في ذكر الامام العالم أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم ( عليهما السلام )
وهو ستة فصول :
في ذكر تاريخ مولده ، ومبلغ سنه ، ووقت وفاته ( عليه السلام ) ولد ( عليه السلام ) بالاَبواء (1) ـ منزل بين مكّة والمدينة ـ لسبع خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة ، وقبض ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب ـ وقيل أيضاً لخمس خلون من رجب ـ سنة ثلاث وثمانين ومائة ، وله يومئذ خمس وخمسون سنة ، وأمّة أمّ ولد يقال لها : حميدة البربرية ، ويقال لها : حميدة المصفاه ، وكنيته : أبوالحسن ، وهو أبوالحسن الاَوّل ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي ، ويعرف بالعبد الصالح ، والكاظم ، وكانت مدّة إمامته ( عليه السلام ) خمساً وثلاثين سنة ، وقام بالاَمر وله عشرون سنة ، وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المنصور أبي جعفر ، ثمّ ملك ابنه المهديّ عشر سنين وشهراً ، ثمّ ملك ابنه الهادي موسى بن محمد سنة وشهراً ، ثمّ ملك هارون بن محمد المقلّب بالرشيد ، واستشهد صلوات الله عليه بعد مضيّ خمس عشرة سنة من ملكه مسموماً في حبس السنديّ بن شاهك ، ودفن بمدينة السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش (2) .
---------------------------
(1) الابواء : قرية أعمال القرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وثلاثون ميلاً ، « انظر : معجم البلدان 1 : 79 » .
(2) اُنظر : المحاسن 2 : 314 | 32 ، الكافي 1 : 397 ، ارشاد المفيد 2 : 215 ، تاج المواليد : 121 ، المناقب لأبن شهر آشوب 4 : 323 ، الهداية الكبرى : 263 ، كشف الغمة 2 : 212 ، تاريخ بغداد 13 | 27 ، دلائل الامامة للطبرى : 146 ، تذكرة الخواص : 312 ِ، كفاية الطالب : 457 ، الفصول المهمة : 232 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 2 _
في ذكر النص عليه بالاِمامة ، دليل الاعتبار الذي قدّمناه كما دلّ على إمامة آبائه ( عليهم السلام ) يدلّ على إمامته وإمامة الاَئمة من ذرّيّته ( عليهم السلام ) ، وإذا دلّلنا على بطلان جميع أقوال مخالفي الشيعة القائلين بعصمة الامام والنصّ ، فإنّ الشيعة اختلفت بعد وفاة أبي عبد الله ( عليه السلام ) على أقوال : قائل يقول : أنّ الصادق ( عليه السلام ) لم يمت ولا يموت حتّى يظهر فيملاَ الاَرض عدلاً ، وهم : الناووسيّة ، وانّما سمّوا بذلك لاَنّ رئيسهم في مقالتهم رجلٌ يقال له : عبد الله بن الناووس
(1) ، وقولهم باطل بقيام الدليل على موته كقيامه على موت آبائه ( عليهم السلام ) ، وبانقراض هذه الفرقة بأسرها ، ولو كانت محقّة لما انقرضت ، وقائل يقول : بإمامة عبد الله بن جعفر ، وهم : الفطحيّة
(2) ، وقولهم يبطل بأنّهم لم يعوّلوا في ذلك على نصّ عليه من أبيه بالاِمامة ، وإنما عوّلوا في ذلك على أنه أكبر ولده ، وأيضاً فإنّهم رجعوا عن ذلك ، إلاّ شذاذ منهم ، وانقرضت الجماعة الشاذّة أيضاً فلا يوجد منهم أحد ، وإنّما نحكي مذهبهم على سبيل التعجّب ، وما هذه صفته فلا شكّ في فساده ، وقائل يقول : بإمامة إسماعيل بن جعفر على اختلاف بينهم ، فمنهم من أنكر وفاة إسماعيل في حياة أبيه وزعم أنّه بقي ونصّ أبوه عليه ، وهم شذاذ
(3) .
---------------------------
(1) اُنظر : فرق الشيعة : 67 ، الملل والنحل 1 : 166 ، الفرق بين الفرق : 61 | 57 .
(2) اُنظر : فرق الشيعة : 77 ، الملل والنحل 1 : 167 ، الفرق بين الفرق : 62 | 59 .
(3) انظر : فرق الشيعة : 67 ، الملل والنحل 1 : 167 ، الفرق بين الفرق : 62 | 60 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 3 _
ومنهم من قال : إنّ إسماعيل توفي في زمن أبيه ، غير أنه قبل وفاته نص على ابنه محمد فكان الامام بعده ، وهؤلاء هم : القرامطة ، نسبوا الى رجل يقال له : قرمطويه ، ويقال لهم : المباركية ، نسبوا الى المبارك مولى اسماعيل ابن جعفر عليه السلام (1) وقول هؤلاء يبطل من وجهين : أحدهما : انّ مذهبهم يقتضي ببطلان حكاية دعوى التواتر عنهم بالنصّ ، وذلك أنّ من أصلهم المعروف أنّ الدين مستور عن جمهور الخلق ، وإنّما يدعو إليه قوم بأعيانهم لا يبلغون حدّ التواتر ، ولا يؤخذ الحقّ إلاّ عنهم وأنه لا يحل لأحد من هؤلاء أن يوعز إلى الخلق شيئاً منه إلا بعد العهود والايمان المغلظة ، فقد ثبت فساد قول من ادّعى عليهم التواتر ، وإنما يعوّلون على أخبار آحاد وتأويلات في معنى الاَعداد وقياس ذلك بالسماوات السبع والاَرضين والنجوم وغير ذلك من الشهور والاَيّام ممّا يجري مجرى الخرافات ، وهذا لا يعارض ما ذهبنا إليه من إيراد النصوص الظاهرة والتواتر بها من الاَمم الكثيرة المتظاهرة ، والوجه الآخر : أن النص لا يكون من الله تعالى على من يعلم موته قبل وقت إماته ، من حيث يكون ذلك نقصاً للغرض ويكون عبثاً وكذباً ، وإذا لم يبق إسماعيل بعد أبيه بطل قول من ادّعى له النصّ بخلافته ، ولا فصل بين من أنكر وفاته في عصر أبيه وادّعى أنّ ذلك كان تلبيساً ، وبين من أنكر موت أبي عبد الله ( عليه السلام ) من الناووسية .
