وأتى بدليل بن ورقاء إلى قريش فقال لهم : يا معشر قريش خفّضوا عليكم ، فإنّه لم يأت يريد قتالكم وإنّما يريد زيارة هذا البيت ، فقالوا : والله ما نسمع منك ولا تحدّث العرب أنّه دخلها عنوة ، ولا نقبل منه إلاّ أن يرجع عنّا ، ثمّ بعثوا إليه بكر بن حفص وخالد بن الوليد وصدّوا الهدي .
   وبعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عثمان بن عفّان إلى أهل مكّة يستأذنهم في أن يدخل مكّة معتمراً ، فأبوا أن يتركوه ، واُحتبس عثمان ، فظنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّهم قتلوه فقال لاَصحابه : « أتبايعونني على الموت ؟ » فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفرّوا عنه أبداً .
   ثمّ إنّهم بعثوا سهيل بن عمرو فقال : يا أبا القاسم ، إنّ مكّة حرمنا وعزّنا ، وقد تسامعت العرب بك أنّك قد غزوتنا ، ومتى ما تدخل علينا مكّة عنوة يطمع فينا فنتخطّف ، وإنّا نذكرك الرحم ، فإنّ مكّة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك .
   قال : « فما تريد ؟ » ، قال : اُريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اُخلّيها لك في قابل فتدخلها ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب ، السيف في القراب والقوس .
   فدعا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) فأخذ أديماً احمراً فوضعه على فخذه ثمّ كتب : « بسم الله الرحمن الرحيم » ـ وسنذكر تمام ذلك في مناقب أمير المؤمنين ـ :
   هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب ومن معه من المسلمين سهيل بن عمرو ومن معه من أهل مكّة : على أنّ الحرب مكفوفة فلا إغلال ولا إسلال ولا قتال، وعلى أن لا يستكره أحد على دينه ، وعلى أن يعبد الله بمكة علانية ، وعلى أنّ محمداً ينحر الهدي مكانه ، وعلى أن يخلّيها له في قابل ثلاثة أيّام فيدخلها بسلاح الراكب وتخرج قريش كلّها من مكّة إلاّ رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمّد وأصحابه ، ومن لحق محمّداً وأصحابه من قريش فإن محمداً يرده إليهم ، ومن رجع من أصحاب محمّد إلى قريش بمكّة فإنّ قريشاً لا تردّه إلى محمّد ـ وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « إذا سمع كلامي ثمّ جاءكم فلا حاجة لي فيه » ـ وأن قريشاً لا تعين على محمّد وأصحابه احداً بنفس ولا سلاح . . . إلى آخره .
   فجاء أبو جندل إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حتّى جلس إلى جنبه ، فقال أبوه سهيل : ردّه عليّ ، فقال المسلمون : لا نردّه ، فقام ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأخذ بيده وقال : « اللّهم إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادقٌ فاجعل له فرجاً ومخرجاً » ثمّ أقبل على الناس وقال : « إنّه ليس عليه بأس ، إنّما يرجع إلى أبيه واُمه ، وإنّي أريد أن اتمّ لقريش شرطها » .
   ورجع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المدينة وأنزل الله في الطريق سورة الفتح ( اِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُبيناً ) (1) .
   قال الصادق ( عليه السلام ) : « فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الاسلام يستولي على أهل مكّة » .

---------------------------
(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 119 ، والمناقب لابن شهر آشوب 1 : 202 ، وسيرة ابن هشام 3 : 322 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 54 ، وتاريخ الطبري 628 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 361 | 10 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 146 _

   ولمّا رجع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المدينة انفلت أبو بصير بن اُسيد بن جارية الثقفي من المشركين ، وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما وأتى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مسلماً مهاجراً فقال « له ( صلّى الله عليه وآله وسلّم » : « مسعّر حرب لو كان معه احد » ثمّ قال : « شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت » .
   فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين ، حتّى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر ، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين رجلاً راكباً اسلموا فلحق بأبي بصير ، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتّى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون ، لا تمرّ بهم عير لقريش إلاّ أخذوها وقتلوا أصحابها ، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله يسألونه ويتضرّعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه ، وقالوا : من خرج منّا إليك فأمسكه غير حرج أنت فيه ، فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية أنّ طاعة رسول الله خير لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا .
   وكان أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما هم الذين مرّ بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم وأخذوا ما معهم ولم يقتلوا منهم أحداً لصهر أبي العاص رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وخلّوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته وكان أذن لها حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأبو العاص هو ابن اُخت خديجة بنت خويلد (1) .
   ثمّ كانت غزوة خيبر في ذي الحجّة من سنة ستّ ـ وذكر الواقديّ : أنّها كانت أوّل سنة سبع من الهجرة (2) ـ وحاصرهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بضعاً وعشرين ليلة ، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم ، فجعل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يفتتحها حصناً حصناً ، وكان من أشدّ حصونهم وأكثرها رجالاً القموص ، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثمّ رجع منهزماً ، ثمّ أخذها عمر بن الخطّاب من الغد فرجع منهزماً يجبّن الناس ويجبّنونه حتّى ساء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذلك فقال : « لاعطيّن الراية غداً رجلاً كرّاراً غير فرّار ، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ولا يرجع حتّى يفتح الله على يده » .
   فغدت قريش يقول بعضهم لبعض : أمّا عليّ فقد كفيتموه فإنّه أرمد لا يبصر موضع قدمه ، وقال عليّ ( عليه السلام ) لمّا سمع مقالة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « اللّهم لا معطي لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت » ، فأصبح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) واجتمع إليه الناس ، قال سعد : جلست نصب عينيه ثمّ جثوت على ركبتي ثمّ قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني ، فقال : « ادعو لي عليّاً » فصاح الناس من كلّ جانب : إنّه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه فقال : « أرسلوا إليه وادعوه » .
   فاُتي به يقاد ، فوضع رأسه على فخذه ثمّ تفل في عينيه ، فقام وكأنَّ عينيه جزعتان (3) ، ثمّ أعطاه الراية ودعا له فخرج يهرول هرولة ، فوالله ما بلغت اُخراهم حتّى دخل الحصن.

---------------------------
(1) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 204 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 172 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20 : 363 .
(2) المغازي للواقدي 2 : 634 .
(3) الجزع : ضرب من الخرز ، وقيل : هوالخرز اليماني ، وهو الذي فيه بياض وسواد تشبّه به الأعين . « لسان العرب 8 : 48 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 147 _

   قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا ، وصاح سعد : يا أبا الحسن أربع يلحق بك الناس ، فأقبل حتّى ركزها قريباً من الحصن فخرج إليه مرحب في عادية اليهود فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط ، وحمل علي والمسلمون عليهم فانهزموا (1) .
   قال أبان : حدّثنى زرارة قال : قال الباقر ( عليه السلام ) : « انتهى إلى باب الحصن وقد اُغلق في وجهه فاجتذبه اجتذاباً وتترّس به ، ثمّ حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً ، واقتحم المسلمون والباب على ظهره ، قال : فوالله ما لقي عليّ ( عليه السلام ) من الناس تحت الباب أشدّ ممّا لقي من الباب ، ثمّ رمى بالباب رمياً .
   وخرج البشير إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أنّ عليّاً دخل الحصن ، فأقبل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فخرج عليّ يتلقّاه ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : قد بلغني نبأك المشكور وصنيعك المذكور ، قد رضي الله عنك ورضيت أنا عنك ، فبكى عليّ ( عليه السلام ) ، فقال له : ما يبكيك يا علي ؟ فقال : فرحاً بأنّ الله ورسوله عنّي راضيان .
   قال : وأخذ عليّ فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ ، فدعا بلالاً فدفعها إليه وقال له : لا تضعها إلاّ في يدي رسول الله حتّى يرى فيها رأيه ، فأخرجها بلال ومرّ بها إلى رسول الله على القتلى ، وقد كادت تذهب روحها فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لبلال : أنزعت منك الرحمة يا بلال ؟ ! ثمّ اصطفاها ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لنفسه ، ثمّ اعتقها وتزوّجها » .
   قال : فلمّا فرغ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من خيبر عقد لواء ثمّ قال : « من يقوم إليه فيأخذه بحقّه ؟ » وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك ، فقام الزبير إليه فقال : أنا ، فقال له : « امط عنه » ثمّ قام إليه سعد ، فقال : « امط عنه » ، ثمّ قال : « يا عليّ قم إليه فخذه » فأخذه فبعث به إلى فدك فصالحهم على أن يحقن دماءهم ، فكانت حوائط فدك لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خاصّاً خالصاً .
   فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : « إنّ الله عزّ وجلّ يأمرك تؤتي ذا القربى حقّه » ، فقال : « يا جبرئيل ومن قرباي وما حقّها ؟ » ، قال : « فاطمة فأعطها حوائط فدك ، وما لله ولرسوله فيها » .
   فدعا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فاطمة ( عليها السلام ) وكتب لها كتاباً جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر وقالت : « هذا كتاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لي ولا بني » (2) .

---------------------------
(1) انظر : الارشاد للمفيد 1 : 125 ، والخرائج والجرائح 1 : 159 | 249 ، المغازي للواقدي 2 : 653 ، والطبقات الكبرى 2 : 110 ـ 112 ، سيرة ابن هشام 3 : 349 ، وتاريخ الطبري 3 : 11 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 209 ، والكامل في التاريخ 2 : 219 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 21 | 17 .
(2) انظر : سيرة ابن هشام 3 : 349 ـ 350 ، وتاريخ الطبري 3 : 13 ـ 14 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 22 | 17 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 148 _

   قال ولمّا افتتح رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة ، فقال : « ما أدري بأيّهما أنا أسرّ ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر » (1) .
   وعن سفيان الثوريّ ، عن أبي الزّبير ، عن جابر قال : لمّا قدم جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) من أرض الحبشة تلقّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فلمّا نظر جعفر إلى رسول الله حجل ـ يعني مشى على رجل واحدة ـ إعظاماً لرسول الله، فقبّل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما بين عينيه (2) .
   وروى زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) : أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا استقبل جعفراً التزمه ثمّ قبّل بين عينيه ، قال : « وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن اُميّة الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة ، ودعاه إلى الإسلام فأسلم ، وكان أمر عمراً أن يتقدم بجعفر وأصحابه ، فجهّز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهاز حسن ، وأمر لهم بكسوة ، وحملهم في سفينتين » (3) .
   ثمّ بعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ فيما رواه الزهري ـ عبد الله بن رواحة في ثلاثين راكباً فيهم عبد الله بن أنيس إلى اليسير بن رزام اليهودي ، لمّا بلغه أنّه يجمع غطفان ليغزو بهم ، فأتوه فقالوا : أرسلنا إليك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليستعملك على خيبر ، فلم يزالوا به حتّى تبعهم في ثلاثين رجلاً مع كلّ رجل منهم رديف من المسلمين .

---------------------------
(1) نوادر الراوندي : 29 ، سيرة ابن هشام 4 : 3 ، دلائل النبوة للبيهقي 4 : 246 ، سيرة ابن كثير 3 : 390 و 483 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 23 | 17 .
(2) دلائل النبوة للبيهقي 4 : 246 ، سيرة ابن كثير 3 : 391 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 23 | 17 .
(3) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 23 | 17 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 149 _

   فلمّا ساروا ستّة أميال ندم اليسير فأهوى بيده إلى سيف عبد الله بن أنيس ، ففطن له عبد الله فزجر بعيره ثمّ اقتحم يسوق بالقوم حتّى إذا استمكن من اليسير ضرب رجله فقطعها ، فاقتحم اليسير وفي يده مخرش (1) من شوحط (2) فضرب به وجه عبد الله فشجّه مأمومة (3) ، وانفكأ كلّ المسلمين على رديفه فقتله، غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدّا ، ولم يصب من المسلمين أحد ، وقدموا على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فبصق في شجّة عبد الله بن أنيس فلم تؤذه حتّى مات (4) ، وبعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بني مرّة فقتل وأسر (5) ، وبعث عيينة بن حصن البدري إلى أرض بني العنبر فقتل وأسر (6) .
   ثمّ كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والذين شهدوا معه الحديبية ، ولمّا بلغ قريشاً ذلك خرجوا متبدّدين ، فدخل مكّة وطاف بالبيت على بعيره بيده محجن (7) يستلم به الحجر ، وعبد الله بن رواحة أخذ بخطامه وهو يقول :

خلّوا  بني الكفّار عن iiسبيلهِ      خلّوا  فكلّ الخيرِ في iiرسولهِ
قد  أنزل الرحمنُ في iiتنزيلهِ      نضربكم  ضرباً على iiتأويلهِ
كـما ضربناكم على iiتنزيلهِ      ضربناً يزيلُ الهامَ عن مقيله
يـا  رب إنـي مؤمن iiبقيله

---------------------------
(1) المخرش : خشبة يخط بها الخرّاز ، « الصحاح ـ خرش ـ 3 : 1004 » .
(2) الشوحط : ضرب من شجر الجبال تتخذ منه القسي ، «النهاية 2 : 508 » .
(3) المأمومة : الشجة التي بلغت اُم الرأس ، « لسان العرب 12 : 33 » .
(4) دلائل النبوة للبيهقي 4 : 294 ، سيرة ابن كثير 3 : 418 ، وانظر : المغازي للواقدي 2 : 566 ، وسيرة ابن هشام 4 : 266 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 41 .
(5) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وسيرة ابن هشام 4 : 271 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 297 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 41 .
(6) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وسيرة ابن هشام 4 : 269 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 41 .
(7) المحجن : عصا معقّفة الرأس كالصولجان ، « لسان العرب 13 : 108 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 150 _

   وأقام بمكّة ثلاثة أيّام ، وتزوّج بها ميمونة بنت الحارث الهلاليّة ، ثمّ خرج فابتنى بها بسرف ، ورجع إلى المدينة فأقام بها حتّى دخلت سنة ثمان (1) .
   وكانت غزوة مؤتة (2) في جمادى من سنة ثمان ، بعث جيشاً عظمياً وأمّر ( عليه السلام ) على الجيش زيد بن حارثة ثمّ قال : « فإن اُصيب زيد فجعفر ، فإن اُصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، فإن اُصيب فليرتض المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم » (3) .
   وفي رواية أبان بن عثمان عن الصادق ( عليه السلام ) : أنّه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثمّ خرجوا حتّى نزلوا معان (4) ، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعرب (5) .
   وفي كتاب أبان بن عثمان : بلغهم كثرة عدد الكفّار من العرب والعجم من لخم وجذام وبلّي وقضاعة ، وانحاز المشركون إلى أرض يقال لها : المشارف ، وإنّما سمّيت السيوف المشرفيّة لاَنّها طبعت لسليمان بن داود بها ، فأقوا بمعان يومين فقالوا : نبعث إلى رسول الله فنخبره بكثرة عدوّنا حتّى يرى في ذلك رأيه .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وانظر : سيرة ابن هشام 4 : 13 ، وتاريخ الطبري 3 : 24 ، والكامل في التاريخ 2 : 227 ، وسيرة ابن كثير 3 : 431 .
(2) مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام .
وقيل : مؤتة من مشارف الشرف ، وبها كانت تطبع السيوف ، واليها تُنسب المشرفية من السيوف ، « معجم البلدان 5 : 220 » .
(3) المغازي للواقدي 2 : 756 ، وسيرة ابن هشام 4 : 15 ، الطبقات الكبرى 2 : 128 ، وصحيح البخاري 5 : 182 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 65 ، وتاريخ الطبري 3 : 36 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 361 ، وسيرة ابن كثير 3 : 455 .
(4) معان : مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء ، « معجم البلدان 5 : 153 » .
(5) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وانظر : تاريخ اليعقوبي 2 : 65 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 55 | 8 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 151 _

