مفاجئاً أن يتحول هؤلاء الذين عرفوا بالاشراف فيما بعد الى مطية للنظام الاموي يقاتلون في صفوفه ، نفس الحزب الذي كانوا من أركانه أيام علي والحسن.
  فالحسن اذا لم يساوره أدنى تردد او تخاذل في موقفه من الحرب مع معاوية ، ولكنه كان شديد الحذر من جماعته ، غير واثق من ولائهم واقتناعهم بفكرة الحرب ، ولا بد لنا هنا من أن نتصور أية مهمة مستحيلة كانت بانتظار الحسن ليخوضها بجيش مفكك العناصر ، مضطرب الولاء ، موزع الانتماءات قبلياً وعشائرياً.
  بهذه التركيبة العجيبة من المقاتلين التي لم يدخلها سوى قلة مؤمنة ومخلصة ، سار الحسن لقتال الجيش الشامي القوي والانضباطي ـ الذي وصف معاوية عناصره يوماً بأنهم (أطوع جند وأقلهم خلافاً) (1) ، وهو يدرك جيداً ان المتاعب لن تأتيه من أعدائه فقط ، بل من الانتهازيين داخل جيشه أيضاً الذين يظهرون غير ما يسرون(2) ، فكان ذلك يزيد من شجونه ويزيد الامور تعقيداً.

---------------------------
(1) راجع كتاب تاريخ العرب السياسي (بيضون - زكار) : 82.
(2) السيد محسن الامين : أعيان الشيعة 4/22.


التوابون _ 52 _

  وكان معاوية قد أدرك بدوره نقطة الضعف هذه في جيش الحسن فاستغلها ببراعة وأخذت مناوراته ودسائسه تفعل فعلها في أوساط المترددين وهم كثرة ، وتمكن من تأليب كبار القواد عليه وتخذليهم عنه بشتى المغريات.
  ولعل من أقسى ما تعرض له الحسن تواطؤ قائده وابن عمه عبيد الله بن عباس مع معاوية وتسلله الى معسكره ليلاً ومعه القوة الاساسية من الجيش (2) ، وأخذت الأوضاع تتحرج اكثر فأكثر في جبهة الحسن الممزقة حتى وصل الامر الى حد بأن تجرأ عليه بعض جنده فهاجموه في فسطاطه (3) ، وكمن له رجل متطرف من بني أسد اسمه الجراح بن سنان فأصابه بجرح بليغ في فخذه (4) ، فتراجع الحسن حينئذ الى المدائن لينشغل في مداواة جراحة ، كل هذا في الوقت الذي كان فيه معاوية ناشطاً في محاولة استقطاب المزيد من رجالات الحسن (5) وفي تصعيد حملاته النفسية في صفوف أعدائه.

---------------------------
(1) الطبري : 6/92.
(2) الاصفهاني : مقاتل الطالبيين : 40 ـ 42.
(3) الدينوري : الاخبار الطوال : 23.
(4) اليعقوبي : 2/251.
(5) أعيان الشيعة : 4/42.


التوابون _ 53 _

  وتحت تأثير هذه الظروف المأساوية المؤلمة ، ولما آل اليه وضع الجيش العراقي ، وفي غمرة هذا الجو المشحون بالتشاؤم في امكانية الصمود والامل بالنصر ، استجاب الحسن أخيراً وهو مرغم لعروض معاوية من أجل الصلح بعد أن أبدى هذا الاخير استعداده للموافقة على جميع ما اشترط عليه (1) .
  أثارت قضية الحسن ولا تزال الكثير من الجدل ، فمن مبالغ متطرف في تقدير مواقفه واجلالها ، الى منتقد ظالم اكتفى بالنظرة السطحية الى مجريات الاحداث وتغاضى عن كل الايجابيات ، وبالنتيجة كانت شخصية الحسن عرضة لتقويم خاطئ وغير منصف ، والحق أنه وجدت هناك أسباب لا ينبغي لأحد تجاهلها في هذا المجال لأنه كان لها الدور المؤثر في عملية الصراع الذي دار بين الحسن ومعاوية او بين العراق والشام باتخاذه بعداً اقليمياً بدأ في صفين وتركز بعد تنازل الحسن ثم تعمق في كربلاء وتحول الى صراع تقليدي على مدى بعيد من الزمن ، ومن هذه الاسباب :

1 ـ فقدان القيادات الشعبية المخلصة التي برزت

---------------------------
(1) الطبري : 6/93.