---------------------------
(1) انظر : فرق الشيعة : 17 ، الملل والنحل 2 : 168 ، الفرق بين الفرق : 63 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 4 _
وكذلك من ادّعى أنّه نصّ على ابنه محمد ، لان الاِمامة إذا لم تحصل لاِسماعيل في حياة أبيه ـ لفساد وجود إمامين معاً في زمان واحد ـ فكيف يصحّ نصّه على ابنه ؟ النص على الامام لا يوجب الامامة إلا إذا كان من إمام ، وقائل : يقول : بإمامة موسى بن جعفر (عليه السلام ) ، وهم : الشيعة الاِماميّة ، فإذا فسدت الاَقوال المتقدّمة ثبتت إمامة أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، وإلاّ أدّى إلى خروج الحقّ عن جميع أقوال الامّة ، وأيضاً فإنّ الجماعة التي نقلت النصّ من أبيه وجدّه وآبائه ( عليهم السلام ) قد بلغوا من الكثرة إلى حدّ يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب ، إذ لا يحصرهم بلد ومكان ، ولا يضمّهم صقع ، ولا يحصيهم إنسان ، وأما ألفاظ النصّ عليه من أبيه ( عليه السلام ) ، فمن ذلك : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد ابن محمد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي أيّوب الخزّاز ، عن ثبيت ، عن معاذ ابن كثير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت له : أسأل الله الذى رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : « قد فعل الله ذلك » ـ قلت : من هو جعلت فداك ؟ ، فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : « هذا الراقد » وهو يؤمئذ غلام (1) ، وبهذا الاِسناد ، عن أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ، عن موسى الصيقل ، عن المفضّل بن عمر قال : كنّا عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فدخل أبو إبراهيم ـ وهو غلام ـ فقال : « استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (2) .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 245 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 217 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 219 .
(2) الكافي 1 : 246 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 216 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 219 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 5 _
وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن عليّ ، عن عبدالله القلاّء ، عن الفيض ابن المختار قال : قلت لاَبي عبدالله عليه السلام : خذ بيدي من النار ، من لنا بعدك ؟
فدخل علينا أبو إبراهيم ـ وهو يومئذٍ غلام ـ فقال : « هذا صاحبكم فتمسّك به »(1) ، وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي نجران ، عن صفوان الجمّال ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال له منصور بن حازم : بأبي أنت وأمّي ، إنّ الاَنفس يغدى عليها ويراح ، فإذا كان ذلك فمن ؟ قال أبو عبد الله ( عليه ) السلام : « إذا كان ذلك قهو صاحبكم » وضرب على منكب أبي الحسن الايمن ، وكان يومئذ خماسيّاً ، وعبد الله بن جعفر جالسٌ معنا (2) .
وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ ابن أبي طالب ( عليه السلام ) ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت له : إن كان كونٌ ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ ؟ قال : فأومأ إلى ابنه موسى ، قلت : فإن حدث بموسى حديثٌ فبمن أئتمّ ؟ ، قال : « بولده » ، قلت : فإن حدث بولده وترك أخاً كبيراً وابناً صغيراً ؟ : « بولده ، ثمّ هكذا أبداً » ، قلت : فإن لم أعرفه ولم أعرف موضعه ؟ ، قال : « تقول : اللهم أنّي أتولّى من بقي من حججك من ولد الاِمام الماضي ، فإنّ ذلك يجزئك إن شاء الله » (3) .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 245 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 217 ، روضة الواعظين : 213 ، كشف الغمة 2 : 220 ، الفصول المهمة : 231 .
(2) الكافي 1 : 246 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 ، الفصول المهمة : 232 .
(3) الكافي 1 : 246 | 7 ، وكذا في : كمال الدين : 439 | 43 ، ودون ذيله في : ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 6 _
وبهذا الاِسناد عن محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس ، عن محمد ابن عبدالجبّار ، عن الحسن بن الحسين ، عن أحمد بن الميثميّ ، عن فيض بن المختار ، في حديث طويل في أمر أبي الحسن ( عليه السلام ) حتّى قال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « هو صاحبك الذي سألت عنه ، فقم إليه فأقرّ له بحقّه » ، فقمت حتّى قبّلت رأسه ويده ، ودعوت الله له ، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « أما إنه لم يؤذن لنا في أول ذلك (1) » ، فقلت : جعلت فداك ، فأخبر به أحداً ؟ ، قال : « نعم ، أهلك وولدك ورفقاءك » ، وكان معي أهلي وولدي ، وكان معي من رفقائي يونس بن ظبيان ، فلمّا أخبرته حمد الله تعالى وقال : لا والله حتّى أسمع ذلك منه ، وكانت به عجلة ، فخرج فأتبعته ، فلمّا انتهيت إلى الباب سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول له ـ وكان سبقني إليه ـ : « يا يونس ، الاَمر كما قال لك فيض » ، فقال : سمعت وأطعت ، فقال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « خذه إليك يا فيض » (2) ، وبهذا الاِسناد ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد قال : دعا أبو عبد الله أبا الحسن موسى ( عليهما السلام ) ونحن عنده فقال لنا : « عليكم بهذا بعدي ، فهو والله صاحبكم بعدي » (3) ، وبهذا الاِسناد ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن علي بن الحسن عن صفوان الجمّال قال : سألت أبا عبدالله عن صاحب هذا الاَمر ، فقال : « إنّ صاحب هذا الاَمر لا يلهو ولا يلعب » ، فأقبل أبو الحسن موسى ـ وهو صغير ـ ومع عناق (4) مكّية وهو يقول لها : « اسجدي لربّك » فأخذه أبو عبدالله فضمّه إليه وقال : « بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب » (5) ، وبهذا الاِسناد ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن ، عن جعفر بن بشير ، عن فضيل ، عن طاهر قال : كان أبو عبد الله ( عليه السلام ) يلوم عبدالله يوماً ويعاتبه ويعظه ويقول : « ما يمنعك أن تكون مثل أخيك ، فوالله إنّي لاَعرف النور في وجهه » .
