وعنه ، عن عليّ بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، عن يحيى بن حبيب الزيّات قال : أخبرني من كان عند الرضا ( عليه السلام ) جالساً ، فلمّا نهضوا قال لهم : « ألقوا أبا جعفر فسلّموا عليه وأحدثوا به عهداً » ، فلمّا نهض القوم إلتفت إليّ فقال : « رحم الله المفضّل ، إنّه كان ليقنع بدون هذا » (1) وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عليّ ، عن الحسن بن الجهم قال : كنت مع أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) جالساً فدعا بابنه وهو صغير ، فأجلسه في حجري وقال لي : « جرّده » أي انزع قميصه فنزعته ، فقال : « انظر بين كتفيه » فنظرت فإذا في إحدى كتفيه شبيه بالخاتم داخل في اللحم ، فقال لي « أترى هذا ؟ كان مثله في هذا الموضع من أبي عليه السلام » (2) .
  وعنه ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عليّ ، عن أبي يحيى الصنعانيّ قال : كنت عند أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) فجيء بابنه أبي جعفر وهو صغيرٌ فقال : « هذا المولود الذي لم يولد مولودٌ أعظم بركة على شيعتنا منه » (3) .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 256 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 280 ، رجال الكشي : 2 : 620 | 593 ، روضة الواعضين : 237 ، كشف الغمة 2 : 353 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 24 | 16 .
(2) الكافي 1 : 257 | 8 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 278 ، كشف الغمة 2 : 352 ، ونحوه في : اثبات الوصية : 185 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار في ذكر طرف من دلائله ومعجزاته ( عليه السلام ) محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسّان ، عن عليّ بن خالد قال : كنت بالعسكر فبلغني أنّ هناك رجلاً محبوساً اُتي به من ناحية الشام مكبولاً وقالوا : إنّه تنبّأ ، قال : فأتيت الباب وداريت البوّابين حتّى وصلت إليه ، فإاذا رجل له فهم وعقل ، فقلت له : ما قصّتك ؟ فقال : إنّي كنت بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنّه نصب فيه رأس الحسين ( عليه السلام ) ، فبينا أنا ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصاً بين يديّ فنظرت إليه فقال لي : « قم » فقمت ، فمشى بي قليلاً فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي : « أتعرف هذا المسجد ؟ » فقلت : نعم هذامسجد الكوفة .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 42 _


  قال : فصلّى وصلّيت معه ، ثمّ انصرف وانصرفت معه ، فمشى بي قليلاً فإذا نحن بمسجد الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فسلّم على الرسول وصلّى وصلّيت معه ، ثمّ خرج وخرجت معه ، فمشى قليلاً فإذا أنا بمكّة ، فطاف بالبيت وطفت معه ، ثمّ خرج فمشى قليلاً فإذا أنا بموضعي الذي كنت اُعبد الله بالشام ، وغاب الشخص عن عيني ، فبقيت متعجباً حولاً ممّا رأيت ، فلمّا كان في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ودعاني فأجبته ، ففعل كما فعل في العام الماضي ، فلّما أراد مفارقتي بالشام قلت له : سألتك بحقّ الذي أقدرك على ما رأيت منك إلاّ أخبرتني من أنت ؟ قال : « أنا محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام » ، فحدّثت من كان يصير إليّ بخبره ، فرُقي ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيّات فبعث إليّ من أخذني وكبّلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى ، وادّعى عليّ المحال ، فقلت له : أرفع عنك القصّة إلى محمد بن عبد الملك الزيّات ؟ قال : إفعل ، فكتبت عنه قصة ، شرحت أمره فيها ورفعتها إلى محمد بن عبدالملك ، فوقّع في ظهرها : قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى المدينة ، ومن المدينة إلى مكّة ، وردّك من مكّة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا ، قال عليّ بن خالد : فغمّني ذلك من أمره وانصرفت محزوناً عليه ، فلمّا كان من الغد باكرت إلى الحبس لاُعلمه الحال وآمره بالصبر والعزاء ، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وخلقاً عظيماً من الناس يهرعون ، فسألت عن حالهم فقيل لي : المتنبئ المحمول من الشام اُفتقد البارحة من الحبس ، فلا يدرى خسفت به الاَرض أو اختطفه الطير ، وكان عليّ بن خالد هذا زيديّاً فقال بالاِمامة لمّا رأى ذلك وحسن اعتقاده (1) ، وفي كتاب أخبار أبي هاشم الجعفري رضي الله عنه للشيخ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عيّاش الذي أخبرني بجميعه السيد أبو طالب محمد بن الحسين الحسينيّ القصبي الجرجاني رحمه الله قال : أخبرني والدي السيّد أبو عبد الله الحسين بن الحسن القصبيّ ، عن الشريف أبي الحسين طاهر بن محمد الجعفريّ عنه قال : حدّثني أبو عليّ أحمد بن محمد بن يحيى العطّار القمّي ، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ : دخلت على أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك ، فتناول إحداهنّ وقال : « هذه ريّان بن شبيب » ثمّ تناول الثانية فقال : « هذه رقعة محمد بن حمزة » وتناول الثالثة وقال : « هذه رقعة فلان » فبهت فنظر إليّ وتبسّم ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 411 | 1 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 244 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 289 ، الاختصاص : 320 ، ونحوه في : دلائل الامامة : 214 ، روضة الواعظين : 242 ، الخرائج والجرائح 1 : 380 | 10 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 393 ، الفصول المهمة : 271 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 40 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 43 _

