الفهرس العام

حديث فدك (1)


عيادة نساء المدينة لها وخطابها لهن
وصية فاطمة (صلوات الله عليها)
خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام)
خبر وفاتها ودفنها وما جرى لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع القوم

  36 / 36 ـ حدثني أبو المفضل (2) محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن سعيد الزيات ، قال : حدثنا محمد بن الحسين القصباني (3) ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (4) السكوني ، عن أبان بن عثمان الأحمر ، عن أبان بن تغلب الربعي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منع فدك ...
  وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثنا أبي (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، قال حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري ، قال : حدثنا علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن عمته زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، قالت : لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكا ...
  وقال أبو العباس : وحدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري ، قال : حدثني (5) أبي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو بن عثمان الجعفي ، قال : حدثني أبي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن عمته (6) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، وغير واحد من (7) أن فاطمة لما أجمع أبو بكر على منعها فدكا ...

---------------------------
(1) في ( ع ) : زيادة : وما جرى بين فاطمة وبين أبي بكر في معنيها وكلامها له الحجة (كذا).
(2) في ( ط ) : الفضل.
(3) في ( ط ) : العضباني.
(4) زاد في ( ط ) : عن.
(5) في ( ع ) : حدثنا.
(6) (عمته) ليس في ( ع ، م ).
(7) (من) ليس في ( ط ).

دلائل الإمامة _ 110 _

  وحدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر ( بن مخلد ) (1) بن سهل ابن حمران الدقاق ، قال : حدثتني أم الفضل خديجة بنت محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قالت : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني ، قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز ابن يحيى الجلودي البصري ، قال : حدثنا محمد بن زكريا ، قال : حدثنا جعفر [بن محمد] بن عمارة الكندي ، قال : حدثني أبي ، عن الحسن بن صالح بن حي ـ قال : وما رأت عيناي مثله ـ قال : حدثني رجلان من بني هاشم ، عن زينب بنت علي (عليه السلام) ، قالت : لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منع فدك ، وانصراف وكيلها عنها ، لاثت خمارها ... وذكر الحديث.
  قال الصفواني : وحدثني محمد (2) بن محمد بن يزيد مولى بني هاشم ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن (3) ، عن جماعة من أهله ... وذكر الحديث.
  قال الصفواني : وحدثني أبي ، عن عثمان (4) ، قال : حدثنا نائل بن نجيح ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ... وذكر الحديث.
  قال الصفواني : وحدثنا عبد الله بن الضحاك (5) ، قال : حدثنا هشام بن محمد ،

---------------------------
(1) أضفناه من تاريخ بغداد 6 : 189 وأنساب السمعاني 1 : 264 ، ولقباه (الباقرحي) كما يأتي في أحاديث أخرى ، وهو من مشايخ النجاشي أيضا ، كان صدوقا ، صحيح الكتاب ، حسن النقل ، رجال النجاشي : 162 و 322.
(2) في شرح النهج : أحمد ، ورواه عنه الشيخ أحمد بن عبد العزيز الجوهري.
(3) في ( ط ، ع ، م ) : عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن.
وفي الحديث (38) وشرح النهج : عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله ، وفي موضع آخر (ج 16 / 233) : عبد الله بن حماد بن سليمان.
(4) في شرح النهج : عثمان بن عمران العجيفي.
(5) في شرح النهج : محمد بن الضحاك.

دلائل الإمامة _ 111 _

  عن أبيه وعوانة (1).
  قال الصفواني : وحدثنا ابن عائشة (2) ببعضه.
  وحدثنا العباس بن بكار ، قال : حدثنا حرب بن ميمون ، عن زيد بن علي ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قالوا : لما بلغ فاطمة (عليها السلام) إجماع أبي بكر على منعها فدك ، وانصرف عاملها منها ، لاثت خمارها ، ثم أقبلت في لمة (3) من حفدتها (4) ونساء قومها ، تطأ ذيولها ، ما تخرم مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، حتى دخلت على أبي بكر ، وقد حفل حوله المهاجرون والأنصار ، فنيطت دونها ملاءة ، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم أمهلت حتى هدأت فورتهم ، وسكنت روعتهم ، وافتتحت الكلام ، فقالت : ( أبتدئ بالحمد لمن هو أولى بالحمد والمجد والطول ) ثم قالت : ( الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والثناء على ما قدم ، من عموم نعم ابتدأها ، وسبوغ آلاء أسداها ، وإحسان منن والاها ، جم عن الاحصاء عددها ، ونأى عن المجازاة أمدها ، وتفاوت عن الادراك أبدها ، استدعى الشكور بأفضالها (5) ، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وأمر بالندب إلى أمثالها.
  وأشهد أن لا إله إلا الله ، كلمة جعل الاخلاص تأويلها ، وضمن القلوب موصولها ، وأبان في الفكر معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيته ، ومن الألسن صفته ، ومن الأوهام الإحاطة به ، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة

---------------------------
(1) في شرح النهج : عوانة بن الحكم ، وهو أبو الحكم الكوفي الضرير ، وصفوه بأنه كان عالما بالأخبار والآثار ، ثقة ، وكان عثمانيا ، وكان يضع أخبارا لبني أمية وله كتاب (سير معاوية وبني أمية) روى عنه هشام بن الكلبي ، انظر ترجمته في معجم الأدباء 16 : 134 ، لسان الميزان 4 : 386.
(2) وهو عبيد الله بن محمد بن حفص ، ويعرف بابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة ، وثقه أبو حاتم وغيره ، وروى بعض حديث فدك محمد بن زكريا ، عن ابن عائشة ، عن أبيه ، عن عمه ، انظر شرح النهج 16 : 216 ، سير أعلام النبلاء 10 : 564.
(3) أي في جماعة من نسائها ، قيل : هي ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل اللمة : المثل في السن ، والترب ( النهاية 4 : 273 ).
(4) الحفدة : الأعوان والخدم ( الصحاح ـ حفد ـ 2 : 466 ).
(5) في بلاغات النساء : واستثن الشكر بفضائلها ، وفي كشف الغمة : استتب الشكر بفضائلها.

دلائل الإمامة _ 112 _

  ( امتثلها ) (1) ، وضعها (2) لغير فائدة زادته ، بل إظهارا لقدرته ، وتعبد لبريته ، وإعزازا لأهل دعوته ، ثم جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة (3) لعباده عن نقمته ، وحياشة (4) لهم إلى جنته.
  وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله ، اختاره قبل أن يجتبله (5) ، واصطفاه قبل أن يبتعثه ، وسماه قبل أن يستنجبه (6) ، إذ الخلائق في الغيب مكنونة ، وبسد الأوهام (7) مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ، علما من الله في غامض الأمور ، وإحاطة من وراء حادثة الدهور ، ومعرفة بمواقع المقدور.
  ابتعثه الله إتماما لعلمه ، وعزيمة على إمضاء حكمه ، فرأى الأمم فرقا في أديانها ، عكفا على نيراها ، عابدة لأوثانها ، منكرة لله مع عرفانها ، فأنار الله بمحمد ظلمها ، وفرج عن القلوب بهمها (8) ، وجلا عن الأبصار عمهها ، وعن الأنفس غممها.
  ثم قبضه الله إليه قبض رأفة ورحمة ، واختيار ورغبة لمحمد عن تعب هذه الدار ، موضوعا عنه أعباء الأوزار ، محفوفا بالملائكة الأبرار ، ورضوان الرب الغفار ، ومجاورة الملك الجبار ، أمينه على الوحي ، وصفيه ورضيه ، وخيرته من خلقه ونجيه ، فعليه الصلاة والسلام (9) ، ورحمة الله وبركاته ).
  ثم التفتت إلى أهل المجلس (10) ، فقالت لجميع المهاجرين والأنصار : ( وأنتم عباد الله نصب أمره ونهيه ، وحملة دينه ووحيه ، وأمناء الله على أنفسكم ،

---------------------------
(1) من الاحتجاج.
(2) في ( ع ، م ) : سنأها.
(3) الذيادة : الطرد والدفع ( لسان العرب ـ ذود ـ 3 : 167 ).
(4) الحياشة : السوق والجمع ( لسان العرب ـ حوش ـ 6 : 290 ).
(5) جبله : أي خلقه ( القاموس المحيط ـ جبل ـ 3 : 356 ).
(6) انتجب فلانا واستنجبه : إذا استخلصه واصطفاه اختيارا على غيره ( لسان العرب ـ نجب ـ 1 : 748 ).
(7) في ( ع ) : بسر الأوهام ، وفي بلاغات النساء والاحتجاج : وبستر الأهاويل.
(8) في ( ط ) : شبهها.
(9) في ( ع ، م ) : خلقه وعليه السلام.
(10) في ( ط ، م ) : المسجد.

