تأليف
الامام الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان
ابن المعلم ابي عبد الله العكبري البغدادي ( 336 ـ 413 ه‍ )


بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المحقق
  فيما يستدل به الامامية من شيعة أهل البيت عليهم السلام على حق علي أمير المؤمنين عليه السلام بالامامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل هو حديث ( من كنت مولاه فهذا علي مولاة ) .
  وقد اشبعوا البحث عن هذا الحديث من حيث السند والتوثيق ، والمتن والدلالة ، في مؤلفات كثيرة تبلغ المئات ، قديما وحديثا .
  أما من حيث السند : فقد أجمعت الامة الاسلامية على قبول الحديث و صحة روايته وتناقلوا خبره مسلمين بتواتره ، وقد ذكره الكتاني في ( نظم المتناثر من الحديث المتواتر ) من طريق خمسة وعشرين صحابيا ، وقال : وفي رواية لاحمد : أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثون صحابيا ، و شهدوا به لعلي عليه السلام لما نوزع أيام خلافته .
  وممن صرح بتواتره ـ أيضا ـ المناوي في ( التيسير ) نقلا عن السيوطي و شارح ( المواهب اللدنية ) وقال الحافظ ابن حجر : هو كثير الطرق جدا ، وقد

 أقسام المولى في اللسان  ـ 4 ـ

  استوعبها ابن عقدة في مؤلف مفرد ، وأكثر أسانيده صحيح أو حسن .
  وقد استدل الشيعة بلفظ ( المولى ) على الامامة ، حيث يراد بها الاولى بالتصرف والطاعة ، لكن المخالفين حاولوا تأويل ( المولى ) باعتبار اطلاقها على معان اخر ، وزعموا أن الكلمة مشتركة بين تلك المعاني .
  وقد رد الباحثون هذا التأويل بشواهد من اللغة ، ومنهم الشيخ المفيد في هذه الرسالة : ( أقسام المولى في اللسان ) .
  وقد انتهج الشيخ في هذا الكتاب منهجا يتسم بالانصاف والدقة ، و أبدى خبرة أدبية رائعة ، وقدرة لغوية فائقة .
  فهو أولا ، ذكر المعاني التي ذكرت لكلمة المولى وهي عشرة :
  الاولى بالتصرف ، مالك الرق ، العبد المعتق ، المالك المعتق ، ابن العم ، الناصر ، المتولي للجريرة ، الحليف ، الجار ، السيد المطاع .
  ثم أكد على أن المعنى الاول ، هو الموضوع له ، وأن سائر المعاني ترجع بشكل أو بآخر ، إليه ، لان الاول هو الاصل والعماد واليه ترجع المعاني إذا تؤمل المعنى فيها .
  واستدل بتفصيل هذا الرجوع ، في كل واحد من تلك المعاني ، واستنتج من هذا أن المعنى الحقيقي الذي وضعت له الكلمة هو المعنى الاول ، وليست سائر المعاني إلا مجازات ، تلاحظ فيها المناسبة للمعنى الاول .
  ومن هنا ، فان اولئك الذين انكروا استعمال كلمة المولى بمعنى الاولى ، إنما حملهم الجهل باللغة ، والنصب والعداء لاهل البيت عليهم السلام على هذا الانكار ، وكذلك الذين جعلوا معنى ( الاولى ) معنى مجازيا للكلمة .
  وأما حديث النبي صلى الله عليه وآله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه )

 أقسام المولى في اللسان  ـ 5 ـ

  المتواتر ، فقد احتوى على قرائن داخلية وخارجية تعين المعنى الاول ، الذي هو الاصل في اللغة أيضا .
  فذكر الشيخ : أن ما جاء في لفظ الحديث من تفريع قوله صلى الله عليه وآله : ( فعلي مولاه ) بحرف ( الفاء ) العاطفة ، التي لا يبتدأ بها الكلام ، يقتضي تفريع هذا على ما جاء في صدر الحديث الذي قرر فيه النبي صلى الله عليه وآله ولاية نفسه بقوله ( من كنت مولاه ... ) الذي يراد به أولويته على الناس وفرض طاعته وإمامته عليهم ، بلا ريب .
  واستند الشيخ في دعم كلامه هذا إلى ما ثبت من حكمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مشيه على عرف أهل اللسان في التعبير والتخاطب عند إرادته البيان ، فقال : إذ لو لم يرد ذلك ، وأراد ما عداه ، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم ، جاعلا لحرف العطف ( الفاء ) حرف الاستيناف ، وهذا لا يقع إلا من أحد نفسين :
  1 ـ جاهل باللغة والكلام .
  2 ـ قاصد إلى التعمية والالغاز .
  ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين ، وينزه عن النقص في الصفات .
  وخلاصة مراد الشيخ : أن الكلام إنما يلقى بغرض التفهيم والتفاهم بين الناس ، والعارف باللغة إنما يريد ما هو الظاهر منه ، وإلا لنصب قرينة على إرادته غير الظاهر ، ومع عدم نصبها فالكلام يحمل على ظاهره ، وما هو الاصل فيه ، و دعوى عدم إرادة الظاهر ولو مع عدم نصب القرينة على غير الظاهر ، لا تصدر الا ممن يجهل بأصل اللغة ، وبأساليب التعبير المتعارفة عند البشر ، أو يكون ذلك

