وذكر أيضاً عن أبي يعقوب قال : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) مع أحمد بن الخصيب يتسايران وقد قصر أبو الحسن ( عليه السلام ) عنه ، فقال له ابن الخصيب : سرجعلت فداك ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : « أنت المقدّم » ، فما لبثنا إلاّ أربعة أيّام حتّى وضع الدّهق
على ساق ابن الخصيب وقتل ،
قال : وألحّ عليه ابن الخصيب في الدار التي كان قد نزلها وطالبه بالانتقال منها وتسليمها إليه ، فبعث إليه أبو الحسن ( عليه السلام ) : « لاَقعدنّ بك من الله مقعداً لا تبقى لك معه باقية » ،
فأخذه الله في تلك الاَيّام
ومما شاهده أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ من دلائله ( عليه السلام ) وسمعته من السيّد الصالح أبي طالب الحسيني القصيّ رحمه الله ، بالاِسناد الذي تقدّم ذكره عن أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عيّاش قال : حدّثني أبو طالب عبد الله بن أحمد بن يعقوب قال : حدّثنا الحسين بن أحمد المالكيّ الاَسديّ قال : أخبرني أبو هاشم الجعفريّ قال : كنت بالمدينة حين مرّبها بغاء أيّام الواثق في طلب الاَعراب ، فقال أبو الحسن عليه السلام : « اُخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبئة هذا التركيّ » .
فخرجنا فوقفنا ، فمرّت بنا تعبئته ، فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبوالحسن ( عليه السلام ) بالتركيّة فنزل عن فرسه فقبّل حافر دابّته ، قال : فحلّفت التركيّ وقلت له : ما قال لك الرجل ؟ قال : هذا نبيّ ؟ قلت : ليس هذا بنبيّ ، قال : دعاني باسم سُمّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة
(1) قال أبو عبد الله بن عيّاش : وحدّثني عليّ بن حبشيّ بن قوني قال : حدّثنا جعفر بن محمد بن مالك قال : حدّثنا أبو هاشم الجعفريّ قال : دخلت على أبي الحسن ( عليه السلام ) فكلّمني بالهنديّة فلم أحسن أن أردّ عليه ، وكان بين يديه ركوة ملأَى حصىً فتناول حصاة واحدة ووضعها في فيه فمصّها (ثلاثاً)
(2) ، ثمّ رمى بها إليّ ، فوضعتها في فمي ، فوالله ما برحت من عنده حتّى تكلّمت بثلاثة وسبعين لساناً أوّلها الهندية
(3) ، قال ابن عيّاش : وحدّثني عليّ بن محمد المقعد قال : حدّثني يحيى ابن زكريّا الخزاعي ، عن أبي هاشم قال : خرجت مع أبي الحسن ( عليه السلام ) إلى ظاهر سرّ من رأى نتلقّى بعض الطالبيّين ، فأبطأ ، فطرح لابي الحسن ( عليه السلام ) غاشية السرج فجلس عليها ، ونزلت عن دابّتي وجلست بين يديه وهو يحدّثني ، وشكوت إليه قصور يدي ، فأهوى بيده إلى رمل كان عليه جالساً فناولني منه أكفّاً وقال : « اتّسع بهذا يا أبا هاشم واكتم ما رأيت » ،
فخبأته معي ورجعنا ، فأبصرته فإذا هو يتّقد كالنيران ذهباً أحمر ، فدعوت صائغاً إلى منزلي وقلت له : أسبك لي هذا ، فسبكه وقال : ما رأيت ذهباً أجود منه وهو كهيئة الرمل فمن أين لك هذا فما رأيت أعجب منه ؟ قلت : هذا شيء عندنا قديماً تدّخره لنا عجائزنا على طول الاَيّام
(4) ، قال ابن عيّاش : وحدّثني أبو طاهر الحسن بن عبد القاهر الطاهري قال : حدّثنا محمد بن الحسن بن الاَشتر العلويّ قال : كنت مع أبي على باب المتوكّل ـ وأنا صبيّ ـ في جمع من الناس ما بين عباسي إلى طالبيّ إلى جندي ، وكان إذا جاء أبو الحسن ترجّل الناس كلّهم حتّى يدخل ، فقال بعضهم لبعض : لِمَ نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا بأكبرنا سناً ؟ ! والله لا ترجلنا له ، فقال أبو هاشم الجعفريّ : والله لترجلنَّ : والله لترجلنَّ له صغرة إذا رأيتموه .