دلائل الإمامة _ 113 _

  وبلغاؤه إلى الأمم ، زعيم لله فيكم ، وعهد قدمه إليكم ، وبقية استخلفها عليكم : كتاب الله ، بينة بصائره ، وآي منكشفة سرائره ، وبرهان فينا متجلية ظواهره ، مديم للبرية استماعه ، وقائد إلى الرضوان أتباعه ، ومؤد إلى النجاة أشياعه ، فيه تبيان حجج الله المنورة (1) ، ومواعظه المكررة ، وعزائمه المفسرة ، ومحارمه المحذرة ، وأحكامه الكافية ، وبيناته الجالية ، وفضائله المندوبة ، ورخصه الموهوبة ، ورحمته المرجوة ، وشرائعه المكتوبة.
  ففرض الله عليكم الإيمان تطهيرا لكم من الشرك ، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر ، والزكاة تزييدا في الرزق ، والصيام إثباتا للاخلاص ، والحج تشييدا للدين ، والحق تسكينا للقلوب ، وتمكينا للدين ، وطاعتنا نظاما للملة ، وإمامتنا لما للفرقة ، والجهاد عزا للاسلام ، والصبر معونة على الاستيجاب (2) ، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة ، والنهي عن المنكر تنزيها للدين (3) ، والبر بالوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منماة للعدد ، وزيادة في العمر ، والقصاص حقنا للدماء ، والوفاء بالنذور (4) تعرضا للمغفرة ، ووفاء المكيال والميزان تغييرا للبخس (5) والتطفيف ، واجتناب قذف المحصنة حجابا عن اللعنة ، والتناهي عن شرب الخمور تنزيها عن الرجس ، ومجانبة السرقة إيجابا للعفة ، والتنزه عن أكل مال اليتيم والاستئثار به إجارة من الظلم ، والنهي عن الزنا تحصنا من المقت ، والعدل في الأحكام إيناسا للرعية ، وترك الجور في الحكم إثباتا للوعيد ، والنهي عن الشرك إخلاصا له بالربوبية.
  فاتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، ولا تتولوا مدبرين ، وأطيعوه فيما أمركم ونهاكم ، فإنما يخشى الله من عباده العلماء ، فاحمدوا الله الذي

---------------------------
(1) في ( ط ، ع ، م ) : المنيرة ، وما في المتن أنسب للسياق ، من بلاغات النساء والاحتجاج.
(2) الاستيجاب : الاستحقاق ( لسان العرب 1 : 793 ) وفي ( ط ) : الاستجابة ، وفي الاحتجاج : استيجاب الأجر.
(3) في ( ع ، م ) : هو الدين.
(4) في ( ط ) : بالعهود.
(5) في ( ع ، م ) وبلاغات النساء : تعييرا للبخسة.

دلائل الإمامة _ 114 _

  بعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة ، فنحن وسيلته في خلقه ، ونحن آل رسوله ، ونحن حجة غيبه ، وورثة أنبيائه ).
  ثم قالت : ( أنا فاطمة وأبي محمد ، أقولها عودا على بدء ، وما أقول إذ أقول سرفا ولا شططا * (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) * (1) إن تعزوه تجدوه أبي دون نسائكم ، وأخا ابن عمي دون رجالكم ، بلغ النذارة (2) صادعا بالرسالة ، ناكبا عن سنن المشركين ، ضاربا لأثباجهم (3) ، آخذا بأكظامهم (4) ، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، يجذ (5) الأصنام ، وينكت الهام (6) ، حتى انهزم الجمع ، وولوا الدبر ، وحتى تفرى (7) الليل عن صبحه ، وأسفر الحق عن محضه (8) ، ونطق زعيم الدين ، وهدأت فورة الكفر ، وخرست شقاشق الشيطان (9) ، وفهتم بكلمة الاخلاص.
  وكنتم على شفا حفرة من النار ، فأنقذكم منها نبيه ، تعبدون الأصنام ، وتستقسمون بالأزلام ، مذقة الشارب (10) ، ونهزة (11) الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ

---------------------------
(1) التوبة 9 : 128.
(2) في ( ع ، م ) : فبلغ النداء ، وفي الشافي والاحتجاج والطرائف : فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة.
(3) الثبج : ما بين الكاهل إلى الظهر ، ووسط الشئ ( الصحاح ـ ثبج ـ 1 : 301 ).
(4) يقال : أخذت بكظمه : أي بمخرج نفسه ، والجمع أكظام ( الصحاح ـ كظم ـ 5 : 2023 ).
(5) جذذت الشئ : كسرته وقطعته ( الصحاح ـ جذذ ـ 2 : 561 ).
(6) أي يرميها إلى الأرض. والهام : جمع الهامة وهي الرأس.
(7) تفرى : أي انشق ( الصحاح ـ فرا ـ 6 : 2454 ).
(8) محضه : أي خالصه وصريحه ( النهاية ـ محض ـ 4 : 302 ).
(9) شبهت الفصيح المنطيق بالفحل الهادر ، ولسانه بشقشقته ، ونسبتها إلى الشيطان لما يدخل فيه من الكذب والباطل ، وكونه لا يبالي بما قال. والشقاشق جمع شقشقة وهي لهاة البعير ( النهاية ـ شقق ـ 2 : 489 ، لسان العرب ـ شقق ـ 10 : 185 ).
(10) المذقة : الشربة من اللبن الممذوق (الممزوج بالماء) ( النهاية ـ مذق ـ 4 : 311 ).
(11) النهزة : الفرصة ( النهاية ـ نهز ـ 5 : 135 ).

دلائل الإمامة _ 115 _

  الأقدام ، تشربون الرنق (1) ، وتقتاتون القدة (2) ، أذلة خاشعين ، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) بعد اللتيا والتي (3) ، وبعد ما مني ببهم (4) الرجال ، وذوبان العرب (5) ، * ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) * (6) ، أو نجم (7) قرن الضلالة ، أو فغرت (8) فاغرة المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها (9) بأخمصه ، ويخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات الله ، قريبا من رسول الله ، سيدا في أولياء الله ، وأنتم في بلهنية (10) آمنون ، وادعون فرحون ، تتوكفون الأخبار ، وتنكصون عند النزال على الأعقاب ، حتى أقام الله بمحمد (صلى الله عليه وآله) عمود الدين.
  فلما اختار الله (عز وجل) له دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت حسيكة (11) النفاق ، وانسمل جلباب (12) الدين ، وأخلق ثوبه ، ونحل عظمه ، وأودت رمته (13) ، وظهر نابغ

---------------------------
(1) الرنق : تراب في الماء من القذى ونحوه ، وماء رنق : كدر ( لسان العرب ـ رنق ـ 10 : 126 ).
وفي المصادر : تشربون الطرق : أي الماء الذي خاضته الإبل وبالت فيه وبعرت ( النهاية ـ طرق ـ 3 : 123 ).
(2) القدة : السير يقد من جلد غير مدبوغ ، ( أقرب الموارد ـ قدد ـ 2 : 970 ).
(3) يريد الشدة العظيمة والصغيرة ، ( كتاب الأمثال : 256 / 882 ).
(4) البهم : جمع بهمة : الشجاع ، وقيل : هو الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى له من شدة بأسه ( لسان العرب ـ بهم ـ 12 : 58 ).
(5) يعني صعاليكهم ولصوصهم ، والذوبان : جمع ذئب ، والأصل فيه الهمز ، ( النهاية ـ ذوب ـ 2 : 171 ).
(6) المائدة 5 : 64.
(7) نجم : طلع وظهر ( لسان العرب ـ نجم ـ 12 : 568 ).
(8) فغرت : أي فتحت ( الصحاح ـ فغر ـ 2 : 782 ).
(9) الصماخ : ثقب الأذن ، وقيل : هو الأذن نفسها ( لسان العرب ـ صمخ ـ 3 : 34 ).
(10) البلهنية : السعة ( الصحاح ـ بله ـ 6 : 2227 ).
(11) الحسيكة : الضغن والعداوة ( الصحاح ـ حسك ـ 4 : 1579 ).
(12) أي بلي وأخلق ، والجلباب : الأزار والرداء ، وقيل : الملحفة.
(13) الرمة بالضم : قطعة من الحبل بالية ، والرمة بالكسر : العظام البالية ( الصحاح ـ رمم ـ 5 : 1937 ).