 أقسام المولى في اللسان  ـ 6 ـ

  أمرا متعمدا يريد المتكلم به الالغاز في كلامه وعدم إيضاحه والتعمية لمعناه و مراده والنبي صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالعربية فيجل عن الاول ، كما أنه صلى الله عليه وآله يجل عن الثاني ، لانه ليس من شأنه ، إذ هو المبعوث للارشاد ، وخاصة في مثل هذا الحديث ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) الذي ألقاه على جموع حاشده من صحابته الذين رجعوا معه من حجة الوداع ، فجمعهم في قلب الصحراء القاحلة ، في ( غدير خم ) وخطب فيهم خطبة طويلة غراء مهمة .
  فإذا كان الاصل الحقيقي لكلمة المولى هو ( الاولى بالتصرف ) ولم ينصب النبي صلى الله عليه وآله قرينة على إرادة غيره ، بل القرينة الداخلية ـ من داخل الحديث ـ تقتضي إرادة ذلك المعنى الاصلي ، فهو المراد له ، لا غيره .
  خاصة أن أي واحد من المعاني الاخر المستعمل فيها المولى لا تناسب بوجه مقام كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  وقد بين الشيخ المفيد بتفصيل عدم مناسبة تلك المعاني للحديث وبما أن كلامه صلى الله عليه وآله لا يخلو من مراد ، فلم يبق إلا أنه أراد بقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) الولاية والامامة وفرض الطاعة .
  وأما القرينة الخارجية على مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فهي ما عرضه الثميخ المفيد من أقوال الشعراء والبلغاء من أهل اللغة و الذين تقوم بهم أعمدة اللسان العربي ، مثل :
  1 ـ حسان بن ثابت ، شاعر النبي ، الذي أعلن في شعره ، في نفس يوم الغدير ، وبمحضر النبي صلى الله عليه وآله ، فدل على إمامة الامام علي عليه السلام ناظما لقول الرسول فيه بقوله :

 أقسام المولى في اللسان  ـ 7 ـ

فـقال لـه قـم يا علي iiفانني      رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فـمن  كـنت مولاه فهذا iiوليه      وكونوا له أنصار صدق iiمواليا
  وبما أن النبي صلى الله عليه وآله مدحه على الشعر بقوله : ( لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ، ما نصرتنا بلسانك ) ولم ينكر عليه ذلك ، فهو دليل واضح على أن ما فهمه حسان هو مراد النبي صلى الله عليه وآله وتقرير النبي من سنته صلى الله عليه وآله .
  2 ـ قيس بن سعد بن عبادة ، سيد النقباء من الانصار ، حيث قال بمحضر الامام أمير المؤمنين عليه السلام في شعره :
وعـلـي إمـامـنا وإمـام      لـسوانا أتـى بـه iiالتنزيل
يوم قال النبي من كنت مولا      ه  فـهذا مولاه خطب iiجليل
  وقيس من فصحاء العرب ، لا يتعدى معانيها المرادة ، مع أن سكوت أمير المؤمنين عليه السلام عنه ، إقرار له .
  3 ـ أمير المؤمنين عليه السلام حيث احتج في شعر منقول عنه :
وأوجب لي ولايته عليكم      رسول الله يوم غدير iiخم
  4 ـ الاخطل حيث استعمل كلمة المولى في معنى الامامة في شعر له يمدح فيه عبد الملك بن مروان الاموي ، مقتصرا على لفظة ( مولى ) لافادة ذلك مما يدل بوضوح على معرفة الناس بهذه الدلالة .
  والاخطل ـ كما يقول الشيخ ـ رجل نصراني ، لا يتحيز إلى فرقة من فرق الاسلام ولايتهم بالعصبية للشيعة ولا يطعن عليه في العلم باللسان .
  5 ـ الكميت بن زيد الاسدي في قوله من القصيدة العينية :
ويوم الدوح دوح غدير خم      أبـان له الولاية لو iiاطيعا

 أقسام المولى في اللسان  ـ 8 ـ

  وقد كان الكميت حجة في اللغة ، وقال فيه ابن الاعرابي ، كان أعرف الناس بلغات العرب وأشعارها .
  وكان حديث الغدير ( من كنت مولاه ... ) من اوكد ما دعاه إلى الاعتقاد بالتشيع والقول بالنص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، إن استدلال هؤلاء الشعراء بكلمة ( المولى ) الواردة في الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام لهو دليل واضح على وضعها اللغوي ، وعلى إرادة النبي صلى الله عليه وآله لها منه ، بلا أدنى ريب .
  إن ما تضمنته هذه الرسالة من معلومات هامة عن فكر الشيخ المفيد ، و منهجه في التعامل مع اللغة ، تجعلها في المستوى الرفيع من كتب التراث ، فقد أوقفتنا على :
  1 ـ المعالجة اللغوية ، ودلالة الالفاظ على المرادات : لقد أوقفنا الشيخ على أوضح الطرق المنطقية للاستدلال بالالفاظ ، وكشف المرادات منها ، تلك التي قررتها اصول الدلالة في مباحث الالفاظ من علوم المنطق والاصول واللغة ، بالاعتماد على الوضع ، ثم القرائن الداخلية والمناسبات ، و قرائن الحكمة ، ثم القرائن الخارجية .
  2 ـ التزامه بارتفاع التقية في زمن الامام أمير المؤمنين عليه السلام لقوله : و أمير المؤمنين عليه السلام من لا يقر على باطل ، ولا يمسك عن الانكار ، لاسيما مع ارتفاع التقية عنه ، وتمكنه من الانكار .
  3 ـ التزامه بأن الشاعر الفصيح لا يجوز عليه أن يعبر بما يخالف اللغة ، لا سيما في النظم الذي يعتمد فيه الفصاحة والبيان
  4 ـ نسبته بعض الشعر إلى أمير المؤمنين عليه السلام اعتمادا على ( المنقول

