فقال بعض الصحابة ـ وقيل : هو أبو بكر ـ : دع لي كوّة أنظر فيها ، فقال : « لا ، رأس إبرة » (1) .
   وروى زيد بن أرقم عن سعد بن أبي وقّاص قال : سدّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) الأبواب إلاّ باب عليّ (2) .
   وإلى هذا أشار السيّد الحميري في قصيدته المذهّبة بقوله ؟

صـهرُ الـنبيّ وجارهُ في iiمسجدٍ      طـهر  بـطيبة للرسولِ iiمطيّب
سـيّان فـيه عـليهِ غـير iiمذمّمٍ      ممشاه إِن جنباً وإن لَم يجنب (3)
   وأمثال ما ذكرناه من الأفعال والأقوال الظاهرة التي جاءت بها الأخَبار المتظاهرة ولا يخالف فيها ولن ولا عد ـ كثير ـ يطول هذا الكتاب بذكرها ، وإنّما شهدت هذه الأفعال والأقوال باستحقاقه ( عليه السلام ) الإمامة ، ودلّت على أنّه ( عليه السلام ) أحقّ بمقام الرسول ( عليه وآله السلام ) ، وأولى بالإمامة والخلافة من جهة أنّها إذا دلّت على الفضل الأكيد ، والاختصاص الشديد ، وعلوّ الدرجة ، وكمال المرتبة ، علم ضرورة أنّها أقوى الأسباب والوصلات إلى أشرف الولايات ، لأنّ الظاهر في العقل أن من كان أبهر فضلاً ، وأجلّ شأناً ، وأعلى في الدين مكاناً ، فهو أولى بالتقديم ، وأحقّ بالتعظيم ، والإمامة ، وخلافة الرسول ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) هي أعلا منازل الدين بعد النبوّة ، فمن كان أجلّ قدراً في الدين ، وأفضل وأشرف على اليقين ، وأثبت قدماً ، وأوفر حظّاً فيه ، فهو أولى بها ، ومن دلّ على ذلك من حاله دل على إمامته .
   ولأنّ العادة قد جرت فيمن يرشّح لجليل الولايات ، ويؤهّل لعظيم الدرجات ، أن يصنع به بعض ما تقدّم ذكره ، يبيّن ذلك أنّ بعض الملوك لو تابع بين أفعال وأقوال في بعض أصحابه طول عمره وولايته يدل على فضل شديد ، وقرب منه في المودّة والمخالصة والاتحاد ، لكان عند أرباب العادات بهذه الأفعال مرشّحاً له لأفضل المنازل ، وأعلى المراتب بعده ، ودالاً على استحقاقه لذلك .
   وقد قال قوم من أصحابنا : إن دلالة العقل ربما كانت آكد من دلالة القول ؛ لأنها أبعد من الشبهة ، وأوضح في الحجة ، من حيث إنّ ما يختصَ بالفعل لا يدخله المجاز ولا يتحمل التأويل ، وأمّا القول فيحتمل ضروباً من التأويل ويدخله المجاز وبالله التوفيق .
   وأمّا النص المختص بالقول فينقسم قسمين : النص الجلي، والنصّ الخفيّ ، فالنص الجليّ : هو ما علم سامعوه من الرسول ( صلَى الله عليه وآله وسلّم ) مراده منه ضرورة وإن كنَا نعلم الآن ثبوته .

---------------------------
(1) مناقب ابن المغازلي : 252 | 301 و 299 | 343 صدر الحديث ، ونقله المجلسي في بحارالأنوار 38 / 190 ، وانظرما أورده ابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام علي ـ 1 : 275 ـ 305 بالفاظ مختلفة عن عدة من الصحابة .
(2) مسند أحمد 4 : 369 ، فضائل أحمد : 72 | 109 ، خصائص النسائي : 59 | 38 ، مناقب ابن المغازلي : 255 | ذيل حديث 304 ، مناقب الخوارزمي : 234 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي ـ 1 : 279 | 324 ، كلها ضمن . رواية ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 190 .
(3) نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 190 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 224 _

   والمراد به إستدلالاً : وهو النصّ الذي فيه التصريح بالإمامة والخلافة مثل ، قوله ( صلى الله عليه وآله ) « سلّموا على عليً بإمرة المؤمنين » (1) .
   وقوله ( صلوات الله عليه وآله ) مشيرا إليه وآخذا بيده : « هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوه » (2) .
   وقوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لأمّ سلمة : « اسمعي واشهدي هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين » (3) .
   وقوله ( عليه وآله السلام ) حين جمع بني عبدالمطّلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً يومئذ يزيدون رجلاً أو ينقصون رجلاً ـ فيما ذكره الرواة ـ وقد صنع لهم فخذ شاة مع مدّ من البرّ ، وأعدّ لهم صاعاً من اللبن ، وقد كان الرجال منهم يأكل الجذعة في مقام واحد ويشرب الفرق من الشراب ، ثمّ أمر بتقديمه لهم ، فأكلت الجماعة من ذلك اليسير حتّى تملّوا منه ولم يبيّن ما أكلوه وشربوه فيه .
   ثمّ قال لهم بعدأن شبعوا ورووا : يابني عبد المطّلب ، إنّ الله قد بعثني إلى الخلق كافّة ، وبعثني إليكم خاصّة فقال : ( وَاَنذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبينَ ) (4) وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ، ثقيلتين في الميزان ، تَملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنَة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » ؟ فلم يجب أحد منهم .
   فقام عليّ ( عليه السلام ) فقال : « أنا يا رسول الله اُؤازرك على هذا الأمر » ، فقال : « اجلس » ، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا وقام علي فقال مثل مقالته الاُولى ، فقال : « اجلس » .
   فاعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقام علي فقال : « أنا اُؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر » ، فقال : « اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 48 ، أمالي الطوسي 1 : 340 ، بشارة المصطفى : 185 ، اليقين : 54 و 95 و 96 .
(2) احقاق الحق 4 : 297 عن نهاية العقول للفخر الرازي .
(3) ارشاد المفيد 1 : 47 ، مناقب ابن شهرآشوب 3 : 54 ، اليقين : 29 و 35 .
(4) الشعراء 26 : 214 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 225 _

   فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : ليهنك اليوم إن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميراً عليك (1) .
   وقد أورد هذا الخبر الاُستاذ أبو سعيد الخركوشي إمام أصحاب الحديث بنيشابور في تفسيره (2) ، وهذا الضرب من النص قد تفرّد بنقله الشيعة الإمامية خاصّة ، وإن كان بعض من لم يفطن لما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه .
   وأمّا الدلالة على تصحيح هذا النصّ فقد سطرها أصحابنا في كتبهم ، وذكروا من الكلام في إثباته وإبطال ما خرج المخالفون فيه ما ربّما بلغ حجم كتابنا هذا أو أكثر ، فمن أراد تحقيق أبوابه والتغلغل في شعابه فعليه بالكتاب الشافي ، فإنّه يشرف منه على ما لا يمكن المزيد عليه .
   وأمّا النصّ الذي يسمِّيه أصحابنا النصّ الخفيّ فهو ما لا يقطع على أنِّ سامعيه علموا النصّ عليه بالإمامة منه ضرورة ، وإن كان لا يمتنع أن يكونوا يعلمونه كذلك أو علموه استدلالاً ، من حيث اعتبار دلالة اللفظ ، وأمّا نحن فلا نعلم ثبوته ، والمراد به إلاّ استدلالاً ، وهذا الضرب سن النصّ على ضربين : قرانيٌّ ، وأخباريٌّ .
   فأمّا النصّ من القرآن : فقوله سبحانه وتعالى : ( إنّما وَلِيكم الله وَرَسوله وَالَّذِينَ آمَنوا الَذِينَ يُقِيمُونَ الصلوةَ وَيُؤتونَ الزَّكوةَ وَهْم راكِعونَ ) (3) ، ووجه الاستدلال من هذه الاية : أنه قد ثبت أن المراد بلفظة ( وليكم ) المذكورة في ألآية : من كان المتحقق بتدبيركم والقيام باُموركم وتجب طاعته عليكم ، بدلالة أنّهم يقولون في السلطان : أنَه ولي أمر الرعية ، وفيمن ترشح للخلافة : أنه وليّ عهد المسلمين ، وفي من يملك تدبير انكاح المرأة : أنَة وليّها ، وفي عصبة المقتول : أنّهم أولياء الدم ، من حيث كانت إليهم ألمطالبة بالدم والعفو .

---------------------------
(1) انظر : علل الشرائع 1 : 69 1 | 1 و . 7 2 | 1 ، مسند احمد 1 : 111 و 195 فضائل أحمد : 161 | 230 ، خصائص النسائي : 83 | 66 ، تاربخ الطبري 2 : 319 ، تفسير الطبري 19 : 74 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 371 | 514 و 42 | 580 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الاٍمام علي ( عليه السلام ) ـ 1 : 99 | 137 ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 244 تفسير ابن كثير مجمع الزوائد 9 | 13 .
(2) تفسير الخركوشي . . .
(3) المائدة 5 : 55 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 226 _

   وقال المبرد في كتابه : الولي هوالأولى والأحق ، ومثله المولى (1) ، فإذا كان حقيقته في اللغة ذلك فالذي يدل على أنّه المراد في الاية : أنَه قد ثبت أنّ المراد بـ ( الذين امنوا ) ليس هو جميعهم بل بعضهم ، وهو من كانت له الصفة المخصوصة التي هي إيتاء الزكاة في حال الركوع .
   وقد علمنا أنّ هذه الصفة لم تثبت لغير أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ، فإذا ثبت توجّه الآية إلى بعض المؤمنين دون جميعهم ، ونفى سبحانه ما أثبته عمّن عدا المذكور بلفظة ( إنّما ) لأنها محققة لما ذكرنافيه لما لم يذكره ـ يبينه قولهم : إنّما الفصاحة في الشعر للجاهلية ، يريدون نفي الفصاحة عن غيرهم ، وإنّما النحاة المدققون البصريّون يريدون نفي التدقيق عن غيرهم ، وإنّما اكلت رغيفاً يريدون نفي أكل أكثر من رغيف ـ فيجب أن يكون المراد بلفظة ( وليّ ) في الآية ما يرجع إلى معنى الإمامة والاختصاص بالتدبير ، لأن ما تحمله هذه اللفظة من الموالاة في الدين والمحبّة لا تخصص في ذلك ، والمؤمنون كلهم مشتركون في معناه ، فقد قال الله سبحانه : ( والمؤمنونَ وَالمؤمِناتُ بَعضُهم أَولِياءُ بَعضٍ ) (2) فإذا ثبت ذلك فالذي يدلّ على توجه لفظة ( الذين امنوا ) إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أشياء :
   منها : قد ورد الخبرفي ذلك بنقل طائفتين مختلفتين ومن طريق العامّة والخاصة نزول الأية في أمير المؤمنين عند تصدقه بخاتمه في حال ركوعه ، والقصة في ذلك مشهورة (3) .
   ومنها : أن الاُمة قد اجمعت على توجهها إليه ( عليه السلام ) ، لأنها بين قائلين : قائل يقول : ان المراد بها جميع المؤمنين الذين هو أحدهم ، وقائل يقول : إنه المختص بها .