التوابون _ 54 _

  مع علي ، القادرة على تحريك الجماهير وضبطها ، ابتداء بعمار بن ياسر وانتهاء بالاشتر النخعي ، فقد أفلت الزمام في جيش الحسن لافتقاده الى القيادات الفعلية ، وهذا الشيء نفسه سيتكرر مع مسلم بن عقيل في الكوفة.
  2 ـ أدرك الحسن ان موازين القوى غير متكافئة بينه وبين أعدائه خاصة بعد التخلخل الذي أصاب جيشه وظهور الانتهازية فيه ، من هنا رجّح خسران المعركة عسكرياً ووجد ان المخاطرة بجيش ضعيف وممزق ستؤدي الى ضرب الحزب الشيعي بكامله وانهيار البقية الباقية من رجالاته المخلصين ، وكان هذا بدون شك تقديراً سليماً وبعد نظر من جانب الحسن ، وعلى ذلك سنجد ضمن ما اشترطه على معاوية بعد توقيع الصلح اعلان العفو العام ، لانه لم يشأ أن يدع تلك النخبة (1) من الحزب في مواجهة معاوية دون أية ضمانات.

---------------------------
(1) كان من ابرزها : حجر بن عدي الكندي ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وسليمان بن صرد وغيرهم.


التوابون _ 55 _

  معاوية وتحويل الخلافة الى ملك وراثيمعاوية وتحويل الخلافة الى ملك وراثي بعد تنازل الحسن ، سقطت آخر معاقل الخلافة الراشدية ، وبدأت مرحلة جديدة في تاريخ الاسلام مختلفة تماماً في أبعادها ومناهجها عن المرحلة السابقة ، وغدت دمشق مركز الحكم وعاصمة الخلافة الاموية التى أرسى قواعدها معاوية ، ولقد كان هذا الاخير يمتلك طموحاً بعيداً ، فانصرف بكل ما أوتي من جهود الى بناء مجتمع جديد ، مطبوع بشخصيته المكيافيلية ، ومتأثر برواسبه القبلية الى أبعد حدود التأثر.
  كانت مشكلة الحكم من أهم ما التفت اليه معاوية ، ولم يقعده بلوغ الخلافة وتحقيق أحلامه في السلطة عن التفكير بها ومحاولة الوصول الى حل جذري لها ، وقد رأى في تجارب الخلفاء الذين سبقوه ، والازمات التي مرت بها الخلافة ، مسوغاً لاحداث تغييرات أساسية في نظام الحكم ، بتحويله من نظام قائم على الشورى الى ملكي أوتوقراطي أو بمعنى آخر من حكم اسلامي ديني الى سياسي دنيوي (1) .
  وكانت أبرز جوانب هذه المشكلة برأي معاوية ، ما

---------------------------
(1) لويس : العرب في التاريخ 89.


التوابون _ 56 _

  يمكن ان يتمخض عن هذه التغييرات من معارضة ، ربما تؤدي الى حرب أهلية ، فالحسن منافسه لا زال في المدينة ووراؤه حزب كبير ، لن يقبل بأي اجراء يجعل من الخلافة ملكاً متوارثاً لبني أمية ، فضلاً عن ان ذلك مناقض للمعاهدة التي عقدت بين الحسن ومعاوية (1) ، وكذلك فان الاحزاب الاخرى ستنفر من هذه الفكرة وستقابلها بالرفض ، ولكن معاوية لا تقلقه كثيراً هذه التصورات فهو يعرف جيداً ماذا يريد ، ولديه من اخلاص جنوده الشاميين ما يدفعه لتنفيذ مخططاته مهما كان السبيل الى ذلك ، بدأ أولاً بتصفية الحسن فأزاح بهذا منافساً رئيسياً من طريقه (2) ، وانتشر رجاله في أقاليم الدولة يبشرون بفكرة الوراثة ويمهدون لقبول الناس بيزيد خليفة بعد أبيه ، وكانت مهمة صعبة أمام هؤلاء ، لم تقتصر على الاقناع بالمبدأ فقط ، ولكن أيضاً حول صلاحية الشخصية المرشحة لولاية العهد التي لم تكن بنظر الناس مؤهلة لتولي منصب حساس كالخلافة.

---------------------------
(1) كان من بنودها : ان يكون الامر للحسن بعد معاوية ، فان حدث شيء للحسن فلأخيه الحسين ، وليس لمعاوية ان يعهد به الى احد : صلح الحسن 253 ـ 254 ، خالد محمد خالد : ابناء الرسول في كربلاء 87.
(2) المسعودي : مروج الذهب 2/427.