---------------------------
(1) في الكافي : منك .
(2) الكافي 1 : 246 | 9 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 356 | 11 ، رجال الكشي : 643 | 663 ، ونحوه في : الامامة والتبصرة : 204 | 56 .
(3) الكافي 1 : 247 | 12 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 205 | ذيل ح57 ، ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 .
(4) العَناق : الانثى من ولد المعز . « الصحيح ـ عنق ـ 4 : 1534 » .
(5) الكافي 1 : 248 | 15 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، المناقب لا بن شهر آشوب 4 : 317 ، كشف الغمة 2 : 221 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 7 _
فقال عبد الله : ولم ، أليس أبي وأبوه واحداً ( وأصلي وأصله واحدا ) (1) ؟ فقال له أبو عبد الله : « إنّه من نفسي وأنت ابني » (2) وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن محمد ، عن سهل بن زياد (3) غيره ، عن محمد بن الوليد ، عن يونس ، عن داود بن زربي ، عن أبي أيّوب الجوزي (4) قال : بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالسٌ على كرسيّ وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ، قال : فلمّا سلّمت عليه رمى بالكتاب إلي وهو يبكي وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمد قد مات ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ـ ثلاثاً ـ وأين مثل جعفر ، ثمّ قال لي : اُكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه واضرب عنقه قال : فكتبت وعاد الجواب : أنّه قد أوصى إلى خمسة : أحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة (5) وبهذا الاِسناد ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد نحو هذا الحديث ، إلاّ أنّه قال : أوصى إلى خمسة : أوّلهم أبو جعفر المنصور ، ثمّ عبد الله ، وموسى ، ومحمد بن جعفر ، ومولى لاَبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فقال لمنصور : مالي إلى قتل هؤلاء سبيل (6) ، وروى محمد بن سنان ، عن يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد الله وهو واقف على رأس أبي الحسن وهو في المهد ، فجعل يسارّه طويلاً ، فجلست حتّى فرغ فقمت إليه فقال لي : « ادن إلى مولاك فسلّم عليه » ، فدنوت فسلّمت عليه ، فردّ عليّ بلسان فصيح ، ثمّ قال لي : « إذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس ، فإنّه اسم يبغضه الله عزّ وجلّ » ، وكانت ولدت لي ابنة فسمّيتها بالحميراء ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « انته إلى أمره ترشد » فغيّرت اسمها (7) .
---------------------------
(1) في الكافي : وامي واُمه واحدة .
(2) الكافي 1 : 247 | 10 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 210 | 63 ، ارشاد المفيد 2 : 218 ، كشف الغمة 2 : 220 .
(3) في الكافي : أو .
(4) في الكافي : النحوي .
(5) الكافي 1 : 247 | 3 ، وكذا في : الغيبة للطوسي : 119 .
(6) الكافي 1 : 248 | 14 .
(7) الكافي 1 : 247 | 11 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 ، دلائل الامامة : 161 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 8 _
وروى يعقوب بن جعفر الجعفريّ قال : حدّثني إسحاق بن جعفر الصادق ( عليه السلام ) قال : كنت عند أبي يوماً فسأله عليّ بن عمر بن عليّ فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ قال : « إلى صاحب هذين الثوبين الاَصفرين والغديرتين ـ يعني الذؤابتين ـ وهو الطالع عليك من الباب » ، فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا ، ودخل علينا أبو إبراهيم ( عليه السلام ) وهو صبيّ وعليه ثوبان أصفران
(1) ، وروى محمد بن الوليد قال : سمعت عليّ بن جعفر يقول : سمعت أبي ـ جعفر بن محمد ( عليهم السلام ) ـ يقول لجماعة من خاصّته وأصحابه : « استوصوا بابني خيراً ، فإنّه خيراً ، فإنّه أفضل ولدي ، ومن أخلّف من بعدي ، وهو القائم مقامي ، والحجّة لله تعالى على كافّة خلقه من بعدي »
(2) .
وأمثال هذه الاَخبار كثيرة .
في ذكر نبذ من آياته ودلالاته ومعجزاته ( عليه السلام ) ، محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطيّ ، عن هشام بن سالم قال : كنّا بالمدينة ـ بعد وفاة أبي عبد الله ( عليه السلام ) ـ أنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق ، والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر ، فدخلنا عليه فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ ، قال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، قلنا : ففي مائة ؟ ، فقال : درهمان ونصف ، قال : فخرجنا ضلاّلاً ، ما ندري إلى أين نتوجه وإلى من نقصد ، نقول : إلى المرجئة ، الى القدريّة ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج ، إلى الزيديّة ؟ فنحن كذلك إذ رأيت شيخاً لا أعرفه يومئ إليّ بيده ، فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر بن محمد ( عليهم السلام ) الناس ، فيؤخذ فتضرب عنقه ، فخفت أن يكون منهم ، فقلت للاَحول : تنحّ ، فإنّي خائف على نفسي وعليك ، وإنّما يريدني ليس يريدك ، فتنحّى عنّي بعيداً ، وأتبعت الشيخ ، وذلك أنّي ظننت لا أقدر على التخلّص منه ، فما زلت أتبعه حتّى ورد على باب أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ثمّ خلاّني ومضى ، فإذا خادم بالباب فقال لي : أدخل رحمك الله ، فدخلت فإذا أبوالحسن موسى ( عليه السلام ) ، فقال لي إبتداءً منه : « إليّ لا إلى المرجئة ، ولا إلى القدريّة ، ولا إلى المعتزلة ، ولا إلى الخوارج ، ولا إلى الزيديّة » .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 246 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 219 ، كشف الغمة 2 : 221 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 220 ، كشف الغمة 2 : 221 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 48 : 20 | 30 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 9 _