---------------------------
(1) الكامل في اللغة والأدب : 348 .
(2) التوبة 9 : 71 .
(3) انظر : تفسير فرات : 40 أمالي الصدوق : 107 | 4 ، تفسير التبيان للطوسي 3 : 559 ، الاحتجاج للطبرسي : 450 ، تفسير الطبري 6 : 186 ، أسباب النزول للواحدي : 148 ، مناقب ابن المغازلي : 312 / 356 و 313 / 357 ، مناقب الخوارزمي : 186 ، تذكرة الخواص : 24 ، تفسير الرازي 12 : 26 ، كفاية الطالب : 250 ، الفصول المهمة : 124 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 227 _

   ومنها : أن كلّ من ذهب إلى أن المراد بالأية ما ذكرناه من معنى الإمامة يذهب إلى أنه ( عليه السلام ) هو المراد بها والمقصود ، ويدل على أنه ( عليه السلام ) المختصّ بالأية هو دون غيره ، أن الإمامة إذا بطل ثبوتها لأكثر من واحد في الزمان ، واقتضت اللفظة الإمامة ، وتوجّهت إليه ( عليه السلام ) بما قدّمناه ثبت أنّه ( عليه السلام ) المنفرد بها ، ولأنّ كلّ من ذهب إلى أن اللفظة مقتضية للإمامة افرده ( عليه السلام ) بموجبها ، وما يورد في هذا الدليل من الأسئلة والجوابات فموضعها الكتب الكبار .
   وأما النص من طريق الأخبار : فمثل قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم غدير خمّ : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (1) ، وقوله : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » (2) .
   فهذان الخبران ممّا رواهما الشيعي والناصبي ، وتلقّته الاُمّة بالقبول على اختلافها في النِحَل وتباينها في المذاهب ، وإن كانوا قد اختلفوا في تأويله واعتقاد المراد به .

---------------------------
(1) مصنف عبد الرزاق الصنعاني 11 : 225 ، المصنف لابن آبي شيبة 12 : 59 | 12121 و 60 | 12122 ، سنن ابن ماجة 1 : 45 | 121 ، السنة لابن أبي عاصم ذكره بأسانيده من حديث رقم 1354 ـ 1376 ، مسند أحمد 1 : 84 و 5 : 347 و 366 ، صحيح الترمذي 5 : 633 | 3713 ، خصائص النسائي : 99 | 81 ـ 83 ، و 100 | 84 و 101 | 86 ، حلية الأولياء 4 : 23 و 5 : 364 ، أخبار اصفهان 1 : 126 ، الطبراني في المعجم الكبير 3 : 199 | 4903 و 4 : 173 | 4052 و 12 : 97 | 12593 و 19 : 291 | 646 والأوسط 2 : 126 ، والصغير 1 : 65 و 71 ، مستدرك الحاكم 3 : 110 ، تاريخ بغداد 8 : 290 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 156 | 210 و 157 |212 و 158 | 213 ، مناقب ابن المغازلي : 20 | 26 و 21 | 29 ، مناقب الخوارزمي : 79 و 94 ، وانظر : طرق الحديث عن الصحابة في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ـ 2 : 35 ـ 90 ، مجمع الزوائد 9 : 104 و 106 .
(2) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 60 | 12125 و 61 | 12126 ، التاريخ الكبير للبخاري 1 : 115 | 333 و 7 : 301 | 1284 ، صحيح مسلم 4 : 1870 | 2404 ، السنة لابن أبي عاصم ذكره باسانيده من حديث رقم 13333 ـ 1348 ، مسند أحمد 1 : 179 و 3 : 32 و 6 : 438 ، صحيح الترمذي 5 : 640 | 3730 ، خصائص النسائي : 68 ـ 79 | 45 و 48 و 50 و 51 و 62 و 63 و 64 ، حلية الاولياء 4 : 345 و 7 : 195 و 196 ، تاريخ ابن اصبهان 2 : 281 و 328 ، الطبراني في المعجم الكبير 1 : 146 | 328 و 148 | 333 و 334 و 2 : 247 | 2035 و 4 : 17 | 3515 و 11 : 74 | 11087 و 24 : 146 | 384 ـ 389 ، والصغير 2 : 53 ـ 54 ، تاريخ بغداد 1 : 325 و 3 : 406 و 4 : 305 و 8 : 53 و 9 : 365 و 10 : 43 و 12 : 323 ، الاستيعاب 3 : 34 ، المناقب لابن المغازلي : 27 ـ 36 | 40 ـ 56 .
انظر طرق الحديت عن الصحابة في تاريخ أبن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 1 : 306 ـ 390 ، مجمع الزوائد 9 : 109 .
وغير ذلك من مصادر العامة المختلفة التي يصعب حصرها هنا ، حيت تتكفل في ذلك المراجع المختصة بهذا الباب ، ولعل من أوضح التعليقات المؤيدة لهذا الأمر ما ذكره الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل ( 1 : 52ا ) عن أحد المشايخ وهو عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي ( ت 417 هـ ) والذيَ يُترجم له بأنه كان صادقاً عارفاً حافظاً وغير ذلك من عبارات الثناء والتقدير كما يذكر ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ( 11 : 272 ) والذهبي في تذكرة الحفاظ ( 4 : 1272 | 1072 ).
فذكر الحسكاني عنه قوله : خرجته ـ أي حديث المنزلة ـ بخمسة آلاف إسناد . فتأمل .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 228 _

   فهذان الخبران ممّا رواهما الشيعي والناصبي ، وتلقّته الاُمّة بالقبول على اختلافها في النِحَل وتباينها في المذاهب ، وإن كانوا قد اختلفوا في تأويله واعتقاد المراد به .
   فامّا وجه الاستدلال بخبر الغدير ففيه طريقتان : أحدهما : أن نقول : إنّ النبىّ ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) قرّر اُمّته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : « ألست اولى بكم من أنفسكم » فلمّا أجابوه بالاعتراف وقالوا : بلى ، رفع بيد أميرالمؤمنين عليّ ( عليه السلام ) وقال عاطفاً على ما تقدّم : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه (1) ـ وفي روايات اُخر : فعليّ مولاه ـ اللهمّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » (2) .
   فأتى ( عليه الصلاة والسلام ) بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الأولى التي قدّمها ، وهوأنّ لفظة ( مولى ) تحتمل معنى أولى ، وإن كانت تحتمل غيره ، فيحب أن يكون أراد بها المعنى المتقدّم على مقتضى استعمال أهل اللغة ، وإذا كانت هذه اللّفظة تفيد معنى الإمامة بدلالة أنّهم يقولون : السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة ، والمولى أولى بعبده ، وولد الميّت أولى بميراثه من غيره ، وقوله سبحانه : ( النبي أولى بِالمُؤمِنِينَ مِن أنفُسِهِم ) (3) لا خلاف بين المفسّرين أنّ المراد به أنّه أولى بتدبير المؤمنين والأمر والنهي فيهم من كل أحد منهم ، وإذا كان النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم ، وأحق بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم وتصريفهم بلا خلاف ، وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) فيكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، من حيث أنّ طاعته مفترضة عليهم ،

---------------------------
(1) السنة لابن أبي عاصم : 1361 ، مسند أحمد 4 : 370 ، خصائص النسائي : 100 | 84 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 200 | 3052 ، المناقب لابن المغازلي : 18 | 24 و 23 | 34 . تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 2 : 74 | 571 .
(2) ألمصنف لابن أبي شيبة 12 : 67 | 12140 و 68 | 12141 ، سنن ابن ماجة 1 : 43 | 116 ، انساب الأشراف للبلاذري 2 : 156 | 169 ، مسندأحمد 1 : 118 و 119 و 4 : 281 و 368 و 370 و 372 ، خصائص النسائي: 102 | 88 ، كشف الأستار للبزار 3 : 190 و 191 ، والطبراني في المعجم الكبير 3 : 201 | 3052 و 4 : 173 | 4053 ، والصغير 1 : 65 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 ، أخبار اصفهان 1 : 107 و 2 : 227 ، تاريخ بغداد 7 : 377 و 14 : 236 ، المناقب لابن المغازلي : 16 ـ 27 | 23 و 26 و 27 و 29 و 33 و 37 و 38 ، شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 157 | 211 ، وانظر ابن عساكر في تاريخه ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 38 ـ 84 ، تذكرة الخواص : 36 ، اُسد الغابة 1 : 367 و 4 : 28 ، ذخائر العقبى : 67 .
(3) الأحزاب 33 : 6 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 229 _

   وأمره ونهيه ممّا يجب نفوذه فيهم ، وفرض الطاعة والتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون الآ لنبي أوامام ، فاذا لم يكن ( عليه السلام ) نبياً وجب أن يكون إماماً .
   وأمّا الطريقة الاُخرى في الاستدلال بهذا الخبر فهي : أن لا نبني الكلام على المقدّمة ونستدلّ بقوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » من غير اعتبار لما قبله ، فنقول : معلومِ أنّ النبي ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) أوجب لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أمراً كان واجباً له لا محالة ، فيجب أن يعتبر ما تحتمله لفظة ( مولى ) من الأقسام ، وما يصحّ كون النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) مختصاً به منها وما لا يصحّ ، وما يجوزأن توجبه لغيره في تلك الحال وما لا يجوز ، وجميع ما تحتمله لفظه ( مولى ) ينقسم إلى أقسام :
   منها : ما لم يكن ( عليه واله السلام ) عليه ، وهو المعتق والحليف لأنه لم يكن حاجفا لأحد ، والحليف الذي يحالف قبيلة وينتسب إليهم ليتعزز بهم .
   ومنها : ما كان عليه ، ومعلوم لكلّ أحد أنّه لم يرده وهو المعتق والجار والصهر والحليف الإمام إذا عد من أقسام المولى وابن العمّ .
   ومنها : ما كان عليه ، ومعلوم بالدليل أنَه لم يرده ، وهو ولاية الديات والنصرة فيه والمحبّة أو ولاء العتق ، ومما يدلّ على أنّه لم يرده ذلك أنّ كلّ عاقل يعلم من دينه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً ونطق القران بذلك ، وكيف يجوز أن يجمع ( عليه وآله السلام ) ذلك الجمع العظيم في مثل تلك الحال ويخطب على المنبر المعمول من الرحال ليعلم الناس من دينه ما يعلمونه هم ضرورة .
   وكذلك ولاء العتق ، فإنهم يعلمون أن ولاء العتق لبني العمّ قبل الشريعة وبعدها ، ويبطل ذلك أيضاً ما جاء في الرواية من مقال عمر بن الخطاب له ( عليه السلام ) : بخّ بخّ يا عليّ أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (1) .
   ومنها : ما كان حاصلاً له ويجب أن يريده ، وهو الأولى بتدبير الاُمّة وأمرهم ونهيهم ، لأنّا إذا أبطلنا جميع الأقسام وعلمنا أنّه يستحيل أن يخلو كلامه من معنى وفائدة ، ولم يبق إلاّ هذا القسم ، وجب أن يريده ، وقد بيّنا أنّ كلّ من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة ، وأمّا استيفاء الكلام فيه ففي الكتب الكبار (2) .

