الفهرس العام

أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)


معرفة ولادته
رجع الحديث
نسبه (عليه السلام)
نقش خاتمه (عليه السلام)
ذكر معجزاته (عليه السلام)

معرفة ولادته

  قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام) : ولد بالأبواء ، بين مكة والمدينة ، في شهر ذي الحجة سنة مائة وسبعة وعشرين من الهجرة (1).
  258 / 1 ـ روى أحمد بن محمد ، عن المختار بن زياد (2) ، عن محمد بن سليمان (3) ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي

---------------------------
(1) المتفق عليه في أغلب المصادر أنه ولد (عليه السلام) في السابع من صفر سنة 128 هـ وقيل : سنة 129 ، انظر : تاريخ الأئمة : 11 ، الارشاد : 288 ، تاريخ بغداد 13 : 27 ، تاج المواليد : 122 ، إعلام الورى : 294 ، تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم : 188 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 323 ، صفة الصفوة 2 : 187 ، وفيات الأعيان 5 : 310 ، كشف الغمة 2 : 250 ، المستجاد من كتاب الارشاد : 472 ، سير أعلام النبلاء 6 : 270 ، الفصول المهمة : 232 ، نور الأبصار : 301.
(2) في النسخ : بن مأرب ، ولم نعثر عليه بهذا الضبط ، وما أثبتناه من البصائر والكافي ، وانظر معجم رجال الحديث 18 : 102 والهامش الآتي.
(3) في ( ع ، م ) : بن مسلم ، وفي ( ط ) : بن سليم ، وما أثبتناه من نسخة مخطوطة نفيسة من البصائر والكافي ، روى عن أبيه وروى عنه المختار بن زياد ، انظر معجم رجال الحديث 16 : 129.

دلائل الإمامة _ 304 _

  ولد فيها موسى بن جعفر بالأبواء ، فبينا نحن نأكل معه إذ أتاه الرسول : إن حميدة قد أخذها الطلق : فقام فرحا مسرورا ومضى ، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسرا عن ذراعيه ، ضاحكا مستبشرا ، فقلنا : أضحك الله سنك ، وأقر عينك ، ما صنعت حميدة ؟
  فقال : وهب الله لي غلاما ، وهو خير أهل زمانه ، ولقد خبرتني أمه عنه بما كنت أعلم به منها.
  فقلت : جعلت فداك ، وما الذي خبرتك به عنه ؟
  فقال : ذكرت أنه لما خرج من أحشائها وقع إلى الأرض رافعا رأسه إلى السماء ، قد اتقى الأرض بيده ، يشهد أن لا إله إلا الله ، فقلت لها : إن ذلك أمارة رسول الله وأمارة الأئمة من بعده.
  فقلت : جعلت فداك ، وما الإمارة ؟ فقال : العلامة.
  يا أبا بصير ، إنه لما كان في الليلة التي علق فيها أتاني آت بكأس فيه شربة من الماء ، أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل وأشد (1) ، وأبرد من الثلج ، فسقانيه فشربته ، وأمرني بالجماع ، ففعلت فرحا مسرورا ، وكذلك يفعل بكل واحد منا ، فهو والله صاحبكم.
  إن نطفة الإمام حين تكون في الرحم أربعين يوما وليلة نصب لها عمود من نور في بطن أمه ، ينظر به مد بصره ، فإذا تمت له أربعة أشهر أتاه ملك يقال له (الخير) فكتب على عضده الأيمن * (وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا) * (2) الآية ، فإذا وضعته أمه اتقى الأرض بيده ، رافعا رأسه إلى السماء ، ويشهد أن لا إلا إلا الله.
  وينادي مناد من قبل العرش ، من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه : يا فلان بن فلان ، يقول الجليل : أبشر فإنك صفوتي ، وخيرتي من خلقي ، وموضع سري ، وعيبة علمي ، لك ولمن تولاك أوجب (3) رحمتي وأسكنه جنتي ، واحلله جواري ، ثم وعزتي ،

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : والشهد.
(2) الأنعام 6 : 115.
(3) في ( ط ) : أوجبت.

دلائل الإمامة _ 305 _

  لأصلين من عاداك ناري وأشد عذابي ، وإن أوسعت عليه في دنياه.
  فإذا انقطع المنادي أجابه الإمام : * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) * (1) ، فإذا قالها أعطاه الله علم الأولين وعلم الآخرين ، واستوجب الزيادة من الجليل ليلة القدر.
  فقلت : جعلت فداك ، أليس الروح هو جبرئيل ؟
  فقال : جبرئيل من الملائكة ، والروح خلق أعظم منه ، وهو مع الإمام حيث كان (2).
  259 / 2 ـ وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو النجم بدر ابن عمار الطبرستاني ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي ، رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال : إن حميدة أخبرتني بشئ ظنت أني لا أعرفه ، وكنت أعلم به منها.
  قلنا له : وما أخبرتك به ؟
  قال : ذكرت أنه لما سقط من الأحشاء سقط واضعا يديه على الأرض ، رافعا رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والوصي إذا خرج من بطن أمه ، أن تقع يداه على الأرض ، ورأسه إلى السماء ، ويقول * (شهد الله أنه لا إله إلا هو) * الآية ، أعطاه الله العلم الأول ، والعلم الآخر ، واستحق زيادة الروح في ليلة القدر ، وهو أعظم خلقا من جبرئيل (3) .

رجع الحديث

  فأقام مع أبيه تسع عشرة سنة ، وعاش بعد أبيه أيام إمامته خمسا وثلاثين سنة ، فيها بقية ملك المنصور ، ثم ملك ابنه محمد المهدي عشر سنين وشهر وأيام ، ثم ملك

---------------------------
(1) آل عمران 3 : 18.
(2) المحاسن : 314 / 32 ، بصائر الدرجات : 460 / 4 ، الكافي 1 : 316 / 1 ، عيون المعجزات : 95 ، مدينة المعاجز : 425 / 1.
(3) مدينة المعاجز : 426.

دلائل الإمامة _ 306 _

  ابن المهدي موسى المعروف بالهادي سنة وخمس وعشرون يوما ، ثم ملك هارون المعروف بالرشيد ثلاث وعشرون سنة وشهران وتسعة وعشرون يوما (1).
  وبعدما مضى خمس عشرة سنة من ملك الرشيد ، استشهد ولي الله في رجب سنة مائة وأربعة وثمانين من الهجرة (2) ، وصار إلى كرامة الله (عز وجل) وقد كمل عمره أربعا وخمسين سنة ، (3) ويروى : سبعا وخمسين سنة (4).
  وكان سبب وفاته أن يحيى بن خالد سمه في رطب وريحان ، أرسل بهما إليه مسمومين بأمر الرشيد ، ولما سم وجه الرشيد إليه بشهود حتى يشهدون عليه بخروجه عن أملاكه ، فلما دخلوا قال : يا فلان بن (5) فلان ، سقيت السم في يومي هذا ، وفي غد يصفار بدني ويحمار ، وبعد غد يسود وأموت.
  فانصرف الشهود من عنده ، فكان كما قال (عليه السلام) (6).
  وتولى أمره ابنه علي الرضا (عليه السلام) ، ودفن ببغداد بمقابر قريش ، في بقعة كان قبل وفاته ابتاعها لنفسه (7).

---------------------------
(1) إعلام الورى : 294 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 323.
(2) الذي عليه أغلب المصادر أنه استشهد (عليه السلام) في سنة 183 هـ ، انظر الكافي 1 : 405 ، روضة الواعظين : 221 ، تاج المواليد : 123 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 323 ، كشف الغمة 2 : 237 ، الفصول المهمة : 241.
(3) تاريخ الأئمة : 11 ، الكافي 1 : 405 ، روضة الواعظين : 221 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 324 ، كشف الغمة 2 : 237.
(4) هذه الرواية هي الموافقة لما أثبته المصنف من تاريخ ولادته ووفاته (عليه السلام) (127 ـ 184 هـ) أما في غيره من المصادر فالمروي (55 سنة) ، انظر الارشاد : 288 ، روضة الواعظين : 221 ، إعلام الورى : 294 ، كشف الغمة 2 : 237 ، الفصول المهمة : 241.
(5) في ( ط ) : يا.
(6) مدينة المعاجز : 457 / 86.
(7) إعلام الورى : 311 ، تاج المواليد ، 123 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 328 ، كشف الغمة 2 : 234 ، مدينة المعاجز : 457.