  قال الحميريّ : وقال لي أبو هاشم : وأعطاني أبو جعفر ثلاثمائة دينار في صرة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه وقال : « أما إنّه سيقول لك دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه » ، قال : فأتيته بالدنانير فقال لي : يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً ، ففعلت ، قال أبو هاشم : وكلّمني جمّال أن اُكلّمه ليدخله في بعض أموره ، فدخلت عليه لاُكلّمه فوجدته يأكل مع جماعة فلم يمكنني كلامه ، فقال : « يا أباهاشم كل » ووضع بين يديّ ثمّ قال ـ ابتداءً منه من غير مسألة ـ : « يا غلام انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك » ، قال أبو هاشم : ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له : جعلت فداك ، إنّي مولع بأكل الطين ، فادع الله لي ، فسكت ثم قال لي بعد أيّام ـ إبتداءً منه ـ : « يا أبا هاشم ، قد أذهب الله عنك أكل الطين » قال أبو هاشم : فما شيء أبغض إليّ منه (1) ومما رواه محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد [ عن علي بن أسباط ] (2) قال : خرج عليّ أبو جعفر حدثان موت أبيه فنظرت إلى قدّه لاَصف قامته لاَصحابنا فقعد ، ثمّ قال : « يا عليّ ، إنّ الله تعالى احتّج في الاِمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال : ( وَ آتيناهُ الحكمَ صَبيّاً) (3) » ، وروى أيضاً : عن عدّة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد (4) ، عن الحجّال [ وعمرو بن عثمان ] (5) ، عن رجل من أهل المدينة ، عن المطرفيّ قال : مضى أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) ولي عليه أربعة آلاف درهم ، لم يكن يعرفها غيري وغيره ، فأرسل إليّ أبو جعفر : « إذا كان في غد فائتني » ، فأتيته من الغد ، فقال لي : « مضى أبوالحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم ؟ » ، فقلت : نعم .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 414 | 5 ، ارشاد المفيد 2 : 293 ، الخرائج والجرائح 2 : 644 ـ 665 | 1 و 2 و 3 و 4 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 390 ، كشف الغمة 2 : 361 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 41 | 6 و 7 .
(2) أثبتناه من الكافي .
(3) مريم 19 : 12 .
(4) الكافي 1 : 413 | 3 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 258 | 10 ، ارشاد المفيد 2 : 292 ، اثبات الوصية : 184 ، الخرائح والجرائح 1 : 384 | 14 ، المناقب لأبن شهرآشوب 4 : 398 ، كشف الغمة 2 : 360 .
(5) اثبتناه من الكافي .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 44 _

  فرفع المصلّى الذي كان تحته ، فإذا تحته دنانير فدفعها إليّ ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم (1) ، وروى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب (نوادر الحكمة) : عن موسى بن جعفر ، عن اُمية بن علي قال : كنت بالمدينة ، وكنت أختلف إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) وأبو الحسن ( عليه السلام ) بخراسان ، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه ، فدعا يوماً الجارية فقال : « قولي لهم : يتهيّأون للمأتم » ، فلما تفرّقوا قالوا : ألا سألناه مأتم من ؟ فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك ، فقالوا : مأتم من ؟ قال : « مأتم خير من على ظهرها » ، فأتانا خبر أبي الحسن ( عليه السلام ) بعد ذلك بأيّام ، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (2) ، وفيه : عن حمدان بن سليمان ، عن أبي سعيد الاَرمنيّ ، عن محمد بن عبد الله بن مهران قال : قال : محمد بن الفرج : كتب إليّ أبو جعفر : « إحملوا إليّ الخمس ، فإنّي لست آخذه منكم سوى عامي هذا » ، فقبض ( عليه السلام ) في تلك السنة (3) .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 415 | 11 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 292 ، روضة الواعظين : 1 : 243 ، الخرائج والجرائح 1 : 378 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 391 ، كشف الغمة 2 : 360 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 54 | 29 .
(2) اثبات الوصية 188 ، دلائل الامامة : 212 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 389 ، الثاقب في المناقب : 515 | 443 ، كشف الغمة 2 : 369 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 63 | 39 .
(3) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 389 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 63 | ذيل حديث 39 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 45 _


  في ذكر بعض مناقبه وفضائله ( عليه السلام ) كان ( عليه السلام ) قد بلغ في كمال العقل والفضل والعلم والحكم والاَدب ـ مع صغر سنه ـ منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي السنّ من السادات وغيرهم ، ولذلك كان المأمون مشغوفاً به لما رأى من علوّ رتبته وعظم منزلته في جميع الفضائل ، فزوّجه ابنته اُمّ الفضل ، وحملها معه إلى المدينة ، وكان متوفّراً على تعظيمه وتوقيره وتبجيله ، وروي عن الريّان بن شبيب : أنّ المأمون لمّا أراد أن يزوّجه ابنته استكبر ذلك جماعة العبّاسيّة ، وخاضوا في ذلك ، وقالوا للمأمون : ننشدك الله أن تقيم على هذا الاَمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا ، فإنّا نخاف أن تخرج به عنّا أمراً قد ملّكناه الله ! وتنزع عنّا عزّاً قد ألبسناه الله وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا حتّى كفانا الله المهم من ذلك ! فقال المأمون : والله ماندمت على ما كان منّي من استخلاف الرضا ، ولقد سألته أن يقوم بالاَمر وانزعه من عنقي فأبى ، وكان أمر الله قدراً مقدوراً ، وأمّا أبو جعفر فقد اخترته لتبريزه على كافّة أهل الفضل مع صغر سنّه والاُعجوبة فيه بذلك ، فقالوا له : إنّه صبيّ لا معرفة له ، فأمهله ليبأدب ويتفقّه في الدين ثمّ اصنع ماتراه ، فقال لهم : ويحكم ، إنّي أعرف بهذا الفتى منك ، وإنّ أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى وموادّه وإلهامه ، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والاَدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال ، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفت لكم من حاله .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 46 _

