فدفعنا إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي ، قال : فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال : « يا أخا الأزد، أتبيّن لك الأمر ؟ » فقلت : أجل يا أمير المؤمنين ، قال : « فشأنّك بعدوّك » فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخراَ ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعاً ، فاحتملني أصحابي ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم
.
فكان كما قال ( عليه السلام ) ، وأمّا إخباره ( عليه السلام ) بما يكون بعد وفاته من الحوادث والملاحم والوقائع ، وما ينزل بشيعته من الفجائع ، وما يحدث من الفتن في دولة بني اُميّة والدولة العبّاسيّة وغيرها فأكثر من أن تحصى :
فمن ذلك : قوله ( عليه السلام ) لأهل الكوفة: « أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحب البلعوم ، مندحق
البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإسلام والهجرة »
.
فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : أنّه لمّا اخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل فتكلّم فيه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فخلّى سبيله فقالا له : « يبايعك يا أمير المؤمنين » فقال : « ألم يبايعني بعد قتل عثمان ، لا حاجة لي في بيعته ، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمّة منه ومن ولده موتاً أحمر »
.
فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : قوله ( عليه السلام ) : « أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا ، يعذبوكم بالسياط والحديد ، إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه الله في الاخرة ، وآية ذلك أنّه يأتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين أظهركم ، فيأخذ العمّال ، وعمّال العمّال رجل يقال له : يوسف بن عمر »
فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : قوله لجويرية بن مسهر : « ليقتلنّك العتلّ الزنيم ، وليقطعنّ يدك ورجلك ، ثمّ ليصلبنّك تحت جذع كافر » .
فلمّا ولي زياد في أيّام معاوية قطع يده ورجله ، وصلبه على جذع ابن معكبر
(1) ، ومن ذلك : حديث ميثم التمّار ( رحمه الله ) ، فقد روى نقلة الاثار : أنّه كان عند امرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منها ، فأعتقه وقال له : « ما اسمك ؟ » فقال : سالم ، قال : « فأخبرني رسول الله أنّ اسمك الذى سمّاك به أبوك في العجم ميثم » قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمّير المؤمنين ، قال : « فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ودع سالماً » فرجع إلى ميثم واكتن بأبي سالم .
فقال له أمير المؤمنين ذات يوم : « إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فتخضّب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث ، أنت عاشر عشرة ، أنت اقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة » .
وأراه النخلة التي يصلب على جذعها ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذّيت ، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري ، وهو لا يعلم ما يريد .
وحجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة فقالت : من أنت ؟ قال : أنا ميثم ، قالت : والله لربّما سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوصي بك عليّاً في جوف الليل ، فسألها عن الحسين ( عليه السلام ) فقالت : هو في حائط له ، قال : فأخبريه إني قد أحببت ( السلام عليه ) ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله تعالى ، فدعت بطيب وطيّبت لحيته وقالت له : أما إنّها تخضب بدم ، فقدم الكوفة فاخذه عبيد اللهّ بن زياد لعنه الله وقال له : ما أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك ؟ قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة ، قال : لنخالفنّه ، قال : كيف تخالفه و ! فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) عن جبرئيل ( عليه السلام ) عن اللهّ عزّ تعالى ، فكيف تخالف هؤلاء ؟ ! ولقد عرفت الموضع الذي اُصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 323 ،الخرائج والجرائح 1 : 202 | 44 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 236 _
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا ، فلمّا دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاّه ، وأمر بميثم أن يصلب فاُخرج فقال له رجل لقيه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ، فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة : لها خلقت ولي غذَيت ، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك ، فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد لعنه الله : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه .
فكان أوّل خلق الله اُلجم في الإسلام ، وكان مقتل ميثم قبل قدوم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة ، فكبّر ثمّ انبعث في آخر النهار أنفه وفمه دماً
(1) .
ومن ذلك : ما رواه مجاهد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي قال : كنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له : ما قال لك صاحبك ـ يعني عليّاً ( عليه السلام ) ـ إنّا فاعلون بك ؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبوني ، فقال زياد : أما والله لاُكذّبنّ حديثه ، خلّوا سبيله .
فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : والله ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه ، فقال رشيد : هيهات ، قد بقي لكم عندي شيء أخبرني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) به ، قال زياد : اقطعوا لسانه ، فقال رشيد : الآن والله جاء تصديق خبرأميرالمؤمنين عليه السلام
(2) .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 323 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291 ، الاصابة 3 : 504 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 54 ، ونحوه في الاختصاص : 75 ، رجال الكشي 1 : 293 | 136 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 325 ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 294 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 237 _
ومن ذلك : اخباره مولاه قنبر وصاحبه كميل بن زياد بأن الحجاج بن يوسف يقتلهما
(1) فكان كما قال .
