الاصل باسم يسار ، ويقال ان النبي هو الذي أطلق عليه اسم سليمان بعد اعتناقه الاسلام (1) وقد هاجر في وقت مبكراً الى الكوفة وشارك في القتال الى جانب علي لا سيما في حروب صفين ، وان كان قد تخلف عنه في يوم الجمل لاسباب غير واضحة تماماً ، الامر الذي جعل علياً يلومه بشدة ثم يقبل عذره فيما بعد ، ومما يثير الاهتمام ان علاقة سليمان بعلي وايمانه بقضيته كانت أكثر من مجرد تحالف عادي او مرحلي ، فقد كان من أقرب أعوانه وأشدهم اخلاصاً ، ويُستخلص هذا من المحاورة التي جرت بينهما اثر انتهاء معركة الجمل حين بادره علي بقوله : (تربصت وتنأنأت فكيف ترى صنع الله ؟ فأجابه سليمان : الشوط بطين وقد بقي من الامور ما تعرف به صديقك من عدوك) (2) ، وبعد وفاة علي ظل على ولائه له حيث أظهر حماسة شديدة للحسين وكان من أوائل الذين كتبوا اليه من اجل التوجه الى الكوفة وتزعم ثورتها ضد النظام الاموي (3) .
  كان الاتجاه العام للمناقشات يدور حول التكفير عن الذنب والمخطط الانتقامي الذي يمكن أن يزيل عنهم الشعور بالاثم ، وذلك في جو من الانفعال الشديد ، والواقع انه لم يكن هناك شيء من برنامج الحركة الشيعية

---------------------------
(1) دائرة المعارف الاسلامية 12/171.
(2) البلاذري : انساب الاشراف ، 2/272.
(3) الطبري : 6/197.


التوابون _ 102 _

  السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي على غرار ما ظهر قبل ذلك في ثورة الحسين او ما ظهر فيما بعد من ملامح في حركة المختار الثقفي ، وكان أول المتكلمين في الاجتماع المسيّب بن نجبه الذي قال : (اما بعد ، فانا قد ابتلينا بطول العمر والتعرض لانواع الفتن فنرغب الى ربنا الا يجعلنا ممن يقول له غداً أو لم نعمركم يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فان أمير المؤمنين قال العمر الذي اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنة ، وليس فينا رجل الا وقد بلغه ، وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتى بلا الله أخيارنا فوجدنا كاذبين في موطنين من مواطن ابن بنت نبينا ، وقد بلغتنا كتبه ، وقدمت علينا رسله ، واعذر الينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً ، وعلانية وسراً.
  فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل الى جانبنا ، لا نحن نصرناه بأيدينا ، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قويناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة الى عشائرنا فيما عذرنا الى ربنا وعند لقاء نبينا صلى الله عليه وسلم وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله ؟ لا والله لا عذر دون ان تقتلوا قاتله والموالين عليه ، أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن) (1) ، ثم أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف ودعوة رفاقه الى انتخاب رئيس يفزعون اليه ويأخذون برأيه (2) .

---------------------------
(1) الطبري : 7/48.
(2) الطبري : 7/48.


التوابون _ 103 _

  وتكلم بعد ذلك زعيم آخر هو رفاعة بن شداد ، فأثنى على ما جاء في خطبة المسيّب وأوصى باتخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة ، مؤكداً في الوقت نفسه على الموضوع الرئيسي للاجتماع وهو التكفير عن الذنب اذ قال :
  (أما بعد فان الله قد هداك لاصوب القول ودعوت الى أرشد الامور والى جهاد الفاسقين والى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك ، مستجاب لك ، مقبول قولك ، قلت ولوا رجلاً منكم تفزعون اليه وتحفون برايته وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت ، فان تكن أنت الرجل عندنا مرضياً وفينا منتصحاً وفي جماعتنا محباً وان رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم) (1) .
  وتعاقب على الكلام عبد الله بن وال وعبد الله بن سعد فأيدا اقتراح رفاعة بتأمير سليمان الذي فاز بزعامة الحركة من منافسة المسيّب الذي بدا كأبرز المجتمعين في المؤتمر وظهر ميله الى تزعم الحركة حين كان الوحيد بين الخطباء الذي أغفل اسم سليمان بشأن الزعامة.
  وتكلم سليمان بن صُرد وكان قد أصبح زعيماً

---------------------------
(1) الطبري : 7/48.