التوابون _ 57 _

  على أن ولاية العهد رغم ما أثارته من استهجان في أوساط المسلمين ، فقد تمكن معاوية بواسطة أجهزته من أخذ البيعة ليزيد بغير صعوبة فيما عدا اقليمين كان يعرف هو سلفا موقفهما وهما : العراق والحجاز ، الاول لرفضه الخلافة الاموية أساساً والتزامه بقضايا مختلفة تماماً ، تحركها عوامل سياسية واقليمية واضحة ، والثاني كانت لديه نفس الاعتبارات تقريباً مع فارق واحد يعطي له أهمية خاصة بالنسبة لمعاوية ، فهو مهد الاسلام ومركز العاصمة الاولى للخلافة وملتقى كبار رجالات الاسلام الذين تمتعوا بالاحترام والتأييد الشعبي الواسع.
  واذا كان العراق الذي افتقر حينئذ الى القيادات الفعلية ، قد أرغم بمعظمه على البيعة تحت وطأة السلطة الحديدية التي كان على رأسها زياد بن أبيه ، فان الحجاز كان له موقفاً أشد صلابة عندما رفض ثلاثة من زعمائه الكبار البيعة ليزيد وهم : الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير (1) .
  كان هؤلاء ـ وهم جميعاً أبناء صحابيين كبار ، تولى اثنان منهم (عمر وعلي) الخلافة والثالث (الزبير) نازع علياً عليها وقتل في معركة الجمل ـ يحظون بمكانة عالية

---------------------------
(1) ابن الاثير : 2/252.


التوابون _ 58 _

  في الحجاز لا سيما الحسين الذي كان اكثرهم قدرة على تحريك الناس ضد معاوية والامويين ، ومن أجل ذلك قرر معاوية أن يجابه الموقف بنفسه في الحجاز ويخوض معركة ولاية العهد مباشرة ، فذهب الى المدينة على رأس ألفي فارس وألقى في مسجدها خطبة أشاد فيها بشخصية يزيد المؤهلة ـ بنظره ـ لتولي الخلافة ، ثم غادرها الى مكة حيث انتقل اليها الزعماء الثلاثة ليبحث معهم مسألة ولاية العهد وليأخذ البيعة منهم طوعاً أو كرهاً ، وكان هؤلاء قد كلفوا ابن الزبير محاورته باسمهم فرد عليه وأنكر محاولاته في خرق الشرعية والخروج على سنة الأوائل من الخلفاء ، وكان معاوية حاداً في جوابه لابن الزبير اذ قال له مهدداً (أقسم باللّه لئن رد علي أحد منكم كلمة في مقالي هذا لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف الى رأسه فلا يبقين رجل الا على نفسه) (1) .
  وكان أيضاً مناوراً كعادته حيث جمع الناس في المسجد وخطب فيهم : (ان هؤلاء ـ ويقصد بهم الثلاثة الممتنعين ـ قد رضوا وبايعوا ليزيد ، فبايعوا على اسم الله) (2) .
  وكانت مداهمة معاوية لهؤلاء الزعماء واحراجهم

---------------------------
(1) الخضري : محاضرات في تاريخ الامم الاسلامية 1/89.
(2) ابن الأثير : 2/252.


التوابون _ 59 _

  باعلان بيعتهم دون أن يأخذ منهم تصريحاً بذلك نهاية المطاف بالنسبة للجدل الذي أثير حول ولاية العهد ، ولم يكن أمام زعماء الحجاز الا التسلح بالصبر والانضمام الى فريق الساخطين الذي أخذ حجمه يزداد يوماً بعد آخر ، بانتظار الظروف الملائمة للتعبير بالوسائل السلبية عن الرفض المطلق لنظام الوراثة في الحكم الذي ابتدعه معاوية.
  الاحوال السياسية داخل العراقالاحوال السياسية داخل العراق لنعد الى الوراء قليلاً ، الى بدايات التحرك الشيعي في العراق بعد استسلام هذا الأخير الى معاوية ، وهو استسلام لم يكن في جوهره أكثر من استجابة للامر الواقع واعتراف اكراهي بالخلافة الاموية ، فقد كانت هذه التغييرات السياسية تحمل في صميمها ، الكارثة للعراقيين الذين التزموا مصيرياً بالقضية العلوية ووقفوا الى جانب علي الذي جعل من عراقهم مركز الحكم في الاسلام ، بما يعنيه ذلك من أهمية سياسية واقتصادية وما يعكسه من شعور بالتفوق ، أصبح الآن أكثر وضوحاً من قبل.
  واذ ينقلب الموقف وتتحطم الاحلام وتنهار المكاسب ، كان لا بد من تقويم لما جرى ووضع الامور في نصابها ، وفي غمرة ذلك وجد العراقيون أنفسهم يتحملون وزر هذا المصير الذي آلوا اليه ، ويتتبعون بأسى الصورة القاتمة