دلائل الإمامة _ 116 _

  ونبغ خامل ، ونطق كاظم (1) ، وهدر فنيق (2) الباطل يخطر (3) في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من معرسه (4) صارخا بكم ، فألفاكم غضابا ، فخطمتم (5) غير إبلكم ، وأوردتموها غير شربكم بدارا (6) ، زعمتم خوف الفتنة * ( ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) * (7).
  هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، فهيهات منكم ، وأين بكم ، وأنى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم ، زواجره لائحة ، وأوامره لامحة ، ودلائله واضحة ، وأعلامه بينة ، وقد خالفتموه رغبة عنه ، فبئس للظالمين بدلا ، ثم لم تلبثوا (8) إلا ريث أن تسكن نفرتها ، ويسلس قيادها ، تسرون (9) حسوا بارتغاء (10) ، أو نصبر منكم على مثل حز المدى ، وزعمتم أن لا إرث لنا ، أفحكم الجاهلية تبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون * ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) * (11).

---------------------------
(1) في بعض المصادر : ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الآفكين.
(2) الهدير : ترديد الصوت في الحنجرة ( الصحاح ـ هدر ـ 2 : 853 ).
الفنيق : الفحل المكرم من الإبل ( الصحاح ـ فنق ـ 4 : 1545 ).
(3) يخطر : من الخطران وهو الاهتزاز في المشي والتبختر ( الصحاح ـ خطر ـ 2 : 648 ).
(4) المعرس : اسم موضع من التعريس وهو نزول القوم في السفر من آخر الليل ، يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون ( الصحاح ـ عرس ـ 3 : 948 ) ، وفي ( ط ) : مغرزة.
(5) فخطمتم : من الخطام ، وهو كوي على شكل خط من أنف البعير إلى أحد خديه ، انظر ( النهاية ـ خطم ـ 2 : 50 ).
(6) بدارا : أي سراعا ( الصحاح ـ بدر ـ 2 : 586 ).
(7) التوبة 9 : 49.
(8) في ( ط ) : لم تريثوا شعثها ، وفي ( ع ) : لم ترتئوا أختها ، وفي ( م ) : لم تريثوا أختها ، وما في المتن من الشافي.
(9) في ( ع ، م ) : تشربون.
(10) مثل يضرب لمن يظهر أمرا وهو يريد غيره ، وأصله الرجل يؤتى باللبن فيظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها ، فيشربها مع اللبن ، انظر ( مجمع الأمثال 2 : 417 ، لسان العرب ـ رغا ـ 14 : 330 ).
(11) آل عمران 3 : 85 ، وما قبلها تضمين من سورة المائدة 5 : 50.

دلائل الإمامة _ 117 _

  أيها (1) معشر المسلمين ، أأبتز إرث أبي ، يا بن أبي قحافة ؟! أبى الله (عز وجل) (2) أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئا فريا ، جرأة منكم على قطيعة الرحم ، ونكث العهد ، فعلى عمد ما تركتم كتاب الله بين أظهركم ونبذتموه ، إذ يقول الله (عز وجل) : * (وورث سليمان داود) * (3).
  ومع ما (4) قص من خبر يحيى وزكريا إذ يقول * ( رب ... فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ) * (5).
  وقال (عز وجل) : * ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) * (6) وقال (تعالى) : * ( إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) * (7).
  فزعمتم أن لاحظ لي ، ولا أرث من أبي! أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها ؟! أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون (8) ؟! أو لست وأبي من أهل ملة واحدة ؟! أم أنتم بخصوص القرآن وعمومه أعلم من النبي ؟! دونكها (9) مرحولة مزمومة (10) تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، ونعم الزعيم (11) محمد ، والموعد القيامة ، وعما قليل تؤفكون ، وعند الساعة ما تحشرون ، و * ( لكل نبأ مستقر ) * (12) * ( فسوف تعلمون من يأتيه عذاب

---------------------------
(1) أيها : أي هيهات ، وأيها بمعنى كف واسكت ( الصحاح ـ أيه ـ 6 : 2226 ، لسان العرب ـ أيه ـ 13 : 474 ).
(2) في الاحتجاج : أفي كتاب الله.
(3) النمل 27 : 16.
(4) في ( ط ) : وفيما.
(5) مريم 19 : 4 ـ 6.
(6) النساء 4 : 11.
(7) البقرة 2 : 180.
(8) في ( ط ) : يتوارثان.
(9) في ( ط ) : ممن جاء به فدونكموها.
(10) مرحولة : من الرحل وهو مركب للبعير والناقة ، ( لسان العرب ـ رحل ـ 11 : 274 ) ، مزمومة : من الزمام وهو الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرفي المقود ( لسان العرب ـ زمم ـ 12 : 272 ).
(11) في ( ط ) : الخصيم.
(12) الأنعام 6 : 67.

دلائل الإمامة _ 118 _

  يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) * (1).
  ثم التفتت إلى قبر أبيها (صلوات الله عليهما) ، متمثلة بأبيات ، صفية بنت عبد المطلب (رحمها الله تعالى) :

قـد كـان بـعدك أنباء وهنبثة (2) لو كنت شاهدها لم تكثر iiالخطب
إنـا فـقدناك فـقد الأرض وابلها واجتث أهلك مذ غيبت iiواغتصبوا
أبـدت  رجال لنا فحوى (3) صدورهم لما نأيت وحالت دونك iiالكثب
تهضمتنا رجال (4) واستخف بنا دهر فقد أدركوا فينا (5) الذي طلبوا
قـد  كـنت للخلق نورا يستضاء به عليك تنزل من ذي العزة iiالكتب
وكـان جـبريل بـالآيات يؤنسنا فغاب عنا (6) فكل الخير iiمحتجب
  فقال أبو بكر لها : صدقت يا بنت رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، وعلى الكافرين عذابا أليما ، وكان ـ والله ـ إذا نسبناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخا ابن عمك دون الأخلاء (7) آثره على كل حميم ، وساعده على الأمر العظيم ، وأنتم عترة نبي الله الطيبون ، وخيرته المنتجبون ، على طريق الجنة (8) أدلتنا ، وأبواب الخير لسالكينا (9).
  فأما ما سألت ، فلك ما جعله أبوك ، مصدق قولك ، ولا أظلم حقك ، وأما ما سألت من الميراث فإن رسول الله قال : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ).
  فقالت فاطمة : ( يا سبحان الله! ما كان رسول الله لكتاب الله مخالفا ، ولا عن

---------------------------
(1) هود 11 : 39 ، الزمر 39 : 39 و 40.
(2) الهنبثة : الأمور الشداد ، والاختلاط في القول ( النهاية ـ هنبث ـ 5 : 278 ).
(3) في شرح النهج : نجوى.
(4) في ( ط ) : تهجمتنا ليال.
(5) في ( ط ) : منا.
(6) في ( ع ، م ) : عنها.
(7) في ( ط ) : الرجال.
(8) في ( ع ، م ) : على الآخرة.
(9) في ( ع ، م ) : وباب الجنة لسالكنا.

