تأليف
السيد المرتضى العسكرى
على مائدة الكتاب و السنة (7)

بسم الله الرحمن الرحيم
( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) ( الواقعة / 77 )


المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم


  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد و آله الطاهرين ، و السلام على أصحابه البررة الميامين.
  و بعد : تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا نشعر ، و ضعفنا عن الدفاع عن بلادنا ، و سيطر الأعداء علينا ، و قد قال سبحانه و تعالى : ( وأطيعوا الله و رسوله و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم ) ( الأنفال / 46 ) .
  و ينبغي لنا اليوم و في كل يوم أن نرجع إلى الكتاب و السنة في ما اختلفنا فيه و نوحد كلمتنا حولهما ، كما قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شي‏ء فردوه إلى الله و الرسول ) ( النساء / 59 ) .

المصحف في الروايات والآثار _ 2 _

  و في هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب و السنة و نستنبط منها ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف ، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا.
  راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال ، و يبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان :
  بيروتـص . ب 124 / 24
  العسكري

المصحف في الروايات والآثار _ 3 _

  المصحف
1 ـ في اللغة :
  الصحيفة : التي يكتب فيها ، و الجمع صحائف و صحف و صحف ، و المصحف و المصحف : الجامع للصحف بين الدفتين (1) .
  و قالوا في تفسير الدفتين ، الدفة : الجنب من كل شي‏ء و صفحته ، و دفتا الطبل : الجلدتان اللتان تكتنفانه ، و يضرب عليهما ، و منه دفتا المصحف ، يقال : حفظ ما بين الدفتين (2) ، أي : حفظ الكتاب من الجلد إلى الجلد ، و بناء على ما ذكرنا ، فإن المصحف : اسم للكتاب المجلد ، و ذلك لأنه إذا كانت الصحيفة : هي ما يكتب فيها و جمعها الصحف ، و المصحف : هو الجامع للصحف بين الدفتين ، و الدفتان : هما جلدتا الكتاب ، فالمصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلد في كلامنا .
  و بناء على ما ذكرنا : إن المصحف اسم لكل كتاب مجلد قرآنا كان أم غير قرآن.

------------------------------------
(1) راجع مادة (صحف) في الصحاح للجوهري (ت 393 ه) . والمحكم لابن سيده (ت 458 ه) . والمفردات للراغب (ت 502 ه) .
  ولسان العرب لابن منظور (ت 711 ه) ، والقاموس المحيط للفيروز آبادي (ت 816 أو 817 ه) .
(2) راجع تاج العروس للزبيدي (ت 1205 ه) ، والمعجم الوسيط ، مادة (دفف) .

المصحف في الروايات والآثار _ 4 _

2 ـ في مصطلح الصحابة :
  استعمل المصحف بالمعنى اللغوي في روايات (جمع القرآن) حتى عهد عثمان.
  فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخصه : أن الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن ، قال : فتتبعت القرآن أجمعه ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر في حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر.
  و روى بعدها عن أنس ما ملخصه :
  أن عثمان عند ما أراد أن يجمع القرآن أرسله إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ... ، الخبر (1) .

------------------------------------
(1) صحيح البخاري ، كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن 3 : .150

المصحف في الروايات والآثار _ 5 _

  و من الواضح أن الصحف و المصاحف ذكرا في الخبرين المذكورين آنفا بنفس المعنى اللغوي : ( الكتاب المجلد ).
  و أكثر تصريحا مما جاء عند البخاري ، ما جاء عند ابن أبي داود السجستاني في باب : جمع القرآن في المصحف من كتابه : (المصاحف) ، فقد روى فيه :
  أ ـ عن محمد بن سيرين ، قال :
  لما توفي النبي (ص) أقسم علي أن لا يرتدي الرداء إلا لجمعة ، حتى يجمع القرآن في مصحف .

المصحف في الروايات والآثار _ 6 _

  بـعن أبي العالية :
  أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر.
  جـعن الحسين :
  أن عمر بن الخطاب أمر بالقرآن ، و كان أول من جمعه في المصحف (1) ،استشهدنا بهذه الروايات الثلاث لأنها تدل على أن في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم أعم من القرآن ، فقد جاء فيها حسب التسلسل :
  أ ـ حتى يجمع القرآن في مصحف.
  بـجمعوا القرآن في مصحف.