فقلت : جعلت فداك ، مضى أبوك ؟ قال : « نعم » ، قلت : مضى موتاً ؟ قال : « نعم » قلت : فمن لنا بعده ؟ قال : « إن شاء الله أن يهديك هداك » قلت : جعلت فداك ، إنّ عبد الله أخاك يزعم أنه إمام من بعد أبيه ، فقال : « عبد الله يريد أن لا يُعبدالله » ، قلت : جعلت فداك ، فمن لنا بعده ؟ ، قال : « إن شاء الله أن يهديك هداك » ، قلت : جعلت فداك ، فأنت هو ؟ ، قال : « لا ، ما أقول ذلك » قال : فقلت في نفسي : لم أصب طريق المسألة ، ثمّ قلت له : جعلت فداك عليك إمامٌ ؟ قال : « لا » قال : فدخلني شيء لايعلمه إلاّ الله تعالى إعظاماً له وهيبة ، ثمّ قلت : جعلت فداك ، أسألك كما كنت أسأل أباك ؟ قال : « سل تخبر ولا تذع ، فإن أذعت فهو الذبح » قال : فسألته فإذا بحر لا ينزف قلت : جعلت فداك ، شيعة أبيك ضُلاّل فألقي إليهم هذا الاَمر وأدعوهم إليك ؟ فقد أخذت عليّ الكتمان قال : « من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان ، فإن أذاع فهو الذبح » وأشار بيده إلى حلقه .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 10 _
قال : فخرجت من عنده ولقيت أبا جعفر الاَحول فقال لي : ما وراءك ؟ قلت : الهدى ، وحدّثته بالقصّة ، ثمّ لقينا زرارة بن أعين وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وسألاه وقطعا عليه ، ثمّ لقينا الناس أفواجاً ، فكلّ من دخل عليه قطع عليه ، إلاّ طائفة عمّار الساباطي ، وبقي عبد الله ، لا يدخل عليه إلاّ القليل من الناس (1) ، وعنه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الرافعي قال : كان لي ابن عمّ يقال له : الحسن بن عبد الله ، وكان زاهداً ، وكان من أعبد أهل زمانه ، وكان السلطان يتّقيه لجدّه في : الدين وإجتهاده ، فدخل يوماً المسجد وفيه أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) ، قال : فأومأ اليه فأتاه فقال له : « يا أبا علي ، ما أحب الي ما أنت فيه وأسرني به ، إلا أنّه ليس لك معرفة ، فاطلب المعرفة » ، فقال له : جعلت فداك ، وما المعرفة ؟ قال : « إذهب تفقّه واطلب الحديث » ، قال : عمّن ؟ قال : « عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث » ، قال : فذهب وكتب ثمّ جاء فقرأه عليه ، فأسقطه كلّه ثمّ قال له : « إذهب فاعرف » وكان الرجل معنيّاً بدينه قال : فلم يزل يترصّد أبا الحسن حتّى خرج إلى ضيعة له فلقيه في الطريق ، فقال له : جعلت فداك ، إنّي أحتجّ عليك بين يدي الله ( عزّ وجلّ ) ، فدلّني على ما تجب عليّ معرفته ، فأخبره بأمر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وحقّه ، وأمر الحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمد بن عليّ وجعفر بن محمد ( عليهم السلام ) ، ثمّ سكت فقال له : جعلت فداك ، فمن الامام اليوم ؟ قال : « إن أخبرتك تقبل ؟ » ، قال : نعم ، قال : « أنا هو » ، قال : فشيء أستدلّ به ؟ ، قال : « إذهب إلى تلك الشجرة ـ وأشار إلى بعض شجر اُمّ غيلان (2) ـ فقل لها : يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي » .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 285 | 7 ، وكذا في : رجال الكشي 2 : 565 | 502 ، ارشاد المفيد 2 : 221 ، الثاقب في المناقب : 437 | 373 ، الخرائج والجرائح 1 : 331 | 23 ، ودون ذيله في المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 290 .
(2) اُم غيلان : شجر السَّمُر . « القاموس المحيط 4 : 27 » .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 11 _
قال : فأتيتها فرأيتها والله تخدّ الاَرض (1) خداً حتّى وقفت بين يديه ثمّ أشار ( اليها ) بالرجوع فرجعت ، قال : فأقّر به ولزم الصمت والعبادة ، فكان لا يراه أحدٌ يتكلّم بعد ذلك (2) .
وروى عبد الله بن إدريس ، عن ابن سنان قال : حمل الرشيد في بعض الاَيّام إلى علي بن يقطين ثياباً أكرمه بها ، وكان في جملتها درّاعة خزّ سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب ، وتقّدم عليّ بن يقطين بحمل تلك الثياب إلى أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، وأضاف إليها مالاً كان أعدّه على رسم له في ما يحمله إليه من خمس ماله ، فلمّا وصل ذلك إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) قبل المال والثياب وردّ الدرّاعة على يد غير الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه : « احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه » فارتاب عليّ بن يقطين بردّها عليه ولم يدر ما سبب ذلك ، فاحتفظ بالدرّاعة ، فلمّا كان بعد أيّام تغّير ابن يقطين على غلام له كان يختصّ به فصرفه عن خدمته ، فسعى به إلى الرشيد وقال : إنّه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كلّ سنة ، وقد حمل إليه الدرّاعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا ، فاستشاط الرشيد غضباً وقال : لاَكشفنّ عن هذه الحال ، وأمر بإحضار علي بن يقطين فلمّا مثل بين يديه قال : ما فعلت تلك الدّراعة التي كسوتك بها ؟ قال : هي يا أمير المؤمنين عندي في سفط مختوم فيه طيب ، وقد احتفظت بها ، وكلّما أصبحت فتحت السفط ونظرت إليها تبركاً بها واقبّلها وأردّها إلى موضعها ، وكلّما أمسيت صنعت مثل ذلك ، فقال : إئت بها الساعة ، قال : نعم ، وأنفذ بعض خدمه فقال : إمض إلى البيت الفلاني وافتح الصندوق الفلاني وجئني بالسفط الذي فيه بختمه ، فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوماً ووضع بين يدي الرشيد ، ففكّ ختمه ونظر إلى الدرّاعة مطويّة مدفونة بالطيب ، فسكن غضب الرشيد وقال : أرددها إلى مكانها وانصرف راشداً ، فلن أُصدق عليك بعدها ساعياً ، وأمر له بجائزة سنيّة ، وأمر بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك (3).
---------------------------
(1) تخد الاَرض : تشقها . « الصحاح ـ خدد ـ 2 : 468 » .
