قال أبو علي محمد بن همام : وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون ؟ فخرج التوقيع : « كذب الوقاتون » (1) ، محمد بن يعقوب الكليني ، عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد ابن عثمان العمريّ ( رضي الله عنه ) أن يوصل لي كتاباً سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ( عليه السلام ) : « أمّا ما سألت عنه - أرشدك الله وثبتك - من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمّنا ، فاعلم أنّه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، ومن أنكرني فليس منّي ، وسبيله سبيل ابن نوح ( عليه السلام ) ، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل اخوة يوسف ( عليه السلام ) ، وأمّا الفقاع فشربه حرام ، ولا باس بالشلماب (2) .
   وأما أموالكم فلا نقبلها إلآ لتطهروا ، فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع ، فما آتانا الله خيرٌ ممّا آتاكم ، وأما ظهور الفرج فإنّه إلى الله تعالى ذكره ، وكذب الوقاتون ، وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر ، وتكذيب ، وضلال ، وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، قإنّكم حجّتي عليكم وأنا حجة الله ، وأما محمد بن عثمان العمريَ - ( رضي الله عنه ) وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي ، وكتابه كتابي ، وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازيّ فسيصلح الله قلبه ، ويزيل عنه شكه وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر ، وثمن المغنية حرام ، وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل إلبيت ، وأمّا أبو الخطّاب محمد بن أبي زينب الأجدع فملعون وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالاتهم ، فإني منهم بريء ، وآبائي ( عليهم السلام ) منهم براء ، وأما المتلبسون باموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران ، وأمّا الخمس فقد ابيح لشيعتنا ، وجُعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث ، وأمّا ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ، ولا حاجة لنا في صلة الشاكّين .

---------------------------
(1) كمال الدين : 483 | 3 .
(2) الشلماب : لفظة فارسية معناها ماء الشيلم ، والشيلم حب صغار مستطيل احمر قائم كأنه في خلقه سرس الحنطة ، ولا يسكر ولكنْه يمر الطعام امراراً شديداً ، « انظر : لسان العرب 12 ، 325 » .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 179 _

   وأمّا علّة ما وقع من الغيبة فان الله عزّوجل يقول : (لا تسئلواعَن أشياءَ اِن تبدَ لكم تسؤكم) (1) إنه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فانْ ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى » (2) ، الشيخ أبوجعفر بن بابويه ، عن أبيه ، ومحمد بن الحسن ، عن عبد الله ابن جعفر الحميري ، عن محمد بن صالح الهمداني قال : كتبت إلى صاحب الزمان ( عليه السلام ) : إن أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك ( عليهم السلام ) أنهم قالوا : خدامنا وقوامنا شرار خلق الله ، فكتب ( عليه السلام ) : « أمّا يقرؤون قول الله عزّ وجل : ( وَجَعَلنا بَينهم َوبينَ القُرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة) (3) نحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة » (4) .

---------------------------
(1) المائدة 5 : 101 .
(2) كمال الدين : 483 | 4 ، وكذا في : غيبة الطوسي : 290 | 247 ، الخرائج والجرائح 3 : 1113 | 30 ، الاحتجاج : 469 .
(3) سبأ 34 : 18 .
(4) كمال الدين : 483 | 2 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 180 _

الفصل الرابع
  في ذكر أسماء الذين شاهدوه أو رأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته وبعضهم وكلاءه الشيخ أبو جعفر - قدس الله روحه - قال : حدثنا محمد بن محمد الخزاعيّ ، عن أبي علي الأسدي ، عن أبيه محمد بن أبي عبد الله الكوفيّ : أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان ( عليه السلام ) ورآه من الوكلاء : ببغداد : العمري ، وا بنه ، وحاجز ، والبلالي ، والعطار ، ومن الكوفة : العاصميّ ، ومن أهل الأهواز : محمد بن إبراهيم بن مهزيار ، ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق ، ومن أهل همدان : محمد بن صالح ، ومن أهل الريّ : الشامي (1) ، والأسدي ، يعني نفسه ، ومن أهل آذربيجان : القاسم بن العلاء ، ومن نيسابور : محمد بن شاذان ، ومن غير الوكلاء : من أهل بغداد : أبو القاسم بن أبي حليس ، وأبو عبد الله الكندي ، وأبو عبد الله الجنيدي ، وهارون ا لقزاز ، والنيلي ، وأبو القاسم ابن رميس ، وأبو عبد الله بن فروخ ، ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ( عليه السلام ) ، وأحمد ، ومحمد ابنا أبي الحسن ، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت وصاحب الفداء ، وصاحب الصرة المختومة .

---------------------------
(1) في نسخة « م » : البسامي .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 181 _

  (ومن همدان : محمد بن كشمرد ، وجعفر بن حمدان ، ومحمد بن هارون بن عمران) (1) ومن الدينور : حسن بن هارون ، وأحمد وأخوه ، وأبو الحسن ، ومن اصفهان : ابن بادشايجه ، ومن الصيمرة : زيدان ، ومن قم : الحسن بن النضر ، ومحمد بن محمد ، وعليّ بن محمد بن إسحاق ، وأبوه ، والحسين (2) بن يعقوب ، ومن أهل الريّ : القاسم بن موسى ، وابنه ، وابن محمد بن هارون ، وصاحب الحصاة ، وعليّ بن محمد ، ومحمد بن محمد الكليني ، وأبوجعفر الرفاء ، ومن قزوين : مرداس ، وعليّ بن أحمد ، ومن قابس : رجلان ، ومن شهرزور : ابن الخال ، ومن فارس : المجروح ، ومن مرو : صاحب الألف دينار ، وصاحب المال والرقعة البيضاء ، وأبو ثابت ، ومن نيسابور : محمد بن شعيب بن صالح ، ومن اليمن : الفضل بن يزيد ، والحسن ابنه ، والجعفري ، وابن في ذكر علامات قيام القائم ( عليه السلام ) ، ومدة أيام ظهوره وطريقة أحكامه ، وسيرته عند قيامه ، وصفته ، وحليته ، أربعة فصول :

---------------------------
(1) ما بين القوسين لم يرد شي نسختي « ق » س « ط » واثبتناه من نسخة « م » في نسختي « ق » و « م » : الحسن .
(2) في نسخة « ق » النجروح ، وفي كمال الدين المحروج .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 182 _

الفصل الأول
  في ذكر علامات خروجه ( عليه السلام ) قد جاءت الاَثار بذكر علامات لزمان قيامه ( عليه السلام ) ، فمن ذلك ما رواه صفوان بن يحيى ، عن محمد بن حكيم ، عن ميمون البان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « خمس قبل قيام القائم : اليماني ، والسفياني ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية » (1) ، ومنه ما رواه علي بن عاصم ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه واَله وسلم ) : « لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي ، ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذاباً كلهم يقول : أنا نبيَ » (2) ، وروى الفضل بن شاذان ، عمن رواه ، عن أبي حمزة قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : خروج السفياني من المحتوم ؟ قال : « نعم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم ، واختلاف بني العباس محتوم ، وقتل النفس الزكيّة محتوم ، وخروج القائم من اَل محمد محتوم » ، قلت له : وكيف يكون النداء ؟ فقال : « ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إن الحقّ مع آَل علي شيعته ، ثم ينادي إبليس في اَخر النهار : ألا إن الحق مع عثمان (3) وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون » (4) .

