قال : فقلت له : يا ابن رسول الله ، ثمّ يكون ماذا ؟ قال : « ثمّ تمتدّ الغيبة بوليّ الله الثاني عشرمن أوصياء رسول الله ( صلى اللهّ عليه وآله وسلّم ) والأئمة ( عليهم السلام ) بعده ، يا أبا خالد ، إن أهل زمان غيبته ، القائلين بإمامته ، والمنتظرين لظهوره ، أفضل من أهل كلّ زمان ، لأنّ اللهّ تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالسيف ، أُولثك المخلصون حقاً ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً » (1) ، قال : وحدّثنا محمد بن عليّ ماجيلويه ، ومحمد بن موسى بن المتوكل قالا : حدّثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسن الصفّار ، عن عبد الله بن الصلت القمّي ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال : كنت أنا وأبو بصير ومحمد بن عمران مولى أبي جعفر ( عليه السلام ) في منزل بمكّة ، فقال محمد بن عمران : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « نحن اثّنا عشر محدّثاً » ، فقال له أبوبصير : تاللهّ لقد سمعت ذلك من أبي عبد الله ( عليه السلام ) ؟ فحلف مرّة أو مرّتين أنّه سمعه منه ، فقال أبوبصير : لكنّي سمعته من أبي جعفرعليه السلام (2) ، قال : وحدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسين بن زيد الزيات ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن عليّ بن سماعة ، عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن رباط ، عن أبيه ، عن المفضّل بن عمر قال : قال الصادق ( عليه السلام ) : « إنّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق باربعة عشر ألف عام ، فهي أرواحنا » .

---------------------------
(1) كمال الدين : 319 | 2 .
(2) كمال الدين : 335 | 6 ، الخصال : 478 | 45 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 56 | 23 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 124 _

  فقيل له : يا ابن رسول الله ، ومَن الأربعة عشر ؟ فقال : « محمد ، وعليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، والأئمّة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال ، ويطهّر الأرض من كلّ جور وظلم (1) ، قال : وحدّثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار قال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حيّان السرّاج ، عن السيّد ابن محمد الحميريّ في حديث طويل يقول فيه : قلت للصادق ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك في الغيبة وصحّة كونها فاخبرني بمن تقع ؟ فقال ( عليه السلام ) : « إنّ الغيبة سعتقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أوّلهم أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) واخرهم القائم بالحقّ بقيّة الله في الأرض وصاحب الزمان ، ولوبقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (2) ، وقد تقدّم ذكر هذا الحديث في أخبار الصادق ( عليه السلام ) ، وكرَرته هاهنا للحاجة إليه ، وأمثال هذه الأخبار كثيرة لا يحتمل هذا إكثر ممّا ذكرناه ، وقد ذكر كثيراً منها الشيخ أبوجعفر بن بابويه في كتاب « كمال الدين وتمام النعمة ، في إثبات الغيبة وكشف الحيرة » فمن أراد الزيادة فليطلب من هناك .

---------------------------
(1) كمال الدين : 335 | 7 .
(2) كمال الدين : 342 | 23 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 125 _

  وقد صنّف الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمّد بن النعمان في ذلك كتاباً مفرداً ، ذكر فيه الأخبار الواردة في هذا المعنى ، باسانيدها على التفصيل .

الفصل الثالث
  من القسم الأول في ذكر جمل من الدلائل على إمامة أئمّتنا ( عليهم السلام ) ، سوى ما ذكرناه فيما تقدّم من الكتاب ، أحد الدلائل على إمامتهم ( عليهم السلام ) : ما ظهر منهم من العلوم التي تفرّقت في فرق العالم ، فحصل في كلّ فرقة منهم فنّ منها ، فاجتمعت فنونها وسائر أنواعها في آل محمد ( عليهم السلام ) ، ألا ترى إلى ما روي عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في أبواب التوحيد ، والكلام الباهر المفيد من الخطب ، وعلوم الدين ، وأحكام الشريعة ، وتفسير القرآن ، وغير ذلك ما زاد على كلام جميع الخطباء والعلماء والفصحاء ، حتى أخذ عنه المتكلّمون والفقهاء والمفسّرون ، ونقل أهل العربيّة عنه أصول الإعراب ومعاني اللغات ، وقال في الطب ما استفادت منه الأطبّاء ، وفي الحكمة والوصايا والاداب ما أربى على كلام جميع الحكماء ، وفي النجوم وعلم الأثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملك والأراء ، ثمّ قد نقلت الطوائف عمّن ذكرناه من عترته وأبنائه ( عليهم السلام ) مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء ، ولم يختلف في فضلهم وعلوّ درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان ، فقد ظهر عن الباقر والصادق ( عليهما السلام ) - لمّا تمكّنا من الإظهار وزالت عنهما التقيّة التي كانت على سيّد العابدين ( عليه السلام ) - من الفتاوى في الحلال والحرام ، والمسائل والأحكام ، وروى الناس عنهما من علوم الكلام ، وتفسير القرآن ، وقصص الأنبياء ، والمغازي ، والسير ، وأخبار العرب وملوك الأمم ما سمّي أبو جعفر ( عليه السلام ) لأجله باقر العلم .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 126 _

