في خلافة أبي بكر .
وعثمان إنما تزوج رقية في مكة ، ثم ماتت في المدينة مرجع المسلمين من غزوة بدر ، فتزوج بعدها أم كلثوم ، وماتت في سنة ثمان ،
وقيل : ماتت ولم يبن بها عثمان .
أن زينب لم تتزوج عثمان قطعاً.
(... وأم كلثوم خرجت إلى أبي العاص ، بن الربيع ، بن عبد العزى بن عبد شمس ، وزينب خرجت إلى عثمان أيضاً)
.
مع أن العكس هو الصحيح ، فإن زينب تزوجها أبو العاص ، وأم كلثوم تزوجها عثمان كما هو معلوم.
ماذا عن بنات رسول الله (ص) :
وأما بالنسبة لكون زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، اللواتي كبرن ، وتزوجن إحداهن ابا العاص بن الربيع ، والأخرى عثمان بن عفان ، فإننا
نقول :
إنهن لسن بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحقيقة ، وذلك يحتاج إلى توضيح في حدود ما يسمح لنا به المجال والوقت ،
شرط أن لا نزهق القارئ بالنصوص والتفاصيل الكثيرة والمتشعبة ، بل نكتفي بالقول السديد ، وبالمختصر المفيد إن شاء الله تعالى ، فنقول :
رقية وأم كلثوم في عصمة أبني أبي لهب :
إنهم يقولون : إن رقية وأم كلثوم كانتا قد تزوجتا في الجاهلية بابني أبي لهب ، فلما بعث النبي (ص)
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 31 _
ونزل قوله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.
أمر أبو لهب ولديه بطلاقهما ، وكذلك فعلت زوجته حمالة الحطب ، محتجة لذلك بأنهما قد صبتا إلى دين أبيهما.
فطلقاهما قبل الدخول ، فتزوجت رقية بعثمان بن عفان ، وهاجرت معه إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة ، وكانت حاملاً ،
فأسقطت علقة في السفينة كما ذكره البعض ثم رجعت معه إلى المدينة ، وماتت هناك.
وثمة أقاويل وتفاصيل أخرى لا حاجة لإيرادها هي الأخرى موضع شك وريب ، ونكتفي ها هنا بما ذكر.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 32 _
ونقول :
الأدلة والشواهد
إن لدينا من الأدلة والشواهد ما يكفي للحكم بعدم صحة هذه المزاعم ، ونذكر منها الدلائل التالية :
1 ـ بنات النبي ولدن في الإسلام :
قال المقدسي : ( عن سعيد بن أبي عروة ، عن قتادة ، قال :
ولدت خديجة لرسول الله (ص) : عبد مناف في الجاهلية.
وولدت في الإسلام غلامين وأربع بنات : القاسم ، وبه كان يكنى : أبا القاسم ، فعاش حتى مشى ثم مات ، وعبد الله مات صغيراً ،
وأم كلثوم ،
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 33 _
وزينب ورقية ، وفاطمة ) .
وقال القسطلاني ، والديار بكري : (وقيل : ولد له قبل المبعث ولد يقال له : عبد مناف ، فيكونون على هذا إثني عشر ، وكلهم سوى هذا وُلِدوا في الإسلام بعد المبعث ).
وقد صرح الزبير بن بكار وغيره بأن عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية ، قد ولدوا كلهم بعد الإسلام .
وقال السهيلي أيضاً : ( كلهم ولدوا بعد النبوة) .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 34 _
فإذا كانت رقية قد ولدت بعد المبعث ، كما يقوله هؤلاء ، فكيف يصح أن يقال : إنها تزوجت في الجاهلية بابن أبي لهب ، فلما جاء الإسلام أسلمت ، فطلقها زوجها ، فتزوجها عثمان ، وحملت منه ، وأسقطت علقة في السفينة ، وهي مهجرة إلى الحبشة ، بعد البعثة بخمس سنوات فقط ؟!
وكذلك الحال بالنسبة لأم كلثوم ، فإنها إذا كانت قد ولدت بعد المبعث ، فكيف تكون قد تزوجت في الجاهلية ، ثم لما أسلمت بعد المبعث طلقها زوجها قبل الهجرة إلى الحبشة ؟!
2 ـ تبت يدا أبي لهب وتب :
لقد ذكروا : أن أبا لهب قد أمر ولديه بطلاق بنتي النبي (ص) ، بعد نزول سورة : تبت يدا أبي لهب وتب ، ووافقته على ذلك
زوجته حمالة الحطب ،
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 35 _
محتجة بأن هاتين البنتين قد صبتا إلى دين أبيهما ثم تزوج عثمان رقية وهاجر بها إلى الحبشة.
ونقول :
ألف ـ إن ذلك يتنافى مع قولهم : إن هذه السورة (سورة المسد) قد نزلت حينما كان المسلمون محصورين في شعب أبي طالب ،
لأن الحصر في
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 36 _
الشعب قد بدأ في السنة السادسة من البعثة ، أي بعد الهجرة إلى الحبشة بسنة.
ونحن نرجح هذه الرواية على تلك الرواية التي تقول : إنه (ص) حين نزل قوله تعالى : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } صنع لهم
طعاماً ودعاهم ، فقال له أبو لهب : تباً لك ، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت : تبت يدا أبي لهب وتب .
وذلك لأن هذه السورة قد نزلت جملة
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 37 _
واحدة ، كما هو ظاهر لا يخفى من سياقها وكما صرّحوا به قد تضمنت الإزراء على أم جميل لأذاها لرسول الله(ص) .
