الدكتور علي القائمي
  ترجمة : البيان للترجمة مكتبة فخراوي


الطبعة الاولى 1416 هـ ـ 1996م

  الباب الاول : تعريف علائم الخوف وانواعه :

الفصل الاول : مسألة الخوف :
  المقدمة :
  اعتبرت مسألة الخوف واحدة من أهم المشاكل التي يتعرض لها المجتمع البشري ، لانها من الامور التي يواجهها الابوان والمربون على الدوام في ما يتعلق بابنائهم ، ولكونها مصدراً للكثير من الاضطرابات السلوكية لدى الاطفال وحتى عند الفتيان والشبان ايضاً .
  ان عالم الطفل عالم طافح بالخوف ، ويظل هذا الخوف قائماً في نفسه الى ان يكتسب المعرفة الكافية والصحيحة عن المجتمع وما يعج به من ظواهر شتى ، والى ان يتفهم الامور على حقيقتها وكما هي في الواقع .
   ولا يعني كلامنا هذا ان الانسان يفرغ من هاجس الخوف ويضعه جانبا بمجرد نضجه وبلوغه مرحلة الشباب او الرجولة .
   فالتجارب اليومية تكشف لنا عن الملايين من بني الانسان الذين يعيشون فوق هذه الكرة الارضية وتترسم في ذهن كل واحد منهم مخاوف من نمط خاص تدفعه الى استشعار الخوف والانهيار والانسحاق تحت وطأة اقدام الحياة ، ولذلك فهم يرجحون العزلة والانطواء على ذواتهم .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 9 ـ

خطر الخوف :
  الخوف هو الخطر الاعظم الذي يعوق الانسان عن النهوض بمسؤوليته والنجاح في حياته ، ويدفعه الى الابتعاد عن الميادين التي قد يكمن فيها سر نجاحه وسعادته وتكامله في كثير من الاحيان .
  من المؤكد اننا نعرف الكثير من الناس وفي اماكن مختلفة من هذا العالم قد تخلفوا عن احقاق حقوقهم وطاوعوا المذلة والخنوع استجابة لعامل الخوف من الموت واصبحوا مستعدين لتحمل ادنى صفوف الهوان طمعاً في العيش لايام معدودة واخرى ، ورغبة في الحفاظ على ما كسبوا من مال وثروة بالكد والكدح او باساليب اخرى من الاحتيال والمراوغة ، والحقيقة هي ان هذا الشعور المقيت لو خرج من حد الاتزان لصار من أسوأ عوامل الشقاء والتقهقر .
  ما هو الخوف :
  الخوف حالة انفعالية ناتجة عن الشعور بانعدام الأمن ، وهي من أهم الانفعالات الانسانية ، وكما يصفها الغزالي بقوله انها تناظر الغضب في الاهمية .
   وهو استجابة انفعالية تنتج عن خلل طارىء ويخرج بالانسان من مسار سلوكه الاعتيادي .
   ويمكن القول من وجهة اخرى بأن الخوف عاطفة تتبلور على صورة دافع يعرقل اندفاع الانسان نحو مقارعة المشاكل وازالة العوائق التي تعترض سبيله في الحياة ، فيسلبه القدرة على السعي نحو العمل الدؤوب ، وتتلاشى على اثر ذلك قدرته الارادية ، فيفقد القدرة على الفعل والحركة او حتى

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 10 ـ

  على الكلام والدفاع عن نفسه .
  وقد تستخدم كلمتي الخوف والاضطراب بشكل مترادف احياناً ، بينما يوجد هنالك تفاوت واضح بينها .
  فالخوف استجابة لخطر آني وواضح من ظاهرة مشهودة او يمكن رؤيتها وتصورها ، بينما الاضطراب عبارة عن استجابة لخطر محتمل وغير واضح المصدر والمعالم ، يمكن القول بعبارة اخرى بأن الخوف منبثق عن سبب خفي او ظاهر ، الا ان سبب الاضطراب غير معروف .
  فالخوف ينشأ عادة من سبب خارجي ، بينما علة الاضطراب ليس لها سبب محدد .