 أقسام المولى في اللسان  ـ 9 ـ

  عنه في الظاهر والانتشار ) .
  5 ـ الاستدلال على معاني الالفاظ اللغوية اعتمادا على ( أهل الخبرة ) من دون اعتبار الايمان ، بل الاسلام ، كما استند إلى شعر الاخطل .
  6 ـ التزامه بانفتاح باب العلم باللغة ، بالاعتماد على أهلها المعترف بحجية كلامهم فيه من امثال الكميت ، ودفع ما اثير حوله من شبهة المذهب ، فقال : لو لم يكن الحجة فيه ، كسائر الشعراء ، فإنه لا حجة فيها على حال ، ولو جاز هذا الاحتمال على الكميت لجاز على غيره من الشعراء الكبار ، كجرير ، والفرزدق ، والاخطل ، بل على لبيد ، وزهير ، وامرئ القيس ، حتى لا يصح الاستشهاد بشئ من أشعارهم على غريب القرآن ، ولا على لغة ، ولا على إعراب .
  ثم قال : وهذا قول ، من صار إليه ظهر جهله عند العقلاء ! أقول : لانه يؤدي إلى سد باب اللغة ، وبالنتيجة إلى انقطاع الصلة بالتراث ، وفي ذلك وأد الحضارة ! وقد انتهى الشيخ المفيد من هذه الرسالة وقد سد بها ـ على صغرها ـ كل ثغرات الاستدلال بالحديث على الامامة ، وأحكم طرق الاستدلال وسدد القرائن الدالة على المراد ، ونفي احتمال غيره من المعاني المستعمل فيها اللفظ ، بما لم يبق فيه مجال لمقال ، والحمد لله على كل حال .
  وكتب السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

 أقسام المولى في اللسان  ـ 27 ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين .
  المولى ينقسم في اللغة على (1) عشرة أوجه (2) :
  أولها : ( الاولى ) ، وهو الاصل والعماد ، الذي ترجع إليه المعاني في باقي الاقسام .
  قال الله تعالى في سورة الحديد : ( فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) (3) يريد جل اسمه هي أولى بكم على ما جاء في التفسير (4) ، وذكره أهل اللغة المحققون (5) .

**************************************************************
(1) في ج ( إلى ) .
(2) يستفاد مما ذكره أهل اللغة في كتبهم من معاني لفظة ( المولى ) أن لها كثر من ثلاثين معنى ، ذكر جلها ابن منظور في لسان العرب 15 : 406 ـ 415 ، ولعل المؤلف قدس سره أشار إلى عشرة منها لورودها في الاحاديث الشريفة ، ولتمسك أهل العلم والكلام بها في توجيه الحديث النبوي الشريف : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) .
(3) الحديد : 14 .
(4) قاله ابن عباس ، والخازن ، والنسفي ، والبيضاوي ، انظر ذلك في مجموعة التفاسير 6 : 180 ، وحكاه الفخر الرازي في التفسير الكبير 8 : 93 عن محمد بن السائب الكلبي النسابة المفسر المتوفى سنة 146 ه‍ .
(5) مثل الفراء يحمى بن زياد الكوفي المتوفى سنة 207 ه‍ ، وأبي عبيدة معمر بن المثنى البصري المتوفى سنة 210 ه‍ ، كما حكاه الفخر الرازي عنهما في التفسير الكبير 8 : 93 ، والبخاري في صحيحه 7 : 240 ، و عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري البغدادي المتوفى سنة 276 ه‍ ، قاله في كتابه القرطين 2 : 164 ، وأبي العباس =>

 أقسام المولى في اللسان  ـ 28 ـ

  قال لبيد (1) :
فـغـدت كــلا الـفرجين تـحسب أنـه      مـولـى الـمـخافة خـلفها وأمـامها (2)ii
  يريد أولى المخافة ، ولسنا نعلم من أهل اللغة في المعنى خلافا .
  والثاني : ( مالك الرق ) قال الله تعالى : ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه ) (3) يريد (4) مالكه ، والامر في هذا المعنى أبين من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد .
  والثالث : ( المعتق ) .
  والرابع : ( المعتق ) .

**************************************************************
=>
ثعلب بن أحمد بن يحيى النحوي الشيباني المتوفى سنة 291 ه‍ ، كما حكاه عنه القاضي الزوزني المتوفى سنة 486 ه‍ في شرح السبع المعلقات : 127 ، وأبى جعفر الطبري المتوفى منة 321 ه‍ .
ذكره في تفسيره 9 : 117 ، وأبي بكر محمد بن القاسم الانباري اللغوي المتوفى سنة 328 ه‍ في كتابه الاضداد 2 : 46 ، وأبي الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي المتوفى سنة 351 ه‍ كما في كتابه الاضداد في كلام العرب 2 : 665 ، وأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني في تفسير غريب القرآن .
(1) أبو عقيل ، لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري ، وكان يقال لابيه : ربيع المقترين لسخائه ، كان من شعراء الجاهلية وفرسانهم ، وأدرك الاسلام ، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله في وفد بني كلاب ، فاسلموا ، ورجعوا إلى بلادهم ، ثم قدم لبيد الكوفة ، ومات بها في خلافة معاوية ، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة ، الشعر والشعراء : 148 .
(2) لسان العرب 15 : 410 .
(3) النحل : 74 .
(4) ليس في نسخة ( ب ) (*) .

