل ـ فحينئذ لابدّ وأنْ يلتزم بإمامة علي ، إلاّ أنّه يضطر إلى تكذيب الثوابت ، ولا مناص له من التكذيب ، حتّى لو كان الحديث موجوداً في الصحيحين وفي غير الصحيحين من الصحاح وفي غير الصحاح من الكتب المعتبرة بأسانيد صحيحة ، لان النصب والعداء لامير المؤمنين ( عليه السلام ) يمنعه من الاعتراف بالحق والالتزام به ، إلاّ أنا نوضّح هذه الحقائق ونستدل عليها ، عسى أن يرجع بعض الناس عن تقليده واتّباعه ، ولا أقل من إقامة الحجة ، ليهلك من هلك عن بيّنة .
   نعم ، هناك من يعترف بصحة هذه الاحاديث ، إلاّ أنّه ينفي قبح تقدم المفضول على الفاضل ، فيدور الامر عند القائلين بإمامة أبي بكر وعمر ، بين نفي قبح تقدم المفضول على الفاضل وقبول الاحاديث والاثار والاخبار هذه لصحّتها ، وبين قبول قبح تقدم المفضول على الفاضل وتكذيب هذه الاحاديث والاثار والقضايا الثابتة .
   وقد مشى على الطريق الثاني ابن تيميّة ، وعلى الطريق الاول الفضل ابن روزبهان ، وكلاهما في مقام الرد على العلاّمة الحلّي في استدلالاته على إمامة أمير المؤمنين ، فابن روزبهان يقول بعدم ضرورة كون الامام أفضل من غيره وأنّه لا يقبح تقدم المفضول على الفاضل وحكم على خلاف حكم العقلاء من الاولين والاخرين ، وابن تيميّة يوافق على هذا الحكم العقلي ، إلاّ أنّه يكذّب الاحاديث الصحيحة ويتصرّف في معنى الشجاعة ومعنى القتل ومعنى الجهاد ، والفضل ابن روزبهان لا يضطر إلى هذه التصرفات القبيحة الشنيعة الرديئة ، إلاّ أنّه ينكر أن يكون تقدم المفضول على الفاضل قبيحاً ، وهذا رأي على خلاف حكم العقل وبناء العقلاء .