التوابون _ 104 _

  للحركة مشيراً الى عظم الرزء وضخامة المأساة ، ومشدداً على النهوض لغسل الاثم والتكفير عن فداحة الذنب والسعي في طلب الشهادة (انا كنا نمد أعناقنا الى قدوم آل نبينا ، ونمنيهم بالنصر ، ونحثهم على القدوم ، فلما قدموا ونينا ، وعجزنا ، وأدهنا ، وتربصنا ، وانتظرنا ما يكون ، حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وبضعة من لحمه ودمه ... الا انهضوا ، فقد سخط ربكم ، ولا ترجعوا الى الحلائل والابناء حتى يرضى الله وما أظنه راضياً حتى تناجزوا من قتله او تبيروا ، الا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه امرؤ قط الا ذل ، كونوا كالاول من بني اسرائيل ، اذ قال لهم نبيهم : انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) (1) .
  والواقع ان هذه الخطبة الخطيرة وضعت الحركة موضع التنفيذ وجاءت بمثابة برنامج عام لها حيث تناولت النقاط التالية :
  1 ـ الشعور بهول المأساة وفداحة الاثم.
  2 ـ الاسراع باتخاذ موقف انتقامي من المسؤولين عن مقتل الحسين سواء الامويين ام المتواطئين معهم.
  3 ـ تجسيد فكرة الاستشهاد بالتنازل عن الاملاك واعتزال النساء.

---------------------------
(1) الطبري : 7/49.


التوابون _ 105 _

  4 - الالحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس.
  ومن خلال هذه المناقشات التي شهدها مؤتمر الزعماء الخمسة ، تلاحظ انها دارت حول فكرة رئيسية هي التكفير عن الذنب ، وهذه الفكرة لها جذورها البعيدة في المجتمعات العراقية الغابرة ، وأصولها القديمة في ديانات ما بين النهرين ، فضلاً عن الديانة المسيحية التي تسربت الى هذه المنطقة قبل مجيء العرب اليها ، ولا ندري اذا كان التوابون قد تأثروا في هذا المجال بهذه الجذور التاريخية ، ام ان ذلك شيء أصيل وذاتي فيهم ، زاده بلورة تلك التجربة المريرة التي عاشوها في أعقاب مصرع الحسين.
  انتهى المؤتمر ملتزماً بهذه المقررات الحاسمة ، وملتزماً بزعامة سليمان بن صُرد أكبر الزعماء الخمسة سناً وأسبقهم في الاسلام وأوثقهم علاقة بعلي وأسرته ، وكذلك أرفعهم شأناً في مكانته القبلية. وليس ثمة شك ان هذا الاختيار كان موفقاً وفي صالح الحركة ، لان سليمان كان طرازاً فريداً بين رجالات الكوفة ، شديد الايمان بالقضية التي رفع شعارها ، مقتنعاً بضرورة الاخذ بمبدأ العنف لتصعيد حركة النضال الشيعي ضد أعدائها الامويين ، (اتخذوا السيوف وركبوا الاسنة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل حين تدعوا وتستنفروا)(1) .

---------------------------
(1) من خطاب سليمان في المؤتمر ، الطبري 7/49.


التوابون _ 6 _

  فلم يكن هو ، أو أحد من رفاقه ساعياً وراء مطلب خاص او مكسب شخصي ، وانما كانوا طلاب قضية عامة هدفها اولاً الانتقام للحسين رأس الحركة الشيعية ورائدها في تحقيق أمانيها السياسة ، وثانياً ازاحة الامويين من السلطة في الكوفة وتحويلها الى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود مختلف أقاليم الدولة ، وهذا يظهر بكل وضوح أن جماعة التوابين لم يطلبوا السلطة للتحكم ، بل لتنفيذ مبدأ عام هو الاسلام ، وكان بنظرهم السكوت عن ذلك وتخليهم عنه ، يعتبر خيانة لقضيتهم ، وتخلياً عن حق شرعي ، وخرقاً لعهد الهي ، ومن المهم هنا أن نشير الى ان هذه المبالغة في نكران الذات ، وطرح هذه الافكار المثالية ، كانا بدون شك سبب ذلك الاخفاق المتواصل للحركات الشيعية والعامل الذي ساعد النظام الاموي على تصفيتها بكل سهولة.