ومن الواضح : أن تعرض قريش لرسول الله(ص) بالأذى ، قد كان بعد نزول آية إنذار العشيرة ، وذلك حينما بدأ يذكر آلهتهم ،
ويسفّه أحلامهم.
ويؤيد ذلك : أنه قد قيل في سبب نزول السورة أيضاً : إنه كان إذا وفد على النبي(ص) وفد سألوا عمه عنه ، وقالوا : أنت
أعلم به ، فيقول لهم : إنه ساحر ، فيرجعون عنه ، ولا يلقونه.
فأتاه وفد ، فقال لهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، فقال : إنا لم نزل نعالجه من الجنون ، فتباً له .
فأُخبِر النبي (ص) بذلك ، فحزن ، ونزلت
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 38 _
السورة .
ومن الواضح : أن محاولة اتصال الوفد به (ص) واتصاله هو بالوفود قد كانت متأخرة عن نزول آية إنذار العشيرة بسنوات.
ب ـ إنه إذا كان طلاق رقية وأم كلثوم قد حصل بعد نزول سورة المسد ، وبعد تعرُّض المشركين للنبي(ص) بالأذى ، فإن ما يثير
التساؤل هنا هو السبب الذي جعل ابني ابي لهب يمتنعان عن الدخول بزوجتيهما ، اللتين كانتا في وضع لا يمنع من ذلك.
وها هو عثمان يتزوج إحداهما ويدخل بها فوراً ، فتحمل منه ، وتسقط علقة في السفينة حين هجرتهما
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 39 _
إلى الحبشة ، كما يدّعون !!.
ج ـ يقول البعض : ( أما رقية ، فتزوجت من عتبة بن أبي لهب ، فمات عنها ).
وعليه فإن دعوى طلاق ابن أبي لهب لرقية تصبح موضع شك أيضاً ، ولا يبقى وثوق بالسبب الذي ادعوه لذلك ، وهو نزول السورة
وإسلام البنات ، فتترجح رواية نزول السورة ، والمسلمون محصورون في الشعب.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 41 _
الفصل الثالث
3 ـ إن شانئك هو الأبتر
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 43 _
3 ـ إن شانئك هو الأبتر
أخرج الزبير بن بكار ، وابن عساكر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال :
توفي القاسم ابن رسول الله (ص) بمكة ، فمرّ رسول الله(ص) ، وهو آت من جنازته ، على العاصي بن وائل وابنه عمرو ، فقال
حين رأى رسول الله : أني لأشنؤه .
فقال العاصي بن وائل : لا جرم لقد أصبح أبتر.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 44 _
فأنزل الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } .
ورواية أخرى تقول : ولد لرسول الله (ص) القاسم ، ثم زينب ، ثم عبد الله ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة ، ثم رقية. فمات القاسم
أولاً ، ثم مات عبد الله ، فقال العاصي : قد انقطع نسله ، فهو أبتر ، فنزلت الآية .
وروى البعض : أن الآية نزلت في عمرو بن العاص ، لا في العاص نفسه .
وفي رواية السدي وابن عباس : أن الآية نزلت حين قال العاص بعد موت ابن لرسول الله.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 45 _
وحسب تعبير آخر : بعد موت ولد رسول الله .
وقل نزلت في عقبة بن أبي معيط لأجل ذلك .
أو في أبي لهب كذلك أيضاً .
أو في قريش في هذه المناسبة كذلك .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 46 _
ولكن رواية أخرى ذكرت : أن الآية نزلت في أبي جهل حين قال ما قال بمناسبة موت إبراهيم ابن رسول الله (ص) .
وقيل غير ذلك.
ونقول :
إن المشهور هو أن القاسم كان أكبر وُلِد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 47 _
والرواية السابقة التي هي مورد البحث تدل على أنه قد مات بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكيف إذا كان عبد الله قد مات بعده بشهر ،
فإن الأمر يصبح أكثر وضوحاً ، حيث سيأتي : أن عبد الله قد ولد ومات بعد النبوة قطعاً.
وهم يقولون : إنه حين مات القاسم كان عمره سنتين وقيل : عاش حتى مشى .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 48 _
وجمع البلاذري بين هذين القولين فقال : (مات وقد مشى ، وهو ابن سنتين ).
وآخرون يقولون : إن أولاد النبي (ص) ماتوا رضّعاً ، زاد بعضهم قوله : قبل المبعث وعلى حد تعبير آخر : ( ماتوا
صغاراً جداً ).
وقال مجاهد عن القاسم : عاش سبعة أيام (أو ليال).
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 49 _
وقيل : عاش سبعة عشر شهراً .
وعند السهيلي : ( بلغ القاسم المشي ، غير أن رضاعه لم يتم ).
وفي نص آخر :( أما القاسم والطيب فماتا بمكة صغيرين ).
وبعض آخر يقول : بلغ القاسم أن يركب الدابة ، ويسير على النجيبة .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 50 _
أما اليعقوبي ، فقد قال :( كان للقاسم يوم توفي أربع سنين ).
شواهد على أن القاسم مات بعد النبوة :
فإذا كان القاسم قد مات صغيراً ، فلننظر متى ولد القاسم ، على وجه التقريب ، فقد جاء في مسند الفريابي ما يدل على أنه ولد في
الإسلام.
ويدل على ذلك الروايتان التاليتان :
ألف ـ ما روي من أنه لما توفي القاسم كان له أربع سنين ، ثم توفي عبد الله بن رسول الله بعده بشهر ، ولم يفطم .
فقالت خديجة : يا رسول الله ، لو بقى حتى أفطمه.