وهل يمكن أن يكون الأمين عليها ؟! والمصيب في قراراته فيها ؟!   ومن كان بهذا المستوى من الجهل ، أو عدم الأمانة وقلة الدين كيف يمكن أن يفي بتعهداته بأن يعمل بالكتاب والسنة ؟!
  وبعد ، فإنه إذا كان يمكن أن يدّعي أحد ولو على سبيل المكابرة : أن معاوية قد أعطى الإمام الحسن عليه السلام ما هو حق له في الشرط الأول والثاني والثالث حسبما أوضحناه ، وأن ذلك قد كان منه ، وفي تلك وسواهما تكرماً وتفضلاً ، فإنه لا يتصور ذلك في موضوع اشتراط عدم إقامة الشهادة عنده ، لأن ذلك لا يدخل في دائرة التنازل ، والسماحة والتكرم ، بل هو يمثل القبول بالإهانة والانتقاص لشخصه ، من حيث إنه يستبطن الحكم عليه بأنه إما جاهل بأبسط الأحكام ، أو أنه بلا دين ...
  ولكن معاوية قد قبل حتى هذا الشرط ، وسجل التاريخ ذلك عليه ، وربما كان معتمداً على ما عقد العزم عليه من النكث للعهد ، بعد الوصول إلى ما يريد حسبما قلناه ...
  وبذلك يتضح : أنه عليه السلام قد حفظ الشيعة والمسلمين كلهم ، وحفظ التشيع والإسلام كله ، وسلب من بني أمية ، ومن كل مناوئيه ، كل ما يدَّعونه لأنفسهم ، وأظهر أنهم طغاة بغاة ، يريدون التوسل بالباطل إلى طمس الحق ، وإزالة معالمه ...

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 52 _

  ثم هناك شروط أخرى ، كلها تصب في هذا الاتجاه ، مثل اشتراطه :
  6 ـ أن يجعل للإمام الحسين عليه السلام مليوني درهم في كل عام ...
  7 ـ أن يكون خراج دارابجرد للإمام الحسن عليه السلام ليفرقها بين يتامى حرب الجمل وصفين ، ولم يذكر النهراوان ... (1)
  ومن شأن هذا الاشتراط : خصوصاً ، مع عدم ذكر ايتام النهروان أن يظهر مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل ، ويشير إلى بغي معاوية عليه ، وإجرامه في حقه وفي حق الأمة بخروجه عليه في صفين ، مما يعني إبطال جهود معاوية للنيل من الإمام علي عليه السلام وإظهار أنه كان ظالماً في حربه له ...
  وذلك كله يدل دلالة واضحة على : أن بنود الهدنة ( الصلح ) سواء في ذلك ما ذكرناه منها وشرحناه ، أو ما لم نتمكن من شرحه ، قد أسقطت شرعية معاوية بصورة مباشرة ، وجعلتها ترزح تحت وطأة كل هذه العوامل الناسفة لها ...

---------------------------
(1) راجع : البحار ج44 ص3.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 53 _

  فهل يمكن بعد هذا كله أن يعطي من لا مشروعية له ، مشروعية لغيره ؟! ولاسيما لمن كان مثل يزيد لعنه الله ؟! الذي كان فسقه وفجوره ، وظلمه ، كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ؟!

لا حق لمعاوية في أن يعهد لأحد :
  ونعود فنكرر القول : إنه إذا كان معاوية نفسه قد اعترف بأن الأمر من بعده للحسن ثم للحسين عليهما السلام ، وسلب عن نفسه مشروعية كل ما يقدم عليه ، حين صرح بأنه ليس له حق بأن يعهد لأحد من بعده ، حتى لو مات الإمامان الحسنان عليهما السلام قبله ؟! ... وذلك حين قبل بأنه ليس له حق أن يولي أحداً بعده ...
  فذلك معناه : أن يعترف بأنه لا حق لولده ، ولا لغيره في هذا الأمر من بعده ... وأن ما أقدم عليه من جعل الأمر ليزيد لعنه الله هو من السعي الباطل الذي لا يصح ترتيب الأثر عليه في جميع الشرائع والأعراف والإنسانية ...
  وإذا كانت خلافة يزيد لعنه الله غير شرعية بجميع المقاييس ...