دلائل الإمامة _ 307 _

  وكانت وفاته في حبس المسيب ، وهو المسجد الذي بباب الكوفة الذي فيه السدرة (1).

نسبه (عليه السلام)

  موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (2) بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (3).
  ويكنى : أبا الحسن ، وأبا إبراهيم ـ والثاني أثبت ـ لأنه قال : منحني أبي كنيتين. يعني أباه الصادق (عليه السلام) (4).
  ولقبه : العبد الصالح ، والوفي ، والصابر ، والكاظم ، والأمين (5).
  وأمه : حميدة بنت صاعد البربري (6).
  260 / 3 ـ وحدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو النجم بدر

---------------------------
(1) في الهداية الكبرى : 264 وكانت وفاته (عليه السلام) في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك ـ والي الشرطة ببغداد ـ في الكوفة.
(2) في ( ع ، م ) : بن عبد مناف.
(3) (ابن عبد مناف) ليس في ( ع ، م ).
(4) تاريخ الأئمة : 30 ، الارشاد : 288 ، روضة الواعظين : 212 ، تاج المواليد : 121 ، تاريخ بغداد 13 : 27.
(5) تاريخ الأئمة : 28 ، روضة الواعظين : 212 ، تاج المواليد : 121 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 323 ، وزاد في الهداية الكبرى : 263 المصلح ، المبرهن ، البيان ، ذو المعجزات ، وزاد في ألقاب الرسول وعترته : 265 الكهف الحصين ، قوام آل محمد صلى الله عليه وآله ، نظام أهل البيت ، نور أهل بيت الوحي ، راهب بني هاشم ، أعبد أهل زمانه ، أسخى العرب ، أفقه الثقلين ، منقذ الفقراء ، مطعم المساكين ، زين المجتهدين ، حيف كتاب الله ، المنتخب.
(6) تاريخ الأئمة : 25 ، الكافي 1 : 397 ، الهداية الكبرى : 263 ، الارشاد : 288 ، عيون المعجزات : 95.

دلائل الإمامة _ 308 _

  ابن عمار الطبرستاني ، قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني (1) ، رفعه إلى جابر قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : قدم رجل من المغرب معه رقيق ، ووصف لي صفة (2) جارية معه ، وأمرني بابتياعها بصرة دفعها إلي.
  فمضيت إلى الرجل ، فعرض علي ما كان عنده من الرقيق ، فقلت : بقي عندك غير ما عرضت علي ؟
  فقال : بقيت جارية عليلة ، فقلت : أعرضها علي ، فعرض (3) حميدة ، فقلت له : بكم تبيعها ؟ فقال : بسبعين دينارا ، فأخرجت الصرة إليه ، فقال النخاس : لا إله إلا الله!
  رأيت البارحة في النوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد ابتاع مني هذه الجارية بهذه الصرة بعينها.
  فتسلمت الجارية وصرت بها إلى أبي جعفر (عليه السلام) ، فسألها عن اسمها ، فقالت : حميدة ، فقال : حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة : ثم سألها عن خبرها ، فعرفته أنها بكر ، فقال لها : أنى يكون ذلك وأنت جارية كبيرة ؟!
  فقالت : كان مولاي إذا أراد أن يقرب مني أتاه رجل في صورة حسنة فيمنعه أن (4) يصل إلي ، فدفعها أبو جعفر (عليه السلام) إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ، وقال : حميدة سيدة الإماء ، مصفاة من الأرجاس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك (5) تحرسها حتى أديت إلى كرامة الله (عز وجل) (6).
  بوابه : محمد بن المفضل (7).

---------------------------
(1) في ( ع ) : بن الشلمغان.
(2) في ( ط ) : خلقة.
(3) في ( ط ) زيادة : علي.
(4) في ( ع ، م ) : ألا.
(5) في ( ع ، م ) : الملاك.
(6) إثبات الوصية : 160 ، ونحوه في الكافي 1 : 397 / 1 والخرائج والجرائح 1 : 286 / 20.
(7) تاريخ أهل البيت : 148 ، وفي تاريخ الأئمة : 33 والفصول المهمة : 232 ونور الأبصار : 301 : محمد بن الفضل.

دلائل الإمامة _ 309 _

نقش خاتمه (عليه السلام)

  وكان له خاتم نقشة فصه : حسبي الله (1)
  ذكر ولده (عليه السلام) : علي الإمام الرضا (عليه السلام) ، وفاطمة لأم، والعباس ، وإبراهيم ، والقاسم لأمهات شتى ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، وفاطمة الصغرى ، وأحمد لأم، ومحمد ، وحمزة ، ورقية لأم، و عبد الله ، وإسحاق لأم، وعبيد الله ، وزيد ، وحسين ، والفضل ، وسليمان ، وحكيمة ، وعباسة ، وقسمة ، وأم فروة ، وأسماء ، ورقية ، وكلثوم ، وأم جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة ، وحسينة (2) ، ونزيهة (3) ، وأم سلمة ، ومصونة (4) ، وأم كلثوم لأمهات شتى (5).
  رجع الحديث
  وكان أبوه يحبه ويميل إليه ، ووهب اليسيرية له تفضلا ، وكان شراها بستة وعشرين ألف دينار (6).

---------------------------
(1) الكافي 6 : 473 / 4 ، وفي الفصول المهمة : 332 ونور الأبصار : 301 (الملك لله وحده).
(2) في ( ع ) : حسنية ، وفي الارشاد : حسنة.
(3) كذا في المناقب ابن شهرآشوب ، وفي النسخ : بويمة ، وفي الارشاد : بريهة.
(4) في الارشاد والمناقب : ميمونة.
(5) تاريخ الأئمة : 20 ، تاج المواليد : 123 ، إعلام الورى : 312 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 324 ، تذكرة الخواص : 351 ، كشف الغمة 2 : 216 و 237 ، الفصول المهمة : 241.
(6) في إرشاد المفيد : 303 ، وإعلام الورى 312 ، وكشف الغمة 2 : 236 ، والفصول المهمة : 242 : وكان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا ، وكان أبو الحسن موسى (عليه السلام) يحبه ويقدمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة.
وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 72 في سعاية علي بن إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام) بعمه الإمام أنه اشترى ضيعة تسمى اليسيرية بثلاثين ألف دينار.

دلائل الإمامة _ 310 _

  وكان (عليه السلام) شيخا بهيا كريما ، عتق ألف مملوك.
  وكان يدعى (العبد الصالح) من عبادته واجتهاده.
  وقيل : إنه دخل مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسجد سجدة في أول الليل ، وسمع وهو يقول في سجوده : ( عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، ويا أهل المغفرة ) وجعل يرددها حتى أصبح.
  وكان يبلغه عن رجل أنه يؤذيه ، فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار.
  وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة.
  وكانت صرة موسى إذا جاءت الإنسان استغنى (1).
  وقال محمد بن عبد الله البكري : قدمت المدينة أطلب بها دينا ، فأعياني ، فقلت : لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى وشكوت إليه ، فأتيته بنقمي (2) في ضيعته ، فخرج إلي ومعه غلام (3) معه منسف (4) فيه قديد مجزع (5) ، ليس معه غيره ، فأكل وأكلت معه ، ثم سألني عن حاجتي ، فذكرت له قصتي ، فدخل فلم يقر (6) إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه : اذهب ، ثم مد يده إلي ، فدفع صرة فيها ثلاثمائة دينار ، ثم قام فولى ، فقمت

---------------------------
(1) تاريخ بغداد 13 : 27 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 191 ، وفيات الأعيان 5 : 308 ، سير أعلام النبلاء 6 : 271 ، الأئمة الاثنا عشر : 89.
(2) في النسخ : بنعمى ، تصحيف ، ونقمى : موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب ، معجم البلدان 5 : 300.
(3) في ( ع ) : غلامه.
(4) المنسف : ما ينسف به الطعام ، أي يفرق ( مجمع البحرين ـ نسف ـ 5 : 123 ).
(5) القديد : اللحم المملوح المجفف في الشمس ( لسان العرب ـ قدد ـ 3 : 344 ).
مجزع : أي مقطع ( لسان العرب ـ جزع ـ 8 : 48 ).
(6) في ( ط ) : يقم.