اساس الخوف وماهيته :
  ماهية الخوف وهو انه استجابة لتهديدات واقعية او وهمية ، ومرده الى الانفعالات الممتزجة بحالة الانتظار عند الانسان ، والتي يعتبرها علماء التحليل النفسي بمثابة البذرة الاولى للتداعي الذهني عند الطفل .
   وتظهر لدى الانسان حينما يجد نفسه معرضا للاصابة بالضرر او الفناء ، فتشير فيه الرغبة نحو حفظ وجوده وصيانة ذاته .
  فالحادثة المحتملة او الواقعة تثير لدى الانسان مشاعر الذعر وتجعله يتوجس خيفة بانها تهدد حياته بالخطر وقد يتكون لديه تصور أيضاً باحتمال وقوع ما يسيء الى شخصية الانسان وتزيحه عن المكانة التي يحظي بها حالياً .
  وبناء على هذا فان ماهية الخوف تتجسد في صيانة الذات في مقابل الخطر والحفاظ عليها منه .
  ومن الطبيعي انه كلما تعمق هذا الشعور كانت نسبة الخوف اشد ، الى ان يصل الشعور بالخطر الى حد الموت ، وهنا يتحول الخوف الى اخطر مرحلة وتكون النتائج والاضرار التي يتمخض عنها في أعلى حد وأقصى درجة .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 11 ـ

شمولية الخوف :
  لا يختص الخوف بفئة دون سواها ، ولا يوجد هناك شخص او جماعة في معزل عنه او خارجين عن نطاق تأثيره ، فالخوف موجود لدى جميع الناس مع تفاوت في الشدة والضعف ، فمشاعر الخوف قد تكثر لدى جماعة من الناس وتقل عند جماعة اخرى ، وقد تخشى طائفة من الناس الامر الفلاني بينما تخشى الطائفة الاخرى امراً غيره فبعض الناس قد لا يخاف ، لانه لا يعلم ولا يدرك أهمية وعظمة الواقعة التي تنتظره كما ورد هذا المعنى في قوله تعالى : « ولانتم اشد رهبة في صدورهم من الله لأنهم قـوم لا يفقهون » (1) .
  فكل انسان عاقل يخشى امراً ما ، ولا بد له ان يخشاه لكي يكون على استعداد لحماية نفسه منه في ساعة الخطر ، ومواجهته بما يناسب من رد الفعل، فمن الخطأ ان نتصور أن الشخص الشجاع يجب ان لا يخشى شيئاً ، اذ لا بد من وجود عنصر لدى اكثرية افراد المجتمع يدفعهم نحو العمل والنشاط واداء ما عليهم من واجبات ، والسير كما يستدعي القانون الاجتماعي ، فالناس الاكثر وعياً ومعرفة هم الاكثر خشية لله ، وما الانسان الجاهل فلا يخشى الا ما يشاكله من عوامل واسباب .
  ان الذي نخشاه من ذكر الخوف هو الخوف المتواصل من حلول الشقاء .

**************************************************************
(1) سورة الحشر : 13 .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 12 ـ

الفصل الثاني : اعراض الخوف :
  المقدمة :
  يتمركز حديثنا في هذا الفصل حول اعراض الخوف والمؤشرات التي تساعد الأبوين على معرفة وجود الخوف عند ابنائهم كي يبادروا الى معالجته فيما اذا اقتضت الضرورة ذلك ، ومعرفة هذه الاعراض تعتبر ضرورة ملحة تسبق اتخاذ أية خطوة في هذا المجال ، وهذا ما يستدعي منا الاشارة الى بعضها كما يلي :

اولاً : الأعراض الظاهرية :
  يلاحظ وجود الاعراض والظواهر التالية عند الاشخاص الذين يعتريهم الخوف والهلع وهي :
  1 ـ ارتعاش في الجسم يؤدي الى شلله واعاقته حتى عن المشي .
  2 ـ شحوب اللون واصفرار الوجه والذهول ، وقد يكون احياناً على هيئة احمرار فوري في الوجه وتغيير في سحناته .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 13 ـ