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 54 _

  أفلا يكون يزيد لعنه الله هو الخارج والباغي على إمام زمانه ؟! ...
  فكيف إذا كان فقدانه للشرعية قد جاء بقرار موقَّعٍ من أبيه ؟! ... ولا يحق لأبيه نقض المواثيق ؟!.
  وكيف إذا كان أبوه متغلباً وغاصباً لنفس هذا الأمر الذي أقر على نفسه بأنه ليس له حق فيه ؟!
  علماً بأن ذلك الأب لا يملك الشرائط الموضوعية التي تخوله التصدي لأمور كهذه ... ومن الطبيعي أن يكون سعيه لما لا يحق له من السعي الباطل بالسبب الباطل ، فإن فاقد الشيء لا يعطيه ...
  هل بويع يزيد ، لعنه الله ، حقاً ؟!
  وقد لفت نظرنا ما ورد في المنشور ، من أن يزيد لعنه الله ، قد بويع ...
  ونقول : إن السؤال هو : كيف يصح القول : إن يزيد لعنه الله قد بويع ؟!

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 55 _

  مع أنه لا بد من ملاحظة ما يلي :
  أولاً : أن البيعة إنما تصح ـ كما يقوله هؤلاء ـ لو كان أهل الحل والعقد هم الذين يقومون بها ، فهل بايع أهل الحل والعقد يزيد بن معاوية لعنه الله ؟
  ولماذا سجل في رسالته لوالي المدينة ، فور وفاة أبيه ، التأكيد عليه بأن يكره على البيعة جماعة من أهل الشأن ، مثل : ابن عمر ، وعبد الرحمان بن أبي بكر ، وابن الزبير ، والإمام الحسين عليه السلام ...
  ولم يكن أهل المدينة ، فضلاً عن أهل الحجاز ، وفضلاً عن أهل العراق ، قد بايعوه بعد ، بل إن أهل العراق قد كتبوا للإمام الحسين عليه السلام معلنين بأنهم ليس عليهم إمام ، وأنهم يحبسون أنفسهم على الإمام الحسين عليه السلام ، ولم يبايعوا أحداً بعد ... (1)
  ثانياً : قال الشبراوي الشافعي : وهو يتحدث عن الغزالي ، وابن العربي : ( فإن كلاهما قد بالغ في تحريم سبه ، ولعنه ...
  لكن كلاهما مردود ، لأنه مبني على صحة بيعة يزيد لعنه الله لسبقها ، والذي عليه المحققون خلاف ما قالاه ) ... (2)

---------------------------
(1) راجع : البداية والنهاية ج8 ص151 و152 ط سنة 1966م ، وأي كتاب تاريخي شئت ، خصوصاً ما يتكفل ببيان ما جرى بين أهل العراق والإمام الحسين عليه السلام ...
وكذلك ما جرى بين أهل المدينة ومكة ، وأهل الحجاز عامة ، وبين ولاة معاوية حين وفاته ، حتى انتهت الأحداث بفاجعة كربلاء ، وبوقعة الحرة ، ورمي الكعبة بالمنجنيق.
(2) الإتحاف بحب الأشراف ص68.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 56 _

  ثالثاً : ألم يكن الإمام الحسين عليه السلام ، وهو بقية النبوة ، هو رأس أهل الحل والعقد ؟!.
  ولم يكن أحد في زمانه يساويه أو يساميه.
  فمتى بايع يزيد لعنه الله ؟
  أو متى رضي ببيعته ؟
  ومن هم أهل الحل والعقد في الحجاز وفي العراق ، الذين بايعوه ، أو رضوا ببيعته ؟! ...
  يزيد لعنه الله ... التقي ؟! : إن كاتب هذا المنشور قد ساق الحديث باتجاه ادعاء أن محمد بن الحنفية قال لابن مطيع : إنه قد لزم يزيد لعنه الله ، فوجده متحرياً للسنة ، غير تارك للصلاة ...