التوابون _ 107 _

  وليس من باب الصدفة فقط ان يتولى قيادة هذه الحركة خمسة من الشيوخ اصغرهم قد نيف على الستين (1) ، ولعل الباحث هنا يجد مدخلاً للتعرف الى جمهور الحركة ولتحديد الجيل الذي استمدت منه عناصرها بشكل عام ، والارجح ان التوابين ـ لا سيما الذين تابعوا الشوط حتى آخره ـ قطعوا خريف العمر او كادوا ، وهؤلاء تتجسد لديهم فكرة التوبة عادة اكثر من العناصر الشابة ، ثم ان حركة من هذا النوع ، اقتصر مضمونها على التضحية والغفران الا تجتذب جمهور الشبان الملتزمين بخط سياسي واضح والمؤمنين بالتغيير.
  وهذا ما يفسر انصراف عدد من الزعماء الشبان في الكوفة عن هذه الحركة ، كابراهيم الاشتر مثلاً الذي وجد فيها مضموناً ساذجاً وتحركاً في غير أوانه.
  ولا شك ان هذا التجانس النوعي في صفوف التوابين كان له بعداً خاصاً كرس أكثر فأكثر مفهوم التضحية والفداء ، فهؤلاء لم يجزعوا كثيراً على ما تبقى من العمر بعد ان بلغوا الارذل منه وقطعوا حبل سنواته العجاف.

---------------------------
(1) الطبري 7/48.


التوابون _ 108 _

الاتصالات
  سارت الحركة في اتجاه عملي ، محافضة على سريتها التامة التي استمرت طيلة خلافة يزيد الاول (1) ، وهي فترة حاسمة دأب فيها التوابون بكل امكاناتهم على تعبئة المقاتلين وجمع الاسلحة واستمالة الناس (2) ، واتفقوا على ان يعقدوا لقاءات دورية لتقويم النشاطات التي قاموا بها والانجازات التي حققوها ، ومن ثم لتحديد موعد للخروج واعلان الثورة ، واستقر الرأي أخيراً على أن يكون التجمع في النخيلة (3) في نهاية ربيع الآخر من سنة 65 للهجرة (4) .
  كانت أولى الخطوات التنفيذية التي قام بها سليمان ، هي محاولة استقطاب زعماء الكوفة واستمالة أكبر عدد من جماهيرها ، والكتابة الى رجالات الحزب الشيعي في البصرة والمدائن وسواهما من المدن العراقية ، وكانت هذه

---------------------------
(1) الطبري : 7/51.
(2) الخربوطلي : تاريخ العراق في ظل الحكم الاموي 133
(3) النخيلة : مكان بالقرب من الكوفة.
(4) ابن كثير : 8/247 ، الطبري : 7/.


التوابون _ 110 _

  الاتصالات تتضمن المفاهيم العامة للحركة ومنطلقاتها ، ثم الدعوة الى المشاركة في مؤتمر النخيلة المذكور (1) ، فقد كتب أمير التوابين الى عامل المدائن ، سعد بن حذيفة بن اليمان :
  (اما بعد ، فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفاً ، وأقبل منها ما كان منكراً وأصبحت قد تشنأت الى ذوي الالباب وأزمع بالترحال منها عباد الله الاخيار وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى ، ان أولياء الله من اخوانكم وشيعة آل نبيكم نظروا لانفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دُعي فأجاب ودعا فلم يُجب ، وأراد الرجعة فحبس وسأل الامان فمنع وترك الناس فم يتركوه وعدوا عليه فقتلوه ثم سلبوه وجردوه ظلماً وعدواناً وغرة بالله وجهلاً ... فلما نظروا اخوانكم وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي واسلامه وترك مواساته والنصر له خطأ كبيراً ليس منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه او قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم)(2) .
  كان وقع هذا الكتاب مؤثراً جداً على شيعة المدائن ، خاصة وأن عدداً من الكوفيين قد نزحوا اليها(3) ، وهؤلاء

---------------------------
(1) ابن كثير : 8/247.
(2) الطبري : 7/50.
(3) الطبري : 7/50.


التوابون _ 111 _

  ظهروا شديدي الحماس للاستجابة الفورية الى دعوة التوابين ، وما لبث ان جاء الرد ايجابياً من عامل المدائن وشيعتها والاستعداد الكامل للتحرك في اليوم الموعود الى النخيلة (اما بعد ، فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي دعوتنا اليه من الامر الذي عليه رأى الملأ من اخوانك ، فقد هُديت لحظك ويُسرت لرشدك ، ونحن جادون ، مجدون ، معدون ، مسرجون ، ملجمون ننظر الامر ونستمع الداعي فاذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج ان شاء الله) (1) .
  وكان سليمان قد أرسل نسخة ثانية من كتابه الى المثنى بن محربة العبدي في البصرة لكسب تأييده مع الشيعة هناك (2) فأجابوا جميعاً الى دعوته ، وقد جاء في رد المثنى (قرأت كتابك وأقرأته على اخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك ، فنحن موافوك ان شاء الله للاجل الذي ضربت وفي الموطن الذي ذكرت) (3) ، وبذلك أخذت دعوة التوابين تتسع في أوساط الناقمين على الحكم الاموي والمطالبين بدم الحسين ، وتستجيب لها الجماهير بحماسة ملتهبة (فكان يجيبهم القوم بعد القوم ، والنفر بعد النفر من الشيعة وغيرها) (4) .