  3 ـ نضوح قطرات من العرق على الوجه والذهول ، وقد يكون احياناً على هيئة احمرار فوري في الوجه وتغيير في سحناته .
  4 ـ القشعريرة ووقوف شعر الجسم بشكل يلفت انتباه من يراه ، ام حين يراه هو شخصياً .
  5 ـ انفلات التحكم بالمثانة بشكل يصبح معه غير قادر على امساك ادراره أو السيطرة على عضلات المثانة فيخرج الادرار تلقائياً .
  6 ـ جفاف الفم حتى يصعب على اللسان التحرك في داخله ، ويتعسر عليه النطق .
  7 ـ الصراخ الا ارادي طلباً للاغاثة كما لو نظر شخص بنظرات حادة الى طفل رضيع ، فياخذه الطفل بالصراخ تلقائياً .
  8 ـ انهيار القوى البدنية وفقدان القدرة على الحركة ، ونضوب كل ما لديه من طاقة حتى لا يبقى لديه رمق يعينه على الابتعاد عن ساحة الخوف ، وذلك لارتخاء عضلاته وتحلل قواه البدنية .
  9 ـ احتباس انفاسه ، اذ تعتريه حالة من ضيق النفس تقارب الاختناق مما يدفعه الى استنشاق نفس عميق بين الفينة والاخرى لاستعادة اتزانه .
  10 ـ شدة ضربات القلب حتى تصير مسموعة ، وقد تكون هذه الشدة في الضربات سببا للسكتة القلبية في بعض الموارد ، ونحن نعرف اناساً كثيرين ماتوا بالسكة القلبية على اثر الخوف .
  11 ـ اتخاذ وضع هجومي يحاول فيه حشد كل طاقته للدفاع ولقهر حالة الخوف ، وفي مثل هذه الحالة يصبح الشخص في وضع ينذر بالخطر .
  12 ـ التراجع او الفرار من الساحة ، وحينها تبدو له المسافة القصيرة التي يطويها وكأنها طويلة جداً ، او كما يقال : كلما اجهد نفسه بالجري لا يدرك غايته .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 14 ـ

  13 ـ التعب المفرط والشعور بالاعياء وكأنه قد بذل جهداً استثنائياً .
  14 ـ يصاب اللسان بلكنة فيصبح عاجزاً عن اداء الكلمات بشكل صحيح أو يضطر للتحدث كالشخص الالكن ، ولفظ الكلام على علاته سواء كان مفهوماً أو غامضاً .
  15 ـ البكاء ولا سيما في حالات التي يجد فيها نفسه بلا حمى ، وهذا الشعور اكثر ما يلحظ عند الأطفال ولا سيما الأناث .
  16 ـ الالتجاء الى حجر الام او اي شخص اخر يستشعر فيه المحبة والحنان املاً في اغاثته وابعاد عامل الخوف عنه .
  17 ـ الارتباك فلم يعد يدري ماذا يفعل ، فتبدر منه تصرفات تنم عن اضطرابه فيبدو وكأنه يخلط الاشياء مع بعضها .
  18 ـ تغطيه وجهه بيديه وخاصة اذا كان المشهد المخيف على شكل نظرات مرعبة او حين يرى عنصر الخوف قريباً من عينيه .

ثانياً : الاثار الداخلية :
  يؤثر الخوف أيضاً على داخل الانسان ويحدث فيه تغيرات كثيرة ، ولهذه التغيرات والحالات صور متعددة نشير الى بعضها كالاتي :
  1 ـ اضطراب المزاج والذي يؤدي بدوره الى اختلاف الشهية احياناً فيشعر بالشبع مع ما فيه من جوع .
  2 ـ الشعور بالحيرة وانعدام الملاذ وهو ناتج من الشعور بافتقاد الأمن ، فيسعى في مثل هذه الحالة الى البحث عن ملاذ يلتجئ اليه .
  3 ـ تقلص العضلات بشكل غير مشهود وهو ما يؤدي الى تبدد عامل الشجاعة والاقدام لديه ما ينتج عن ذلك من عدم دوران الدم بصورة متوازنة .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 15 ـ