   فقال عبد الله بن رواحة : يا هؤلاء إنّا والله ما نقاتل الناس بكثرة وإنّما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فقالوا : صدقت ، فتهيّؤوا ـ وهم ثلاثة آلاف ـ حتّى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها : شرف ، ثمّ انحاز المسلمون إلى مؤتة ، قرية فوق الأحساء (1) .
   وعن أنس بن مالك قال : نعى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جعفراً وزيد بن حارثة وابن رواحة ، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان ، رواه البخاري في الصحيح (2) ، قال أبان : وحدّثني الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : « اُصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه » (3) .
   قال عبد الله بن جعفر : أنا احفظ حين دخل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على اُمّي فنعى لها أبي ، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان الدموع حتّى تقطر على لحيته ، ثمّ قال : « اللهم إنّ جعفراً قد قدم إليك إلى أحسن الثواب ، فاخلفه في ذرّيّته بأحسن ما خلّفت أحداً من عبادك في ذرّيّة » .
   ثمّ قال : « يا أسماء ألا اُبشّرك ؟ » ، قالت : بلى بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، قال : « إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنّة » ، قالت : فاعلم الناس ذلك .

---------------------------
(1) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وسيرة ابن هشام 4 : 19 ، وتاريخ الطبري 3 : 37 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 360 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 56 .
(2) صحيح البخاري 5 : 182 ، وكذا في : دلائل النبوة للبيهقي 4 : 366 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 56 .
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 56 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 152 _

   فقام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتّى رقى المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه ، فقال : « إن المرء كثير بأخيه وابن عمّه ، ألا إنّ جعفراً قد استشهد وجُعل له جناحان يطير بهما في الجنّة » .
   ثمّ نزل ( عليه السلام ) ودخل بيته وأدخلني معه ، وأمر بطعام يصنع لأجلي ، وأرسل إلى أخي فتغذينا عنده غذاء طيّباً مباركاً ، وأقمنا ثلاثة أيّام في بيته ندور معه كلّما صار في بيت إحدى نسائه ، ثمّ رجعنا إلى بيتنا ، فأتانا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأنا اُساوم شاة أخ لي فقال : « اللّهم بارك له في صفقته » قال عبد الله : فما بعت شيئاً ولا اشتريت شيئاً إلاّ بورك لي فيه (1) .
   قال الصادق ( عليه السلام ) : « قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لفاطمة ( عليها السلام ) : إذهبي فابكي على ابن عمّك ، ولا تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت » (2) .
   وذكر محمّد بن إسحاق عن عروة قال : لمّا أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) والمسلمون معه ، فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فرّار ، فررتم في سبيل الله ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « ليسوا بفرّار ولكنّهم الكرّار إن شاء الله » (3) .
   ثمّ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان ، وذلك أنّ رسول الله لمّا صالح قريشاً عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعهده ، ودخلت كنانة في حلف قريش ، فلمّا مضت سنتان من القضيّة قعد رجل من كنانة يروي ههجاء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فقال له رجل من خزاعة : لا تذكر هذا ، قال : وما أنت وذاك ؟ فقال : لئن أعدت لأكسرنّ فاك .
   فأعادها ، فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه ، فاستنصر الكناني قومه ، والخزاعي قومه ، وكانت كنانة أكثر فضربوهم حتّى أدخلوهم الحرم ، وقتلوا منهم ، وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح ، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فخبّره الخبر وقال أبيات شعر ، منها :
لا  هـمّ أنّي ناشدٌ iiمحمّداً      حـلف  أبينا وأبيه الأتلدا
أنّ قريشاً أخلفوك الموعدا      ونـقضوا ميثاقك iiالمؤكّدا
وقـتلونا  ركـعاً iiوسجداً
   فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « حسبك يا عمرو » ثمّ قام فدخل دار ميمونة وقال : « اسكبوا لي ماء » فجعل يغتسل ويقول : « لا نصرت إن لم أنصر بني كعب » .

---------------------------
(1) المغازي للواقدي 2 : 766 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 371 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 56 .
(2) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 57 .
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 206 ، وسيرة ابن هشام 4 : 24 ، وتاريخ الطبري 3 : 42 ، ودلائل النبوة للبيهقي 4 : 374 ، والكامل في التاريخ 2 : 238 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 57 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 153 _

   ثمّ اجمع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على المسير إلى مكّة ، وقال : « اللّهمّ خذ العيون عن قريش حتّى نأتيها في بلادها » .
   فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش : أنّ رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا ، فخرجت وتركت الطريق ثمّ أخذت ذات اليسار في الحرّة ، فنزل جبرئيل فأخبره ، فدعا عليّاً ( عليه السلام ) والزبير فقال لهما : « أدركاها وخذا منها الكتاب » .
   فخرج عليّ ( عليه السلام ) والزبير لا يلقيان أحداً حتّى وردا ذا الحليفة ، وكان النبي ( عليه السلام ) وضع حرساً على المدينة ، وكان على الحرس حارثة بن النعمان ، فأتيا الحرس فسألاهم فقالوا : ما مرّ بنا أحدٌ ، ثمّ استقبلا حاطباً فسألاه ، فقال : رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرّة ، فأدركاها فأخذ عليّ ( عليه السلام ) منها الكتاب وردّها إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
   قال : فدعا ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حاطباً فقال له : « انظر ما صنعت » ، قال : أما والله إنّي لمؤمن بالله ورسوله ما شككت ، ولكنّي رجلٌ ليس لي بمكّة عشيرة ، ولي بها أهل فأردت أن أتّخذ عندهم يداً ليحفظوني فيهم .
   فقال عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله أضرب عنقه ، فوالله لقد نافق ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّه من أهل بدر ، ولعل الله اطّلع عليهم فغفر لهم ، أخرجوه من المسجد » .
   فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليرق عليه ، فأمر بردّه وقال ( عليه السلام ) : « قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربّك ولا تعد لمثل هذه ما حييت » فأنزل الله سبحانه ( يا أيُّها الَّذَينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذوا عَدوي وعَدوكُم أولياءَ ) (1) ـ إلى صدر (2) السورة ـ (3) .