  وروى عن الصادق ( عليه السلام ) في أبوابه من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان ، وصنّف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة بكتب الأصول ، رواها أصحابه وأصحاب أبيه من قبله ، وأصحاب ابنه أبي الحسن موسى ( عليهم السلام ) ، ولم يبق فنّ من فنون العلم إلاّ روي عنه ( عليه السلام ) فيه أبواب ، وكذلك كانت حال ابنه موسى ( عليه السلام ) من بعده في إظهار العلوم ، إلى أن حبسه الرشيد ومنعه من ذلك ، وقد انتشر أيضاً عن الرضا وابنه أبي جعفر ( عليهما السلام ) من ذلك ما شهرة جملته تغني عن تفصيله ، وكذلك كانت سبيل أبي الحسن وأبي محمد العسكريّين ( عليهما السلام ) ، وإنّما كانت الرواية عنهما أقلّ لأنّهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ، ممنوعين من الانبساط في الفتيا ، وأن يلقاهما كلّ أحد من الناس ، وإذا ثبت بما ذكرناه بينونة أئمّتنا ( عليهم السلام ) - بما وصفناه - عن جميع الأنام ، ولم يمكن لأحد أن يدّعي أنّهم أخذوا العلم عن رجال العامّة ، أو تلقّوه من رواتهم وفقهائهم ، لأنّهم لم يُرَوا قطّ مختلفين إلى أحد من العلماء في تعلّم شيء من العلوم ، ولأنّ ما أثرعنهم من العلوم أكثره لم يعرف إلاّ منهم ، ولم يظهر إلاّ عنهم ، وعلمنا أنّ هذه العلوم بأسرها قد انتشرت عنهم ، مع غناهم عن سائر الناس ، وتيقّنّا زيادتهم في ذلك على كافّتهم ، ونقصان جميع العلماء عن رتبتهم ، ثبت أنّهم أخذوها عن النبيّ ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) خاصّة ، وأنّه قد أفردهم بها ليدلّ على إمامتهم بافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه ، وغناهم عنهم ، وليكونوا مفزعاً لامته في الدين ، وملجأ لهم في الأحكام ، وجروا في هذا التخصيص مجرى النبيّ ( صلّى عليه وآله وسلم ) في تخصيص الله تعالى باعلامه أحوال الاُمم السالفة ، وإفهامه ما في الكتب المتقدمة من غيرأن يقرأ كتاباً أويلقى أحداً من أهله .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 127 _

   هذا وقد ثبت في العقول أنّ الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول ، وقد بيّن الله سبحانه ذلك بقوله : ( أَفمَن يَهدِي إلى الحقِّ أحقُّ أن يُتَبَعَ أَمَّن لا يَهدي إِلاّ أَن يُهدى) (1) ، وقوله : (هَل يَستَوي الّذينَ يَعلَمُون وَالّذينَ لأ يَعلَمونَ ) (2) ، ودلّ بقوله سبحانه في قصّة طالوت : (وَزادَهُ بَسطَةً فِي العِلمِ والجسمِ ) (3) أنّ التقدم في العلم والشجاعة موجب للتقدّم في الرئاسة ، فإذا كانَ أئمّتنا عليهم السلام أعلم الاُمّة بما ذكرناه ، فقد ثبت أنّهم أئمّة الإسلام الذين استحقّوا الرئاسة على الأنام على ما قلناه ، دلالة أخرى : وممّا يدلّ على إمامتهم ( عليهم السلاَم ) أيضاً : إجماع الاُمة على طهارتهم ، وظاهر عدالتهم ، وعدم التعلّق عليهم أوعلى أحد منهم بشيء يشينه في ديانته ، مع إجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم في الغضّ منهم ، والوضع من أقدارهم ، والتطلّب لعثراتهم ، حتّى أنّهم كانوا يقرّبون من يُظهر عداوتهم ، ويقصون بل يُجفون وينفون ويقتلون من يتحقّق بولايتهم ، وهذا أمر ظاهر عند من سمع أخبار الناس ، فلولا أنّهم ( عليهم السلام ) كانوا على صفات الكمال من العصمة والتأييد من الله تعالى بمكان ، وأنّه سبحانه منع بلطفه كلّ أحد من أن يتخرّص عليهم باطلاً ، أو يتقوّل فيهم زوراً ، لما سلموا ( عليهم السلام ) من ذلك على الحدّ الذي شرحناه .

---------------------------
(1) يونس 10 : 35 .
(2) الزمر 39 : 9 .
(3) البقرة 2 : 247 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 128 _

  لا سيّما وقد ثبَ أنّهم لم يكونوا ممّن لا يؤبه بهم ، وممّن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم لخمولهم وانقطاع اثارهم ، بل كانوا على أعلى مرتبة من تعظيم الخلق إيّاهم ، وفي الدرجة (1) الرفيعة التي يحسدهم عليها الملوك ، ويتمنّونها لأنفسهم ، لأنّ شيعتهم مع كثرتها في الخلق ، وغلبتها على أكثر البلاد ، اعتقدت فيهم الإمامة التي تشارك النبوّة ، وادّعت عليهم الآيات المعجزات ، والعصمة عن الزلات ، حتّى أنّ الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوّة والالهيّة ، وكان أحد أسباب إعتقادهم ذلك فيهم حسن اثارهم ، وعلوّأحوالهم ، وكمالهم في صفاتهم ، وقد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن لا يسلم من ألسنة أعدائه ، ونسبتفم إيّاه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة أو ا لأ خلاق ، فإذا ثبت أنّ أئمّتنا عليهم ابسلام نزّههم الله عن ذلك ، ثبت أنّه سبحانه هو المتولّي لجميع الخلائق على ذلك بلطفه وجميل صنعه ، ليدلّ على أنّهم حججه علئ عباده ، والسفراء بينه وبين خلقه ، والأركان لدينه ، والحفظة لشرعه ، وهذا واضح لمن تأمّله ، دلالة أخرى : وممّا يدلّ أيضاً على إمامتهم ( عليهم السلام ) ما حصل من الإتّفاق على برّهم وعدالتهم ، وعلوّ قدرهم وطهارتهم ، وقد ثبت بلا شكّ معرفتهم ( عليهم السلام ) بكثير ممّن يعتقد إمامتهم في أيّامهم ، ويدين الله تعالى بعصمتهم والنصّ عليهم ، ويشهد بالمعجز لهم ، ووضح أيضاً اختصاص هؤلاء بهم ، وملازمتهم إيّأهم ، ونقلهم الأحكام والعلوم عنهم ، وحملهم الزكوات والأخماس إليهم ، ومن أنكر هذا أو دفع كان مكابراً دافعاً للعيان ، بعيداً عن معرفة أخبارهم ، فقد علم كل محصّل نظر في الأخبار أنّ هشام بن الحكم ، وأبا بصيره وزراة بن أعين ، وحمران وبكير ابني أعين ، ومحمّد بن النعمان الذي يلقّبه العامّة شيطان الطاق ، وبريد بن معاوية ألعجليَ ، وأبان بن تغلب ، ومحمد ابن مسلم الثقفيّ ، ومعاوية بن عمّار الدهنيّ ، وغير هؤلاء ممن بلغوا الجمع الكثير ، والجمّ الغفير ، من أهل العراق والحجاز وخراسان وفارس ، كانوا في وقت الإمام جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) رؤساء الشيعة في الفقه ورواية الحديث والكلام ، وقد صنّفوا الكتب ، وجمعوا المسائل والروايات ، وأضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه ، والباقي إليه وإلى أبيه محمد ( عليهما السلام ) ، وكان لكلّ إِنسان منهم أتباع وتلامذة في المعنى الذي يتفرد به ، وإنهم كانوا يرحلون من العراق إلى الحجاز في كلّ عام أو أكثر أو أقل ، ثم يرجعون ويحكون عنه الأقوال ، ويسندون إليه الدلالات ، وكانت حالهم في وقت الكاظم والرضا ( عليهما السلام ) على هذه الصفة ، وكذلك إلى وفاة أبي محمد العسكري ( عليه السلام ) ، وحصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمتنا ( عليهم السلام ) ، كما نعلم اختصاص أبي يوسف ومحمد بن الحسن بابي حنيفة ، وكما نعلم اختصاص المزني والربيع بالشافعي ، واختصاص النظّام بابي الهذيل ، والجاحظ والأسواري بالنظّام .