التوابون _ 60 _

  لمستقبلهم السياسي في ظل السيادة الاموية ، ولم يكن هنالك ادنى ريب في أن أية مقارنة بين النظام السابق والنظام الجديد ليست في بال على الاطلاق ، فمعاوية ما كاد يستتب له الامر في العراق ، حتى انهارت تلك الصورة الزائفة التي اقترنت بها شخصيته ، القائمة على الحنكة والدهاء ... فاذا به في العراق انساناً آخراً ونموذجاً مختلفاً ، وكان معاوية يعرف جيداً أن أقلية ضئيلة فقط بايعته ربما على قناعة أو سعياً وراء مصلحة خاصة ، أما الغالبية فقد بايعته مكرهة وتحت التهديد ، وكان يعرف أيضاً أن هذه الفئة الرافضة بمختلف فصائلها ستنقلب عليه ، ان لم يكن اليوم فغداً.
  أخذت ملامح السياسة الجديدة للخليفة الاموي ، القائمة على التحدي والاستفزاز والمبادرة بالعنف ، تتبلور بالنسبة للعراق وتوحي بأن أحداثاً خطيرة سيشهدها هذا الاقليم ، فقد أرسل معاوية أحد البارزين في نظامه وهو المغيرة بن شعبة ، والياً على الكوفة ومعه صلاحيات مطلقة ، وتوجيهات بشتم علي من فوق منبر المسجد ، ومراقبة تحركات زعماء الشيعة وملاحقة المتحمسين منهم للقضية العلوية (1) ، ولقد نفذ المغيرة باخلاص تعليمات سيده ،

---------------------------
(1) فلهوزن : الخوارج والشيعة 149.


التوابون _ 61 _

  ولكن بأسلوبه المرن الذي عرف عنه ، فشغل الكوفيين بحرب الخوارج ودفع بصفوة زعمائهم الى أتونها ، ليصرفهم عن مقارعة السلطة واثارة المشاكل ضدها ، وقد لاقت سياسته نجاحاً نسبياً في هذا المجال ، ولكن التجرؤ على مهاجمة الخليفة الراشدي لم يستسغه الكوفيون ووجدوا فيه اهانة صريحة لهم وانتهاكاً لقيمهم ومعتقداتهم ، وكان أن اصطدم المغيرة بعدد من زعمائهم كحجر بن عدي أحد أبرز رجالات قبيلة كندة الشهيرة وأول من ثار بشدة على سياسة التجريح بالخليفة السابق ، وصعصعة بن صوحان من بني عبد القيس (1) الذي نفي بأمر من المغيرة ـ بعد أن ضاق بمعارضته ـ ومات في منفاه (2) .
  ورغم ما أظهره المغيرة من براعة في حكم مدينة تعج بالمتطرفين من أعداء النظام الذي يمثله ، فان ذلك لم يعجب معاوية ، الذي أخذ عليه تساهله مع العلويين وبشكل خاص موقفه ازاء حجر بن عدي (3) ، ويحلل المغيرة هذا الموقف أمام منتقديه من أقاربه وامام معاوية (4) بأنه تقدم في السن ولا يجب أن يبتدأ عمله في الكوفة بسفك دماء رجالها وقتل زعمائها (5) .

---------------------------
(1) الطبري : 6/106.
(2) ثابت الراوي : العراق في العصر الاموي 140.
(3) الدينوري : الاخبار الطوال 236.
(4) فلهوزن : الخوارج والشيعة 149 ـ 150.
(5) الطبري : 6/142.


التوابون _ 62 _

  ولم يكن شأن البصرة بمختلف عن الكوفة ، فهي رغم عدم مماشاتها هذه الاخيرة بنفس الحماسة في قضاياها السياسية ، فان موقفها من النظام الاموي كان معروفاً ولم يتعد حدود التسليم بالامر الواقع ، لذلك لم يكن عبد الله بن عامر ، الوالي المعين في البصرة ، الشخصية المؤهلة ، بنظر معاوية ، لتنفيذ سياسته العراقية ، وأخذ حينئذ يبحث عن شخصية قوية يعهد اليها بحكم العراق بكامله حيث ضاق ذرعاً بسلوك المغيرة في الكوفة ، فوجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور هو زياد بن أبيه عامل علي السابق على فارس ، وكان لا يزال يحتفظ بمنصبه ويرفض الاعتراف بمعاوية ، واستطاع معاوية اقناعه بالانضمام اليه وذلك بعدما استلحقه بأسرته (1) ، وقد شغل المغيرة دوراً بارزاً في اقناع زياد بالتخلي عن رفضه للنظام الاموي والانقلاب الى التعاون معه.
  ولم يلبث زياد أن صار أميراً على البصرة (45 هجري) فنجح في مهمته الى حد كبير ، وأدى لمعاوية فوق ما يتطلبه من خدمات ، وكانت خطبته الشهيرة (البتراء) التي فاجأ بها أهل البصرة مؤشراً لسلوكه الجديد وبرنامجاً واضحاً لسياسته العراقية المقبلة التي ستمتد على كل العراق بعد وفاة المغيرة (2) وانتقال الكوفة اليه.