---------------------------
(1) مسند أحمد 4 : 281 تاريخ بغداد 8 : 290 ، مناقب ابن المغازلي : 18 | 24 ، مناقب الخوارزمي : 4 9 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) ـ 2 : 47 ـ 52 ؟ 546 و 547 و 549 و 550 تذكرة الخواص : 36 ، ذخائر العقبى : 67‎.
(2) لقد أفرد علماء الامامية ( رحمهم الله ) في إثبات الاستدلال بهذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، جملة واسعة من المؤلفات القيمة التي لم تترك جانباً إلا وناقشته وتعرضت له سواء بالاثبات أو التفنيد ، وبحجج متينة لا يرقى لها الشك والتأويل .
وقد وافقهم على ذلك جملة من علماء العامة ممن هداهم الله تعالى الى ادراك هذه الحقيقة الناصعة والثابتة ، مثل الحافظ أبي الفرج يحيى بن السعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه الموسوم بكتاب « مرج البحرين » والعلامة سبط ابن الجوزي في كتابه « تذكرة الخواص : 37 » ، حيث ذكر سبل الاستدلال للوصول إلى ما ذهب إليه الشيعة الامامية من تفسيرهم لكلمة « المولى » ، سنحاول أن نورده مختصراً ، قال : اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة حيث جمع الصحابة ـ وكانوا مائة وعشرين ألفاً ـ وقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه . . . الحديث » حيث نص ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على ذلك بصريح العبارة دون الاشارة .
ثم ذكر بعد ذلك قصة الحرث بن النعمان الفهري عند سماعه الخبر حيث جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلمَ ) فقال له : هذا منك أو من الله ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ وقد احمرت عيناه ـ والله الذي لا إله إلا هو أنه من الله وليس مني » . قالها ثلاثاً ، وبعد ان ذكر ابن الجوزي هذه القصة عرج فذكر أقوال علماء العربية في تفسيرهم للفظة « المولى » وانها ترد على عشرة وجوه ، وناقش هذه الوجوه المذكورة وبيّن بطلان الذهاب الى تفسيرها بالوجوه التسعة الاولى ، والتي تفسرها بانها تعني المالك أو المعتق أو الناصية . . . إلخ ، وذهب إلى إثبات حتمية تفسيرها بالوجه العاشر دون غيره من الوجوه ، وهو « الاولى» ، حيث قال : فتعين الوجه العاشروهو « الاولى» ومعناه : من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به ، وقد صرح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن السعيد الثقفي الاصبهاني في كتابه المسمى « مرج البحرين » ، فبعد ان ذكر الحديث قال .
فعلم ان جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر ـ الأولى ـ ودل عليه أيضاً قوله ( عليه السلام ) « الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » وهذا نص صريح في إثبات امامته وقبول طاعته ، وكذا قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) « وأدر الحق معه حيث ما دار وكيف ما دار » فيه دليل على أنه ما جرى خلاف بين علي ( عليه السلام ) وبين أحد من الصحابة إلا والحق مع علي وهذا باجماع الاُمة الا ترى أن العلماء إنما استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفين .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 230 _

   وأمّا الاستدلال بالخبر الآخر وهو قوله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لانبي بعدي » (1) فإنه يدل على النصّ من وجهين : أحدهما : أنّ هذا القول يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين من النبيّ ( عليه السلام ) إلآ ما خصّه الاستثناء المنطوق به في الخبر من النبوة ، وما جرى مجرى الاستثناء وهو العرف من اُخوّة النسب ، وقد علمنا أن من منازل هارون من موسى ( عليهما السلام ) هي : الشركة في النبوّة ، واُخوّة النسب ، والتقدّم عنده في الفضل والمحبّة والاختصاص على جميع قومه ، والخلافة له في حال غيبته على اُمّته ، وأنّه لو بقي بعده لخلفه فيهم .
   وإذا خرج الاستثناء بمنزلة النبوة ، وخص العرف منزلة الاُخوّة ـ لأن كل من عرفهما علم أنهما لم يكونا ابني أب واحد ـ وجب القطع على ثبوت ما عدا هاتين المنزلتين من المنازل الاُخر . وإذا كان في جملة تلك المنازل أنه لو بقي لخلفه ودبرّ أمر اُمَته ، وقام فيهم مقامه ، وعلمنا بقاء أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بعد وفاة الرسول ( عليه السلام ) وجبت له الإمامة بعده بلا شبهة ، وإنما قلنا إنّ هارون لو بقي بعد موسى ( عليه السلام ) لحلفه في اُمته ، لأنه قد ثبتت خلافته له في حال حياته ، وقد نطق به القران في قوله تعالى : ( وَقال مُوسى لأخِيهِ هارونَ آخلُفنِي فِي قومِي ) (2) وإذا ثبتت له الخلافة في حال الحياة وجب حصولها له بعد الوفاة لو بقي إليها ، لأن خروجها عنه في حال من الأحوال مع بقائه حطّ له عن مرتبة سنية كانت له ، وصرف عن ولاية فوضت إليه ، وذلك يقتضي التنفير ، وقد يجنب الله تعالى أنبياءه من موجبات التنفير ما هو أقل ممّا ذكرناه بلا خلاف فيه بيننا وبين المعتزلة ، وهو الدمامة المفرطة ، والخلق المشينة ، والصغائر المستخفة ، وان لا يجبهم فيما يسألونه لاُمتهم من حيث يظهر لهم .
   وأما الوجه الآخر من الاستدلال بالخبر على النص فهو : أن تقول : قد ثبت كون هارون ( عليه السلام ) خليفة لموسى ( عليه السلام ) على أمَته في حياته ومفترض الطاعة عليهم ، وإن هذه المنزلة من جملة منازله منه ، ووجدنا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استثنى ما لم يرده من المنازل بعده بقوله : « إلآ أنَه لا نبيَ بعدي » فدل هذا الاستثناء على أن ما لم يستثنه حاصل لأميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بعده ، وإذا كان من جملة المنازل الخلافة في الحياة وثبتت بعده فقد تبين صحة النصّ عليه بالإمامة .
   وإنما قلنا : إن الاستثناء في الخبريدل على بقاء ما لم يستثن من المنازل بعده ؛ لأنّ الاستثناء كما أن من شأنه إذا كان مطلقاً أن يوجب ثبوت ما لم يستثن مطلقاً ، فكذلك إذا قيد بحال أو وقت أن يوجب ثبوت ما لم يستثن في ذلك الوقت ، وفي تلك الحال ألا ترى أنّ قول القائل : ضربت أصحابي إلاّ أنّ زيداً في الدار يدلّ على أنّ ضربه أصحابه كان في الدار لتعلّق الاستثناء بذلك ، والأسئلة والجوابات في الدليل كثيرة ، وفيما ذكرناه هنا كفاية لمن تدبره .
   وأمّا ما تختصّ الشيعة بنقله من ألفاظ النصوص الصريحة على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وعلى الأئمّة من أبنائه ( عليهم السلام ) بما لم يشاركها فيه مخالفوها فممّا لا يُحصى ، أوَ يُحصى الحصى ؟ ! ولا يمكن له الحصر والعدّ ، أوَ يُحصر رملٌ عالج ويعد ؟ ونحن نذكر جملة كافية من الأخبار في هذا الباب شافية في معناها لأولي الألباب إذا انتهينا إلى الركن الرابع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) تقدم في صفحة : 326 .
(2) الأعراف 7 : 142 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 231 _



   وهذا الباب يشتمل على فنّين من الايات الدلالات ، أحدهما ما يختصرّ بالإِخبار عن الغائبات ، والفنّ الاخر : غيرها من المعجزات الخارقة للعادات .
   فأما الفن الأول : وهو إخباره بالغائبات والكائنات قبل كونها ، فيوافق الخبر المخبر عنه ، فإنه أحد معجزات المسيح ( عليه السلام ) الدالة على ثبوته كما نطق به التنزيل من قوله : ( وَاُنَبِّئُكُم بما تأكلون وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُم ) (1) وكان ذلك من ايات نبيّنا ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أيضاً مثل ، ما جاء في القرآن من قوله تعالى : ( لَتَدخُلنَّ المَسجدَ الحَرامَ اِن شاءَ الله امِنِينَ مُحَلّقِينَ رُؤُسكُم وَمُقَصِّرِينَ لأ تَخافُونَ ) (2) وَقوله تعالى في يوم بدر قبل الواقعة : ( سَيُهزَمُ الجَمعُ وَيُوَلًّونَ الدُّبُر ) (3) وقوله تعالى في غلبة فارس الروم : ( الم غلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدنَى الأرض وَهُم مِن بَعدِ غَلَبهِم سَيَغلِبُونَ ) (4) في أمثال لذلك ( لا نطوّل به ) (5) .
   فكان جميع ذلك على ما قال ، وما كان من هذا الفنّ منقولاً عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فهو أكثر من أن يحصى ولا يمكن إنكاره ، إذ ظهر للخلق اشتهاره ، فلا يخفى على العامّ والخاصّ ما حفظ عنه ( عليه السلام ) من الملاحم والحوادث في خطبه وكلامه وحديثه بالكائنات قبل كونها :
   فمنه : قوله قبل قتاله الفرق الثلاثة بعد بيعته : « اُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » (6) .