  4 ـ تقلص الأوتار الصوتية ويمكن ملاحظة اثاره من خلال التعمق في نغمة صوتة ، فنرى صوته يتغير ويخفت ، فينطلق بكلمات واضحة الا انها ضعيفة .
  5 ـ الشعور بوجود ثقل على الصدر وكأن صخرة قد استقرت عليه وهو يتهشم تحت وطأة ثقلها .
  6 ـ الشعور بالم في القلب وجوانبه وهذا ناتج عن شدة ضربات القلب التي قد تؤدي الى السكتة القلبية احياناً .
  7 ـ ضعف قواه العقلية الى حد يصبح فيه غير قادر على التمييز بوضوح وعدم القدرة على معرفة الصحيح من الخطأ بل وقد يفعل افعالاً مخالفة للعقل .
  8 ـ عجزه عن التعلم ، فهو غائب عن الدرس عملياً حتى وان كان حاضراً في الصف .
  9 ـ فقدان الحنان والعاطفة ، كما جاء في القرأن الكريم في قوله تعالى « يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى . . . » .
  10 ـ ظهور اختلال في فهم وادراك الامور ، وحتى الرأس نفسه لا يعود يميز بين البرد والحرارة والالم .
  11 ـ وفي بعض الحالات الحادة يظهر عليه نوع من الارتباك والاختلال النفسي يؤدي به الى فقدان ارادته .

ثالثاً : اضطرابات شديدة :
  قد يكون بوسع الاطفال الاكبر سناً اخفاء ما يعتريهم من خوف وبشكل لا يتيح الاخرين الاطلاع على ما يحتلج في داخلهم ، فهم وجلون والرعب يعتمل في باطنهم الا ان قدرتهم على تمالك انفسهم تعينهم على عدم ابداء أي انفعال ظاهري ، وقد يكون الدافع من وراء ذلك هو حفظ كرامتهم وكبريائهم واظهار

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 16 ـ

  شخصياتهم ، ان التكتم على الخوف أمر صعب الا ان الاطفال الاذكياء وذوي الفطنة قادرون على اداء هذا الدور بكل نجاح ، فهم يبذلون جهداً كبيراً للسيطرة على ارتعاش ابدانهم واخفاء تفاعلاتهم الذهنية بالاقدام او الاحجام .
  الا انه من الواضح ان مثل هذا الموقف وهذا التصرف لا يكتب له الدوام والاستمرارية لافتقاده العمق والجذرية فتمر عليهم الدقائق صعبة وثقيلة ، وان ظلت موجبات الخوف قائمة ، فلن يمر وقت طويل حتى تنضب قدرتهم على المقاومة فيستسلمون ، الا ان زمن من الاستسلام هذا يختلف باختلاف الافراد .
  ولو انهم ارادوا الافصاح عما بهم لقالوا انهم قد ارتاعوا من الامر الفلاني وانخلعت قلوبهم فرقا ، وتغيرت احوالهم وأصابهم الاضطراب و . . . الخ .
   وهذه الحالة يمكن التعبير عنها بأساليب وسبل شتى حتى وان لم يتمخض عنها اية اعراض ظاهرية ولا سيما عند الاشخاص الذين لا يترك عليهم عامل الخوف مؤثرات فسيولوجية واضحة .