---------------------------
(1) الخرائج والجرائح 2 : 674 | 4 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، الثاقب في المناقب : 538 | 478 ، كشف الغمة 2 : 397 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 124 | 1 .
(2) في نسخة « م » : ملياً .
(3) الخرائح والجرائح 2 : 763 | 2 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 397 ، الثاقب في المناقب : 533 | 469 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 136 | 17 .
(4) الخرائج والجرائح 2 : 673 | 3 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، الثاقب في المناقب : 532 | 467 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 138 | 32 .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 59 _
فما هو إلاّ أن أقبل وبصروا به حتّى ترجّل له الناس كلّهم ، فقال لهم أبو هاشم : أليس زعمتم أنّكم لاتترجلون له ؟ فقالوا له : والله ما ملكنا أنفسنا حتّى ترجّلنا
(1) ، قال : وحدّثني أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحيّ ـ من آل إسماعيل بن صالح ، وكان أهل بيته بمنزلة من السادة ( عليهم السلام ) ، ومكاتبين لهم ـ : أنّ أبا هاشم الجعفريّ شكا إلى مولانا أبي الحسن عليّ بن محمد ( عليه السلام ) ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد ، وقال له : يا سيّدي ادع الله لي ، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فقال : « قوّاك الله يا أبا هاشم ، وقوّى برذونك » ، قال : فكان أبو هاشم يصلّي الفجر ببغداد ويسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سرّ من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت
(2) ، وروى محمد بن يعقوب ، عن عليّ بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكّل من خُراج خرج به فأشرف منه على الموت ، فلم يجسر أحدٌ أن يمسّه بحديد ، فنذرت اُمّه ان عوفي ان تحمل إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) مالاً جليلاً من مالها ، وقال الفتح بن خاقان للمتوكل : لو بعثت إلى هذا الرجل ـ يعني أبا الحسن ـ فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله تعالى به عنك ، فقال : ابعثوا إليه .
---------------------------
(1) الخرائح والجرائح 2 : 675 | 7 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، الثاقب في المناقب : 542 | 484 ، كشف الغمة 2 : 398 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 20 .
(2) اثبات الوصية : 202 ، الخرائج والجرائح 2 : 672 | 1 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 309 ، الثاقب في المناقب : 544 | 486 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 137 | 21 .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 60 _
فمضى الرسول ورجع فقال : خذوا كُسْب
(1) الغنم فديفوه بماء ورد ، وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله تعالى ، فجعل من يحضر المتوكّل يهزأ من قوله ، فقال لهم الفتح : وما يضرّ من تجربة ما قال ، فو الله إنّي لاَرجو الصلاح به ، فاحضر الكُسْب وديف بماء الورد ووضع على الخراج ، فخرج منه ما كان فيه ، وبُشّرت اُمّ المتوكّل بعافيته ، فحملت إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) عشرة آلاف دينار تحت ختمها ، واستقلّ المتوكّل من علّته ، فلما كان بعد أيّام سعى البطحائي بأبي الحسن ( عليه السلام ) إلى المتوكّل ، وقال : عنده أموال وسلاح ، فتقّدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجد عنده من الاَموال والسلاح ويحمله إليه ، قال إبراهيم : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن ( عليه السلام ) بالليل ومعي سلّم فصعدت منه على السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار ، فناداني أبو الحسن ( عليه السلام ) من الدار : « يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة » ، فلم ألبث أن آتوني بشمعة ، فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجّادة على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة ، فقال لي : « دونك البيوت » فدخلتها وفتّشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيساً مختوماً معها ، فقال لي أبو الحسن ( عليه السلام ) : « دونك المصلّى » فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .
فلمّا نظر إلى خاتم اُمّه على البدرة بعث إليها فخرجت إليه فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت : كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار ، فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكها ، وفتح الكيس الآخر فأذا فيه أربعمائة دينار ، فأمر أن تضمّ إلى البدرة بدرة اُخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس .
---------------------------
(1) الكُسْبُ : عصارة الدهن : « لسان العرب 1 : 717 » .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 61 _
فحملت ذلك ، واستحييت منه وقلت له : يا سيّدي عزّ عليّ دخولي دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور
(1)، فقال لي : « يا سعيد ( سَيَعْلَمُ الَّذينَ ظَلَموا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
(2)» ، وروى الحسين بن الحسن الحسني قال : حدّثني أبو الطّيب يعقوب ابن ياسر قال : كان المتوكّل يقول : ويحكم أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع ، فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريد من هذه الحال ، فهذا أخوه موسى
(3) قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع ، فأحضره واشهره ، فإنّ الخبر يسمع عن ابن الرضا ولا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، من عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مكرماً فاُشخص ، وتقدّم المتوكّل أن يتلقّاه جميع بني هاشم والقوّاد وسائرالناس ، وعمل على أنّه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدّم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سريّاً يصلح لاَن يزوره هو فيه .
---------------------------
(1) الشعراء 26 : 227 .
(2) الكافي 1 : 417 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 302 ، الخرائج والجرائح 1 : 676 | 8 ، الدعوات للراوندي : 202 | 555 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 415 ، كشف الغمة 2 : 387 ، الفصول المهمة : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الانوار 50 : 198 | 10 .
(3) في نسخة « م » : زيادة : اللاهي واللاعب على الطعام .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 62 _
فلمّا وافى موسى تلقّاه أبو الحسن ( عليه السلام ) في قنطرة وصيف فسلّم عليه ثمّ قال له « إنّ هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك
(1) ويضع منك ، فلا تقرّ له أنّك شربت نبيذاً قطّ ، واتّق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً » ، فقال له موسى : إنّما دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال : « فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلاّ هتكك » ، فأبى عليه موسى ، وكرّر أبو الحسن عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلمّا رأى أنّه لا يجيب قال : « أمّا إنّ الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً » ، قال : فأقام ثلاث سنين يبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ويروح فيقال له : قد سكر أو قد شرب دواء ، حتّى قتل المتوكّل ولم يجتمع معه على شراب
(2) ، وذكر الحسن بن محمد بن جمهور العمّيّ في كتاب الواحدة قال : حدّثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي صديق مؤدّب لولد بغاء أو
وصيف ـ الشكّ منّي ـ فقال لي : قال لي الاَمير منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون : ابن الرضا اليوم ودفعه إلى عليّ بن كركر ، فسمعته يقول : « أنا أكرم على الله من ناقة صالح ( تَمتّعوا في دارِكُم ثَلاثةَ أيّامٍ ذلكَ وَعدٌ غَيرُ مَكذوبٍ )
(3)» وليس يفصح بالاية ولا بالكلام ، أيّ شيء هذا ؟
قال : قلت : أعزّك الله ، توعّد ، انظر ما يكون بعد ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلمّا كان في اليوم الثالث وثب عليه : باغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة
(4) ، قال : وحدّثني أبو الحسين سعيد بن سهلويه البصريّ وكان يلقّب بالملاّح قال : كان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشميّ البصريّ ، وكنت معه بسرّ من رأى ، إذا رآه ابوالحسن ( عليه السلام ) في بعض الطرق فقال له : « إلى كم هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟ » ، فقال لي جعفر : سمعت ما قال لي عليّ بن محمد ، قد والله قدح
(5) في قلبي شيء .
---------------------------
(1) في نسخة « ط » : ليهينك .
(2) الكافي 1 : 420 | 8 ، ارشاد المفيد 2 : 307 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 409 ، كشف الغمة 2 : 381 .
(3) هود 11 : 65 .
(4) الثاقب في المناقب : 536 | 473 ، وباختصار في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 50 : 189 | 1 .
(5) في نسخة « م » : وقع .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 63 _
فلمّا كان بعد أيّام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها ودعا أبا الحسن معنا ، فدخلنا ، فلمّا رأوه أنصتوا إجلالاً له ، وجعل شابٌ في المجلس لا يوقّره ، وجعل يلفظ ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : « يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت بعد ثلاثة أيّام من أهل القبور » ،
قال : فقلنا : هذا دليل حتّى ننظر ما يكون ؟ قال : فأمسك الفتى وكفّ عمّا هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلمّا كان بعد يوم اعتلّ الفتى ومات في اليوم الثالث من أوّل النهار ، ودفن في آخره
(1) ، وحدثني سعيد أيضاً قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى ، وأبو الحسن معنا ، فجعل رجلٌ يعبث ويمزح ولا يرى له جلالاً ، فأقبل على جعفر فقال : « أما إنّه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغّص عليه عيشه » ، قال : فقُدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبرٌ ، قد بطل قوله ، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : إلحق اُمّك ، فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت ، قال جعفر : قلت : والله لا وقفت بعد هذا ، وقطعت عليه
(2) ، والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما أوردناه كفاية .