---------------------------
(1) آل عمران 3 : 49 .
(2) الفتح 48 : 27 .
(3) القمر 54 : 45 .
(4) الروم 30 : 1 ـ 3 .
(5) قد مر ذكر بعضها في بيان معجزات النبي (ص) .
(6) الخصال : 145 ، ارشاد المفيد ا : 315 ، بشارة المصطفى : 142 و 167 ، مناقب ابن شهرآشوب : 66 ، مسند ابي يعلى الموصلي 1 : 397 | 519 ، انساب الاشراف للبلاذري 2 : 137 | 129 ، وفي المعجم الكبير للطبراني 10 : 112 | 10053 ، ومجمع الزوائد 6 : 235 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 232 _

   فما مضت الأيّام حتّى قاتلهم ، ومنه : قوله لطلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة : « والله ما تريدان العمرة وإنّما تريدان البصرة » (1) .
   فكان كما قال ، ومنه : قوله بذي قار وهو جالس لأخذ البيعة : « يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعوني على الموت » .
   قال ابن عبّاس : فجعلت اُحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعة وتسعين رجلاً ثمّ انقطع مجيء القوم فقلت : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ماذا حمله على ما قال ! فبينا أنا متفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا ، وإذا هو رجل عليه قباء صوف ، معه سيفه وترسه وأدواته ، فقرب من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : امدد يدك أبايعك ، فقال ( عليه السلام ) : « وعلى م تبايعني ؟ » قال : على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله عليك ، فقال : « ما اسمك » قال : اُويس قال : « أنت اُويس القرني ؟ » قال : نعم ، قال : قال : « الله أكبر ، أخبرني حبيبي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّي أدرك رجلاً من اُمّته يقال له : اُويس القرني يكون من حزب الله ورسوله ، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر » .
   قال ابن عبّاس : فسرى عنّي (2) ، ومنه : إخباره بالمُخْدَج (3) وقوله : « إنّ فيهم لرجلاً موذون اليد ، له ثدي كثدي المرآة وهو شرّ الخلق والخليقة ، قاتلهم أقرب الخلق إلى الله وسيلة » .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 315 ، الجمل : 166 ، الخرائج والجرائح 1 : 199 | 39 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 262 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 232 ، وفي بعضها : تريدان الغدرة أو الفتنة .
(2) ارشاد المفيد 1 : 315 ، الخرائج والجرائح 1 : 200 | 39 ، الثاقب في المناقب : 266 | 5 ، وباختلاف في رجال الكشي 1 : 315 | 156 ، وباختصار في إرشاد القلوب : 224 .
(3) المُخْدَج : الناقص الخلق ، ويراد به هنا مُخْدَج اليد أي ناقصها .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 233 _

   ولم يكن المخدج معروفاً في القوم ، فلمّا قتل الخوارج جعل يطلبه في القتلى ويقول : « والله ما كذبت ولا كذبت » ويحض أصحابه على طلبه لمّا أجلت الوقعة ، وكان يرفع رأسه إلى السماء تارة ويحطّه أخرى ، حتى وجِدَ في القوم فشقً عن قميصه ، فكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذب كتفه معها وإذا تركت رجع كتفه إلى موضعها ، فلمّا وجده كبّرثمّ قال : « إنّ في هذه لعبرة لمن استبصر » (1) .
   ومنه : قوله في الخوارج مخاطباً لأصحابه : « والله لا يفلت منهم عشرة ولايهلك منكم عشرة » (2) .
   فكان كما قال ، ومنه : ما رواه جندب بن عبد الله الأزدي قال : شهدت مع عليّ ( عليه السلام ) الجمل وصفين لا أشكّ في قتال من قاتله ، حتّى نزلت النهروان فدخلني شكّ فقلت : قرّاؤنا وخيارنا نقتلهم ! إنّ هذا الأمر عظيم ، فخرجت غدوة أمشي ومعي أداوة ماء حتّى برزت من الصفوف ، فركزت رمحي ووضعت ترسي عليه واستترت من الشمس ، فإنّي لجالس إذ ورد عليّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال : « يا أخا الأزد أمعك طهور ؟ » قلت : نعم ، فناولته الأداوة، فمضى حتّى لم أره ، ثمّ أقبل فتطهّر فجلس في ظلّ الترس ، فإذا فارس يسأل عنه ، فقلت : يا أمير المؤمنين هذا فارس يريدك ، قال : « فأشر إليه » فأشرت إليه فجاء فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم وقطع النهر ، فقال : « كلاّ ما عبروا » ، فقال : بلى والله لقد فعلوا ، قال : « كلاّ ما فعلوا » .
   قال : فإنّه لكذلك إذ جاء رجلٌ آخر فقال : يا أمير المؤمنين قد عبر القوم ، قال : « كلاّ ما عبر القوم » قال : والله ما جئتك حتّى رأيت الرايات في ذلك الجانب والأثقال ، قال : « والله ما فعلوأ ، وإنّه لمصرعهم ومهراق دمائهم » ، ثمّ نهض ونهضت معه ، فقلت في نفسي : الحمد للهّ الذي بصّرني بهذا الرجل وعرّفني أمره ، هذا أحد رجلين : إمّا رجل كذّاب جريء ، أوعلى بيّنة من ربه وعهد من نبيّه ، اللهمّ إنّي أعطيك عهداً تسألني عنه يوم القيامة : إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أوّل من يقاتله وأوّل من يطعن بالرمح في عينه ، وإن كانوا لم يعبروا أن أقيم على المناجزة والقتال .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 316 ـ 317 ، ونحوه في مسند الطيالسي : 24 / 66 و 69 ، ومصنف عبد الرزاق الصنعاني 10 : 147 | 18650 و 149 | 18652 و 18653 ، والمصنف لابن أبي شيبة 15 : 303 | 19727 و 311 | 19744 ، صحيح مسلم 2 : 749 | 1066 ، وسنن أبي داود 4 : 242 | 4763 و 244 | 4768 و 245 | 4769 ، سنن ابن ماجة 1 : 59 | 167 ، والسنة لابن أبي عاصم : 428 | 912 و 430 | 916 و 432 | 917 ، ومسند أحمد 1 : 83 و 95 و 144 و 147 و 155 ، وخصائص النسائي : 184 | 177 و 189 | 183 و 190 | 184 و 191 | 186 و 193 | 188 ، مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 281 | 337 و 371 | 476 و 477 و 372 | 478 ـ 481 و 421 | 555 ، المعجم الصغير للطبراني 2 : 85 ، وسنن البيهقي 8 : 188 ، وتاريخ بغداد 11 : 118 و 12 : 390 ، ومناقب الخوارزمي : 185 ، وجامع الاصول لابن الأثير 1 : 79 | 7550 ، والكامل في التاريخ 3 : 347 و 348 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 275 و 276 .
(2) الخرائج والجرائح 1 : 227 | ضمن حديث 71 ، كشف الغمة 1 : 274 ، مناقب ابن المغازلي : 59 | ضمن حديث 86 ، الكامل في التاريخ 3 : 5 34 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 273 .


اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 234 _

   فدفعنا إلى الصفوف ، فوجدنا الرايات والأثقال كما هي ، قال : فأخذ بقفاي ودفعني ثم قال : « يا أخا الأزد، أتبيّن لك الأمر ؟ » فقلت : أجل يا أمير المؤمنين ، قال : « فشأنّك بعدوّك » فقتلت رجلاً ، ثمّ قتلت آخراَ ، ثمّ اختلفت أنا ورجل آخر أضربه ويضربني فوقعنا جميعاً ، فاحتملني أصحابي ، فأفقت حين أفقت وقد فرغ القوم (1) .
   فكان كما قال ( عليه السلام ) ، وأمّا إخباره ( عليه السلام ) بما يكون بعد وفاته من الحوادث والملاحم والوقائع ، وما ينزل بشيعته من الفجائع ، وما يحدث من الفتن في دولة بني اُميّة والدولة العبّاسيّة وغيرها فأكثر من أن تحصى :
   فمن ذلك : قوله ( عليه السلام ) لأهل الكوفة: « أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجلٌ رحب البلعوم ، مندحق (2) البطن ، يأكل ما يجد ، ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي ، فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة ولكم نجاة ، وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي ، فإنّي ولدت على الفطرة وسبقت إلى الإسلام والهجرة » (3) .
   فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : أنّه لمّا اخذ مروان بن الحكم أسيراً يوم الجمل فتكلّم فيه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) فخلّى سبيله فقالا له : « يبايعك يا أمير المؤمنين » فقال : « ألم يبايعني بعد قتل عثمان ، لا حاجة لي في بيعته ، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمّة منه ومن ولده موتاً أحمر » (4) .
   فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : قوله ( عليه السلام ) : « أما إنّه سيليكم من بعدي ولاة لا يرضون منكم بهذا ، يعذبوكم بالسياط والحديد ، إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه الله في الاخرة ، وآية ذلك أنّه يأتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين أظهركم ، فيأخذ العمّال ، وعمّال العمّال رجل يقال له : يوسف بن عمر » (5) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 317 ، كشف الغمة 1 : 277 ، ونحوه في الكافي 1 : 2 | 280 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 217 ، وكنز العمال 11 : 289 .
(2) قال ابن الأثير في نهايته ( 2 : 105 ) : وفي حديث علي ( عليه السلام ) « سيظهر بعدي عليكم رجل مندحق البطن » أي واسعها ، كأن جوانبها قد بعد بعضها من بعض فاتسعت .
(3) نهج البلاغة 1 : 101 | خطبة 56 .
(4) نهج البلاغة 1 : 120 | 70 ، وفيه : يوماً ، بدل موتاً .
(5) ارشاد المفيد 1 : 322 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 306 .


اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 235 _

   فكان كما قال ( عليه السلام ) ، ومن ذلك : قوله لجويرية بن مسهر : « ليقتلنّك العتلّ الزنيم ، وليقطعنّ يدك ورجلك ، ثمّ ليصلبنّك تحت جذع كافر » .
   فلمّا ولي زياد في أيّام معاوية قطع يده ورجله ، وصلبه على جذع ابن معكبر (1) ، ومن ذلك : حديث ميثم التمّار ( رحمه الله ) ، فقد روى نقلة الاثار : أنّه كان عند امرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) منها ، فأعتقه وقال له : « ما اسمك ؟ » فقال : سالم ، قال : « فأخبرني رسول الله أنّ اسمك الذى سمّاك به أبوك في العجم ميثم » قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمّير المؤمنين ، قال : « فارجع إلى اسمك الذي سمّاك به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) ودع سالماً » فرجع إلى ميثم واكتن بأبي سالم .
   فقال له أمير المؤمنين ذات يوم : « إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فتخضّب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث ، أنت عاشر عشرة ، أنت اقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة » .
   وأراه النخلة التي يصلب على جذعها ، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها ويقول : بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذّيت ، ولم يزل يتعاهدها حتى قطعت ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري ، وهو لا يعلم ما يريد .
   وحجّ في السنة التي قتل فيها ، فدخل على اُمّ سلمة فقالت : من أنت ؟ قال : أنا ميثم ، قالت : والله لربّما سمعت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوصي بك عليّاً في جوف الليل ، فسألها عن الحسين ( عليه السلام ) فقالت : هو في حائط له ، قال : فأخبريه إني قد أحببت ( السلام عليه ) ، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله تعالى ، فدعت بطيب وطيّبت لحيته وقالت له : أما إنّها تخضب بدم ، فقدم الكوفة فاخذه عبيد اللهّ بن زياد لعنه الله وقال له : ما أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك ؟ قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة ، قال : لنخالفنّه ، قال : كيف تخالفه و ! فوالله ما أخبرني إلاّ عن النبيّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) عن جبرئيل ( عليه السلام ) عن اللهّ عزّ تعالى ، فكيف تخالف هؤلاء ؟ ! ولقد عرفت الموضع الذي اُصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أوّل خلق الله ألجم في الإسلام .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 323 ،الخرائج والجرائح 1 : 202 | 44 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 236 _

   فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا ، فلمّا دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاّه ، وأمر بميثم أن يصلب فاُخرج فقال له رجل لقيه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ، فتبسّم وقال وهو يومئ إلى النخلة : لها خلقت ولي غذَيت ، فلمّا رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك ، فلمّا صُلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم فقيل لابن زياد لعنه الله : قد فضحكم هذا العبد ، فقال : ألجموه .
   فكان أوّل خلق الله اُلجم في الإسلام ، وكان مقتل ميثم قبل قدوم الحسين بن علي ( عليهما السلام ) على العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن ميثم بالحربة ، فكبّر ثمّ انبعث في آخر النهار أنفه وفمه دماً (1) .
   ومن ذلك : ما رواه مجاهد ، عن الشعبي ، عن زياد بن النضر الحارثي قال : كنت عند زياد إذ اُتي برشيد الهجري فقال له : ما قال لك صاحبك ـ يعني عليّاً ( عليه السلام ) ـ إنّا فاعلون بك ؟ قال : تقطعون يدي ورجلي وتصلبوني ، فقال زياد : أما والله لاُكذّبنّ حديثه ، خلّوا سبيله .
   فلمّا أراد أن يخرج قال زياد : والله ما نجد له شيئاً شرّاً ممّا قال له صاحبه ، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه ، فقال رشيد : هيهات ، قد بقي لكم عندي شيء أخبرني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) به ، قال زياد : اقطعوا لسانه ، فقال رشيد : الآن والله جاء تصديق خبرأميرالمؤمنين عليه السلام (2) .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 323 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 291 ، الاصابة 3 : 504 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 54 ، ونحوه في الاختصاص : 75 ، رجال الكشي 1 : 293 | 136 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 325 ، شرح نهح البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 294 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 237 _

   ومن ذلك : اخباره مولاه قنبر وصاحبه كميل بن زياد بأن الحجاج بن يوسف يقتلهما (1) فكان كما قال .
   ومن ذلك : ما اشتهرت به الرواية أنّه ( عليه السلام ) خطب فقال في خطبته : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالله ما تسألونني عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلاّ أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة » فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟ فقال ( عليه السلام ) : « لقد حدّثني خليلي رسول اللهّ ( صلّى اللهّ عليه واله وسلّم ) بما سألت عنه ، وأنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكاً يلعنك ، وعلى كلّ طاقة شعرفي لحيتك شيطاناً يستفزّك ، وأنّ في بيتك لسخلاً يقتل ابن بنت رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، وآية ذلك مصداق ما أخبرتك به ، ولولا أنّ الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرت به ، ولكن اية ذلك ما نبّأته عن سخلك الملعون » (2) .
   وكان ابنه في ذلك الوقت صغيراً يحبو، فلمّا كان من أمر الحسين ( عليه السلام ) ما كان ، تولّى قتله ، فكان كما قال .
   ومن ذلك : ما روي عن سويد بن غفلة : أنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخبره أنّ خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له ، فقال : « إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب ابن جمّاز » ، فقام رجل من تحت المنبر فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إنّي لك شيعة ، وإنّي لك محبّ ، وأنا حبيب بن جفّاز ، فقال : « إيّاك أن تحملها ، ولتحملنّها فتدخل من هذا الباب » وأومأ بيده إلى باب الفيل .

---------------------------
(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 327 و 328 ، الاصابة 3 : 318 .
(2) كامل الزيارات : 74 ، أمالي الصدوق : 115 | 1 ، خصائص الرضي : 62 ، ارشاد المفيد 1 : 330 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 269 ،الاحتجاج : 261 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 286 و 10 : 14 .
لقد صح عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قوله « سلوني قبل أن تفقدوني » ونقلت ذلك الكثير من مصادر الفرقين ، بحيث يعسر علينا حصرها هنا . وللاطلاع على ذلك انظر : الغدير 6 : 193 ـ 194 و 7 : 107 ـ 108 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 238 _

   فلمّا كان من أمر الحسين ( عليه السلام ) ما كان بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى الحسين ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته ، وحبيب بن جمّاز صاحب رايته ، فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل (1) ، وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة ، ومن ذلك : ما رواه إسماعيل بن زياد قال : إنّ عليّاً ( عليه السلام ) قال للبراء بن عازب : « يابراء ، يُقتل ابني الحسين وأنت حيّ لاتنصره » .
   فلمّا قُتل الحسين ( عليه السلام ) كان البراء يقول : صدق والله عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قُتل الحسين بن عليّ وأنا لم أنصره ، ويظهر الندم على ذلك والحسرة (2) ، وهذا الذي ذكرناه ـ من جملة إخباره بالغائبات وإعلامه بالكائنات قبل كونها ـ غيض من فيض ، ويسيرمن كثير ، ولولم تكن إلاّ خطبته القاصة ، وخطبة البصرة المستفيضة الشائعة ، وما فيها من الملاحم والحوادث في العباد والبلاد ، وأسامي ملوك بني اُميّة وبني العباس ، وما حلّ من عظائم بليّاتهم بالناس لكفى بهما اُعجوبة لايعادلها سواها إلاّ ما ساواها في معناها ، وفيما ذكرناه كفاية ومقنع لذوي الألباب .
   وأمّا الفن الآخر من المعجزات والايات الخارقة للعادات التي هي غير الإخبار بالغائبات فمما لا يدخل تحت الضبط والانحصار ، ونحن نذكر طرفاً منها على شريطة الاختصار : فمن ذلك : قصة عين راحوما والراهب بأرض كربلاء والصخرة ، والخبر بذلك مشهور بين الخاصّ والعامّ ، وحديثها : أنّه ( عليه السلام ) لمّا توجّه إلى صفّين لحق أصحابه عطش ، فأخذوا يميناً وشمالاً يطلبون الماء فلم يجدوه ، فعدل بهم أمير المؤمنين عن الجادّة ، وسار قليلاً ، فلاح لهم دير فسار بهم نحوه ، وأمر من نادى ساكنه بالإطّلاع إليهم ، فنادوه فاطّلع ، فقال له أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « هل قرب قائمك ماء ؟ » فقال : هيهات ، بينكم وبين الماء فرسخان ، وما بالقرب منّي شيء من الماء .
   فلوى ( عليه السلام ) عنق بغلته نحو القبلة وأشاربهم إلى مكان يقرب من الدير فقال : « اكشفوا الأرض في هذا المكان » فكشفوه بالمساحي فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع فقالوا : يا أمير المؤمنين ، هاهنا صخرة لا تعمل فيها المساحي ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّ هذه الصخرة على الماء ، فاجتهدوا في قلعها « فاجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً واستصعبت عليهم ، فلوى ( عليه السلام ) رجله عن سرجه حتّى صار إلى الأرض وحسر ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعاً كثيرة ، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فتبادروا إليه فشربوا منه ، فكان أعذب ماءٍ وأبرده وأصفاه ، فقال لهم : « تزوّدوا وارتووا » ففعلوا ذلك .

---------------------------
(1) بصائر الدرجات : 318 | 11 ، الهداية الكبرى : 161 ، ارشاد المفيد 1 : 329 ، الاختصاص : 0 28 ، الخرائج والجرائح 2 : 745 | 63 لابن شهرآشوب 2 : 270 ، الثاقب في المناقب : 267 | 6 ، مقاتل الطالبيين : 71 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 286 ـ 287 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 331 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 270 ، كشف الغمة 1 : 279 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 و 15 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 239 _

   ثمّ جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت ، وأمرأن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظرمن فوق ديره ، فلمّا علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني أنزلوني ، فانزلوه فوقف بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : أنت نبيّ مرسل ؟ قال : « لا » ، قال : فملك مقرّب ؟ قال : « لا » ، قال : فمن أنت ؟ قال : « أنا وصيّ رسول اللهّ محمّد بن عبد الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) خاتم النبيّين » قال : ابسط يدك اُسلم للّه على يدك ، فبسط ( عليه السلام ) يده وقال له : « اشهد الشهادتين » فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأشِهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأشهد أنّك وصيّ رسول اللهّ وأحقّ الناس بالأمر من بعده ، وقال : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الدير بُني على طلب قالع هذه الصخرة ومُخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم كثير قبلي ولم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عزّ وجل ، إنّا نجد في كتاب من كتبنا مآثرعن علمائنا إنّ في هذا الصقع عيناً عليها صخرة لا يعرف مكانها إلاّ نبيّ أووصيّ نبيّ ، وإنّه لا بدّ من وليّ للّه يدعو إلى الحقّ ، آيته معرفة مكان هذه الصخرة وقدرته على قلعها ، وإنّي لمّا رأيتك قد بلغت ذلك تحقّقت ما كنّا ننتظره ، وبلغت الاُمنية منه ، فانا اليوم مسلم على يدك ومؤمن بحقّك ومولاك .
   فلمّا سمع بذلك أمير المؤمنين بكى حتّى اخضلّت لحيته من الدموع وقال : « الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكوراً ، الحمد لله الذي لم أكُ عنده منسيّاً » ثمّ دعا الناس وقال : « اسمعوا ما يقوله أخوكم المسلم » [ (1) فسمع الناس مقالله وشكروا الله على ذلك ، وساروا والراهب بين يديه حتى لقي أهل الشام ، فكان الراهب في جملة من استشهد معه ، فتولّى الصلاة عليه ودفنه وأكثر من الاستغفار له ، وكان إذا ذكره يقول : « ذاك مولاي » (2) ، وفي هذا الخبر ضروب من الأيات : أحدها : علم الغيب (3) .
   والآخر : القوّة الخارقة للعادة ، والثالث : ثبوت البشارة به في كتب الله الاُولى كما جاء في التنزيل : ( ذلِكَ مَثَلُهُم فِي التّوَراة وَمَثَلُهُم فِي الإنجِيلِ » (4) ، وفي ذلك يقول السيّد إسماعيل بن محمد الحميري :