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 57 _

  ومن الواضح :
  أولاً : إن هذا النص مشبوه ، بل لا شك في أنه مفتعل ، خصوصاً مع شهرة إعلان الإمام الحسين عليه السلام : بأن يزيد بن معاوية [لعنه الله] شارب للخمر ، قاتل للنفس المحترمة ، معلن بالفسق ؟.
  ومع إجماع التاريخ على خلاف هذا الذي ينسبونه إلى ابن الحنفية ، وصحة وواقعية ما قاله الإمام الحسين عليه السلام عنه ...
  فلماذا أهمل كاتب المنشور هذا النص المجمع عليه ، وكذلك سائر النصوص المتواترة ، والتجأ إلى نص مشبوه ، تفوح منه رائحة الافتعال والكذب ؟! ...
  ثانياً : إن النص المشار إليه يقول : أن محمد بن علي بن أبي طالب قد لزم يزيد لعنه الله فوجده متحرياً للسنة ...
  والسؤال هو :
  ألف : متى لزم محمد بن علي بن أبي طالب يزيداً لعنه الله ؟ وأين ؟ وكيف ؟.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 58 _

  فإن من المعلوم : أن الحروب قد بدأت بين الإمام علي عليه السلام ، ومعاوية قبل ثلاث وعشرين سنة ، أي في الوقت الذي كان فيه يزيد لعنه الله في سن الطفولة ، وكان عمره إحدى عشرة سنة ...
  ب : إن التاريخ مجمع على فسق يزيد لعنه الله ، وعلى شربه للخمر ، وارتكابه للمنكرات ، والموبقات ، لم يخرج عن هذا الإجماع إلا ثلة من الشذاذ ، أرادوا المكابرة ، وتكذيب حقائق التاريخ ... (1) جهاراً نهاراً ...
  فهل نكذب هذا الإجماع ، ونأخذ بهذه الرواية الأموية ، اليزيدية الشاذة ؟!
  ج : إن قضية ابن مطيع إنما كانت بعد قتل الإمام الحسين عليه السلام ، فكيف استساغ محمد بن الحنفية الدفاع عن يزيد لعنه الله ، بعد أن فعل بأخيه الإمام الحسين ، وسائر أهل البيت وأصحابهم عليهم السلام ، في كربلاء ما فعل ؟! ...
  وهل كان يزيد لعنه الله إلى ذلك الوقت لا يزال متحرياً للسنة ؟! غير تارك للصلاة ؟! ...
  وحين اضطر ابن الحنفية إلى الذهاب إلى الشام ، وحاول يزيد لعنه الله أن يسترضيه ، ويكسب تأييده مقابل ابن الزبير ، فهل هو قد جعله في قصره ، وأحضره مجالس شربه ؟! ، أم أنه كان يتظاهر بعكس ذلك ؟! ...
  وهل تظاهره له بالدين ، بعد كل ما ارتكبه من جرائم وموبقات ، يخدع ابن الحنفية بهذه السرعة ، وبهذه البساطة ؟! ...

---------------------------
(1) راجع : مقتل الحسين للسيد عبد الرزاق المقرم من ص 6 حتى ص 16.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 59 _

القسم الثاني : من هو القاتل ؟! ...

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 60 _

الفصل الأول : يزيد لعنه الله ... الآمر بقتل الإمام والراضي به ...
  أتباع السفياني يبرؤون يزيد لعنه الله :
  ثم إن هذا المنشور قد زعم أن يزيد بن معاوية لعنه الله ، لم يأمر ابن زياد لعنه الله بقتل [الإمام] الحسين [عليه السلام] ...
  وهذه الدعوى قد سبقه إليها أناس سعوا إلى تبرئة يزيد لعنه الله من هذه الجريمة النكراء ، فأنكروا أن يكون لعنه الله قد رضي بقتله عليه السلام ، أو أنه أمر به ، ومن هؤلاء ابن حجر الهيثمي ... (1) ومحمد كرد علي ، وتقي الدين ابن الصلاح ، والغزالي ، وابن العربي ، وابن تيمية وأضرابهم ... (2)
  بل إن بعضهم كابن خلدون ، وابن العربي ، قالوا : إن الحسين قتل بسيف جده ... (3)
  بل صرح محمد أبو اليسر عابدين ، مفتي الشام بقوله : ( بيعة يزيد شرعية ، ومن خرج عليه كان باغياً ) (4)
  واعتبر ابو الخير الشافعي القزويني إماماً مجتهداً (5)

