وخلاصة الأمر : إن سورة الكوثر قد نزلت بعد عدة سنوات من البعثة ، حيث إنها هي السورة الرابعة عشرة بحسب ترتيب نزول
السور الوارد في رواية ابن عباس .
والمستفاد هنا : أن رقية وأم كلثوم قد ولدتا بعد موت القاسم ، وعبد الله ، أي بعد البعثة بسنوات أيضاً ، فكيف تكونان قد تزوجتا أبناء أبي
لهب في الجاهلية ، ثم تزوجت رقية عثمان وهاجرت إلى الحبشة في الخامسة من البعثة ، وحملت فأسقطت علقة في السفينة ؟!
أبطأ عليه الولد من بعده ، فبينا رسول الله(ص) يكلم رجلاً ، والعاص بن وائل ينظر إليه ، إذ قال له رجل : من هذا ؟
قال : هذا الأبتر ، يعني النبي (ص).
وكانت قريش إذا ولد الرجل ثم أبطأ عليه الولد من بعده قالوا : هذا الأبتر.
فأنزل الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } ، إن مبغضك هو الأبتر الذي بتر من كل خير.
ثم ولدت له زينب ، ثم ولدت له رقية ، ثم ولدت له القاسم ثم ولدت الطاهر ثم ولدت المطهر ، ثم ولدت الطيب ، ثم ولدت المطيب ، ثم
ولدت أم كلثوم ، ثم ولدت فاطمة ، وكانت أصغرهم ).
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 54 _
وهذه الرواية تفيد : أن نزول سورة الكوثر قد كان قبل ولادة جميع أبنائه (ص) ما عدا عبد الله الذي كانت ولادته في الإسلام عند
جل المؤرخين .
فيكون تزويج رقية وأم كلثوم من ابني أبي لهب ثم من عثمان محض خيال من الرواة ومن تحرضاتهم.
لكن القول هنا بأن عبد الله هو أكبر أولاد النبي (ص) خلاف ما هو مشهور ، وذلك لا يوجب القطع ببطلان الرواية ، فرب مشهور لا
أصل له ، ولا منطق يساعده.
تناقض غير مقبول :
وقد روى أبو هلال العسكري هذه الرواية عل
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 55 _
النحو التالي :
(مات القاسم والطاهر ـ قبل النبوة ـ فمر رسول الله(ص) راجعاً من جنازة القاسم على العاص بن وائل السهمي ، وابنه عمرو ، فقال
عمرو : إني لأشنؤه ، فقال العاص : لا جرم لقد أصبح أبتر ، فانزل الله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } .
فنجد أن هذه الرواية تصرح بموت القاسم قبل النبوة ، ثم تقول : إن العاص بن وائل قال ما قال حين رجوع النبي(ص) من جنازة
القاسم ، فنزلت الآية ، فلا يعقل أن تنزل الآية عليه (ص) في هذه المناسبة إلا بعد النبوة ، وذلك ظاهر.
إلا أن يقال : إن نزول الآية قد تأخر عن مناسبتها إلى ما بعد سنوات عديدة ، وهو بعيد في الغاية ،
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 56 _
وخلاف ظاهر الرواية ، التي جاءت بفاء التفريع.
أو يقال : إن قوله أولاً ـ قبل النبوة ـ قد جاء من قبل الرواة ، اعتماداً منهم على ما هو المرتكز في أذهانهم بحسب ما سمعوه قبل
ذلك.
وربما يكون ذلك سبق من قلم النساخ ، وربما ، وربما!!
تـذكـيـر :
وقبل أن نمضي في الحديث نسجل هنا تحفظاً على القول المتقدم بأن المراد بالأبتر هو أبو جهل ، لوصفه النبي(ص) بذلك حين موت
ولده إبراهيم.