---------------------------
(1) الممتحنة 60 : 1 .
(2) كذا، ولعل مراده إلى آخر الآيات الواردة في صدر السورة ، والتي نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، وهي خمس آيات .
(3) سيرة ابن هشام 4 : 32 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 58 ، وانظر : تاريخ الطبري 2 : 4 و 48 ، والكامل في التاريخ 2 : 239 ، وسيرة ابن كثير 3 : 526 و 536 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 124 | 22 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 154 _

   قال أبان : وحدثني عيسى بن عبد الله القمي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان ـ وهو بالشام ـ بما صنعت قريش بخزاعة أقبل حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا محمد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة .
   قال : « أغدرتم يا أبا سفيان ؟ » ، قال : لا ، قال : « فنحن على ما كنا عليه » ، فخرج فلقي أبا بكر فقال : يا أبا بكر أجر بين قريش ، قال : ويحك وأحد يجير على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ ! ثم لقي عمر فقال له مثل ذلك .
   ثم خرج فدخل على اُم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال : يا بنيّة أرغبةً بهذا الفراش عني ؟ قالت : نعم ، هذا فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك ، ثم خرد فدخل على فاطمة فقال : يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس ؟
   قالت : « جواري في جوار رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) » ، قال : فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس ؟ قالت : « والله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش » ، فخرج فلقي عليّاً ( عليه السلام ) فقال : أنت أمسّ القوم بي رحماً ، وقد اعتسرت عليّ الاُمور ، فاجعل لي منها وجهاً ، قال : « أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ثمّ تقعد على راحلتك وتلحق بقومك » ، قال : وهل ترى ذلك نافعي ؟

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 155 _

   قال : « لا أدري » ، فقال : يا أيّها الناس إنّي قد أجرت بين قريش ، ثمّ ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش ، فقالوا : ما وراءك ؟ قال : جئت محمّداً فكلّمته فوالله ما ردّ عليّ شيئاً ، ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيراً ، ثمّ جئت إلى ابن الخطّاب فكان كذلك ، ثمّ دخلت على فاطمة فلم تجيبني ، ثمّ لقيت عليّاً فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت .
   قالوا : هل أجاز ذلك محمد ؟ قال : لا أدري ، قالوا : ويحك ، لعب بك الرجل ، أوَأنت تجير بين قريش ؟ ! (1) .
   قال : وخرج رسول الله يوم الجمعة حين صلّى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان ، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر ، ودعا رئيس كلّ قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم ، قال الباقر ( عليه السلام ) : « خرج رسول الله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتّى نزل كراع الغميم فأمر بالاِفطار فأفطر الناس ، وصام قوم فسُمّوا العصاة لاَنّهم صاموا ، ثمّ سار ( عليه السلام ) حتّى نزل مرّ الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ونحو من أربعمائة فارس وقد عميت الأخبار من قريش ، فخرج في تلك الليله أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً ، وقد كان العبّاس بن عبد المطّلب خرج يتلقّى رسول الله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي اُميّة وقد تلقّاه بنيق العقاب ورسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في قبّته ـ وعلى حرسه يومئذ زياد بن اُسيد ـ فاستقبلهم زياد فقال : أمّا أنت يا أباالفضل فامض إلى القبّة ، وأمّا أنتما فارجعا .
   فمضى العبّاس حتّى دخل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فسلّم عليه وقال : بأبي أنت واُمّي هذا ابن عمّك قد جاء تائباً وابن عمّتك ، قال : « لا حاجة لي فيهما ، إنّ ابن عمّي انتهك عرضي ، وأمّا ابن عمّتي فهو الذي يقول بمكّة : لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً » .

---------------------------
(1) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 206 ، وتاريخ الطبري 3 : 46 ، وسيرة ابن كثير 3 : 530 ، وفي الأخيرين باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 126 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 156 _

   فلمّا خرج العبّاس كلّمته اُمّ سلمة وقالت : بأبي أنت واُمّي ابن عمّك قد جاء تائباً ، لا يكون أشقى الناس بك ، وأخي ابن عمّتك وصهرك فلا يكونّن شقيّاً بك .
   ونادى أبو سفيان بن الحارث النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : كن لنا كما قال العبد الصالح : لا تثريب عليكم ، فدعاه وقبل منه ، ودعا عبد الله بن أبي اُميّة فقبل منه ، وقال العبّاس : هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عنوة ، قال : فركبت بغلة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) البيضاء وخرجت أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعلّي آمره أن يأتي قريشاً فيركبون إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يستأمنون إليه ، إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام ، وأبو سفيان يقول لبديل : ما هذه النيران ؟ قال : هذه خزاعة .
   قال : خزاعة أقلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانهم ، ولكن لعلّ هذه تميم أو ربيعة ، قال العبّاس : فعرفت صوت أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة ، قال : لبّيك فمن أنت ؟ قلت : أنا العبّاس ، قال : فما هذه النيران فداك أبي واُمّي ؟ قلت : هذا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في عشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما الحيلة ؟ قال : تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
   قال : فأردفته خلفي ثمّ جئت به ، فكلّما انتهيت إلى نار قاموا إليّ فإذا رأوني قالوا : هذا عمّ رسول الله خلّوا سبيله ، حتّى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال : عدوّ الله الحمد لله الذي أمكن منك ، فركَّضت البغلة حتّى اجتمعنا على باب القبّة ، ودخل عمر على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه .
   قال : العبّاس : فجلست عند رأس رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقلت : بأبي أنت واُمّي أبو سفيان وقد أجرته ، قال : « أدخله » ، فدخل فقام بين يديه فقال : « ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله ؟ » .
   قال : بأبي أنت واُمّي ما أكرمك وأوصلك وأحملك ، أمّا الله لو كان معه إله لاَغنى يوم بدر ويوم أحد ، وأمّا أنّك رسول الله فوالله إنّ في نفسي منها لشيئاً .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 157 _

   قال العبّاس : يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قال : فإنّي أشهد أن لا إلاّ الله وأنّك رسول الله ـ تلجلج بها فوه ـ ، فقال أبو سفيان للعبّاس : فما نصنع باللات والعزّى ؟ فقال له عمر : اسلح (1) عليهما .
   فقال أبو سفيان : اُفّ لك ما أفحشك ، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمّي ؟ فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « عند من تكون الليلة » ؟ قال : عند أبي الفضل ، قال : « فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة واغد به عليّ » ، فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذّن ، قال : ما هذا المنادي يا أبا الفضل ؟ قال : هذا مؤذّن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قم فتوضّأ وصلّ ، قال : كيف أتوضّأ ؟ فعلّمه .    قال : ونظر أبو سفيان إلى النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو يتوضّأ وأيدي المسلمين تحت شعره ، فليس قطرة تصيب رجلاً منهم إلاّ مسح بها وجهه ، فقال : بالله إن رأيت كاليوم قطّ كسرى ولا قيصر ، فلمّا صلّى غدا به إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي « بالذهاب » إلى قومك فاُنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله ، فأذن له ، فقال العبّاس : كيف أقول لهم ؟ بيّن لي من ذلك أمراً يطمئنّون إليه .
   فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « تقول لهم : من قال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً رسول الله، وكفّ يده فهو آمن ، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن ، فقال العباس : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصّصه بمعروف .