رابعاً : المخاوف المزمنة :
   اذا كانت عوامل الخوف دائمية وتحولت الى ضاهرة مزمنة ، فانها ستترك آثاراً واعراضا على الشخص وتنفرز عنها نتائج واضحة يمكن الاشارة الى اهمها في ما يلي :
  1 ـ الانطوائية والعيش بعيدا عن بقية المجتمع .
  2 ـ مص الاصابع ، وقضم الاظافر ، وعض الشفة قلقا وقلع الشعر و . . . الخ .
  3 ـ حب البروز والظهور والضجيج بصورها المختلفة ، بل وحتى تغيير انماطها واشكالها .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 17 ـ

  4 ـ الحياء والارتباك ، الدوار والانبهار ، وتتجسد هذه الصفات على هيئة قلة الكلام ، والاختفاء عن افراد المجتمع وعدم الاندكاك معهم .
  5 ـ الحيرة والانكسار النفسي واليأس من الحياة والبرود في اداء الواجبات والاعمال .
  6 ـ الارتباط والتعلق الشديد بالشخص الذي يجد فيه مأمناً وملاذاً .
  7 ـ اضطراب النوم وهي صفة تبرز في حالات الاضطراب أيضاً .
  8 ـ الميل الى الكذب والخداع وهي عادة تظهر عند الافراد في ظل تعودهم على الخوف .
  وصفوة القول هي :
  ان الخوف يسلب من الانسان استعداده البدني وقدرته على الحركة والعمل ويحدث نوعاً من الاختلال في جسمه والأبعاد الاخرى من حياته ، ويضعف الميول الغريزية عند الكبار الى ادنى درجة ممكنة ، إذ يؤدي الى شل حركة الشخص ويجعل منه تمثالاً لاروح فيه ولانشاط ، لا يمتلك القوة البدنية ولا الارادة ، فهو خال من القلب والشعور ، وأعماله اليومية معطلة ، والاهداف التي يسعى اليها عرضة للفناء والزوال .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 18 ـ

الفصل الثالث : انواع الخوف :
  يختلف الخوف عند الاشخاص من حيث الكيفية والمنشأ ، اذ يمكن مشاهدة الفوارق فيما بينهم بكل وضوح ، وسنحاول هنا تقسيمها الى الابواب التالية لكي تتيسر دراستها ، وليلتفت اليها الوالدان والمربون ويتخذوا المواقف المدروسة ازاء كل واحد منها :
  1 ـ الفطري والاكتسابي :
  قد تكون المخاوف فطرية ، ترافق الطفل منذ ولادته ، او قد تكون اكتسابية يتعلمها من المحيط ، ويمكن الاشارة الى نماذج من المخاوف الفطرية كالآتي :
  أ ـ الخوف من عدم وجود الملاذ ، فالطفل حينما يستيقظ من نومه مثلاً ولا يرى امه الى جانبه ، ويبدأ بالتأوه والبكاء ، اما كبار السن من امثالنا فاننا حينما نشعر بعدم وجود الملاذ الذي نأوي اليه ينتابنا شعور بأننا محكومون بالموت .
  ب ـ الخوف من الاصوات المرعبة بحيث ان الطفل يهب من نومه فزعاً حين سماعه لصوت مرعب وهو يصرخ وعلائم الهلع مرتسمة على عينيه .
  ج ـ الخوف من فقدان الإتزان ، فلو اننا سحبنا الوسادة من تحت رأس الطفل نراه يصاب الذعر الشديد .