---------------------------
(1) ما بين المعقوفين لم يرد في نسخنا وأثبتناه من الارشاد ليستقيم السياق .
(2) ارشاد المفيد 1 : 334 كشف الغمة 1 : 279 وباختلاف يسير في خصائص الرضي : 50 ، ووقعة صفين : 144 ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 204 ، مختصراً في فضائل ابن شاذان : 104 ، والخرائج والجرائح 1 : 222 | 67 ، ونحوه في أمالي الصدوق : 155 | 14 .
(3) لقد أفرد علماء الطائفة ومفكروها جملة واسعة من الابحاث والدراسات المبينة لابعاد هذا العلم تراجع في مظانها .
(4) الفتح 48 : 29 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 240 _

[1]  ولَـقَد سـرى فِـي يُـسَيِّر iiُلَيلة      بَـعد الـعِشاءِ بِكَربَلا فِي iiمَوكِبِ
[2]  حَـتّى  أتـى مُـتَبَتِّلاً فـي iiقائِم      ألـقى  قَـواعِدَهُ بـقاعٍ iiمـجدبِ
[3]  يـأتِيهِ لَـيسَ بِحَيثُ يَلفيَ iiعامراً      غَيرَ الوُحُوش وَغَيرَ أصلَعَ أشيَبِ
[4]  َفـدَنا  فَـصاحَ بِهِ فَاشرفَ iiماثلاً      كَـالنَّسرِ فـوقَ شظيّةٍ مِن مَرقَبِ
[5] هَـل  قُـربَ قـائِمِكَ الذِي بُوِّئتَهُ      مـاء  يُصابُ فَقالَ ما مِن iiمَشرَبِ
[6] إلاّ بِـغايَةِ فَـرسَخَينِ وَمَـن لَـنا      بـالماء ِبَـينَ نَـقاً وَقـيٍّ سَبسبِ
[7] فَـثَنى  الأعنَّةَ نَحوَ وَعثٍ iiفَاجتَلى      مَـلساءَ تَـرقُ كَـاللُّجينِ iiالمُذهبِ
[8] قـالَ  اقـلبونا إنَّـكُم إن iiتـقلِبوا      تَـرووُا وَلا تَـروونَ إن لَم iiتُقلبِ
[9] فَـاعصَوصَبوا فِي قَـلبِها iiفَتمنّعت      مِـنهُم  تَـمنُّع صَـعبَةٍ لَم iiتُركَبِ
[10] حَـتّى إذا أعـيَتهُمُ أهـوى iiلَـها      كَـفّاً  مَـتى تَـردِ المُغالبَ iiتَغلِبِ
[11] فـكـأنّها  كـرَةٌ بِـكَفٍّ iiحَـزوَّر      عَـبلٍ الـذراعِ دَحا بها في iiمَلعَبِ
[12] قـالَ  اشربُوا مِن تَحتها iiمُتسَلسِلاً      عَـذباَ  يَـزيدُ عَلَى الألذًّ iiالأعذبِ
[13] حَـتّى إذا شَـرِبُوا جَـميعاً iiرَدَّها      وَمَـضى فَـخِلتَ مَكانَها لَم iiيُقرَب
[14] أعنيِ ابنَ فاطِمَةَ الوَصيّ وَمن يَقُل      فِـي فَـضلِهِ وَفَعالِهِ لا يَكذِبِ (1)
---------------------------
(1) خصائص الرضي : 51 ، ارشاد المفيد 1 : 337 كشف الغمة 1 : 281 .
قال السيد المرتضى ( رضي الله عنه ) في شرح هذه القصيدة ـ وقد وزعناه على تسلسلا لأبيات ـ :
[1] السري : سير الليل كله .
[2] والمتبتّل : الراهب ، والقائم : صومعته ، والقاع : الأرض الحرّة الطين التي لا حزونة فيها ولا انهباط ، والقاعدة : أساس الجدار وكلّ ما يبنى ، والجدب : ضدّ الخصب .
[3] ومعنى « يأتيه » : أي يأتي هذا الموضع الذي فيه الراهب ، ومعنى [ ليس بحيث يُلفي ] « عامراً » : انه لا مقيم فيه سوى الوحوش ، ويمكن أن يكون ماخوذاً من العمرة التي هي الزيارة ، والأصلع الأشيب : هو الراهب .
[4] الماثل : المنتصب ، وشبَّه الراهب بالنسر لطول عمره والشظيّة : قطعة من الجبل مفردة ، والمرقب : المكان العالي .
[6] والنقا : قطعة من الرمل تنقاد محدودبة ، والقيّ : الصحراء الواسعة ، والسبسب :القفر .
[7] والوعث : الرمل الذي لايسلك فيه ، ومعنى « اجتلى ملساء » نظر إلى صحراء ملساء فتجلًت لعينه ، ومعنى « تبرق » : تلمع ، ووصف اللجين بالمذهّب لأنّه اشدّ لبريقه ولمعانه .
[9] ومعنى « اعصوصبوا » : اجتمعوا على قلعها وصاروا عصبة واحدة .
[10] ومعنى « اهوى لها » : مدّ إليها ، والمغالب : الرجل المغالب .
[11] والحزوّر : الغلام المترعرع ، والعبل : الغليظ الممتلئ .
[12] والمتسلسل : الماء السلسل في الحلق ، ويقال أنه البارد أيضاً .
[14] وابن فاطمة : هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . انتهى كلامه ، رفع الله مقامه . نقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 41: 262 ـ 266 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 241 _

   ومن ذلك : ما استفاضت به الأخبار ونظمت فيه الأشعار من رجوع الشمس له ( عليه السلام ) مرّتين : في حياة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مرّة ، وبعد وفاته اُخرى ، فالأولى قد روتها أسماء بنت عميس ، وأمّ سلمة زوج النبي ( ّصلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدريّ في جماعة من الصحابة : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان ذات يوم في منزله وعليٌّ ( عليه السلام ) بين يديه إذ جاءه جبرئيل يناجيه عن الله عزّ وجلّ ، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فلم يرفع رأسه عنه حتّى غابت الشمس وصلّى ( عليه السلام ) صلاة العصر جالساً بالإيماء ، فلمّا أفاق النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال له : « ادع الله ليردّ عليك الشمس ، فإنّ الله يجيبك لطاعتك الله ورسوله » فسأل الله عزّ وجلّ أمير المؤمنين في ردّ الشمس ، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر ، فصلّى أمير المؤمنين الصلاة في وقتها ثمّ غربت ، وقالت أسماء بنت عميس : أما والله لقد سمعنا لها عند غروبها صريراً كصرير المنشار في الخشب (1) .
   وأما الثانية : أنّه لمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم ورحالهم ، وصلّى بنفسه في طائفة معه العصر ، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتّى غربت الشمس وفات كثيراً منهم الصلاة ، وفات جمهورهم فضل الجماعة معه ، فتكلّموا في ذلك ، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله عزّوجلّ ردّ الشمس عليه فاجابه بردّها عليه ، فكانت في الأفق على الحالة التي تكون وقت العصر ، فلمّا سلّم بالقوم غابت فسمع لها وجيب شديد ، وفي ذلك يقول السيد الحميري :
ردت عَـلَيهِ الـشَّمسُ لمّا iiفاتَهُ      وَقتُ الصَّلاةِ وَقَد دَنَت iiللمغربِ
حَـتّى تـبلَّجَ نورها في iiوَقتِها      لَلعَصرِ ثُمَّ هوت هَوِيَّ iiالكَوكَبِ
وَعَـليهِ قَـد حُبِسَت بِبابلَ iiمَرّةً      اُخرى وما حُبِست لِخلقٍ مُعرب
إلاّ لَـيُوشَعَ أَو لَـهُ مِـن iiبَعدهِ      وَلِرَدِّها تَأوِيلُ أمرٍ مُعجب (2)
---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 345 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 317 ، كشف الغمة 1 : 282 ، ودون ذيله في فضائل ابن شاذان 68 ، وارشاد القلوب : 277 ، ونحوه في قرب الاسناد : 175 | 644 والكافي 4 : 561 | 7 ، وعلل الشرائع : 351 | 3 ، والذرية الطاهرة للدولابي : 129 | 156 ، ومشكل الاثار للطحاويَ 2 : 8 ـ 9 و 4 | 388 ـ 389 ، والمعجم الكبير للطبراني 24 :144 | 382 ومناقب ابن المغازلي : 96 | 140 ـ 141 ، ومناقب الخوارزمي : 217 وتذكرة الخواص : 55 ، فتح الباري 6 : 168 ، وانظر طرقه في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 2 : 283 ـ 305 ، والغدير 3 : 127 ـ 141 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 346 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 318 وأورد الأبيات الشعرية في ص 317 كشف الغمة 1 : 282 ، وباختلاف يسير دون ذكر أبيات السيد الحميري في إرشاد القلوب : 227 ، ونحوه في إثبات الوصية 1 : 346 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 242 _

   ومن ذلك : ما رواه نقلة الأخبار من حديث الثعبان ، والأية فيه أنَّه كَان ( عليه السلام ) يخطب ذات يوم على منبر الكوفة إذ ظهر ثعبان من جانب المنبر ، فجعل يرقى حتى دنا من منبره ، فارتاع لذلك الناس وهمّوا بقصده ودفعه عنه ، فاومأ إليهم بالكفّ عنه ، فلمّا صار إلى المرقاة التي كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قائماً عليها انحنى إلى الثعبان وتطاول الثعبان إليه حتّى التَقَمَ اُذنه ، وسكت الناس وتحيّروا لذلك ، فنقّ نقيقاً سمعه كثيرٌ منهم ، ثمّ إنّه زال عن مكانه وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) يحرّك شفتيه والثعبان كالمصغي إليه ، ثمّ انساب فكأنّ الأرض ابتلعته ، وعاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى خطبته فتممها ، فلمّا فرغ منها ونزل اجتمع الناس إليه يسألونه عن حال الثعبان ، فقال لهم : « إنّما هو حاكم من حكّام الجنّ التبست عليه قضيّة فصار إليّ يستفتيني عنها ، فافهمته إيّاها ودعا إليَّ بخير وانصرف » (1) .
   ومن ذلك : حديث الحيتان وكلامهم له في فرات الكوفة ، وذلك أنّ الماء طغى في الفرات حتّى أشفق أهل الكوفة من الغرق ، ففزعوا إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فركب بغلة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وخرج الناس معه حتّى أتى شاطىء الفرات فنزل ( عليه السلام ) وأسبغ الوضوء وصلّى ، والناس يرونه ، ودعا الله عزّ وجلّ بدعوات سمعها أكثرهم ، ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكّئاً على قضيب بيده حتّى ضرب به صفحة الماء وقال : « انقص بإذن الله ومشيئته » فغاض الماء حتّى بدت الحيتان من قعره ، فنطق كثير منها بالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها اصناف من السمك وهي الجرّيّ والمارماهي ، فتعجّب الناس لذلك ، وسألوه عن علّة نطق ما نطق وصمت ما صمت ، فقال : « أنطق الله لي ما طهر من السمك ، وأصمت عنّي ما نجس وحرم » (2) .
   وهذا الخبر مستفيض أيضاً كاستفاضة كلام الذئب للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وتسبيح الحصى في كفّه وأمثال ذلك ، ومن ذلك : ما جاء في الآثار عن ابن عبّاس قال : لمّا خرج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى بني المصطلق ونزل بقرب واد وعر ، فلمّا كان آخر الليل هبط عليه جبرئيل ( عليه السلام ) يخبره عن طائفة من كفّار الجنّ قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ باصحابه ، فدعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال : « اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله الجنّ من يريدك ، فادفعه بالقوّة التي أعطاك الله عزّ وجلّ إيّاها ، وتحصّن منه بأسماء الله التي خصّك بها وبعلمها » وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس وقال لهم : « كونوا معه وامتثلوا أمره » .