فإن أبا جهل قد مات في السنة الثانية من الهجرة في بدر ، أي قبل ولادة إبراهيم ابن رسول الله (ص) بعدة سنوات ، فهذا يرجح
الرواية الأخرى التي تقول : إن ذلك قد صدر من العاص بن وائل بمناسبة موت القاسم ، أو عبد الله ابني النبي (ص).
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 57 _
الفصل الرابع
4 ـ صغرى بنات النبي (ص)
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 59 _
4 ـ صغرى بنات النبي (ص)
قال الجرجاني إنه قد صح عنده : أن رقية كانت أصغر بنات النبي (ص) ، حتى من فاطمة عليها السلام .
ويرى بعض آخر : أن أم كلثوم كانت هي الأصغر
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 60 _
من الكل.
قال أبو عمر : كانت فاطمة هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله(ص) ، واختلف في الصغرى منهما ، وقال ابن سراج :
سمعت عبيد الله الهاشمي يقول : ولدت فاطمة في سنة إحدى وأربعين من مولد النبي أضاف في الاستيعاب : وقد قيل : إن رقية أصغر منها .
وقال فريق آخر : ( الأكثر على أن فاطمة أصغرهن سناً).
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 61 _
ورآه بعض آخر : أنه هو الصحيح .
فإذا صح أن رقية أو أم كلثوم كانت أصغر من فاطمة ، فلابد من الرجوع إلى تاريخ ولادة فاطمة عليها السلام ، فبينما نرى البعض يذكر :
أنها قد ولدت قبل البعثة ، فإن البعض الآخر يقول : إنها ولدت في سنة البعثة .
والبعض الآخر يقول : ولدت سنة إحدى
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 62 _
وأربعين .
وثمة من يقول : ولدت في السنة الثانية من البعثة .
أما نحن فنقول :
أنها عليها السلام قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة النبوية الشريفة فيكف تكون رقية قد تزوجت في الجاهلية من أبي لهب ، ثم لما بعث
رسول الله أسلمت ، فطلقها زوجها ليتزوجها عثمان ، فتحمل ،
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 63 _
وتسقط في السفينة حين الهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة بعد البعثة ؟!
وقد وافقنا على ما نذهب إليه في تاريخ ميلاد فاطمة عليها السلام جماعة ، فقالوا : إن فاطمة قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة
.
ألف ـ ما قدمناه في أوائل هذا البحث من أن غير واحد قد نصوا على أن أولاد النبي(ص) كلهم قد ولدوا بعد النبوة ، باستثناء عبد مناف
عند بعضهم.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 64 _
فراجع ما نقلناه عن مصعب الزبيري ، والسهيلي ، والمقدسي والقسطلاني وغيرهم.
ب ـ هناك روايات كثيرة أوردها جماعة من الحفاظ والعلماء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، كلها تدل على أن نطفة فاطمة عليها الصلاة
والسلام قد انعقدت من ثمر جاء به جبرائيل من الجنة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين الإسراء والمعراج ، الذي كان في السنة الثانية ، أو الثالثة من البعثة
على ما هو الأظهر والأرجح .
وقد رويت هذه الروايات عن جماعة من الصحابة مثل : سعد بن أبي وقاص ، وعائشة ، وعمر بن الخطاب ، وسعد بن مالك ، وابن
عباس ، وغيرهم وروي ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 66 _
ومهما أمكنت المناقشة في بعض تلك الروايات ، فإن بعضها الآخر ، لا مجال للنقاش فيه ، كما لا يخفى على من راجعها ، ودقق النظر
فيها.
ج ـ ومما يدل على ذلك : ما روي من أن نساء قريش قد هجرن خديجة ، فلما حملت بفاطمة عليها السلام كانت تحدثها من بطنها ،
وتصبِّرها ، وكانت تكتم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً ، فسمع خديجة تحدث فاطمة ، فقال لها : يا خديجة ، من تحدثين ؟!
قالت : الجنين الذي يحدثني ويؤنسني.