---------------------------
(1) الطبري : 7/51.
(2) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/57.
(3) الطبري : 7/51.
(4) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية : 2/58.


التوابون _ 112 _

بدء التحرك وظهور المختار
  ظلت هذه الحركة تعمل في اطار من السرية ، كما أشرنا ، حتى جاء الخبر بوفاة الخليفة يزيد وبعده بقليل ابنه معاوية الثاني في ظروف لازالت غير واضحة تماماً ، وقد سبب ذلك أزمة حكم قاسية في عاصمة الخلافة الاموية لم تخرج منها الاسرة الحاكمة الا بصعوبة ... (وقد ذكرنا ذلك في فصل سابق وتطرقنا الى الظروف المحلية والخارجية التي عصفت بالحكم الاموي وكادت أن تطيح به) ، وبوصول أخبار التطورات السياسية في دمشق الى الكوفة غمر هذه الاخيرة جو من الارتياح ، نابع عن التشفي بموت الخليفة المسؤول الاول والرئيسي عن مقتل الحسين ، وعن شعور متفائل باحداث بعض التغييرات في صورة الحكم ، فضلاً عما توفر من امكانيات أمام التوابين للقيام بنشاطهم العلني وخروج دعوتهم الى حيز التنفيذ والمباشرة ، حتى أن بعضهم نصح باستغلال الموقف المتدهور في الشام (1) .

---------------------------
(1) ابن كثير : 8/247 ، ينفرد البلاذري في انساب الاشراف بقوله أن التوابين قدّموا موعد الخروج الى سنة 64 هجري حين علموا بوفاة يزيد.


التوابون _ 113 _

  واستباق الموعد الذي حددوه للتحرك. غير أن حكمة سليمان وبُعد نظره حالاً دون تنفيذ هذه الرغبة ، لان الدعوة لم تكن قد رسخت جذورها بعد ، لا سيما في الكوفة التي افتقرت الى التجانس ووحدة الموقف ، ويبدو ان أكثر ما كان يخشاه سليمان ويتحسب له ، هي تلك الفئة الانتهازية من الكوفيين ، الممالئة دائماً للنظام الحاكم ، التي عرفت بالاشراف (1) حتى أننا نجد ان سليمان كان يصورها بأنها العدو الشرس للثورة والخصم الذي يجب التعامل معه بمنتهى الحيطة والحذر ، (رويداً لا تعجلوا ، اني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت ان قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة وهم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون وعلموا انهم المطلوبون كانوا أشد عليكم) (2) .
  وكان الابقاء على موعد التحرك بدون شك في صالح الحركة التوابية ، اذ أن الاستجابة البشرية تضاعفت بعد موت يزيد (3) وما أحدثه من ارباك في نظام الحكم ، وساعد على ذلك انتقال الحركة من مرحلة السرية والعمل تحت جنح الظلام الى دور النشاط العلني والمجاهرة الصريحة.

---------------------------
(1) ابن كثير 4/68.
(2) الطبري : 7/52.
(3) ابن كثير : 7/53.


التوابون _ 114 _

  ولقد تحولت الكوفة حينئذ الى مركز حيوي للنشاط السياسي بمختلف مظاهره وأبعاده ، وما لبثت الاحداث أن أخذت تتلاحق بسرعة مذهلة لتترك بصماتها على المجتمع الكوفي بصورة عامة ، ففي خلال السنة التي امتدت من وفاة يزيد الى اعلان التوابين ثورتهم في النخيلة ، تمخضت الكوفة عن أمور في غاية الخطورة ، لابد من التوقف عندها لنشير باختصار الى أكثرها فاعلية وأشدها تأثيراً في تاريخ تلك الفترة.
  والواقع ان الكوفة سارعت الى تحديد موقفها من النظام الاموي والخروج عليه كما سبق أن ذكرنا ، فقد أعلنت الثورة في المدينة وهاجم الكوفيون دار الامارة وطردوا ممثل ابن زياد (1) الذي كان يقيم في البصرة وتعرض بدوره لحركة مماثلة ، وقد أعقب ذلك فترة قصيرة من الفراغ في السلطة الى أن جرى تسليم الحكم الى رجل اتفق عليه أشراف الكوفة وزعماؤها ، وهو عامر بن مسعود (2) الذي ما لبث ان دان بالولاء لعبد الله بن الزبير حيث تمكن في تلك الاثناء من توطيد مركزه في العراق ، ولم يكن هذا الاجراء عائداً الى اقتناع الكوفيين بسلامة هذا الموقف ، وانما كان ضرورة اقتضتها المصلحة ليس أكثر.
  فالاشراف من جهة

---------------------------
(1) فلهوزن : الخوارج والشيعة 190.
(2) ابن كثير : 8/248.