  قالوا : قد رضينا بذلك فخرجوا ، واتّفق رأيهم على أنّ يحيى بن أكثم يسأله مسألة ـ وهو قاضي الزمان ـ فأجابهم المأمون إلى ذلك ، واجتمع القوم في يوم اتّفقوا عليه ، وأمر المأمون أن يفرش لاَبي جعفر دست (1) ، ويجعل له فيه مسورتان ، ففعل ذلك ، وخرج أبو جعفر ـ وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر ـ فجلس بين المسورتين ، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه ، وقام الناس في مراتبهم ، والمأمون جالسٌ في دست متّصل بدست أبي جعفر ( عليه السلام ) ، فقال يحيى بن أكثم للمأمون : أتأذن لي يا أميرالمؤمنين أن أسأل أبا جعفر ؟ فقال : استأذنه في ذلك ، فأقبل عليه يحيى وقال : أتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟ فقال : « سل إن شئت » ، فقال : ما تقول ـ جعلت فداك ـ في محرم قتل صيداً ؟ فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « في حلّ أو حرم ؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً ؟ قتله عمداً أو خطأً ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً ؟ صغيراً كان أم كبيراً ؟ مبتدئاً كان بالقتل أم معيداً ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد كان أم كبارها ؟ مصرّاً كان على ما فعل أم نادماً ؟ ليلاً كان قتله للصيد أم نهاراً ؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً ؟ » ، فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ، وتلجلج حتّى عرف أهل المجلس أمره ، فقال المأمون : الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ، ثمّ قال لاَبي جعفر ( عليه السلام ) : إخطب لنفسك ، فقد رضيتك لنفسي وأنا مزوّجك أمّ الفضل ابنتي .

---------------------------
(1) دست : كلمة معرّبة ، ويراد بها جانب من البيت .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 47 _

  فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « الحمد لله إقراراً بنعمته ، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لوحدانيّته ، وصلّى الله على محمّد سيّد بريّته ، وعلى الاَصفياء من عترته ، أمّا بعد : فقد كان من فضل الله على الاَنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه : (وانكِحُوا الاَيامى مِنكُم والصّالحينَ مِن عِبادِكُم وإمائِكُم إن يَكونُوا فُقراء يُغنِهُمُ اللهُ واسعٌ عَليمٌ ) (1) ثمّ إنّ محمد بن علي بن موسى يخطب اُمّ الفضل ابنة عبد الله المأمون ، وقد بذل لها من الصداق مهر جدّته فاطمة بنت محمد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو خمسمائة درهم جياداً ، فهل زوّجته يا أمير المؤمنين بها على الصداق المذكور ؟ » فقال المأمون : نعم ، قد زوّجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور ، فهل قبلت النكاح ؟ قال أبو جعفر : « نعم ، قبلت النكاح ورضيت به » ، فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم ، قال الريّان : فلم نلبث أن سمعنا أصواتاً تشبه أصوات الملاّحين ، فإذا الخدم يجرّون سفينة مصنوعة من فضّة تشدّ بحبال الاَبريسم على عجلة مملوّة من الغالية (2) ، ثم أمر المأمون أن تُخضب لحى الخاصّة من تلك الغالية ، ثمّ مدّت إلى دار العامّة ، وطيّبوا بها ، ووضع الموائد وأكل الناس ، وخرجت الجوائز إلى كلّ قوم على قدرهم .

---------------------------
(1) النور 24 : 32 .
(2) الغالية : نوع من الطيب مركّب من مسك وعنبر وعود ودهن ، « لسان العرب 15 : 134 » .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 48 _

  فلمّا تفرّق الناس وبقي من الخاصّة من بقي قال المأمون لاَبي جعفر : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر تفصيل ماذكرته من الفقه في قتل المحرم فعلت ، فقال أبو جعفر : « نعم » ، وأجاب عن جميع المسائل بما هو مشهورٌ ، فقال له المأمون : أحسنت ، أحسن الله إليك يا أبا جعفر ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك ، فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : « اخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه ، فلمّا ارتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلت له ، فلما غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا كان انتصاف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة ، وبماذا حلّت له وحرمت عليه ؟ » فقال يحيى : لا أعرف ذلك ، فإن رأيت أن تفيدنا ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : « هذه المرأة أمة لرجل من الناس ، نظر إليها [ أجنبي ] (1) أوّل النهار [ فكان نظره إليها حراماً ] (2) فلمّا ارتفع النهار إبناعها من مولاها فحلّت له ، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه ، ثم تزوجها وقت العصر فحلّت له ، ثمّ ظاهر منها وقت المغرب فحرمت عليه ، ثمّ كفّر عن الظهار وقت العشاء فحلّ له ، ثمّ طلّقها واحدة نصف الليل فحرمت عليه ، ثمّ راجعها وقت الفجر فحلّت له » ، فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته وقال : ويحكم ، إنّ أهل هذا البيت خصّوا من الخلق بما ترون من الفضل ، وإنّ صغر السنّ فيهم لا يمنعهم من الكمال ، أما علمتم أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) افتتح دعوته بدعاء امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وهو ابن عشر سنين ، وقبل منه الاِسلام ، وحكم الله له به ، ولم يدع أحداً في سنّه غيره ، وبايع الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وهما ابنا دون الستّ سنين ولم يايع صبيّاً غيرهما ، فإنّهم ذرّيّة بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما يجري لاَوّلهم .