------------------------------------
(1) كتاب المصاحف للحافظ أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني (ت 316 ه) تصحيح الدكتور اثر جفري ، ط الأولى القاهرة 1355 ه و
الروايتان : (أ) و (ج) في ص 10 منه ، و الرواية (ب) في ص 9 منه.

المصحف في الروايات والآثار _ 7 _

  جـو أمر بالقرآن فجمع ، و كان أول من جمعه في المصحف.
  و لو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالآتي : أـحتى يجمع القرآن في القرآن .
  بـجمعوا القرآن في القرآن.
  جـو كان أول من جمع القرآن في القرآن.

3 ـ في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام :
  و قد جاء المصحف في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام‏بنفس المعنى اللغوي لمدرسة الخلفاء ، فقد روى الكليني في‏باب (قراءة القرآن في المصحف) :
  الحديث الأول عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام ، قال : (من قرأ القرآن في المصحف متع ببصره ، و خفف عن والديه ، و إن كانا كافرين).

المصحف في الروايات والآثار _ 8 _

  و في الحديث الرابع منهـأيضاـعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : (قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين ، و لو كانا كافرين) (1) .
  و بناء على ما ذكرنا ثبت أن المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة و التابعين و الرواة بمدرسة الخلفاء و مدرسة أهل البيت عليهم السلام و يراد به الكاب المجلد ، أي : أن المصحف استعمل في محاوراتهما في عصر الإسلام الأول في معناه اللغوي و اشتهر بعد ذلك في مدرسة الخلفاء تسمية القرآن‏المدون و المخطوط بين الدفتين ب (المصحف).

4 ـ في أخبار مدرسة الخلفاء :
  و قد سمي في مدرسة الخلفاء غير القرآن بالمصحف كالآتي :

------------------------------------
(1) أصول الكافي 2 : 613 ط طهران سنة 1388 ه.

المصحف في الروايات والآثار _ 9 _

  مصحف خالد بن معدان :
  روى كل من ابن أبي داود (ت 316 ه) و ابن عساكر (ت 571 ه) و المزي (ت 742 ه) و ابن حجر (ت 852 ه) بترجمة خالد بن معدان و قالوا :
  ان خالد بن معدان كان علمه في مصحف له أزرار و عرى (1) .
  فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف؟
  كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام و من التابعين ، أدرك سبعين من الصحابة ، ترجم له ابن الأثير (ت 630 ه) في مادة الكلاعي (2) ، و قال : توفي خالد سنة ثلاث أو أربع أو ثمان و مائة هجرية.

------------------------------------
(1) المصاحف : 134ـ135 ، و تاريخ دمشق مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران 5/2/259 أ ، و تهذيب الكمال ، مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق ، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران 2/170 ، و تهذيب التهذيب 3 : 118ـ .119
(2) اللباب في تهذيب الأنساب 3 : 62ـ63 ، و راجع مصادر ترجمته في الهامش رقم .8

المصحف في الروايات والآثار _ 10 _

5 ـ اشتهار المصحف في كل ما كتب و جعل بين الدفتين
   : الكتاب الملجد كان استعمال المصحف في ما كتب و جعل بين الدفتينـأي الكتاب المجلدـمشهورا و متداولا لدى العلماء و الباحثين بمدرسة الخلفاء ، و اليكم المثالين الآتيين لذلك :
  أ ـ عنوان ابن أبي داود السجستاني من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالآتي :
  1 ـ جمع أبي بكر الصديق (رض) القرآن في المصاحف بعد رسول الله (ص) .
  2 ـ جمع علي بن أبي طالب (رض) القرآن في المصحف.
  3 ـ جمع عمر بن الخطاب (رض) القرآن في المصحف (1) .

------------------------------------
(1) كتاب المصاحف : 5 و 10 منه ، حسب التسلسل الذي أوردناه.

المصحف في الروايات والآثار _ 11 _

  بـو من المعاصرين قال ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي : و كانوا يطلقون على الكتاب المجموع : لفظ المصحف ، و يقصدون به مطلق الكتاب ، لا القرآن وحده ، فمن ذلك ما ذكره ...
  ثم نقل خبر مصحف خالد بن معدان من كتاب‏المصاحف لابن أبي داود السجستاني (1) .