---------------------------
(1) كمال الدين : 949 | 1 .
(2) أرشاد المفيد 2 : 371 ، كشف الغمة 2 : 459 ، ورواه الطوسي في الغيبة : 434 | 424 دون ذكر ( حتى يخرج المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي ) .
(3) المراد عثمان بن عنبسة ، وهو السفياني .
(4) ارشاد المفيد 2 : 371 ، وباختلاف في كمال الدين : 652 | 14 ، غيبة الطوسي : 474 | 497 ، وصدره في : الفصول المهمة : 302 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 183 _

  وروى الحسن بن عليّ الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشرمن بني هاشم كلّهم يدعوالى نفسه » (1) ، وروى صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمد الجعفيّ ، عن جابر قال : قال أبوجعفر ( عليه السلام ) : « توقوا آخر دولة بني العبّاس ، فانّ لهم في شيعتنا لذعات أمض من الحريق الملتهب » ، وروى عمار الساباطي ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : « آخر دولة ولد العباس ضرام عرفج (2) ، يلتهب ، فتوقوهم فانّ المتوقي لهم فائز » ، وروى الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب الخزاز ، والعلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : « إنّ قدّام القانم علامات تكون من الله تعالى للمؤمنين » ، قلت :فما هي جعلني الله فداك ؟ قال : « ذاك قول الله ( عز وجل ) : (ولنبلُوَنكُّم ) يعني المؤمنين قبل خروج القائم (بشيء من الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وبَشر الصّابرين) (3) قال :

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 372 ، غيبة الطوسي : 437 | 428 ، الخرائج والجرائح 3 : 1162 ، كشف الغمة 2 : 459 .
(2) العرفج : شجر معروف صغير سريع الاشتعال بالنار ، ولهبه شديد الحمرة ، يُبالغ بحمرته فيقال : كضرام عرفج ، « أنظر : النهاية 3 : 9 1 2 ، لسان العرب 2 : 323 » .
(3) البقرة 2 : 155 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 184 _

  « يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم ، والجوع بغلاء الأسعار ، ونقص من الأموال بكساد (1) التجارات وقلة الفضل ، ونقص من الأنفس بالموت الذريع ، ونقص من الثمرات قلة ريع ما يُزرع وقلّة بركات الثمرات ، وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم » ثم قال لي : « يا محمد ، هذا تاويله ، ان الله تعالى يقول : اوَما يَعلَمُ تَاوِيلَهُ إلاّ الله وَالراسِخُونَ فِي العِلمِ ) (2)» ، وروى علي بن مهزيار (3) ، عن عبد الله بن محمد الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن شعيب الحذّاء ، عن أبي صالح مولى بني العذراء قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « ليس بين قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكية إلاّ خمس عشرة ليلة » (4) ، وروى محمد بن ابي البلاد ، عن علي بن محمد الأودي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : « بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض ، وجراد في حينه وجراد في غيرحينه ، كالوان الدم ، فامّا الموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون » (5) ، وروى الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « الزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك ، وما أراك تدرك [ ذلك ] :

---------------------------
(1) في نسختي « ط » و « ق » : بفساد .
(2) آل عمران 3 : 7 .
(3) كمال الدين : 649 | 3 ، غيبة النعماني : 250 | 5 ، دلانل الامامة : 259 ، وباختلاف يسير في : الامامة والتبصرة : 139 | 132 ، وارشاد المفيد 2 : 377 ، والخرائج والجرائح 3 : 1153 | 60 .
(4) كمال الدين : 649 | 2 ، غيبة الطوسي : 445 | 440 ، ارشاد المفيد 2 : 274 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 372 ، غيبة الطوسي : 438 | 430 ، غيبة النعماني : 277 | 61 ، الخرائج والجرائح 3 : 1152 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 185 _

  اختلاف بني العباس ، ومناد ينادي من السماء ، وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى تخرب الشام ، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها : راية الأصهب ، وراية الأبقع ، وراية السفياني » (1) ، وروى قتيبة عن محمد بن عبد الله بن منصور البجليّ قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن اسم السفياني فقال : « وما تصنع باسمه ؟ ! إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق ، وحمص ، وفلسطين ، والاردن ، وقنسرين ، فتوقّعوا عند ذلك الفرج » ، قلت : يملك تسعة أشهر؟ قال : « لا ولكن يملك ثمانية أشهرلا تزيد يوماً » (2) وروى محمد بن أبي عمير ، عن عمر بن اًذينة ، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « قال أبي ( عليه السلام ) :قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :يخرج ابن اَكلة الأكباد من الوادي اليابس ، وهو رجلّ ربعة ، وحش الوجه ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر جدري ، إذا رأيته حسبته أعور ، اسمه عثمان وأبوه عيينة ، وهو من ولد أبي سفيان ، حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها » (3) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 372 ، الاختصاص : 249 ، الغيبة للنعماني : 279 | 67 ، الغيبة للطوسي : 441 | 434 ، الخرائج والجرائح 3 : 1156 ، الفصول المهمة : 301 .
(2) كمال الدين : 651 | 11 .
(3) كمال الدين : 651 | 9 ، الخرائج والجرائح 3 : 1150 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 186 _

  وروى عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن موسى (1)( عليه السلام ) في قوله تعالى : ( سَنُريهِم آياتِنا فِي الأفاقِ وَفي اَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم اَنه الحَقُّ ) (2) قال : « الفتن في آفاق الأرض ، والمسح في أعداء الحق » وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : (ان نشأ ننزل عليهِم من المساء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) (3)قال : « سيفعل الله ذلك بهم » ، قال : فقلت : من هم ؟ قال : « بنو اُميّة وشيعتهم » ، قلت : وما الأية ؟ قال : « ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر رجل ووجهه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه ، ذلك في زمان السفياني وعندها يكون بواره وبوار قومه » (4) ، العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) قال : « إذا رأيتم ناراً من المشرق كهيئة المرد (5) العظيم يطلع ثلاثة أيام أو سبعة - الشك من العلاء - فتوقّعوا فرج آل محمد ، إن الله عزيزٌ كريمٌ » (6) ، علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :

---------------------------
(1) فصلت 41 : 53 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 373 .
(3) الشعراء 26 : 4 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 373 .
(5) كذا في نسخنا ، وفي غيبة النعماني : الهردي ، وهو الثوب المصبوغ بالهرد ، اي بالكركم ، وقيل : هو الذي يصبغ بالورس ثم بالزعفران فيجيء لونه مثل لون زهرة الحوذانة ، ولعل المراد به أن لون هذه النار العظيمة صفراء تميل إلى الحمرة لشدة اشتعالها ، والله تعالى هو العالم ، انظر : لسان العرب 3 : 435 .
(6) الغيبة للنعماني : 253 | 13 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 187 _

  « إن قدّام القائم لسنة غيداقة (1) تفسد الثمر في النخل ، فلا تشكّوا في ذلك » (2) ، سيف بن عميرة ، عن بكر بن محمد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام قال : « خروج الثلاثة : السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، وليس ) فيها راية أهدى من راية اليماني ، لأنّه يدعو إلى الحق » (3) ، عليّ بن أسباط ، عن الحسن بن الجهم قال : سأل رجل أبا الحسن ( عليه السلام ) عن الفرج ، فقال : « تريد الإكثار أم اُجمل لك ؟ » قال : بل تجمل لي ، قال : « اذا ركزت رايات قيس بمصر ، ورايات كندة بخراسان » (4) ، إبراهيم بن محمد بن جعفير ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :« سنة الفتح ينشق الفرات حتى يدخل أزقة الكوفة » (5) ، الحسين بن يزيد ، عن منذر ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء ، وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلد البصرة ، ودماء تُسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار » (6) .