(2) الكافي 1 : 286 | 8 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 274 | 6 ، ارشاد المفيد 2 : 223 ، الخرائج والجرائح 2 : 650 | 2 ، الثاقب في المناقب : 455 | 383 ، كشف الغمة 2 : 223 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 225 ، وباختصار في الخرائج والجرائح 1 : 334 | 25 ، والمناقب لابن شهرآشوب (4) 289 ، ونحوه في دلائل الامامة : 158 ، والفصول المهمة 236 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 12 _
وروى محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضل قال : اختلفت الراية بين أصحابنا في مسح الوضوء ، أهو من الاَصابع إلى الكعبين ؟ أم من الكعبين إلى الاَصابع ؟ فكتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب بخطّك إلي ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله .
فكتب إليه أبو الحسن ( عليه السلام ) : « فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به ذلك أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلّل لحيتك وتغسل يدك من أصابعك إلى المرفقين ، وتمسح رأسك كلّه ، وتسمح ظاهر اُذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره » ، فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجّب ممّا رسم له فيه ممّا جميع العصابة على خلافه ، ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذه ، قال : وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد وقيل له : إنّه رافضي مخالفٌ لك ، فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر القول عندي في علي بن يقطين وميله إلى الرفض ، وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه على ما يقرف (1) به ، فقيل له : إنّ الرافضة تخالف (الجماعة) (2) في الوضوء فتخفّفه ، ولا تغسل الرجلين ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه ، فتركه مدّة وناطه بشيء من شغله في الدار حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان عليّ يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء فتوضّأ على ما أمره الاِمام ، فلم يملك الرشيد نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرّافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد كتاب أبي الحسن ( عليه السلام ) : « ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين توضّأ كما أمرك الله : اغسل وجهك مرّة فريضة واُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح بمقدّم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما كنت أخافه عليك ، والسلام » (3) ، وروى أحمد بن مهران ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي بصير قال : قلت لاَبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : جعلت فداك بم يعرف الاِمام ؟ قال : « بخصال : أمّا أولاهنّ : فإنّه بشيء قد تقدّم فيه من أبيه وإشارته إليه لتكن حجّة ، ويسأل فيجيب ، وإذا سكت عنه ابتدأ ، ويخبر بما في غد ، ويكلّم الناس بكلّ لسان » ثمّ قال : « يا أبا محمد ، أعطيك علامة قبل أن تقوم » فلم ألبث أن دخل عليه رجلٌ من أهل خراسان ، فكلّمه الخراساني بالعربيّة فأجابه أبو الحسن بالفارسيّة ، فقال له الخراساني : والله ما منعني أن اُكلّمك بالفارسيّة إلاّ أنّني ظننن أنّك لا تحسنها ، فقال : « سبحان الله ، إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحقّ (به ) الامامة » ، ثمّ قال : « يا أبا محمد ، إنّ الاِمام لا يخفى عليه كلام أحد
---------------------------
(1) القرف : الاتهام : « الصحاح ـ قرف ـ 4 : 1415 » .
(2) اثبتناه من الارشاد .
(3) ارشاد المفيد 2 : 227 ، الخرائج والجرائح 1 : 335 | 26 ، المناقب لا بن شهرآشوب 4 : 288 ، الثاقب في المناقب : 451 | 380 ، كشف الغمة 2 : 225 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 13 _
من الناس ، ولا منطق الطير ، ولا كلام شيء فيه روح » (1) .
وروى الحسن بن علي بن أبي عثمان (2) ، عن إسحاق بن عمّار قال : كنت عند أبي الحسن ( عليه السلام ) ودخل عليه رجلٌ فقال له أبوالحسن : « يا فلان أنت تموت إلى شهر » ، قال : فأضمرت في نفسي كأنّه يعلم آجال الشيعة ، قال : فقال لي : « يا إسحاق ، ما تنكرون من ذلك ، قد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والاِمام أولى بذلك منه » ، ثمّ قال : « يا إسحاق ، تموت إلى سنتين ويشتّت مالك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون إفلاساً شديداً » ، قال : فكان كما قال (3) .
وروى محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا ، عن أبي خالد الزبالي قال : ورد علينا أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) ، وقد حمله المهديّ ، فلمّا خرج ودّعته وبكيت ، فقال لي : « ما يبكيك ، يا أبا خالد ؟ » ، فقلت : جعلت فداك ، قد حملك هؤلاء ولا أدري ما يحدث ، فقال : « أمّا في هذه المرة فلا خوف علي منهم ، وأنا عندك يوم كذا في شهر كذا في ساعة كذا ، فانتظرني عند أوّل ميل » ومضى ، قال : فلمّا أن كان في اليوم الذي وصفه لي خرجت إلى أوّل ميل فجلست أنتظره حتّى اصفرّت الشمس ، وخفت أن يكون قد تأخّر عن الوقت فقمت انصرف ، فإذا أنا بسواد قد أقبل ومناد ينادي من خلفي ، فأتيته فإذا هو أبو الحسن ( عليه السلام ) على بغلة له فقال لي : « ايهاً يا أبا خالد » ، فقلت : لبيّك يا ابن رسول الله ، الحمد لله الذي خلّصك من أيديهم ، فقال لي : « يا أبا خالد ، أمّا أن لي إليهم عودة لا أتخلّص من أيديهم » (4) .
---------------------------
(1) قرب الاسناد : 146 ، الكافي 1 : 225 | 7 ، ارشاد المفيد 2 : 224 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 299 ، وباختلاف يسير في : دلائل الامامة : 169 .
(2) الحسن بن علي بن أبي عثمان ، الملقب أبو محمد سجادة ، قمي ، ضعّفه أصحابنا واتهموه بالغلو وفساد العقيدة ، انظر : رجال الطوسي : أصحاب الامام الجواد ( عليه السلام ) (11) ، رجال النجاشي : 61 | 141 ، رجال الكشي 2 : 841 | 1083 ، الخلاصة : 212 | 4 ، نقد الرجال : 89 | 91 .
(3) نحوه في : بصائر الدرجات 285 | 13 ، الكافي 1 : 404 | 7 ، الخرائج والجرائح 1 : 310 | 3 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 287 ، دلائل الامامة : 160 ، الثاقب في المناقب : 434 | 366 .