دلائل الإمامة _ 311 _

  فركبت دابتي وانصرفت (1).
  وقيل : إنه كان بالمدينة رجل من ولد عمر بن الخطاب يؤذيه ويشتم عليا (صلوات الله عليه) ، وكان قد قال له بعض حاشيته : دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلك أشد النهي ، وزجرهم أشد الزجر ، وسأل عن العمري ، فذكر له أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها ، فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به العمري : لا تطأ زرعنا ، فتوطأه بالحمار ، حتى وصل إليه ، فنزل وجلس عنده ، وضاحكه ، وقال له : كم غرمت في زرعك هذا ؟ قال له : مائة دينار.
  قال : فكم ترجو أن تصيب فيه ؟ قال : لا أعلم الغيب.
  قال : إنما قلت لك : كم ترجو فيه ؟
  قال : أرجو أن يجيئني مائتا دينار.
  قال : فأعطاه ثلاثمائة دينار ، وقال : هذا زرعك على حاله ، قال : فقام العمري فقبل رأسه ، وانصرف.
  قال : فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا ، فلما نظر إليه قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، قال : فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتك ؟ ! قد كنت تقول خلاف هذا ! فخاصمهم وسابهم ، وجعل يدعو لأبي الحسن موسى (عليه السلام) كلما دخل وخرج.
  قال : فقال أبو الحسن موسى (عليه السلام) لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري : أيما كان أخير : ما أردتم أو ما أردت ؟ أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار (2).
  وقال محمد ابنه : خرجت مع أبي إلى ضياعه (3) ، وأصبحنا في غداة باردة ، وقد دنونا منها وأصبحنا عند عين من عيون ساية (4) ، فخرج إلينا من تلك الضياع عبد

---------------------------
(1) الارشاد : 296 ، تاريخ بغداد 13 : 28 ، روضة الواعظين : 215 ، سير أعلام النبلاء 6 : 271 ، حلية الأبرار 2 : 260.
(2) الارشاد : 297 ، تاريخ بغداد 13 : 28 ، إعلام الورى : 306 ، سير أعلام النبلاء 6 : 271.
(3) في ( ع ، م ) : بستانه.
(4) واد من حدود الحجاز فيه مزارع وعيون.

دلائل الإمامة _ 312 _

  زنجي فصيح مستدفئ بخرقة ، على رأسه قدر فخار ، فوقف على الغلمان فقال : أين سيدكم ؟ قالوا : هو ذاك.
  قال : أبو من يكنى ؟ قالوا : أبا الحسن.
  قال فوقف عليه وقال له : يا سيدي يا أبا الحسن ، هذه عصيدة أهديتها إليك.
  قال : ضعها عند الغلمان ، فوضعها عند الغلمان ، فأكلوا منها ، ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج ، وعلى رأسه حزمة حطب ، حتى وقف عليه وقال : يا سيدي ، هذا حطب أهديته إليك ، قال : ضعه عند الغلمان وهب لنا نارا ، فذهب فجاء بنار.
  قال : فكتب أبو الحسن (عليه السلام) اسمه واسم مولاه ، فدفعه إلي وقال : يا بني ، احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألك عنها ، قال : فوردنا إلى ضياعه ، فأقام بها ما طاب له ، ثم قال : امضوا بنا إلى زيارة البيت.
  قال : فخرجنا حتى وردنا مكة ، فلما قضى عمرته دعا صاعدا فقال : اذهب فاطلب لي هذا الرجل ، فإذا علمت موضعه فأعلمني حتى أمشي إليه.
  فوقعت على الرجل (1) ، فلما رآني عرفني ، وكنت أعرفه ، وكان يتشيع ، فلما رآني سلم علي وقال : أبو الحسن موسى قدم ؟ قلت : لا ، قال : فأي شئ أقدمك ؟ قلت : حوائج ، وكان قد علم بمكانه وبشأنه ، فتبعني وجعلت أتخفى منه ويلحقني بنفسه (2) ، فلما رأيت أني لا أنفلت منه ، مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته ، فقال : ألم أقل لك لا تعلمه ؟ فقلت : جعلت فداك ، لم اعلمه ، فسلم عليه فقال أبو الحسن (عليه السلام) : غلامك فلان تبيعه ؟
  فقال : جعلت فداك ، الغلام لك ، والضيعة لك ، وجميع ما أملك.
  قال : أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها ، وقد حدثني أبي ، عن جدي أن بائع (3) الضيعة ممحوق ، ومشتريها مرزوق.

---------------------------
(1) في تاريخ بغداد زيادة : فإني أكره أن أدعوه والحاجة لي ، قال لي صاعد : فذهبت حتى وقفت على الرجل.
(2) في ( ط ) : ويخفى نفسه.
(3) في ( ع ، م ) : بيع.

دلائل الإمامة _ 313 _

  قال : فجعل الرجل يعرضها عليه مدلا بها ، فاشترى أبو الحسن (عليه السلام) الضيعة والرقيق منه بألوف الدنانير وأعتق العبد ، ووهب له الضيعة.
  وقال ابن أبي رافع : فهو ذا ولده يعرف بالصراف بمكة (1).

ذكر معجزاته (عليه السلام)

  261 / 4 ـ حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا جعفر (بن محمد) بن مالك الفزاري ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل الحسيني (2) ، عن أبي محمد الحسن بن علي الثاني (عليه السلام) ، قال : إن موسى (عليه السلام) قبل وفاته بثلاثة أيام دعا المسيب وقال له : إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لأعهد إلى من بها عهدا أن يعمل به بعدي.
  قال المسيب : قلت : مولاي ، كيف تأمرني والحرس والأبواب! كيف أفتح لك الأبواب والحرس معي على الأبواب وعليها أقفالها ؟!
  فقال : يا مسيب ، ضعفت نفسك (3) في الله وفينا ؟!
  قلت : يا سيدي ، بين لي.
  فقال : يا مسيب ، إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها ، فقف فانظر.
  قال المسيب : فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة ، فلم أزل راكعا وساجدا وناظرا ما وعدنيه ، فلما مضى من الليل ثلثه غشيني (4) النعاس وأنا جالس ، فإذا

---------------------------
(1) تاريخ بغداد 13 : 29 ، إحقاق الحق 12 : 305 ، في تاريخ بغداد : فهو ذا ولده في الطرفين بمكة.
(2) في ( ع ، م ) : الحسني ، وكأنه محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ممن رأى صاحب الأمر (عليه السلام) ، انظر معجم رجال الحديث 15 : 107.
(3) في المصادر : ضعف يقينك.
(4) في ( م ، ط ) : غشاني.