---------------------------
(1) الغدق : المطر الكثير العام ، وقد غيدق المطر : كثر « لسان العرب 10 : 282 » .
(2) ارشاد المفيد 2 : 377 ، غيبة الطوسي : 449 | 450 ، الخرائج والجرائح 3 : 1164 .
(3) ارشاد المفيد 2 :375 ، غيبة الطوسي : 446 | 443 ، الخرائج والجرائح 3 : 1163 .
(4) ارشاد المفيد 2 0 376 ، غيبة الطوسي : 448 | 449 الخرائج والجرائح 3 : 1164 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 377 ، غيبة الطوسي : 451 | 456 ، الخرائج والجرائح 3 : 1164 .
(6) ارشاد المفيد 2 : 378 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 188 _

  الفضل بن شاذان ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ثعلبة الأزدي قال : قال ابو جعفر ( عليه السلام ) : « آيتان تكونان قبل قيام القائم : كسوف الشمس في النصف من شهررمضان ، وخسوف القمرفي آخره » ، قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، تنكسف الشمس في النصف من الشهر والتمر في آخر الشهر ؟ فقال : « أنا أعلم بما قلت ، إنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام » (1) ، عبد الله بن بكير ، عن عبد الملك بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن سعيد ابن جبير قال : ان السنة التي يقوم فيها المهديّ تمطر الأرض أربعآَ وعشرين مطرة ترى لآثارها وبركاتها (2) إن شاء الله (3) .

الفصل الثاني
  في ذكر السنة التي يقوم فيها القائم ( عليه السلام ) ، واليوم الذي يقوم فيه روى الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث ، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع » (4) ، الفضل بن شاذان ، عن محمد بن علي الكوفيّ ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « يُنادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهررمضان ، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئيل بين يديه ينادي بالبيعة له ، فتصير اليه شيعته من أطراف الأرض ، تطوى لهم طياً ، حتّى يبايعوه ، فيملأ الله به الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (5) .

---------------------------
(1) الكافي 8 : 212 | 258 ، ارشاد المفيد 2 : 374 ، غيبة الطوسي : 444 |439 ، غيبة النعماني : 271 | 45 .
(2) في نسخة « ط » : وبركتها .
(3) ارشاد المفيد 2 : 373 ، غيبة الطوسي : 443 | 435 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 378 ، غيبة الطوسي : 453 | 460 ، روضة الواعظين : 263 ، الخرائج والجرائح 3 : 1161 ، الفصول المهمة : 302 .
(5) ارشاد المفيد 2 : 379 ، غيبة الطوسي : 453 | 459 ، روضة الواعضين : 263 ، وفيا : البيعة لله ، بدل بالبيعة له .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 189 _

الفصل الثالث
  في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه ، وطريقة أحكامه ، ووصف زمانه ، ومدة أيامه روىَ الحجّال ، عن ثعلبة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) قال : « كأني بالقائم على نجف الكوفة قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة ، جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في الأمصار » (1) ، وفي رواية عمرو بن شمر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ذكر المهدي فقال : « يدخل الكوفة وفيها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له ، ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدريَ الناس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة ، فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ، ويصلّي بهم هناك ، ثم يأمرمن يحفرمن ظهرمشهد الحسين ( عليه السلام ) نهراً يجري إلى الغريين حتّى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه برتأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء » (2) ، وفي رواية المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « إذا قام قائم ال محمد بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب ، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهر كربلاء » (3) .

---------------------------
(1) أرشاد المفيد 2 : 379 ، روضة الواعظين : 264 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 380 ، غيبة الطوسي : 468 | 485 ، روضة الواعضين : 263 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 380 ، غيبة الطوسي : 467 | ذيل حديث 484 ، الخرائج والجرائح 3 :

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 190 _

  قال : وسمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « إذا أذن الله تعالى للقائم بالخروج صعد المنبر فدعا الناس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ، ودعاهم الى حقه ، على أن يسيرفيهم بسيرة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) ، ويعمل فيهم بعمله ، فيبعث الله ( عزّ وجل ) جبرئيل ( عليه السلام ) حتّى ياتيه فينزل على الحطيم ثمّ يقول له : إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم فيقول جبرئيل : أنا أول من يبايعك ابسط كفّك ، فيمسح على يده ، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فيبايعونه ، ويقيم بمكة حتّى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ، ثمّ يسير إلى المدينة » (1) ، وروى محمد بن عجلان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إذا قام القائم دعا الناس الى الإسلام جديداً ، وهداهم إلى أمر قد دثر وضل عنه الجمهور ، وإنما سُمي المهديّ مهدياً [لأنّه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه ، وسمي بالقائم ] (2) لقيامه بالحق » (3) وروى عبد الله بن المغيرة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم ، ثمّ خمسمائة أخرى ، حتى يفعل ذلك ست مرات » ، قَلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟ قال : « نعم ، منهم ومن مواليهم »(4) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 382 ، روضة الواعظين : 265 لم يرد فيه ذيل الحديث .
(2) ما بين المعقوفين أثبتناه من الارشاد ليستقيم السياقَ .
(3) ارشاد المفيد 2 : 383 ، روضة الواعظين : 264 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 383 ، روضة الواعظين : 265 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 191 _

  وروى أبو بصير قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّى يردّه إلى أساسه ، وحول المقام إلى الموضع الذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة ، وكتب عليها : هؤلاء سرّاق الكعبة » (1) ، وروى علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إذا قام القائم نزلت ملائكة بدر : ثلث على خيول شهب ، وثلث على خيول بلق ، وثلث على خيول حُوّ » ، قلت : يا ابن رسول الله ، وما الحُوّ ؟ قال : « الحمر » (2) وروى محمد بن عطاء ، عن سلآم بن أبي عمرة ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « ان لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له : الحمد ، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف » (3) وروى أبو الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) - في حديث طويل - أنّه قال : « إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون البترية ، ( عليهم السلاح ) ، فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم ، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ، ويهدم قصورها ، ويقتل مقاتليها ، حتى يرضى الله ( عزّ وجل )(4) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 383 ، روضة الواعظين : 265 ، ونحوه في غيبة الطوسي : 472 | 492 .
(2) غيبة النعماني : 244 | 44 .
(3) غيبة الطوسي : 467 |483 ، غيبة النعماني : 239| 31 ، اثبات الوصية : 226 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 384 ، روضة الواعظين : 265 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 192 _

  وروى علي بن عقبة ، عن أبيه قال : إذا قام القائم ( عليه السلام ) حكم بالعدل ، وارتفع في أيّامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، ورد كل حق الى أهله ، ولم يبق أهل دين حتى يُظهروا الاسلام ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله ( عزّ وجل ) يقول : (وله اَسلَمَ من فِي السَّمواتِ وَالأرضِ طوعاً وكرهاَ وَاِلَيهِ يُرجعون) (1) وحكم بين الناس بحكم داود وحكم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فحينئذ تظهر الأرض كنوزها ، وتبدي بركتها ، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعاً لصدقته ولا لبرّه لشمول الغنى جميع المؤمنين » ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : إنّ دولتنا آخر الدول (2)، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلاّ ملكوا قبلنا لئلاً يقولوا -اذا رأوا سيرتنا - : لوملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله ( عز وجل ) (والعاقِبَة لِلمُتقِينَ) (3) وروى عبد الكريم الخثعمي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : كم يملك القائم ؟ قال : « سبع سنين ، تطول له الأيّام والليالي حتّى تكون السنة من سنيه مكان عشرسنين من سنيكم هذه ، فيكون ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه ، وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الأخرة وعشرة أيّام من رجب مطرأَ لم ير الناس مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأني انظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون رؤوسهم من التراب » (4) .