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 19 ـ

  د ـ الخوف من السقوط ، او الوقوع ، والخوف من الألم ومن الأشخاص الغرباء ومن الاماكن العميقة والحفر والآبار ، وقال البعض ان هذا الخوف يعد من انواع الخوف الفطري .
  ويمكن الاشارة الى انواع أخرى من الخوف الاكتسابي ( سوى ما يتخذ طابعاً مرضياً وينبثق من اعماق الانسان ) ونحن على ثقة من ان الطفل قد أخذها عن أمه وابيه والاشخاص المحيطين به ... الخ .
  وهذا الصنف الاخير من الخوف يمكن معالجته بنسبة كبيرة .
  2 ـ المنطقي والوهمي :
  بعض انواع الخوف له اساس منطقي والبعض الآخر وهمي لا اساس له .
  أ ـ وتطلق هنا كلمة الخوف المنطقي على الخوف الذي يقره العقلاء كالخوف من الوحش الكاسر حين يكون جائعاً وهائجاً ونقابله بأيدٍ عزلاء لا وسيلة لنا في الدفاع ولا قدرة لنا على الفرار، فهذا الخوف عقلائي من حيث كونه بمثابة الانذار الذي يحذر الانسان من العواقب الوخيمة ويدفعه لصيانة نفسه ، والعثور على سبيل للنجاة في الوقت المناسب .
  ب ـ اما الخوف الوهمي فهو مانصطلح عليه بالاوهام والخيالات المتأصلة في الانسان فمن الطبيعي اننا لانعتبر امثال هذه المخاوف منطقية او معقولة ، لان العقل لايقرها حتى وان كانت لدى الشخص الخائف ادلة وتبريرات يبرهن بها صحة هواجسه ، لقد ظهر من نتائج التحقيقات التي اجراها المتخصصون ان 80 ـ 90 % من مخاوف الاشخاص وهمية وليس لها اساس ولايؤيدها المنطق ولا العقل، ويمكن الاشارة الى امثلة منها في ما يلي :
  الخوف من الاشياء المرتفعة ، الخوف من الاماكن المفتوحة ، الخوف من الامراض المعدية ، الخوف من الازدحام ، الخوف من التسمم ، الخوف من عدم

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 20 ـ

  الوصول الى المكان الذي يريد الوصول اليه ، الخوف من الريح والمطر ، الخوف من الوحدة ، الخوف من الوقوف في الاماكن الخالية من الناس ، الخوف من الصعود في المصعد الكهربائي ، الخوف من دخول المناجم ، الخوف من الدخول في الميادين الواسعة لكي لا يخوض في ما قد يحصل فيه من اضطرابات ، الخوف من بلوغ طريق مسدود و ... الخ .
   وقد أشار فريق من علماء النفس الى نوع من الخوف الوهمي يدعى فوبي او العصاب ( سنبحثه لاحقاً ) .
  ان امثال هذه المخاوف تعد بمثابة السد الذي يقف في طريق سعادتنا ويغلق امامنا سبل التكامل ويمهد النفوس للوقوع في المسكنة والذلة ، ويزعزع الارادة ، فلا بد اذن من اتخاذ موقف التصدي لها والعمل على ازالتها .
  3 ـ الخوف العادي والمرضي :
  وقد تكون للامراض من وجهة نظر اخرى صورة عادية او مرضية :
  أ ـ فالخوف العادي هو ما يظهر لدى اغلب الناس نتيجة لسوء التربية ، وتجارب الحياة وسوابقها وما واجه من فشل وصدمات ، فالطفل الذي أرعبته قطة او سببت له الفزع فليس من المستبعد اذا ظل يخشاها ، والطفل الذي هاجمه كلب او تعرض لصعقة التيار الكهربائي اثناء ملامسة يده للسلك الكهربائي ، من الطبيعي ان يخاف امثال هذه المشاهد .
  وعلى هذا الاساس فالاشخاص الذين تعرضوا لحوادث مخيفة في الماضي ، لهم الحق ـ الى حد ما ـ في ان يخافوا : بل ويعد هذا أمراً طبيعياً من امثال الطفل الذي سقط في حوض الماء يوماً او لامست يده النار فاكتوى بها .
  ب ـ اما الخوف الذي نسميه بالخوف المرضي فهو المنبثق عن نوع من المرض او الاختلال في الجهاز العصبي او الاضطراب النفسي ، ومن الامثلة الواضحة على هذه الحالة يمكننا الاشارة الى ما يلي : ـ