دلائل الإمامة _ 314 _

  أنا بسيدي موسى يحركني برجله ، ففزعت وقمت قائما ، فإذا بتلك الجدران المشيدة ، والأبنية المعلاة ، وما حولنا من القصور والأبنية ، قد صارت كلها أرضا (1) ، فظننت بمولاي أنه أخرجني من المحبس الذي كان فيه ، قلت : مولاي ، خذ بيدي من ظالمك وظالمي.
  فقال : يا مسيب ، تخاف القتل ؟
  قلت : مولاي ، معك لا.
  فقال : يا مسيب فاهدأ على حالتك ، فإنني راجع إليك بعد ساعة واحدة ، فإذا وليت عنك فسيعود المحبس إلى شأنه.
  قلت : يا مولاي ، فالحديد الذي عليك ، كيف تصنع به ؟
  فقال : ويحك يا مسيب ! بنا والله ، ألان الله الحديد لنبيه داود ، كيف يصعب علينا الحديد ؟!
  قال المسيب : ثم خطا ، فمر بين يدي خطوة ولم أدر كيف غاب عن بصري ، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور على ما كانت عليه ، واشتد اهتمام نفسي ، وعلمت أن وعده (2) الحق ، فلم أزل قائما على قدمي ، فلم ينقض إلا ساعة كما حده لي ، حتى رأيت الجدران والأبنية قد خرت إلى الأرض سجدا ، وإذا أنا بسيدي (عليه السلام) وقد عاد إلى حبسه ، وعاد الحديد إلى رجليه ، فخررت ساجدا لوجهي بين يديه ، فقال لي : ارفع رأسك يا مسيب ، وأعلم أن سيدك راحل عنك إلى الله في ثالث هذا اليوم الماضي.
  فقلت : مولاي ، فأين سيدي علي ؟
  فقال : شاهد (3) غير غائب يا مسيب ، وحاضر غير بعيد ، يسمع ويرى.
  قلت : يا سيدي ، فإليه قصدت ؟
  قال : قصدت والله يا مسيب ، كل منتخب (4) لله على وجه الأرض شرقا وغربا ،

---------------------------
(1) في ( م ، ط ) زيادة : والدنيا من حولنا من القصور والأبنية المعلاة والأرض.
(2) في ( ع ، م ) : وعدته.
(3) في ( ع ، م ) : شاهدنا.
(4) في ( ع ) : منتجب ، وكلاهما بمعنى واحد.

دلائل الإمامة _ 315 _

  حتى الجن في البراري والبحار ، حتى الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم ، قال : فبكيت.
  قال : لا تبك يا مسيب ، إنا نور لا نطفأ ، إن غبت عنك ، فهذا علي ابني يقوم مقامي بعدي ، هو أنا ، فقلت : الحمد لله.
  قال : ثم إن سيدي في ليلة اليوم الثالث دعاني فقال لي : يا مسيب ، إن سيدك يصبح من ليلة يومه على ما عرفتك من الرحيل إلى الله (تعالى) ، فإذا أنا دعوت بشربة ماء فشربتها فرأيتني قد انتفخت بطني ، يا مسيب ، واصفر لوني ، واحمر ، واخضر ، وتلون ألوانا ، فخبر الظالم بوفاتي ، وإياك بهذا الحديث (1) أن تظهر عليه أحدا من عندي إلا بعد وفاتي.
  قال المسيب : فلم أزل أترقب وعده ، حتى دعا بشربة الماء فشربها ، ثم دعاني فقال : إن هذا الرجس ، السندي بن شاهك ، سيقول إنه يتولى أمري ودفني ، وهيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا ! فإذا حملت نعشي إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش ، فالحدوني بها ، ولا تعلوا على قبري علوا واحدا ، ولا تأخذوا من تربتي لتتبركوا بها ، فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي (عليه السلام) ، فإن الله جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا.
  قال : فرأيته تختلف ألوانه ، وتنتفخ بطنه ، ثم قال : رأيت شخصا أشبه الأشخاص به ، جالسا إلى جانبه في مثل هيئته ، وكان عهدي بسيدي الرضا (عليه السلام) في ذلك الوقت غلاما ، فأقبلت أريد سؤاله ، فصاح بي سيدي موسى (عليه السلام) : قد نهيتك يا مسيب ، فتوليت عنهم ، ولم أزل صابرا حتى قضى ، وعاد ذلك الشخص.
  ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد ، فوافى الرشيد وابن شاهك ، فوالله ، لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه ، وكل ذلك أراهم لا يصنعون به شيئا ، ولا تصل أيديهم إلى شئ منه ، ولا إليه ، وهو مغسول ، مكفن ، محنط ، ثم حمل ودفن في مقابر قريش ، ولم يعل على قبره إلى الساعة (2).

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : وإياك إذا رأيت بي هذا الحدث.
(2) الهداية الكبرى : 265 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1 : 100 / 6 ، عيون المعجزات : 101 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 303.

دلائل الإمامة _ 316 _

  وبقي في الحديث ما لم يحسن ذكره مما فعله الرشيد به ، كذا وجدت الحكاية.
  262 / 5 ـ وروي أن الرشيد فكر في قتل موسى (عليه السلام) فدعا برطب فأكل منه ، ثم أخذ صينية ، فوضع فيها عشرين رطبة ، وأخذ سلكا فتركه في السم ، وأدخله في الخياط وأخذ رطبة من ذلك الرطب ، وأقبل يردد السلك المسموم بذلك الخيط ، من رأس الرطبة إلى آخرها ، حتى علم أن السم قد تمكن فيها ، واستكثر منه ، ثم ردها في الرطب ، وقال لخادم له : احمل هذه الصينية إلى موسى ، وقل له : إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب ، وتنغص لك ، وهو يقسم عليك بحقه إلا ما أكلته عن آخره ، فإني اخترتها لك بيدي ، ولا تتركه حتى لا يبقي منه شيئا ، ولا يطعم (1) منه أحدا.
  فأتاه بها الخادم ، وأبلغه الرسالة ، فقال له : إئتني بخلالة (2) فناوله خلالة ، وأقام بإزائه وهو يأكل الرطب ، وكان للرشيد كلبة أعز عليه من كل ما كان في مملكته ، فجرت نفسها وخرجت بسلاسل ذهب وفضة كانت في عنقها ، حتى حاذت موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فبادر بالخلالة إلى الرطبة المسمومة فغرزها ، ورمى بها إلى الكلبة ، فأكلتها ، فلم تلبث الكلبة أن ضربت بنفسها (3) الأرض ، وعوت حتى تقطعت قطعا قطعا ، واستوفى (عليه السلام) باقي الرطب ، وحمل الغلام الصينية إلى الرشيد ، فقال له : أكل الرطب عن آخره ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين.
  قال : فكيف رأيته ؟
  قال : ما أنكرت منه شيئا يا أمير المؤمنين.
  قال : ثم ورد خبر الكلبة ، وأنها قد تهرأت وماتت ، فقلق الرشيد لذلك قلقا شديدا ، واستعظمه ، ومر على الكلبة ، فوجدها متهرأة بالسم ، فدعا الخادم ، ودعا بالسيف والنطع ، قال : لتصدقني عن خبر الرطب وإلا قتلتك.
  فقال : يا أمير المؤمنين ، إني حملت الرطب إليه ، وأبلغته رسالتك ، وقمت بإزائه ،

---------------------------
(1) في ( ط ) : تطعم.
(2) الخلالة : آلة يؤكل بها الرطب ونحوه كالشوكة.
(3) زاد في ( م ) : إلى.