---------------------------
(1) آل عمران 3 : 83 .
(2) الأعراف 7 : 128 ، القصص 28 : 83 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 384 ، روضة الواعظين : 265 .
(4) ارشاد ألمفيد 2 : 381 ، روضة الواعظين : 164 ، وقطعة منه في : غيبة الطوسي :

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 193 _

  وروى ابو بصير ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « إذا قام إلقائم ( عليه السلام ) سار الى الكوفة فهدم بها أربع مساجد ، ولم يبق مسجد على وجه الأرض لهِ شرف كل إِلاّ هدمه وجعلها جمّاً ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كل جناج خارج في الطريق ، وأبطل الكنف المازيب ، ولا يترك بدعة إلآ أزالها ، ولا سنة إلآ أقامها ، ويفتح قسطنطينية والصين وجبال الديلم ، ويمكث على ذلك سبع سنين من سنيكم هذه ، ثم يفعل الله ما يشاء » ، قال : قلت له : جعلت فداك ، وكيف تطول السنون ؟ قال : « يأمر الله تعالى الفلك بالثبوت وقلة الحركة ، فتطول الأيام لذلك والسنون » ، قال : قلت : إنهم يقولون : إن الفلك إن تغير فسد ؟ قال : « ذلك قول الزنادقة ، فاما المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق الله القمر لنبيّه ، ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون ، وأخبر بطول يوم القيامة وإنه ( كألف سَنَةٍ ممّا تَعُدّون )(1) » وروى عاصم بن حميد الحناط ، عن محمد بن مسلم الثقفيّ قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : « القائم منّا منصور بالرعب (2) مؤيد بالنصر ، تُطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر به الله دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب الآ عمر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه » ، قال : فقلت : يا ابن رسول الله ، ومتى يخرج قائمكم ؟ قال : « إذا تشبّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وركبت ذوات الفروج السروج ، وقُبلت شهادات الزور وردّت شهادات العدول ، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا ، واتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم ، وخرج السفيانيّ من الشام ، واليماني من اليمن ، وخسف بالبيداء وقتل غلام من آل محمد بين الركن والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية ، وجاءت صيحة من السماء بانّ الحق فيه وفي شيعته ، فعند ذلك خروج قائمنا .

---------------------------
(1) الحج 22 : 47 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 385 ، روضة الواعظين : 264 ، ونحوه في : غيبة 475 | 498 ، وصدره في : الفصول المهمة : 302 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 194 _

  فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، فاوّل ما ينطق به هذه الأية ( بَقِيةِ الله خَيرٌ لَكُم اِن كُنتُم مًؤمِنينَ )(1) ثم يقول : أنا بقيّة الله وخليفته وحجّته عليكم ، فلا يسلم عليه مسلم إلآ قال : السلام عليك يا بقية الله فىِ أرضه ، فاذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود دون الله - من صنم ولا وثن - الأ وقعت فيه نار واحترق ، وذلك بعد غيبة طويلة ، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به » (2) ، وروى المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « يخرج إلى القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلأً ، خمسة عشرمن قوم موسى الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع ابن نون ، وسلمان ، وأبو دجانة الأنصاري ، والمقداد بن الأسود ، ومالك الأشتر ، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً » (3) وروى عبد الله بن عجلان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « إذا قام قائم آل محمد حكم بين الناس بحكم داود ، لا يحتاج إِلى بيّنة ، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ، ويُخبركلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدوه بالتوشم ، قال الله تعالى : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين) (4) » وقد روي : أنّ مدة دولة القائم تسع عشرة سنة ، تطول أيامها وشهورها على ما تقدم ذكره (5) وروي أيضاً : أنّه ( عليه السلام ) يملك ثلاثمائة وتسع سنين ، قدرما لبث أصحاب الكهف في كهفهم (6) ، وهذا أمرٌ مغيب عنّا ، والله أعلم بحقيقة ذلك وروى المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها ، واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى ، وتظهر الأرض كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، لاستغناء الناس بما رزقهم الله من فضله »(7) .

---------------------------
(1) هود 11 : 86 .
(2) كمال الدين : 330 | 16 ، وباختلاف يسير في : الفصول المهمة : 302 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 386 ، روضة الواعظين : 266 ، وباختلاف يسير في : تفسير العياشي 2 : 32 | 90 .
(4) الحجر 15 : 75 .
(5) تقدم في صفحة : 290 .
(6) غيبة الطوسي : 474 | صدر حديث 496 ، تاج المواليد : 153 ، دلائل الامامة : 242 ضمن رواية .
(7) ارشاد المفيد 2 : 381 ، روضة الواعظين : 264 ، وباختلاف في ذيل الحديث في : غيبة الطوسي : 467 | 484 ، وصدره في : دلائل الامامة : 241 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 195 _

الفصل الرابع
  في ذكر صفة ألقائم وحليته روى عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول : « سأل عمر بن الخطاب امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فقال : أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ فقال : أما اسمه ، فإنَ حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) عهد الي أن لا اُحدث به حتى يبعثه الله تعالى ، قال : فاخبرني عن صفته ، فقال : هو شابَ مربوع ، حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ، يعلو نور وجهه سواد شعرلحيته ورأسه ، بابي ابن خيرة ا لإماء » (1) ، وروىَ محمد بن سنان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) عن أبيه ، عن جده ( عليهما السلام ) قال : « قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض مشرب حمرة ، مبدح البطن (2) ، عريض الفخذين ، عظيم مُشاش (3) المنكبين ، بظهره شامتان : شامة على لون جلده ، وشامة على لون شامة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، له اسمان :

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 382 ، غيبة الطوسي : 470 | 487 ، روضة الواعظين : 266 ، وصدره في : كمال الدين : 470 | 487 .
(2) مبدح البطن : أي واسعها ، انظر : الصحاح - بدح - 1 : 354 .
(3) المشاش (بالضم) : رأس العظم ، القاموس المحيط 2 : 288 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 196 _

  اسم ُيخفى واسم يُعلن ، فافا الذي يُخفى فأحمد ، وأما الذي يعلن فمحمد ، فاذا هزّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ، ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلآ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد ، وأعطاه اللهّ ( عز وجل ) قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى ميت إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ، فهم يتزأورون في قبورهم ويتباشرون بقيام القائم ( عليه السلام ) (1) ، وروى أبو الصلت الهروي قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : ما علامة القائم منكم اذا خرج ؟ فقال : « علامته ان يكون شيخ السن ، شابَ المنظر ، حتى أن الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها ، وإن من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيام واللّيالي عليه حتّى يأتي أجله » (2) ، وجاءت الرواية الصحيحة : بانه ليس بعد دولة القائم ( عليه السلام ) دولة لأحد ، إلأ ما روي من قيام ولده إن شعاء الله تعالى ذلك ، ولم ترد به الرواية على القطع والثبات ، وأكثر الروايات أنّه لن يمضي ( عليه السلام ) من الدنيا إلأ قبل القيامة باربعين يوماً ، يكون فيها الهرج ، وعلامة خروج الأموات ، وقيام الساعة ، والله اعلم (3) .