---------------------------
(1و2) ما بين المعقوفين اثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 49 _

  قالوا : صدقت يا أميرالمؤمنين ، ثمّ نهض القوم ، فلمّا كان من الغد أُحضر الناس ، وحضر أبو جعفر ( عليه السلام ) ، وصار القوّاد والحجّاب والخاصّة والعمّال لتهنئة المأمون وأبي جعفر ، فاُخرجت ثلاثة أطباق من الفضّة فيها بنادق مسك وزعفران معجون ، في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنيّة واقطاعات ، فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصّته ، فكلّ من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأُطلق له ، ووضعت البدر فنثر ما فيها على القوّاد وغيرهم ، وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا ، ولم يزل مكرماً لاَبي جعفر ( عليه السلام ) يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (1) ، ولمّا انصرف أبو جعفر ( عليه السلام ) من عند المأمون ببغداد ومعه أُمّ الفضل إلى المدينة ، صار إلى شارع باب الكوفة والناس يشيّعونه ، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد ، وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضّأ في أصل النبقة وقام وصلّى بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الاُولى « بالحمد » و « أذا جاء نصرالله » وفي الثانية « بالحمد » و« قل هو الله أحد » وقنت قبل الركوع .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 281 ، وباختلاف يسير في : الاحتجاج : 443 ، ونحوه في : اثبات الوصية : 189 ، دلائل الامامة : 206 ، روضة الواعظين : 237 ، الفصول المهمة : 267 ، ودون ذيله في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 380 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 50 _

  وجلس بعد التسليم هنيهة يذكر الله تعالى ، وقام من غير تعقيب فصلّى النوافل أربع ركعات ، وعقّب بعدها ، وسجد سجدتي الشكر ثمّ خرج ، فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملاً كثيراً حسناً ، فتعجّبوا من ذلك ، فأكلوا منها فوجدوه نبقاً حلواً لا عجم له ، ومضى ( عليه السلام ) إلى المدينة (1) ، ولم يزل بها حتّى أشخصه المعتصم إلى بغداد في أوّل سنة (خمس وعشرين) (2) ومائتين ، فأقام بها حتّى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة (3) ، وقيل : إنّه مضى عليه السلام مسموماً (4) ، وخلّف من الولد : ابنه علياً ( عليه السلام ) الاِمام ، وموسى (5) ، (ويقال : و ) (6) فاطمة ، وامامة ابنتيه ، ولم يخلّف غيرهم (7) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 288 : مناقب ابن شهرآشوب 4 : 390 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 270 .
(2) كذا في نسخنا والصواب : عشرين ، انظر : الكافي 1 : 411 و 416 | 12 ، ارشاد المفيد 2 : 273 و 295 ، تاريخ أهل البيت ( عليهم السلام ) : 85 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 275 .
(3) ارشاد المفيد 2 : 289 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة : 275 ، وانظر : الكافي 1 : 411 و 416 | 12 ، تاريخ أهل البيت ( عليهم السلام ) : 85 .
(4) ارشاد المفيد 2 : 295 ، تفسير العياشي 1 : 320 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 379 ، دلائل الامامة : 209 ، كشف الغمة 2 : 370 ، الفصول المهمة 276 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 13 ذيل ح 12 .
(5) في نسخه « م » زيادة : ومن البنات حكيمة وخديجة وأم كلثوم .
(6) في نسخة « م » وقد قيل أنّه خلّف .
(7) ارشاد المفيد 2 : 295 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 51 _


  في ذكر الاِمام النقي أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى ( عليهم السلام ) وفيه أربعة فصول :


  في ذكر مولده ، ومبلغ سنّة ، ووقت وفاته ، وموضع قبره ( عليه السلام ) ولد ( عليه السلام ) بصريا (1) من المدينة في النصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين ، وفي رواية بن عيّاش : يوم الثلاثاء الخامس من رجب ، وقبض بسرّ من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ، وله يومئذ احدى وأربعون سنة وأشهر ، وكان المتوكّل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرّ من رأى فأقام بها حتّى مضى لسبيله ، وكانت مدّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، واُمّه اُمّ ولد يقال لها : سمانة (2) ، ولقبه : النقيّ ، والعالم ، والفقيه ، والاَمين ، والطيّب ، ويقال له : أبو الحسن الثالث .

---------------------------
(1) صريا : قرية أسسها الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) على ثلاثة أميال من المدينة ، « مناقب آل أبي طالب 4 : 382 » .
(2) انظر : الكافي 1 : 416 ، ارشاد المفيد 2 : 297 ، تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 131 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 ، كشف الغمة 2 : 376 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 52 _

  وكانت في أيّام إمامته بقيّة ملك المعتصم ، ثمّ ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ثمّ ملك المتوكل أربع عشر سنة ، ثم ملك ابنه المنتصر ستّة أشهر ، ثمّ ملك المستعين ـ وهو أحمد بن محمد بن المعتصم ـ سنتين وتسعة أشهر ، ثمّ ملك المعتزّ ـ وهو الزبير بن المتوكّل ـ ثماني سنين وستّة أشهر ، وفي آخر ملكه استشهد وليّ الله عليّ بن محمد ( عليهما السلام ) ودفن ( عليه السلام ) في داره بسرّ من رأى (1) .