التوابون _ 115 _

  هم الذين يبدو أنهم شغلوا دوراً بارزاً (1) في حركة التمرد هذه ، بعد أن أدركوا ان رياح الثورة الحجازية بدأت تهب بشكل عاصف على العراق ، فسارعوا الى التودد لابن الزبير ابتغاء لضمان مصالحهم السياسية والاقتصادية ، واستمراراً لها ، وأظهر زعماء الحزب الشيعي من جهة ثانية استنكافهم عن تسلم الحكم برغم توفر فرص النجاح حينئذ ، لان عناصر الثورة أرادت المسير وفقاً للخطة التي تم وضعها وتدور حول هدف محدد وثابت هو الانتقام ، وكان في ذلك تأكيداً على التجرد والمثالية والالتزام بالمبدأ ... هذه الافكار تشربها التوابون بكل عمق الايمان ، وانعكست على حركتهم ، فطبعتها بطابع مميز وفريد.
  وبسرعة غير متوقعة انتقل العراق الى سيادة الحزب الزبيري وغدت الكوفة مرتبطة بثورة الحجاز التي انتفضت على النظام الاموي وهزت دعائمه بعنف ، وتقبّل شيعة الكوفة هذه السيادة الجديدة ، ولكن بفتور وبشيء من التحفظ ، فهي بنظرهم انقلاب على النظام الذي مجوه وعارضوه طويلاً ... غير أن العداوة المشتركة التي وحدت مشاعر الطرفين ضد الامويين ، لم تمنع الحركة التوابية من رفض الاعتراف بالحزب الزبيري كبديل مثالي للسيادة الاموية.

---------------------------
(1) فلهوزن : الخوارج والشيعة 190.


التوابون _ 116 _

  وفي تلك الاثناء كان ابن الزبير يعمل على تأكيد سلطته في الاقاليم التي خضعت له بعد أن أصبح الرجل القوي في العالم الاسلامي ، وأخذ عماله الذين انتدبهم لادارة هذه الاقاليم يصلون تباعاً ، ففي الكوفة التي يهمنا الوقوف على التطورات السياسية فيها عشية خروج التوابين ، أرسل اليها اثنين من عماله أحدهما اختص بشؤون السياسية والحرب هو عبد الله بن يزيد الانصاري (1) ، وثانيهما انصرف الى شؤون الادارة والخراج وهو ابراهيم ابن محمد بن طلحة (2) ، حفيد الصحابي المعروف طلحة بن عبيد الله ، وانتهت بذلك تلك الفترة الانتقالية التي تولاها باسم الحزب الزبيري ، عامر بن مسعود ، لتصبح الكوفة احدى ولايات الخلافة الزبيرية.
  ولم تقتصر أحداث الكوفة على هذه التغييرات السياسية المهمة ، وانما شهدت أحداثاً أخرى على قدر كبير من الخطورة ، كادت أن تمزق الجبهة الشيعية ، وان تبعثر قواها ، وذلك بظهور أحد المغامرين بصورة فجائية في الكوفة حينئد ، هو المختار بن ابي عبيد الثقفي (3) ، وكان هذا الاخير شخصية مثيرة دار حولها كثير من الجدل ،

---------------------------
(1) الطبري : 7/53 ، ابن كثير : 8/248.
(2) الطبري : 7/53 ، ابن كثير : 8/248.
(3) الطبري : 7/53.


التوابون _ 117 _

  فقد ارتبط منذ نشأته بالحركة الشيعية وتربى في وسط شيعي مشبع بالاخلاص والحب لعلي وأبنائه (1) ، ثم أعد نفسه ليكون أحد أركان الثورة التي كان مقدراً أن يقودها الحسين ، حيث سبق هذا الاخير الى الكوفة ليشارك في تهيئة المناخ الملائم للثورة ، ولكن عامل العراق الاموي قبض عليه وأودعه السجن مع عدد من الزعماء الشيعيين (2) ، وظل في سجنه حتى أفرج عنه بعد توسط صهره عبد الله بن عمر لدى الخليفة يزيد (3) ، فغادر الكوفة الى الحجاز وفي نفسه حقد لا يوصف ضد الامويين وعاملهم ابن زياد (4) ، ولهذا لم يتردد في الاشتراك مع ابن الزبير في ثورته التي وجد فيها بعض أهدافه وهي العمل على مقاومة النظام الاموي بدون هوادة ، غير أن الانجسام لم يستمر طويلاً بين الرجلين ، فالمختار كانت له مطامحه السياسية واحلامه الاستقلالية ، لذلك ما لبث ان زهد بدور التابع لابن الزبير وقفل عائداً الى الكوفة بعد أن سمع بطرد ابن زياد من العراق ، فقد كانت الكوفة على الدوام قبلة طموحه ووجد انها الارض الملائمة لتحقيق هذا الطموح ... وقد بلغ من اهتمامه بها انه كان يستفسر عن احوالها من الوافدين الى