---------------------------
(1) السلح : النجو ، وهو ما خرج من البطن من ريح وغيرها ، « انظر : العين 6 : 186 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 158 _

   فقال ( عليه السلام ) : « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن » ، قال أبو سفيان : داري ؟ ! قال : « دارك » ، ثمّ قال : « من أغلق بابه فهو آمن » ، ولمّا مضى أبو سفيان قال العبّاس : يارسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ من شأنه الغدر ، وقد رأى من المسلمين تفرّقاً ، قال : « فأدركه واحبسه في مضايق الوادي حتّى يمرّ به جنود الله» .
   قال : فلحقه العبّاس فقال : أبا حنظلة ! قال : أغدراً يا بني هاشم ؟ قال : ستعلم أنّ الغدر ليس من شأننا ، ولكن أصبر حتّى تنظر إلى جنود الله، قال العبّاس : فمرّ خالد بن الوليد فقال أبو سفيان : هذا رسول الله ؟ قال : لا ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدّمة ، ثمّ مرّ الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو سفيان : يا عبّاس هذا محمّد ؟ قال : لا ، هذا الزبير ، فجعلت الجنود تمرّ به حتّى مرّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الأنصار ثمّ انتهى إليه سعد بن عبادة ، بيده راية رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : يا أبا حنظلة .
الـيوم  يـوم iiالـملحمة      اليوم تستحلّ  الحرمة
   يا معشر الأوس والخزرج ثاركم يوم الجبل ، فلمّا سمعها من سعد خلّى العباس وسعى إلى رسول الله وزاحم حتّى مرّ تحت الرماح فأخذ غرزه (1) فقبّلها ، ثمّ قال : بأبي أنت واُمّي أما تسمع ما يقول سعد ؟ وذكر ذلك القول ، فقال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « ليس ممّا قال سعد شيء » ثمّ قال لعليّ ( عليه السلام ) : « أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالاً رفيقاً » ، فأخذها علي وأدخلها كما أمر .

---------------------------
(1) الغرر : ركاب الرحل ، « لسان العرب 5 : 386 » .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 159 _

   قال : وأسلم يومئذ حكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، وجبير بن مطعم ، وأقبل أبو سفيان حتّى دخل مكّة وقد سطع الغبار من فوق الجبال وقريش لا تعلم ، وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا : ما وراءك وما هذا الغبار ؟ قال : محمّد في خلق ، ثمّ صاح : ياآل غالب البيوت البيوت ، من دخّل داري فهو آمن ، فعرفت هند فأخذت تطردهم ، ثمّ قالت : اقتلوا الشيخ الخبيث ، لعنه الله من وافد قوم وطليعة قوم .
   قال : ويلك إنّي رأيت ذات القرون ، ورأيت فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن آخر النهار ، ويلك اسكتي فقد والله جاء الحقّ ودنت البليّة » (1) .
   وكان قد عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكّة إلاّ من قاتلهم ، سوى نفر كانوا يؤذون النبي ( صلوات الله عليه وآله ) ، منهم : مقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وعبد الله بن خطل ، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وقال : « اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة » .
   فاُدرك ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر فسبق سعيد عمّاراً فقتله ، وقتل مقيس بن صبابة في السوق ، وقتل علي ( عليه السلام ) إحدى القينتين وأفلتت الاُخرى ، وقتل ( عليه السلام ) أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب ، وبلغه أنّ اُمّ هانىء بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب ، فقصد نحو دارها مقنّعاً بالحديد ، فنادى : « أخرجوا من آويتم » فجعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفاً منه .
   فخرجت إليه اُمّ هانىء ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت : يا عبد الله، أنا اُمّم هانىء بنت عمّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) واُخت عليّ بن أبي طالب ، انصرف عن داري ، فقال علي ( عليه السلام ) : « أخرجوهم » ، فقالت : والله لاَشكونّك إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
   فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتدّ حتّى التزمته ، فقالت : فديتك حلفت لاَشكونّك إلى رسول الله ( صلّى عليه وآله وسلّم ) ؟ فقال لها : « فاذهبي فبرّي قسمك ، فإنّه بأعلى الوادي » ، قالت اُمّ هانئ : فجئت إلى النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) وهو في قبّة يغتسل ، وفاطمة ( عليها السلام ) تستره ، فلمّا سمع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كلامي قال : « مرحباً بك يا اُمّ هانىء » ، قلت : بأبي واُمّي ما لقيت من عليّ اليوم ! فقال ( عليه السلام ) : « قد أجرت من أجرت » .

---------------------------
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 127 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 160 _

   فقالت فاطمة ( عليها السلام ) : « إنّما جئت يا اُمّ هانىء تشكين عليّاً في أنّه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله ؟ ! » ، فقلت : احتمليني فديتك ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « قد شكر الله لعليّ سعيه ، وأجرت من أجارت اُمّ هانىء لمكانها من عليّ بن أبي طالب » (1) ، قال أبان : وحدثني بشير النبّال ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : « لمّا كان فتح مكّة قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عند من المفتاح ؟ قالوا : عند اُمّ شيبة ، فدعا شيبة فقال : إذهب إلى اُمّك فقل لها ترسل بالمفتاح ، فقالت : قل له : قتلت مقاتلينا وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا . فقال : لترسلنّ به أو لاَقتلنّك ، فوضعته في يد الغلام فأخذه ودعا عمر فقال له : هذا تأويل رؤياي من قبل ، ثمّ قام ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ففتحه وستره ، فمن يومئذ يستر ، ثمّ دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح وقال : ردّه إلى اُمّك .
   قال : ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم ، فأتى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال : لا إله إلاّ الله أنجز وعده ، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده ، ثمّ قال : ما تظنّون وما أنتم قائلون ؟ فقال سهيل بن عمرو : نقول خيراً ، ونظنّ خيراً ، أخ كريم وابن عمّ ، قال : فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كان في الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدمي ، إلاّ سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنّهما مردوتان إلى أهليهما ، ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله، لم تحلّ لاَحد كان قبلي ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلي خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد .
   ثمّ قال : ألا لبئس جيران النبيّ كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء .

---------------------------
(1) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 131 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 161 _

   فخرج القوم كأنّما انشروا من القبور ، ودخلوا في الاِسلام ، قال : ودخل رسول الله ( صلّى عليه وآله وسلّم ) مكّة بغير إحرام وعليهم السلاح ، ودخل البيت لم يدخله في حجّ ولا عمرة ، ودخل وقت الظهر فأمر بلال فصعد على الكعبة وأذّن، فقال عكرمة : والله إن كنت لاَكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة ، وقال خالد بن أسيد : الحمد لله الذي أكرم أبا عتّاب من هذا اليوم من أن يرى ابن رباح قائماً على الكعبة ، قال سهيل : هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغيّر ـ قال : وكان أقصدهم ـ وقال أبو سفيان : أمّا أنا فلا أقول شيئاً ، والله لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمّداً .
   وبعث ( صلوات الله عليه وآله ) إليهم فأخبرهم بما قالوا ، فقال عتّاب : قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله ونتوب إليه ، فأسلم وحسن إسلامه وولاّه رسول الله مكّة ، قال : وكان فتح مكّة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان ، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق فقتلوا » (1) .
   وبعث رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) السرايا فيما حول مكّة يدعون إلى الله عز وجلّ ، ولم يأمرهم بقتال ، فبعث غالب بن عبدالله إلى بني مدلج فقالوا : لسنا عليك ولسنا معك ، فقال الناس : اُغزهم يا رسول الله، فقال : « إنّ لهم سيّداً أديباً أريباً ، وربّ غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله» (2) .
   وبعث عمرو بن اُمّية الضمري إلى بني الدليل فدعاهم إلى الله ورسوله فأبوا أشدّ الإباء ، فقال الناس : اُغزهم يا رسول الله، فقال : « أتاكم الآن سيّدهم قد أسلم فيقول لهم : أسلموا ، فيقولون : نعم » (3) .
   وبعث عبد الله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر فأسلموا وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) (4) وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وقد كانوا أصابوا في الجاهليّة من بني المغيرة نسوة وقتلوا عمّ خالد ، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا : يا خالد إنّا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ونحن مسلمون ، فانظر فإن كان بعثك رسول الله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها ، فقال : ضعوا السلاح ، قالوا : إنّا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهليّة وقد أماتها الله ورسوله .