 أقسام المولى في اللسان   ـ 29 ـ

  والخامس : ( ابن العم ) ، قال الشاعر (1) : مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنشروا بيننا ما كان مدفونا (2)
  والسادس : ( الناصر ) قال الله جل وعز : ( ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم ) (3) ، يريد لا ناصر لهم .
  والسابع : ( المتولي ) يتضمن الجريره ، ويحوز الميراث .
  والثامن : ( الحليف ) .
  والتاسع : ( الجار ) .
  والعاشر : ( الامام السيد المطاع ) .
  وهذه الاقسام ، التسعة بعد ( الاولى ) إذا تؤمل المعنى فيها وجد راجعا إلى ( الاولى ) ومأخوذا منه ، لان مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره ، ( كان مولاه ) ، والمعتق لما كان أولى بميراث المعتق من غيره ، كان لذلك مولاه .
  والمعتق لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته ، واتصف به ممن (4) أعتقه غيره كان مولاه أيضا لذلك .

**************************************************************
(1) هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب اللهبي ، من قريش ، شاعر من فصحاء بنى هاشم ، كان معاصرا للفرزدق والاحوص ، وله معهما أخبار ، مدح عبد الملك بن مروان ، وهو أول هاشمي مدح أمويا فأكرمه ، وكان شديد السمرة جاءته من جدته وكانت حبشية ، ويقال له : الاخضر لذلك ، توفى حدود سنة 95 ه‍ .
(2) استشهد به ابن منظور في لسان العرب 15 : 408 ، وقال فيه ( امشوا رويدا كما كنتم تكونونا ) .
(3) محمد : 10 .
(4) ولعل الصحيح : وألصق به ممن (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 30 ـ

  وابن العم لما كان أولى بالميراث ممن بعد عن نسبه ، وأولى بنصرة ابن عمه من الاجنبي ، كان مولى لاجل ذلك ، والناصر لما اختص بالنصرة فصار بها أولى كان من أجل ذلك مولى .
  والمتولي لتضمن الجريرة لما الزم نفسه ما يلزم المعتق كان بذلك أولى ممن لم يقبل الولاء ، وصار به أولى لميراثه ، فكان لذلك مولى .
  والحليف لاحق في معناه بالمتولي ، فلهذا السبب كان مولى .
  والجار لما كان أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره ، وأولى بالشفعة في عقاره ، فلذا كان أولى .
  والامام المطاع ، لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم ما يماثل الواجب بملك الرق ، كان لذلك أولى ، فصار جميع المعاني فيما حددناه يرجع إلى معنى الاولى ، ويكشف عن نتيجة ما ذكرناه في حقيقته ووصفناه .
  وقد حمل العناد الناصبة على أن جحد بعضهم أن يكون ( الاولى ) أحد أقسام المولى ، أو يحصل ذلك في معناه ، واعترف بعضهم أنفة من العناد ، وادعوا أنه مجاز من الاقسام ، وفيما قدمناه من الدليل على أنه الاصل والعماد بيان فضيحة هؤلاء الاوغاد .
  على أنه لا فصل بينهم وبين من جحد الاقسام التسعة ، واقتصر به على الاول ، فادعى فيها الاستعارة والمجاز ، بل هو بهذه الدعوى أقرب إلى الصواب لما شرحناه .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 31 ـ

باب طرف من الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين (ع) بما استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله في يوم الغدير من المقال
  قد أجمع حملة الاخبار ، واتفق نقلة الآثار ، على أن النبي صلى الله عليه وآله جمع الناس بغدير خم ، عند مرجعه من حجة الوداع ، ثم واجه جماعتهم بالخطاب فقال : ( ألست أولى بكم منكم ؟ ـ فلما أذعنوا له بالاقرار قال لهم على النسق من غير فصل في الكلام ـ : فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ) (1) .
  فقررهم صلى الله عليه وآله على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام ، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه ، وجاء فيه

**************************************************************
(1) كفانا مؤنة البحث واستقصاء الطرق والاسانيد لهذا الحديث الذي تواتر عن مآت الصحابة والتابعين ما حكاه الخوارزمي في مناقبه : 94 ، لفظه : ( ينادي رسول الله بأعلى صوته ) وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته لفظه : ( كان معه صلى الله عليه وآله من الصحابة ومن الاعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا ، وهم الذين سهدوا معه حجة الوداع ، وسمعوا منه هذه المقالة ) .
وقد اشار إلى جل هذه الطرق والاسانيد العلامة البحاثة المحقق المرحوم الشيخ عبد الحسين الاميني قدس سره في كتابه الشهير ( الغدير ) فلاحظ (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 32 ـ