ومن ذلك : ما اشتهرت به الرواية أنّه ( عليه السلام ) خطب فقال في خطبته : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألونني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة » فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال ( عليه السلام ) : « لقد حدّثني خليلي رسول اللهّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) بما سألت عنه ، وأنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك ، وعلى كلّ طاقة شعرفي لحيتك شيطاناً يستفزّك ، وأنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن بنت رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن اية ذلك ما نبّأته عن سخلك الملعون »
(2) .
وكان ابنه في ذلك الوقت صغيراً يحبو، فلمّا كان من أمر الحسين ( عليه السلام ) ما كان ، تولّى قتله ، فكان كما قال .
ومن ذلك : ما روي عن سويد بن غفلة : أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخبره أنّ خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له ، فقال : « إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب ابن جمّاز » ، فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إنّي لك شيعة ، وإنّي لك محبّ ، وأنا حبيب بن جفّاز ، فقال : « إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها فتدخل من هذا الباب » وأومأ بيده إلى باب الفيل .
---------------------------
(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 327 و 328 ، الاصابة 3 : 318 .
(2) كامل الزيارات : 74 ، أمالي الصدوق : 115 | 1 ، خصائص الرضي : 62 ، ارشاد المفيد 1 : 330 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 269 ،الاحتجاج : 261 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 286 و 10 : 14 .
لقد صح عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قوله « سلوني قبل أن تفقدوني » ونقلت ذلك الكثير من مصادر الفرقين ، بحيث يعسر علينا حصرها هنا . وللاطلاع على ذلك انظر : الغدير 6 : 193 ـ 194 و 7 : 107 ـ 108 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 238 _
فلمّا كان من أمر الحسين ( عليه السلام ) ما كان بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى الحسين ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جمّاز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل
(1) ، وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة ، ومن ذلك : ما رواه إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليّاً ( عليه السلام ) قال للبراء بن عازب : « يابراء ، يُقتل ابني الحسين وأنت حيّ لاتنصره » .
فلمّا قُتل الحسين ( عليه السلام ) كان البراء يقول : صدق والله عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قُتل الحسين بن عليّ وأنا لم أنصره ، ويظهر الندم على ذلك والحسرة
(2) ، وهذا الذي ذكرناه ـ من جملة إخباره بالغائبات وإعلامه بالكائنات قبل كونها ـ غيض من فيض ، ويسيرمن كثير ، ولولم تكن إلاّ خطبته القاصة ، وخطبة البصرة المستفيضة الشائعة ، وما فيها من الملاحم والحوادث في العباد والبلاد ، وأسامي ملوك بني اُميّة وبني العباس ، وما حلّ من عظائم بليّاتهم بالناس لكفى بهما اُعجوبة لايعادلها سواها إلاّ ما ساواها في معناها ، وفيما ذكرناه كفاية ومقنع لذوي الألباب .
وأمّا الفن الآخر من المعجزات والايات الخارقة للعادات التي هي غير الإخبار بالغائبات فمما لا يدخل تحت الضبط والانحصار ، ونحن نذكر طرفاً منها على شريطة الاختصار :
فمن ذلك : قصة عين راحوما والراهب بأرض كربلاء والصخرة ، والخبر بذلك مشهور بين الخاصّ والعامّ ، وحديثها : أنّه ( عليه السلام ) لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش ، فأخذوا يميناً وشمالاً يطلبون الماء فلم يجدوه ، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادّة ، وسار قليلاً ، فلاح لهم دير فسار بهم نحوه ، وأمر من نادى ساكنه بالإطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « هل قرب قائمك ماء ؟ » فقال : هيهات ، بينكم وبين الماء فرسخان ، وما بالقرب منّي شيء من الماء .
فلوى ( عليه السلام ) عنق بغلته نحو القبلة وأشاربهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : « اكشفوا الأرض في هذا المكان » فكشفوه بالمساحي فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا : يا أمير المؤمنين ، هاهنا صخرة لا تعمل فيها المساحي ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّ هذه الصخرة على الماء ، فاجتهدوا في قلعها « فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلوى ( عليه السلام ) رجله عن سرجه حتّى صار إلى الأرض وحسر ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماءٍ وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : « تزوّدوا وارتووا » ففعلوا ذلك .