---------------------------
(1) نقلوا المجلسي في بحار الأنوار 21 : 132 | ذيل ح 22 .
(2) مناقب ابن شهر آشوب 1 : 210 . نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 140 | ضمن ح 2 .
(3) مناقب ابن شهر آشوب 1 : 210 ، نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 140 | ضمن ح 2 .
(4) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 140 | ضمن ح 2 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 162 _

   فانصرف عنهم بمن معه ، فنزلوا قريباً ثمّ شنّ عليهم الخيل ، فقتل وأسر منهم رجالاً ، ثمّ قال : ليقتل كلّ رجل منكم أسيره ، فقتلوا الأسرى ، وجاء رسولهم إلى رسول الله فأخبره بما فعل خالدٌ بهم ، فرفع ( عليه السلام ) يده إلى السماء وقال : « اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد » وبكى ثمّ دعا عليّاً ( عليه السلام ) فقال : « اُخرج إليهم وانظر في أمرهم » وأعطاه سفطاً من ذهب ، ففعل ما أمره وأرضاهم (1) ثمّ كانت غزوة حنين ، وذلك أنّ هوازن جمعت له جمعاً كثيراً ، فذكر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أنّ صفوان بن اُميّة عنده مائة درع فسأله ذلك ، فقال : أغصباً يا محمّد ؟ قال : « لا ، ولكن عارية مضمونة » قال : لا بأس بهذا ، فأعطاه .
   فخرج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ألفين ـ من مكّة ـ وعشرة آلاف كانوا معه ، فقال أحد أصحابه : لن نُغلب اليوم من قلّة ، فشقّ ذلك على رسول الله فأنزل الله سبحانه ( وَيَومَ حُنَينٍ إذ اَعجَبَتكُم ) الآية (2) .
   وأقبل مالك بن عوف النصريّ فيمن معه من قبائل قيس وثقيف ، فبعث رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عبد الله بن أبي حدرد عيناً فسمع ابن عوف يقول : يا معشر هوازن إنّكم أحدٌ العرب وأعدّها ، وإنّ هذا الرجل لم يلق قوماً يصدوقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد ، فأتى ابن أبي حدرد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأخبره فقال عمر : ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد ؟ فقال : « قد كنت ضالاً فهداك الله يا عمر وابن أبي حدرد صادق » (3) .

---------------------------
(1) انظر : امالي الصدوق : 146 | 7 ، وارشاد المفيد 1 : 139 ، صحيح البخاري 5 : 203 كتاب المغازي ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 61 ، وسيرة ابن هشام 4 : 70 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 114 ، والكامل في التاريخ 2 : 255 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 140 | 2 .
(2) التوبة 9 : 25 .
(3) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 210 ، وانظر : المغازي للواقدي 3 : 890 و 893 ، وسيرة ابن هشام 4 : 82 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 121 و 130 ، والكامل في التاريخ 2 : 262 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 164 | 9 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 163 _

   قال الصادق ( عليه السلام ) : « وكان مع هوازن دريد بن الصمّة ، خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمّنون برأيه ، فلمّا نزلوا بأوطاس (1) قال : نعم مجال الخيل لا حزنّ (2) ضرس (3) ولا سهل دهس (4) ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ؟ قالوا : ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم قال : فأين مالك ؟ فدعي مالك له، فأتاه فقال : يا مالك ، أصبحت رئيس قومك ، وإنّ هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيّام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، وثغاء الشاة ؟ .
   قال : أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم ، قال : ويحك لم تصنع شيئاً ، قدّمت بيضة (5) هوازن في نحور الخيل، وهل يرد وجه المنهزم شيء ؟ ! إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجلٌ بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك .
   قال : إنّك قد كبرت وكبر عقلك ، فقال دريد : إن كنت قد كبرت فتورث غداً قومك ذلاًّ بتقصير رأيك وعقلك ، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ، ثمّ قال حرب عوان (6) :
يا ليتني فيها جذع      أخبّ  فيها وأضع (7)
   قال جابر : فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين ، كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلاّ كتائب الرجال بأيديها السيوف والعمد والقني ، فشدّوا علينا شدّة رجل واحد ، فانهزم الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ، وأخذ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبد المطّلب (8) .

---------------------------
(1) أوطاس : واد في ديار هوازن ، « معجم البلدان 1 : 281 » .
(2) الحزن : ما غلط من الأرض في ارتفاع ، « لسان العرب 13 : 114 » .
(3) الضرس : الأكمة الخشنة . «الصحاح ـ ضرس ـ 3 : 942 » .
(4) الدهس : المكان السهل اللين ، لا يبلغ أن يكون رملاً ، وليس هو بتراب ولا طين ، ولونه الدهسة ، « الصحاح ـ دهس ـ 3 : 931 » .
(5) البيضة : أصل القوم ومجتمعهم . « لسان العرب 7 : 127 » .
(6) حرب عوان: أي حرب قوتل فيها مرة بعد الأخرى ، « انظر : لسان العرب 13 : 299 » .
(7) تفسير القمي 1 : 285 ، المناقب لابن شهر آشوب 1 : 210 ، وانظر : سيرة ابن هشام 4 : 80 ، وتاريخ الطبري 3 : 71 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 121 ، والكامل في التاريخ 2 : 261 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 | ضمن ح 9 .
(8) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، وسيرة ابن هشام 4 : 85 ، وتاريخ الطبري 3 : 74 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 126 ، والكامل في التاريخ 2 : 262 ، وفيها باختلاف يسير ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 | ضمن ح 9 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 164 _

   وأقبل مالك بن عوف يقول : أروني محمّداً ، فأروه فحمل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ـ وكان رجلاً أهوج (1) ـ فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا ، فقتله مالك ـ وقيل : إنه أيمن بن اُم أيمن (2) ـ ثمّ أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وصاح كلدة بن الحنبل ـ وهو أخو صفوان بن اُميّة لاُمّه وصفوان يومئذ مشرك ـ : ألا بطل السحر اليوم ، فقال صفوان : اسكت فضّ الله فاك ، فوالله لاَن يُربني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربني رجل من هوازن (3) .
   قال محمّد بن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبدالدار : اليوم أدرك ثاري ـ وكان أبوه قتل يوم اُحد ـ اليوم أقتل محمّداً ، قال : فأدرت برسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لاَقتله فأقبل شيء حتّى تغشّى فؤادي ، فلم أطلق ذلك ، فعرفت أنّه ممنوع (4) .
   وروى عكرمة عن شيبة قال : لمّا رأيت رسول الله يوم حنين قد عري ذكرت أبي وعمّي وقتل عليّ وحمزة اياهما ، فقلت : أدرك ثاري اليوم من محمّد ، فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعبّاس بن عبد المطّلب قائماً عليه درع بيضاء كأنّها فضّة يكشف عنها العجاج ، فقلت : عمّه ولن يخذله ، ثمّ جئته عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب ، فقلت : ابن عمه ولن يخذله ، ثمّ جئته من خلفه ، فلم يبق إلاّ أنّ أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ (5) من نار بيني وبينه كأنّه برق، فخفت أن يمحشني (6) فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى ، والتفت رسول الله وقال : « يا شيب اُدن منّي ، اللهمّ اذهب عنه الشيطان » قال : فرفعت إليه بصري ولهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري ، وقال : « يا شيب قاتل الكفّار » (7) .