---------------------------
(1) ارشاد المفيد 1 : 348 ، روضة الواعظين : 119 ونحوه في بصائر الدرجات 117 ، واثبات الوصية : 129 ، وبشارة المصطفى : 164 ، والفضائل لابن شاذان : 70 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 347 ، روضة الواعظين : 119 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 330 ، ومختصراً في خصائص الرضي : 58 ، واثبات الوصية : 128 ، ونحوه في فضائل ابن شاذان : 106 ، وكشف الغمة 1 : 275 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 243 _

   فتوجّه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى الوادي ، فلما قارب شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن يقفوا بقرب الشفير ولا يحدثوا شيئاً حتّى يأذن لهم ، ثمّ تقدّم فوقف على شفير الوادي وتعوّذ باللهّ من أعدائه ، وسمّاه باحسن أسمائه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن يقربوا منه ، فقربوا ، وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثمّ رام الهبوط إلى الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد القوم يقعون على وجوههم لشدّتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هو لما لحقهم ، فصاح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب وصيّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وابن عمّه ، اثبتوا إنشئتم » فظهر للقوم أشخاص مثل الزط (1) تخيّل في أيديهم شعل النار، قد اطمانّوا وأطافوا بجنبات الوادي .
   فتوغّل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بطن الوادي وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يميناً وشمالاً ، فما لبثت الأشخاص حتّى صارت كالدخان الأسود ، وكبّر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثمّ صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين اتّبعوه حتّى أسفر الموضع عمّا اعتراه ، فقال له أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ما لقيت يا أبا الحسن ، فقد كدنا نهلك خوفاً وإشفاقاً عليك ؟ فقال ( عليه السلام ) : « لمّا تراءى لي العدو جهرت فيهم باسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حلّ بهم من الجزع ، فتوغّلت الوادي غير خائف منهم ، ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ، وكفى الله كيدهم وكفى المسلمين شرّهم ، وستسبقني بقيّتهم إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيؤمنوا به » .
   وانصرف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بمن معه إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاخبره الخبر فسرى عنه ودعا له بخير وقال له : « قد سبقكيا علي إليّ من أخافه الله بك فاسلم وقبلت إسلامه » (2) ، ومن ذلك : ما أبانه الله تعالى به من القوّة الخارقة للعادة في قلعِ باب خيبر ودحوه به ، وكان من الثقل بحيث لا يحمله أقلّ من أربعين رجلاّ ، ثمّ حمله إيّاه على ظهره فكان جسراً للناس يعبرون عليه إلى ذلك الجانب ، فكان ذلك علماً معجزاً (3) .
   ومن ذلك : إنقضاض الغراب على خفه وقد نزعه ليتوضّأ وضوء الصلاة ، فانساب فيه أسود ، فحمله الغراب حتّى صار به في الجوّ ثمّ ألقاه فوقع منه الأسود ووقاه الله عزّ وجلّ من ذلك (4) .
   وفي ذلك يقول الرضي الموسوي ( رضي الله عنه ) :

أمـا فـي بـاب خيبر iiمعجزات      تـصـدّق أو مـناجاة iiالـحباب
أرادت  كــيـده والله iiيـأبـى      فجاء النصر من قبل الغراب (5)
---------------------------
(1) الزُط ( بالضم ) : جيل من الهند معرب جت بالفتح ، الواحد زطي وهو المستوي الوجه . « القاموس المحيط 2 : 362 » .
(2) ارشاد المفيد 1 : 339 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 18 : 84 | 3 .
(3) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 349 و 350 ، تاريخ الطبري 3 : 13 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 56 ، تاريخ الاسلام للذهبي ( المغازي ) : 441 و 412 .
(4) مناقب ابن شهر اشوب 2 : 356 .
(5) ديوان الشريف الرضي 1 : 116 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 244 _

   ومن ذلك : ما رواه عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقر ( عليهما السلام ) من قوله ( عليه السلام ) لجويرية بن مسهر وقد عزم على الخروج : « أما إنّه سيعرض لك في طريقك الأسد » قال : فما الحيلة له ؟ قال : « تقرظ منّي السلام وتخبره أنّي أعطيتك منه الأمان » ، فخرج جويرية ، فبينا هو كذلك يسير على دابّته إذ أقبل نحوه أسد لا يريد غيره ، فقال له جويرية : يا أبا الحارث ، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقرؤك السلام ، وانّه قد آمنني منك ، قال : فولّى الليث عنه مطرقاً برأسه يهمهم حتّى غاب في الأجمة ، فهمهم خمساً ثمّ غاب ، ومضى جويرية في حاجته .
   فلمّا انصرف إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وسلّم عليه وقال : كان من الأمر كذا وكذا فقال : « ما قلت للّيث وما قال لك ؟ » ، فقال جويرية : قلت له ما أمرتني به وبذلك انصرف عنّي ، وأمّا ما قال الليث فالله ورسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ووصيّ رسوله أعلم .
   قال : « إنّه ولّى عنك يهمهم ، فاحصيت له خمس همهمات ثمّ انصرف عنك » ، قال جويرية : صدقت يا أمير المؤمنين هكذا هو ، فقال ( عليه السلام ) : « فإنّه قال لك : فاقرأ وصيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) منّي السلام » وعقد بيده خمساً (1) .
   ولو ذهبنا نجتهد في إيراد أمثال هذه من الأيات والمعجزات لطال به الكتاب ، وفيما أثبتناه من ذلك غنى عمّا سواه ، وبالله نستعين ، وإيّاه نستهدي إلى الهدى والحقّ والصواب .

---------------------------
(1) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 304 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 245 _


   سوى ما تقدّم ذكره في جملة من النصوص على إمامته والإرهاص لإيجاب طاعته وذكر مختصر من أخباره وحسن اثاره .
   إعلم : أنّ فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ومناقبه وخصائصه كثيرة لا يتّسع لها كتاب ولا يحويها خطاب ، وليست الشيعة مختصّة بروايتها وإن اختصّت بكثير منها ، فقد روت العامّة والمخالفون من ذلك ما لا يحصى عدده ، ولا ينقطع مدده ، ولقد قال الأجلّ المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه : سمعت شيخاً مقدّماً في الرواية من أصحاب الحديث يقال له : أبو حفص عمر بن شاهين (1) ، يقول : إنّي جمعت من فضائل عليّ ( عليه السلام ) خاصّة ألف جزء .
   وأمّا ما رواه أصحابنا من ذلك فلا تجتمع أطرافه ، ولا تعدّ آلافه ، وأنا اُورد من جملتها اُناسي العيون ونفوس الفصوص ومتخيِّر المتحيّر سالكاً طريقة منصور الفقيه في قوله :
قالوا : خُذِ العَنَ مِن كلّ ، فقلتُ iiلهم      فِي العَينِ فَضلٌ ، وَلكِن ناظرُ العَينِ
حَـرفَينِ مِـن ألفِ طُومارٍ iiمُسوّدة      وَربّـما لَـم تجدْ فِي الألفِ iiحَرفينِ
   وأثبتها محذوفة الأسانيد تعويلاً في ذلك على إشتهارها بين نقلة الآثار ، واعتماداً على أنّ نقلها من كتب محكومة بالصحّة عند نقّاد الأخبار ، وجعلتها أربعة فصول .

---------------------------
(1) أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد البغدادي الواعظ المعروف بابن شاهين ، ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وأصله مروروذ من كورخراسان .
روي عنه أنه قال : أول ما كتبت الحديث في سنة ثمان وثلاثمائة وكان لي إحدى عشرة سنة ، وصنفت ثلاثمائة مصنّف ، أحدها : « التفسير الكبير » ألف جزء ، و « المسند » ألف وثلاثمائة جزء و « التاريخ » مائة وخمسين جزء و « الزهد » مائة جزء ، وأول ما حدّثت بالبصرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ، سمع أبا بكر محمد بن محمد الباغندي ، وأبا القاسم البغوي ، وأبا خُبيب العباس بن البرتي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وغيرهم ، وحدَث عنه : أبا بكر محمد بن إسماعيل الوراق رفيقه ، وأبو سعد المالني ، وأبو بكر البرقاني ، وأحمد بن محمد العتيقي ، وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس ، وأبو بكر الخطيب ، والأمير أبو نصر ، وأبو الوليد الباجي ، وأبو القاسم الأزهري ، توفي في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بباب حرب عند قبر أحمد بن حنبل .
انظر : تاريخ بغداد 11 : 265 ـ 268 ، سير أعلام النبلاء 16 : 431 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 246 _



   وهي فنون كثيرة ، وفوائدها جمّة غزيرة ، وبينونته عليه السلام بها عن جميع البشر واضحة منيرة ، فمنها : سبقه كافّة الخلق إلى الايمان ، فقد صحّ عنه ( عليه السلام ) أنّه قال : « أنا عبدالله وأخو رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب مفتر ، ولقد صلّيت قبل الناس سبع سنين » (1) .
   وعن أبي ذرّ: أنّه سمع النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقول في عليّ : « أنت أوّل من امن بي ، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة ، وأنت الصدّيق الأكبر ، وأنت الفاروق تفرّق بين الحقّ والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكافرين » (2) .
   وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يرفع إلى السماء شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله إلاّ منّي ومن علي » (3) .
   وعن أبي أيّوب الأنصاري قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه واله وسلّم ) : « لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنّه لم يصلّ معي رجل غيره » (4) .
   وعن أبي رافع قال : صلّى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) غداة الاثنين ، وصلّت خديجة يوم الاثنين اخر النهار ، وصلى علي يوم الثلاثاء صلاة الغداة (5) ، وقال عليّ ( عليه السلام ) : « فكنت اُصلّي سبع سنين قبل الناس » (6) ، وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين :

---------------------------
(1) انظر : الخصال : 401 | 110 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 16 ، العمدة لابن بطريق : 64 | 76 ، الطرائف لابن طاووس 20 | 12 ، المصنف لابن أبي شيبة 12 : 65 | 12133 ، سنن ابن ماجة 1 : 4 4 | 120 ، السنة لابن أبي عاصم 2 : 598 ، فضائل أحمد : 78 | 117 ، خصائص النسائي 24 : 7 ، تاريخ الطبري 2 : 212 ، الأوائل لأبي هلال العسكري 1 : 194 ، مستدرك الحاكم 3 : 13 ، نقض العثمانية للاسكافي : 290 ، فرائد السمطين 1 : 248 | 192 ، ميزان الاعتدال 3 : 101 و 102 .
(2) انظر : أمالي الصدوق : 171 | 5 ، ارشاد المفيد ا : 31 و 32 ، امالي الطوسي 1 : 147 ، اختيار معرفة الرجال 1 : 113 | 51 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 6 ، اليقين لابن طاووس : 195 ، انساب الأشراف للبلاذري 2 : 118 | 74 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 87 | 119 ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 227 | 33 .
(3) الفصول المختارة : 215 ، ارشاد المفيد ا : 31 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 79 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 8 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 125 | 819 ، مناقب ابن المغازلي : 14 | 19 ، مناقب الخوارزمي : 19 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 14 | 19 نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 226 | 31 .
(4) الفصول المختارة : 211 مناقب ابن شهرآشوب : 2 | 16 ، العمدة لابن بطريق : 65 | 78 ، طرائف ابن طاووس : 19 | 7 ، مناقب ابن المغازلي : 13 | 17 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الإمام علي (ع) ـ 1 : 80 | 113 ، اُسد الغابة 4 : 18 ، ذخائر العقبى : 64 .
(5) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 15 ، وباختلاف يسير في تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 48 | 70 و 71 ، مناقب الخوارزمي : 21 ، ذخائر العقبى : 59 .
(6) مناقب ابن شهرآشوب 2 : 7 و 16 و 17 ، مسند الإمام علي (ع) للسيوطي : 18 / 58 ، وفيهما نحوه .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 247 _

  
إذا  نـحـن بـايعنا عـليّاً iiفـحسبنا      أبـوحسن  مـمّا نـخاف مـن الفتن
وجـدناه  أولـى الـناس بالناس iiأنّه      أطـبّ قـريش بـالكتاب iiوبـالسنن
فـفيه  الـذي فـيهم مـن الخير كلّه      ومـا  فـيه مثل الذي فيهم من iiحسن
وصـيّ رسـول الله مـن دون iiأهله      وفـارسه  قـد كان في سالف iiالزمن
وأول مـن صـلّى مـن الناس iiكلّهم      سوى خيرة النسوان والله ذو منن (1)
   وفيه يقول ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب :
ما كنتُ أحسبُ أن الأمر ( منصرف ) (2)       مـن  هـاشم ثـمّ مـنها عـن أبي iiحسن
ألـيـس  أوّل مــن صـلّـى iiبـقبلتهم      وأعــرف  الـنـاس بـالأثار والـسنن
وآخــر  الـناس عـهداً بـالنبيّ ومـن      جـبرئيلُ  عونٌ له في الغسلِ والكَفنِ  (3)
   ومنها : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) حمله حتى طرح الأصنام من الكعبة ، فروى عبد الله بن داود ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي مريم ، عن عليّ ( عليه السلام ) قال : « قال لي رسول الله : احملني لنطرح الأصنام من الكعبة ، فلم أطق حمله ، فحملني ، فلو شئت ان أتناول السماء فعلت » (4) .
   وفي حديث آخر طويل قال عليّ : « فحملني النبيّ ( عليه السلام ) فعالجت ذلك حتّى قذفت به ونزلت ـ أو قال : نزوت ـ » الشكّ من الراوي (5) .
   ومنها : حديث المؤاخاة ، فقد اشتهرفي الرواية : انه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) آخى بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين ابن مسعود وأبي ذرّ، وبين سلمان وحذيفة ، وبين المقداد وعمّار بن ياسر ، وبين حمزة بن عبد المطّلب وزيد بن حارثة ، وضرب بيده على علي فقال : «أنا أخوك وأنت أخي » (6) ، فكان عليّ إذا أعجبه الشيء قال : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب » (7) .
   وعن أبي هريرة ـ في حديث طويل ـ : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) آخى بين أصحابه وبين الأنصار والمهاجرين ، فبدأ بعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فاخذ بيده وقال : « هذا أخي (8) ـ وفي خبر آخر : أنت أخي (9) ـ في الدنيا والأخرة » فكان رسول الله وعلي أخوين .

---------------------------
(1) مستدرك الحاكم 3 : 114 ، وأورد الكنجي الشافعي في كفاية الطالب : 127 البيت الأول ولأخير .
(2) وجاءت ايضاً بلفظ : منتقل .
(3) الفصول المختارة : 216 ، وسليم بن قيس في كتابه : 78 عن العباس ، وارشاد المفيد ا : 32 عن خزيمة بن ثابت الأنصاريَ ، والجمل : 58 عن عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب ، وفي تاريخ اليعقوبي 2 : 124 عن عتبة بن أبي لهب ، ومناقب الخوارزمي : 8 عن العباس بن عبد المطلب .
(4) تاريخ ابن أبي شيبة : 79 ل ، مسند أحمد ا : 4 8 و 151 ، خصائص النسائي : 134 | 122 ، المقصد العلي لأبي يعلى الموصلي : ق 121 | 2 ، تهذيب الأثار لابن جرير : 405 و 406 ، مستدرك الحاكم 2 : 366 و 3 : 5 ، تاريخ بغداد 13 : 302 ، مناقب ابن المغازلي : 202 | 240 ، مناقب الخوارزمي : 71 ، كفاية الطالب : 257 ، ذخائر العقبى : 85 ، الرياض النضرة 3 : 170 ، فرائد السمطين 1 : 249 ونقله المجلسي في بحار الأنوار ـ 38 : 84 / 3 .
(5) نقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 84 / 3 .
(6) فضائل احمد : 94 | 141 و 120 | 117 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 135 | 167 ، كفاية الطالب ، الرياض النضرة 3 : 125 ، فرائد السمطين 1 : 117 | 82 .
(7) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12128 ، خصائص النسائي : 85 | 67 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 136 | 168 .
(8) سيرة ابن هشام 2 : 150 ، مناقب ابن المغازلي : 38 | 60 ، اسد الغابة 317 ، : الاصابة 2 : 501 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 38 : 341 | 16 .
(9) صحيح الترمذي 5 : 636 | 3720 ، مستدرك الحاكم 3 : 14 ، الاستيعاب لابن عبدالبر 3 : 35 ، مناقب ابن المغازلي : 57 | 37 و 38 | 59 ، مصابيح البغوي 4 : 173 | 4769 ،مقتل الخوارزمي : 48 ، اُسد الغابة 4 : 29 ، الاصابة 2 : 507 | 5688 ، لسان الميزان 3 : 9 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 248 _

   ومنها : أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تفل في عينيه يوم خيبر ودعا له بأن لا يصيبه حرّ ولا قرّ، فكان ( عليه السلام ) بعد ذلك لا يجد حرّاً ولا قرّاً ، ولا ترمد عينه ، ولا يصدع ، فكفى بهذه الخصلة شرفاً وفضلاً .
   فروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أنّ الناس قالوا له : قد أنكرنا من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنّه يخرج في البرد في الثوبين الخفيفين وفي الصيف في الثوب الثقيل والمحشوّ ، فهل سمعت أباك يذكر أنّه سمع من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في ذلك شيئاً ؟ قال : لا ، قال : وكان أبي يسمر مع علي بالليل ، فسألته قال : فسأله عن ذلك فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد أنكروا ، وأخبره بالذي قالوا .
   فقال : « أوما كنت معنا بخيبر ؟ » قال : بلى ، قال : « فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعث أبا بكر وعقد له لواء ، فرجع وقد انهزم هو وأصحابه ، ثمّ عقد لعمر فرجع منهزماً بالناس .
   فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : والذي نفسي بيده لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يده ، فارسل إليّ وأنا أرمد فتفل في عيني ، وقال : اللهمّ اكفه أذى الحرّ والبرد ، فما وجدتُ حرّاً بعد ولا برداً » (1) .
   وفي رواية اُخرى : « فنفث في عيني فما اشتكيتها بعد ، وهزّ لي الراية فدفعها إليّ ، فانطلقت ، ففتح لي ، ودعا لي أن لا يضرّني حرّ ولا قر » (2) ، وفي ذلك يقول حسّان بن ثابت :
وَكـانَ  عـليّ أرمدَ العينِ يَبتغي      دواءً  فَـلَـمّا لم يـحسن مُـداويا
شـفاهُ رسـولُ اللهِ مـنهُ iiبـتفلةٍ      فـبوركَ  مَـرقيّاً ويُـورك iiراقيا
وقال ساُعطي الراية اليومَ صارماً      كـميّا مُـحبّاً لـلرّسولِ iiمُـواليا
يُـحـبّ إلـهي والإلـهُ iiيُـحبّهُ      بـهِ يـفتحُ الله الحصونَ iiالأوابيا
فَـاصفى بـها دونَ الـبريّةِ كلّها      عليّاً  وسمّاه الوزيرَ المؤاخيا  (3)
   وروى حبيب بن أبي ثابت ، عن الجعد مولى سويد بن غفلة ، عن سويد بن غفلة قال : لقينا عليّاً في ثوبين في شدّة الشتاء ، فقلنا له : لا تغترب ارضنا هذه ، فإنّها أرض مقرّة ليست مثل أرضك ، قال : « أما إنّي قد كنت مقروراً ، فلمّا بعثني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى خيبر قلت له : إنّي أرمد ، فتفل في عيني ودعا لي ، فما وجدت برداً ولا حرّاً بعد ، ولا رمدت عيناي » (4) .


---------------------------
(1) المصنف لابن أبي شيبة 12 : 62 | 12129 ، خصائص النسائي : 39 | 14 و 159 | 151 ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة الامام علي (ع) ـ 1 : 217 | 261 و 262 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 213 ، مجمع الزوائد 9 : 122 ، ومختصراً في سنن ابن ماجة 1 : 43 ، ومسند أحمد 1 : 99 و 133 ، ومسند البزاز : ق 105 | 1 ، وزوائد الفضائل للقطيعي : 1084 ، ومستدرك الحاكم 3 : 37 ، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك ، ودلائل النبوة لأبي نعيم الاصبهاني 2 : 956 | 391 ، وحلية الأولياء 4 : 356 ، ومناقب أبن المغازلي : 74 | 110 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 41 : 282 | ذيل ح 5 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 128 ، العمدة لابن بطريق :155 | 238 ، مناقب ابن المغازلي : 185 كفاية الطالب : 104 ، الفصول المهمة : 37 .
(4) فرائد السمطين 1 : 264 | 206 ، مجمع الزوائد 9 : 122 .