---------------------------
(1) راجع : الفتاوى الحديثية ص193.
(2) راجع رسالة ابن تيمية : سؤال في يزيد بن معاوية لعنه الله ص14 و15 و17 ، والعواصم من القواصم ص232 و233 وإحياء علوم الدين ج3 ص125 والاتحاف بحب الأشراف ص67 و68 والصواعق المحرقة ص221 وخطط الشام ج1 ص145 وقيد الشريد ص57 و59.
(3) الضوء اللامع ج4 ص147 دار الجيل ، وفيض القدير بشرح الجامع الصغير ج1 ص265 وج5 ص213 ولكنهم قالوا : إن ذلك لم يوجد في تاريخ ابن خلدون ، فلعله كان في النسخة الأولى لذلك الكتاب ، ثم حذفها منه في النسخة الثانية ...
وكلام ابن العربي نقله عنه أيضاً ابن خلدون في المقدمة ص181 ط سنة 1391 هـ ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ـ لبنان.
(4) اغاليط المؤرخين ص120.
(5) تراجم رجال القرنين : السادس والسابع ص6.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 61 _

  وقال محمد الخضري : ( الحسين أخطأ خطأ عظيماً في خروجه هذا الذي جر على الأمة وبال الفرقة ، وزعزع ألفتها إلى يومنا هذا ، إلى غير ذلك من أقواله التي تنضح باللؤم والتجني على الإمام الحسين عليه السلام ، فراجع كلامه (1)
  بل ادعى بعضهم أن يزيد لعنه الله من الصحابة ، أو من الخلفاء الراشدين المهديين ، أو من الأنبياء ... (2)
  ونقول لهؤلاء :
  قتل بسيف جده !! :
  وبعد ، فإن الإمام الحسين عليه السلام ، لم يقتل بسيف جده ، بل قتل بسيف يزيد لعنه الله الباغي على إمامه ، والظالم لنفسه ، وللأمة ، ولرسول الله صلى الله عليه وآله ...
  لأن النبي صلى الله عليه وآله ، قد قرر إمامة الحسنين عليهما السلام في كثير من النصوص العامة والخاصة ...
  ولأن يزيد لعنه الله كان فاقد الشرعية بنص واعتراف من أبيه معاوية ...

---------------------------
(1) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية ج 2 ص 129.
(2) راجع منهاج السنة لابن تيمية ج 4 ص 549 فما بعدها.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 62 _

  ولأنه قد أمر بقتل الإمام الحسين عليه السلام ، بمجرد موت أبيه ، وقبل أن يبايعه الناس ، خصوصاً في العراق والحجاز واليمن ، و ... و ...
  ولأن الإمام الحسين عليه السلام وآخرون من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهم أهل الحل والعقد قد رفضوا تأمره عليهم بالقوة ، وهو المعروف بفسقه وجوره ، إلى غير ذلك مما ألمحنا إليه في هذه الدراسة ، وألمح إليه علماء الأمة في مؤلفاتهم وبحوثهم ...

إن يزيد لعنه الله هو القاتل :
  ليس من الضروري أن يكون يزيد هو الذي مارس قتل الإمام الحسين عليه السلام بيده ... إذ إن الملوك ينسب إليهم الانتصار والهزيمة في الحروب ، وينسب إليهم أيضاً قتل أعدائهم ، مع أنهم لا يباشرون قتل أعدائهم بأنفسهم إلا بعض الشذاذ منهم ، يقدمون على ذلك بهدف التشفي والانتقام ...
  وإن مما لا شك فيه ، ولا شبهة تعتريه ، هو أن يزيد بن معاوية لعنه الله هو قاتل الإمام الحسين عليه السلام ، بسيف ابن زياد ، والشمر ، وعمر بن سعد ...
  ولبيان ذلك نقول :
  إن هناك ثلاثة أنواع من النصوص :
  الأول : ما دل على أن يزيد لعنه الله قد أمر ابن زياد وغيره ، بقتل الإمام الحسين عليه السلام ... ويدخل في ذلك ، ما ورد فيه التصريح بأنه هو القاتل.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 63 _