---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 407 ، و 414 ، وورد ذيل الرواية في : كشف الغمة 2 : 398 ، والثاقب في المناقب : 536 | 474 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 215 ، كشف الغمة 2 : 398 ، الثاقب في المناقب : 537 | 475 .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 64 _
في ذكر طرف من خصائصه وأخباره ( عليه السلام ) ذكر ابن جمهور قال : حدّثني سعيد بن سهلويه قال : رفع زيد بن موسى إلى عمر بن الفرج مراراً يسأله أن يقدّمه على ابن ابن أخيه ويقول : إنّه حدث وأنا عمّ أبيه ، فقال عمر ذلك لاَبي الحسن ( عليه السلام ) فقال : « إفعل واحدة ، اقعدني غداً قبله ثمّ انظر » ، فلمّا كان من الغد أحضر عمر أبا الحسن ( عليه السلام ) فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن ( عليه السلام ) ، فلمّا كان يوم الخميس أذن لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ، ثمّ أذن لاَبي الحسن ( عليه السلام ) فدخل ، فلمّا رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه
(1) ، وأشخص أبا الحسن ( عليه السلام ) المتوكّل من المدينة إلى سرّ من رأى ، وكان السبب في ذلك أنّ عبدالله بن محمد ـ وكان والي المدينة ـ سعى به إليه ، فكتب المتوكّل إليه كتاباً يدعو به فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول ، فلمّا وصل الكتاب إليه تجهّز للرحيل وخرج مع يحيى بن هرثمة حتّى وصل إلى سرّ من رأى ، فلمّا وصل إليها تقدّم المتوكّل أن يحجب عنه في منزله ، فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه ، ثمّ تقدّم المتوكّل بإفراد دار له فانتقل إليها
(2) .
---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 410 .
(2) ارشاد المفيد 2 : 309 بتفصيل فيه ، روضة الواعظين : 245 ، كشف الغمة 2 : 382 .
أعلام الورى بأعلام الهدى
_ 65 _
فروى محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن يحيى ، عن صالح ابن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن ( عليه السلام ) في يوم وروده فقلت له : جعلت فداك ، في كلّ الاَمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك حتّى أنزلوك هذا الخان الاَشنع ، خان الصعاليك ، فقال : « ها هنا أنت يا ابن سعيد » ثمّ أومأ بيده فإذا أنا بروضات أَنِقات ، وأنهار جاريات ، وجنّات فيها خيرات عطرات ، وولدان كأنّهنّ اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري ، وكثر عجبي ، فقال لي : « حيث كنّا فهذا لنا يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك »
(1) ، وكان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به ، ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكّن من ذلك ، وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب ، فيها آيات له ، ودلالات ذكرنا بعضها ، وفي إيراد جميعها خروج عن الغرض في الاِيجاز ، وروى عبد الله بن عيّاش بإسناده ، عن أبي هاشم الجعفريّ فيه وقد اعتلّ ( عليه السلام ) :
ماجتِ الاَرضُ بي وأدّت فؤادي واعـترتني مـواردُ iiالـعرواءِ حـينَ قيلَ : الاِمام نضوٌ iiعليلٌ قـلتُ : نـفسي فدته كلّ iiالفداءِ مـرضَ الدينُ لاعتلالك iiواعتلَّ وغـارت لـهُ نـجومُ iiالسماءِ |
---------------------------
(1) الكافي 1 : 417 | 2 ، وكذا في : بصائر الدرجات : 426 | 7 و 427 | 11 ، ارشاد المفيد 2 : 311 ، الاختصاص : 324 ، روضة الواعظين : 246 ، الخرائج والجرائح 2 : 680 | 10 ، المناقب لابن شهر آشوب 4 : 411 ، كشف الغمة 2 : 383 .