---------------------------
(1) بيضون : زكار : تاريخ العرب السياسي 114 ـ 115
(2) فلهوزن : للخوارج والشيعة 198.
(3) اليعقوبي : 2/258 ، ابن كثير : 8/249.
(4) ابن كثير : 2/249.


التوابون _ 118 _

  الحجاز ، حيث حدثه أحدهم (1) عن أهلها بقوله : (انهم في صلاح واتساق على طاعة ابن الزبير ، الا ان طائفة من الناس اليهم عدد أهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم على رأيهم أكل بهم الارض الى يوم ما(2) ، فأجابه المختار : (أنا ابو اسحق ، أنا والله لهم ، أنا أجمعهم على مر الحق ، وأنفي بهم ركبان الباطل وأقتل بهم كل جبار عنيد) (3) .
  وهكذا جاء المختار الى الكوفة ، تتجاذبه أحلام السيادة والتحكم على المدينة بسهولة ويسر ، معتمداً على تردد شيعتها من حكومة ابن الزبير ، ومحاولة استقطابهم عن طريق شعار الثأر للحسين وهو نفس الشعار الذي طرحه التوابون ، وتبعتهم جماهير الكوفة الشيعية من أجله ، ولكن المختار اختلف عنهم بأنه ذهب الى أبعد من الانتقام والتكفير عن الذنب ، الى السعي لاستلام الحكم (4) وهو أمر رفضه التوابون ، ولكي يزيد حجته تسويغاً ، ويضفي على حركته نوعاً من الشرعية ، زعم أن

---------------------------
(1) هاني بن ابي حية الوادعي ، الطبري 7/63.
(2) الطبري : 7/63.
(3) الطبري : 7/63.
(4) J. Perier vie Dal ـ hadjdadj 25


التوابون _ 119 _

  أحد زعماء الاسرة العلوية (1) أرسله للدعوة باسمه في الكوفة.
  ولكن محاولات المختار لاستقطاب شيعة الكوفة تحت زعامته لم تصادف ما كان يتوقع لها من نجاح ، لان فئة قليلة فقط استهوتها شخصية المختار واقتنعت بدعوته ، بينما ظلت الاغلبية على تأييدها لابن صُرد (2) ، ولم تتأثر بالحملة الدعائية الواسعة التي أحاط بها نفسه وهو في طريقه الى الكوفة وبعد وصوله اليها حتى انها شككت بصحة ادعائه عن علاقته بمحمد بن الحنفية (3) ، ولما أدرك ان معركته مع سليمان معركة خاسرة أخذ يصعد حملات التشهير ضد هذا الاخير متهماً اياه بقصر النظر وعدم الكفاءة لقيادة الثورة الشيعية الهادفة الى الانتقام من قتلة الحسين (ان سليمان ليس له بصر بالحرب ، ولا تجربة بالامور ، وانما يريد أن يخرجكم فيقتلكم ويقتل نفسه ، وأنا أعمل على مثال قد مثل لي ، وأمر قد بين لي ، فيه عز وليكم وقتل عدوكم وشفاء صدوركم ، فاسمعوا قولي وأطيعوا أمري) (4) .

---------------------------
(1) يتفق معظم المؤرخين على ان المختار خرج من الحجاز باسم الدعوة لمحمد بن الحنفية ، اليعقوبي 2/258 ، الطبري 7/64.
(2) ابن كثير : 8/250.
(3) فلهوزن : الخوارج والشيعة 204.
(4) ابن الاثير : 4/72.