دلائل الإمامة _ 317 _

  فطلب خلالة ، فدفعت إليه خلالة ، فأقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة يأكلها ، حتى مرت به الكلبة ، فغرز رطبة من ذلك الرطب ، ورمى بها إلى الكلبة ، فأكلتها ، وأكل باقي الرطب ، فكان ما ترى.
  فقال الرشيد : ما ربحنا من موسى إلا أنا أطعمناه جيد الرطب ، وضيعنا سمنا ، وقتلنا كلبتنا (1).
  263 / 6 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن علي ابن الزبير البلخي ببلخ ، قال : حدثنا حسام بن حاتم الأصم ، قال : حدثني أبي ، قال : قال لي شقيق ـ يعني ابن إبراهيم (2) البلخي ـ : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام في سنة تسع وأربعين ومائة ، فنزلنا القادسية ، قال شقيق : فنظرت إلى الناس في زيهم بالقباب والعماريات (3) والخيم والمضارب ، وكل إنسان منهم قد تزيا على قدره ، فقلت : اللهم إنهم قد خرجوا إليك فلا تردهم خائبين.
  فبينما أنا قائم ، وزمام راحلتي بيدي ، وأنا أطلب موضعا أنزل فيه منفردا عن الناس ، إذ نظرت إلى فتى حدث السن ، حسن الوج ، شديد السمرة ، عليه سيماء العبادة وشواهدها ، وبين عينيه سجادة (4) كأنها كوكب دري ، وعليه من فوق ثوبه شملة من صوف ، وفي رجله نعل عربي ، وهو منفرد في عزلة من الناس ، فقلت في نفسي : هذا الفتى من هؤلاء الصوفية المتوكلة ، يريد أن يكون كلا على الناس في هذا الطريق ، والله لأمضين إليه ، ولأوبخنه.
  قال : فدنوت منه ، فلما رآني مقبلا نحوه قال لي : يا شقيق * (اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا) * (5) وقرأ الآية ، ثم تركني ومضى ، فقلت في

---------------------------
(1) تقدمت تخريجاته في الحديث الرابع.
(2) في ( ع ، ط ) : يعني إبراهيم.
(3) جمع عمارية : الهودج الذي يجلس فيه.
(4) أي أثر السجود في الجبهة.
(5) الحجرات 49 : 12.

دلائل الإمامة _ 318 _


  نفسي : قد تكلم هذا الفتى على سري ، ونطق بما في نفسي ، وسماني باسمي ، وما فعل هذا إلا وهو ولي الله ، ألحقه وأسأله أن يجعلني في حل ، فأسرعت وراءه ، فلم ألحقه ، وغاب عن عيني ، فلم أره.
  وارتحلنا حتى نزلنا واقصة (1) ، فنزلت ناحية من الحاج ، ونظرت فإذا صاحبي قائم يصلي على كثيب رمل ، وهو راكع وساجد ، وأعضاؤه تضطرب ، ودموعه تجري من خشية الله (عز وجل) ، فقلت : هذا صاحبي ، لأمضين إليه ، ثم لأسألنه أن يجعلني في حل ، فأقبلت نحوه ، فلما نظر إلي مقبلا قال لي : يا شقيق * (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) * (2) ثم غاب عن عيني فلم أره ، فقلت : هذا رجل من الأبدال (3) ، وقد تكلم على سري مرتين ، ولو لم يكن عند الله فاضلا ما تكلم على سري.
  ورحل الحاج وأنا معهم ، حتى نزلنا بزبالة (4) ، فإذا أنا بالفتى قائم على البئر ، وبيده ركوة يستقي بها ماء ، فانقطعت الركوة في البئر ، فقلت : صاحبي والله ، فرأيته قد رمق السماء بطرفه ، وهو يقول :

أنت ربي إذا ظمأت إلى الماء وقوتي إذا أردت الطعاما
  إلهي وسيدي مالي سواها ، فلا تعدمنيها.
  قال شقيق : فوالله ، لقد رأيت البئر وقد فاض ماؤها حتى جرى على وجه الأرض ، فمد يده ، فتناول الركوة ، فملأها ماء ، ثم توضأ ، فأسبغ الوضوء ، وصلى ركعات ، ثم مال إلى كثيب رمل أبيض ، فجعل يقبض بيده من الرمل ويطرحه في الركوة ، ثم يحركها ويشرب ، فقلت في نفسي : أتراه قد حول الرمل سويقا ؟!
  فدنوت منه فقلت له : أطعمني رحمك الله ، من فضل ما أنعم الله به عليك.

---------------------------
(1) منزل بطريق مكة ، ينزله الحاج ، دون زبالة بمرحلتين ، معجم البلدان 5 : 354.
(2) طه 20 : 82.
(3) قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم ، سموا بذلك لأنهم كلما مات واحد منهم أبدل الله مكانه آخر ، انظر ( النهاية 1 : 107 ، مجمع البحرين ـ بدل ـ 5 : 319 ).
(4) قرية عامرة بين واقصة والثعلبية بطريق مكة من الكوفة ، معجم البلدان 3 : 129.

دلائل الإمامة _ 319 _


  فنظر وقال لي : يا شقيق ، لم تزل نعمة الله علينا أهل البيت سابغة ، وأياديه لدينا جميلة ، فأحسن ظنك بربك ، فإنه لا يضيع من أحسن به ظنا.
  فأخذت الركوة من يده وشربت ، فإذا سويق وسكر ، فوالله ما شربت شيئا قط ألذ منه ، ولا أطيب رائحة ، فشبعت ورويت ، وأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ، فدفعت إليه الركوة.
  ثم غاب عن عيني ، فلم أره حتى دخلت مكة وقضيت حجي ، فإذا أنا بالفتى في هدأة من الليل ، وقد زهرت النجوم ، وهو إلى جانب قبة الشراب (1) راكعا ساجدا ، لا يريد مع الله سواه ، فجعلت أرعاه وأنظر إليه ، وهو يصلي بخشوع وأنين وبكاء ، ويرتل القرآن ترتيلا ، فكلما مرت آية فيها وعد ووعيد رددها على نفسه ، ودموعه تجري على خده ، حتى إذا دنا الفجر جلس في مصلاه يسبح ربه ويقدسه ، ثم قام فصلى الغداة ، وطاف بالبيت أسبوعا ، (2) وخرج من باب المسجد ، فخرجت ، فرأيت له حاشية وموال ، وإذا عليه لباس خلاف الذي شاهدت ، وإذا الناس من حوله يسألونه عن مسائلهم ، ويسلمون عليه ، فقلت لبعض الناس ، أحسبه من مواليه : من هذا الفتى ؟
  فقال لي : هذا أبو إبراهيم ، عالم آل محمد.
  قلت : ومن أبو إبراهيم ؟
  قال : موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
  فقلت : لقد عجبت أن توجد هذه الشواهد إلا في هذه الذرية (3).
  264 / 7 ـ وحدثني القاضي أبو الفرج المعافى ، قال : حدثنا أحمد بن إسماعيل الكاتب ، قال : كان بحضرة باب الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) وكان عريضا ، وكان آدم بن عبد العزيز شاعرا ظريفا ، فاتفقا يوما بباب الرشيد ، وحضر موسى

---------------------------
(1) في ( ع ) : بيت فيه الشراب ، وفي ( ط ) : بيت فيه السراب.
(2) أي سبع مرات.
(3) تذكرة الخواص : 348 ، صفة الصفوة 2 : 185 ، كشف الغمة 2 : 213 ، الفصول المهمة : 233 ، إسعاف الراغبين : 247.

دلائل الإمامة _ 320 _


  ابن جعفر على حمار له ، فلما قرب قام الحاجب إليه ، فأدخله من الباب ، فقال نفيع لآدم : من هذا ؟
  فقال : أو ما تعرفه ؟ قال : لا.
  قال : هذا شيخ آل أبي طالب اليوم ، هذا فلان بن فلان ، فقال : تبا لهؤلاء القوم يكرمون هذا الاكرام من يقصد ليزيلهم عن سريرهم ، أما إنه إن خرج لأسوأنه.
  قال فقال له آدم : لا تفعل ، إن هؤلاء قوم قد أعطاهم الله (عز وجل) حظا في ألسنتهم ، وقلما ناوأهم إنسان ، أو تعرض لهم ، إلا ووسموه بسمة سوء ، فقال له : سترى.
  وخرج موسى فوثب إليه نفيع فأخذ بلجام حماره ، وقال له : من أنت ؟
  فقال بوقار : إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله.
  وإن كنت تريد البيت فهو البيت الذي أوجب الله (جل ذكره) على المسلمين كافة ، وعليك إن كنت منهم ، أن يحجوا إليه.
  وإن كنت تريد المنافرة ، فوالله ما رضي مشركو قومي بمسلمي قومك (1) أكفاء حتى قالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش.
  قال : فاسترخت أصابعه من اللجام وتركه (2).
  265 / 8 ـ قال : قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد سفيان ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا الأعمش ، قال : لحقت موسى بن جعفر الكاظم الغيظ (عليه السلام) وهو في حبس الرشيد فرأيته يخرج من حبسه ويغيب ثم يدخل من حيث لا يرى (3).
  266 / 9 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد سفيان ، قال : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، قال : رأيت كاظم الغيظ (عليه السلام) عند الرشيد وقد خضع له ، فقال له عيسى ابن أبان : يا أمير المؤمنين ، لم تخضع له ؟

---------------------------
(1) مشركو قومي : أي قريش ، ومسلمو قومك : أي الأنصار.
(2) أمالي المرتضى 1 : 274 ، إعلام الورى : 307 ، أعلام الدين : 305 ، مدينة المعاجز : 452.
(3) إثبات الهداة 5 : 566 / 117 ، مدينة المعاجز : 427 / 5.