دلائل الإمامة _ 119 _

  حكمه صادفا ، لقد كان يلتقط أثره ، ويقتفي سيره ، أفتجمعون إلى الظلامة الشنعاء والغلبة الدهياء (1) ، اعتلالا بالكذب على رسول الله ، وإضافة الحيف (2) إليه ؟!
  ولا عجب إن كان ذلك منكم ، وفي حياته ما بغيتم له الغوائل ، وترقبتم به الدوائر ، هذا كتاب الله حكم عدل ، وقائل فصل ، عن بعض أنبيائه إذ قال : * ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) * (3).
  وفصل في بريته الميراث مما فرض من حظ الذكارة والإناث ، فلم سولت لكم أنفسكم أمرا ؟! فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون (4).
  قد زعمت أن النبوة لا تورث ، وإنما يورث ما دونها ، فما لي امنع إرث أبي ؟ أأنزل الله في كتابه : ( إلا فاطمة بنت محمد ؟ فدلني عليه أقنع به ).
  فقال لها أبو بكر : يا بنت رسول الله ، أنت عين الحجة ، ومنطق الحكمة ، لا أدلي بجوابك ، ولا أدفعك عن صوابك ، ولكن المسلمون بيني وبينك ، هم قلدوني ما تقلدت ، وأتوني ما أخذت وتركت ، قال : فقالت فاطمة (عليها السلام) لمن بحضرته : ( أيها الناس ، أتجتمعون إلى المقبل بالباطل والفعل الخاسر ؟! لبئس ما اعتاض المبطلون (5) ، وما يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، أما والله لتجدن محملها ثقيلا ، وعبأها وبيلا ، إذا كشف لكم الغطاء ، فحينئذ لات حين مناص ، وبدا لكم من الله ما كنتم تحذرون ).
  قال : ولم يكن عمر حاضرا ، فكتب لها أبو بكر إلى عامله برد فدك كتابا ، فأخرجته في يدها ، فاستقبلها عمر ، فأخذه منها وتفل فيه ومزقه ، وقال : لقد خرف ابن أبي قحافة ، وظلم.
  فقالت له : ( مالك ؟ لا أمهلك الله ، وقتلك ، ومزق بطنك ) ، وأتت من فورها ذلك

---------------------------
(1) الدهياء : تعظيم الداهية : الأمر المنكر العظيم ( لسان العرب ـ دها ـ 14 : 275 ).
(2) في ( ع ) : الخرف ، وفي ( م ) : الخوف.
(3) مريم 19 : 6.
(4) تضمين من سورة يوسف 12 : 18.
(5) في ( ط ) : المسلمون.

دلائل الإمامة _ 120 _

  الأنصار ، فقالت : ( معشر البقية ، وأعضاد الملة ، وحضنة الاسلام ، ما هذه الغميزة في حقي ، والسنة (1) عن ظلامتي ، أما كان رسول الله أمر بحفظ المرء في ولده ؟ فسرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة (2).
  أتقولون مات محمد فخطب جليل ، استوسع وهيه (3) ، واستنهر فتقه (4) ، وفقد راتقه ، فأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأب خيرة الله لمصيبته ، وأكدت الآمال (5) ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأذيلت (6) الحرمة بموت محمد ، فتلك نازلة أعلن بها كتاب الله في أفنيتكم ممساكم ومصبحكم هتافا ، ولقبل ما خلت له أنبياء الله ورسله * ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) * (7).
  أبني قيلة (8) ، اهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع! تلبسكم الدعوة ، ويشملكم الجبن ، وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن (9) وأنتم نخبة الله التي امتحن ، ونحلته التي انتحل ، وخيرته التي انتخب لنا أهل البيت ، فنابذتم فينا العرب ، وناهضتم الأمم وكافحتم البهم ، لا نبرح وتبرحون ، ونأمركم فتأتمرون ، حتى دارت بنا

---------------------------
(1) السنة : الغفلة ( أساس البلاغة ـ وسن ـ : 499 ).
(2) عجلان ذا إهالة : مثل معروف ، يراد به ما أسرع ما كان هذا الأمر! وفيه ثلاث كلمات : سرعان ، عجلان ، وشكان ، انظر ، جمهرة الأمثال 1 : 519 ، مجمع الأمثال 1 : 336.
(3) الوهي : الشق أو الخرق في الشئ ( لسان العرب ـ وهي ـ 15 : 417 ).
(4) يقال : طعنة طعنة أنهر فتقها : أي وسعه ( لسان العرب ـ نهر ـ 5 : 237 ).
(5) أكدى الرجل : أخفق ولم يظفر بحاجته ( أساس البلاغة ـ كدى ـ : 389 ).
(6) أذيلت : أهينت ( أساس البلاغة ـ ذيل ـ : 148 ).
(7) آل عمران 3 : 144.
(8) أرادت الأوس والخزرج ، قبيلتي الأنصار ، وقيلة : اسم أم لهم قديمة ، وهي قيلة بنت كاهل ( النهاية ـ قيل ـ 4 : 134 ).
(9) الجنن هنا الدار أيضا ، ويقال لكل ما ستر : جن وأجن.
ولعلها الجنن بالضم ، جمع الجنة ، وهو كل ما واراك من السلاح واستترت به ، انظر ( لسان العرب ـ جنن ـ 13 : 92 و 94 ) ، وفي ( ط ) : الخيرة.

دلائل الإمامة _ 121 _

  وبكم رحى الاسلام ، ودر حلب البلاد ، وخضعت بغوة الشرك ، وهدأت روعة الهرج ، وخبت نار الحرب ، واستوسق (1) نظام الدين ، فأنى جرتم بعد البيان ، ونكصتم بعد الإقدام ، عن قوم * ( نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) * (2).
  ألا أرى والله أن (قد) أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فعجتم (3) عن الدين ومججتم (4) الذي استوعيتم ، ودسعتم (5) ما استرعيتم ، ألا و * ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد * ألم يأتكم نبؤا الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) * (6).
  ألا وقد قلت الذي قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، ولكنها فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وبثة الصدر ، ومعذرة الحجة ، فدونكم فاحتقبوها (7) دبرة الظهر (8) ، ناقبة الخف ، باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ، إنها عليهم مؤصدة ، في عمد ممددة.
  فبعين الله ما تفعلون ، * ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) * (9) ، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون ، * ( وسيعلم

---------------------------
(1) استوسق الأمر : انتظم ( المعجم الوسيط ـ وسق ـ 2 : 1032 ).
(2) التوبة 9 : 12.
(3) عاج عن الأمر : انصرف ( المعجم الوسيط ـ عوج ـ 2 : 634 ).
(4) مججتم : رميتم ( لسان العرب ـ مجج ـ 2 : 361 ).
(5) الدسع : القئ ( لسان العرب ـ دسع ـ 8 : 84 ).
(6) إبراهيم 14 : 8 و 9.
(7) احتقب الشئ : أردفه أو ادخره ، ( المعجم الوسيط ـ حقب ـ 1 : 187 ).
(8) الدبرة : القرحة والجرح الذي يكون في ظهر الدابة والبعير ( لسان العرب ـ دبر ـ 4 : 273 ).
(9) الشعراء 26 : 227 ، وما قبلها تضمين من سورة الهمزة 104 : 6 ـ 9.

دلائل الإمامة _ 122 _

  الكفار لمن عقبى الدار ) * ، * ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) * ، * ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) * ، * ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) * (1) وكان الأمر قد قصر ).
  ثم ولت ، فأتبعها رافع بن رفاعة الزرقي ، فقال لها : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن تكلم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ، ما عدلنا به أحدا.
  فقالت له بردنها : ( إليك عني ، فما جعل الله لأحد بعد غدير خم من حجة ولا عذر ).
  قال : فلم ير باك ولا باكية كان أكثر من ذلك اليوم ، وارتجت المدينة ، وهاج الناس ، وارتفعت الأصوات.
  فلما بلغ ذلك أبا بكر قال لعمر : تربت يداك ، ما كان عليك لو تركتني ، فربما رفأت الخرق ورتقت الفتق ؟! ألم يكن ذلك بنا أحق ؟!
  فقال الرجل : قد كان في ذلك تضعيف سلطانك ، وتوهين كفتك ، وما أشفقت إلا عليك.
  قال : ويلك ، فكيف بابنة محمد وقد علم الناس ما تدعو إليه ، وما نجن (2) لها من الغدر عليه.
  فقال : هل هي إلا غمرة (3) انجلت ، وساعة انقضت ، وكأن ما قد كان لم يكن ، وأنشده : ما قد مضى مما مضى كما مضى وما مضى مما مضى قد انقضى أقم الصلاة وآت الزكاة ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، ووفر الفئ ، وصل القرابة ، فإن الله يقول : * ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى

---------------------------
(1) الرعد 13 : 42 ، التوبة 9 : 105 ، الاسراء 17 : 13 ، الزلزلة 99 : 7 و 8.
(2) نجن : نستر ، انظر ( أساس البلاغة ـ جنن ـ : 66 ).
(3) الغمرة : الشدة ( المعجم الوسيط ـ غمر ـ 2 : 661 ).