التوابون _ 120 _

  هذه الحملة النفسية التي قام بها المختار ، لم يكن لها كبير أثر على جماعة التوابين الذين بلغوا من الاندفاع حداً بعيداً ، وأصبح من المستحيل عليهم ، التراجع أو التوقف عن الهدف الذي اقتنعوا به وآمنوا كل الايمان ، وعلى العكس من ذلك فان نشاط المختار انقلب عليه ، واشتدت مخاوف السلطة وأنصارها من تحركاته ، حتى أن زبانية الحكم التي انتقل ولاؤها بسرعة مذهلة من النظام الاموي الى نظام ابن الزبير ، ثقل عليها وجود المختار في الكوفة فشكا نفر (1) منها خطورة هذا الرجل الى عاملي المدينة بقوله : (ان المختار أشد عليكم من سليمان بن صُرد ، ان سليمان انما خرج يقاتل عدوكم ويذله لكم وقد خرج عن بلادكم ، وان المختار انما يريد أن يثبت في مصركم ، فسيروا اليه واوثقوه في الحديد وخلدوه في السجن حتى يستقيم أمر الناس)(2) .
  وهكذا انتهى أمر المختار سجيناً في الكوفة ، ينتظر مرة أخرى من وراء قضبان السجن ما تؤول اليه الامور وما تسفر عنه الاحداث... ولعله أدرك ان الفرصة ستلوح له من جديد بعد التخلص من منافسة زعيم التوابين ، حيث

---------------------------
(1) عمر بن سعد بن ابي وقاص ، شبث بن ربعي ، يزيد بن الحارث بن رويم، طبري 7/65 ، ابن الاثير 4/73.
(2) طبري : 7/65 ، ابن الاثير : 4/73.


التوابون _ 121 _

  كان يتوقع الفشل الذريع لحركة هذا الاخير ، فتخلو له الساحة حينئذ ويصبح الزعيم المنتظر لشيعة الكوفة ، ولهذا لم يعد يتورع عن التصريح بين الحين والآخر ، مباركاً التحرك الذي يقوده سليمان والحث على اعلان الثورة والخروج من الكوفة ، وفي سجنه كان المختار لا ينفك يردد على مسامع زائريه انه لن يتخلى مطلقاً عما سعى اليه وجاء من أجله ، أو يتوقف لحظة عن السير في حملته الانتقامية ، التي كانت عصب دعوته الرئيسي في معاقبة المسؤولين عن دم الحسين ، والمضي في ملاحقتهم أياً كانوا وفي أي أرض ذهبوا اليها (أما ورب البحار ، والنخيل والاشجار ، والمهامة والقفار ، والملائكة الابرار ، والمصطفين الاخيار ، لاقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار في جموع من الانصار ليسوا بميل اغمار ولا بعزل أشرار ، حتى اذا أقمت عمود الدين وزايلت شعب صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر أولاد النبيين ، لم يكبر علي زوال الدنيا ولم أحفل بالموت اذا أتى) (1) .
  فاز سليمان اذا في معركة الزعامة الشيعية ضد هذا المغامر الدخيل ، الذي قدم من الحجاز باحثاً عن الزعامة ومتعطشاً الى السلطة ، وفي تلك الاثناء كانت الحركة التوابية تدخل مرحلتها الحاسمة والصعبة ، وكان زعماؤها

---------------------------
(1) طبري 7/66 ، ابن الاثير 4/73 ، ابن كثير 8/250.


التوابون _ 122 _

  يصعّدون الجهود ويركزون الحملات الاعلامية عبر اتجاهين رئيسيين    أولاً : عن طريق التبشير بأفكار الدعوة (1) والمفهوم الحقيقي للتحرك.
وثانياً : عن طريق القيام بعروض شبه عسكرية والتجوال في شوارع الكوفة وأسواقها مع سواها من المدن (2) لاستثارة الجماهير واجتذاب أكبر عدد من المتطوعين للحركة.
  كانت سنة خمس وستين للهجرة (684م) قد حلّت ، وفي هذه السنة خرجت حركة التوابين من محتواها التخطيطي واطارها التبشيري الى مرحلة التنفيذ الحاسم ، فلم يعد يفصلها غير شهور قليلة عن موعدها الفاصل الذي حددته لانطلاقتها من (النخيلة) ، ومعنى ذلك أن الفئات الشيعية التي التزمت مبدئياً بالحركة ، كان عليها أن تبادر الى تحمل مسؤوليتها بالسرعة الممكنة ، ولكن الذي حدث ان عدد المنتمين فعلياً الى الحركة حينئذ كان لا يزال قليلاً (3) ،

---------------------------
(1) كان من ابرز الدعاة حماسة واندفاعاً عبد الله المري الذي كان يردد : (ويل للقاتل وملامة للخاذل ! ان الله لم يجعل لقاتله حجة ، ولا لخاذله معذرة ـ الا ان يناصح الله في التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين ، فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة ، انا ندعوكم الى كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل بيته ، والى جهاد المحلين والمارقين) الطبري : 7/52.
(2) الطبري : 7/55.
(3) ابن كثير : 8/551.