  بحرف العطف من ( الفاء ) التي لا يبتدأ بها الكلام ، فدل على أنه الاولى دون ما سواه ، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان ، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه ، لكان مستأنفا لمقال لا تعلق له بالمتقدم جاعلا لحرف العطف حرف الاستيناف وهذا ما لا يقع الا من أحد نفسين :
  أحدهما : جاهل باللغة والكلام
  والآخر : قاصد إلى التعمية والالغاز .
  ورسول الله صلى الله عليه وآله يجل عن الوصفين ، وينزه عن النقص في الصفات .
  وشئ آخر : لا يخلو رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يلفظ به من عبارة ( مولى ) من وجهين لا ثالث لهما على البيان : اما أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرر به الانام ، من فرض الطاعة على ما ذكرناه ، أو يكون أراد غيره من الاقسام .
  فان كان مراده من ذلك فرض طاعته على الانام ، فهو الذي نذهب إليه وقد صحت الامامة لامير المؤمنين عليه السلام ، وان كان مراده سواه من الاقسام ، فقد عبر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد ، وليس في العقل دليل على ما أراد ، وهذا ما لا يقع إلا من جاهل ناقص عاجز عن البيان ، أو متعمد لاضلال المخاطبين عن الغرض ، وعدوله عن الافهام ، وقد أجل الله نبيه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن الكمال ، وشئ آخر وهو : إذا كان لفظ ( مولى ) ينقسم على عشرة أقسام ، ثم اعتبرنا ثمانية منها ، فاخرج لنا الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد إلى شئ منها ، ولم يرده على وجه من الوجوه ، ولا سبب من الاسباب ، ثبت

 أقسام المولى في اللسان  ـ 33 ـ

  أنه عليه وآله السلام أراد الخارج عنها من الاقسام ، أو بعضه كائنا ما كان ، لا محالة ، إذ كان لا يخلو كلامه صلى الله عليه وآله من مراد ، وهذا مما لا شك فيه ولا ارتياب .
  فنظرنا في القسم الذي يلي الاول على ما رتبناه ، وهو ( مالك الرق ) فوجدناه مما لا يجوز ان يقصده النبي عليه وآله السلام ، لانه لم يكن علي مالكا لرق كل من ملك النبي صلى الله عليه وآله رقه ، فيكون بذلك مولى من كان مولاه .
  ونظرنا في الذي يليه ، وهو ( المعتق ) ، وكان القول فيه كالقول في ( مالك الرق ) سواء ، لان أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن معتقا لكل من أعتقه النبي صلى الله عليه وآله من الرق ، فيكون لذلك مولاه .
  ولا كان عليه السلام معتقا من رق ، ولا الرسول كذلك حاشاهما من ذلك .
  ولم يجز أن يعنى من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه ، لان هذا لغو من الكلام مع معرفة الجميع بان عليا عليه السلام ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله ، وعلمهم يقينا بالاضطرار بأن ابن عم الرجل هو ابن عم جميع بني عمه على كل حال .
  ولا يجوز أن يريد ( الناصر ) ، لان المسلمين كلهم أنصار من نصره النبي عليه وآله السلام ، فلا معنى لتخصيصه من الجماعة بما قد شاركته فيه على البيان ، لان هذا هو العبث في الفعل ، واللغو في الكلام .
  ولم يكن كل من تولى النبي عليه وآله السلام تولى علما ، ولا يجوز أن يخبر بذلك كله لتنافي الكلام ، ولا يجب أن يكون قد أوجبه لامرين :
  (الاول) : أنه خاطب الكافة ، ولم يكونوا بأسرهم أولياء على معنى الاعتزاء إليه بضمان الجرائر ، واستحقاق الميراث .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 34 ـ

  ( والثاني ) : للاتفاق على أن ذلك لم يكن واجبا في شئ من الازمان .
  ولا يجوز أن يكون قصد معنى ( الحليف ) ، لانه لم يكن عليه السلام حليفا لجميع حلفاء النبي صلى الله عليه وآله .
  ولا معنى لارادته بلفظ مولى ( الجار ) ، لانه قد كان معروفا عند جميع من عرف منزلة علي عليه السلام أنه جار من جاوره النبي عليه وآله السلام في الدار ، بحلوله معه في المكان ، ولا إذا افترقا بالاسفار ، ولم يجب أن يكون علي عليه السلام جارا لجيران النبي عليه وآله السلام ، وكان الخبر عن ذلك كذبا من الاخبار .
  مع انه لو كان حقا لم يكن فيه فائدة توجب جمع الناس لها ، وتقريرهم على الطاعة وتعظيم الشأن ، فلم يبق إلا أنه ( ما ) أراد بقوله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) إلا الامامة التي يعبر عنها تارة بلفظ أولى ، ويعبر عنها بصريح فرض الطاعة ، فانه أحرى وهذا واضح البرهان .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 35 ـ

باب شواهد الامامة من هذا المقال بشعر الفصحاء من الشعراء
  ومما يدل عل ما ذكرناه ما تواترت به الاخبار أن حسان بن ثابت (1) شاعر رسول الله صلى الله عليه وآله استأذن النبي عليه السلام في يوم الغدير أن يقول شعرا في ذلك المقام ، فأذن له ، فأنشأ يقول :
يـناديهم  يوم الغدير iiنبيهم      بخم وأسمع بالرسول مناديا
  فقال :
ومـــن مــولاكـم وولـيـكم ii؟      فـقالوا  ، ولـم يـبدوا هناك iiالتعاديا
الـهـك  مـولانـا وأنــت iiنـبينا      فلن تجدن (2) هنالك اليوم عاصيا (3)
فـقال لـه : قـم يـا عـلي iiفـانني      رضـيتك مـن بـعدي امـاما وهاديا
فـمـن  كـنت مـولاه فـهذا iiولـيه      فـكونوا لـه أنـصار صـدق iiمواليا
هـنـاك  دعــا اللهم وال iiولـيـه      وكـن لـلذي عـادى عـليا iiمـعاديا
  فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ( لا تزال يا حسان مؤيدا بروح