  في ذكر طرف من النص الدال على إمامته ( عليه السلام ) يدل على إمامته ( عليه السلام ) ـ بعد الطريقتين اللتين تكرّر ذكرهما في الدلالة على إمامة آبائه ( عليهم السلام ) ـ ما ثبت من إشارة أبيه إليه وتوقيفه عليه : وهو ما رواه محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مهران قال : لمّا اُخرج أبو جعفر ( عليه السلام ) في الدفعة الاَولى من المدينة إلى بغداد قلت له : إنّي أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الاَمر بعدك ؟ قال : فكّر بوجهه إليّ ضاحكاً وقال : « ليس حيث ظننت في هذه السنة » ، فلمّا استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت : جعلت فداك أنت خارجٌ فإلى من الاَمر من بعدك ؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته ، ثمّ التفت إليّ فقال : « عند هذه يخاف عليّ ، الاَمر من بعدي إلى ابني عليّ» (2) ، محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه ـ وكان يلزم باب أبي جعفر للخدمة التي وكّل بها ـ قال : أحمد بن محمد ابن عيسى الاَشعري يجيء ليتعرّف خبر علّة أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن محمد ابن عيسى وخلا به أبي ، فخرج ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد حتى وقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لاَبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول :

---------------------------
(1) تاج المواليد « مجموعة نفيسة » : 130 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 401 .
(2) الكافي 1 : 260 | 1 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 298 ، روضة الواعظين : 244 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 367 ، ودون صدره في : الفصول المهمة .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 53 _

  « إنّي ماض والاَمر صائر إلى ابني عليّ ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي » ثمّ مضى الرسول فرجع أحمد ابن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لاَبي : ما الذي قال لك ؟ قال : خيراً ، قال : فإنّني قد سمعت ما قال ، فأعاد إليه ما سمع ، فقال له أبي قد حرّم الله عليك ذلك لاَنّ الله تعالى يقول : ( ولا تَجَسَّسوا ) (1) فأمّا إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوماً ما ، وإيّاك أن تظهرها لاَحد إلى وقتها ، فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها ، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اُطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها ، قال : فلمّا مضى أبو جعفر ( عليه السلام ) لبث أبي في منزله ، فلم يخرج حتّى اجتمع رؤساء الاِماميّة عند محمد بن الفرج الرخّجيّ يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده ، وأنّه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ، وسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لاِبي : ما تقول في هذا الاَمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع : اُحضروها ، فأحضروها وفضّها وقال : هذا مااُمرت به ، فقال بعض القوم : قد كنّا نحبّ أن يكون معك في هذا الاَمر شاهد آخر .

---------------------------
(1) الحجرات 49 : 12 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 54 _

  فقال لهم أبي : قد أتاكم الله ما تحبّون ، هذا أبو جعفر الاَشعريّ يشهد لي بسماع هذه الرسالة ، وسأله أن يشهد فتوقّف أبو جعفر ، فدعاه أبي إلى المباهلة وخوّفه بالله ، فلمّا حقّق عليه القول قال : قد سمعت ذلك ، ولكني توقّفت لاَنّي أحببت أن تكون هذه المكرمة لرجل من العرب !! فلم يبرح القوم حتّى إعترفوا بإمامة أبي الحسن ( عليه السلام ) وزال عنهم الريب في ذلك (1) ، ولاَخبار في هذا الباب كثيرة ، وفي إجماع العصابة على إمامته ( عليه السلام ) وعدم من يدعي فيها إمامة غيره غناء عن إيراد الاَخبار في ذلك ، هذا وصوره أئمّتنا ( عليهم السلام ) في هذه الاَزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيّتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم على من بعدهم إلى ما ذكرناه من الاستخراج ، حتّى أنّ أوكد الوجوه في ذلك عندهم دلائل العقول الموجبة للاِمامة وما اقترن إلى ذلك من حصولها في ولد الحسين ( عليه السلام ) ، وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة ، وبالله التوفيق ، في ذكر طرف من دلائله ومعجزاته ومناقبه ( عليه السلام ) محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن الوشّاء ، عن خيران الاَسباطيّ قال : قدمت على أبي الحسن عليّ بن محمد ( عليهما السلام ) بالمدينة ، فقال لي : « ما خبر الواثق عندك ؟ » ، قلت : جعلت فداك ، خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام .

---------------------------
(1) الكافي 1 : 260 | 2 ، وكذا في : ارشاد المفيد 1 : 298 ، كشف الغمة 2 : 377 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 55 _


  قال : فقال : « إنّ الناس يقولون : إنّه مات » (2) فعلمت أنّه يعني نفسه ، ثمّ قال : « ما فعل جعفر ؟ » ، قلت : تركته أسوء الناس حالاً في السجن ، قال : فقال : « أما إنّه صاحب الاَمر ، مافعل ابن الزيّات ؟ » قلت : الناس معه والاَمر أمره ، فقال : « أمّا إنه شؤم عليه » ثمّ سكت وقال لي : « لا بدّ أن تجري مقادير الله وأحكامه ، يا خيران ، مات الواثق ، وقعد المتوكّل جعفر ، وقتل ابن الزيّات » ، قلت : متى جعلت فداك ؟ فقال : « بعد خروجك بستّة أيّام؟ » (2) ، وبهذا الاِسناد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن عليّ بن محمد النوفليّ قال : قال لي محمد بن الفرج الرُخّجي : إنّ أبا الحسن ( عليه السلام ) كتب إليه : « يا محمد ، أجمع أمرك ، وخذ حذرك » .