دلائل الإمامة _ 321 _


  قال : رأيت من ورائي أفعى تضرب بنابها وتقول : أجبه بالطاعة وإلا بلعتك. ففزعت منها فأجبته (1).
  267 / 10 ـ قال أبو جعفر : حدثنا عبد الله بن محمد البلوي ، قال : حدثنا غالب ابن مرة ومحمد بن غالب ، قالا : كنا في حبس الرشيد ، فأدخل موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فأنبع الله له عينا وأنبت له شجرة ، فكان منهما يأكل ويشرب ونهنيه ، وكان إذا دخل بعض أصحاب الرشيد غابت حتى لا ترى (2).
  268 / 11 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد سفيان ، عن وكيع ، قال : قال الأعمش : رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) وقد أتى شجرة مقطوعة موضوعة فمسها بيده فأورقت ، ثم اجتنى منها ثمرا وأطعمني (3).
  269 / 12 ـ قال أبو جعفر : حدثنا هشام بن منصور ، عن رشيق مولى الرشيد ، قال : وجه بي الرشيد في قتل موسى بن جعفر (عليه السلام) ، فأتيته لأقتله ، فهز عصا كانت في يده فإذا هي أفعى ، وأخذت هارون الحمى ، ووقعت الأفعى في عنقه حتى وجه إلي بإطلاقه فأطلقت عنه (4).
  270 / 13 ـ قال أبو جعفر : حدثنا علقمة بن شريك بن أسلم ، عن موسى بن هامان (5) ، قال : رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) في حبس الرشيد وتنزل عليه مائدة من السماء ، ويطعم أهل السجن كلهم ثم يصعد بها من غير أن ينقص منها شئ (6).
  271 / 14 ـ قال أبو جعفر : حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي ، قال : حدثنا عمارة بن زيد ، قال : قال إبراهيم بن سعد : أدخل إلى موسى بن جعفر (عليه السلام)

---------------------------
(1) نوادر المعجزات : 163 / 5.
(2) نوادر المعجزات : 163 / 6 ، إثبات الهداة 5 : 567 / 119 ، مدينة المعاجز : 427 / 7.
(3) نوادر المعجزات : 164 / 7.
(4) نوادر المعجزات : 164 / 8.
(5) في ( م ) : ماهان.
(6) نوادر المعجزات : 164 / 9 ، إثبات الهداة 5 : 567 / 122 ، مدينة المعاجز : 427 / 8.

دلائل الإمامة _ 322 _

  بسباع لتأكله ، فجعلت تلوذ به وتبصبص له ، وتدعو له بالإمامة ، وتعوذ به من شر الرشيد ، فلما بلغ ذلك الرشيد أطلق عنه ، وقال : أخاف إن يفتنني ويفتن الناس ومن معي (1).
  272 / 15 ـ قال أبو جعفر : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا وكيع ، عن إبراهيم بن الأسود ، قال : رأيت موسى بن جعفر (عليه السلام) صعد إلى السماء ونزل ومعه حربة من نور فقال : أتخوفونني بهذا ؟! ـ يعني الرشيد ـ لو شئت لطعنته بهذه الحربة ، فأبلغ ذلك الرشيد فأغمي ثلاثا وأطلقه (2).
  273 / 16 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، قال : حدثنا أبي (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا أبو علي أحمد بن محمد العطار ، قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران ابن الحجاج ، قال : حدثنا إبراهيم بن الحسن بن راشد ، عن علي بن يقطين ، قال : كنت واقفا بين يدي الرشيد إذ جاءته هدايا من ملك الروم ، كانت فيها دراعة (3) ديباج مذهبة سوداء ، لم أر شيئا أحسن منها ، فنظر إلي وأنا أحد إليها النظر ، فقال : يا علي ، أعجبتك ؟
  قلت : إي والله يا أمير المؤمنين ، قال : خذها ، فأخذتها وانصرفت بها إلى منزلي ، وشددتها في منديل ، ووجهتها إلى المدينة ، فمكثت ستة أشهر ـ أو سبعة أشهر ـ ثم انصرفت يوما من عند هارون ، وقد تغديت بين يديه ، فقام إلي خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يديه ، وكتاب مختوم ، وطينه رطب ، فقال : جاء بهذه الساعة رجل ، فقال : ادفع هذا إلى مولاك ساعة يدخل ، ففضضت الكتاب ، فإذا فيه : ( يا علي ، هذا وقت حاجتك إلى الدراعة ).
  فكشفت طرف المنديل عنها ، ودخل علي خادم هارون فقال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت : أي شئ حدث ؟ قال : لا أدري ، فمضيت ودخلت عليه ، وعنده عمر

---------------------------
(1) نوادر المعجزات : 165 / 10 ، مدينة المعاجز : 428 / 10.
(2) نوادر المعجزات : 163 / 4 ، مدينة المعاجز : 428 / 11.
(3) الدراعة : جبة مشقوقة المقدم.

دلائل الإمامة _ 323 _


  ابن بزيع واقفا بين يديه ، فقال : يا علي ، ما فعلت الدراعة التي وهبتها لك ؟
  قلت : ما كساني أمير المؤمنين أكثر من ذلك ، فعن أي دراعة تسألني يا أمير المؤمنين ؟
  قال : الدراعة الديباج السوداء المذهبة.
  قلت : ما عسى أن يصنع مثلي بمثلها ؟! إذا انصرفت من دار أمير المؤمنين دعوت بها فلبستها ، وصليت بها ركعتين ـ أو أربع ركعات ـ ولقد دخل علي الرسول ودعوت بها لأفعل ذلك.
  فنظر إلى عمر بن بزيع وقال : أرسل من يجيئني بها ، فأرسلت خادمي ، فجاءني بها ، فلما رآها قال : يا عمر ، ما ينبغي لنا أن نقبل قول أحد على علي بعد هذا ، وأمر لي بخمسين ألف درهم ، فحملتها مع الدراعة ، وبعثت بها وبالمال من يومي ذلك (1).
  274 / 17 ـ وروى الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن محمد بن علي ، عن خالد الجوان ، قال : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وهو في عرصة داره ، وهو يومئذ بالرميلة ، فلما نظرت إليه قلت في نفسي : بأبي وأمي سيدي ، مظلوم مغصوب مضطهد ، ثم دنوت منه فقبلت بين عينيه ، ثم جلست بين يديه ، فالتفت إلي ثم قال : يا خالد ، نحن أعلم بهذا الأمر ، فلا يضيقن هذا في نفسك.
  قلت : جعلت فداك ، والله ، ما أردت بهذا شيئا.
  فقال : نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا ، وإن لهؤلاء القوم مدة وغاية ، لا بد من الانتهاء إليها.
  قلت : لا أعود ، ولا أضمر في نفسي شيئا (2).
  275 / 18 ـ أخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ،

---------------------------
(1) الارشاد : 293 ، عيون المعجزات : 99 ، إعلام الورى : 302 ، الخرائج والجرائح 1 : 334 / 25 ، كشف الغمة 2 : 224 ، الصراط المستقيم 2 : 192 / 20.
(2) بصائر الدرجات : 146 / 7 ، الخرائج والجرائح 2 : 869 / 86 ، الثاقب في المناقب : 437 / 372.