---------------------------
(1) تاريخ خليفة 1/241.
(2) تاريخ خليفة 1/247 ، سنة خمسين للهجرة.


التوابون _ 63 _

  والامر الذي يثير الاستغراب بالنسبة لزياد ، ذلك التحول المذهل من نقيض الى آخر.
  فبعد ان كان من أشد المؤيدين لعلي ـ الذي اختاره ، لكفاءاته الادارية والسياسية ، حاكماً على فارس دون الالتفات الى تصنيفه الاجتماعي ـ أصبح من أشد المتعصبين تطرفاً ضد العلويين ، ومنسجماً الى أبعد حدود الانسجام مع معاوية في أساليبه الانتهازية (1) .
  ففي نفس السنة (2) التي جمعت فيها الكوفة لزياد افتتح نشاطه المعادي للشيعة بالقبض على حجر بن عدي (3) وارساله الى دمشق حيث جرت له تصفية جسدية مع عدد من رفاقه على يد معاوية(4) .
  لم يمر استشهاد حجر ـ دفاعاً عن مبادئه والتزاماً بمواقفه التي رفض أية مهادنة على حسابها ـ دون أن يثير موجات شديدة من الغضب في صفوف الشيعة ، خاصة في الكوفة ، ولم تستطع قبضة زيادة الحديدية اسكات المعارضة التي أخذت في التبلور حينئذ ، وعلى عكس ذلك

---------------------------
(1) ابراهيم الابياري : معاوية 244.
(2) 51 للهجرة.
(3) محمد جواد فضل الله : حجر بن عدي الكندي ، 121 وما بعدها.
(4) تاريخ خليفة : 1/251.


التوابون _ 64 _

  فقد أدى مقتل الزعيم الكوفي الى ولادة الحزب الشيعي ، بأبعاد جديدة ومفاهيم سياسية وعقائدية خاصة ، وفي خلال عشر سنوات أتيح لهذا الحزب أن يعبر هذه المحنة بصبر ، وأن يجتاز هذا المناخ الارهابي وهو أكثر صلابة وأقوى ايماناً.

خلافة يزيد وتحرك الحسين (عليه السلام)
  مات معاوية في العام الستين للهجرة ، وفي نفسه شيء من الملك ، بعد أن تربع على رأس السلطة أربعين عاماً كاملة نصفها كأمير والآخر كخليفة ، ولعله شعر بالاطمئنان في قرارة نفسه الى دوام الملك واستمرارية الخلافة في أسرته بانتقال الامر من بعده الى يزيد ، ولكن هذا الاطمئنان كان مشوباً بالقلق على مصير البنيان الذي شيده بالقوة وبنفاذ الصبر ، فلم يكن هناك أي مجال للمقارنة بين الاب ، السياسي الذكي وبين الابن ، الأرعن الغارق في العبث واللهو والمجون ، وشاء معاوية أن يغير هذه الصورة التي التصقت بابنه ، فأقحمه في غمار مسؤوليات أثبتت الايام انه عاجز كل العجز عن تحملها.
  فقد أرسله حاجاً الى مكة (1) ووضعه على رأس حملة القسطنطينية الضخمة ، ولكن لا فريضة الحج صبغته بالوقار ، ولا قيادة الحملة

---------------------------
(1) خالد محمد خالد : ابناء الرسول في كربلاء 90


التوابون _ 66 _

  جعلت منه قائداً عسكرياً لامعاً ، فالصورة التي في أذهان الناس ظلت كما هي تأبى أن تتغير.
  تسلم يزيد الخلافة اذاً ، ومعها ميراثاً ثقيلاً من المشاكل ، كان معاوية قد نجح في تجميدها أو تأخير انفجارها ، ومن أبرز هذه المشاكل ، مشكلة الخلافة نفسها ، فهناك أكثر من طامح يتحين الفرصة المناسبة للوثوب في سبيلها ، ففي مكة اعتكف عدد من زعماء العرب من أبناء الخلفاء السابقين وغيرهم ، احتجاجاً على خلافة يزيد وتكريساً لعدم اعترافهم بها ، وفي الكوفة ، مركز الحزب الشيعي الذي سار شوطاً مهماً في عملية البناء التنظيمي ، اتخذت الامور بعداً آخراً تعدى الاحتجاج والرفض الى الثورة الشعبية.
  والواقع ان ملامح التحرك في الكوفة بدأت في وقت سابق أيام معاوية ، فقد ذهب أكثر من وفد من الحزب الى المدينة وبحث مع الحسن في شأن الثورة ، وها هو سليمان بن صرد الخزاعي يخاطبه باسم أحد الوفود : (فان شئت فاعد الحرب جذعة ، وأذن لي في تقدمك الى الكوفة ، فأخرج عنها عاملها وأظهر خلعه ، وتنبذ اليهم على سواء ان الله يحب الخائنين) (1) .