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 21 ـ

  أولاً : المخاوف غير الطبيعية المسماة بالرهاب اوالفوبيا وعرفوها بأنها اسلوب من أساليب الفرار من الصراعات ، ( وهذا ما سنشرحه بالتفصيل فيما بعد ).
  ثانياً : المخاوف الناتجة عن الوسوسة كالخوف من التلوث ، والخوف من التماس مع الآخرين ، والخوف من الأنفاس الملوثة بالجراثيم والخوف من ان يدفعه شخص اخرمن فوق سطح مرتفع و ...
  ثالثاً : الخوف من الاشياء الخطيرة كالخوف من المدية خشية ان تفتح وتجرحه .
  رابعاً : الخوف من الحوادث المؤلمة كخوفه من الإصابة بمرض السرطان .
  خامساً : الخوف من الوساوس الجنسية ، فهو يتوجس خيفة لئلا يكون ملوثاً جنسياً .
  سادساً : المخاوف العصبية او ما يسمى بالفزع الذي قد يهجم على القلب على حين غرة فيسلبه هدوءه واستقراره ، وقد يتحول مثل هذا الخوف الى عادة تهيمن على كل وجوده من غير سبب واضح ... الخ .
  وقد وصف علماء النفس مايقارب الثلاثين نوعاً من هذه المخاوف وقدموا لها تعريفات محددة وواضحة ، ونبهوا الى ان غالبيتها ناشئة عن جذور من اللاوعي الذي ترسب في النفس منذ فترة الطفولة وحتى منذ ساعة الولادة ، ولا يمكن العثور على اسباب شخصية لها ، وليس في استطاعة المرضى التغلب على مثل هذه الامراض ، ولهذا يصاب معظمهم بالقلق والاضطراب ، وقد تكون بعض أنواع الخوف ناتجةعن انعدام الجرأة ، وهو ما يمكن العثور على مصاديق له عند الكبار كالخوف من الجنون والخوف من الزواج والخوف من الصراعات والخوف من الفشل .
  4 ـ الخوف الواقعي والوهمي : بعض انواع الخوف واقعي اما بعضها الآخر فهو وهمي ونقدم في ما يلي شرحاً مختصراً لكل منها :

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 22 ـ

  أ ـ الخوف الواقعي هو ذلك الخوف الناتج عن رؤية او سماع او لمس الاشياء الخطيرة كالخوف من الذئب او الحيوان المفترس ، وقد تكون لهذه المخاوف صورة منطقية او وهمية اوعادية وغير عادية .
  ب ـ اما الخوف الوهمي فهي التسمية التي تطلق على الخوف الذي تنسجه قدرة التخيل عند الطفل ، وربما يتحول بعض انواع هذا الخوف الى مرض يبقى ملازماً لشخصيته ، ومن انواعه المعروفة الخوف من الظلام، والكوابيس ، والخوف من الزواج ، ومن علائمه الاستجابة الانفعالية الشديدة فقد يتصور الطفل البالغ من العمر ست سنوات بأن شخصاً يختفي تحت سريره ، او يتوهم الطفل وهو في سن الخامسة ان حيواناً مفترساً يوشك على الانقضاض عليه .
  اما السبب الذي من أجله يسمى هذا الخوف بالخيالي فهو عدم وجود اسبابه ومبرراته الحقيقية بل هو ناتج عن مرض او هواجس نفسية اوغير منفصل في الحقيقة عن بقية العوامل ، بل لا بد من وجود عوامل تثيره عند الاشخاص ، من جملة ذلك : التخمة والتحدث مع الاطفال الشديدي الخوف ومواجهتهم في حياتهم اليومية لمشاهد غريبة ومستعصية على اذهانهم .
  5 ـ المخاوف الليلية والنهارية :
  الخوف بعضه نهاري وبعضه ليلي ، فالخوف الذي يراود الانسان في النهار يتعلق بصميم حياته العادية اليومية كالخوف من العقوبة ، والخوف من فقدان المحبوبية ، والخوف من الاستهزاء ، والخوف من حلول الاذى به ، والخوف من سوء التفاهم ، والخوف من التعرض للانتقاد ، والخوف من هيمنة الآخرين عليه ، والخوف من فقدان ماله او حياته او كرامته .
  اما الخوف الليلي فجذوره نابعة من الاوهام والتخيلات والهواجس وهو وان كان انعكاساً لحوادث الحياتية اليومية ، الا انه يجسد نفسه ليلا على صورة كوابيس مرعبة ، فاذا ما شعر في بعض الاوقات بالحياء او تأنيب الضمير يبقى