دلائل الإمامة _ 123 _

  للذاكرين ) * (1) ، ويقول : * ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) * (2) وقال : * ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) * (3) ذنب واحد في حسنات كثيرة ، قلدني ما يكون من ذلك.
  قال : فضرب بيده على كتفه ، ثم قال : رب كربة فرجتها ، يا عمر.
  ثم نادى الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، ما هذه الرعة (4) ، ومع كل قالة (5) أمنية ؟! أين كانت هذه الأماني في عهد نبيكم ؟! فمن سمع فليقل ، ومن شهد فليتكلم ، كلا بل هو ثعالة شهيده ذنبه (6) لعنه الله ، وقد لعنه الله ، مرب (7) لكل فتنة ، يقول : كروها جذعة (8) ، ابتغاء الفتنة من بعد ما هرمت ، كأم طحال (9) أحب أهلها الغوى (10) ، ألا لو شئت أن أقول لقلت ، ولو تكلمت لبحت ، وإني ساكت ما تركت ، يستعينون بالصبية (11) ،

---------------------------
(1) هود 11 : 114.
(2) الرعد 13 : 39.
(3) آل عمران 3 : 135.
(4) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 16 : 215 : قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري وقلت له : بمن يعرض ؟ فقال بعلي بن أبي طالب ، إنه الملك يا بني ، إن الأنصار هتفوا بذكر علي فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم ، قال ابن أبي الحديد : فسألته عن غريبه ، فقال : أما الرعة ـ بالتخفيف ـ أي الاستماع والاصغاء.
(5) والقالة : القول.
(6) قال النقيب أبو يحيى : ثعالة : اسم الثعلب ، علم غير مصروف ، وشهيده ذنبه ، أي لا شاهد له على ما يدعي إلا بعضه وجزء منه.
(7) قال : مرب : ملازم.
(8) قال : كروها جذعة : أعيدوها ، إلى الحال الأولى ، يعني الفتنة والهرج.
(9) قال : وأم طحال : امرأة بغي في الجاهلية ، ويضرب بها المثل فيقال : أزنى من أم طحال.
(10) في شرح النهج : أحب أهلها إليها البغي.
(11) في ( ع ، م ) : بالصعبة ، ولعلها تصحيف الضعفة كما في شرح النهج.

دلائل الإمامة _ 124 _


  ويستنهضون النساء ، وقد بلغني ـ يا معشر الأنصار ـ مقالة سفهائكم ـ فوالله ـ إن أحق الناس بلزوم عهد رسول الله أنتم ، لقد جاءكم فآويتم ونصرتم ، وأنتم اليوم أحق من لزم عهده ، ومع ذلك فاغدوا على أعطياتكم ، فإني لست كاشفا قناعا ، ولا باسطا ذراعا ، ولا لسانا إلا على من استحق ذلك ، والسلام.
  قال : فأطلعت أم سلمة رأسها من بابها وقالت : ألمثل فاطمة بنت رسول الله يقال هذا ، وهي الحوراء بين الإنس ، والإنس (1) للنفس ، ربيت في حجور الأنبياء ، وتداولتها أيدي الملائكة ، ونمت في حجور (2) الطاهرات ، ونشأت خير منشأ ، وربيت خير مربى ؟! أتزعمون أن رسول الله حرم عليها ميراثه ولم يعلمها ؟! وقد قال الله له : * ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) * (3) ؟ أفأنذرها وجاءت تطلبه وهي خيرة النسوان ، وأم سادة الشبان ، وعديلة مريم ابنة عمران ، وحليلة ليث الاقران ، تمت بأبيها رسالات ربه ، فوالله لقد كان يشفق عليها من الحر والقر ، فيوسدها يمينه ، ويلحفها بشماله ، رويدا فرسول الله بمرأى لغيكم (4) ، وعلى الله تردون ، فواها لكم وسوف تعلمون.
  قال : فحرمت أم سلمة تلك السنة عطاءها ، ورجعت فاطمة (عليها السلام) إلى منزلها فتشكت (5).
  قال أبو جعفر (6) : نظرت في جميع الروايات ، فلم أجد فيها أتم شرح ، وأبلغ في الالزام ، وأوكد بالحجة من هذه الرواية ، ونظرت إلى رواية عبد الرحمن بن كثير فوجدته قد زاد في هذا الموضع : أنسيتم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبدأ بالولاية : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) وقوله ( إني تارك فيكم الثقلين ... ) ؟! ما أسرع ما أحدثتم! وأعجل ما

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : النفس.
(2) في ( ط ) : المغارس
(3) الشعراء 26 : 214.
(4) في ( ط ) : لأعينكم.
(5) في ( ط ) : فشكت.
(6) (قال أبو جعفر) ليس في ( ع ، م ).

دلائل الإمامة _ 125 _


  نكصتم (1)!.
  وهو في بقية الحديث على السياقة.

عيادة نساء المدينة لها وخطابها لهن

  37 / 37 ـ حدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد ابن محمد بن سعيد الهمداني ، قال : حدثني محمد بن المفضل بن إبراهيم بن المفضل بن قيس الأشعري ، قال : حدثنا علي بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) ، قال : لما رجعت فاطمة إلى منزلها فتشكت وكان وفاتها في هذه المرضة ، دخل إليها النساء المهاجرات والأنصاريات ، فقلن لها : كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟
  فقالت : ( أصبحت والله عائفة (2) لدنياكم ، قالية (3) لرجالكم ، شنأتهم (4) بعد إذ عرفتهم ولفظتهم (5) بعد إذ سبرتهم (6) ، ورميتهم بعد أن عجمتهم (7) ، فقبحا لفلول

---------------------------
(1) روى خطبة الزهراء (عليها السلام) السيد الشريف المرتضى في الشافي 4 : 69 ـ 77 ، والشيخ الطوسي في تلخيص الشافي 3 : 139 عن المرزباني بطريقين وابن طيفور في بلاغات النساء : 21 ، وأخرجه ابن طاوس في الطرائف : 263 عن كتاب الفائق عن الأربعين للشيخ أسعد بن سقروة ، عن الحافظ الثقة ابن مردويه في كتاب المناقب.
والخوارزمي في مقتل الحسين (عليه السلام) 1 : 77 عن الحافظ أبي بكر.
وفي كشف الغمة 1 : 480 عن كتاب السقيفة للجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلفها سنة (322 هـ).
وفي شرح النهج 16 : 211 و 249 عن كتابي السقيفة والشافي ، وفي الاحتجاج : 97 عن عبد الله بن الحسن.
(2) عائفة : كارهة.
(3) قالية : مبغضة.
(4) شنأتهم : أبغضتهم.
(5) لفظتهم ، اللفظ : طرح الشئ من الفم كراهة له.
(6) سبرتهم : امتحنتهم.
(7) عجمه : ابتلاه واختبره ( الصحاح ـ عجم ـ 5 : 1981 ) ، (ورميتهم بعد أن عجمتهم) ليس في ( ع ، م ).