---------------------------
(1) رجل أهوج : أي طويل وبه تسرّع وحمق ، « الصحاح ـ هوج ـ 1 : 351 » .
(2) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 / ضمن ح 9 .
(3) المغازي للواقدي 3 : 910 ، وسيرة ابن هشام 4 : 86 ، تاريخ الطبري 3 : 74 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 128 ، والكامل في التاريخ 2 : 263 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 ضمن ح 9 .
(4) المغازي للواقدي 3 : 909 ، وسيرة ابن هشام 4 : 87 ، وتاريخ الطبري 3 : 75 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 128 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 | ضمن ح 9 .
(5) الشُواظ والشواظ : اللهب الذي لا دخان له ، « الصحاح ـ شوظ ـ 3 : 351 » .
(6) المَحش : تناولٌ من لهب يحرق الجلد ويبدي العظم ، « العين 3 : 100 » .
(7) المغازي للواقدي 3 : 909 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 145 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 | ضمن ح 9 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 165 _

   وعن موسى بن عقبة قال : قام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوا ويقول : « اللهم إنّي أنشدك ما وعدتني ، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا » ونادى أصحابه وذمرهم (1) : « يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرّة على نبيكّم » .
   وقيل : إنّه قال : « يا أنصار الله وأنصار رسوله ، يابني الخزرج » وأمر العبّاس ابن عبد المطّلب فنادى في القوم بذلك ، فأقبل إليه أصحابه سراعاً يبتدون .
   وروي : أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : الآن حمِيَ الوطيس .
أنـا  النبيّ لا كذب      أنا ابن عبد المطّلب (2)

   قال سلمة بن الأكوع : ونزل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن البغلة ثمّ قبض قبضة من تراب ، ثمّ استقبل به وجوهم وقال : « شاهت الوجوه » فما خلي الله منهم إنساناً إلاّ ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولّوا مدبرين ، واتبعهم المسلمون فقتلوهم ، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم (3) .
   وفرّ مالك بن عوف حتّى دخل حصن الطائف في ناس من أشراف قومهم ، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا نصر الله وإعزاز دينه (4) ، قال أبان : وحدّثني محمّد بن الحسن (5) بن زياد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: « سبى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يوم حنين أربعة آلاف رأس واثني عشر ألف ناقة، سوى ما لا يُعلم من الغنائم (6) وحلف رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) الأنفال والأموال والسبايا بالجعرانة (7) وافترق المشركون فريقتين ، فأخذت الأعراب ومن تبعهم أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن تبعهم الطائف ، وبعث رسول الله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس فقاتل حتّى قُتل ، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ـ وهو ابن عمّه ـ فقاتل بها حتّى فتح عليه » (8) .

---------------------------
(1) ذمّرهم : لامهم وحضّهم وحثّهم ، « لسان العرب 4 : 311 » .
(2) دلائل النبوة للبيهقي 5 : 131 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 167 | ضمن ح 9 .
(3) صحيح مسلم 3 : 1402 | 81 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 140 ، ونحوه في : تفسير القمي 1 : 287 ، والطبقات الكبرى 2 : 56 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 167 .
(4) دلائل النبوة للبيهقي 5 : 132 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 167 .
(5) محمّد بن الحسن بن زياد العطّار ، كذلك عنونه النجاشي ( 369 | 1002 ) وقال عنه: كوفي ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، له كتاب .
وكذا ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست : ( 149 ) ، وابن داود في القسم الأول من رجاله ( 169 | 1348 ) ، والعلاّمة الحلي في الخلاصة ( 160 | 139 ) والمامقاني في تنقيحه ( 3 | 101 ) ، ولعل هذه الرواية وردت في كتابه المذكور ، فتأمل .
(6) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 168 .
(7) الجعرانة : ماء بين الطائف ومكة ، وهي إلى مكة أقرب ، « معجم البلدان 2 : 142 » .
(8) انظر : الارشاد للمفيد 1 : 151 ، وسيرة ابن هشام 4 : 97 ، والمغازي للواقدي 3 : 915 ، وصحيح البخاري 5 : 197 ، وتاريخ الطبري 3 : 79 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 152 ، والكافي في التاريخ 2 : 265 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 166 _

   ثمّ كانت غزوة الطائف ، سار رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى الطائف في شوّال سنة ثمان فحاصرهم بضع عشر يوماً ، وخرج نافع بن غيلان ابن معتّب في خيل من ثقيف فلقيه عليّ ( عليه السلام ) في خيله ، فالتقوا ببطن وَجّ (1) ، فقتله عليّ وانهزم المشركون ، ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) جماعة من أرقائهم ، منهم أبو بكرة ـ وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث ، وكان اسمه المضطجع ، فسمّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المنبعث ـ ووردان ـ وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ـ فأسلموا ، فلمّا قدم وفد الطائف على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فأسلموا قالوا : يا رسول الله ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك ، فقال : « لا ، اُولئك عتقاء الله » (2) ؟ .
   وذكر الواقديّ ـ عن شيوخه ـ قال : شاور رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصحابه في بعض الطائف ، فقال له سلمان الفارسي ( رحمه الله ) قال : يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم ، فأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فعمل المنجنيق ، ويقال : قدّم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودّبابتين ـ ويقال : خالد بن سعيد ـ فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبّابة ، فأمر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بقطع أعنابهم وتحريقها ، فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي : لِمَ تقطع أموالنا ، إمّا أن تأخذها إن ظهرت علينا وإمّا أن تدعها لله والرحم ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « فإنّي أدعها لله والرحم » فتركها (3) .
   وأنفذ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليّاً ( عليه السلام ) في خيل عند محاصرته أهل الطائف وأمره أن يكسر كلّ صنم وجده ، فخرج فلقيه جمع كثيرٌ من خثعم ، فبرز له رجلٌ من القوم وقال : هل من مبارز ، فلم يقم أحدٌ ، فقام إليه عليّ ( عليه السلام ) ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فقال : تكفاه أيّها الأمير ، فقال : « لا ، ولكن إن قُتلت فأنت على الناس » .

---------------------------
(1) وَجَ ( بالفتح ثم التشديد ) : الطائف ، والوج في اللغة : عيدان يتداوى بها ، قال أبو منصور : وما أراه عربياً محضاً ، والوج يعني : السرعة ، والقطا ، والنعام : « انظر : معجم البلدان 5 : 361 » .
(2) انظر : المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ـ 212 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 64 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 156 ـ 159 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 168 .
(3) المغازي 3 : 927 ، وانظر : الارشاد للمفيد 1 : 53 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 161 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 168 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 167 _

فبرز إليه علي ( عليه السلام ) وهو يقول :
إنّ عـلى كـلّ رئـيس iiحقّا      أن يروي الصعدة (1)  أو تدقّا
   ثمّ ضربه فقتله ، ومضى حتّى كسر الأصنام ، وانصرف إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وهو بعد محاصر لاَهل الطائف ينتظره ، فلمّا رآه كبّر وأخذ بيده وخلا به (2) ، فروى جابر بن عبد الله قال : لمّا خلا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) يوم الطائف أتاه عمر بن الخطّاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا ؟ فقال : « يا عمر ، ما أنا انتجيته بل الله نتجاه » قال : فأعرض وهو يقول : هذا كما قلت لنا يوم الحديبية لتدخلّن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين ، فلم ندخله وصددنا عنه ، فناداه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « لم أقل لكم إنّكم تدخلونه ذلك العام » (3) .
   قال : فلمّا قدم عليّ ( عليه السلام ) فكأنّما كان رسول الله ( صلّى عليه وآله وسلّم ) على وجل فارتحل فنادى سعيد بن عبيدة : ألا ان الحيّ مقيم ، فقال ( عليه السلام ) : « لا أقمت ولا ظعنت » فسقط فانكسر فخذه (4) ، وعن محمّد بن إسحاق قال : حاصر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك ، ثمّ انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم ، فجاءه وفده في شهر رمضان فأسلموا (5) .