دلائل الإمامة _ 324 _


  عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : دخلت على عبد الله بن جعفر بن محمد بعد موت أبي عبد الله (عليه السلام) وكان ادعى الإمامة ، فسألته عن شئ من الزكاة ، فقلت له : كم في المائة ؟
  فقال : خمسة دراهم.
  قلت : وكم في نصف المائة ؟
  قال : درهمين ونصف.
  فقلت : ما قال بهذا أحد من الأمة ، فخرجت من عنده إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستغيثا برسول الله ، فقلت : يا رسول الله ، إلى من ؟ إلى القدرية ؟ إلى الحرورية ؟ (1) إلى المرجئة ؟ إلى الزيدية ؟ فإني لكذلك إذ أتاني رسول أبي الحسن (عليه السلام) ، غلام صغير دون الخماسي ، فقال : أجب مولاك موسى بن جعفر.
  فأتيته فلما بصر بي من صحن الدار ابتدأني فقال : يا هشام! قلت : لبيك ، قال : لا إلى القدرية ، ولا إلى الحرورية ، ولا إلى المرجئة ، ولا إلى الزيدية ، ولكن إلينا ، فقلت : أنت صاحبي ، فسألته فأجابني عن كل ما أردت (2).
  276 / 19 ـ وبإسناده إلى محمد بن أبي عمير ، عن سليم مولى علي بن يقطين ، قال : أردت أن أكتب إليه أسأله : هل يتنور الرجل وهو جنب ؟
  فكتب إلي (عليه السلام) قبل أن أكتب إليه مبتدئا : ( النورة تزيد الجنب نظافة ولكن لا يجامع الرجل مختضبا ، ولا تجامع المرأة مختضبة ) (3).
  277 / 20 ـ وروى عبد الله بن إبراهيم ، عن إبراهيم بن محمد ، قال : حدثنا

---------------------------
(1) أي الخوارج.
(2) في ( ط ) : سألته.
بصائر الدرجات : 270 / 1 نحوه في الكافي 1 : 285 / 7 ، والارشاد : 291 ، والخرائج والجرائح 1 : 331 / 23 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 290 ، وحلية الأبرار 2 : 233.
(3) بصائر الدرجات : 271 / 3 ، التهذيب 1 : 377 / 22 ، الخرائج والجرائح 2 : 652 / 4 ، الثاقب في المناقب : 438 / 374 ، الصراط المستقيم 2 : 193 / 24.

دلائل الإمامة _ 325 _


  علي بن المعلى ، قال : حدثنا ابن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول ونعى إلى رجل نفسه ، فقلت في نفسي : والله ، إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته! فقال شبه المغضب : يا إسحاق ، قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا ، والإمام أولى بعلم ذلك (1).
  278 / 21 ـ وبإسناده عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمار (2) ، قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) ينعى إلى رجل نفسه ، قلت في نفسي : إنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ! فالتفت إلي شبه المغضب ، فقال : يا إسحاق ، كان رشيد الهجري من المستضعفين ، وكان يعلم علم المنايا والبلايا ، والحجة أولى بعلم ذلك.
  ثم قال : يا إسحاق ، اصنع ما أنت صانع ، عمرك قد فني ، وأنت تموت إلى سنتين ، وأخوك وأهل بيتك لا يلبثون إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم ، ويخون بعضهم بعضا.
  قال إسحاق : فقلت : إني استغفر الله مما عرض في صدري.
  قال سيف : فلم يلبث إسحاق بن عمار إلا يسيرا حتى مات ، وما ذهبت الأيام حتى أفلس ولد عمار ، وقاموا بأموال الناس (3).
  279 / 22 ـ أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي ، قال : حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن عمر بن يزيد ، قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : لا يشهد أبو جعفر (4) بالناس موسما بعد السنة.

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 284 / 9 ، الكافي 1 : 404 / 7 ، إثبات الوصية : 166 ، كشف الغمة 2 : 242 ، ونحوه في رجال الكشي : 409 / 768 ، وإعلام الورى : 305 ، والخرائج والجرائح 2 : 712 / 9 .
(2) (عن إسحاق بن عمار) ليس في ( ع ، م ) ، والصواب إثباته كما في الحديث السابق والمصادر.
(3) عيون المعجزات : 98 ، ونحوه في الخرائج والجرائح 1 : 310 / 3 ، والثاقب في المناقب : 434 / 366 ، وإثبات الهداة 5 : 504 / 16 ، ومدينة المعاجز : 459 / 94.
(4) وهو عبد الله بن محمد المنصور الخليفة العباسي ، بويع له سنة (136) وحج في خلافته مرتين ، وفي الثالثة أصيب بإسهال شديد فمات في بئر ميمون قبل أن يصل مكة سنة (158) ، راجع تاريخ بغداد 10 : 53 ـ 61 ، سير أعلام النبلاء 7 : 83 ، الجوهر الثمين 1 : 116 ـ 118 ، مآثر الإنافة 1 : 175.

دلائل الإمامة _ 326 _

  وكان حج في تلك السنة ، فذهب عمر فخبر (1) أنه يموت في تلك السنة ، وكانت تسع عشرة.
  وكان يروى أنه لا يملك عشرين سنة (2).
  280 / 23 ـ وبإسناده عن محمد بن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، قال : أرسل إلي أبو الحسن (عليه السلام) أن ( تحول عن منزلك ) فشق ذلك علي ، فقلت : نعم ، ولم أتحول فأرسل إلي ( تحول ) فطلبت منزلا فلم أجد ، وكان منزلي موافقا لي ، فأرسل إلي الثالثة (3) أن ( تحول عن منزلك ).
  قال عثمان : فقلت : لا والله ، لا أدخل عليك هذا المنزل أبدا ، قال : فلما كان بعد يومين عند العشاء إذا أنا بإبراهيم قد جاء ، فقال : ما تدري ما لقيت اليوم ؟ فقلت : وما ذاك ؟
  قال : ذهبت استقي ماء من البئر ، فخرج الدلو ملآن عذرة ، وقد عجنا من البئر ، فطرحنا العجين ، وغسلنا ثيابنا ، فلم أخرج منذ اليوم ، وقد تحولت إلى المنزل الذي اكتريت.
  فقلت له : وأنت أيضا تتحول ، وقلت له : إذا كان غدا ـ إن شاء الله ـ حين ننصرف من الغداة نذهب إلى منزلك ، فندعو لك بالبركة.
  فلما خرجت من المنزل سحرا ، فإذا إبراهيم عند القبر ، فقال : تدري ما كان الليلة ؟ فقلت : لا والله ، فقال : سقط منزلي العلو والسفل (4).
  281 / 24 ـ وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثني أبو النجم بدر ابن الطبرستاني ، قال : حدثني أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني (5) ، رفعه إلى

---------------------------
(1) في ( ع ، م ) : فخبر عمر.
(2) مدينة المعاجز : 431 / 17.
(3) (الثالثة) ليس في ( ط ).
(4) قرب الإسناد : 145 ( نحوه ).
(5) في ( ع ، م ) : بن الشلمغان.