---------------------------
(1) في نسخة « ط » : الرتبة .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 129 _

  ولا فرق بين من دفع الإماميّة عمّن ذكرناه ، ومن دفع من سقيناه عمّن وصفناه في الجهل بالأخبار ، والعناد والإنكار ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه لم تخل الإماميّة في شهادتها بإمامة هؤلاء ( عليهم السلام ) من أحد أمرين : إمّا أن تكون محقّة في ذلك صادقة ، أومبطلة في شهادتها كاذبة ، فإن كانت محقّة صادقة في نقل النصَ عنهم على خلفائهم ( عليهم السلام ) ، مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة والكمال ، فقد ثبتت إمامتهم على ما قلناه ، وإن كانت كاذبة في شهادتها ، مبطلة في عقيدتها ، فلن يكون كذلك الآ ومن سميناهم من أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ضالّون برضاهم بذلك ، فاسقون بترك النكير عليهم ، مستحقّون البراءة من حيث تولّوا الكذابين ، مضلّون للأمّة لتقريبهم إياهم ، وإختصاصهم بهم من بين الفرق كلها ، ظالمون في أخذ الزكوات والأخماس عنهم ، وهذا ما لا يطلقه مسلم فيمن نقول بإمامته ، وإذا كان الإجماع المقدّم ذكره حاصلاً على طهارتهم وعدالتهم ، ووجوب ولايتهم ، ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت ذلك ، وبما ذكرناه من إختصاصهم بهم ، وهذا واضح ، والمنّة للهّ ، دلالة أخرى : وممّا يدلّ أيضاً على إمامتهم ( عليهم السلام ) وأنّهم أفضل الخلق بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ما نجده من تسخير الله تعالى الوليّ لهم في التعظيم لمنزلتهم ، والعدوّ لهم في الإجلال لمرتبتهم ، وإلهامه سبحانه جميع القلوب إعلاء شانهم ، ورفع مكانهم ، على تباين مذاهبهم وآرائهم ، واختلاف نحلهم وأهوائهم ، فقد علم كلّ من سمع الأخبار ، وتتبع الأثار ، أنّ جميع المتغلّبين عليهم ، المظهرين لاستحقاق الأمر دونهم ، لم يعدلوا قطّ عن تبجيلهم ، وإجلال قدرهم ، ولا أنكروا فضلهم ، وإن كان بعض أعدائهم قد بارز بعضهم بالعداوة لدواع دعتهم إلى ذلك ، ألا ترى أنّ المتقدّمين على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قد أظهروا من تقديمه ولَعظيم ولديه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في زمان إمامتهم على الاًمّة ، وكذلك الناكثون لبيعته لم يتمكّنوا مع ذلك من إنكار فضله ، ولا امتنعوا من الشهادة له بفضله ، ولا فسّقوه في فعله ، وكذلك معاوية - وإن كان قد أظهر عداوته ، وبنى أكثر أُموره على العناد - لم ينكرجميع حقوقه ، ولا دفع عظيم منزلته في الدين ، بل قفا أثر طلحة والزبير في التعلّل بطلب دم عثمان ، وكان يظهر القناعة منه بأن يقرّه على ولايته التي ولآه إياها من كان قبله ، فيكف عن خلافه ، ويصير إلى طاعته ، ولم يمكنه الدفع لكونه ( عليه السلام ) الأفضل في الإسلام والشرف والوصلة بالنبي ( عليه السلام ) والعلم والزهد ، ولا الإنكار لشيء من ذلك ، ولا الإدّعاء لنفسه مساواته فيه ، أو مقارنته ومداناته ، وقد كان يحضره الجماعة كالحسن بن عليّ وابن عبّاس وسعد بن مالك فيحتجّون عليه بفضل أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) على جميع الصحابة ، فلا يقدم على الإنكار عليهم ، مع إظهاره في الظاهر البراءة منه ، والخلاف عليه ، وكان تقدم عليه وفود أهل العراق من شيعة أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) فيجرعونه السم الذعاف من مدح إِمام الهدى ( صلوات الله عليه ) ، وذمّه هو في أثناء ذلك ، فلا يكذبهم ولا يناقض احتجاجاتهم ، وكان من أمر الوافدات عليه في هذا المعنى ما هو مشهور ، مدوّن في كتب الآثار مسطورٌ .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 130 _