---------------------------
(1) الصعدة : القناة المستوية تنبت كذلك ، ومن القصب أيضاً ، « العين 1 : 290 » .
(2) ارشاد المفيد 1 : 152 ، والمناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 169 .
(3) ارشاد المفيد 1 : 153 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 169 .
(4) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 169 .
(5) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 212 ، ودلائل النبوة للبيهقي : 5 : 169 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 169 . .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 168 _

   ثمّ رجع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى الجعرانة بمن معه من الناس ، وقسّم بها ما أصاب من الغنائم يوم حنين في المؤلّفة قلوبهم من قريش ومن سائر العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير (1) .
   قيل : إنّه جعل للأنصار شيئاً يسيراً ، وأعطى الجمهور للمتألّفين (2) ، قال محمّد بن إسحاق : فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، ومعاوية ابنه مائة بعير ، وحكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزّى بن قصي مائة بعير ، وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة مائة بعير ، وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى الحارث بن هشام من بني مخزوم مائة ، وجبير بن مطعم من بني نوفل بن عبد مناف مائة ، ومالك بن عوف النصري مائة ، فهؤلاء أصحاب المائة .
   وقيل : إنّه أعطى علقمة بن علاثة مائة ، والأقرع بن حابس مائة ، وعيينة بن حصن مائة ، وأعطى العبّاس بن مرداس أربعأً فتسخطها وأنشأ يقول :
أتـجعل  نهبي ونهب iiالعبي      د  بـين عـيينة iiوالأقـرع
فـما كان حصن ولا iiحابس      يـفوقان  مرداس في iiمجمع
ومـا كنت دون امرء iiمنهما      ومـن  تضع اليوم لا iiيرفع
وقد كنتُ في الحرب ذا تدرأ      فـلم  أعـط شيئاً ولم iiأمنع
   فقال له رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : أنت القائل :
أتجعل نهبي ونهب العبي      د بـين الأقـرع iiوعيينة
   فقال أبو بكر : بأبي أنت واُمّي لست بشاعر ، قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « كيف قال ؟ » فأنشده أبو بكر ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « يا عليّ قم فاقطع لسانه » .

---------------------------
(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 145 ، سيرة ابن هشام 4 : 135 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 176 ، ونقله المجلسي في بحارالأنوار 21 : 169 .
(2) ارشاد المفيد 1 : 153 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 169 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 169 _

   قال عبّاس : فوالله لهذه الكلمة كانت أشدّ عليّ من يوم خثعم ، فأخذ عليّ ( عليه السلام ) بيدي فانطلق بي فقلت : يا عليّ إنّك لقاطع لساني ؟ قال : « إنّي ممض فيك ما اُمرت » حتّى أدخلني الحظائر فقال : « اعقل ما بين أربعة إلى مائة » .
   قال : قلت : بأبي أنتم واُمي ، ما أكرمكم وأحمكم وأجملكم وأعلمكم ، فقال لي : « إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلمّ ) أعطاك أربعاً وجعلك مع المهاجرين ، فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة » ، قال : فقلت لعلي ( عليه السلام ) : أشر أنت علي ، قال : « فإنّي آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضى » قال : فإنّي أفعل (1) .
   قال : وغضب قوم من الأنصار لذلك وظهر منهم كلام قبيح حتّى قال قائلهم : لقي الرجل أهله وبني عمّه ونحن أصحاب كلّ كريهة ، فلمّا رأى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما دخل على الأنصار من ذلك أمرهم أن يقعدوا ولا يقعد معهم غيرهم ، ثمّ أتاهم شبه المغضب يتبعه علي ( عليه السلام ) ، حتّى جلس وسطهم ، فقال : « ألم آتكم وأنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله منها بي ؟ » ، قالوا : بلى ، ولله ولرسوله المنّ والطول والفضل علينا .
   قال : « ألم آتكم وأنتم أعداء فألّف الله بين قلوبكم بي ؟ » ، قالوا : أجل ، ثمّ قال : « ألم آتكم وأنتم قليل فكثّركم الله ربي » وقال ما شاء الله أن يقول ثمّ سكت ، ثمّ قال : « ألا تجيبوني ؟ » .
   قالوا : بم نجيبك يا رسول الله، فداك أبونا واُمّنا ، لك المنّ والفضل والطول ، قال : « بل لو شئتم قلتم : جئتنا طريداً مكذَّبا فآويناك وصدّقناك ، وجئتنا خائفاً فآمنّاك » .

---------------------------
(1) انظر : ارشاد المفيد 1 : 146 ـ 147 ، المغازي للواقدي 3 : 945 ـ 947 ، وسيرة ابن هشام 4 : 136 ـ 137 ، وتأريخ الطبري 3 : 90 ـ 91 ، ودلائل النبوة للبيهقي 5 : 178 ـ 183 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 170 .

اِعـــــلامُ الــــوَرى بأعـلام الـهـُـدى _ 170 _

   فارتفعت أصواتهم ، وقام إليه شيوخهم فقبّلوا يديه ورجليه وركبتيه ، ثم قالوا : رضينا عن الله وعن رسوله ، وهذه أموالنا أيضاً بين يديك فأقسمها بين قومك إن شئت ، فقال : « يا معشر الأنصار ، أوجدتم في أنفسكم إذ قسّمت مالاً أتالّف به قوماً ووكلتكم إلى إيمانكم ، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم ورجعتم أنتم ورسول الله في سهمكم ؟ » .
   ثمّ قال ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : « الأنصار كرشي وعيبتي (1) لو سلك الناس وادياً وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار ، اللهمّ اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار ، ولأبناء أبناء الأنصار » (2) ، قال : وقد كان فيما سبي اُخته بنت حليمة ، فلمّا قامت على رأسه قالت : يا محمّد اُختك شيماء بنت حليمة ، قال : فنزع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) برده فبسطه لها فأجلسها عليه ، ثمّ أكبّ عليها يسائلها ، وهي التي كانت تحضنه إذ كانت اُمّها ترضعه (3) .
   وأدرك وفد هوازن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالجعرانة وقد أسلموا ، فقالوا : يا رسول الله لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا منَّ الله عليك ، وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال : يا رسول الله، إنّا لو ملحنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر، ثمّ ولي منّا مثل الذي وليت لعاد علينا بفضله وعطفه وأنت خير المكفولين ، وإنّما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك وحواضنك وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالاً ، إنّما نسألكهنّ .

---------------------------
(1) قال ابن الاثير في شرح هذا القول : أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته ، والذين يعتمد عليهم في اُموره ، واستعار الكرش والعيبة لذلك ، لأنّ المجتر يجمع علفه في كرشه ، والرجل يضع ثيابة في عيبته .
وقيل : أراد بالكرش الجماعة ، أي جماعتي وصحابتي ، ويقال : عليه كرش من الناس : أي جماعة ، « النهاية 4 : 163 » .
(2) ارشاد المفيد 1 : 145 ، وباختلاف يسير في المغازي للواقدي 3 : 956 ـ 958 ، وسيرة ابن هشام 4 : 141 ـ 143 ، ودلائل النبوة 5 : 176 ـ 178 ، والكامل في التأريخ 2 : 271 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 171 .
(3) المغازي للواقدي 3 : 913 ، سيرة ابن هشام 4 : 101 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 199 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 172 .