(4) قرب الاسناد : 146 ، الكافي 1 : 398 | 3 ، اثبات الوصية : 165 ، الخرائج والجرائح 1 : 315 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 287 ، دلائل الامامة : 168 ، الثاقب في المناقب : 200 ، الفصول المهمة : 234 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 14 _
في ذكر طرف من مناقبه وفضائله وخصائصه التي بان بها عن غيره ، قد اشتهر في الناس أنّ أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) كان أجلّ ولد الصادق ( عليه السلام ) شأناً ، وأعلاهم في الدين مكاناً ، واسخاهم بناناً ، وأفصحهم لساناً ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأكرمهم ، وروي : أنّه كان يصّلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثمّ يعقّب حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يخرّ ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس ، وكان يقول ، في سجوده ( عليه السلام ) : « قبح الذنب من عبدك فليحسن العفو والتجاوز من عندك » ، وكان من دعائه ( عليه السلام ) : « اللهم إني أسألك الراحة عند الموت ، والعفو عند الحساب » ، وكان ( عليه السلام ) يبكي من خشية الله حتّى تخضل لحيته بالدموع ، وكان يتفقّد فقراء المدينة فيحمل إليهم في اللّيل العين (1) والوَرِق (2) وغير ذلك ، فيوصلها إليهم وهم لا يعلمون من أي وجه هو (3) ، وروى الشريف أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى العلويّ ، عن جدّه بإسناده قال : إنّ رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) ويشتم عليّاً ( عليه السلام ) ، فقال له بعض حاشيته : دعنا نقتل هذا الرجل ، فنهاهم عن أشدّ النهي ، وسأل عن العمري فقيل : إنّه يزرع بناحية من نواحي المدينة ، فركب إليه ، فوجده في مزرعة ( له ) فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به العمري : لا توطئ زرعنا ، فتوطّأه أبو الحسن ( عليه السلام ) بالحمار حتى وصل إليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه ، وقال له : « كم غرمت في زرعك هذا ؟ » ، فقال : مائة دينار ، قال : « وكم ترجو أن تصيب ؟ » ، قال : لست أعلم الغيب ، قال : « إنّما قلت لك : كم ترجو » ، فقال : « أرجوا أن يجيئني فيه مائتا دينار » ، قال : فأخرج له أبوالحسن ( عليه السلام ) صرّة فيها ثلاثمائة دينار ، وقال : « هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو » ، فقام العمري فقبّل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه ، فتبسّم أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) وانصرف ، ثمّ راح إلى المسجد فوجد العمري جالساً فلمّا نظر إليه قال : الله أعلم حيث يجعل رسالاته .
---------------------------
(1) العين : الذهب والدنانير : « الصحاح ـ عين ـ 6 : 2170 » .
(2) الوَرِق : الفضة والدراهم : « الصحاح ـ ورق ـ 4 : 1564 » .
(3) ارشاد المفيد 2 : 231 ، كشف الغمة 2 : 228 ، ودون صدر الرواية في : المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 318 ، ونحوه في : تاريخ بغداد 13 : 27 ، وفيات الأعيان 5 : 308 ، سير أعلام النبلاء 6 : 271 ، الفصول المهمة : 237 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 15 _
قال : فوثب إليه أصحابه فقالوا له : ما قصّتك ؟ فقد كنت تقول غير هذا !! قال : فقال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن ، وجعل يدعو لأَبي الحسن ( عليه السلام ) ، فخاصموه وخاصمهم ، فلما رجع أبو الحسن ( عليه السلام ) إلى داره قال لمن سألوه قتل العمرىّ : « أيّما كان خيراً ما أردت أو ما أردتم ؟ » (1) ، وذكرت الرواة : أنّه ( عليه السلام ) كان يصل بالمائتي دينار إلى ثلاثمائة دينار ، وكانت صرار موسى ( عليه السلام ) مثلاً (2) ، وذكروا : أنّ الرشيد لما خرج إلى الحجّ وقرب من المدينة استقبله وجوه أهلها يقدمهم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على بغلة ، فقال له الربيع : ما هذه الدابّة التي تلقّيت عليها أمير المؤمنين ، وأنت إن طلبت عليها لم تدرك وإن طلبت لم تفت ؟ فقال ( عليه السلام ) : « إنّها تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلّة العير ، وخير الاُمور أوسطها » (3) ، قالوا : ولمّا دخل هارون المدينة وزار النبيّ ( صّلى الله عليه وآله وسلّم ) قال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عمّ ، مفتخراً بذلك على غيره ، فتقدّم أبو الحسن ( عليه السلام ) وقال : « السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبه » فتغيّر وجه الرشيد وتبيّن فيه الغضب ، وروى الشريف الأَجلّ المرتضى ـ قدس الله روح ـ عن أبي عبيد الله المرزبانيّ ، مرفوعاً إلى أيّوب بن الحسين الهاشميّ قال : كان نفيع رجلاً من الأَنصار حضر باب الرشيد ـ وكان عريضاً ـ وحضر معه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، وحضر موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) على حمار له ، فتلّقاه الحاجب بالبشر والإِكرام ، وأعظمه من كان هناك ، وعجّل له الإِذن ، فقال نفيع لعبد العزيز : ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم ، يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير ، أما لئن خرج لاَسوءنّه ، قال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإن هؤلاء أهل بيت قلّ من تعرّض لهم في خطاب إلاّ وسموه في الجواب سمه يبقى عارها عليه مدى الدهر ، قال : وخرج موسى ( عليه السلام ) فقام إليه نفيع الاَنصاري فأخذا بلجام حماره ، ثمّ قال : من أنت ؟ فقال : « يا هذا ، إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله ابن اسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله ( عزّ وجلّ ) على المسلمين وعليك ـ إن كنت منهم ـ الحجّ إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفاء لهم حتّى قالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمرالله تعالى بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة بقول : ( اللهم صلّ على محمد وآل محمد ) فنحن آل محمد ، خلّ عن الحمار » .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 233 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 319 ، دلائل الامامة : 150 ، كشف الغمة 2 : 228 ، مقاتل الطالبيين : 499 ، تاريخ بغداد 13 : 28 ، سير أعلام النبلاء 6 : 271 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 234 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 318 ، كشف الغمة 2 : 229 ، مقاتل الطالبيين : 499 ، تاريخ بغداد 13 : 28 ، وفيات الأَعيان 5 : 308 ، سير أعلام النبلاَء 6 : 271 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 234 ، روضة الواعظين : 215 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 320 ، كشف الغمة 2 : 229 ، وباختلاف يسير في : أعلام الدين : 306 ، مقاتل الطالبيين : 500 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 234 ، كنز الفوائد 1 : 356 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 320 ، كشف الغمة 2 : 229 ، تاريخ بغداد 13 : 31 ، تذكرة الخواص : 314 ، كفايه الطالب : 457 ، وفيات الأَعيان 5 : 309 ، سير أعلام النبلاء 6 : 273 ، البداية والنهاية 5 : 183 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 16 _
فخلّى عنه ويده ترعد ، وانصرف بخزي ، فقال له عبدالعزيز : ألم أقل لك ؟ !