  ثمّ قد كان من أمر ابنه يزيد لعنه الله مع الحسين ( عليه السلام ) ما كان من القتل والسبي والتنكيل ، ومع ذلك فلم يحفظ عنه ذمّه بما يوجب إخراجه عن موجب التعظيم ، بل قد اظهر الندم (1) على ذلك ، ولم يزل يعظم سيّد العابدين ( عليه السلام ) بعده ، ويوصي به ، حتّى أنّه آمنه من بين أهل المدينة كلّهم في وقعة الحرّة ، وأمر مسلم بن عقبة بإكرامه ، ورفع محلّه ، وأمانه مع أهل بيته ومواليه ، ومثل ذلك كانت حال من بعده من بني مروان أيضآَ مع عليّ ابن الحسين ( عليهما السلام ) ، حتّى أنّه كان أجلّ أهل الزمان عندهم ، وكذلك كانت حال الباقر ( عليه السلام ) مع بقيّة بني مروان ، ومع أبي العبّاس السفّاح ، وحال الصادق ( عليه السلام ) مع أبي جعفر المنصور ، وحال أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) مع الهادي والرشيد ، حتّى أنّ هارون الرشيد لما قتله تبرّأ من قتله ، وأحضر الشهود ليشهدوا بوفاته على السلامة وإن كان الأمر على خلافه ، وكان من المأمون مع الرضا ( عليه السلام ) ما هو مشهور ، وكذلك حال ابنه أبي جعفر ( عليه السلام ) على صغرسنه ، وحلوكة لونه من التعظيم والمبالغة في رفع القدر ، حتى أنّه زوجه ابنته أُم الفضل ، ورفعه في المجلس على سائر بني العبّاس والقضاة ، وكذلك كان المتوكّل يعظم عليّ بن محمد ( عليه السلام ) مع ظهور عداوته لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومقته له ، وطعنه على آل أبي طالب ، وكذلك حال المعتمد مع أبي محمد ( عليه السلام ) في إكرامه والمبالغة فيه هذا ، وهؤلاء الأئمة ( عليهم السلام ) في قبضة من عددناه من الملوك على الظاهر ، وتحت طاعتهم ، وقد اجتهدوا كل الاجتهاد في أن يعثروا على عيب يتعلّقون به في الحط من منازلهم ، وامعنوا في البحث عن أسرارهم وأحوالهم في خلواتهم لذلك فعجزوا عنه ، فعلمنا أن تعظيمهم إياهم مع ظاهر عداوتهم لهم وشدّة محبّتهم للغض منهم وإجماعهم على ضد مرادهم فيهم من التبجيل والإكرام تسخير من الله سبحانه لهم ، ليدل بذلك على إختصاصهم منه - جلّت قدرته - بالمعنى الذي يوجب طاعتهم على جميع الأنام ، وما هذا إلآ كالأمور غير المالوفة والأشياء الخارقة للعادة ، ويؤيد ما ذكرناه من تسخير الله سبحانه الخلق لتعظيمهم ما شاهدنا الطوائف المختلفة والفرق المتباينة في المذاهب والأراء أجمعوا على تعظيم قبورهم وفضل مشاهدهم ، حتى أنهم يقصدونها من البلاد الشاسعة ، ويلمّون بها ، ويتقرّبون إلى الله سبحانه بزيارتها ، ويستزلون عندها من الله الأرزاق ، ويستفتحون الأغلاق ، ويطلبون ببركتها الحاجات ، ويستدفعون الملمات ، وهذا هو المعجز الخارق للعادة ، والاّ فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه الجهة المخالفة لهذه الجنبة على ذلك ، ولِم لم يفعلوا بعض ما ذكرناه بمن يعتقدون إمامته وفرض طاعته وهو في الدين موافق لهم ، مساعد غير مخالف معاند .

---------------------------
(1) في نسختي « ط » و « ق » : الحزن .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 131 _

  ألا ترى أنّ ملوك بني أميّة وخلفاء بني العبّاس - مع كثرة شيعتهم وكونهم أضعاف اضعاف شيعة أئمتنا ، وكون الدنيا او كثرها لهم وفي أيديهم ، وما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم ، والسلطنة على العالمين ، والخطبة فوق المنابر في شرق الأرض وغربها لهم بإمرة المؤمنين - لم يلمّ أحد من شيعتهم وأوليائهم - فضلأ عن اعدائهم - بقبورهم بعد وفاتهم ، ولا قصد أحد تربة لهم متقرّباً بذلك إلى ربه ، ولا نشط لزيارتهم ، وهذا لطف من الله سبحانه لخلقه في الإيضاح عن حقوق أئمّتنا ( عليهم السلام ) ، ودلالة منه على علو منزلتهم منه جلّ اسمه ، لا سيما ودواعي الدنيا ورغباتها معدومة عند هذه الطائفة مفقودة ، وعند أولئك موجودة ، فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواع الدنيا ، ولا يمكن أيضاً أن يكونوا فعلوه لتقيّة ، فإن التقيّة هي فيهم لا منهم ، ولا خوف من جهتهم بل هوعليهم ، فلم يبق إلاّ داعي الدين ، وهذا هو الأمر العجيب الذي لاتنفذ فيه إلاّ قدرة القادر ، وقهر القاهر الذي يذلّل الصعاب ، ويسبّب الأسباب ، ليوقظ به الغافلين ، ويقطع عذر المتجاهلين ، وأيضاً فقد شارك أئمّتنا ( عليهم السلام ) غيرهم من أولاد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) في حسبهم ونسبهم وقرابتهم ، وكان لكثير منهم عبادات ظاهرة ، وزهد وعلم ، ولم يحصل من الاجماع على تعظيمهم وزيارة ثبورهم ما وجدناه قد حصل فيهم عليهم السلام ، فإنّ من عداهم من صلحاء العترة ( ذكرالقسم الثاني من الركن الرابع ) وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة ، ابن الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا ( عليهم السلام ) ، وتاريخ مولده ، ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره ، وغيبته ، وعلامات وقت قيامه ومدة دولته ، ووصفه ، وسيرته ويشتمل على خمسة أبواب :

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 132 _

  ( الباب الأول منه ) في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ، ومولده ووقت ولادته ، واسم أمّه ، ومن شاهده أو رآه فيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول
  في ذكر اسمه ، وكنيته ، ولقبه ( عليه السلام ) وهو المسمىّ باسم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، المكنى بكنيته ، وقد جاء في الأخبار : أنه لا يحل لأحد أن يسميه باسمه ، ولا أن يكنيه بكنيته إلى أن يزين الله تعالى الأرض (بظهوره وظهور) (1) دولته (2) ويلقّب ( عليه السلام ) : بالحجة ، والقائم ، والمهدي ، والخلف الصالح ، وصاحب الزمان ، والصاحب ، وكانت الشيعة في غيبته الاًولى تعبر عنه وعن غيبته بالناحية المقدسة ، وكان ذلك رمزاً بين الشيعة يعرفونه به ، وكانوا يقولون أيضاً على سبيل الرمز والتقية : الغريم - يعنونه ( عليه السلام ) - وصاحب الأمر .