دلائل الإمامة _ 126 _


  الحد (1) وخطل (2) الرأي وعثور الجد ، وخوف الفتن (3) ، * ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) * (4) ، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها (5) ، وشننت (6) عليهم عارها ، فجدعا (7) وعقرا وبعدا للقوم الظالمين.
  ويحهم أنى (8) زحزحوها (9) عن رواسي (10) الرسالة ، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين بالوحي المبين ، الطبين (11) بأمر الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين ! ما الذي نقموا من أبي حسن ؟ نقموا ـ والله ـ منه شدة وطأته ونكال وقعته ، ونكير سيفه ، وتبحره في كتاب الله ، وتنمره (12) في ذات الله.
  وأيم الله لو تكافوا (13) عن زمام نبذه إليه رسول الله لاعتلقه (14) ثم لسار بهم

---------------------------
(1) فلول السيف : كسور في حده ( الصحاح ـ فلل ـ 5 : 1792 ) ، وفي ( ع ، م ) : لقول الخذل.
(2) الخطل : الاضطراب.
(3) في ( ع ) : القبر ، وفي ( م ) : الغبن.
(4) المائدة 5 : 80.
(5) الربقة ما يكون في عنق الغنم وغيرها من الخيوط.
(6) شننت : صببت.
(7) يقال : جدعا له ، هو دعاء معناه ألزمه الله الجدع ، أي قطع عنه الخير وجعله ناقصا معيبا.
(8) في ( ع ، م ) : لئن.
(9) زحزحوها : نحوها.
(10) الرواسي : الأصول الثابتة ، وكذلك القواعد.
(11) الطبين : العالمين ، وفي ( ع ، م ) : والظنين.
(12) تنمره : أي تغضبه ، يقال : تنمر الرجل إذا غضب وتشبه بالنمر.
(13) تكافوا : أي كفوا أيديهم عنه.
(14) لاعتلقه : لأخذه بيده.

دلائل الإمامة _ 127 _


  سيرا سجحا (1) ، لا يكلم (2) خشاشه (3) ، ولا يتعتع (4) راكبه ، ولا وردهم منهلا (5) رويا صافيا فضفاضا (6) تطفح ضفتاه ، ثم لأصدرهم بطانا (7) قد تخير لهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعه سورة الساغب (8) ، ولانفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكنهم بغوا فسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا فاسمعن ، ومن عاش أراه الدهر العجب ، وإن تعجبن فانظرن إلى أي نحو اتجهوا ؟ وعلى أي سند استندوا ؟ وبأي عروة تمسكوا ؟ ولمن اختاروا ؟ ولمن تركوا ؟ لبئس المولى ، ولبئس العشير.
  استبدلوا والله الذناني (9) بالقوادم (10) ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس (11) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، * ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) * (12) ؟

---------------------------
(1) السجح : السير السهل.
(2) لا يكلم : لا يجرح ولا يدمي.
(3) الخشاش : ما يكون في أنف البعير من الخشب.
(4) لا يتعتع : أي لا يكره ولا يقلق.
(5) المنهل : مورد الماء.
(6) فضفاضا : كثيرا.
(7) البطان : جمع بطين ، وهو الريان.
(8) غير متحل منه بطائل : أي كان لا يأخذ من مالهم قليلا ولا كثيرا.
إلا بغمر الماء : أي كان يشرب بالغمر ، والغمر : القدح الصغير.
وردعه سورة الساغب : أي كان يأكل من ذلك قدر ما يردع ثوران الجوع.
(9) الذنابي : ما يلي الذنب من الجناح.
(10) القوادم : ما تقدم منه.
(11) المعاطس : الأنوف.
(12) يونس 10 : 35.

دلائل الإمامة _ 128 _

  أما لعمر الله لقد لقحت ، فانظروها تنتج (1) ثم احتلبوا طلاع القعب (2) دما عبيطا (3) وذعافا (4) ممقرا (5) ، هنالك خسر المبطلون ، وعرف التالون غب ما أسس الأولون. ثم طيبوا بعد ذلك نفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا (6) ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج (7) شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم (8) حصيدا ، فيا خسرى (9) لكم ، وكيف بكم وقد عميت عليكم ؟ * ( أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ) * ؟! ) (10).
  38 / 38 ـ وحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر الباقرحي ، قال : حدثني أم الفضل خديجة بنت أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قالت : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد الصفواني ، قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، قال : حدثني محمد بن زكريا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمان المهلبي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن سليمان المدائني ، قال : حدثني أبي ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ، قالت : لما اشتدت علة فاطمة (عليها السلام) اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار ، فقلن لها : يا بنت رسول الله كيف أصبحت ؟ فقالت :

---------------------------
(1) تنتج : تلد.
(2) ثم احتلبوا طلاع القعب : أي ملؤه ... ، والقعب : القدح الكبير من الخشب.
(3) الدم العبيط : الطري.
(4) الذعاف : السم.
(5) الممقر : المر.
(6) أي مروعة للقلب من شدة الفزع.
(7) الهرج : الفتنة ، وشدة القتل.
(8) في معاني الأخبار : زرعكم.
(9) في معاني الأخبار : فيا حسرتي.
(10) رواه في معاني الأخبار : 354 / 1 بطريقين ، وفيه سؤال الشيخ الصدوق من الشيخ الأديب أبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري شرح غريب هذا الحديث ومعانيه ، وقد ذكرنا هذا الشرح في الهامش ، أمالي الطوسي 1 : 384 ، الاحتجاج 1 : 108 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 233 ، والآية من سورة هود 11 : 28.

دلائل الإمامة _ 129 _


  ( أصبحت عائفة لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ، وسئمتهم بعد أن سبرتهم ، فقبحا لفلول الحد ، وخور القناة وخطل الرأي ، * ( لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ) * (1) ، لقحت ، فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممقرا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون.
  طم طيبوا عن أنفسكم أنفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا خسرى لكم ، وأنى بكم وقد عميت عليكم ؟ * ( أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ) * (2) والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على أبي سيد المرسلين ) (3).

وصية فاطمة (صلوات الله عليها)

  39 / 39 ـ حدثني أبو إسحاق الباقرحي ، قال : حدثتني خديجة ، قالت : حدثنا أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو أحمد الجلودي ، قال : حدثنا أبو موسى إسحاق بن موسى الأنصاري ، قال : حدثنا عاصم بن حميد بن يحيى بن سليمان (4) ، قال : قال لي محمد بن علي (عليهما السلام) : ألا أقرئك (5) وصية فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
  قال : فأخرج إلي سفطا في حق ، وأخرج منه كتابا فيه : ( هذا ما أوصت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بحوائطها السبعة : ذي الحسنى ، والساقية ، والدلال ، والغراف (6) ، والرقمة ، والهيثم ، وما لأم إبراهيم إلى علي بن

---------------------------
(1) المائدة : 5 : 80.
(2) هود 11 : 28.
(3) راجع مصادر الحديث المتقدم.
(4) في الكافي : عاصم بن حميد ، عن أبي بصير.
(5) في ( ط ) : أريك.
(6) في ( م ) : العراف ، وفي الكافي : العواف ، وفيه اختلاف يسير في سائر الأسماء.

دلائل الإمامة _ 130 _


  أبي طالب (عليه السلام) ، ومن (1) بعد علي فإلى الحسن ، ومن (2) بعد الحسن فإلى الحسين ، ومن (3) بعد الحسين فإلى الأكبر فالأكبر من ولدي (4) ، شهد الله على ذلك ، وكفى به شهيدا ، وشهد المقداد بن الأسود ، والزبير بن العوام ، وكتب علي بن أبي طالب ) (5).
  40 / 40 ـ وحدثني أبو إسحاق الباقرحي ، قال : حدثتني خديجة ، قالت : حدثنا أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا محمد بن (6) بغدان ، قال : حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي (7) ، قال : حدثنا عبد الله بن سعيد الأموي ، أبو صفوان (8) ، عن ابن جريج (9) ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه (عليهم السلام) : أن فاطمة (عليها السلام) (10) أوصت لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله) لكل واحدة منهن باثنتي (11) عشرة أوقية ، ولنساء بني هاشم مثل ذلك : وأوصت لأمامة بنت أبي العاص (12) بشئ (13).
  41 / 41 ـ وحدثني أبو إسحاق الباقرحي ، قال : حدثتنا خديجة ، قالت : أخبرنا أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو أحمد الجلودي ، قال : حدثنا زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا

---------------------------
(1 ـ 3) في ( ع ، م ) : وأن.
(4) في ( ط ) : ولده.
(5) نحوه في الكافي 7 : 48 / 5 و 49 / 6 وكشف الغمة 1 : 499.
(6) (محمد بن) ليس في ( ط ).
(7) في ( ط ، ع ، م ) : الثوري ، تصحيف ، صوابه ما في المتن نسبه إلى بلدة توز من بلاد فارس ، انظر ( أنساب السمعاني 1 : 491 ، تهذيب التهذيب 9 : 233 ).
(8) هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبو صفوان ، روى عن عبد الملك بن جريج ، وروى عنه أبو يعلى التوزي.
وفي ( ط ، ع ، م ) : قال : حدثنا أبو صفوان ، انظر ( تهذيب الكمال 15 : 35 ).
(9) وهو عبد الملك بن جريج.
(10) في ( ع ، م ) : عن أبيه ، عن فاطمة (عليها السلام) أنها.
(11) في ( ط ) : اثنتا.
(12) وهي ابنة زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، تزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصية من فاطمة (سلام الله عليها) ، بعد وفاتها ، انظر ( معجم رجال الحديث 23 : 181 ، سير أعلام النبلاء 1 : 335 ).
(13) البحار 43 : 218 / 50.