(1) وروى عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت قال : دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) فسلّمت عليه ، وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى ( عليه السلام ) في دهليزه قاعداً في مكتبه وهو صغير السنّ ، فقلت : أين يضع الغريب إذا كان عندكم إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثمّ قال : « يجتنب شطوط الاَنهار ، ومساقط الثمار ، وأفنية الدور ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ويرفع ويضع بعد ذلك أين شاء » ، فلّما سمعت هذا القول نبل في عيني وعظم في قلبي ، فقلت له : جعلت فداك ، ممّن المعصية ؟ فنظر إليّ ثم قال : « إجلس حتى اُخبرك » ، فجلست فقال : « إنّ المعصية لا بد أن تكون من العبد ، أو من ربه ، أو منهما جميعاً ، فإن كانت من الربّ فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله بما لم يفعله ، وإن كانت منهما فهو شريكه والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأَمر وإليه توجّه النهي وله حقّ الثواب والعقاب ، ولذلك وجبت له الجنّة والنار » ، فلمّا سمعت ذلك قلت : ( ذُرّيّةٌ بَعضها مِن بَعضٍ وَالله سَميعٌ عَليمٌ )
(2) (3) .
ونظم بعضهم هذا المعنى شعراً وقال :
لـــــــم تخلُ أفعالُنا اللاّتي ندمّ بها إحــــدى ثــلاثِ خـلالٍ حــينَ نأتيها إمـّا تــــفــرّد بـارينا بصــنعتها فـيسقـطُ الـلــومُ عــنّـا حيـن iiننشيها أو كان يشـــــــركنا فيه فـيلـحقهُ مـا ســوفَ يلُـحقنـا مـــِن لائـمٍ iiفيها أو لم يكن لإِلهــــــــي في جنايتها ذنبٌ فما الذنبُ إلاّ ذنــــــبُ جانيها (4) |
وروى أبو زيد قال : أخبرنا عبدالحميد قال : سأل محمد بن الحسن أباالحسن موسى عليه السلام بمحضر من الرشيد ـ وهم بمكّة ـ فقال له : هل يجوز للمحرم أن يظلّل على نفسه ومحمله ؟ فقال : « لا يجوز له ذلك مع الاختيار » .
فقال محمد بن الحسن : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً ؟
قال : « نعم » .
---------------------------
(1) آل عمران 3 : 34 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 314 ، تحف العقول ، 411 ، وصدر الرواية في : الكافي 3 : 16 | 5 ، التهذيب 1 : 30 | 79 ، اثبات الوصية : 162 ، دلائل الامامة : 162 ، وذيلها في : امالي الصدوق : 334|4 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام ) 1 : 138|37 ، التوحيد 96|2 ، كنزالفوائد 1 : 366 ، كشف الغمة 2 : 294 .
(3) كنز الفوائد 1 : 366 ، اعلام الدين : 318 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 17 _
فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : « أتعجب من سنّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتستهزىَ بها !! إنّ رسول الله كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إنّ أحكام الله تعالى يا محمد لا تقاس ، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضلّ عن سواء السبيل » ، فسكت محمد بن الحسن ولم يحر جواباً (1) ، وكان ( عليه السلام ) أحفظ الناس بكتاب الله تعالى وأحسنهم صوتاً به ، وكان إذا قرأ يحزن ويبكي ويبكي السامعون لتلاوته ، وكان الناس بالمدينة يسمّونه زين المتهجّدين (2) ، ومن باهر خصائصه ( عليه السلام ) ما وردت به الآثار في شأن اُمّه ، وذلك ما أخبرني به المفيد عبد الجبّار بن علي الرازي رحمه الله ، إجازة ، قال : أخبرنا الشيخ أبو جعفر الطوسي قال : أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن أبي علي أحمد بن جعفر البزوفريّ ، عن حميد بن زياد ، عن العبّاس بن عبيد الله ابن أحمد الدهقان ، عن إبراهيم بن صالح الأَنماطي ، عن محمد بن الفضل وزياد بن النعمان وسيف بن عميرة ، عن هشام بن أحمر قال : أرسل إليّ أبو عبد الله ( عليه السلام ) في يوم شديد الحرّ ، فقال لي : « إذهب إلى فلان الافريقي فاعترض جارية عنده من حالها كذا وكذا ، ومن صفتها كذا » ، فأتيت الرجل فاعترضت ما عنده ، فلم أر ما وصف لي ، فرجعت إليه فأخبرته فقال : « عد إليه فإنّها عنده » ، فرجعت إلى الافريقي ، فحلف لي ما عنده شيء إلاّ وقد عرضه علي ، ثمّ قال : عندي وصيفة مريضة محلوقة الرأس ليس ممّا يعترض ، فقلت له : اعرضها علي ، فجاء بها متوكّئة على جاريتين تخطّ برجليها الأَرض ، فأرانيها فعرفت الصفة ، فقلت : بكم هي ؟ فقال لي : إذهب بها إليه فيحكم فيها ، ثم قال لي : قد والله أردتها منذ ملكتها فما قدرت عليها ، ولقد أخبرني الذي اشتريتها منه عند ذلك أنّه لم يصل إليها ، وحلفت الجارية أنّها نظرت إلى القمر وقع في حجرها ، فأخبرت أبا عبد الله ( عليه السلام ) بمقالتها ، فأعطاني ، مائتي دينار فذهبت بها إليه فقال الرجل : هي حرّة لوجه الله تعلى إن لم يكن بعث إليّ بشرائها من المغرب ، فأخبرت أبا عبد الله ( عليه السلام ) بمقالته ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ياابن أحمر أما أنّها تلد مولوداً ليس بينه وبين الله حجاب » (3) .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 235 ، روضة الواعظين : 216 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 314 ، كشف الغمة 2 : 230 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 235 ، روضة الواعظين : 216 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 318 ، كشف الغمة 2 : 230 .