  الثاني : ما صرح برضاه بقتله عليه السلام.
  الثالث : أفعاله الدالة على فرحه بما جرى عليه ، وعلى أهل بيته ، وصحبه سلام الله عليهم ...
  ونحن نتكلم حول هذه الأمور الثلاثة ، كل على حدة ، فنقول :
  ألف : أوامر يزيد لعنه الله بقتل الإمام الحسين عليه السلام :
  إن مما دل على أن يزيد بن معاوية لعنه الله قد أمر بقتل سيد الشهداء عليه السلام وصحبه :
  1 ـ قال ابن زياد لمسافر بن شريح اليشكري : ( أما قتلي الحسين ، فإنه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترت قتله ) ... (1)
  2 ـ كتب ابن زياد لعنه الله إلى الإمام الحسين عليه السلام : ( قد بلغني نزولك كربلاء ، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد : أن لا أتوسد الوثير ، ولا أشبع من الخمير ، أو ألحقك باللطيف الخبير ، أو تنزل على حكمي ، وحكم يزيد ، والسلام ) ... (2)
  قال اليعقوبي : إن يزيد قد كتب إلى ابن زياد : ( قد بلغني : أن أهل الكوفة قد كتبوا إلى الحسين في القدوم عليهم ، وأنه قد خرج من مكة متوجهاً نحوهم ، وقد بلي به بلدك من بين البلدان ، وأيامك من بين الأيام ، فإن قتلته ، وإلا رجعت إلى نسبك وأبيك عبيد ، فاحذر أن يفوتك ... (3)

---------------------------
(1) الكامل في التاريخ ج3 ص324.
(2) البحار ج24 ص383 ومقتل العوالم ص243 ، الفتوح لابن الأعثم ، مجلد3 ج5 ص85.
(3) تاريخ اليعقوبي ج2 ص242 ط صادر.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 64 _

  3 ـ إن يزيد لعنه الله قد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر على الحاج ، وولاه أمر الموسم ، وأوصاه بالفتك بالإمام الحسين عليه السلام ، أينما وجد ... (1)
  4 ـ إن يزيد لعنه الله كتب إلى الوليد بن عتبة : ( خذ الحسين وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمان بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ، ومن أبى فاضرب عنقه ، وابعث إلي برأسه ... ) (2)
  وحسب نص اليعقوبي : ( إذا أتاك كتابي ، فاحضر الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث إلي برأسيهما ، وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فانفذ فيه الحكم وفي الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير والسلام ) ... (3)
  5 ـ كتب إلى عامله على المدينة بكتاب قال له فيه : ( وعجل علي بجوابه ، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي ) ... (4)
  6 ـ وفي نص آخر : أن الوليد بن عتبة أخبر يزيد لعنه الله بما جرى له مع الإمام الحسين عليه السلام ، وابن الزبير ، فغضب يزيد لعنه الله ، وكتب إليه :
  ( إذا ورد عليك كتابي هذا ، فخذ بالبيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم ، وذر عبد الله بن الزبير ، فإنه لن يفوتنا ، ولن ينجو منا أبداً ما دام حياً ، وليكن مع جوابك إلي ، رأس الحسين بن علي ، فإن فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنة الخيل ، ولك عندي الجائزة والحظ الأوفر الخ ... (5)

---------------------------
(1) المتنخب ص304.
(2) مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص178 ـ 180 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص88 ط مكتبة مصطفوي ـ قم ـ إيران ، والفتوح لابن أعثم ج5 ص10.
(3) تاريخ اليعقوبي ج2 ص241.
(4) الأمالي للصدوق ص134 و135 ط سنة 1389 النجف الأشرف العراق ، والبحار ج44 ص312.
(5) الفتوح لابن أعثم المجلد الثالث جزء 5 ص18.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 65 _

  7 ـ وقد كتب يزيد لعنه الله إلى ابن عباس ، وإلى من بمكة والمدينة من قريش ، أبياتاً منها :
  أبلغ قريشاً على نأي المزار بها بيني وبين حسين الله والرحم إلى أن قال :
إنـي لأعـلم أو ظـناً كـعالمه      والـظن يـصدق أحياناً iiفينتظم
أن  سوف يترككم ما تدَّعون iiبها      قتلى تهاداكم العقبان والرخم (1)
  8 ـ قال ابن عساكر : ( بلغ يزيد خروجه ، فكتب إلى عبيد الله بن زياد ، وهو عامله على العراق ، يأمره بمحاربته ، وحمله إليه إن ظفر به ... ) (2)
  وحسب نص ابن أعثم ، أن ابن زياد قال لأهل الكوفة : ( كتب إليَّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار ، وماءتي ألف درهم ) أفرقها عليكم ، وأخرجكم لحرب عدوه الحسين بن علي ، فاسمعوا له وأطيعوا ... (3)
  ونحو ذلك ما في نص آخر عنه : ( وقد زادكم في أرزاقكم مئة مئة ) ... (4)
  وقال السيوطي : ( فكتب يزيد إلى واليه بالعراق ، عبيد الله بن زياد بقتاله ) ... (5)