---------------------------
(1) في الكافي : ان أهل المدينة يقولون : انه مات .
(2) الكافي 1 : 416 | 1 ، وكذا في : الهداية الكبرى : 214 ، ارشاد المفيد 2 : 301 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 56 _

  قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد بما كتب ، حتّى ورد عليّ رسول حملني من وطني (1)مص فَّداً بالحديد ، وضرب على كلّ ما أملك ، فمكثت في السجن ثماني سنين ، ثمّ ورد عليّ كتاب منه وأنا في السجن : « يا محمد بن الفرج ، لا تنزل في ناحية الجانب الغربي » فقرأت الكتاب وقلت في نفسي : يكتب أبو الحسن إليّ بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب! فما مكثت إلاّ أيّاماً يسيرة حتّى أُفرج عنّي ، وحُلّت قيودي ، وخُلّي سبيلي ، قال : وكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأله الله تعالى أن يردّ عليّ ضيعتي ، فكتب اليّ : « سوف تردّ عليك وما يضرّك ألاّ تردّ عليك » ، قال عليّ بن محمد النوفليّ : فلمّا شخص محمد بن الفرج الرُخَّجي إلى العسكر كُتب إليه بردّ ضياعه ، فلم يصل الكتاب حتّى مات ، قال النوفليّ : وكتب عليّ بن الخصيب إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) يشاوره ، فكتب إليه : « اُخرج ، فإنّ فيه فرجك إن شاء الله » فخرج ، فلم يلبث إلاّ يسيراً حتّى مات (2) ، وذكر أحمد بن محمد بن عيسى قال : أخبرني أبو يعقوب قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشيّة من العشايا وقد استقبل أبا الحسن ( عليه السلام ) فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتلّ محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيّام من علّته ، فحدّثني أنّ أبا الحسن ( عليه السلام ) قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه ، قال : فكفّن والله فيه = الواعضين : 244 ، الخرائج والجرائح 1 : 407 | 13 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 ، كشف الغمة 2 : 378 ، الثاقب في المناقب : 534 | 470 ، الفصول المهمة : 279 .

---------------------------
(1) في الكافي والارشاد : مصر .
(2) الكافي 1 : 418 | 5 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 304 ، الخرائح والجرائح 2 : 679 | 9 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 57 _

  وذكر أيضاً عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) مع أحمد بن الخصيب يتسايران وقد قصر أبو الحسن ( عليه السلام ) عنه ، فقال له ابن الخصيب : سرجعلت فداك ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : « أنت المقدّم » ، فما لبثنا إلاّ أربعة أيّام حتّى وضع الدّهق (1) على ساق ابن الخصيب وقتل ، قال : وألحّ عليه ابن الخصيب في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه ، فبعث إليه أبو الحسن ( عليه السلام ) : « لاَقعدنّ بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية » ، فأخذه الله في تلك الاَيّام (2) ومما شاهده أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ من دلائله ( عليه السلام ) وسمعته من السيّد الصالح أبي طالب الحسيني القصيّ رحمه الله ، بالاِسناد الذي تقدّم ذكره عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عيّاش قال : حدّثني أبو طالب عبد الله بن أحمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ الاَسديّ قال : أخبرني أبو هاشم الجعفريّ قال : كنت بالمدينة حين مرّبها بغاء أيّام الواثق في طلب الاَعراب ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « اُخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركيّ » .

---------------------------
(1) الدَهَقُ (بالتحرك) : ضربٌ من العذاب ، وهو من خشبتان يُغمز بهما الساق ، « انظر : الصحاح ـ دهق ـ 4 : 1487 ، القاموس المحيط 3 : 233 » .
(2) الكافي 1 : 419 | 6 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 306 ، كشف الغمة 2 : 380 ، وورد ذيلها في : الخرائج والجرائح 2 : 681 | 11 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 139 | 23 ، و 24 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 58 _