(3) أمالي الطوسي 2 : 331 ، ونحوه في : دلائل الامامة : 148 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 18 _
وقد روى الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب ( الإِرشاد ) مثل هذا الخبر مسنداً إلى هشام بن الأَحمر أيضاً ، ألاّ أنّ فيه : إن أبا الحسن موسى ( عليه السلام ) أمره ببيع هذه الجارية ، وإنّها كانت اُمّ الرضا ( عليه السلام )
(1) وسمّي ( عليه السلام ) بالكاظم لما كظمه من الغيظ ، وتصبّره على ما فعله الظالمون به ، حتّى مضى قتيلاً في حبسهم
(2) .
في ذكر وفاته عليه السلام وسببها ، ذكروا : أنّ الرشيد قبضه ( عليه السلام ) لمّا ورد إلى المدينة قاصداً للحجّ ، وقيّده واستدعى قبّتين جعله في إحداهما على بغل وجعل القبّة الاُخرى على بغل آخر ، وخرج البغلان من داره مع كلّ واحد منهما خيل ، فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبّتين على طريق البصرة ، وبعضها مع الاخرى على طريق الكوفة ، وكان ( عليه السلام ) في القبة التي تسير على طريق البصرة ـ وإنّما فعل ذلك الرشيد ليعمي على الناس الخبر ـ وأمر أن يُسلّم إلى عيسى بن جعفر بن المنصور فحبسه عنده سنة ، ثمّ كتب إليه الرشيد في دمه فاستعفى عيسى منه ، فوجّه الرشيد من تسلّمه منه ، وصيّر به إلى بغداد ، وسلّم إلى الفضل بن الربيع وبقي عنده مدّة طويلة ، ثمّ أراده الرشيد على شيء من أمره فأبى فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى ، فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان ( عليه السلام ) مشغولاً بالعبادة ، يحيي الليل كلّه صلاة وقراءة للقرآن ، ويصوم النهار في أكثر الأَيّام ، ولا يصرف وجهه عن المحراب ، فوسّع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقّة فكتب إليه يأمره بقتله ، فتوقّف عن ذلك ، فاغتاظ الرشيد لذلك وتغّير عليه وأمر به فادخل على العبّاس بن محمد وجرّد وضرب مائة سوط ، وأمر بتسليم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) إلى السندي ابن شاهك ، وبلغ يحيى بن خالد الخبر ، فركب إلى الرشيد وقال له : أنا أكفل بما تريد ، ثمّ خرج إلى بغداد ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره ، فامتثله وسمّه في طعام قدّمه ويقال : إنّه جعله في رطب أكل منه فأحسّ بالسّم ، ولبث بعده موعوكاً ثلاثة أيّام ، ومات ( عليه السلام ) في اليوم الثالث .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 254 ، وكذا في : الكافي 1 : 406|1 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 17|4 ، الاختصاص : 197 ، اثبات الوصية : 170 ، كشف الغمة 2 : 244 و 272 ، دلائل الامامة : 175 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 235 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 235 .
اعلام الورى بأعلام الهدى
_ 19 _
ولما استشهد صلوات الله عليه أدخل السنديّ عليه الفقهاء ووجوه الناس من أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عديّ ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، ثمّ وضعه على الجسر ببغداد ، وأمر يحيى بن خالد فنودي : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرّسون في وجهه وهو ميّت ، ثمّ حمل فدفن في مقابر قريش ، وكانت هذه المقبرة لبني هاشم والأَشراف من الناس قديماً
(1) .
وروي : أنّه عليه السلام لمّا حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولى له مدنيّاً ينزل عنه دار العبّاس في مشرعة القصب ليتولّى غسله وتكفينه ، ففعل ذلك ، قال السندي بن شاهك : وكنت سألته أن يأذن لي في أن أكفّنه فأبى وقال : « أنّا أهل بيت مهور نسائنا وحجّ صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا ، وعندي كفني وأريد أن يتولّى غسلي وجهازي مولاي فلان » فتولّى ذلك منه
(2) ، وقيل : انّ سليمان بن أبي جعفر المنصور أخذه من أيديهم وتولّى غسله وتكفينه ، وكفّنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار ، مكتوب عليها القرآن كلّه ، ومشى في جنازته حافياً مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه هناك
(3) .
في ذكر عدد أولاده ( عليه السلام ) ، كان له ( عليه السلام ) سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى : علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) ، وإبراهيم ، والعبّاس ، والقاسم لاُمّهات أولاد ، وأحمد ، ومحمد ، وحمزة ، لاُمّ ولد ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسين ، لاُمّ ولد ، وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وسليمان ، لاُمّهات أولاد ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقيّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيّة الصغرى ، وكلثم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة ، واُمّ كلثوم ( لاُمّهات أولاد)
(4) .
---------------------------
(1) انظر : عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 85 |10 ، ارشاد المفيد 2 : 239 ، الغيبة للطوسي 28 | ضمن حديث 6 ، روضة الواعظين : 219 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 327 ، مقاتل الطالبيين : 502 ، الفصول المهمة 239 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 243 ، الغيبة للطوسي : 28 | ضمن حديث 6 ، كشف الغمة 2 : 234 ، مقاتل الطالبيين : 504 ، الفصول المهمة : 240 .
(3) كمال الدين 1 : 39 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 328 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 244 ، تاريخ الامامة ( مجموعة نفيسة ) : 20 ، مناقب ابن شهر آشوب 4 : 324 ، دلائل الامامة : 149 ، تذكرة الخواص : 314 ، الفصول المهمة : 241 .