قال : يا خديجة! هذا جبرائيل يخبرني : أنها
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 67 _
أنثى الخ...
فهذا الحديث يدل على أن الحمل بفاطمة قد كان حينما كان جبرائيل يلتقي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان ذلك بعد أن نُبِّئ (
ص).
كما أنه يدل على أن الحمل بفاطمة قد كان بعد عدة سنوات من البعثة ، أي بعد إظهار قريش لعدائها مع رسول الله صلى الله عليه وآله ،
وحينما هجرت نساء قريش خديجة رحمها الله ، ولم يكن ذلك إلا بعد البعثة بعدة سنوات ، أي بعد انتهاء الدعوة غير المعلنة ، ثم الدخول في مرحلة جديدة كما هو
ظاهر.
د ـ ما روي من أن أبا بكر خطب فاطمة ، فرده (ص) ، ثم خطبها عمر فرده رسول الله(ص) ، وقال
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 68 _
لهما : إنها صغيرة ، فخطبها علي عليه السلام فزوجه .
فلما عاتب الخاطبون رسول الله(ص) على منعهم وتزوج علي عليه السلام ، قال (ص) : والله ما أنا منعتكم وزوجته ، بل الله
منعكم وزوجه .
ومن الواضح : أن تزويج فاطمة قد كان في السنة الثانية بعد الهجرة ، فالتعليل لردهما بكونها صغيرة ، يشير إلى أن ولادتها قد كانت بعد
البعثة بعدة
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 69 _
سنوات إذ لو كانت قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات كما يدعون ، لكان عمرها حين زواجها حوالي عشرين سنة ، ولا يقال لمن تكون
بهذه السنة : إنها صغيرة!!
ومما يدل على أن خطبة أبي بكر وعمر لها قد كانت بعد الهجرة ، قولهم : خطب أبو بكر فاطمة إلى رسول الله(ص) ، فقال
النبي(ص) : هي لك يا علي لست بدجّال .
حيث إن ظاهر في أن تزويجها لعلي قد أعقب خطبة أبي بكر وعمر لها ، من دون فصل.
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 71 _
الفصل الخامس
ولدينا المزيد
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 73 _
5 ـ متى تزوجت خديجة برسول الله (ص) ؟!
ثم إن ما ذكروه من تزوج رقية وأم كلثوم بابني أبي لهب يتوقف على أن تكون خديجة قد تزوجت برسول الله في وقت مبكر قبل
البعثة.
ونحن وإن كنا نجدهم يروون : أنها رحمها الله قد تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة بخمس عشرة سنة ، أو ست
عشرة ، أو حتى عشرين سنة ،
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 74 _
كما في بعض الأقوال الشاذة .
إلا أننا نجد أقوالاً أخرى تفيد : أنها رحمها الله قد تزوجت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة بعشر سنين .
وقال البعض : تزوجته قبل البعثة بخمس سنين .
وبعض آخر يقول : إنها قد تزوجته قبل البعثة بثلاث سنين .
بنات النبي (ص) أم ربائبه
_ 75 _
وربما يرجح هذا القول الأخير ما نقله البيهقي من أنها رحمها الله قد توفيت وعمرها خمسون سنة على الأصح .
ويرجحه أيضاً قولهم المتقدم : أنها رحمها الله لم تلد في الجاهلية سوى عبد مناف.
وبذلك يتضح : أن القول بأنها قد ولدت رقية ، وأم كلثوم في الجاهلية ، ثم كبرتا ، وتزوجتا بابني أبي لهب ، ثم بعثمان ، يصبح موضع
شك وريب ، ويزيد هذا الريب حتى يصل إلى درجة اليقين بكذب ذلك ، بملاحظة سائر الدلائل والشواهد التي أوردناها ونوردها في هذا البحث.
6 ـ ماذا يقول الدولابي ؟
أما الدولابي ، فيقول : إن عثمان قد تزوج رقية في