   فخرجنا فوقفنا ، فمرّت بنا تعبئته ، فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبوالحسن ( عليه السلام ) بالتركيّة فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابّته ، قال : فحلّفت التركيّ وقلت له : ما قال لك الرجل ؟ قال : هذا نبيّ ؟ قلت : ليس هذا بنبيّ ، قال : دعاني باسم سُمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة (1) قال أبو عبد الله بن عيّاش : وحدّثني عليّ بن حبشيّ بن قوني قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك قال : حدّثنا أبو هاشم الجعفريّ قال : دخلت على أبي الحسن ( عليه السلام ) فكلّمني بالهنديّة فلم أحسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأَى حصىً فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصّها (ثلاثاً) (2) ، ثمّ رمى بها إليّ ، فوضعتها في فمي ، فوالله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لساناً أوّلها الهندية (3) ، قال ابن عيّاش : وحدّثني عليّ بن محمد المقعد قال : حدّثني يحيى ابن زكريّا الخزاعي ، عن أبي هاشم قال : خرجت مع أبي الحسن ( عليه السلام ) إلى ظاهر سرّ من رأى نتلقّى بعض الطالبيّين ، فأبطأ ، فطرح لابي الحسن ( عليه السلام ) غاشية السرج فجلس عليها ، ونزلت عن دابّتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني ، وشكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً فناولني منه أكفّاً وقال : « اتّسع بهذا يا أبا هاشم واكتم ما رأيت » ، فخبأته معي ورجعنا ، فأبصرته فإذا هو يتّقد كالنيران ذهباً أحمر ، فدعوت صائغاً إلى منزلي وقلت له : أسبك لي هذا ، فسبكه وقال : ما رأيت ذهباً أجود منه وهو كهيئة الرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه ؟ قلت : هذا شيء عندنا قديماً تدّخره لنا عجائزنا على طول الاَيّام (4) ، قال ابن عيّاش : وحدّثني أبو طاهر الحسن بن عبد القاهر الطاهري قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن الاَشتر العلويّ قال : كنت مع أبي على باب المتوكّل ـ وأنا صبيّ ـ في جمع من الناس ما بين عباسي إلى طالبيّ إلى جندي ، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل ، فقال بعضهم لبعض : لِمَ نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً ؟ ! والله لا ترجلنا له ، فقال أبو هاشم الجعفريّ : والله لترجلنَّ : والله لترجلنَّ له صغرة إذا رأيتموه .

---------------------------
(1) الخرائج والجرائح 2 : 674 | 4 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، الثاقب في المناقب : 538 | 478 ، كشف الغمة 2 : 397 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 124 | 1 .
(2) في نسخة « م » : ملياً .
(3) الخرائح والجرائح 2 : 763 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 397 ، الثاقب في المناقب : 533 | 469 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 136 | 17 .
(4) الخرائج والجرائح 2 : 673 | 3 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، الثاقب في المناقب : 532 | 467 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 138 | 32 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 59 _

  فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنّكم لاتترجلون له ؟ فقالوا له : والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا (1) ، قال : وحدّثني أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحيّ ـ من آل إسماعيل بن صالح ، وكان أهل بيته بمنزلة من السادة ( عليهم السلام ) ، ومكاتبين لهم ـ : أنّ أبا هاشم الجعفريّ شكا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد ( عليه السلام ) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، وقال له : يا سيّدي ادع الله لي ، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فقال : « قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك » ، قال : فكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (2) ، وروى محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خُراج خرج به فأشرف منه على الموت ، فلم يجسر أحدٌ أن يمسّه بحديد ، فنذرت اُمّه ان عوفي ان تحمل إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) مالاً جليلاً من مالها ، وقال الفتح بن خاقان للمتوكل : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن ـ فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله تعالى به عنك ، فقال : ابعثوا إليه .

---------------------------
(1) الخرائح والجرائح 2 : 675 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، الثاقب في المناقب : 542 | 484 ، كشف الغمة 2 : 398 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 20 .
(2) اثبات الوصية : 202 ، الخرائج والجرائح 2 : 672 | 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 309 ، الثاقب في المناقب : 544 | 486 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 21 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 60 _

  فمضى الرسول ورجع فقال : خذوا كُسْب (1) الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله تعالى ، فجعل من يحضر المتوكّل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما قال ، فو الله إنّي لاَرجو الصلاح به ، فاحضر الكُسْب وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، فخرج منه ما كان فيه ، وبُشّرت اُمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) عشرة آلاف دينار تحت ختمها ، واستقلّ المتوكّل من علّته ، فلما كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن ( عليه السلام ) إلى المتوكّل ، وقال : عنده أموال وسلاح ، فتقّدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجد عنده من الاَموال والسلاح ويحمله إليه ، قال إبراهيم : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن ( عليه السلام ) بالليل ومعي سلّم فصعدت منه على السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن ( عليه السلام ) من الدار : « يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة » ، فلم ألبث أن آتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجّادة على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة ، فقال لي : « دونك البيوت » فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيساً مختوماً معها ، فقال لي أبو الحسن ( عليه السلام ) : « دونك المصلّى » فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه . فلمّا نظر إلى خاتم اُمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكها ، وفتح الكيس الآخر فأذا فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن تضمّ إلى البدرة بدرة اُخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس .

---------------------------
(1) الكُسْبُ : عصارة الدهن : « لسان العرب 1 : 717 » .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 61 _

  فحملت ذلك ، واستحييت منه وقلت له : يا سيّدي عزّ عليّ دخولي دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور (1)، فقال لي : « يا سعيد ( سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (2)» ، وروى الحسين بن الحسن الحسني قال : حدّثني أبو الطّيب يعقوب ابن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع ، فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذه الحال ، فهذا أخوه موسى (3) قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهره ، فإنّ الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، من عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرماً فاُشخص ، وتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وسائرالناس ، وعمل على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدّم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سريّاً يصلح لاَن يزوره هو فيه .