دلائل الإمامة _ 131 _


  الربيع بن سليمان المرادي (1) ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن شافع (2) ، قال : أخبرني عبد الله بن الحسن بن الحسن ، عن زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) تصدقت بمالها على بني هاشم وبني عبد المطلب ، وأن عليا تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم (3).

خبر منامها قبل وفاتها (عليها السلام)

  42 / 42 ـ روى أبو بكر أحمد بن محمد الخشاب الكرخي ، قال : حدثنا زكريا ابن يحيى الكوفي ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن أبيه ، قال : حدثني محمد بن الحسن ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما ترك إلا الثقلين ، كتاب الله وعترته أهل بيته ، وكان قد أسر إلى فاطمة (صلوات الله عليها) أنها لاحقة به ، وأنها أول أهل بيته لحوقا.
  قالت (صلى الله عليها) : بينا أنا بين النائمة واليقظى بعد وفاة أبي بأيام ، إذ رأيت كان أبي قد أشرف علي ، فلما رأيته لم أملك نفسي أن ناديت : يا أبتاه ، انقطع عنا خبر السماء ، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفا ، يقدمها ملكان ، حتى أخذاني فصعدا بي إلى السماء ، فرفعت رأسي فإذا أنا بقصور مشيدة وبساتين وأنهار تطرد ، وقصر بعد قصر ، وبستان بعد بستان ، وإذا قد اطلع علي من تلك القصور جواري كأنهن اللعب ، وهن يتباشرن ويضحكن إلي ، ويقلن : مرحبا بمن خلقت الجنة وخلقنا من أجل أبيها.
  فلم تزل الملائكة تصعد بي حتى أدخلوني إلى دار فيها قصور ، في كل قصر من

---------------------------
(1) في ( ط ) : الرازي ، تصحيف صوابه ما في المتن ، وهو أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المصري المؤذن المرادي ، صاحب الشافعي وراوي كتب الأمهات عنه ، ويروي عنه زكريا بن يحيى الساجي ، انظر ( تهذيب الكمال 9 : 87 ).
(2) في ( ط ، ع ، م ) : عمر بن محمد بن علي بن شافع ، وما في المتن هو الصواب ، كما في سنن البيهقي ، وهو محمد بن علي بن شافع بن السائب المطلبي المكي ، روى عنه الشافعي ووثقه ، انظر ( تهذيب التهذيب 9 : 353 ).
(3) سنن البيهقي 6 : 161 و 183.

دلائل الإمامة _ 132 _

  البيوت ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت (1) ، وفيها من السندس والإستبرق على الأسرة الكثير ، وعليها ألحاف من ألوان (2) الحرير والديباج وآنية (3) الذهب والفضة ، وفيها موائد عليها من ألوان الطعام ، وفي تلك الجنان نهر مطرد أشد بياضا من اللبن ، وأطيب رائحة من المسك الأذفر ، فقلت : لمن هذه الدار ؟ وما هذا النهر (4) ؟
  فقالوا : هذه الدار هي الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنة ، وهي دار أبيك ومن معه من النبيين ومن أحب الله.
  قلت : فما هذا النهر ؟
  قالوا : هذا الكوثر الذي وعده الله أن يعطيه إياه.
  قلت : فأين أبي ؟
  قالوا : الساعة يدخل عليك.
  فبينا أنا كذلك إذ برزت لي قصور هي أشد بياضا من تلك (5) القصور ، وفرش هي أحسن من تلك الفرش ، وإذا أنا بفرش مرتفعة على أسرة ، وإذا أبي (صلى الله عليه وآله) جالس على تلك الفرش ، ومعه جماعة ، فلما رآني أخذني فضمني وقبل ما بين عيني ، وقال : مرحبا بابنتي ، وأخذني وأقعدني في حجره ، ثم قال لي : يا حبيبتي ، أما ترين ما أعد الله لك وما تقدمين عليه ! فأراني قصورا مشرفات ، فيها ألوان الطرائف والحلي والحلل ، وقال : هذه مسكنك ومسكن زوجك وولديك ومن أحبك وأحبهما ، فطيبي نفسا فإنك قادمة علي إلى أيام.
  قالت : فطار قلبي ، واشتد شوقي ، وانتبهت من رقدتي (6) مرعوبة.

---------------------------
(1) (ولا أذن سمعت) ليس في ( ع ، م ).
(2) في ( ط ) : اللحاف من ، و ( م ) : عليها من ألوان.
(3) في ( ط ) : والديباج بألوان ومن أواني.
(4) في ( ط ) : هذه الأنهار.
(5) في ( ع ، م ) : بياضا وأنور من تلك.
(6) (من رقدتي) أثبتناها من ( م ).

دلائل الإمامة _ 133 _


  قال أبو عبد الله (عليه السلام) : قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : فلما انتبهت من مرقدها صاحت بي ، فأتيتها وقلت لها : ما تشكين ؟ فخبرتني بخبر الرؤيا.
  ثم أخذت علي عهدا لله ورسوله أنها إذا توفيت لا أعلم أحدا إلا أم سلمة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وأم أيمن ، وفضة ، ومن الرجال ابنيها ، و عبد الله بن عباس ، وسلمان الفارسي ، وعمار بن ياسر ، والمقداد ، وأبا ذر ، وحذيفة ، وقالت : إني قد أحللتك من أن تراني بعد موتي ، فكن مع النسوة فيمن يغسلني ، ولا تدفني إلا ليلا ، ولا تعلم أحدا قبري.
  فلما كانت الليلة التي أراد الله أن يكرمها ويقبضها إليه ، أقبلت (1) تقول : وعليكم السلام.
  وهي تقول لي : يا بن عم ، قد أتاني جبرئيل مسلما ، وقال لي : السلام يقرئك (2) السلام ، يا حبيبة حبيب الله ، وثمرة فؤاده ، اليوم تلحقين به في الرفيع (3) الأعلى وجنة المأوى ، ثم انصرف عني.
  ثم سمعناها ثانيا تقول : وعليكم السلام ، فقالت : يا بن عم ، هذا والله ميكائيل يقول لي كقول صاحبه.
  ثم أخذت ثالثا (4) تقول : وعليكم السلام.
  ورأيناها قد فتحت عينيها فتحا شديدا ثم قالت : يا بن عم ، هذا والله الحق وهو عزرائيل قد نشر جناحه بالمشرق والمغرب ، وقد وصفه لي أبي ، وهذه صفته.
  فسمعناها تقول : وعليك السلام يا قابض الأرواح ، عجل بي ولا تعذبني ، ثم سمعناها تقول : إليك ربي لا إلى النار ، ثم غمضت عينيها ، ومدت يديها ورجليها ، كأنها لم تكن حية قط (5).

---------------------------
(1) في ( ط ) : أخذت.
(2) في ( ع ) : يقرأ عليك.
(3) في ( ع ، م ) : تلحقين بالرفيع.
(4) (أخذت ثالثا) ليس في ( ع ، م ).
(5) ـ البخار 43 : 207 / 36.

دلائل الإمامة _ 134 _


  ويروى (1) غير ذلك وهو خبر صعب شديد.