---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 318 | 11 ، الهداية الكبرى : 161 ، ارشاد المفيد 1 : 329 ، الاختصاص : 0 28 ، الخرائج والجرائح 2 : 745 | 63 لابن شهرآشوب 2 : 270 ، الثاقب في المناقب : 267 | 6 ، مقاتل الطالبيين : 71 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 286 ـ 287 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 331 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 270 ، كشف الغمة 1 : 279 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 و 15 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 239 _
ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، وأمرأن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظرمن فوق ديره ، فلمّا علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني أنزلوني ، فانزلوه فوقف بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : أنت نبيّ مرسل ؟ قال : « لا » ، قال : فملك مقرّب ؟ قال : « لا » ، قال : فمن أنت ؟ قال : « أنا وصيّ رسول اللهّ محمّد بن عبد الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) خاتم النبيّين » قال : ابسط يدك اُسلم للّه على يدك ، فبسط ( عليه السلام ) يده وقال له : « اشهد الشهادتين » فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشِهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللهّ وأحقّ الناس بالأمر من بعده ، وقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الدير بُني على طلب قالع هذه الصخرة ومُخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم كثير قبلي ولم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزّ وجل ، إنّا نجد في كتاب من كتبنا مآثرعن علمائنا إنّ في هذا الصقع عيناً عليها صخرة لا يعرف مكانها إلاّ نبيّ أووصيّ نبيّ ، وإنّه لا بدّ من وليّ للّه يدعو إلى الحقّ ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها ، وإنّي لمّا رأيتك قد بلغت ذلك تحقّقت ما كنّا ننتظره ، وبلغت الاُمنية منه ، فانا اليوم مسلم على يدك ومؤمن بحقّك ومولاك .
فلمّا سمع بذلك أمير المؤمنين بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وقال : « الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكوراً ، الحمد لله الذي لم أكُ عنده منسيّاً » ثمّ دعا الناس وقال : « اسمعوا ما يقوله أخوكم المسلم » [
(1) فسمع الناس مقالله وشكروا الله على ذلك ، وساروا والراهب بين يديه حتى لقي أهل الشام ، فكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولّى الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : « ذاك مولاي »
(2) ، وفي هذا الخبر ضروب من الأيات : أحدها : علم الغيب
(3) .
والآخر : القوّة الخارقة للعادة ، والثالث : ثبوت البشارة به في كتب الله الاُولى كما جاء في التنزيل : ( ذلِكَ مَثَلُهُم فِي التّوَراة وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ »
(4) ، وفي ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمد الحميري :
---------------------------
(1) ما بين المعقوفين لم يرد في نسخنا وأثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق .
(2) ارشاد المفيد 1 : 334 كشف الغمة 1 : 279 وباختلاف يسير في خصائص الرضي : 50 ، ووقعة صفين : 144 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 204 ، مختصراً في فضائل ابن شاذان : 104 ، والخرائج والجرائح 1 : 222 | 67 ، ونحوه في أمالي الصدوق : 155 | 14 .
(3) لقد أفرد علماء الطائفة ومفكروها جملة واسعة من الابحاث والدراسات المبينة لابعاد هذا العلم تراجع في مظانها .
(4) الفتح 48 : 29 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 240 _
[1] ولَـقَد سـرى فِـي يُـسَيِّر iiُلَيلة بَـعد الـعِشاءِ بِكَربَلا فِي iiمَوكِبِ [2] حَـتّى أتـى مُـتَبَتِّلاً فـي iiقائِم ألـقى قَـواعِدَهُ بـقاعٍ iiمـجدبِ [3] يـأتِيهِ لَـيسَ بِحَيثُ يَلفيَ iiعامراً غَيرَ الوُحُوش وَغَيرَ أصلَعَ أشيَبِ [4] َفـدَنا فَـصاحَ بِهِ فَاشرفَ iiماثلاً كَـالنَّسرِ فـوقَ شظيّةٍ مِن مَرقَبِ [5]
هَـل قُـربَ قـائِمِكَ الذِي بُوِّئتَهُ مـاء يُصابُ فَقالَ ما مِن iiمَشرَبِ [6] إلاّ بِـغايَةِ فَـرسَخَينِ وَمَـن لَـنا بـالماء ِبَـينَ نَـقاً وَقـيٍّ سَبسبِ [7] فَـثَنى الأعنَّةَ نَحوَ وَعثٍ iiفَاجتَلى مَـلساءَ تَـرقُ كَـاللُّجينِ iiالمُذهبِ [8] قـالَ اقـلبونا إنَّـكُم إن iiتـقلِبوا تَـرووُا وَلا تَـروونَ إن لَم iiتُقلبِ [9] فَـاعصَوصَبوا فِي قَـلبِها iiفَتمنّعت مِـنهُم تَـمنُّع صَـعبَةٍ لَم iiتُركَبِ [10] حَـتّى إذا أعـيَتهُمُ أهـوى iiلَـها كَـفّاً مَـتى تَـردِ المُغالبَ iiتَغلِبِ [11] فـكـأنّها كـرَةٌ بِـكَفٍّ iiحَـزوَّر عَـبلٍ الـذراعِ دَحا بها في iiمَلعَبِ [12] قـالَ اشربُوا مِن تَحتها iiمُتسَلسِلاً عَـذباَ يَـزيدُ عَلَى الألذًّ iiالأعذبِ [13] حَـتّى إذا شَـرِبُوا جَـميعاً iiرَدَّها وَمَـضى فَـخِلتَ مَكانَها لَم iiيُقرَب [14] أعنيِ ابنَ فاطِمَةَ الوَصيّ وَمن يَقُل فِـي فَـضلِهِ وَفَعالِهِ لا يَكذِبِ (1) |
---------------------------
(1) خصائص الرضي : 51 ، ارشاد المفيد 1 : 337 كشف الغمة 1 : 281 .
قال السيد المرتضى ( رضي الله عنه ) في شرح هذه القصيدة ـ وقد وزعناه على تسلسلا لأبيات ـ :
[1] السري : سير الليل كله .
[2] والمتبتّل : الراهب ، والقائم : صومعته ، والقاع : الأرض الحرّة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط ، والقاعدة : أساس الجدار وكلّ ما يبنى ، والجدب : ضدّ الخصب .
[3] ومعنى « يأتيه » : أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب ، ومعنى [ ليس بحيث يُلفي ] « عامراً » : انه لا مقيم فيه سوى الوحوش ، ويمكن أن يكون ماخوذاً من العمرة التي هي الزيارة ، والأصلع الأشيب : هو الراهب .
[4] الماثل : المنتصب ، وشبَّه الراهب بالنسر لطول عمره والشظيّة : قطعة من الجبل مفردة ، والمرقب : المكان العالي .
[6] والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة ، والقيّ : الصحراء الواسعة ، والسبسب :القفر .
[7] والوعث : الرمل الذي لايسلك فيه ، ومعنى « اجتلى ملساء » نظر إلى صحراء ملساء فتجلًت لعينه ، ومعنى « تبرق » : تلمع ، ووصف اللجين بالمذهّب لأنّه اشدّ لبريقه ولمعانه .
[9] ومعنى « اعصوصبوا » : اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة .
[10] ومعنى « اهوى لها » : مدّ إليها ، والمغالب : الرجل المغالب .
[11] والحزوّر : الغلام المترعرع ، والعبل : الغليظ الممتلئ .
[12] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال أنه البارد أيضاً .
[14] وابن فاطمة : هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . انتهى كلامه ، رفع الله مقامه . نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 41: 262 ـ 266 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 241 _
ومن ذلك : ما استفاضت به الأخبار ونظمت فيه الأشعار من رجوع الشمس له ( عليه السلام ) مرّتين : في حياة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مرّة ، وبعد وفاته اُخرى ، فالأولى قد روتها أسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة زوج النبي ( ّصلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدريّ في جماعة من الصحابة : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان ذات يوم في منزله وعليٌّ ( عليه السلام ) بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله عزّ وجلّ ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس وصلّى ( عليه السلام ) صلاة العصر جالساً بالإيماء ، فلمّا أفاق النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال له : « ادع الله ليردّ عليك الشمس ، فإنّ الله يجيبك لطاعتك الله ورسوله » فسأل الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين في ردّ الشمس ، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر ، فصلّى أمير المؤمنين الصلاة في وقتها ثمّ غربت ، وقالت أسماء بنت عميس : أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب
(1) .
وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة ، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ، فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد ، وفي ذلك يقول السيد الحميري :
ردت عَـلَيهِ الـشَّمسُ لمّا iiفاتَهُ وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت iiللمغربِ حَـتّى تـبلَّجَ نورها في iiوَقتِها لَلعَصرِ ثُمَّ هوت هَوِيَّ iiالكَوكَبِ وَعَـليهِ قَـد حُبِسَت بِبابلَ iiمَرّةً اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب إلاّ لَـيُوشَعَ أَو لَـهُ مِـن iiبَعدهِ وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب (2) |
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 345 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 317 ، كشف الغمة 1 : 282 ، ودون ذيله في فضائل ابن شاذان 68 ، وارشاد القلوب : 277 ، ونحوه في قرب الاسناد : 175 | 644 والكافي 4 : 561 | 7 ، وعلل الشرائع : 351 | 3 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 129 | 156 ، ومشكل الاثار للطحاويَ 2 : 8 ـ 9 و 4 | 388 ـ 389 ، والمعجم الكبير للطبراني 24 :144 | 382 ومناقب ابن المغازلي : 96 | 140 ـ 141 ، ومناقب الخوارزمي : 217 وتذكرة الخواص : 55 ، فتح الباري 6 : 168 ، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 283 ـ 305 ، والغدير 3 : 127 ـ 141 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 346 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 318 وأورد الأبيات الشعرية في ص 317 كشف الغمة 1 : 282 ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : 227 ، ونحوه في إثبات الوصية 1 : 346 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 242 _
ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَان ( عليه السلام ) يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر ، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ انساب فكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى خطبته فتممها ، فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان ، فقال لهم : « إنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبست عليه قضيّة فصار إليّ يستفتيني عنها ، فافهمته إيّاها ودعا إليَّ بخير وانصرف »
(1) .
ومن ذلك : حديث الحيتان وكلامهم له في فرات الكوفة ، وذلك أنّ الماء طغى في الفرات حتّى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فركب بغلة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وخرج الناس معه حتّى أتى شاطىء الفرات فنزل ( عليه السلام ) وأسبغ الوضوء وصلّى ، والناس يرونه ، ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : « انقص بإذن الله ومشيئته » فغاض الماء حتّى بدت الحيتان من قعره ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها اصناف من السمك وهي الجرّيّ والمارماهي ، فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصمت ما صمت ، فقال : « أنطق الله لي ما طهر من السمك ، وأصمت عنّي ما نجس وحرم »
(2) .
وهذا الخبر مستفيض أيضاً كاستفاضة كلام الذئب للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتسبيح الحصى في كفّه وأمثال ذلك ، ومن ذلك : ما جاء في الآثار عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى بني المصطلق ونزل بقرب واد وعر ، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل ( عليه السلام ) يخبره عن طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ باصحابه ، فدعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : « اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة التي أعطاك الله عزّ وجلّ إيّاها ، وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بها وبعلمها » وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : « كونوا معه وامتثلوا أمره » .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 348 ، روضة الواعظين : 119 ونحوه في بصائر الدرجات 117 ، واثبات الوصية : 129 ، وبشارة المصطفى : 164 ، والفضائل لابن شاذان : 70 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 347 ، روضة الواعظين : 119 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 330 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 58 ، واثبات الوصية : 128 ، ونحوه في فضائل ابن شاذان : 106 ، وكشف الغمة 1 : 275 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 243 _
فتوجّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الوادي ، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي وتعوّذ باللهّ من أعدائه ، وسمّاه باحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هو لما لحقهم ، فصاح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب وصيّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابن عمّه ، اثبتوا إنشئتم » فظهر للقوم أشخاص مثل الزط
(1) تخيّل في أيديهم شعل النار، قد اطمانّوا وأطافوا بجنبات الوادي .
فتوغّل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً ، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثمّ صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ما لقيت يا أبا الحسن ، فقد كدنا نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك ؟ فقال ( عليه السلام ) : « لمّا تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ، وكفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرّهم ، وستسبقني بقيّتهم إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيؤمنوا به » .
وانصرف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بمن معه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له : « قد سبقكيا علي إليّ من أخافه الله بك فاسلم وقبلت إسلامه »
(2) ، ومن ذلك : ما أبانه الله تعالى به من القوّة الخارقة للعادة في قلعِ باب خيبر ودحوه به ، وكان من الثقل بحيث لا يحمله أقلّ من أربعين رجلاّ ، ثمّ حمله إيّاه على ظهره فكان جسراً للناس يعبرون عليه إلى ذلك الجانب ، فكان ذلك علماً معجزاً
(3) .
ومن ذلك : إنقضاض الغراب على خفه وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة ، فانساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتّى صار به في الجوّ ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود ووقاه الله عزّ وجلّ من ذلك
(4) .
وفي ذلك يقول الرضي الموسوي ( رضي الله عنه ) :
أمـا فـي بـاب خيبر iiمعجزات تـصـدّق أو مـناجاة iiالـحباب أرادت كــيـده والله iiيـأبـى فجاء النصر من قبل الغراب (5) |
---------------------------
(1) الزُط ( بالضم ) : جيل من الهند معرب جت بالفتح ، الواحد زطي وهو المستوي الوجه . « القاموس المحيط 2 : 362 » .
(2) ارشاد المفيد 1 : 339 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 18 : 84 | 3 .
(3) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 349 و 350 ، تاريخ الطبري 3 : 13 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 56 ، تاريخ الاسلام للذهبي ( المغازي ) : 441 و 412 .
(4) مناقب ابن شهر اشوب 2 : 356 .
(5) ديوان الشريف الرضي 1 : 116 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 244 _
ومن ذلك : ما رواه عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقر ( عليهما السلام ) من قوله ( عليه السلام ) لجويرية بن مسهر وقد عزم على الخروج : « أما إنّه سيعرض لك في طريقك الأسد » قال : فما الحيلة له ؟ قال : « تقرظ منّي السلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان » ، فخرج جويرية ، فبينا هو كذلك يسير على دابّته إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقرؤك السلام ، وانّه قد آمنني منك ، قال : فولّى الليث عنه مطرقاً برأسه يهمهم حتّى غاب في الأجمة ، فهمهم خمساً ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته .
فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وسلّم عليه وقال : كان من الأمر كذا وكذا فقال : « ما قلت للّيث وما قال لك ؟ » ، فقال جويرية : قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ووصيّ رسوله أعلم .
قال : « إنّه ولّى عنك يهمهم ، فاحصيت له خمس همهمات ثمّ انصرف عنك » ، قال جويرية : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا هو ، فقال ( عليه السلام ) : « فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منّي السلام » وعقد بيده خمساً
(1) .
ولو ذهبنا نجتهد في إيراد أمثال هذه من الأيات والمعجزات لطال به الكتاب ، وفيما أثبتناه من ذلك غنى عمّا سواه ، وبالله نستعين ، وإيّاه نستهدي إلى الهدى والحقّ والصواب .
---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 304 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 245 _
سوى ما تقدّم ذكره في جملة من النصوص على إمامته والإرهاص لإيجاب طاعته
وذكر مختصر من أخباره وحسن اثاره .
إعلم : أنّ فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومناقبه وخصائصه كثيرة لا يتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها ، فقد روت العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ، ولا ينقطع مدده ، ولقد قال الأجلّ المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه : سمعت شيخاً مقدّماً في الرواية من أصحاب الحديث يقال له : أبو حفص عمر بن شاهين
(1) ، يقول : إنّي جمعت من فضائل عليّ ( عليه السلام ) خاصّة ألف جزء .
وأمّا ما رواه أصحابنا من ذلك فلا تجتمع أطرافه ، ولا تعدّ آلافه ، وأنا اُورد من جملتها اُناسي العيون ونفوس الفصوص ومتخيِّر المتحيّر سالكاً طريقة منصور الفقيه في قوله :
قالوا : خُذِ العَنَ مِن كلّ ، فقلتُ iiلهم فِي العَينِ فَضلٌ ، وَلكِن ناظرُ العَينِ حَـرفَينِ مِـن ألفِ طُومارٍ iiمُسوّدة وَربّـما لَـم تجدْ فِي الألفِ iiحَرفينِ |
وأثبتها محذوفة الأسانيد تعويلاً في ذلك على إشتهارها بين نقلة الآثار ، واعتماداً على أنّ نقلها من كتب محكومة بالصحّة عند نقّاد الأخبار ، وجعلتها أربعة فصول .
---------------------------
(1) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين ، ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وأصله مروروذ من كورخراسان .
روي عنه أنه قال : أول ما كتبت الحديث في سنة ثمان وثلاثمائة وكان لي إحدى عشرة سنة ، وصنفت ثلاثمائة مصنّف ، أحدها : « التفسير الكبير » ألف جزء ، و « المسند » ألف وثلاثمائة جزء و « التاريخ » مائة وخمسين جزء و « الزهد » مائة جزء ، وأول ما حدّثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ، سمع أبا بكر محمد بن محمد الباغندي ، وأبا القاسم البغوي ، وأبا خُبيب العباس بن البرتي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وغيرهم ، وحدَث عنه : أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق رفيقه ، وأبو سعد المالني ، وأبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد العتيقي ، وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر الخطيب ، والأمير أبو نصر ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو القاسم الأزهري ، توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بباب حرب عند قبر أحمد بن حنبل .
انظر : تاريخ بغداد 11 : 265 ـ 268 ، سير أعلام النبلاء 16 : 431 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 246 _
وهي فنون كثيرة ، وفوائدها جمّة غزيرة ، وبينونته عليه السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة ، فمنها : سبقه كافّة الخلق إلى الايمان ، فقد صحّ عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : « أنا عبدالله وأخو رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين »
(1) .
وعن أبي ذرّ: أنّه سمع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول في عليّ : « أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين »
(2) .
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي »
(3) .
وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره »
(4) .
وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار ، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة
(5) ، وقال عليّ ( عليه السلام ) : « فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس »
(6) ، وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :
---------------------------
(1) انظر : الخصال : 401 | 110 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 16 ، العمدة لابن بطريق : 64 | 76 ، الطرائف لابن طاووس 20 | 12 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 65 | 12133 ، سنن ابن ماجة 1 : 4 4 | 120 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598 ، فضائل أحمد : 78 | 117 ، خصائص النسائي 24 : 7 ، تاريخ الطبري 2 : 212 ، الأوائل لأبي هلال العسكري 1 : 194 ، مستدرك الحاكم 3 : 13 ، نقض العثمانية للاسكافي : 290 ، فرائد السمطين 1 : 248 | 192 ، ميزان الاعتدال 3 : 101 و 102 .
(2) انظر : أمالي الصدوق : 171 | 5 ، ارشاد المفيد ا : 31 و 32 ، امالي الطوسي 1 : 147 ، اختيار معرفة الرجال 1 : 113 | 51 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 6 ، اليقين لابن طاووس : 195 ، انساب الأشراف للبلاذري 2 : 118 | 74 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 87 | 119 ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 227 | 33 .
(3) الفصول المختارة : 215 ، ارشاد المفيد ا : 31 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 79 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 8 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 125 | 819 ، مناقب ابن المغازلي : 14 | 19 ، مناقب الخوارزمي : 19 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 14 | 19 نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 226 | 31 .
(4) الفصول المختارة : 211 مناقب ابن شهرآشوب : 2 | 16 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 78 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 7 ، مناقب ابن المغازلي : 13 | 17 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 1 : 80 | 113 ، اُسد الغابة 4 : 18 ، ذخائر العقبى : 64 .
(5) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 15 ، وباختلاف يسير في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 48 | 70 و 71 ، مناقب الخوارزمي : 21 ، ذخائر العقبى : 59 .
(6) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 7 و 16 و 17 ، مسند الإمام علي (ع) للسيوطي : 18 / 58 ، وفيهما نحوه .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 247 _
إذا نـحـن بـايعنا عـليّاً iiفـحسبنا أبـوحسن مـمّا نـخاف مـن الفتن وجـدناه أولـى الـناس بالناس iiأنّه أطـبّ قـريش بـالكتاب iiوبـالسنن فـفيه الـذي فـيهم مـن الخير كلّه ومـا فـيه مثل الذي فيهم من iiحسن وصـيّ رسـول الله مـن دون iiأهله وفـارسه قـد كان في سالف iiالزمن وأول مـن صـلّى مـن الناس iiكلّهم سوى خيرة النسوان والله ذو منن (1) |
وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب :
ما كنتُ أحسبُ أن الأمر ( منصرف ) (2) مـن هـاشم ثـمّ مـنها عـن أبي iiحسن ألـيـس أوّل مــن صـلّـى iiبـقبلتهم وأعــرف الـنـاس بـالأثار والـسنن وآخــر الـناس عـهداً بـالنبيّ ومـن جـبرئيلُ عونٌ له في الغسلِ والكَفنِ (3) |
ومنها : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة ، فروى عبد الله بن داود ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي مريم ، عن عليّ ( عليه السلام ) قال : « قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت ان أتناول السماء فعلت »
(4) .
وفي حديث آخر طويل قال عليّ : « فحملني النبيّ ( عليه السلام ) فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت ـ أو قال : نزوت ـ » الشكّ من الراوي
(5) .
ومنها : حديث المؤاخاة ، فقد اشتهرفي الرواية : انه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر ، وبين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة ، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي »
(6) ، فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب »
(7) .
وعن أبي هريرة ـ في حديث طويل ـ : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاخذ بيده وقال : « هذا أخي
(8) ـ وفي خبر آخر : أنت أخي
(9) ـ في الدنيا والأخرة » فكان رسول الله وعلي أخوين .
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم 3 : 114 ، وأورد الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 127 البيت الأول ولأخير .
(2) وجاءت ايضاً بلفظ : منتقل .
(3) الفصول المختارة : 216 ، وسليم بن قيس في كتابه : 78 عن العباس ، وارشاد المفيد ا : 32 عن خزيمة بن ثابت الأنصاريَ ، والجمل : 58 عن عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب ، وفي تاريخ اليعقوبي 2 : 124 عن عتبة بن أبي لهب ، ومناقب الخوارزمي : 8 عن العباس بن عبد المطلب .
(4) تاريخ ابن أبي شيبة : 79 ل ، مسند أحمد ا : 4 8 و 151 ، خصائص النسائي : 134 | 122 ، المقصد العلي لأبي يعلى الموصلي : ق 121 | 2 ، تهذيب الأثار لابن جرير : 405 و 406 ، مستدرك الحاكم 2 : 366 و 3 : 5 ، تاريخ بغداد 13 : 302 ، مناقب ابن المغازلي : 202 | 240 ، مناقب الخوارزمي : 71 ، كفاية الطالب : 257 ، ذخائر العقبى : 85 ، الرياض النضرة 3 : 170 ، فرائد السمطين 1 : 249 ونقله المجلسي في بحار الأنوار ـ 38 : 84 / 3 .
(5) نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 84 / 3 .
(6) فضائل احمد : 94 | 141 و 120 | 117 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 135 | 167 ، كفاية الطالب ، الرياض النضرة 3 : 125 ، فرائد السمطين 1 : 117 | 82 .
(7) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12128 ، خصائص النسائي : 85 | 67 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 136 | 168 .
(8) سيرة ابن هشام 2 : 150 ، مناقب ابن المغازلي : 38 | 60 ، اسد الغابة 317 ، : الاصابة 2 : 501 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 341 | 16 .
(9) صحيح الترمذي 5 : 636 | 3720 ، مستدرك الحاكم 3 : 14 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35 ، مناقب ابن المغازلي : 57 | 37 و 38 | 59 ، مصابيح البغوي 4 : 173 | 4769 ،مقتل الخوارزمي : 48 ، اُسد الغابة 4 : 29 ، الاصابة 2 : 507 | 5688 ، لسان الميزان 3 : 9 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 248 _
ومنها : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تفل في عينيه يوم خيبر ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ، فكان ( عليه السلام ) بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً ، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً .
فروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ذلك شيئاً ؟ قال : لا ، قال : وكان أبي يسمر مع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا .
فقال : « أوما كنت معنا بخيبر ؟ » قال : بلى ، قال : « فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعث أبا بكر وعقد له لواء ، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه ، ثمّ عقد لعمر فرجع منهزماً بالناس .
فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرّاً بعد ولا برداً »
(1) .
وفي رواية اُخرى : « فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد ، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر »
(2) ، وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :
وَكـانَ عـليّ أرمدَ العينِ يَبتغي دواءً فَـلَـمّا لم يـحسن مُـداويا شـفاهُ رسـولُ اللهِ مـنهُ iiبـتفلةٍ فـبوركَ مَـرقيّاً ويُـورك iiراقيا وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً كـميّا مُـحبّاً لـلرّسولِ iiمُـواليا يُـحـبّ إلـهي والإلـهُ iiيُـحبّهُ بـهِ يـفتحُ الله الحصونَ iiالأوابيا فَـاصفى بـها دونَ الـبريّةِ كلّها عليّاً وسمّاه الوزيرَ المؤاخيا (3) |
وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة ، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء ، فقلنا له : لا تغترب ارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك ، قال : « أما إنّي قد كنت مقروراً ، فلمّا بعثني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى خيبر قلت له : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد ، ولا رمدت عيناي »
(4) .
---------------------------
(1) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12129 ، خصائص النسائي : 39 | 14 و 159 | 151 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 217 | 261 و 262 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 213 ، مجمع الزوائد 9 : 122 ، ومختصراً في سنن ابن ماجة 1 : 43 ، ومسند أحمد 1 : 99 و 133 ، ومسند البزاز : ق 105 | 1 ، وزوائد الفضائل للقطيعي : 1084 ، ومستدرك الحاكم 3 : 37 ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني 2 : 956 | 391 ، وحلية الأولياء 4 : 356 ، ومناقب أبن المغازلي : 74 | 110 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 41 : 282 | ذيل ح 5 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 128 ، العمدة لابن بطريق :155 | 238 ، مناقب ابن المغازلي : 185 كفاية الطالب : 104 ، الفصول المهمة : 37 .
(4) فرائد السمطين 1 : 264 | 206 ، مجمع الزوائد 9 : 122 .