---------------------------
(1) في نسختي « ط » و « ق » : بظهور ، وما اثبتناه فمن نسخة « م » .
(2) انظر : الكافي 1 : 264 | 13 و 268 | 1 - 4 ، كمال الدين : 648 | 1 ـ 4 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 133 _

الفصل الثاني
  ذكر مولده ( عليه السلام ) واسم أمّه ولد ( عليه السلام ) بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين من الهجرة ، روى ذلك محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد (1) ، وكان سنه عند وفاة أبيه ( عليه السلام ) خمس سنين ، آتاه الله سبحانه الحكم صبياً كما آتاه يحيى ، وجعله في حال الطفولية إماماً كما جعل عيسى ( عليه السلام ) نبياً في المهد صبتاً ، فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده ( عليه السلام ) : ما رواه الشيخ أبو جعفربن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا ( عليهما السلام ) قالت : بعث اليّ أبومحمد الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فقال : « ياعمة ، إجعلي إفطارك الليلة عندنا ، فإنها ليلة النصف من شعبان ، فإن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهوحجته في أرضه » ، قال : فقلت له : ومن أُمّه ؟ قال : « نرجس » ، قلت له : جعلني الله فداك ، ما بها أثر ! فقال : « هو ما أقول لك » ، قالت : فجئت فلمّا سلَمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي : يا سيّدتي كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيدتي وسيّدة أهلي .

---------------------------
(1) أورد الكليني رحمه الله تعالى في الكافي (1 : 431) باباً أسماه بمولد الصاحب ( عليه السلام ) ، ذكر في صدره : ولد ( عليه السلام ) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، ثم أورد جملة مختلفة من الروايات مختلفة التواريخ ، إلآ انا لم نعثر على الرواية المذكورة أعلاه ، والمروية عن علي بن محمد ، ولعله من سهو القلم ، او اشتباهات النساخ ، والله تعالى هو العالم .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 134 _

  قالت : فانكرت قولي ، وقالت : ما هذا ؟ ! فقلت لها : يا بنيّة ، إنّ الله تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والأخرة ، قالت : فخجلتْ واستحيتْ ، فلما أن فرغتُ من صلاة العشاء الأخرة أفطرتُ وأخذت مضجعي ، فرقدت ، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثم جلستُ معقبة ، ثم اضطجعتُ ، ثم انتبهتُ فزعة وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ونامت ، قالت حكيمة : وخرجتُ أتفقد الفجر ، فاذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة ، قالت حكيمة : فدخلتني الشكوك فصاح بي أبومحمد من المجلس فقال : « لا تعجلي يا عمّة ، فهاك الأمرقد قرب » ، قالت : فجلست فقرأتُ « الم السجدة » و « يس » فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبتُ إليها فقلت : اسم الله عليك ، ثمّ قلت لها : هل تحسّين شيئاً ؟ قالت : نعم ، فقلتُ لها : اجمعي نفسك ، واجمعي قلبك ، فهوما قلت لك ، قالت حكيمة : ثم أخذتني فترة وأخذتهاْ فترة ، فانتبهت بحس سيّدي ، فكشفتُ الثوب عنه فإذا به ( عليه السلام ) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ، فضممته إلي فاذا أنا به نظيف منظّف ، فصاح بي أبو محمد ( عليه السلام ) : « هلمّي إلف ابني يا عمّة » ، فجئت به إليه ، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، وأمره يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثم قال : « تكلّم يا بنيّ » ، فقال : « أشهد أن لا إله إلآ الله ، وأشهد أنّ محمداً رسول الله » ثمّ صلى على أميرالمؤمنين وعلى الأئمة ( عليهم السلام ) الى أن وقف على أبيه ثمَ أحجم ، ثم قال أبو محمد ( عليه السلام ) : « يا عمّة اذهبي به إلى أُمّه ليسلم عليها ، وائتني به » فذهبت به فسلّم ورددته ووضعته في المجلس ، ثم قال ( عليه السلام ) : « يا عمة إذا كان يوم السابع فائتينا » ، قالت حكيمة : فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد ( عليه السلام ) وكشفت الستر لأتفقد سيّدي فلم أره ، فقلت له : جعلت فداك ما فعل سيّدي ؟ قال : « يا عمة استودعناه الذي استودعت أم موسى موسى » ، قالت حكيمة : فلمّا كان يوم السابع جئت وسلمت وجلست فقال : « هلمّي إليّ ابني » فجئت بسيدي ( عليه السلام ) وهو في الخرقة ، ففعل به كفعلته الاًولى ، ثمّ أدلى لسانه في فيه كانما يغذّيه لبناً أو عسلاً ثم قال : « تكلم يا بني » .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 135 _

  فقال ( عليه السلام ) : « أشهد أن لا إله إلاّ الله » وثنى بالصلاة على محمد وعلى أميرالمؤمنين ( عليهما السلام ) وعلى الأئمة حتى وقف على أبيه ( عليهم السلام ) ، ثم تلا هذه الآية ( وَنُريدُ أَن نَّمُنَ عَلَى الّذينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً وَنَجعَلَهُئم الؤارِثينَ * وَنُمَكِّنَ لَهم فِي الأرضِ وَنرِيَ فِرعَونَ وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يَحذرون) (1) ، قال موسى : فسألت عقبة الخادم عن هذا فقال : صدقت حكيمة (2) ، وروى الشيخ أبوجعفرمحمد بن الحسن الطوسي (ره) قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي قال : حدثني أبو عبد الله الحسن بن يعقوب قال : حدّثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدّثنا الحسين بن عليّ النيسابوريّ ، قال : حدّثني ابراهيم بن محمد بن عبداللهّ بن موسى بن جعفر [ عن السياري ] (3) قال : حدثني نسيم خادم الحسن بن علي ومارية قالا : لما سقط صاحب الزمان ( عليه السلام ) من بطن أُمّه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه الى السماء ، ثمّ عطس فقال : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله ، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة ، ولوأذن لنا في الكلام لزال الشك » (4) ، قال ابراهيم بن محمد : وحدّثني نسيم الخادم قال : قال لي صاحب الزمان - وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست - فقال : « يرحمك الله » ، قال نسيم : ففرحت بذلك ، فقال : « ألا أُبشّرك بالعطاس ؟ » فقلت : بلى ، فقال : « هو أمان من الموت ثلاثة أيام » (5) .