الباب الخامس
  في ذكر مسائل يسال عنها أهل الخلاف في غيبة صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، وحلّ الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان وهي سبع مسائل :

---------------------------
(1) كمال الدين : 653 | 17 .
(2) كمال الدين : 652 | 12 .
(3) ورد نص التعليق في ارشاد المفيد 2 : 387 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 197 _

  مسألة : قالوا : ما الوجه في غيبته ( عليه السلام ) على الاستمرار والدوام ، حتى صار ذلك سبباً لإنكار وجوده ، ونفي ولادته (1) ، وآباؤه ( عليهم السلام ) وإن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم فيما يتعلق بالإمامة ، فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام ، فلا يمكن لأحدٍ نفي وجودهم ؟ الجواب : قد ذكر الأجل المرتض - قدّس الله روحه - في ذلك طريقة لم يسبقه إليها أحد من أصحابنا ، فقال : إنّ العقل إذا دلّ على وجوب الإمامة فإنّ كل زمان - كلّف المكلّفون الذين يقع منهم القبيح والحسن ، ويجوز عليهم الطاعة والمعصية - لا يخلو من إمام ، لأنّ خلوه من الإمام إخلال بتمكينهم ، وقادح في حسن تكليفهم ، ثم دل العقل على أنّ ذلك الإمام لا بد أن يكون معصوماً من الخطأ ، ماموناً منه كل قبيح ، وثبت أن هذه الصفة - التي دل العقل على وجوبها - لا توجد إِلآ فيمن تدَعي الإماميّة إمامته ، ويعرى منها كل من تدعى له الإمامة سواه ، فالكلام في علة غيبته وسببها واضح بعد أن تقرّرت امامته ، لأنا إذا علمنا أنّه الإمام دون غيره ، ورأيناه غائباً عن الأبصار ، علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه وعليه إلآ لسبب اقتضى ذلك ، استدعته ، وضرورة حملت عليه ، وان لم يعلم وجهه على التفصيل ؛ لأن ذلك مما لا يلزم علمه ، وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهات في القران التي ظاهرها الجبر أو التشبيه ، فانا نقول : اذا علمنا حكمة الله سبحانه ، وأنّه لا يجوزأن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات ، علمنا - على الجملة - أنّ لهذه الأيات وجوهاً صحيحة بخلاف ظاهرها ، تطابق مدلول أدلة العقل ، وإن غاب عنّا العلم بذلك مفضلاً ، فان تكلفنا الجواب عن ذلك ، وتبرعنا بذكره ، فهو فضل منّا غير واجب ، وكذلك الجواب لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال ، وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف بالبيت ، وما أشبه ذلك من العبادات على التفصيل والتعيين ، فإنا إذا عولنا على حكمة القديم سبحانه ، وأنّه لا يجوز أن يفعل قبيحاً ، فلابد من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه ، وليس يجب علينا بيان ذلك الوجه وأنه ما هو ، وفي هذا سد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم ، وقطع التوصيلات عنهم والاسهابات ، إلأ أن نتبرّع بايراد الوجه في غيبته ( عليه السلام ) على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار ، وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار .

---------------------------
(1) في نسخة « م » زيادة :وكيف يجوز أن يكون إماماً للخلق ولم يظهر قط لأحدٍ منهم .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 198 _

  فنقول : الوجه في غيبته ( عليه السلام ) هوخوفه على نفسه ، ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار ، فامّا لو كان خوفه على ماله أوعلى الأذى في نفسه لوجب عليه أن يتحمّل ذلك كله لتنزاح علّة المكلّفين في تكليفهم ، وهذا كما نقوله في النبي في أنّه يجب عليه أن يتحمّل كل أذى في نفسه حتّى يصخ منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم ، وانّما يجب عليه الظهور وإن أدّى إلى قتله كما ظهركثير من الأنبياء وإن قتلوا ، لأنّ هناك كان في المعلوم أنّ غير ذلك النبي يقوم مقامه في تحمّل أعباء النبوّة ، أو أن المصالح التي كان يؤدّيها ذلك النبيّ قد تغيّرت ، وليس كذلك حال إمام الزمان ( عليه السلام ) ، فإن الله تعالى قد علم أنّه ليس بعده من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه ، واللطف بمكانه لم يتغيّر ، ولا يصح تغيره ، فلا يجوز ظهوره إذا أدّى إلى القتل ، وإنّما كان آبناؤه ( عليهم السلام ) ظاهرين بين الناس يفتونهم ويعاشرونهم ، ولم يظهر هو لأن خوفه ( عليه السلام ) أكثر ، فإن الأئمة الماضين من آبائه عليهم السلام أسرّوا إلى شيعتهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر منهم ، وأنّه الذي يملأ الأرض عدلاً ، وشاع ذلك القول من مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم ، فكانت السلاطين الظلمة يتوقفون عن إتلاف آبائه لعلمهم بأنّهم لا يخرجون بالسيف ، ويتشوقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه ، ألا ترى أن السلطان قي الوقت الذي توفّي فيه العسكريّ ( عليه السلام ) وكل بداره وجواريه من يتفقد حملهنّ لكي يظفربولده ويفنيه ؟ كما أنّ فرعون موسى لمّا علم أن ذهاب ملكه على يد موسى ( عليه السلام ) منع الرجال من أزواجهم ، ووكّل بذوات الأحمال منهنّ ليظفر به ، وكذلك نمرود لمّا علم أنّ ملكه يزول على يد إبراحميم ( عليه السلام ) وكّل بالحبالى من نساء قومه ، وفرّق بين الرجال وأزواجهم ، فستر الله سبحانه ولادة إبراهيم وموسى ( عليهما السلام ) كما ستر ولادة القائم ( عليه السلام ) لما علم في ذلك من التدبير ، وأما كون غيبته سبباً لنفي ولادته ، فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر ، وعلى الحق الدليل الواضح ، لمن أراده ، الظاهر لمن قصده ، مسألة ثانية : قالوا : إذا كان الإمام غائباً بحيث لا يصل إليه أحدٌ من الخلق ولا ينتفع به ، فما الفرق بين وجوده وعدمه ؟ وإلاّ جاز أن يميته الله تعالى أو يعدمه حتّى إذا علم أنّ الرعيّة تمكّنه وتسلّم له وجده أو أحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتّى يعلم منهم التمكين له فيظهره .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 199 _