التوابون _ 123 _

  بينهم الكثير ممن يعوزهم الانضباط والقناعة ، وكان أشد التوابين ارتباكاً بهذه النتيجة وأكثرهم انزعاجاً هو زعيم الحركة الذي وجد ان هذا العدد (1) لا يتناسب مع حجم القضية التي يقاتلون في سبيلها ، وكان لابد من تصعيد لعمليات الدعاية من أجل استقطاب المزيد من المؤيدين ... ومن الشعارات التي كثر تردادها حينئذ : (من أراد الجنة فليلتحق بسليمان في النخيلة)... (من أراد التوبة فليلتحق بسليمان) (2) الى غير ذلك من الشعارات التي لم تخرج عن اطار الغفران والتكفير عن الذنب.
  ولقد أعطت هذه الحملة بعض ثمارها ولاقت قدراً من التجاوب ، ولكن المسألة لم تكن في تجمع المؤيدين في أسواق الكوفة(3) بل فيمن يمتلك القدرة على الصمود والاستمرار عندما ترفع راية الحرب ويتعالى صورت النفير ، وهؤلاء لم يتجاوز عددهم في بادئ الامر الالف مقاتل ، ثم ارتفع هذا العدد مع تصعيد الحملات الدعائية الى نحو أربعة آلاف مقاتل (4) كانوا جميعاً مستعدين

---------------------------
(1) ابن الاثير : 4/74.
(2) الفتوح لابن الاعثم الكوفي (مخطوطة).
(3) قيل ان عدد المتطوعين ارتفع الى نحو عشرين الفاً ، ابن كثير 8/251.
(4) ابن كثير : 8/251.


التوابون _ 124 _

  للمسير حتى نهاية الشوط والاشتراك الفعلي في حرب الامويين.
  واذا أردنا تفسير هذا التجاوب المحدود لحركة التوابين عندما بدأت تحركها الجدي ، فانه يعود بدون ريب الى جو الكوفة المشحون حينئذ بالبلبلة والصراعات السياسية بعد خضوعها للحزب الزبيري ، فقد كان السواد من الناس في حالة ترقب وانتظار ما تسفر عنه الاحداث ... فضلاً عن خلخلة الموقف على صعيد الجبهة الشيعية بمجيء المختار الى الكوفة وتأثيره على نفر من الشيعة الذين غادروا معسكر سليمان وانضموا اليه (1) ، كذلك فان حركة التوابين كحركة مثالية ، مجردة من أي هدف سياسي معين ، كان هدفها الرئيسي هو الانتقام للحسين والموت في سبيله ... وهذا ما يمكننا أن نعزو اليه ضعف الاستجابة نوعياً ، والقلة العددية التي شاركت بصورة فعالة في حركة التوابين.
  ولقد سبق التحرك العسكري ، انعقاد مؤتمر لزعماء التوابين لبحث الموقف العام وتوزيع المسؤوليات على العناصر القيادية ومناقشة اقتراحاتها حول كيفية التحرك والخطوات التمهيدية اللازمة ، وكان هناك اتجاه على

---------------------------
(1) ابن الاثير : 4/74.


التوابون _ 125 _

  رأسه عبد الله بن سعيد بن نفيل (1) نحو القيام بعمليات انتقامية داخل الكوفة تستهدف بعض الاشراف المتهمين بتواطئهم مع النظام الاموي ، ولكن سليمان رفض هذا الرأي وأصر على أن الهدف اولاً هو رأس عبيد الله بن زياد (2) الذي بات المسؤول الاول بعد موت يزيد بن معاوية ، ثم تأتي بعد ذلك مسألة الكوفة وأشرافها (ان الذي قتل صاحبكم وعبّى الجنود اليه ، وقال لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضي فيه حكمي هذا الفاسق ابن الفاسق عبيد الله بن زياد ، فسيروا الى عدوكم مع الله ، فان يظهركم الله عليه رجونا أن يكون من بعده أهون شوكة منه ورجونا أن يدين لكم من وراءكم من أهل مصركم في عافية فتنظرون الى كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه ولا تغشموا ، وان تستشهدوا فانما قاتلتم المحلين وما عند الله خير للابرار لأحب أن تجعلوا حدكم وشوكتكم بأول المحلين ، ولو قاتلتم أهل مصركم ما عدم رجل ان يرى رجلاً قد قتل أخاه وأباه وحميمه او رجلاً لم يكن يريد قتله ، فاستخيروا الله وسيروا) (3) .

---------------------------
(1) ابن الاثير : 4/68.
(2) الطبري : 7/68.
(3) رد سليمان على عبد الله بن سعد بن نفيل ، الطبري : 7/68 ، ابن الاثير : 4/74.