---------------------------
(1) القصص 28 : 5 ـ 6 .
(2) كمال الدبن : 424 | 1 .
(3) أثبتناه من غيبة الشيخ الطوسي .
(4) غيبة الطوسي : 244 | 211 ، وكذا في : كمال الدين : 430 |5 ، الهداية الكبرى : 357 ، اثبات الوصية : 221 ، الخرائج والجرائح 1 : 457 |2 .
(5) غيبة الطوسي : 232| 200 ، وكذا في : كمال الدين : 430 | ذيل حديث 5 و 4 4 1 | 11 ، الهداية الكبرى : 358 ، اثبات الوصية : 221 ، الخرائج والجرائح 1 : 465| 11 و 2 : 693 | 7 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 136 _

الفصل الثالث في ذكر من رآه ( عليه السلام ) محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد ، عن محمد بن إِسماعيل بن موسى بن جعفر - وكان أسنّ شيخ من ولد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالعراق - قال : رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد بين المسجدين وهو غلام (1) ، وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن الحسن بن عليّ النيسابوري ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أبي نصر ظريف الخادم أنه رآه ، ( عليه السلام ) (2)وعنه ، عن محمد بن عبد الله ، ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله ابن جعفر الحميريّ قال : اجتمعت أنا والشيخ أبوعمرو ( رضي اللهّ عنه ) عند أحمد ابن إسحاق ، فغمزني أحمد بن إسحاق أن أسأله عن الخَلَف ، فقلت له : ، يا أبا عمرو ، إني أُريد أن أسالك عن شيء ، وما أنا بشاكّ فيما أُريد أن أسالك عنه ، فان إعتقادي وديني أنْ الأرض لا تخلو من حجة إلأ إذا كان قبل يوم القيامة باربعين يوماً فإذا كان ذلك رفعت الحجة ، وأُغلق باب التوبة ، فلم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيراً ، فاًولئك شرار خلق الله ، ولكنّي أحببت أن أزداد يقيناً ، فإنّ إبراهيم ( عليه السلام ) سأل رشّه أن يريه كيف يحيي الموتى فقال : (أَوَلَم تؤمِن قال بَلى وَلكِن لِيَطمَئِن قَلبي) (3) وقد أخبرني أبو عليّ أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : سألته وقلت : من أعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل ؟ فقال له : « لعمريّ ثقتي ، فما أدى اليك فعني يؤدّي ، وما قال لك فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فانّه الثقة المأمون » .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 266 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 251 ، غيبة الطوسي : 268 | 230 .
(2) الكافي 1 : 267 | 13 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 354 .
(3) البقرة 2 : 260 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 137 _

  وأخبرني أبو علي : أنه سأل أبا محمد ( عليه السلام ) عن مثل ذلك فقال له : « العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك فعني يؤدّيان ، وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعهما ، فإنّهما الثقتان المأمونان » فهذا قول امامين ( عليهما السلام ) فيك ، قال : فخز أبوعمرو ساجداً وبكى ثم قال : سل ، فقلت : رأيت ابن أبي محمد ( عليه السلام ) ؟ فقال : اي والله ، ورقبته مثل ذا ، وأومأ بيده الى عنقه ، فقلت له : قد بقيت واحدة ، فقال لي : هات ، قلت : الاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم ، ولكن عنه ( عليه السلام ) ، وإن الأمر عند السلطان في أمر أبي محمد ( عليه السلام ) إنه مض ولم يخلف ولداً ، وقسم ميراثه ، وأخذه من لا حق له فيه ، وصبر على ذلك وهو ذا عيال يجولون ، وليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وامسكوا عن ذلك (1) وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن محمد بن شاذان بن نعيم ، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوريّ - وكانت من الصالحات - أنها قالت :

---------------------------
(1) الكافي 1 : 265 | 1 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 138 _

  كنت واقفة مع إبراهبم على الصفا ، فجاء صاحب الأمرحتّى وقف معه ، وقبض على كتاب مناسكه وحدّثه باشياء (1) وعنه ، عن علي بن محمد ، عن أبي عليّ أحمد بن إبراهيم بن إدريس ، عن أبيه قال : رأيته ( عليه السلام ) بعد مضيّ أبي محمد ( عليه السلام ) حين أيفع ، وقبّلت يده ورأسه (2) وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن أبي عبد الله بن صالح ، وأحمد بن النضر ، عن القنبريّ -رجل من ولد قنبر الكبيرمولى أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ـ قال : جرى حديث جعفر بن عليّ فذمه ، فقلت :َ فليس غيره ؟ فذكر الحجّة ( عليه السلام ) ، فقلت : فهل رأيته ؟ قال : قدرآه جعفرمرّتين (3) وعنه (4) ، عن عليّ بن الحسين بن الفرج المؤدب ، عن محمد بن الحسن الكرخيّ قال : سمعت أبا هارون - رجلاً من أصحابنا - يقول : رأيت صاحب الزمان ووجهه كانه القمر ليلة البدر ، ورأيت على سرته شعراً يجري كالخظة ، وكشفت الثوب عنه فوجدته مختوناً ، فسألت مولانا الحسن بن علي ، عن ذلك ، فقال : « هكذا ولِد وهكذا ولِدنا ، ولكنا سنمر الموسى لإصابة السنَة » (5) .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 266 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد : 2 | 352 ، غيبة الطوسي : 268 | 23 .
(2) الكافي 1 : 267 | 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد : 2 | 352 ، غيبة الطوسي : 268 |232 .
(3) الكافي 1 : 267 | 9 ، وكذا في : ارشاد المفيد : 2 | 352 ، غيبة الطوسي : 248 | 217 .
(4) كذا وهو غير صواب ، لأن الرواية لا تعود إلى الكافي ، بل هي مروية في كمال الدين ، ربسنده الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى ، كما أنها لم ترد في متن نسخة « ط » بل في هامشها ، رلعلها اضافة من النساخ والله تعالى هو العالم .
(5) كمال الدين : 434 | 1 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 139 _