  الجواب : أول ما نقوله : إنّا لا نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحدٌ ، فهذا أمر غير معلوم ، ولا سبيل إلى القطع به ، ثمّ إن الفرق بين وجوده غائباً عن أعدائه للتقية - وهوفي أثناء تلك الغيبة منتظر ان يمكنوه فيظهر ويتصرف - وبين عدمه واضح ، وهو أنّ الحجة هناك فيما فات من مصالح العباد لازمة لله تعالى ، وههنا الحجة لازمة للبشر ، لأنه إذا خيف فغيّب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة - عقيب فعل كانوا هم السبب فيه - منسوباً إليهم ، فيلزمهم في ذلك الذم ، وهم المؤاخذون به ، الملومون عليه ، وإذا أعدمه الله تعالى ، كان ما يفوت العباد من مصالحهم ، ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به ، منسوباً الى الله تعالى ، ولا حجّة فيه على العباد ، ولالوم يلزمهم ، لأنهم لايجوزأن ينسبوا فعلاً للهّ تعالى ، مسألة ثالثة : فان قالوا : الحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ماحكمها ؟ فإن قلتم : تسقط من أهلها [ فقد ] صرّحتم بنسخ الشريعة ، وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والامام مستتر غائب ؟ الجواب : الحدود المستحقّة ثابتة في جنوب (الجناة بما) (1) يوجبها من الأفعال ، فان ظهر الإمام ومستحقّوها باقون أقامها عليهم بالبينة أو الاقرار ، وإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إِقامتها على المخيفين للإمام ، المحوجين إيّاه إلى الغيبة ، وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود ، لأن الحد انّما تجب إقامته مع التمكّن وزوال المانع ، وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكّن لا يكون نسخاً للشرع المتقرّر ، لأنّ الشرط في الوجوب لم يحصل ، وإنّما يكون ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامتها عن الإمام مع تمكنه ، على أنّ هذا أيضاً يلزم مخالفينا إذا قيل لهم : كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكّن فيها أهل الحل والعقد من اختيار الإمام ونصبه ؟ وهل تبطل أوتثبت من تعذّر إقامتها ؟ وهل يقتضي هذا التعذر نسخ الشريعة ؟ فكل ما اجابوا به عن ذلك فهوجوابنا بعينه ، مسألة رابعة : فان قالوا : فالحقّ مع غيبة الإمام كيف يدرك ؟ وإن قلتم : لا يدرك ولا يوصل إليه ، فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة . . لان قلتم : يدرك الحقّ من جهة الأدلّة المنصوبة (2) عليه فقد صرّحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلّة ، وهذا يخالف مذهبكم ، الجواب : ان الحقّ على ضربين عقليّ وسمعيّ ، فالعقلي يدرك بالعقل ، ولا يؤثر فيه وجود الإمام ولا فقده ، والسمعي عليه أدلّة منصوبة من أقوال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ونصوصه ، وأقوال الأئمة الصادقين ( عليهم السلام ) ، وقد بينوا ذلك وأوضحوه ، غير أن ذلك وان كان على ما قلناه فالحاجة إِلى الإمام مع ذلك ثابتة ، لأن جهة الحاجة إليه - المستمرّة في كل عصر وعلى كلّ حال -هي كونه لطفاً في فعل الواجب العقليَ من الانصاف والعدل واجتناب الظلم والبغي ، وهذا ممّا لا يقوم غيره مقامه فيه .

---------------------------
(1) في نسخنا : جناة بما ، ولعله تصحيف ، واثبتنا ما رأيناه صواباً .
(2) في نسخة « م » : المنصوص بها .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 200 _

  فاما الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضاً ظاهرة ، لأن النقل الوارد عن النبي والأئمة ( عليهم السلام )يجوز أن يعدل الناقلون عن ذلك إما بتعمّد أوشبهة فينقطع النقل أويبقى فيمن ليس نقله حجة ولا دليلاً ، فيحتاج حينئذ إلى الإمام ليكشف ذلك ، يبنه (1) ، وإنما يثق المكلفون بما نُقل إليهم وأنه جميع الشرع إِذا علموا أن وراء هذا النقل أماماً متى اختلّ سدّ خلله وبيّن المشتبه فيه ، فالحاجة إلى الإمام ثابتة مع إدراك الحق في احوال الغيبة من الأدلّة الشرعية ، على أنّا إذا علمنا بالاجماع أن التكليف لازم لنا إلى يوم القيامة ولا يسقط بحال ، علمنا أنٌ النقل ببعض الشريعة لا ينقطع في حال تكون تقية الإمام فيها مستمرّة ، وخوفه من الأعداء باقياً ، ولو اتفق ذلك لما كان إلا في حال يتمكن فيها الإمام من البروز والظهور ، والإعلام والانذار ، مسألة خامسة : فان قالوا : إذا كانت العلة في غيبة الإمام خوفه من الظالمين واتقاء من المخالفين فهذه العلة منتفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهراً لهم أويجب أن يسقط عنهم التكليف الذي إمامته لطف فيه ، الجواب : قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال باجوبة : أحدها : أن الإمام ليس في تقية من أوليائه وإن غاب عنهم كغيبته من أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به ، وعلمه بانه لو ظهر لهم لسفكوا دمه ، وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلّة ، وهو أنّه أشفق من إشاعتهم خبره ، والتحدّث منهم كذلك على وجه التشرّف بذكره ، والاحتجاج بوجوده ، فيؤدّي ذلك إلى علم أعدائه بمكانه ، فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به .

---------------------------
(1) في نسخة « ط » : ويثبته .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 201 _

  وثانيها : أن غيبته عن أعدائه للتقيّة منهم ، وغيبته عن أوليائه للتقيّة عليهم ، والإشفاق من إيقاع الضرر بهم ، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به ، فاذا فات الطالب بالاستتار أعقب ذلك عظيم المكروه والضرر باوليائه ، وهذا معروف بالعادات ، وثالثها : أنّه لابدّ أن يكون في المعلوم أنّ في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحقّ من اعتقاد إمامته ، والقول بصحتها على حال من الأحوال ، فامره الله تعالى بالاستتار ليكون المقام على الإقرار بإمامته مع الشُبه في ذلك وشدّة المشقّة أعظم ثواباً من المقام على الإقرار بإمامته مع المشاهدة له ، فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه ، ولم تكن للتقية منهم ، ورابعها : وهو الذي عول عليه المرتضى - قدّس الله روحه - قال : نحن أولاً : لا نقطع على أنّه لا يظهر لجميع أوليائه ، فإنّ هذا أمرمغيّب عنّا ، ولا يعرف كل منّا إلاّ حال نفسه ، فإذا جوّزنا ظهوره لهم كما جوّزنا غيبته عنهم فنقول في علّة غيبته عنهم : إنّ الإمام عند ظهوره من الغيبة إنّما يميّزشخصه كما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه ، لأنّ النصوص الدالّة على إمامته لا تميّز شخصه من غيره كما ميّزت أشخاص آبائه ، والمعجز إنّما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال ، والشبه تدخل في ذلك ، فلا يمتنع أن يكون كلّ من لم يظهر له من أوليائه ، فإن المعلوم من حاله أنّه متى ظهرله قصر في النظر في معجزه ، ولحق لهذا التقصير بمن يخاف منه من الأعداء ، على أنّ أولياء الإمام وشيعته منتفعون به في حال غيبته ، لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم ، وقطعهم بوجوب طاعته عليهم ، لابدّ أن يخافوه في إرتكاب القبيح ، ويرهبوا من تأديبه وإنتقامه ومؤاخذته ، فيِكثر منهم فعل الواجب ، ويقلّ إرتكاب القبيح (1) ، أو يكونوا إلى ذلك أقرب ، فيحصل لهم اللّطف به مع غيبته ، بل ربما كانت الغيبة في هذا الباب أقوى ؟ لأنّ المكلّف إذا لم يعرف مكانه ، ولم يقف على موضعه ، وجوز فيمن لا يعرفه أنّه الإمام ، يكون إلى فعل الواجب أقرب منه إلى ذلك لوعرفه ولم يجوز فيه كونه اماماً ، فإن قالوا : إنّ هذا تصريح منكم بان ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه ، فنقول : إن ظهوره لا يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره ، وكيف يكون ذلك وفي ظهوره وقوّة سلطانه إنتفاع الولي والعدو ، والمحب والمبغض ، ولا ينتفع به في حال الغيبة إلاّ وليّه دون عدوه ، وأيضاً فإنّ في إنبساط بده منافع كثيرة لأوليائه وغيرهم ، لأنه يحمي حوزتهم ، ويسدّ ثغورهم ، ويؤمن طرقهم ، فيتمكنون من التجارات والمغانم ، ويمنع الظالمين من ظلمهم ، فتتوفر أموالهم ، وتصلح أحوالهم ، غير أن هذه منافع دنيوتة لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف معها ، والمنافع الدينيّة الواجبة في كل حالة بالإمامة قد بيّنّا أنها ثابتة لأوليائه مع الغيبة ، فلايجب سقوط التكليف مسألة سادسة : قالوا : لا يمكن أن يكون فىِ العالم بشر له من السنَ ما تصفونه لإمامكم ، وهو مع ذلك كامل العقل ، صحيح الحس ؟ وأكثروا التعجب من ذلك ، وشنّعوا به علينا .