**************************************************************
(1) أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر الانصاري من الشعراء المخصرمين ، عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي الاسلام ستين سنة ، ومات في زمن معاوية بن أبي سفيان ، وعمي في آخر عمره .
(2) في نسخة ( ب ) تجدك .
(3) في بعض المصادر الآتية الذكر :
الـهك مـولانا وانـت iiولينا      وما لك منا في الولاية عاصيا
(*)

 أقسام المولى في اللسان  ـ 36 ـ

  القدس ما نصرتنا بلسانك ) (1) .
  فلولا أن النبي عليه وآله السلام أراد بما ذكره في ذلك المقام النص على امامة أمير المؤمنين عليه السلام على حسب ما صرح به حسان في هذا المقال ، لما دعا له النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالتأييد ، ومدحه من أجله وأثنى عليه .
  ولو كان عليه وآله السلام عنى غيره من أقسام المولى ، لانكر على حسان ولم يقره على ما اعتقده فيه ، وبين له غلطه فيما حكاه ، لانه محال مع نصب الله تعالى نبيه للبيان ، أن يشهد بصحة الباطل ، وهو على الضلال ان يمدح على الغلط من الاعتقاد .
  وفي شهادته عليه وآله السلام بصدق حسان فيما حكاه ، ونظمه الكلام بمدحه عليه ، ودعائه له بالتأييد من أجله على ما بيناه ، دليل على صحة ما ذكرناه ، وشاهد على أن المولى عبارة في اللغة عن ( الامام ) لفهم حسان والجماعة ذلك منها بما شرحناه .
  ومن ذلك ما تطابقت به الاخبار ، ونقله رواة السير والآثار ، ودونه حملة العربية والاشعار ، من قول قيس بن سعد بن عبادة (2) ، سيد نقباء رسول الله صلى الله عليه وآله من الانصار رحمه الله ، ومعه راية أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو بين يديه بصفين في قصيدته اللامية التي أولها :

**************************************************************
(1) تذكرة الخواص : 33 ، وكفاية الطالب : 17 ، ومناقب أمير المؤمنين للخوارزمي : 81 ، ومقتل الحسين للخوارزمي أيضا : 47 ، وفرائد السمطين 1 : 61 .
(2) قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الانصاري الخزرجي الساعدي يكنى أبا الفضل ، وقيل : أبو عبد الله ، وقيل : أبو عبد الملك ، كان من فضلاء الصحابة وأحد دهاة العرب وكرمائهم ، وكان من ذوي الرأي الصائب مات سنة تسع وخمسين ، وقيل : سنة ستين من الهجرة ، أسد الغابة 4 : 215 (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 37 ـ

قـلت لما بغى العدو iiعلينا      حـسبنا  ربنا ونعم iiالوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح iiالبص‍      رة بالامس والحديث طويل
  حتى انتهى إلى قوله :
وعـلي امـامنا وامـام iiلـس‍      وانــا أتـى بـه iiالـتنزيل
يوم قال النبي : من كنت مولا      ه  فـهذا مـولاه خطب iiجليل
ان  مـا قاله النبي على iiالامة      حـتم  مـا فـيه قـال iiوقيل
  وفي هذا الشعر دليلان على ما ذكرناه :
  أحدهما : أن المولى يتضمن الامامة عند أهل اللسان ، للاتفاق على فصاحة قيس ، وأنه لا يجوز عليه أن يعبر عن معنى ما لا يقع عليه من اللفظ عند أهل الفصاحة لا سيما في النظم (1) الذي يعتمد صاحبه فيه الفصاحة والبيان .
  والثاني : إقرار أمير المؤمنين عليه السلام قيسا وترك نكيره ، وهو ينشد بحضرته ، ويشهد بالامامة له ، ويحتج به على الاعداء ، وأمير المؤمنين عليه السلام ممن لا يقر على باطل ولا يمسك عن الانكار ، لا سيما مع ارتفاع التقية عنه ، وتمكنه من الانكار .
  ومن ذلك احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه بذلك في جوابه لمعاوية (2) عن كتابه إليه من الشام ، وقد رام الافتخار فقال : ( اعلي يفتخر

**************************************************************
(1) في نسخة ( ب ) النظر .
(2) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الاموى ، أسلم عام الفتح ، ولاه عمر الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان ، وأمره عثمان ، ثم استمر ولم يبايع =>