6 ـ في مصطلح الأمم السابقة :
  تسمية الكتب الدينية للأمم السابقة بالمصحف :
  و كذلك سميت الكتب الدينية للأمم السابقة بالمصحف كما جاء في طبقات ابن سعد بسنده :

------------------------------------
(1) مصادر الشعر الجاهلي : 139 ط الخامسة.و قد نقله من المصاحف للسجستاني : 134ـ .135

المصحف في الروايات والآثار _ 12 _

  عن سهل مولى عتيبة : أنه كان نصرانيا من أهل مريس ، و أنه كان يتيما في حجر أمه و عمه ، و أنه كان يقرأ الإنجيل ، قال : فأخذت مصحفا لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة ، فأنكرت كتابتها حين مرت بي و مسستها بيدي ، قال : فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء ، قال : ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد (ص) : أنه لا قصير و لا طويل ، أبيض ، ذو ضفيرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتباء ، و لا يقبل الصدقة ، و يركب الحمار و البعير ، و يحتلب الشاة ، و يلبس قميصا مرقوعا ، و من فعل ذلك فقد برى‏ء من الكبر ، و هو يفعل ذلك ، و هو من ذريةإسماعيل ، اسمه أحمد ، قال سهل : فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمد (ص) جاء عمي ، فلما رأى الورقة ضربني و قال : مالك و فتح هذه الورقة و قراءتها ؟ فقلت : فيها نعت النبي (ص) أحمد ، فقال : إنه لم يأت بعد (1) .

------------------------------------
(1) طبقات ابن سعد 1 : 363 ط بيروت.

المصحف في الروايات والآثار _ 13 _

  و هكذا وجدنا المصحف إسما عاما للصحف بين الدفتين ، و إن صح ما جاء في رواية المصاحف لابن أبي داود أن أبا بكر كان قد سمى القرآن بالمصحف ، فإن هذه التسمية لم تشتهر حتى عصر عثمان ، كما يظهر ذلك من الخبرين اللذين نقلناهما آنفا من صحيح البخاري ، و إنما اشتهرت تسمية القرآن بالمصحف بعد ذلك ، و عند ذاك أيضا لم تبق هذه التسمية منحصرة بالقرآن ، بل سميت كتب أخرى في مدرسة الخلفاء و مدرسة أهل البيت عليهم السلام ب (المصحف) ، و كان منها مصحف فاطمة إبنة رسول الله صلى الله عليه و آله كالآتي خبره :

7 ـ مصحف فاطمة عليها السلام ابنة الرسول صلى الله عليه و آله :
  جاء في الروايات : أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه و آله كان لها كتاب اسمه المصحف فيه إخبار بالمغيبات.

المصحف في الروايات والآثار _ 14 _

  لقد جاء في بصائر الدرجات بأكثر من سند عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : لأقوام كانوا يأتونه و يسألونه عما خلف رسول الله صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام و عما خلف علي إلى الحسن : (لقد خلف رسول الله صلى الله عليه و آله عندنا ما فيها كل ما يحتاج إليه حتى أرش‏الخدش و الظفر ، و خلفت فاطمة مصحفا ما هو قرآن ...) الحديث (1) .
  إذن فقد كان لابنة رسول الله صلى الله عليه و آله مصحف ، كما كان لخالد ابن معدان كتاب اسمه المصحف فيه علمه.
  و إن أئمة أهل البيت الذين انتشر منهم هذا الخبر نصوا على أنه ما هو بالقرآن و ليس فيه شي‏ء من القرآن ، بل هو إخبار بالحوادث الكائنة في المستقبل.

------------------------------------
(1) بصائر الدرجات : 156 ، و أوردت موضع الحاجة من الحديث ، و راجع تفصيل الخبر في معالم المدرستين 2 : .322

المصحف في الروايات والآثار _ 15 _

  و مع الأسف الشديد افترى بعض الكتاب في مدرسةالخلفاء و قال : إن مصحف فاطمة عند أتباع مدرسة أهل البيت ، قرآن آخر!!!و لكن أتباع مدرسة أهل البيت لم يقولوا هذا القول في شأن مصحف خالد و لا الكتاب لسيبويه.