---------------------------
(1) دائرة المعارف الاسلامية الشيعية 2/45.


التوابون _ 67 _

  ولكن الحسن كان يرى حينئذ أن الاسباب التي دفعته الى التنازل لازالت قائمة ، والظروف نفسها لازالت مهيمنة وسط جو من الارهاب أكثر ما يصيب العراق ، الخزان البشري الاول لاية ثورة شيعية مرتقبة.
  ولنستمع الى قول الحسن امام ممثلي الحزب :
  (ما أردت بمصالحتي معاوية ألا أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب) (1) .
  أو قوله :
  (... فصالحت بقيا على شيعتنا خاصة من القتل ، ورأيت دفع هذه الحرب الى يوم ما (2) .
  كان الحسن صادقاً في تصوير الموقف الى حد كبير ، فهو كزعيم لهذا الحزب يتحمل مسؤولية أي تحرك قبل غيره ، وأي فشل في ظل هذه الظروف قد يؤدي الى تدمير الحزب والقضاء عليه نهائياً.
  وكان هذا رأي الحسين أيضاً حين تسلم زعامة الحزب فآثر عدم الثورة في عهد معاوية ، والانصراف الى تنظيم الحزب واعداد عناصره اعداداً جيداً بحيث يصبحون

---------------------------
(1) الدينوري : الاخبار الطوال 221.
(2) الدينوري : الاخبار الطوال 220.


التوابون _ 68 _

  على قدر من النضج والوعي قبل القيام بأي نشاط علني.
  ولا بد من الاعتراف بأن مهمة الحسين لم تكن سهلة أبداً ، لان أجهزة معاوية كانت على جانب كبير من الخبرة والحذر الامر الذي كان يجعل من اتصالات الحسين أمراً عسيراً للغاية ، خاصة في الفترة التي خضعت فيها الكوفة لزياد بن أبيه ، وكان العامل الجغرافي يزيد الامور تعقيداً ، بابتعاد قواعد الحزب عن قياداته بحيث سيكون لهذا العامل الاثر الاكثر أهمية في اخفاق ثورة الحسين وغيرها من الثورات الشيعية فيما بعد.
  بعد تسلم يزيد زمام الحكم أحس الجميع أن ثوب الخلافة فضفاضاً عليه ، حيث كان ينقصه الكثير من ذكاء أبيه وحساباته الدقيقة للامور ، وكان ذلك فرصة مناسبة للحزب الشيعي في الكوفة بأن يتحرك ... فجرت اتصالات مع زعيم الحزب في الحجاز ، وكان حينئذ يتعرض لمجابهة من قبل ممثل السلطة الاموية في المدينة الوليد بن عتبة ، الذي تلقى أوامر الخلافة بالسعي الى انتزاع الحسين ورفاقة الرافضين بأي ثمن.
  ولا يتَخلى الحسين عن فطنته وبعد نظره ، وهو ذاهب لمقابلة الوليد على رأس مجموعة مسلحة من أتباعه تحسباً لاي طارئ (1) ، وبجرأة متناهية رد على الوالي

---------------------------
(1) الطبري : 6/189.


التوابون _ 69 _

  بحضور شيخ بني أمية مروان بن الحكم : (ان مثلي لا يعطي بيعته سراً ، ولا أراك تجتزيء بها مني سراً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية) (1) .
  أدرك الوليد ما وراء كلمات الحسين من اصرار على الرفض ، ولم يشأ أن يتمادى في الحوار معه أكثر من ذلك ، متجاهلاً نصيحة مروان الذي أشار عليه : (احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه) (2) ... وفي صباح اليوم التالي كان الحسين قد رحل الى مكة.
  وهناك شعر بوطأة السلطة تخف عن كاهله قليلاً ، ولكن رحلته لم تقف عند هذا الحد... فلم تكن هرباً من البيعة وانما مواجهة مصيرية لمسؤولياته ولقاء حاسماً مع دوره التاريخي الذي كان في انتظاره.
  في مكة عاش الحسين مستغرقاً في أفكاره وتأملاته لتكوين صورة واضحة للموقف النهائي.
  وفي الكوفة كان أركان الحزب الشيعي يجتمعون في منزل سليمان بن صُرد الخزاعي حينما تناهى اليهم خروج زعيم الحزب الى

---------------------------
(1) الطبري : 6/189.
(2) الطبري : 6/189.


