رأى فان الشيطان لا يتشبه بي ، فقال له موسى : إني إنما أمسكت عن أجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي ظهر منك ، وبالله لئن بلغني بعد هذا الوقت إنك تحدث بهذا لأضربن عنقك وعنق هذا الذي جئت به شاهدا علي .
فقال له أبو بكر : إذا يمنعني الله وإياه منك ، فاني إنما أردت الله بما كلمتك به ، فقال له : أتراجعني ياماص
موسى على سريره .
ثم قال : خذوه فأخذوا الشيخ عن السرير واخذت أنا فوالله لقد مر بنا من السحب والجر والضرب ، ما ظننت اننا لا نكثر الأحياء أبدا
، وكان أشد ما مر بي من ذلك ان رأسي كان يجر على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي وموسى يقول : اقتلوهما بني كذا وكذا ـ بالزاني لا يكنى
ـ وأبو بكر يقول له : امسك قطع الله لسانك وانتقم منك اللهم إياك أردنا ولولد نبيك غضبنا وعليك توكلنا فصير بنا جميعا إلى الحبس فما لبثنا في الحبس إلا قليلا والتفت إلي أبو بكر فرأى ثيابي قد خرقت وسالت دمائي .
فقال : يا حماني قد غضبنا لله حقا واكتسبنا في يومنا هذا أجرا ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله ، فما لبثنا إلا مقدار غدائه ونومه حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه وطلب حمار أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبرا ، فتعبنا في المشي إليه تعبا شديدا وكان أبو بكر إذا تعب في مشية جلس يسيرا ثم يقول : اللهم إن هذا فيك فلا تنسه ، فلما دخلنا على موسى وإذا هو على سرير له فحين بصرنا به قال لنا : لا حيا الله ولا قرب من جاهل أحمق
يتعرض لما يكره ، ويلك يادعي ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم ، فقال له أبو بكر : قد سمعت كلامك والله حسيبك ، فقال له : إخرج قبحك الله والله لئن بلغني ان هذا الحديث شاع أو ذكر عنك لأضربن عنقك ، ثم التفت إلي فقال لي : يا كلب ، وشتمني وقال : إياك ثم إياك ان تظهر هذا فانه إنما خيل لهذا الشيخ الأحمق شيطان يلعب به في منامه ، اخرجا عليكما لعنة الله وغضبه .
فخرجنا وقد آيسنا من الحياة ، فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلما أراد أن يدخل منزله التفت إلي وقال : إحفظ هذا الحديث واثبته عندك ولا تحدثن هؤلاء الرعاع
(1) ولكن حدث به أهل العقول والدين )
(2) .
43 ـ حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت ، قال : ( حضر الرضا ( عليه السلام ) مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء [ أهل ]
(3) العراق وخراسان ، فقال المأمون : أخبروني عن معنى هذه الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )
(4) فقالت العلماء : أراد الله عز وجل بذلك الامة كلها ، فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : لا أقول كما قالوا ولكني أقول : أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة ، فقال المأمون : فكيف عنى العترة من دون الامة ؟ فقال الرضا ( عليه السلام ) : انه لو أراد الامة كلها لكانت أجمعها في الجنة ، لقول الله تبارك وتعالى : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير )
(5) ، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : ( جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ) ، فصارت الوارثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، فقال المأمون : من العترة الطاهرة ؟
-------------------------------
(1) الرعاع : سفلة الناس .
(2) رواه الشيخ في أماليه 1 : 329 ، عنه البحار 45 : 390 .
(3) من العيون .
(4 و 5 ) فاطر : 32 .
بشارة المصطفى ( ص ) لشيعة المرتضى ( عليه السلام )
_350 _
فقال الرضا ( عليه السلام ) : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال جل وعز : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )
(1) ، وهم الذين قال رسول الله : اني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، [ ألا ]
(2) وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، انظروا كيف تخلفوني فيهما ، ايها الناس لا تعلموهم فانه
(3) أعلم منكم ، قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أو غير الآل ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : هم الآل ، فقالت العلماء : فهذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يؤثر عنه
(4) ، انه قال : امتي آلي ، وهؤلاء أصحابي يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد امته ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل ؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الامة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الآل والامة ويحكم أين يذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون
(5) ، أما علمتم انه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سايرهم ، قالوا : [ ومن ]
(6) أين يا أبا الحسن ؟
قال : من قول الله عز وجل : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ )
(7) ، فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم ان نوحا ( عليه السلام ) حين سأل ربه عز وجل ، فقال : ( رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ )
(8) ، وذلك ان الله عز وجل وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )
(9) ، فقال المأمون : هل فضل الله العترة على سائر الناس ( في محكم
-------------------------------
(1) الأحزاب : 33 .
(2) من العيون .
(3) في العيون : فانهم .
(4) يعني : يحدث عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
(5) اقتباس من الكريمة : الزخرف : 5 .
(6) من العيون .
(7) الحديد : 36 .
(8) هود : 45 .
(9) هود : 46 .