 أقسام المولى في اللسان  ـ 38 ـ

  ابن آكلة الاكباد ) ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع (1) اكتب (2) :
مـحمد الـنبي أخـي وصنوي (3)ii      وحـمـزة  سـيد الـشهداء iiعـمي
وجعفر الذي ( يمسي ويضحي ) (4)ii      يـطير مـع الـملائكة ابـن iiأمـي
وبـنت  مـحمد سـكنى iiوعـرسي      فـخالط (5) لـحمها بـدمي iiولحمي
وسـبـطا  أحـمـد ولـداي مـنها      فـأيـكم  (6) لـه سـهم iiكـسهمي
سـبـقتكم  إلــى الاسـلام طـرا      صغيرا (7) ما بلغت أوان حلمي (8)
**************************************************************
=>
عليا نم حاربه ، أمه هند بنت عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس ، فعلت ما فعلت بحمزة سيد الشهداء بعد استشهاده باحد ، فأخرجت كبده ، وأكلت منه ، وله أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ( ابن آكلة الاكباد ) .
(1) عبيد الله بن أبي رافع ، واسم أبي رافع أسلم ، وقيل : ابراهيم ، وقيل : غير ذلك مولى رسول الله كانت لعبيد الله صحبة من أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان كاتبا له ، من خيار الشيعة ، حفظ كثيرا ، وجمع كتابا في فنون من الفقه ، انظر رجال النجاشي : 5 .
(2) في رواية الطبرسي في الاحتجاج 1 : 180 : عن أبي عبيدة فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أبا لفضائل يبغي علي ابن آكلة الاكباد ؟ أكتب إليه يا غلام ، ونحوه في كنز العمال 13 / 112 الحديث 36366 .
(3) في نسخة الديوان المطبوع : ( صهرى ) .
(4) في الديوان : يضحي ويمسي .
(5) في المصدر السابق : مشوب .
(6) في المصدر السابق : فمن منكم .
(7) في المصدر السابق : غلاما ما بلغت أوان حلم .
(8) في نسخة ( أوب ) زيالة في الابيات بالنحو التالي .
سـبقتكم إلـى الاسـلام iiطـرا      مـقـرا بـالنبي بـبطن iiأمـي
وصـليت الـصلاة وكنت iiطفلا      صغيرا ما بلغت أوان حلمي (*)

 أقسام المولى في اللسان  ـ 39 ـ

وأوجب لي ولايته (1) عليكم      رسـول الله يـوم غدير iiخم
  فأوجب الحجة على خصمه بالامامة على الجماعة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله فيه يوم الغدير ما قال ، وهذا الشعر منقول عنه على الظاهر والانتشار .
  ومما يدل على ما ذكرناه أيضا في هذا الباب قول الاخطل (2) ـ وهو رجل نصراني لا يتحيز إلى فرقة من فرق الاسلام ولا يتهم بالعصبية للشعر ، ( للشيعة ظ صح ) ولا يطعن عليه في العلم باللسان ـ في قصيدته التي يمدح فيها عبد الملك بن مروان (3) فقد علمت الكافة عداوته لامير

**************************************************************
(1) نسخة أوب ( الولاء معا ) .
(2) أبو مالك غياث بن غوث من بني تغلب من فدوكس ، قال مسلمة بن عبد الملك : ثلاثة لا أسأل عنهم ، أنا أعلم العرب : بهم : الاخطل ، والفرزدق ، وجرير ، وكان الاخطل يمدح بني أمية ، مدح معاوية ويزيد ومن بعدهم من خلفاء بني مروان حتى هلك ، وروى ابن قتيبة في ترجمة الاخطل عن الفرزدق قال : كنا في ضيافة معاوية ، ومعنا كعب بن جعيل التغلبي الشاعر ، فقال له يزيد بن معاوية أن عبد الرحمن بن حسان قد فضح عبد الرحمن بن الحكم وغلبه وفضحنا فاهج الانصار ، فقال له كعب : أرادي أنت إلى الشرك أهجو قوما نصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وآووه ، ولكني أدلك على غلام منا نصراني ، ما يبالي أن يهجوهم ، كافر ، شاعر كان لسانه لسان ثور ، قال : ومن هو ؟ قال : الاخطل ، فدعاه وأمره بهجائهم ، الشعر والشعراء : 302 .
(3) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، بويع بعهد من أبيه في خلافة ابن الزبير ، وبقى على مصر والثام وابن الزبير على باقي البلاد مدة سبع سنين ، ثم غلب عبد الملك على العراق وبقية البلاد قتل ابن الزبير واستوثق الامر له ، قال ابن عائشة : أفضى الامر إلى عبد الملك والمصحف في حجره ، فاطبقه وقال : هذا فراق بيني وبينك ، مات سنة 86 هجرية ، وكان يلقب برشح الحجر لبخله ، وقال =>

 أقسام المولى في اللسان  ـ 40 ـ

  المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :
فـما وجـدت فيها قريش iiلامرها      أعـف  وأوفـى من أبيك iiوأمجدا
فـأورى  بـزنديه ولو كان iiغيره      غداة اختلاف الناس يوري لاصلدا
فاصبحت  مولاها من الناس iiكلهم      واحـرى قريش ان تهاب iiوتحمدا
  فمدحه بالامامة ورياسة الجماعة ، واقتصر في العبارة على ذلك ، وانه أولى به من الناس كافة على لفظة ( مولى ) لافادتها في اللغة ومعرفة أهلها بانها عبارة عنه ، ودالة على معناه ، وهذا بين لا خفاء فيه على منصف ، ولا ارتياب فيه .
  وهذا الكميت بن زيد الاسدي (1) رحمة الله عليه ، وان لم يكن الحجة به في اللغة كحسان وقيس بن سعد ، فانه لا حجة فيها على حال ، وقد أجمع أهل العلم بالعربية على فضله ، وثقته (2) في روايته لها ،