التوابون _ 70 _

  مكة (1) ، فقرروا أن الظروف مواتية للتحرك ، فكتبوا الى الحسين يطلبون منه القدوم وتسلم قيادة الثورة.
  أخذت الرسائل تتوالى على الحسين ـ وأكثرها من زعماء اليمانية البارزين ـ وفيها الحاح بعدم التأخر ، وانتظر الحسين وقتاً ريثماً يستكمل دراسته للموقف ، ولم يكن ذلك تردداً وانما تحسباً لا بد منه ، فخروجه على النظام الاموي بات أمراً لا جدال فيه ، لان يزيداً لن يدعه الا اذا بايع له ، وقراره بشأن البيعة لا عدول عنه فالمصادمة بينهما اذاً واقعة وحتمية.
  وانطلاقاً من هذا الشعور قرر الحسين ارسال أحد معاونيه وثقاته وهو مسلم بن عقيل الى الكوفة ليطلع عن كثب على الموقف ويمهد له الطريق ، وأرسل أيضاً مندوباً آخر الى البصرة حمّله صورة عن البرنامج السياسي للثورة ورسائل الى زعمائها أمثال الأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم (2) بهدف توسيع رقعة الثورة وفتح أكثر من جبهة ضد الامويين.
  ولكن الامور لم تسر في البصرة كما في الكوفة ، فقد وصل مسلم هذه الاخيرة وحل في منزل المختار بن أبي عبيد الثقفي وهو أحد زعماء الحزب الشيعي (3) .

---------------------------
(1) ابن الاثير : 4/8 ـ 9.
(2) خالد محمد خالد : ابناء الرسول في كربلاء 109.
(3) الطبري : 6/169.


التوابون _ 71 _

  ومن هناك أخذ يجري اتصالاته مع بقية الزعماء بسرية تامة ، حتى اذا استكمل هذه الاتصالات وضمن التأييد الكافي للتحرك كتب الى الحسين يطلب منه القدوم.
  غير أن استخبارات السلطة وقفت على نشاط مسلم ورفعت تقريراً عنه الى أمير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري ، وكان معروفاً باعتداله ، فرفض أن ينساق مع زبانية النظام باتخاذ أي اجراء ضد مسلم ، فرفع هؤلاء تقريرهم مباشرة الى يزيد وفيه تحذير من نشاط مسلم ورغبة باستبدال واليهم الضعيف ، بآخر قوي قادر على العنف ولا يرتبك من سفك الدماء.
  وكان ذلك أول امتحان لخلافة يزيد ، أثبت صحة ما قيل في شخصيته الانفعالية وفي كفاءته المحدودة في عالم السياسة ، فقد سارع الى عزل النعمان بن بشير فوراً ، وتسمية واليه على البصرة عبيد الله بن زياد والياً على الكوفة بالاضافة الى منصبه ، وكان هذا ما تمناه زبانية النظام والمستفيدين من خيراته ، فهذا الرجل خريج بارز من مدرسة العنف التي كان أبوه زياد أول مؤسسيها في العراق ، ولعله كان أكثر تطرفاً وأشد عنفاً من أبيه.
  أثبت عبيد الله أنه على استعداد دائم لاية مهمة يكلفه بها الخليفة ، وكان هو على علم بتحركات الحزب الشيعي

التوابون _ 72 _

  عن طريق أحد الذين راسلهم الحسين (1) ، وكان هذا كافياً لاجهاض أية مبادرة من البصرة للمشاركة في التحرك ، وبعد أن غادر هذه الاخيرة الى الكوفة عين عليها نائباً عنه هو أخوه عثمان بن زياد (2) وأوصاه باستعمال الشدة والحزم.
  وفي الكوفة ، حيث انتقل اليها عبيد الله ملثماً وعلى رأسه عمامة سوداء ، أخذت الامور تنعقد على جبهة الحزب الشيعي وتلاحقت الاحداث فيها بسرعة مذهلة ، فقد كان الناس حينئذ يترقبون وصول الحسين بين لحظة وأخرى ، حتى انهم اعتقدوه ذلك الملثم الذي ظهر في الكوفة ، وبعد وصوله الى قصر الامارة أحاط ابن زيادة نفسه بالشرطة ، ومن هناك أخذ يخطط لانقلابه ، مستفيداً من البلبلة التي خلقها ظهوره في الكوفة ، بدأ أولاً بنشر جواسيسه في المدينة لمعرفة مكان مسلم بن عقيل ، حتى علم أخيراً انه في منزل هاني بن عروة (3) أحد الزعماء الشيعيين ، فاستدعى هذا الاخير وسأله عن مسلم ، فأنكر وجوده في بيته ، غير أن ابن زياد فاجأه بالجاسوس الذي شاهده في داره(4) ،

---------------------------
(1) المنذر بن الزبير ، ابن الاثير : 4/10.
(2) ابن الاثير : 4/10.
(3) الطبري : 6/202.
(4) ابن الاثير : 4/12.