دلائل الإمامة _ 327 _


  قلت : فمالك أنت ـ جعلت فداك ـ من السلطان ؟
  قال : أعلم ما في المشرق والمغرب ، وما في السماوات والأرض ، وما في البر والبحر ، وعدد ما فيهن وليس ذلك لإبليس ولا لملك الموت (1).
  202 / 38 ـ وبهذا الاسناد إلى أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن بعض رجاله ، عن محمد بن سنان ، عمن حدثه ، عن جابر بن يزيد ، قال : كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) جالسا إذ دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فقال : جعلت فداك ، إني قدمت أنا وأمي قاضيين لحقك ، وإن أمي ماتت دونك.
  قال : فاذهب فأت بأمك.
  قال جابر : فما رأيت أشد تسليما منه ، مارد على أبي عبد الله (عليه السلام) حتى مضى فجاء بأمه ، فلما رأت أبا عبد الله (عليه السلام) قالت : هذا الذي أمر ملك الموت بتركي.
  ثم قالت : يا سيدي ، أوصني.
  قال : عليك بالبر للمؤمنين ، فإن الإنسان يكون عمره ثلاثين سنة فيكون بارا فيجعلها ثلاث وستون سنة ، وإن الإنسان يكون عمره ثلاث وستون سنة فيكون غير بار ، فيبتر الله عمره فيجعلها ثلاثين سنة (2).
  203 / 39 ـ وبإسناده إلى أحمد بن الحسين المعروف بابن أبي القاسم ، عن أبيه ، عن بعض رجاله ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن سعدان بن مسلم ، عن المفضل بن عمر ، قال : كان المنصور قد وفد بأبي عبد الله (عليه السلام) إلى الكوفة ، فلما أذن له قال لي : يا مفضل ، هل لك في مرافقتي ؟ فقلت : نعم ، جعلت فداك ، قال : إذا كان الليلة فصر إلي.
  فلما كان في نصف الليل خرج وخرجت معه ، فإذا أنا بأسدين مسرجين ملجمين.

---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 394 / 126.
(2) مدينة المعاجز : 385 / 89.

دلائل الإمامة _ 328 _


  فتلطف لها ، وأطمعها في نفسك ، فإنها ستدفعه إليك.
  قال علي بن أبي حمزة : فلقيت جندبا بعد ذلك ، فسألته عما كان قال أبو الحسن (عليه السلام) ، فقال : صدق ، والله ، سيدي ، ما زاد ولا نقص (1).
  284 / 27 ـ وأخبرني علي بن هبة الله الموصلي ، قال : حدثني أبو جعفر محمد ابن علي بن الحسين بن موسى القمي ، عن أبيه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي ، قال : حدثنا حماد بن عيسى الجهني ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، فقلت له : جعلت فداك ، ادع الله أن يرزقني دارا ، وزوجة ، وولدا ، وخادما ، وأحج في كل سنة.
  فرفع يده ثم قال : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارزقه دارا ، وزوجة ، وولدا ، وخادما ، والحج خمسين سنة.
  قال حماد : فحججت ثمان وأربعين سنة ، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي ، وهذا ابني ، وهذا خادمي.
  وحج بعد هذا الكلام حجتين ، ثم خرج بعد الخمسين فزامل أبا العباس النوفلي ، فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل ، فجاء الوادي فحمله ، فغرق ، فمات ، ودفن بسيالة (2).
  285 / 28 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد ، قال : حدثنا محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، قال : سمعت العبد الصالح (عليه السلام) يقول : لما حضر أبي الموت قال : يا بني لا يلي غسلي غيرك ، فإني غسلت أبي ، وغسل أبي أباه ، والحجة يغسل الحجة.

---------------------------
(1) إثبات الوصية : 166 ، عيون المعجزات : 98 ، الخرائج والجرائح 1 : 317 / 10 ، الثاقب في المناقب : 462 / 392 ، فرج المهموم : 230 ، كشف الغمة 2 : 241 ، الصراط المستقيم 2 : 190 / 7.
(2) وهي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة ، معجم البلدان 3 : 292 ، قرب الإسناد : 128 ، إثبات الوصية : 168 ، أمالي المفيد : 12 / 11 ، الاختصاص : 205 ، رجال الكشي : 316 / 572 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 306.

دلائل الإمامة _ 329 _

  قال : فكنت أنا الذي غمضت أبي ، وكفنته ، ودفنته بيدي.
  وقال : يا بني ، إن عبد الله أخاك يدعي الإمامة بعدي ، فدعه ، وهو أول من يلحق بي من أهلي ، فلما مضى أبو عبد الله (عليه السلام) أرخى أبو الحسن ستره ، ودعا عبد الله إلى نفسه.
  قال أبو بصير : جعلت فداك ، ما بالك حججت العام (1) ، ونحر عبد الله جزورا ؟
  قال : إن نوحا لما ركب السفينة وحمل فيها من كل زوجين اثنين ، حمل كل شئ ، إلا ولد الزنا ، فإنه لم يحمله ، وقد كانت السفينة مأمورة ، فحج نوح فيها ، وقضى مناسكه.
  قال أبو بصير : فظننت أنه عرض بنفسه ، وقال : أما إن عبد الله لا يعيش أكثر من سنة ، فذهب أصحابه حتى انقضت السنة. قال : فهذه فيما يموت ، قال : فمات في تلك السنة (2).
  286 / 29 ـ وعنه ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ابن محمد ، عن الحسن ، عن أبيه علي بن أبي حمزة ، قال : كنا بمكة وأصاب الناس تلك السنة صاعقة ، ومات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) ، فقال لي مبتدئا : يا علي ، ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا ، إلا أن يجئ منه ريح يدل على موته.
  قلت : جعلت فداك ، كأنك تخبرني أنه قد دفن ناس كثير ما ماتوا إلا في قبورهم ؟ قال : نعم (3) .
  287 / 30 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، (عن محمد بن علي) (4) ، عن علي بن محمد ، عن الحسن ، (عن أبيه علي بن أبي حمزة) (5) ، عن

---------------------------
(1) في إثبات الوصية : ما بالك ما ذبحت العام.
(2) إثبات الوصية : 167 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 224.
(3) الكافي 3 : 210 / 6 ، التهذيب 1 : 338 / 159 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 292.
(4) أضفناه بدلالة ما تقدم من الأسانيد في هذا الباب ، وما يأتي ، راجع معجم رجال الحديث 16 : 289.
(5) أضفناه كما في سند الحديثين السابقين ، ورجال الكشي.

دلائل الإمامة _ 330 _

  الأخطل الكاهلي ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : حججت فدخلت عليه ، فقال لي : اعمل خيرا في سنتك هذه ، فقد دنا أجلك ، فبكيت ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : جعلت فداك ، نعيت إلي نفسي.
  فقال لي : أبشر ، فإنك من شيعتنا ، وإنك إلى خير.
  قال الأخطل : لما لبث عبد الله بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات (1).
  288 / 31 ـ وعنه ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي ابن محمد ، عن الحسن ، عن عيسى شلقان ، قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أريد أن أسأله عن أبي الخطاب ، فقال مبتدئا : ما يمنعك أن تلقى ابني ، فتسأله عن جميع ما تريد ، قال : فذهبت إليه وهو قاعد في الكتاب ، وعلى شفتيه أثر مداد ، فقال لي مبتدئا : يا عيسى ، إن الله (تبارك وتعالى) أخذ ميثاق النبيين على النبوة ، فلن يتحولوا إلى غيرها عنها أبدا ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية ، فلن يتحولوا عنها أبدا ، وأعار قوما الإيمان زمانا ، ثم سلبهم إياه ، وإن أبا الخطاب ممن أعير الإيمان ثم سلبه الله إياه.
  قال : فضممته إلى صدري وقبلت بين عينيه ، فقلت : بأبي أنت وأمي * (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) * (2).
  ثم رجعت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي : ما صنعت يا عيسى ؟ قلت له : بأبي أنت وأمي ، أتيته فأخبرني ، مبتدئا من غير أن أسأله عن شئ ، بجميع ما أردت.
  قال : يا عيسى ، إن ابني الذي رأيته ، لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم.
  قال عيسى : ثم أخرجه ذلك اليوم من الكتاب ، فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر (3).
  289 / 32 ـ وروى الحسن ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ،

---------------------------
(1) رجال الكشي : 448 / 842.
(2) آل عمران 3 : 34.
(3) قرب الإسناد : 143 ، الخرائج والجرائح 2 : 653 / 5 ، مدينة المعاجز : 433 / 26.