خبر وفاتها ودفنها وما جرى لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع القوم

  43 / 43 ـ حدثني أبو الحسين محمد بن هارون بن موسى التلعكبري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني (2) أبو علي محمد بن همام بن سهيل (رضي الله عنه) ، قال : روى أحمد ابن محمد بن البرقي ، عن أحمد بن محمد الأشعري القمي ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران (3) ، عن عبد الله بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال : ولدت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة ، يوم العشرين منه ، سنة خمس وأربعين من مولد (4) النبي (صلى الله عليه وآله).
  وأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين ، وبعد وفاة أبيها خمسة وسبعين يوما.
  وقبضت في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه ، سنة إحدى عشرة من الهجرة.
  وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى عمر لكزها بنعل السيف (5) بأمره ، فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضا شديدا ، ولم تدع أحدا ممن آذاها يدخل عليها.
  وكان الرجلان من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) سألا أمير المؤمنين أن يشفع لهما إليها (6) ، فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأجابت ، فلما دخلا عليها قالا لها : كيف أنت يا

---------------------------
(1) في ( ط ) : وروي في وفاتها.
(3) في ( م ) : حدثنا.
(3) راجع تعليقنا على الحديث (18).
(4) في ( ع ، م ) : ولد.
(5) نعل السيف : ما يكون في أسفل غمد السيف من حديد أو فضة ونحوهما ( الصحاح ـ نعل ـ 5 : 1832 ).
(6) شفع له إلى فلان : طلب أن يعاونه ويسعى له ( أقرب الموارد ـ شفع ـ 1 : 599 ).

دلائل الإمامة _ 135 _

  بنت رسول الله ؟
  قالت : بخير بحمد الله.
  ثم قالت لهما : ما سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول : ( فاطمة بضعة مني ، فمن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ) ؟ قالا : بلى.
  قالت : فوالله ، لقد آذيتماني.
  قال : فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما (1).
  44 / 44 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ابن حفص الخثعمي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي ، قال : حدثنا عبيد بن ذكوان ، عن أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي ، قال : حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين وهو آخذ بشعره ، قال : سمعت أبي الحسين ابن علي وهو آخذ بشعره ، قال : سمعت أبي أمير المؤمنين وهو آخذ بشعره ، قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره يقول : من آذى شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله (عز وجل) لعنه ملء السماوات وملء الأرضين (2).
  45 / 45 ـ وحدثني القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري ، قال : حدثنا أبو عمر وعثمان بن أحمد بن عبد الله الدقيقي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الرازي ، قال : حدثنا علي بن الحسن البزاز ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الكلبي والأعمش ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من آذى شعرة مني فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله (3).

---------------------------
(1) بحار الأنوار 43 : 170 / 11 ، وراجع الحديث (18).
(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 250 / 3 ، أمالي الصدوق : 271 / 10 ، أمالي الطوسي 2 : 67 ، مناقب الخوارزمي : 235.
(3) الجامع الصغير للسيوطي 2 : 547 / 8267.

دلائل الإمامة _ 136 _

  رجع الحديث إلى تمام حديث أبي علي بن همام (1)
  قال : فخرجا من عندها وهي ساخطة عليهما.
  قال : وروي أنها قبضت لعشر بقين من جمادى الآخرة ، وقد كمل عمرها يوم قبضت ثماني عشرة سنة ، وخمسة وثمانين يوما بعد وفاة أبيها ، فغسلها أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولم يحضرها غيره ، والحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم ، وفضة جاريتها ، وأسماء بنت عميس ، وأخرجها إلى البقيع في الليل ، ومعه الحسن والحسين ، وصلى عليها ، ولم يعلم بها ، ولا حضر وفاتها ، ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم ، ودفنها في الروضة ، وعفى (2) موضع قبرها ، وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا جددا ؟
  وإن المسلمين لما علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبرا ، فأشكل عليهم قبرها من سائر القبور ، فضج الناس ولام بعضهم بعضا ، وقالوا : لم يخلف نبيكم فيكم إلا بنتا واحدة ، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا (3) الصلاة عليها! بل ولم (4) تعرفوا قبرها !
  فقال ولاة الأمر منهم : هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور (5) قبرها.
  فبلغ ذلك أمير المؤمنين (صلى الله عليه) ، فخرج مغضبا قد احمرت عيناه ، ودرت أوداجه (6) ، وعليه قباؤه الأصفر الذي كان يلبسه في كل كريهة ، وهو يتوكأ على سيفه ذي الفقار ، حتى ورد البقيع ، فسار إلى الناس من أنذرهم ، وقال (7) : هذا علي بن أبي

---------------------------
(1) وهو الحديث (43).
(2) في ( ع ) : عمي.
(3) في ( ع ، م ) : وفاتها و.
(4) في ( ع ، م ) : عليها ولا.
(5) في ( ط ) : نعين ، وفي ( ع ) : يرون.
(6) أي برزت وظهرت ، ومنه قولهم : بين عينيه عرق يدره الغضب.
(7) في ( ع ، م ) : الناس النذير وقالوا.

دلائل الإمامة _ 137 _

  طالب قد أقبل كما ترونه ، يقسم بالله لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف في رقاب الآمرين (1).
  فتلقاه عمر ومن معه من أصحابه ، وقال له : مالك يا أبا الحسن ، والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها.
  فضرب علي (عليه السلام) بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض ، وقال له : يا بن السوداء ، أما حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس عن دينهم ، وأما قبر فاطمة فوالذي نفس علي بيده لئن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم ، فإن شئت فاعرض يا عمر.
  فتلقاه أبو بكر فقال : يا أبا الحسن ، بحق رسول الله وبحق من فوق العرش (2) إلا خليت عنه ، فإنا غير (3) فاعلين شيئا تكرهه.
  قال : فخلى عنه وتفرق الناس ولم يعودوا إلى ذلك (4).
  46 / 46 ـ وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين القمي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن الوليد ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : حدثنا علي بن مسكان ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده علي بن الحسين (عليهم السلام) ، قال : قال لي أبي الحسين بن علي (عليهما السلام).
  لما قبضت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، وعفى على موضع قبرها بيده ، ثم قام فحول وجهه إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقال : ( السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عن (5) ابنتك وزائرتك ، والبائتة في

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : السيف على غابر الآخر.
(2) في ( ط ) : وبحق فاطمة.
(3) في ( ط ) : لسنا.
(4) بحار الأنوار 43 : 171.
(5) في ( ع ) : عني والسلام على.

دلائل الإمامة _ 138 _

  الثرى ببقعتك (1) ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي ، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين صدري ونحري ، بلى وفي كتاب الله أنعم القبول ، إن لله وإنا إليه راجعون ، قد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء.
  يا رسول الله ، أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، ولا يبرح ذلك من قلبي أو (2) يختار الله لي دارك التي أنت بها ، كمد مبرح (3) وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا ، فإلى الله أشكو.
  وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها ، فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، فستقول وبحكم الله ، وهو خير الحاكمين.
  والسلام عليك (4) سلام مودع لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملال ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
  آه آه لولا غلبة المستولين لجعلت هنا المقام ، والتزمت لزاما معكوفا (5) ، ولأعولت إعوال الثكلى على الرزية ، فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، وتهضم حقها ، وتمنع إرثها ، ولم يبعد بك العهد ، ولا اخلولق منك الذكر ، فإلى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، صلوات الله عليك وعليها معك ، والسلام ) (6).

---------------------------
(1) في ( ع ) : النائية في الثرى ببقيعك.
(2) في ( ط ) : حتى ، وكلاهما بمعنى ، قال الشاعر :
وكنت إذا غمزت قناة قوم كسرت كعوبها أو تستقيما
أي : كسرت كعوبها حتى تستقيم ، والفعل بعدها منصوب بأن واجبة الاضمار.
(3) (مبرح) ليس في ( ع ، م ) ، وفي الكافي ، مقيح.
(4) (والسلام عليك) ليس في ( ع ، م ).
(5) في ( ط ) : التزمت الحزم أشد لزام عكوفا ، وفي الكافي : واللبث لزاما معكوفا.
(6) الكافي 1 : 381 / 3 ، أمالي المفيد : 281 ، أمالي الطوسي 1 : 107.