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 23 ـ

  طوال الليل يعاني من ذلك حتى يسلبه الراحة والاستقرار ، شأنه في ذلك شأن خوف الطفل من حالة الصراع بين والديه وقلقه من احتمال ابتعاده عنهما ، او مثل الهواجس التي تنتابه حين يرتكب مخالفة فيظل خائفاً يترقب الحساب او العقوبة .
  6 ـ الخوف الخاص والعام :
  قد يكون الخوف خاصاً حيناً ، وعاما أحيانا اخرى :
  أ ـ الخوف الخاص هو الذي يتعلق بمسألة خاصة دون سواها فنعرف على سبيل المثال ـ أشخاصا شجعان نسبياً إلا انهم يخافون من الصرصر أو الفأرة ، ورغم عدم امتلاكهم الدليل المنطقي على خوفهم هذا ، الا انهم لايستطيعون نسيانه او التخلص منه ، ولا شك ان السبب الرئيسي لخوف هؤلاء الاشخاص هو التجربة المؤلمة او الانعكاسات التربوية المغلوطة .
  ب ـ الخوف العام ويشمل الخوف من عوامل خارجية كثيرة والقلق منها وغالباً ما يلاحظ هذا على الاشخاص الجبناء فهم يخشون الكثير من الأشياء كالرعد والبرق مثلاً ، ويخافون كذلك من الجن والعفاريت ومن الحيوانات والاشخاص الغرباء و . . . الخ .
  7 ـ الخوف العلني والخفي :
  وقد يكون الخوف علنيا او خفياً :
  أ ـ فالخوف العلني يمكن مشاهدة آثاره بكل وضوح على الكثير من الناس اطفالاً وصبياناً وشباناً ، ونواجه يومياً عشرات الاشخاص الذين يخافون من اشياء وأشخاص وظروف مختلفة ، فيظهر عليهم الارتعاش او الشحوب نتيجة لوجود هذا الخوف .
  ب ـ اما الخوف الخفي فهو الذي يعاني منه الاشخاص من ذوى الغرور والكبرياء ويحاولون جهد استطاعتهم كتمانه لكي لاتطفو مؤشراته على

 الاطفال ومشاعر الخوف والقلق   ـ 24 ـ

  ملامحهم ، فالاضطراب يعصف في اعماقهم الا انهم يضغطون على انفسهم حتى لايتسرب شيء منهم الى الخارج .
  يعاني مثل هؤلاء الاشخاص عادة الاضطراب وعدم السكينة اثناء النوم ويتجسد خوفهم على هيئة أحلام مزعجة وحركات عصبية وتبول غير ارادي.
  8 ـ الخوف النافع والخوف الضار :
  واخيراً لابد من التنويه الى ان بعض انواع الخوف مفيد وبعضه الآخر مضر :
  أ ـ فالخوف المفيد هو ما يدفع الانسان للحركة والنشاط ويحثه على توفير الارضية التي تضمن بقاء الانسان وصيانة وجوده ... وهذا الخوف مفيد من حيث كونه بمثابة الانذار والتنبيه الذي يحذر الانسان من الاخطار التي قد يتعرض لها ، ولا بد لنا من التحلي بمثل هذا الخوف لنستطيع بواسطته حفظ سلامتنا وعزتنا وبقائنا .
  ب ـ وفي مقابل الخوف المفيد المضر ، وتكمن مضرته في كونه يمثل خطراً على الانسان وينأى به عن الواقع ويبعده عن حقائق الامور ، ويبعث في نفسه مزيداً من القلق والاضطراب والمتاعب ، وحتى الخوف من الامتحان هو من نوع الخوف المضر وذلك لأن الانسان لابد وان يتعرض له شاء ذلك أم ابى ، لكي تتكشف حقيقة حاله له وللآخرين ، اذن فعليه ان لايخافه بل وعليه الاستعداد لمواجهته أيضاً ، وعدم التساهل في ذلك او الميل نحو الكسل والخمول .