  ولو ذكرنا جميع أسماء من رآه ( عليه السلام ) لطال الكتاب واتسع الخطاب ، وسياتي ذكر بعضهم فيما ياتي من الكتاب ، وفيما أوردناه هنا كفاية في الغرض الذي نحوناه .
الباب الثاني
  في ذكر النصوص الدالة على إمامته ( عليه السلام ) من آبائه ( عليهم السلام ) ، سوى ما تقدّم من ذكره في جملة الاثني عشر فيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول
  في ذكر إثبات النص على إمامته ( عليه السلام ) من طريق الاعتبار إذا ثبت بالدليل العقلي وجوب الإمامة ، واستحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلفين وقتاً من الأوقات من وجود إمام معصوم من القبائح ، كامل غني عن رعاياه في العلوم ، ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد ، وثبت وجوب النص على من هذه صفته من الأنام ، أو ظهور المعجز الدال عليه المميز له عمن سواه ، وعدم هذه الصفات من كل أحد بعد وفاة أبي محمد الحسن بن علي العسكري ممَن ادَعيت الإمامة له في تلك الحال ، سوى من أثبت إمامته أصحابه ( عليه السلام ) من ولده ، القائم مقامه ، ثبتت امامته ( عليه السلام ) ، وإلاّ أدّى إِلى خروج الحق عن أقوال الاًمّة ، وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص ، وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار ، لقيامه بنفسه في قضيّة العقل ، وثبوته بصحيح الاعتبار ، على أنه قد سبق النص عليه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثمّ من الأئمة ( عليهم السلام ) واحداً بعد واحد إلى أبيه ( عليه السلام ) ، وإخبارهم ( عليهم السلام ) بغيبته قبل وجوده ، وبدولته بعد غيبته .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 140 _

  ونحن نذكر ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل ثم نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة في أنه نص عليه أبوه ( عليه السلام ) عند خواصه وثقاته وشيعته ، وأشار إليه بالامامة من بعده استظهاراً في الحجة ، وتثبيتاً على المحجة .
الفصل الثاني
  في ذكر الأخبار الواردة عن آبائه ( عليهم السلام ) في ذلك ، سوى ما ذكرناه فيما تقدم من الكتاب ، حذفنا أسانيدها تحرياً للاختصار ، فمن أرادها فليطلبها في كتاب كمال الدين للشيخ أبي جعفر بن بابويه قدس الله روحه ، فمما جاء عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ذلك : ما رواه جابر بن يزيد الجعفي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « المهديّ من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الاًمم ، ثمّ يقبل كالشهاب الثاقب يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (1) ، وروى أبوبصير ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن ابائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) : « المهديّ من ولدي اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة حتَى يضل الخلق عن أديانهم ، فعند ذلك يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاًَ وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً » (2) ، وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبيه ، عن أبي جعفر الباقر ، عن أبيه ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

---------------------------
(1) كمال الدين : 286 | 1 .
(2) كمال الدين : 287 |4 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 141 _

   المهديّ من ولدي ، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الاًمم ، يأتي بذخيرة الأنبياء ، فيملأها عدلاً وقسطأ كما ملئت ظلماً وجو راً » (1) ، وروى ثابت بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) امام أُمتي ، وخليفتي عليها بعدي ، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلأ وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، والذي بعثني بالحق بشيراً ؛ إِنّ الثابتين على القول في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر » ، فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول اللهّ ، وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال : « إي وربّي ، ليمحص الذين آمنوا ويمحق الكافرين ، يا جابر إن هذا الأمر من أمر الله ( عز وجل ) ، وسر من سرّ الله ، علّته مطويّة عن عباد الله ، فاياك والشك ، فان الشك في أمر الله ( عزّ وجل ) كفر » (2) وروى هشام بن سالم ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده ( عليهم السلام ) قال : « قال رسول اللهّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : القائم من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، وشمائله شمائلي ، وسنته سنتي ، يقيم الناس على ملتي وشريعتي ، ويدعوهم إلى كتاب ربّي ، من أطاعه أطاعني ، ومن عصاه عصاني ، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني ، ومن كذبه فقد كذبني ، ومن صدّقه فقد صدّقني ، إلى الله أشكو المكذبين لي في أمره (3)، والجاحدين لقولي في شأنه ، والمضلّين لامتي عن طريقته ( وَسَيَعلَمُ الذينَ َظلَمُوا أيّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ ) » (4) .

---------------------------
(1) كمال الدين : 287 | 5 .
(2) كمال الدين : 287 | 7 .
(3) الشعراء 26 : 227 .
(4) كمال الدين : 411 | 6 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 142 _

  ومما جاء عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في ذلك : ما رواه الحارث بن المغيرة النصري ، عن الأصبغ بن نباتة قال : أتيت أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض ، فقلت :يا أمير المؤمنين ، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض ، أرغبةً فيها ؟ فقال : « لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ ، ولكني فكّرت في مولود يكون من ظهري ، الحادي عشر من ولدي ، هو المهديَ يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، تكون له حيرة وغيبة ، يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون » ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، وإن هذا لكائن ؟ قال : « نعم كما أنّه مخلوق ، وأنى لك العلم بهذا الأمر يا أصبغ ؟ أُولئك خيار هذه الاًمة مع أبرار هذه العترة » ، قلت : وما يكون بعد ذلك ؟ قال : « ثمّ يفعل الله ما يشاء ، وإن إرادات وغايات ونهايات » (1) ، ومن كلامه المشهور لكميل بن زياد : « اللهمّ إنك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة ، إمّا ظاهر مشهور ، أو خائف مغمور ، لئلا تبطل حججك وبيّناتك » (2) ، وروى سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : أنّه ذكر القائم فقال : « أما ليغيبنّ حتّى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد حاجة » (3) .