---------------------------
(1) في نسخة « م » : المعصية .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 202 _

  والجواب : أن من لزم طريق النظر ، وفرق بين المقدور والمحال ، لم ينكر ذلك ، الآ أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد والخلاف ، وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لأمرين : أحدهما : إنا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة ، لأن تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة ، فإن مرور الأوقات لا تاثير له في العلوم والقدر ، ومن قرأ الأخبار ونظر فيما سطّر في الكتب من ذكر المعمّرين علم أن ذلك مما جرت العادة به ، وقد نطق القرآن بذكر نوح وأنه لبث في قومه ألف سنة الأ خمسين عاماً ، وقد صنّفت الكتب في أخبار المعمرين من العرب والعجم ، وقد تظاهرت الأخبار بانّ أطول بني آدم عمراً الخضر ( عليه السلام ) ، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الامّة باسرها - ما خلا المعتزلة والخوارج - على أنه موجود في هذا الزمان ، حي كامل العقل ، ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب ، ولا خلاف في أن سلمان الفارسي أدرك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد قارب من عمره أربعمائة عام ، وهب أن المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم على دفع الأخبار ، فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنة والنار ، وجاءت الأخبار بلا خلاف بين الاُمة فيها بانْ أهل الجنة لا يهرمون ولا يضعفون ، ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس ولوكان ذلك منكراً من جهة العقول لما جاء به القرآن ، ولاحصل عليه الإجماع ، ومن اعترف بالخضر ( عليه السلام ) لم يصح منه هذا الاستبعاد ، ومن أنكره حجة الأخبار ، وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لمّا بعث الله نوحاً إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة ، ولبتَ في قومه ألف سنة إلآ خمسين عاماً ، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة ، فلمّا أتاه ملك الموت ( عليه السلام ) قال له : يانوح ، يا أكبر الأنبياء ، ويا طويل العمر ، ويا مجاب الدعوة ، كيف رأيت الدنيا ؟ - قال : مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر » (1) ، وكان لقمان بن عاد الكبير أطول الناس عمراً بعد الخضر ، وذلك أنّه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة ، ويقال : انّه عاش عمر سبعة أنسر ، وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش ، فإذا مات أخذ آخر فرباه ، حتّى كان آخرها لبد وكان أطولها عمراً فقيل : أتى أبد على لبد (2) ، وعاش الربيع بن ضبع الفزاري ثلأثمائة سنة وأربعين سنة ، وأدرك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو الذي يقول :
هـا  أنـا ذا آمـل الخلود وقد      أدركَ  عـمري ومولدي iiحجرا
أمـا  امـرئ القيسِ قد iiسمعتُ      بهِ هيهاتَ هيهاتَ طالَ ذا عمرا
  وهو القائل :
إذا عاشَ الفتى مائتين عاماً      فـقد أودى المسرّةَ iiوالغناءَ
  وله حديث طويل مع عبد الملك بن مروان ، وعاش المستوعر بن ربيعة ثلاتمائة وثلاثة وثلاثين سنة ، وهو الذيَ يقول :
ولقد سئمتُ من الحياةِ وطولها      وعمرتُ  من بعدالسنين سنينا

---------------------------
(1) راجع كتاب المقنع في الغيبة للسيد المرتضى رحمه الله تعالى ، والمنشور محققاً ، على صفحات مجلة تراثنا الفصلية ، العدد 027 الصفحة 155 .
(2) كمال الدين : 559 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 203 _

  وعاش أكثم بن صيفي الأسدي ثلاثمائة وستاً وثلاثين سنة ، وهو الذي يقول :
وإنْ امرء قد عاش تسعين حجةً      إلى  مائةٍ لم يسأم العيشَ iiجاهل
خـلت مائتانِ غير ستٍ iiوأربعٍ      وذلـكَ  مَـنْ عد الليالي iiقلائلُ
  وكان ممن أدرك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) وآمن به ، ومات قبل أن يلقاه ، وعاش دريد بن زيد أربعمائة سنة وستّاً وخمسين سنة ، فلمّا حضره الموت قال : ألقى علي الدهر رِجلاً ويدا * والدهرُ ما أصلحَ يوماً أفسدا يُفسد ما أصلحه اليوم غدا وعاش ألريد بن الصمة مائتي سنة ، وقتل يوم حنين ، وعاش صيف (1) بن رياح بن أكثم مائتي سنة وسبعين سنة ، لا يُنكرمن عقله شيئاً وهو ذو الحلم ، زعموا فيه ما قال المتلمّس : لذي الحلمِ قبل اليوم مايقرعُ العصا * وما علم الإنسانُ إلآ ليعلما وعاش نصر بن دهمان بن سليم بن أ شجع مائة وتسعين سنة حتى سقطت أسنانه ، وابيض رأسه ، فاحتاج قومه الى رأيه ، فدعوا الله أن يردّ إليه عقله ، فعاد إليه شبابه واسود شعره ، فقال في ذلك سلمة بن الخرشب :
لنصرِ بن دهمان الهنيدة iiعاشها      وتـسعينَ حولاً ثم قوم iiفانصاتا
وعـادَ سواد الرأس بعد بياضهِ      وراجعه شرخ الشبابِ الذي فاتا
وعاش  ممليا في رخاء iiوغبطة      ولـكنه مـن بـعد ذا كله iiماتا

---------------------------
(1) في نسخة « م » : صيفي .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 204 _

  وعاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين وعشرين سنة ، وكان أسود الرأس ، صحيح الأسنان ، وعاش عمرو بن حممة الدوسي أربعمائة سنة ، وهو الذي يقول :
كبرتُ وطالَ العمرُ حتّى iiكانني      سـليتم يراعي ليله غير iiمودعِ
فلا الموتُ افناني ولكنْ iiتتابعتْ      علي سنون من مصيفب ومرتع
ثـلاث مئاتٍ قد مررنَ iiكواملاُ      وهـا  أنـا ذا أرتجي iiمرّأربعِ
  وروى الهيثم بن عدي ، عن مجاهد ، عن الشعبي قال : كنّا عند ابن عباس في قبة زمزم وهو يفتي الناس ، فقام إليه أعرابيّ : فقال قد أفتيت أهل الفتوى فافت أهل الشعر ، فقال : قل ، قال : ما معنى قول الشاعر :
لذي الحلمِ قبل اليوم مايقرع العصا      ومـا عـلم الإنـسانُ إلأ iiلـيعلما
  قال : ذلك عمروبن حممة الدوسيّ ، قضى على العرب ثلاثمائة سنة ، فلما كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده ، فقال : إنّ فؤادي بضعة منّي ، فربما تغير علي في اليوم مراراً ، وأمثل ما أكون فهماً في صدر النهار ، فإذا رأيتني تد تغترت فاقرع العصا ، فكان إذا رأى منه تغيّر أقرع العصا فراجعه فهمه ، وعاش زهير بن حباب بن عبد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة وعشرين سنة ، وكان سيداً مطاعاً شريفاً في قومه ، وعاش الحارث بن مضاض الجرهمي أربعمائة سنة ، وهو القائل :
كأنْ لم يكن بينَ الحجونِ إلى الصفا      أنـيس ولـم يـسمر بـمكّةَ سامرُ
بـلى  نـحن كـنا أهـلها iiفابارنا      صـروف الـليالي‌والجدودُ العواثر

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 205 _

  وعاش عامر بن الظرب العدواني مائتي سنة ، وكان من حكماء العرب ، وله يقول ذو الأصبع : ومنّا حكم يقضي * ولاينقض مايقضي (1) فهذا طرف يسير ممّا ذكر من المعمّرين ، وفي إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب ، وإذا ثبت أنّ الله سبحانه قد عمّر خلقاً من البشر ما ذكرناه من الأعمار ، وبعضهم حجج الله تعالى وهم الأنبياء ، وبعضهم غير حجة ، وبعضهم كفّار ، ولم يكن ذلك محالاً في قدرته ، ولا منكراً في حكمته ، ولا خارقاً للعادة ، بل مألوفاً على الأعصار ، معروفاً عند جميع أهل الأديان ، فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سمّيناه ، وهو حجّة الله تعالى على خلقه ، وأمينه على سره ، وخليفته في أرضه ، وخاتم أوصياء نبّيه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ّوقد صحّ عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنه قال : « كلّ ما كان في الاُمم السالفة فإنه يكون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة » (2) هذا وأكثر المسلمون يعترفون ببقاء المسيح ( عليه السلام ) حيّاً إلى هذه الغاية ، شابّا قوياً ، وليس في وجود الشباب مع طول الحياة -ان لم يثبت ما ذكرناه - أكثر من أنّه نقض للعادة في هذا الزمان ، وذلك غير منكر على ما نذكره ، والأمر الاخر أن نسلّم لمخالفينا أن طول العمر إلى هذا الحدّ مع وجود الشباب خارق للعادات - عادة زماننا هذا وغيره - وذلك جائز عندنا وعند أكثر المسلمين ، فإنّ إظهار المعجزات عندهم وعندنا يجوز على من ليس بنبيّ ، من إمام أو وليّ ، لا ينكر ذلك من جميع الاُمّة إلاّ المعتزلة والخوارج ، وإن سمّى بعض الاُمّة ذلك كرامات لا معجزات ، ولا إعتبار بالأسماء ، بل المراد خرق العادات ، ومن أنكر ذلك في باب الأئمّة فانا لا نجد فرقاً بينه وبين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات ونقض العادات لأحد من البشر ، وإلاّ فليأت القوم بالفصل ، وهيهات .

---------------------------
(1) انظر : كمال الدين : 549 ، كشف الغمة : 543 .
(2) كمال الدين : 576 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 2 : 210 | 1 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 206 _

  مسألة سابعة : قالوا : إذا حصل الإجماع على أن لا نبي بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأنتم قد زعمتم أن القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب ، وأنّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين ، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد ، وأنه يحكم بحكم داود ( عليه السلام ) لا يسأل عن بينة ، وأشباه ذلك مما ورد في آثاركم ، وهذا يكون نسخاً للشريعة ، وابطالاُ لأحكأمها ، فقد أثبتم معنى النبوّة وإن لم تتلفظوا باسمها ، فما جوابكم عنها ؟ الجواب : أنا لا نعرف ما تضمنه السؤال من أنه ( عليه السلام ) لا يقبل الجزية من أهل الكتاب ، وأنّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين ، فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به ، وأمّا هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز أن يختص بهدم ما بُني من ذلك على غير تقوى الله تعالى ، وعلى خلاف ما أمر الله سبحانه به ، وهذا مشروع قد فعله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأمّا ما روي من أنه ( عليه السلام ) يحكم بحكم داود لا يسأل عن بيّنة فهذا أيضاً غيرمقطوع به ، وإن صحّ فتأويله : أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه ، وإذا علم الإمام أو الحاكم أمراً من الاُمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البينة ، وليس في هذا نسخ للشريعة ، على أنّ هذا الذي ذكروه من ترك قبول الجزية واستماع البيّنة ، لو صح لم يكن ذلك نسخاً للشريعة ، لإنّ النسخ هوما تأخّر دليله عن الحكم المنسوخ ولم يكن مصاحباً له ، فاما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخاً لصاحبه لان كان يخالفه في الحكم ، ولهذا اتفقنا على أن الله سبحانه لوقال : ألزموا السبت إلى وقت كذا ، ثمّ لا تلزموه ، أن ذلك لا يكون نسخاً ، لأنّ الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب ، وإذا صحت هذه الجملة ، وكان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد أعلمنا بان القائم من ولده يجب إتّباعه وقبول أحكامه ، فنحن اذا صرنا إلى ما يحكم به فينا - وإن خالف بعض الأحكام المتقدّمة - غير عاملين بالنسخ ، لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل ، وهذا واضحٌ ، وهذا ما أردنا أن نبين من مسائل الغيبة وجواباتها ، واستقصاء الكلام في مسائل الامامية والغيبة يخرج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب ، ومن تأمل كتابنا هذا ، ونظر فيه بعين الإنصاف ، وتصفّح ما أثبتناه من الفصول والأبواب ، وصل إلى الحق والصواب ، ونحن نحمد الله سبحانه على ما يسّره من ذلك ، وسهّله ، وأعان عليه ، ووفّق له ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما عملناه خالصاً لوجهه ، وموصلاً إلى ثوابه ، ومنجياً من عقابه ، ويلحقنا دعاء من أوغل في شعاب ، وغاص في الدرر الثمينة من لجج عبابه ، واستفاد الغرر الثمينة من خلل أبوابه (تم الكتاب ، والحمد لله أوّلاُ وآخراً) .