---------------------------
(1) تاريخ دمشق ج14 ص206 وفي هامشه عن بغية الطالب ج6 ص210 ، وراجع : البداية والنهاية ج8 ص177 ط دار إحياء التراث والفتوح لابن أعثم ج5 ص68 و69 وتذكرة الخواص ص238.
(2) تاريخ دمشق ج14 ص208 وفي هامشه عن بغية الطالب ج6/2614.
(3) الفتوح لابن أعثم المجلد الثالث ج5 ص89.
(4) الأخبار الطوال ص253.
(5) تاريخ الخلفاء ص193 ط دار الفكر سنة 1394 هجري بيروت.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 66 _

  والأمر بالحرب ، هل يعني إلا السعي لقتل الطرف الآخر ، وبذل الجهد لإزهاق نفسه ، أو أسره ؟! ...
  9 ـ ولما وضع رأس الإمام الحسين عليه السلام بين يدي يزيد لعنه الله ، صار لعنه الله ، ينكت ثناياه بقضيب ، ويقول :
أبى قومنا أن ينصفونا iiفأنصفت      قواضب  في إيماننا تقطر iiالدما
نفلق هاماً من رجال أعزة علينا      وهم كانوا أعق وأظلما ... (1) ii
  فهو يعترف بالبيت الثاني ، بأنه هو فاعل ذلك ...
  10 ـ وقد نقل الآلوسي عن تاريخ ابن الوردي ، وكتاب الوافي بالوفيات :
  أنه لما ورد على يزيد نساء الحسين ، وأطفاله ، والرؤوس على الرماح ، وقد أشرف على ثنية جيرون ، ونعب الغراب ، قال :
لـما بـدت تـلك الـحمول وأشرفت      تـلك الـرؤوس عـلى ربى iiجيرون
نعب الغراب ، فقلت : نح ، أو لا تنح      فـلقد  قـضيت من النبي ديوني (2) ii

---------------------------
(1) راجع : مروج الذهب ج3 ص61 والأخبار الطوال ص261 والفتوح المجلد الثالث ج5 ص128 والنجوم الزاهرة ج1 ص203 ط دار الكتب العلمية ، والفصول المهمة لابن الصباغ ص205 ومرآة الجنان لليافعي ج1 ص135 ومقاتل الطالبيين ص119 والإرشاد للمفيد ج2 ص119 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص114 ط مكتبة مصطفوي ـ قم ـ إيران وسير أعلام النبلاء ج3 ص39.
(2) روح المعاني ج26 ص72 وتذكرة الخواص ص261 و262 ومنهاج السنة ج4 ص549 فما بعدها.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 67 _

  إلى أن قال :
  وهذا كفر صريح ، فإذا صح فقد كفر به ومثله تمثله بقول ابن الزبعرى قبل إسلامه.
  ليت أشياخي الأبيات ... انتهى ... (1)
  11 ـ كما أن الغزالي قد ذكر أن يزيد قد كاتب ابن زياد ، وحثه على قتل الحسين ... (2)
  12 ـ وتمثل ، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين عليه السلام بقضيب ، بهذه الأبيات :
لـيت أشـياخي ببدر iiشهدوا      جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلـوا واسـتهلوا فـرحاً      ثـم قـالوا لي هنيئاً لا iiتشل
حـين حـكّت بـفناء iiبركها      واستحر القتل في عبد iiالأسل
قد  قتلنا الضعف من iiأشرافكم      وعـدلنا مـيل بـدر فاعتدل
لـعبت  هـاشم بـالملك iiفلا      خـبر  جـاء ولا وحي iiنزل

---------------------------
(1) روح المعاني ج26 ص73.
(2) تذكرة الخواص ص63 وراجع : الصواعق المحرقة ج2 ص631.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 68 _