**************************************************************
=>
الذهبي : أنى له العدالة ؟ وقد سفك الدماء وفعل الافاعيل ، انظر وفيات الاعيان 2 / 402 ، وميزان الاعتدال 2 : 664 .
(1) الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد الاسدي ، أبو المستهل ، الكوفي شاعر ، عارف بآداب العرب ولغاتها وأخبارها وأنسابها ، روى الكشي في رجاله بسنده عن زرارة قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر عليه السلام وأنا عنده فأنشده : ( من لقلب متيم مستهام ) فلما فرغ منها قال للكميت : ( لا تزال مؤيدا بروح القدس ما دمت تقول فينا ) ، وقال ابو عكرمة الضبي : لولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ، له ديوان مشهور بالهاشميات ، مات سنة 126 ه‍ ، اختيار معرفة الرجال 207 / 266 ، الاعلام 6 : 92 .
(2) في نسخة ( ب ) يقينه (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 41 ـ

  واستشهدوا بشعره على صحة بعض ما اختلف منها .
  وقال الاعراب (1) كان الكميت بن زيد أعرف الناس بلغات العرب وأشعارها ، وكان اوكد ما دعاه إلى التشيع ، والقول بالنص على امامة أمير المؤمنين عليه السلام ، قول النبي صلى الله عليه وآله يوم الغدير : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) وذلك قوله في قصيدته العينية :
ويوم الدوح دوح غدير خم      أبـان له الولاية لو iiاطيعا
ولـكن الـرجال iiتبايعوها      فـلم أر مثلها خطرا iiمبيعا
  فلولا أن لفظة ( مولى ) تفيد الامامة ، لما جاز من الكميت ـ وهو من أهل المعرفة باللغة بحيث ما وصفناه ـ أن يحكم لامير المؤمنين عليه السلام بالامامة بها ، ولا أن يحتج بذلك في شعره الذي هو الطريق إلى العلم بمقداره في المعرفة باللسان ، ويجعله في نظمه الذي تسير به عنه الركبان ... (2) عند الناصبة في الاعتقاد والشبهة به داخلة عليه في باب الاستدلال .
  كيف يجوز أن تلحقه التهمة في الجهل بالعربية عند الخاصة والعامة من الناس ، وكيف يجوز أن يعرف (3) بالعصبية في هذا الباب ، فانه حمل لفظا عربيا غير محتمل عند اهله على الوجوه كلها والاسباب ، ولم يوجد أحد

**************************************************************
(1) كذا في النسخ ، وصوابه ( ابن الاعرابي ) وهو : محمد بن زياد ، المعروف بابن الاعرابي الكوفي ، أبو عبد الله ، لغوي ، نحوي ، راوية لاشعار القبائل ، أخذ عن الكسائي وابن السكيت وأبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب وغيرهم ، وأخذ عنه الاصمعي ، وتوفى بسر من رأى سنة 231 ه‍ ، تاريخ بغداد 5 : 282 ، وشذرات الذهب 2 : 70 ، وتاريخ الطبري 11 : 21 .
(2) العبارة ناقصة وتكميلها يحتاج إلى نسخة كاملة مصححة ولا توجد .
(3) في نسخة ( ب ) يفرق (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 42 ـ

  من نظرائه فعل مثل ذلك لعصبية ولا عناد ، ولئن جاز هذا عليه مع ما وصفناه ليجوزن على جرير (1) والفرزدق (2) والاخطل بل على لبيد وزهير (3) وامرئ القيس (4) حتى لا يصح الاستشهاد بشئ من أشعارهم على غريب القرآن ، ولا على لغة ، ولا على اعراب ، وهذا قول من صار إليه ظهر جهله عند العقلاء ، فصح مما أثبتناه من هذه الاشعار ودلائلها ما ذكرناه من برهان قول

**************************************************************
(1) ابو حرزة ، جرير بن عطية بن الخطفى ـ والخطفي لقب ، واسمه حذيفة ـ بن بدر بن سلمة ، ولد باليمامة سنة 28 هجرية ، وعاش عمره يناضل شعراء زمنه ويساجلهم ، وكان هجاءا ، وكانت بينه وبين الفرزدق والاخطل مهاجاة ونقائض ، وتوفى باليمامة أيضا سنة 110 ه‍ وقيل : 111 ه‍ ، الاغاني 8 : 3 ـ 89 .
(2) أبو فراس ، همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد التميمي ، المعروف بالفرزدق ، من اهل البصرة ، عظيم الاثر في اللغة والاخبار ، من أشعر طبقات الاسلاميين ، والمقدم في الطبقة الاولى منهم ، توفى بالبصرة سنة 110 ه‍ ، وقد قارب المئة . الاغاني 9 : 324 ـ 345 .
(3) زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني ، حكيم الشعراء في الجاهلية ، وفي أئمة الادب من يفضله على شعراء العرب كافة ، قال ابن الاعرابي : ( كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره ) ولد في بلاد ( مزينة ) بنواحي المدينة ، وكان يقيم في الحاجر من ديار نجد ، اشهر شعره معلقته التى مطلعها : ( أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ) مات قبل الهجرة ، الاغاني 10 / 288 ، والاعلام 3 : 87 ، والشعر والشعراء : 57
(4) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من بني آكل المرار ، يماني الاصل ، ولد بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن ، واشتهر بلقبه ، واختلف النسابون في اسمه ، فقيل : حندج وقيل : مليكة ، وقيل : عدي ، وكان أبوه ملك أسد وغطفان ، وامه اخت المهلهل الشاعر ، وعنه أخذ الشعر ، مات سنة 80 قبل الهجرة ، الاعلام 1 : 351 (*) .

 أقسام المولى في اللسان  ـ 43 ـ

  رسول الله صلى الله عليه وآله على امامة أمير المؤمنين عليه السلام والله الموفق للصواب .
  تم كتاب أقسام ( المولى )
  وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم