ومن كتاب ( نوادر الحكمة ) : عن محمد بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : دخل شعيب العقرقوفي على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ومعه صرّة فيها دنانير فوضعها بين يديه ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « أزكاة أم صلة ؟ » فسكت ثمّ قال : زكاة وصلة ، قال : « فلا حاجة لنا في الزكاة » ، قال : فقبض أبو عبد الله ( عليه السلام ) قبضة فدفعها إليه ، فلمّا خرج قال أبو بصير : قلت له : كم كانت الزكاة من هذه ؟ قال : بقدر ما أعطاني ، والله لم يزد حبّة ولم ينقص حبّة
.
لأشتري نخلاً فلقيته وقد دخل المدينة فقال : « أين تريد؟ » ، فقلت : لعلّنا نشتري نخلاً ، فقال : « أوقد أمنتم الجراد ؟ » ، فقلت : لا والله لا أشتري نخلة ، فوالله ما لبثنا إلاّ خمساً حتّى جاء من الجراد ما لم يترك في النخل حملاً
، علي بن الحكم ، عن عروة بن موسى الجعفي قال : قال لنا يوماً ونحن نتحدّث : « الساعة انفقأت عين هشام في قبره » ، قلنا : ومتى مات ؟ قال : « اليوم الثالث » ، قال : فحسبنا موته وسألنا عنه فكان كذلك
.
أحمد بن محمد ، عن محمد بن فضيل ، عن شهاب بن عبد ربه قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « كيف أنت إذا نعاني إليك محمد بن سليمان ؟ » .
قال : فلا والله ما عرفت محمد بن سليمان ، ولا علمت من هو ؟ قال : ثمّ كثر مالي وعرضت تجارتي بالكوفة والبصرة ، فإني يوماً بالبصرة عند محمد ابن سليمان وهو والي البصرة إذ ألقى إليّ كتاباً وقال لي : يا شهاب ، أعظم الله أجرك وأجرنا في إمامك جعفر بن محمد ، قال : فذكرت الكلام فخنقتني العبرة ، فخرجت فاتيت منزلي وجعلت أبكي على أبي عبد الله ( عليه السلام )
(1) .
وروىَ عليّ بن إِسماعيل بن عمّار ، عن إِسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) إنّ لنا أموالاً ونحن نعامل الناس ، وأخاف إن حدث حدث أن تفرّق أموالنا ، قال : فقال : « إجمع مالك في كلّ شهر ربيع » ، قال عليّ بن إسماعيل : فمات إسحاق في شهر ربيع
(2) .
وأحمد بن قابوس ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : دخل عليه قوم من أهل خراسان فقال إبتداء من غير مسألة : « من جمع مالاً من مهاوش
(3) أذهبه الله في نهابر »
(4) ، فقالوا له : جعلنا الله فداك لا نفهم هذا الكلام ، فقال ( عليه السلام ) : « از باد آيد به دم بشود »
(5) (6) .
وروي : أنّ داود بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس قتل المعلّى بن خنيس ـ مولى الصادق ( عليه السلام ) ـ وأخذ ماله ، فدخل عليه وهو يجرّ رداءه فقال له : « قتلت مولاي وأخذت ماله ، أما علمت أنّ الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب ، أما والله لأدعونّ الله عليك » ، فقال له داود : تهددنا بدعائك ، كالمستهزئ بقوله ، فرجع أبو عبد الله ( عليه السلام ) إلى داره ، ولم يزل ليله كلّه قائماً وقاعداً حتّى إذا كان السحر سُمع وهو يقول في مناجاته : « يا ذا القوّة القولّة ، ويا ذا المحال الشديد ، ويا ذا العزّة التي كلّ خلقك لها ذليل اكفني ، هذا الطاغية ، وانتقم لي منه » .
---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 222 ، دلاثل الامامة : 138 ، رجال الكشي 2 : 172 | 781 ، وباختلاف يسير في : بحار الأنوار 47 : 150 | 205 .
(2) رجال الكشي 2 : 709 | 767 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 243 ، كشف الغمة 2 : 197 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 140 | 190 .
(3) مهاوش : ما غُصب وسُرق « القاموس المحيط 2 : 4 29 » .
(4) النهابر : المهالك . « القاموس المحيط 2 : 151 » .
(5) كلام بالفارسية معناه ان الذي يأتي به الهواء يذهب به النسيم .
(6) بصائر الدرجات 356 : 14 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 218 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 84 | 78 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 344 _
فما كان إلاّ ساعة حتّى ارتفعت الأصوات بالصّياح وقيل : قد مات داود ابن عليّ الساعة
(1) ، واشتهر في الرواية : أن المنصور أمر الربيع بإحضار أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فاحضره ، فلمّا بصر به قال : قتلني الله إن لم أقتلك ، أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل ؟ فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « والله ما فعلت ولا أردت ، فإن كان بلغك فمن كاذب ، ولو كنت فعلت لقد ظُلم يوسف فغفر وابتُلي أيّوب فصبر واُعطي سليمان فشكر ، فهؤلاء أنبياء الله تعالى وإليهم يرجع نسبك » ، فقال له المنصور : أجل ارتفع هاهنا ، فارتفع فقال له : ان فلان بن فلان أخبرني عنك بما ذكرت .
فقال : « أحضره يا أمير المؤمنين ليواقفني على ذلك » ، فأحضر الرجل المذكور ، فقال له المنصور : أنت سمعت ما حكيت عن جعفر ؟ قال : نعم ، قال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « فاستحلفه على ذلك » ، فقال له المنصور : أتحلف ؟ قال : نعم ، فابتدأ باليمين ، فقال أبو عبد الله : « دعني يا أمير المؤمنين اُحلِّفه أنا » ، فقال له : افعل ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) للساعي : « قل : برئت من حول اللهّ وقوّته والتجأت إلى حولي وقوّتي لقد فعل كذا وكذا جعفر » .
فامتنع منها هنيهة ثمّ حلف بها ، فما برح حتّى اضطرب برجله ، فقال أبو جعفر : جرّوا برجله ، فاخرجوه لعنه الله
(2) ، قال الربيع : وكنت رأيت جعفر بن محمد ( عليه السلام ) حين دخل على المنصور يحرّك شفتيه ، فكلّما حرّكهما سكن غضب المنصور حتّى أدناه منه ورضي عنه ، فلمّا خرج أبو عبد الله ( عليه السلام ) من عند أبي جعفر اتبعته فقلت له : إنّ هذا الرجل كان أشدّ الناس غضباً عليك ، فلمّا دخلت عليه وحرّكت شفتيك سكن غضبه ، فبأيّ شيء كنت تحركهما ؟ قال : « بدعاء جدّي الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) » ، فقلت : جعلت فداك ، وما هذا الدعاء ؟
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، ومختصراً في : الفصول المهمة : 226 ، وباخلتاف في ذيل الحديث في : المناقب لابن شهرآشوب 4 : 230 ، ونحوه في : الكافي 2 : 372 | 5.
(2) ارشاد المفيد 2 : 183 ، روضة الواعظين : 208 ـ 209 ، كشف الغمة 2 : 168 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 345 _
قال : « يا عدّتي عند شدّتي ، ويا غوثي عند كربتي ، احرسني بعينك التي لاتنام ، واكنفني بركنك الذي لايرام » ، قال الربيع : فحفظت هذا الدعاء، فما نزلت بي شدّة قطّ فدعوت به إلاّ فرّج الله عنّي ، قال : وقلت لجعفر بن محمد : لم منعت الساعي أن يحلف بالله تعالى ؟ قال : « كرهت أن يراه الله تعالى يوحّده ويمجّده فيحلم عنه ويؤخّر عقوبته ، فاستحلفته بما سمعت فاخذه الله أخذة رابية
(1) »
(2) .
وأمثال ما ذكرناه من الأخبار في آياته ودلالته وإخباره بالغيوب كثيرة يطول تعداده فمن ذلك : ما أورده أبو الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني في كتاب ( مقاتل الطالبيّين ) : ورواه بالأسانيد المتّصلة عن رجاله : أنّ جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء ، منهم : إبراهيم بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن عبّاس ، وأبو جعفر المنصور ، وصالح بن عليّ ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال : قد علمتم أنّ ابني هذا هو المهدي ، فهلمّ نبايعه ، فقال أبو جعفر : لأي شيء تخدعون أنفسكم ، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصوَر
(3) أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبد الله ـ ، فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يده .
وأرسل إلى جعفر بن محمد بن عليّ الصادق ( عليهم السلام ) فجاء وأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه ثمّ تكلّم بمثل كلامه فقال جعفر : « لا تفعلوا ، فإنّ هذا الأمر لم يأت بعد ، إن كنت ترى ـ يعني عبد الله ـ أنّ ابنك هذا هو المهديّ فليس به ، ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنّما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر» ، فغضب عبد الله وقال : لقد علمت خلاف ما تقول ، ووالله ما اطلعك الله على غيبه ولكنّه يحملك على هذا الحسد لابني .
فقال : « والله ما ذاك يحملني ، ولكن هذا وإخوته وابناؤهم دونكم » وضرب بيده على ظهر أبي العبّاس ، ثمّ ضرب بيده على كتف عبد الله بن الحسن وقال : « إنّها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم ، وإنّ ابنيك لمقتولان » ثمّ نهض وتوكّأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهريّ فقال : « أرأيت صاحب الرداء الأصفر ؟ » يعني أبا جعفر .
---------------------------
(1) أخذة رابية : أي أخذة تزيد على الأخذات . « لسان العرب 14 : 305 » .
(2) ارشاد المفيد 2 : 184 ، روضة الواعظين : 209 ، كشف النمة 2 : 168 ، وباختلاف يسير في الفصول المهمة : 225 ، وباختصار في : تذكرة الخواص : 309 ، وكفاية الطالب : 455 .
(3) أصوَر : أميل . « اُنظر الصحاح ـ صور ـ 2 : 716 » .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 346 _
فقال له : نعم ، فقال : « أنّا والله نجده يقتله » ، قال له عبد العزيز : أيقتل محمداً ؟ ، قال : « نعم » ، قال : فقلت في نفسي : حسده وربّ الكعبة ، قال : ثم والله ما خرجت من الدنيا حتّى رأيته قتلهما ، قال : فلمّا قال جعفر ذلك نهض القوم فافترقوا وتبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا : يا ابا عبد الله أتقول هذا ؟ قال : « نعم ، أقرله والله وأعلمه » .
قال أبو الفرج : وحدّثني علي بن العبّاس قال : أخبرنا بكار بن أحمد قال : حدّثنا الحسن بن الحسين ، عن عنبسة بن بجاد العابد قال : كان جعفر ابن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله تغرغرت عيناه وقال : « بنفسي هو ، إنّ الناس ليقولون فيه إنّه المهديّ وإنّه لمقتول ، ليس في كتاب عليّ من خلفاء هذ الاُمّة »
(1) ، ومن ذلك : ما رواه صاحب كتاب ( نوادر الحكمة ) : عن أحمد بن أبي عبد اللهّ ، عن أبي محمد الحميري ، عن الوليد بن العلاء بن سيابة ، عن زكار ابن أبي زكار الواسطي قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) إذ أقبل رجل فسلّم ثمّ قبّل رأس أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : فمسّ أبو عبد الله ثيابه وقال : « ما رأيت كاليوم ثياباً أشدّ بياضاً ولا أحسن منها » ، فقال : جعلت فداك ، هذه ثياب بلادنا وجئتك منها بخير من هذه ، قال : فقال : « يا معتّب اقبضها منه » ، ثمّ خرج الرجل فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « صدق الوصف وقرب الوقت ، هذا صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان » ثمّ قال : « يا معتّب ، ألحقه فسله ما اسمه ؟ » ، ثمّ قال لي : « إن كان عبدالرحمن فهو والله هو » ، قال : فرجع معتب فقال : قال : اسمي عبد الرحمن ، قال زكار بن أبي زكار : فمكثت زماناً ، فلمّا ولي ولد العبّاس نظرت إليه وهو يعطي الجند فقلت لأصحابه : من هذا الرجل ؟ فقالوا : هذا عبد الرحمن ، أبو مسلم
(2) .
---------------------------
(1) مقاتل الطالبيين : 206 .
(2) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 229 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 274 | 15 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 347 _
وذكر ابن جمهور العمّي في كتاب ( الواحدة ) قال : حدّث أصحابنا : أنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال لأبي عبد الله : والله إنّي لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك ، فقال : « أمّا ما قلت : إنّك أعلم منّي ،فقد أعتق جدّي وجدّك ألف نسمة من كدّ يده فسمّهم لي ، وإن أحببت أن اُسمّهم لك إلى آدم فعلت ، وأما ما قلت : إنّك أسخى منّي ، فوالله ما بتّ ليلة ولله عليّ حقّ يطالبني به ، وأما ما قلت : إنّك أشجع منّي فكأني أرى رأسك وقد جيءَ به ووضع على حجر الزنابير يسيل منه الدم إلى موضع كذا وكذا » .
قال : فصار إلى أبيه فقال : يا أبه كلّمت جعفر بن محمد بكذا فردّ عليّ كذا فقال أبوه: يا بنيّ آجرني الله فيك ، إنّ جعفراً أخبرني أنّك صاحب حجر الزنابير
(1) .
ومن الأخبار الصريحة الدالة على إمامته : ما رواه محمد بن يعقوب الكليني ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن جماعة من رجاله ، عن يونس بن يعقوب قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فورد عليه رجل من أهل الشام فقال : إنّي رجلٌ صاحب كلام وفقه وفرائض ، وقد جئت لمناظرة أصحابك ، فقال له أبو عبدالله عليه السلام : «كلامك هذا من كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو من عندك ؟ » ، فقال : من كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعضه ومن عندي بعضه ، فقال له أبو عبد الله: « فأنت شريك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ » ، قال : لا ، قال : « فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك ؟ » ، قال : لا ، قال : « فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؟ » ، قال : لا ، فالتفت أبو عبد الله ( عليه السلام ) إليّ فقال : « يا يونس بن يعقوب ، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلّم » ثمّ قال : « يا يونس ، لوكنت تحسن الكلام كلّمته » .
---------------------------
(1) المناقب لابن شهرآشوب 4 : 228 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 47 : 275 | 15 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 348 _
قال يونس :فيا لها من حسرة ، فقلت : جعلت فداك ، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول : ويل لأصحاب الكلام ، يقولون : هذا ينقاد وهذا لا ينقاد ، وهذا ينساق وهذا لا ينساق ، وهذا نعقله وهذا لا نعقله ؟ فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « إنّما قلت : ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون » .
ثمّ قال : « اُخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلّمين فادخله » ، قال : فخرجت فوجدت حمران بن أعين ـ وكان يحسن الكلام ـ ومحمد بن النعمان الأحول ـ وكان متكلّماً ـ وهشام بن سالم وقيس الماصر ـ وكانا متكلّمين ـ فأدخلتهم عليه ، فلمّا استقرّ بنا المجلس ـ وكنّا في خيمة لأبي عبد الله على طرف جبل في طرف الحرم وذلك قبل الحجّ بأيّام ـ أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ
(1) فقال : « هشام وربّ الكعبة » ، قال : فظنّنا أنّ هشاماً رجلٌ من ولد عقيل كان شديد المحبّة لأبي عبد الله ( عليه السلام ) ، فإذا هو هشام بن الحكم قد ورد ـ وهو أوّل ما اختطّت لحيته وليس فينا إلاّ من هو أكبر سنّاً منه ـ فوسّع له أبو عبد الله ( عليه السلام ) وقال : « هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده » ثمّ قال لحمران : « كلّم الرجل » ـ يعني الشامي ـ فكلّمه حمران فظهر عليه .
ثمّ قال : « يا طاقي ، كلمه » فكلمه فظهرعليه محمد بن النعمان ، ثمّ قال : « يا هشام بن سالم كلّمه » فتعارفا ، ثمّ قال لقيس الماصر : لأكلّمه » فكلّمه ، وأقبل أبو عبد الله ( عليه السلام ) يتبسّم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ، ثمّ قال للشامي : « كلّم هذا الغلام » يعني هشام بن الحكم ، فقال : نعم ، ثمّ قال الشامي لهشام : يا غلام ، سلني في إمامة هذا ـ يعني أبا عبد الله ( عليه السلام ) ـ فغضب هشام حتّى ارتعد ، ثم قال له : خبرني يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم ؟ قال : بل ربّي أنظر لخلقه ، قال : ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا ؟ قال الشامي : كلّفهم وأقام لهم حجّة ودليلاً على ما كلّفهم ، وأزاح في ذلك عللهم .
---------------------------
(1) الخبب : ضرب من العدو. « الصحاح ـ خبب ـ 1 : 117 » .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 349 _
فقال له هشام : فما هذا الدليل الذي نصبه لهم ؟ قال الشامي : هو رسول الله ( صلّى اللهّ عليه وآله وسلّم ) ، فقال له هشام : فبعد رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) من ؟ قال : الكتاب والسنّة ، قال له هشام : فهل ينفعنا اليوم الكتاب والسنّة فيما اختلفنا فيه حتّى يرفع عنّا الاختلاف ويمكّنا من الاتّفاق ؟ قال الشامي : نعم ، قال له هشام : فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام تخالفنا وتزعم أنّ الرأي طريق الدين ، وأنت مقر بأنّ الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين ؟ فسكت الشامي كالمفكر ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ما لك لا تتكلّم ؟ » ، قال : إن قلت : إنّا ما اختلفنا كابرت ، وإن قلت : إن الكتاب والسنّة يرفعان عنّا الاختلاف أبطلت لأنّهما يحتملان الوجوه ، ولكن لي عليه مثل ذلك ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « سله تجده مليّاً » .
فقال الشامي لهشام : من أنظر للخلق ، ربّهم أم أنفسَهم ؟ قال هشام : بل ربّهم أنظر لهم ، فقال الشامي : فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع إختلافهم ويبيّن لهم حقّهم من باطلهم ؟ قال هشام : نعم ، قال الشاميّ : من هو ؟ قال هشام : أمّا في ابتداء الشريعة فرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأمّا بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فغيره ، قال الشاميّ : ومن هوغير النبيّ القائم مقامه في حجّته ، قال هشام : في وقتنا هذا أم قبله ؟ قال الشامي : بل في وقتنا هذا ، فقال هشام : هذا الجالس ـ يعني أبا عبد الله ( عليه السلام ) ـ الذي تشدّ إليه الرّحال ، ويخبرنا عن أخبار السماء وراثة عن أب عن جدّ ، قال الشامي : فكيف لي بعلم ذلك ؟ قال هشام : سله عمّا بدا لك ، قال الشامي : قطعت عذري ، فعليّ السؤال . .
فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « أنا أكفيك المسالة يا شامي ، اُخبرك عن مسيرك وسفرك ، خرجت يوم كذا ، وكان طريقك كذا ، ومررت على كذا ، ومرّ بك كذا » .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 350 _
فاقبل الشامي كلّما وصف له شيئاً من أمره يقول : صدقت والله ، ثم قال الشامي : أسلمت الساعة ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « إنّك امنت بالله الساعة ، إنّ الإسلام قبل الإيمان ، وعليه يتوارثون ويتناكحون ، والإيمان عليه يثابون » .
قال الشامي : صدقت ، فانا الساعة أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأنّك وصيّ الأوصياء ، قال : فاقبل أبو عبد الله ( عليه السلام ) على حمران فقال : « يا حمران تجري الكلام على الأثر فتصيب » ، والتفت إلى هشام بن سالم فقال : « تريد الأثر ولا تعرف » .
ثمّ التفت إلى الأحول فقال : « قيّاس روّاغ تكسر باطلاًص بباطل ، إلاّ أنّ باطلك أظهر » ، ثمّ التفت إلى قيس الماصر فقال : تتكلّم وأقرب ما تكون من الخبر عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبعد ما تكون منه ، تمزج الحقّ بالباطل ، وقليل الحقّ يكفي عن كثير الباطل ، أنت والأحول قفّازان حاذقان » ، قال يونس بن يعقوب : فظننت والله أنّه يقول لهشام قريباً مما قال لهما ، فقال : « يا هشام لا تكاد تقع ، تلوي رجليك إِذا هممت بالأرض طرت ، مثلك فليكلّم الناس ، اتق الزلّة والشفاعة من ورائك »
(1) .
وهذا الخبر مع ما فيه من المعجز الدالّ على إمامة أبي عبد الله ( عليه السلام ) يتضمّن إثبات حجة النظر ودلالة الإِمامة من طريق النظر والاستدلال .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 130 | 4 ، وكذا في : ارشاد المفيد 2 : 194 ، وباختصار في المنافب لابن شهرآ شوب 4 : 243 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 351 _
كان ( عليه السلام ) أعلم أولاد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في زمانه بالاتّفاق ، وأنبههم ذكراً ، وأعلاهم قدراً ، وأعظمهم منزلة عند العامّة والخاصة ، ولم يُنقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه ، فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسامي الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في المقالات والديانات فكانوا أربعة آلاف رجل .
روى أبو محمد الحسن بن حمزة الحسيني في كتاب ( التفهيم ) : بإسناده ، عن سدير الصيرفي قال : قال الصادق ( عليه السلام ) : « نحن تراجمة وحي الله ، نحن خزّان علم الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض »
(1) .
وفيه أيضاً : بإسناده ، عن جميل قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « الناس ثلاثة : عالم ، ومتعلّم ، وغثاء، فنحن العلماء ، وشيعتنا المتعلّمون ، وسائر الناس غثاء » .
(2)
وكان يقول ( عليه السلام ) : « علمنا غابرومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقرٌ في الأسماع ، وإنّ عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ومصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، وإنّ عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه ، فسئل عن تفسير كلامه ( عليه السلام ) ، فقال : « أمّا الغابر : فالعلم بما يكون ، وأمّا المزبور : فالعلم بما كان ، وأمّا النكت في القلوب : فهو الإلهام ، وأمّا النقر في الأسماع : فحديث الملائكة ( عليهم السلام ) نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم .
وأمّا الجفر الأحمر : فوعاء فيه سلاح رسول اللهّ ( صلَى الله عليه وآله وسلّم ) ولن يخرج حتّى يقوم قائمنا أهل البيت ، وأمّا الجفر الأبيض : فوعاء فيه توراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وزبور داود ( عليهم السلام ) ، وكتب الله المنزلة ، وأمّا مصحف فاطمة ( عليها السلام ) : ففيه ما يكون من حادثٍ ، وأسماء كلّ من يملك إلى أنّ تقوم الساعة .
---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 124 | 6 ، الكافي 1 : 212 ذيل الحديث 6 .
(2) بصائر الدرجات : 28 | ح 1 ـ 5 ، الكافي 1 : 4 | 26 ، الخصال 1 : 123 | 115 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 352 _
وأمّا الجامعة : فهي كتاب طوله سبعون ذراعاً ، إملاء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وخطّ عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده ، فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة ، وفيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة »
(1) ، وكان ( عليه السلام ) يقول : « حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وحديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) حديث الله عزّ وجلّ »
(2) .
وروى عنه محمد بن شريح أنه قال : « لولا أن الله تعالى فرض ولايتنا وأمر بمودّتنا ما وقفناكم على أبوابنا ، ولا أدخلناكم بيوتنا ، والله ما نقول باهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا ، اُصول عندنا نكنزها كما يكنزهؤلاء ذهبهم وفضّتهم »
(3) .
وروى عنه أبو حمزة الثمالي أنه قال : « ألواح موسى ( عليه السلام ) عندنا ، وعصا موسى عندنا ونحن ورثة النبيّين »
(4) .
وروى معاوية بن وهب ، عن سعيد السمّان قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) إذ دخل عليه رجلان من الزيديّة فقالا له : أفيكم إمام مفترض الطاعة ؟
قال : فقال : « لا » ، فقالا : قد أخبرنا عنك الثقات أنّك تقول به ؟ وسمّوا قوماً ، فغضب ( عليه السلام ) وقال : « ما أمرتهم بهذا » ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا ، فقال لي : « أتعرف هذين ؟ » ، قلت : نعم ، هما من أهل سوقنا ، وهما من الزيديّة ، وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند عبد الله بن الحسن .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 186 ، الاحتجاج 2 : 372 ، روضة الواعظين : 210 ، كشف الغمة 2
: 169 ، وباختلاف يسير في : الكافي 1 : 307 | 3 .
(2) الكافي 1 : 42 | 14 ، ارشاد المفيد 2 : 186 ، روضة الواعظين : 211 ، كشف الغمة 2 : 170 .
(3) بصائر الدرجات : 321 | 10 وباختلاف يسير في 320 | 5 و 7 .
(4) بصائر الدرجات 160 |ذيل ح 4 ، الكافي 1 : 180 | 2 ، ارشاد المفيد 2 : 187 ، روضة الواعظين : 210 ، المناقب لابن شهرآشوب 4 : 276 ، كشف الغمة 2 : 170 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 353 _
فقال : « كذبا لعنهما الله ، والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ، ولا رآه أبوه إلاّ أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين ، فإن كانا صادقين فما علامة فى مقبضه ؟ وما أثر في موضع مضربه ؟ وإنّ عندي لسيف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ورايته ودرعه ولامته
(1) ومغفره
(2) ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وإن عندي لراية رسول الله المغلّبة ، وإن عندي ألواح موسى وعصا موسى ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ، وإن عندي الطست التي كان موسى يقرب بها القربان ، وإن عندي الاسم الذي كان رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشّابة ، وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة ، ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل في أيّ أهل بيت وجد التابوت على أبوابهم اُوتوا النبوة ، ومن صار إليه السلاح منّا اُوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي درع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا لبسها ملأها إن شاء الله »
(3) .
ووجدت في كتاب ( كمال الدين ) للشيخ أبي جعفر بن بابويه ( رضي الله عنه ) : حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطّار قال : حدّثنا عليّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل ابن بزيع ، عن حيّان السراج قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن الحنفيّه زماناً ، فمنّ الله عليّ بالصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) فانقذني من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنّه حجّة الله على خلقه وأنّه الإمام الذي افترض الله طاعته ـ فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد روي لنا أخبار عن آبائك ( عليهم السلام ) في الغيبة وصحّة كونها ، فاخبرني بمن تقع ؟
فقال ( عليه السلام ) : « إنّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » .
---------------------------
(1) اللأمة : الدرع ، وقيل : السلاح ، ولأمة الحرب : أداتها ، وقد يترك الهمز تخفيفاً ، ويقال للسيف لأمة ، وللرمح لأمة ، وإنما سمي لأمة لأنها تلائم الجسد وتلازمه . « لسان العرب 12 : 532 » .
(2) المغفر : زرد يخج من الدروع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة . « الصحاح ـ غفر ـ 2 : 771 » .
(3) بصائر الدرجات : 194 | 2 ، الكافي 1 : 181 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 187 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 354 _
قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق ( عليه السلام ) تبت إلى الله تعالى على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :
تـجعفرتُ بـاسمِ اللهِ واللهُ iiأكبرُ وأيـقنتُ أن اللهَ يـعفو iiويـغفرُ ودنـتُ بـدينِ غير ما كنتُ دائناً بـه ونـهاني سـيّدُ الناس iiجعفرُ فـقلتُ هب إنّي قد تهوّدت iiبرهة وإلاّ فـديني ديـن مـن يتنصّرُ فـإنّي إلى الرحمن من ذاكَ iiتائبٌ وإنّـي قـد أسـلمتُ واللهُ iiأكبرُ فـلستُ بـغال مـاحييتُ وراجع إلـى ما عليه كنتُ اُخفي واُضمرُ ولا قـائلاً حـيّ برضوى محمد وإن عـاب جهّالٌ مقالي iiوأكثروا ولـكنّه مـمّن مـضى iiلـسبيله على أفضل الحالاتِ يقفي iiويخبرُ مع الطيّبين الطاهرين الأولى iiلهم من المصطفى فرع زكيّ وعنصرُ |
إلى آخرها ، وقلت بعد ذلك أيضاً أبيات شعر وهي :
أيـا راكـباً نـحوَ المدينةِ جسرةً (1) عُذافِرَةً (2) يَطوي بها كلّ سَبسب (3) إذا مـا هـداكَ اللهُ عـاينتَ iiجـعفراً فـقـل لـوليّ اللهِ وابـنِ iiالـمهذَّبِ ألا يــا أمـيـنَ اللهِ وابـنَ iiأمـينه أتـوبُ إلـى الـرحمنِ ثـمّ iiتـأوّبي إلـيكَ مـن الأمـرِ الذي كنتُ مطنباً اُحـاربُ فـيه جـاهداً كـلّ iiمُعرب وماكان قولي في ابنِ خولةَ (4) iiمبطناً مـعـاندةً مـنّـي لـنسل الـمطيّبِ ولـكـن رويـناعن وصـي iiنـبيّنا ومـاكـان فـيـما قـاله iiبـالمكذّبِ بـــأنّ ولــيّ iiالأمـريـفقدُلايُرى سـتيراً كـفعل الـخائفِ iiالـمترقّب فـتـقسمُ أمــوالُ الـفـقيدِ iiكـأنّما تـغـيّبهُ بـين الـصفيحِ الـمنصّبَ فـيمكثُ حـيناً ثـمّ يـشرقُ iiشخصهُ مـضيئا ًبـنورالعدلِ إشـراق iiكوكبِ يـسـيربنصرِاللهِ مـن بـيت iiربّـه عـلـى سـؤددٍ مـنه iiوأمـرمسبّب يـسـير إلــى أعـدائـهِ iiبـلوائهِ فـيـقتلهم قـتلاً كـحرّان iiمـغضبِ فـلمّارُوي أنّ ابـن خـولةَ iiغـائب صـرفـنا الـيه قـوله لـم نـكذّبِ وقـلنا هـو الـمهديّ والـقائم iiالذي يـعيش بـه مـن عـدله كلّ مجدبِ فـإن قـلت :لا، فالقول قولك iiوالذي أمــرت فـحتمٌ غـيرما iiمـتعصبِ وأشـهـد ربّــي أنّ قـولكَ iiحـجّة عـلى الـناس مـن مـطيعٍ iiومذنبِ بـأنّ ولـيّ الأمـر والـقائم iiالـذي تـطـلّع نـفـسي نـحوهُ iiبـتطرّبِ لــه غـيبة لابـدّ مـن أن iiيـغيبها فـصـلّى عـليه اللهُ مـن iiمـتغيّبِ فـيـمكثُ حـيـناً ثـمّ iiيـظهرحينهُ فـيـملأعدلاً كـلّ شـرقٍ iiومـغربِ بــذاكَ أديــن اللهَّ سـرّاً iiوجـهرةً ولـستُ وإن عـوتبتُ فـيه بـمعتبِ |
---------------------------
(1) الجسرة : العظيمة من الابل . « الصحاح ـ جسر ـ 2 : 613 ) .
(2) العذافرة : العظيمة الشديدة من الابل . « الصحاح ـ عذفر ـ 2 : 2 74 » .
(3) السبسب : المفازة أو البادية . « الصحاح ـ سبب ـ 1 : 145 » .
(4) ابن خولة : هو محمد بن الحنفية رحمه الله .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 355 _
قال : وكان حيّان السرّاجِ الراوي لهذا الحديث من الكيسانيّة وكان السيد بن محمد بلا شكّ كيسانيّاَ قبل ذلك يزعم أنّ ابن الحنفيّة هو المهديّ وأنّه مقيم في جبال رضوى وشعره مملوءٌ بذلك فمن ذلك قوله :
ألا إنّ الأئـمّةَ من قريشٍ ولاةُ الأمـرِ أربعةٌ iiسواءُ عـليّ والـثلاثة من iiبنيه هـم أسباطنا iiوالأوصياءُ فـسبطٌ سـبط إِيمان iiوبرّ وسـبط غـيّبته iiكـربلاءُ وسبط لايذوق الموتَ حتّى يـقودَ الجيشَ يقدمه اللّواءُ يـغيبُ لايُرى عنّا iiزماناً برضوى عنده عسلٌ iiوماءُ |
وقوله أيضاً :
أيـاشِعبَ رضوى ما لمن بك iiلايُرى وَبـنا إلـيهِ مِـنَ الصبابةِ أولقُ (1) حتى متى ؟ وإلى متى ؟ وكم المدى ؟ يـا ابـن الوصيّ وأنتَ حيّ iiترزقُ إنّــي لآمِــلُ أن أراكَ iiوأنّـنـي مِـن أن أموتُ ولا أراكَ لأفرقُ (2) |
وقوله أيضاً :
ألاحـيّ المقيمَ بشعب iiرضوى وأهـد ِلـهُ بـمنزلهِ iiالـسلاما وقل يا ابن الوصيّ فَدتَكَ iiنفسي أطـلتَ بـذلكَ الـجبلَ iiالمقاما فَـمُرَ بـمعشر والـوكَ iiمـنّا وسـمّوكَ الـخليفةَ iiوالإمـاما فَـما ذاقَ ابن خولةَ طَعمَ موتٍ وَلا وارت له أرضٌ عِظاما (3) |
وفي شعره الذي ذكرناه دليل على رجوعه عن ذلك المذهب وقبوله إمامة الصادق ( عليه السلام ) .
---------------------------
(1) الأولق : شبه البنون « الصحاح ـ ولق ـ 4 : 1568 » .
(2) ورد البيتان في إكمال الدين بهذا الشكل :
أيا شعب رضوى ما لمن بك لايرى فـحتى مـتى يـخفى وأنت قريب فـلوغاب عـناعمرنوح iiلأيـقنت مـنـا الـنفوس بـانه iiسـيؤوب |
(3) كمال الدين : 33 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 356 _
وفيه أيضاً دليل على أنّه ( عليه السلام ) دعاه إلى إمامته وعلى صحّة القول بغيبة صاحب الزمان ( عليه السلام ) ، ومما نقل عنه ( صلوات الله عليه ) في الحجّة والبيان والردّ على منكري الحقّ ومخالفي الإيمان ما رواه محمد بن يعقوب الكلينيّ ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن العبّاس بن عمرو الفقيمي : أنّ ابن أبي العوجاء ، وابن طالوت ، وابن الأعمى ، وابن المقفّع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم في المسجد الحرام ، وأبو عبد الله جعفر بن محمد إذ ذاك فيه يفتي الناس ويفسّر لهم القران ويجيب عن المسائل ، فقال القوم لابن أبي العوجاء : هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عمّا يفضحه عند هؤلاء المحيطين به ، فقد ترى فتنة الناس به وهو علاّمة زمانه .
فقال لهم ابن أبي العوجاء : نعم ، ثمّ تقدّم ففرّق الناس وقال : يا أبا عبد الله ، إنّ المجالس أمانات ، ولا بدّ لكلّ من به سعال أن يسعل ، أفتاذن لي في السؤال ؟ فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « سل إِن شئت » ، فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ، من فكر في هذا وقدّر علم أنّه فعل غير حكيم ولا ذي نظر ، فقل إنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك اُسّه ونظامه ؟ فقال الصادق ( عليه السلام ) : « إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم الحقّ فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليّه وربّه ، يورده مناهل الهلكة ، وهذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثّهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة للمصلّين ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجمع العظمة والجلال ، خلقه قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحقّ من اُطيع ـ فيما أمر وانتهى عمّا زجر ـ الله المنشئ للأرواح والصور » .
فقال له ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب ، فقال الصادق ( عليه السلام ) : « كيف يكون غائباً ـ يا ويلك ـ من هومع خلقه شاهد ، وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويعلم أسرارهم ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه من مكان ، تشهد له بذلك اثاره وتدلّ عليه أفعاله ! ! والذي بعثه بالايات المحكمة والبراهين الواضحة محمد ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) جاءنا بهذه العبادة ، فأن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك » .
قال : فأبلس ابن أبي العوجاء فلم يدرما يقول ، فانصرف من بين يديه وقال لأصحابه : سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني على جمرة .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 357 _
قالوا له : اُسكت ، فوالله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك ، وما رأينا أحقرمنك اليوم في مجلسه ، فقال : إليّ تقولون هذا ! إنّه ابن من حلق رؤوس مَن تَرون ، وأشار بيده إلى أهل الموسم
(1) ، ومن ذلك : ما روي : أنّ أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلسه ( عليه السلام ) فقال له : إنّك لأحد النجوم الزواهر ، كان آباؤك بدوراً بواهر واُمّهاتك عقيلات عباهر
(2) ، وعنصرك من أكرم العناصر ، وإذا ذكر العلماء فبك تثنّى الخناصر ، فخبّرنا أيها البحر الخضمّ الزاخر ما الدليل على حدوث العالم ؟
فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « من أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك » ثم دعا ببيضة فوضعها في راحته ثمّ قال : « هذا حصن ملموم ، باطنه غِرقئ
(3) رقيق يطيف به كالفضّة السائلة والذهبة المائعة ، افتشك في ذلك ؟ » ، قال أبو شاكر : لا شكّ فيه ، قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ثمّ إنه ينفلق عن صورة كالطاووس ، اَدَخله شيء غيرما عرفت ؟ » ، قال : لا ، قال : « فهذا الدليل على حدوث العالم » .
فقال أبو شاكر : دللت يا أبا عبد الله فاوضحت ، وقلت فاحسنت ، وذكرت فاوجزت ، وقد علمت أنّا لا نقبل إلاّ ما أدركناه بأبصارنا ، أو سمعناه بآذاننا ، أو ذقناه بافواهنا ، أو شممناه باُنوفنا ، أو لمسناه ببشرتنا ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « ذكرت الحواس الخمس ، وهي لا تنتفع في الاستنباط إلاّ بدليل ، كما لا تنقطع الظلمة بغير مصباح »
(4) ، أراد ( عليه السلام ) أنّ الحواس لا توصل إلى العلم بالغائبات إلاّ بالعقل ، وإنّ الذي أراه من حدوث الصورة معقول يوصل إلى العلم به بالمحسوس .
---------------------------
(1) الكافي 1 : 98 | 3 و 4 : 197 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 199 ، التوحيد : 253 | 4 ، كشف الغمة 2 : 175 ، ووردت قطعة منه في : أمالي الصدوق : 493 | 4 ، علل الشرائع : 403 | 4 ، ا لاحتجاج 3 : 335 .
(2) العبهرة : التي جمعت الحُسن والجسم والخلُق « لسان العرب 4 : 536 » .
(3) الغرقئ : قثر البيض الرقيق الذي تحت القشر الصلب . « الصحاح ـ غرقا ـ 1 : 61 » .
(4) التوحيد : 292 | 1 ، ارشاد المفيد 2 : 201 ، كشف الغمة 2 : 177 ، ونحوه في الكافي 1 : 63 | ذيل ح 4 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 358 _
ومن ذلك : ما روي أنّه سئل عن التوحيد والعدل فقال : « التوحيد أن لا تجوز على ربك ما جاز عليك ، والعدل أن لا تنسب إِلى خالقك ما لامك عليه »
(1) وهذا يؤول في المعنى إلى قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « التوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه »
(2) ، وقيل للصادق ( عليه السلام ) : أنت أعلم أم أبوك ؟ فقال : « أبي أعلم منّي ، وعلم أبي لي » ، وروى عليّ بن أسباط ، عن داود الرقّي قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : كيف أدعو الله أن يرضى عنّي إمامي ، قال : « تقول : اللهم ربّ إمامي وربّي ، وخالق إمامي وخالقي ، ورازق إمامي ورازقي ، ارض عني وارض عنّي إمامي » ، وما حُفظ عنه وتُلقّي منه في أنواع العلوم وفنون الحكم أكثر من أن يحويه كتاب ، أو يحصره حساب ، والاقتصار على ما أوردناه أليق بالباب ، والله الموفّق للصواب .
---------------------------
(1) معاني الأخبار : 11 | 2 ، التوحيد : 96 | 1 .
(2) نهج البلاغة : 264 | 470 .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 359 _
كان له ( عليه السلام ) عشرة أولاد : إسماعيل ، وعبد الله ، واُمّ فروة ، اُمّهم فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، وموسى ( عليه السلام ) ، وإسحاق ، وفاطمة ، ومحمّد ، لاُمّ ولد اسمها حميدة البربريّة ، والعبّاس ، وعليّ ، وأسماء ، لأمّهات أولاد شتّى ، أما إسماعيل : فكان أكبر إخوته ، وكان أبوه شديد المحبّة له والبّر به ، وقد كان يظن قوم من الشيعة في حياة الصادق ( عليه السلام ) أنّه القائم بعده والخليفة له ، لميل أبيه إليه وإكرامه له ، ولأنّه أكبر إخوته سنّاً ، فمات في حياة أبيه الصادق ( عليه السلام ) بالعريض
(1) وحُمل على رقاب الناس إلى أبيه بالمدينة ، فجزع عليه جزعاً شديداً ، وتقدّم سريره بغير حذاء ولا رداء ، وكان يأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مراراً كثيرة ويكشف عن وجهه وينظر إليه ، يريد ( عليه السلام ) إزالة الشبهة عن الذين ظنّوا خلافته له من بعده ، وتحقيق أمر وفاته عندهم ، ودفن بالبقيع ( رحمه اللهّ ) .
ولمّا مات إسماعيل رجع عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ ذلك ، وأقام على حياته طائفة لم تكن من خواصّ أبيه بل كانوا من الأباعد ، فلمّا مات الصادق ( عليه السلام ) انتقل جماعة منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، وافترق الباقون منهم فرقتين : فريق منهم رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه وإنّ الابن أحقّ بمقام الإمامة من الأخ ، وفريق منهم ثبتوا على حياة إسماعيل وهم اليوم شذاذ ، وهذان الفريقان يسمّيان الإسماعيليّة .
---------------------------
(1) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل . « انظر معجم البلدان 4 : 114 » .
اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى
_ 360 _
وأما عبد الله بن جعفر : فإنّه كان أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه ( عليه السلام ) منزلة غيره من الأولاد، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، وادّعى الإمامة بعد وفاة أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، واتبعه قومٌ ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة موسى ( عليه السلام ) لمّا ظهر عندهم براهين إمامته ، ولم يبق على القول بإمامة عبد الله الاّ طائفة يسيرة تسمّى الفطحيّة ، وإنّما لزمهم هذا اللقب لأنّه كان أفطح الرجلين ، ويقال : لأنّ داعيهم إلى ذلك رجل اسفه عبد الله بن أفطح ، وأما محمد بن جعفر : فكان يرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف ، وكان سخيّاً شجاعاً ، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، وكان يذبح كلّ يوم كبشاً للضيافة ، وخرج على المامون في سنة تسع وتسعين ومائة ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي فهزم أصحابه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فوصله وأكرمه ، وكان مقيماً معه بخراسان يركب إليه في موكب بني عمّه ، وكان المأمون يحتمل منه ما لا يحتمل السلطان من رعيّته .
وروي : أنّ المأمون أنكر ركوبه إليه في جماعة الطالبيّة التي خرجت عليه معه ، فخرج التوقيع من المأمون إليهم : لا تركبوا مع محمّد بن جعفر واركبوا مع عبيد الله بن الحسين ، فأبوا أن يركبوا ، ولزموا منازلهم ، فخرج التوقيع : إركبوا مع من أحببتم ، فكانوا يركبون مع محمّد بن جعفر إذا ركب إلى المامون ، وينصرفون بإنصرافه .
وأما إسحاق بن جعفر : فكان ورعاً فاضلاً مجتهداً ، وروى عنه الناس الحديث والأثار ، وكان ابنُ كاسبِ إذا حدّث عنه قال : حدّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر ، وكان يقول بإمَامة أخيه موسى بن جعفر ، وروى عن أبيه النصّ عليه بالإمامة .
وأما عليّ بن جعفر : فإنّه كان راوية للحديث ، كثير الفضل والورع ، ولزم أخاه موسى بن جعفر وروى عنه مسائل كثيرة ، وقال بإمامته ، وإمامة عليّ ابن موسى ، ومحمد بن عليّ ( عليهم السلام ) ، وروى من أبيه النصّ على موسى أخيه ( عليهما السلام ) ، وكان العبّاس بن جعفر فاضلاً نبيلاً
(1) .
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 2 : 209 .