التوابون _ 73 _

  فاعترف هاني حينئذ ولكنه رفض تسليمه وأصر على ذلك رغم السجن والتعذيب (والله لو لم أكن الا واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه) (1) .
  وفي تلك الاثناء كان ابن زياد يقوم بحملة اعلامية واسعة لاستعادة زمام الموقف الذي أفلت ، وفق مخطط ذكي وتكتيك بارع ، فأوهم رؤساء القبائل بأن جيوشاً عظيمة من الشام تشق طريقها الى العراق (2) ، ونثر رجاله في شوارع الكوفة لتخذيل الناس عن مسلم
  ومحاولة التأثير عليهم نفسياً باشاعة جو من الذعر والخوف (3) ، وقد أعطت هذه الحملة نتائجها الايجابية ، ووجد رسول الحسين نفسه أخيراً في قلة قليلة جداً من الانصار (4) وفوجئ بشرطة ابن زياد يقودها محمد بن الاشعث تلقي عليه الحصار ، فقاوم ببطولة ولكن دول جدوى ، وسيق أخيراً الى قصر الامارة ليواجه مصيره بنفس الشجاعة البطولية (5) ، ثم جيء برفيقه هاني بن عروة من سجنه وقد أنهكوه تعذيباً ، وحمل الى السوق حيث أعدم أمام

---------------------------
(1) الطبري : 6/206.
(2) الطبري : 6/208.
(3) مقاتل الطالبيين : 67.
(4) الطبري : 6/208.
(5) الطبري : 6/213 ، مقاتل الطالبيين : 71.


التوابون _ 74 _

  جمهور من الناس (1) ، وقبل أن ينبلج صباح اليوم التالي كان رأساً مسلم وهاني أول شهيدين في ثورة الحسين ، مغروسين على أسنة الرماح في طريقهما الى دمشق.
  سارع ابن زياد الى تطويق ذيول ما يمكن أن يحدثه مصرع الزعيمين الشيعيين من ردة فعل في الكوفة ، فأبعد عنها عدداً من المتعاونين مع مسلم وقبض على أشدهم خطورة وزج بهم في السجن من أمثال المختار بن ابي عبيد الثقفي وسليمان بن صُرد الخزاعي والمسيّب بن نجبه الفزاري وغيرهم (2) ، واختفت فئة من هؤلاء ، فلم تتمكن منها شرطة ابن زياد
  وجواسيسه ... وأما الذين استهوتهم اغراءات أمير الكوفة ، فقد انضموا الى جانب السلطة وأصبحوا جزءاً من النظام الحاكم وصاروا يشكلون طبقة لها امتيازاتها الخاصة عرفت بطبقة الاشراف.
  والواقع ان الانقلاب الذي قاده ابن زياد ضد مسلم في الكوفة لم يكن يخلو من مغامرة.
  وقد ساعدته عدة عوامل على نجاح انقلابه وافشال حركة مسلم أهمها شخصيته السياسية الصارمة التي شابهت الى حد كبير شخصية أبيه ، ثم التركيب القبلي في الكوفة ونجاح

---------------------------
(1) الطبري : 6/213.
(2) احمد البراقي : تاريخ الكوفة : 289.


التوابون _ 75 _

  أميرها في شق الوحدة السياسية لاكثر من قبيلة واستقطابه عدد غير قليل من رؤساء القبائل ، وأخيراً فان التزام مسلم بخط اخلاقي واضح ، هو خط الثورة التي كان يبشر بها جاء في مصلحة ابن زياد الذي استغل الظروف بأسلوب مناقض تماماً ، في وقت كانت فيه المبادرة في يد مسلم ، وكان بامكانه أن يبطش بعدوه (1) ولكن اخلاقيته واطمئنانه الى موقف الكوفة دفعاه الى اضاعة هذه الفرصة المهمة من يده.
  وبذلك انطوت الصفحة الاولى من المأساة التي توّجها الحسين بسقوطه في كربلاء دون أن تتم فصولاً ، وفي تلك الاثناء كان الحسين قد غادر الحجاز (في الثامن من ذي الحجة سنة 60 هجري) متجهاً الى الكوفة ومعه نفر قليل من أهله الاقربين ، وهو لا يعلم من تفاصيل ما جرى في المدينة سوى أخبار الثمانية عشر ألفا الذين بايعوا مسلماً على الموت (2) .
  وقد يقول قائل أن خروجه تم قبل جلاء الصورة تماماً في الكوفة ، ولكن ألم تكن تكفي الاحتياطات التي اتخدها والضمانات التي حصل عليها ؟ ، وهل كان بامكانه أن يسلك طريقاً آخراً حينئذ طالما أصر

---------------------------
(1) الطبري : 6/204.
(2) الطبري : 6/207.