  وفي نص آخر :
فـجـزيـناهم بـبـدر مـثـلها      وأقـمـنأ  مـيل بـدر iiفـاعتدل
لـست مـن عـتبة إن لـم iiأنتقم      من بني أحمد ما كان فعل ... (1)
  وفي هذه الأبيات اعتراف صريح بأنه هو فاعل ذلك ...
  13 ـ ويذكرون أيضاً أن يزيد لعنه الله قد عهد إلى عمرو بن سعيد الأشدق : أن يناجز الإمام الحرب ، وإن عجز عن ذلك اغتاله ، وقدم الأشدق في جند كثيف إلى مكة ، فلما علم الإمام خرج منها ... (2)

مواجهة يزيد لعنه الله بجريمته :
  وهناك نصوص كثيرة تجد فيها مواجهة يزيد لعنه الله بأنه هو قاتل الإمام الحسين عليه السلام ، من دون أن ينكر هو ذلك ، أو أن ينحي باللائمة على غيره ، فمن ذلك :
  1 ـ ما كتب به ابن عباس إلى يزيد لعنه الله في رسالة جاء فيها : ( وسألتني أن أحث الناس عليك ، وأخذلهم عن ابن الزبير ، فلا ، ولا سروراً ، ولا حبوراً ، وأنت قتلت الحسين بن علي ، بفيك الكثكث ) (3)

---------------------------
(1) راجع : البداية والنهاية ج8 ص187 ط دار إحياء التراث ، ومناقب آل أبي طالب ج4 ص114 ط مكتبة مصطفوي ، قم ، إيران ، والفتوح المجلد الثالث ج5 ص129 والمنتظم ج5 ص343 وتذكرة الخواص ص261 و262 وآثار الجاحظ ص130 وسؤال في يزيد ص14 فما بعدها ، ومصادر ذلك لا تكاد تحصى.
(2) حياة الإمام الحسين بن علي للقرشي ج3 ص46 عن مرآة الزمان ص67 نسخة مصورة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين ، النجف الأشرف ، العراق.
(3) الكِثِكث : بكسر الكاف المكررة : التراب ، أو فتات الحجارة.

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 69 _

  إلى أن قال : ( لا تحسبني لا أباً لك ، نسيت قتلك حسيناً ، وفتيان بني عبد المطلب ) ...
  إلى أن قال أيضاً : ( وما أنس من الأشياء ، فلست بناسٍ إطرادك الحسين بن علي ، من حرم رسول الله إلى حرم الله ، ودسك إليه الرجال تغتاله ) ...
  إلى أن قال : ( قد سقت إليه الرجال فيها ليقاتل ) ...
  إلى أن قال : ( ثم إنك الكاتب إلى ابن مرجانة أن يستقبل حسيناً بالرجال ، وأمرته بمعالجته ، وترك مطاولته ، والإلحاح عليه ، حتى يقتله ومن معه من بني عبد الملطب ) ...
  إلى أن قال :

عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني _ 70 _

  ( فلا شيء عندي أعجب من طلبك ودي ونصري ، وقد قتلت بني أبي ، وسيفك يقطر من دمي الخ ... ).
  إلى أن قال أيضاً : ( ولا يستقر بك الجدل ، ولا علم (1) يمهلك الله بعد قتلك عترة رسول الله إلا قليلاً ) ... (2)
  2 ـ إن ولده معاوية بن يزيد قد أكد في خطبة توليه الخلافة بعهد من أبيه يزيد لعنه الله ـ أكَّد ـ على أن أباه هو القاتل ، فقد جاء في تلك الخطبة : ( ... إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئيس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وأباح الحرم ، وخرب الكعبة الخ ... )(3)
  3 ـ وقال يزيد لعنه الله للإمام السجاد عليه السلام حينما أدخل عليه : أنت ابن الذي قتله الله ؟!
  فقال عليه السلام : أنا علي ، ابن من قتلته أنت.
  ثم قرأ : {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (4) (5)
  4 ـ وقالت له أيضاً : يا يزيد ، حسبك من دمائنا ... (6)

---------------------------
(1) لعل الصحيح : ( ولا أعلم ).
(2) تاريخ اليعقوبي ج2 ص248 و249 وراجع : الكامل في التاريخ ج4 ص128.
(3) الصواعق المحرقة ج2 ص641.
(4) الآية 93 من سورة النساء.
(5) تذكرة الخواص ص63 عن الغزالي.
(6) مقاتل الطالبيين ص120.