---------------------------
(1) الشعراء 26 : 227 .
(2) الكافي 1 : 417 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 302 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 | 8 ، الدعوات للراوندي : 202 | 555 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 415 ، كشف الغمة 2 : 387 ، الفصول المهمة : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 198 | 10 .
(3) في نسخة « م » : زيادة : اللاهي واللاعب على الطعام .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 62 _

  فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن ( عليه السلام ) في قنطرة وصيف فسلّم عليه ثمّ قال له « إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك (1) ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذاً قطّ ، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً » ، فقال له موسى : إنّما دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال : « فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلاّ هتكك » ، فأبى عليه موسى ، وكرّر أبو الحسن عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال : « أمّا إنّ الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً » ، قال : فأقام ثلاث سنين يبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ويروح فيقال له : قد سكر أو قد شرب دواء ، حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب (2) ، وذكر الحسن بن محمد بن جمهور العمّيّ في كتاب الواحدة قال : حدّثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدّب لولد بغاء أو وصيف ـ الشكّ منّي ـ فقال لي : قال لي الاَمير منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون : ابن الرضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر ، فسمعته يقول : « أنا أكرم على الله من ناقة صالح ( تَمتّعوا في دارِكُم ثَلاثةَ أيّامٍ ذلكَ وَعدٌ غَيرُ مَكذوبٍ ) (3)» وليس يفصح بالاية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا ؟ قال : قلت : أعزّك الله ، توعّد ، انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه : باغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة (4) ، قال : وحدّثني أبو الحسين سعيد بن سهلويه البصريّ وكان يلقّب بالملاّح قال : كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشميّ البصريّ ، وكنت معه بسرّ من رأى ، إذا رآه ابوالحسن ( عليه السلام ) في بعض الطرق فقال له : « إلى كم هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟ » ، فقال لي جعفر : سمعت ما قال لي عليّ بن محمد ، قد والله قدح (5) في قلبي شيء .

---------------------------
(1) في نسخة « ط » : ليهينك .
(2) الكافي 1 : 420 | 8 ، ارشاد المفيد 2 : 307 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، كشف الغمة 2 : 381 .
(3) هود 11 : 65 .
(4) الثاقب في المناقب : 536 | 473 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 189 | 1 .
(5) في نسخة « م » : وقع .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 63 _

  فلمّا كان بعد أيّام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا ، فدخلنا ، فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابٌ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلفظ ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : « يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور » ، قال : فقلنا : هذا دليل حتّى ننظر ما يكون ؟ قال : فأمسك الفتى وكفّ عمّا هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أوّل النهار ، ودفن في آخره (1) ، وحدثني سعيد أيضاً قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى ، وأبو الحسن معنا ، فجعل رجلٌ يعبث ويمزح ولا يرى له جلالاً ، فأقبل على جعفر فقال : « أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه » ، قال : فقُدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبرٌ ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : إلحق اُمّك ، فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت ، قال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه (2) ، والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما أوردناه كفاية .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، و 414 ، وورد ذيل الرواية في : كشف الغمة 2 : 398 ، والثاقب في المناقب : 536 | 474 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، كشف الغمة 2 : 398 ، الثاقب في المناقب : 537 | 475 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 64 _


  في ذكر طرف من خصائصه وأخباره ( عليه السلام ) ذكر ابن جمهور قال : حدّثني سعيد بن سهلويه قال : رفع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مراراً يسأله أن يقدّمه على ابن ابن أخيه ويقول : إنّه حدث وأنا عمّ أبيه ، فقال عمر ذلك لاَبي الحسن ( عليه السلام ) فقال : « إفعل واحدة ، اقعدني غداً قبله ثمّ انظر » ، فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن ( عليه السلام ) فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن ( عليه السلام ) ، فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لاَبي الحسن ( عليه السلام ) فدخل ، فلمّا رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه (1) ، وأشخص أبا الحسن ( عليه السلام ) المتوكّل من المدينة إلى سرّ من رأى ، وكان السبب في ذلك أنّ عبدالله بن محمد ـ وكان والي المدينة ـ سعى به إليه ، فكتب المتوكّل إليه كتاباً يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول ، فلمّا وصل الكتاب إليه تجهّز للرحيل وخرج مع يحيى بن هرثمة حتّى وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل أن يحجب عنه في منزله ، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دار له فانتقل إليها (2) .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 309 بتفصيل فيه ، روضة الواعظين : 245 ، كشف الغمة 2 : 382 .

أعلام الورى بأعلام الهدى _ 65 _

  فروى محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن يحيى ، عن صالح ابن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن ( عليه السلام ) في يوم وروده فقلت له : جعلت فداك ، في كلّ الاَمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الاَشنع ، خان الصعاليك ، فقال : « ها هنا أنت يا ابن سعيد » ثمّ أومأ بيده فإذا أنا بروضات أَنِقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي ، فقال لي : « حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك » (1) ، وكان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكّن من ذلك ، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب ، فيها آيات له ، ودلالات ذكرنا بعضها ، وفي إيراد جميعها خروج عن الغرض في الاِيجاز ، وروى عبد الله بن عيّاش بإسناده ، عن أبي هاشم الجعفريّ فيه وقد اعتلّ ( عليه السلام ) :
ماجتِ الاَرضُ بي وأدّت فؤادي      واعـترتني مـواردُ iiالـعرواءِ
حـينَ قيلَ : الاِمام نضوٌ iiعليلٌ      قـلتُ : نـفسي فدته كلّ iiالفداءِ
مـرضَ الدينُ لاعتلالك iiواعتلَّ      وغـارت  لـهُ نـجومُ iiالسماءِ

---------------------------
(1) الكافي 1 : 417 | 2 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 426 | 7 و 427 | 11 ، ارشاد المفيد 2 : 311 ، الاختصاص : 324 ، روضة الواعظين : 246 ، الخرائج والجرائح 2 : 680 | 10 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 411 ، كشف الغمة 2 : 383 .