---------------------------
(1) كمال الدين : 288 | 1 .
(2) كمال الدين : 291 | 10 .
(3) كمال الدين : 302 | 9 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 143 _

 وروى عبدالعظيم بن عبد الله الحسنيّ ، عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) قال : « للقائم منّا غيبة أمدها طويل ، كانّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته ، يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يَقسُ قلبه لطول مدّة غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة » (1) ، وقال ( عليه السلام ) : « إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه » (2) ، وروى علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليّ بن معبد ، عن الحسين ابن خالد ، عن الرضا ( عليه السلام ) ، عن آبائه ، عن آمير المؤمنين ( عليهم السلام ) أنّه قال : « التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ ، والمظهِر للدين ، والباسط للعدل ، قال الحسين ( عليه السلام ) : فقلت له : وإنّ ذلك لكائن ؟ فقال : إي والذي بعث محمداً بالنبوّة ، واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيهما على دينه إلاّ المخلصون ، المباشرون لروح اليقين ، الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الإيمان ، وأيّدهم بروح منه » (3) ، وممّا جاء فيه عن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) : ما رواه حنان بن سدير ، عن أبيه سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفيّ ، عن أبيه ، عن أبي سعيد عقيصاً قال : لما صالح الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) معاوية دخل عليه الناس ، فلامه بعضهم على بيعته ، فقال ( عليه السلام ) : « ويحكم ، ما تدرون ما عَمِلْت ، والله للّذي عملت خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ، ألا تعلمون أنّي إمامكم ، ومفترض الطاعة عليكم ، وأحد سيدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلم ) عليّ ؟ » .

---------------------------
(1) كمال الدين : 303 | ذيل حديث 14 .
(2) كمال الدين : 303 | ذيل حديث 14 .
(3) كمال الدين : 304 | 16 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 144 _

  قالوا : بلى ، قال : « أما علمتم أنّ الخضر لمّا خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار كان ذلك سخطاً لموسى ( عليه السلام ) ، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك ، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً ؟ أما علمتم أنه ما منّا أحد الآ وتقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم الذي يصلي روح الله عيسى بن مريم خلفه ، فإنّ الله ( عزّ وجل ) يخفي ولادته ، ويغيّب شخصه ، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج ، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ، ابن سيّدة الإماء ، يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ، ذلك ليعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير » (1) ، وممّا جاء عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ( عليهما السلام ) : ما رواه محمد بن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ( عليهم السلام ) قال : « قال الصادق ( عليه السلام ) : في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف ، وسُنّة من موسى ابن عمران ، وهوقائمنا أهل البيت ، يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة » (2) ، وروى جعيد الهمداني (3) عنه ( عليه السلام ) قال :

---------------------------
(1) كمال الدين : 315 | 1 .
(2) كمال الدين : 316 | 1 .
(3) في كمال الدين : رجل من همدان .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 145 _

  « قائم هذه الاًمّة هو التاسع من ولدي ، وهو صاحب الغيبة ، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ » (1) ، وروى يحيى بن وثاب ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت الحسين ابن عليّ بن أبي طالب ( عليهما السلام ) يقول : « لو لم يبق من الدنيا إلأ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج رجل من ولدي ، فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ، كذلك سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول » (2) ، وممّاجاء فيه عن عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) : ما رواه حمزة بن حمران ، عن أبيه حمران بن أعين ، عن سعيد بن جبيرقال : سمعته يقول : « في القائم منّا سنن من ستّة من الأنبياء ( عليهم السلام ) : سُنة من نوح ، وسنّة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنّة من عيسى ، وسنة من أيّوب ، وسنة من محمد ، فأما من نوح ( عليه السلام ) فطول العمر ، وأمّا من إبراهيم ( عليه السلام ) فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى ( عليه السلام ) فالخوف والغيبة ، وأما من عيسى ( عليه السلام ) فاختلاف الناس فيه ، وأمّا من أيّوب ( عليه السلام ) فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من محمد ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) فالخروج بالسيف » (3) ، قال : وسمعته ( عليه السلام ) يقول : « القائم منا تخفى على الناس ولادته حتّى يقولوا : لم يولد بعد ، ليخرج حين يخرج وليس لأحدفي عنقه بيعة » (4) ، وروى علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن بسطام بن مرّة ، عن عمرو بن ثابت قال : قال عليّ بن الحسين سيّد العابدين ( عليه السلام ) :

---------------------------
(1) كمال الدين : 317 | 2 .
(3) كمال الدين : 317 | 4 .
(3) كمال الدين : 321 | 3 .
(4) كمال الدين : 322 | 6 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 146 _

  « من ثبت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر » (1) ، ومما جاء عن محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) ، ما رواه عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : إنّ شيعتك بالعراق كثيرون ، ووالله ما في أهل بيتك مثلك ، فقال : « يا عبد الله ، قد أمكنت الحشو من أذنيك ، والله ما أنا بصاحبكم » ، قلت : فمن صاحبنا ؟ قال : « أنظر من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم » (2) وروى أبو الجارود زياد بن المننر عنه قال : قال لي : « يا أبا الجارود ، إذا دار الفلك ، وقال الناس : مات القائم أو هلك ، بأي واد سلك ، وقال الطالب : أنّى يكون ذلك ، وقد بليت عظامه ، فعند ذلك فارجوه ، فاذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج » (3) ، أبو بصير ، عنه قال : « في صاحب هذا الأمر أربع سُنن من أربعة أنبياء : سنة من موسى ، وسنة من عيسى ، وسنة من يوسف ، وسنة من محمد ( صلى الله عليه وآله وعليهم ) ، فأما من موسى فخائف يترقْب ، وأما من يوسف فالسجن ، وأمّا من عيسى فيقال : إنّه مات ولم يمت ، وأمّا من محمد ( صلى الله عليه وآله وعليهم )فالسيف » (4) .

---------------------------
(1) كمال الدين : 323 | 7 .
(2) كمال الدين : 325 | 2 .
(3) كمال الدين : 326 | 5 .
(4) كمال الدين : 326 | 6 ، وكذا في : الامامة والتبصرة : 234 |84 ، وغيبة الطوسي :