8 ـ مصاحف الصحابة :
  أنه كان لكثير من الصحابة مصاحف كتب كل منهم في مصحفه القرآن و ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه و آله في تفسير بعض آيات القرآن ، إذا كان معنى مصاحف الصحابة في عصر الصحابة : القرآن المكتوب مع حديث الرسول في تفسير بعض آياته ، كما هو الحال في تفاسير القرآن بالمأثور مثل : الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور للسيوطي في مدرسة الخلفاء ، و البرهان في تفسير القرآن لدى أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

المصحف في الروايات والآثار _ 16 _

  مثالان لمصاحف الصحابة :
  أ ـ مصحف أم المؤمنين عائشة.
  رووا عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا و قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني : حافظوا على الصلوات و الصلوة الوسطى ، فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي : حافظوا على الصلاة و الصلاة الوسطى و صلاة العصر و قوموا لله قانتين ، قالت عائشة : سمعتها من رسول الله (ص) .
  بـمصحف أم المؤمنين حفصة.
  عن أبي رافع مولى حفصة أنه قال : استكتبتني حفصة مصحفا ، فقالت : إذا أتيت على هذه الآية ، فتعال حتى أمليها عليك كما قرأتها ، فلما أتيت على هذه الآية حافظوا على الصلوت ، قالت : اكتب : حافظوا على الصلوات و الصلوة الوسطى‏[و صلاة العصر] (1) .

------------------------------------
(1) سيأتي تفصيل أخبار مصاحف الصحابة باسنادها إن شاء الله تعالى في المجلد الثاني من هذا الكتاب في بحث اختلاف مصاحف الصحابة.

المصحف في الروايات والآثار _ 17 _

  و مصاحف أخرى سوف نذكرها في ما يأتي بإذنه تعالى.

9 ـ مصحف الرسول صلى الله عليه و آله :
  سيأتي في بحث من تاريخ القرآن على عهد أبي بكر أن الرسول صلى الله عليه و آله أوصى الإمام عليا عليه السلام أن لا يرتدي رداءه بعد وفاةالرسول صلى الله عليه و آله حتى يجمع الصحف التي كانت في بيت الرسول صلى الله عليه و آله التي كتب عليها القرآن بأمر الرسول صلى الله عليه و آله ، و لم تكن أي القرآن التي كتبت في تلك الصحف بدعا عما كتبها الصحابة في صحفهم مما تعلموها من لفظ الآيات و معانيهامما تلقاها الرسول صلى الله عليه و آله جميعا عن طريق الوحي ، بل لابد أن تكون مشابهة لمصاحف الصحابة في كتابة اللفظ و المعنى معا ، ما عدا أمرا واحدا ، و هو أن كل صحابي كان يكتب مع ما يكتب من آي القرآن ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه و آله في تفسير الآية ، و كان رسول الله صلى الله عليه و آله قد أمر الإمام عليا بكتابة كل ما يحتاجه المسلمون في تفسير الآيات مما تلقاه عن طريق الوحي (1) .

------------------------------------
(1) كما برهنا عليه في بحث : (القرآن و السنة هما مصدر التشريع لدى مدرسة أهل البيت عليه السلام)من المجلد الثاني من معالم المدرستين.

المصحف في الروايات والآثار _18 _

  بناء على ما سبق كانت المصاحف في صدر الإسلام مثل كتب التفسير في عصرنا تشتمل على القرآن و ما بينه الرسول الله صلى الله عليه و آله في تفسير الآيات ، و لما اقتضت سياسة الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه و آله تجريد القرآن من حديث الرسول صلى الله عليه و آله جرى في هذا الشأن ما سنبينه في ما يأتي بإذنه تعالى.
  سياسة تجريد القرآن من حديث الرسول صلى الله عليه و آله :
  نزلت آيات في ذم سادة قريش الذين خاصموا رسول الله صلى الله عليه و آله و حاربوه ، و آيات أخرى في ذم قبائل بعض الصحابة من قريش ، مثل قولهـتعالىـفي سورة الإسراء :
  و الشجرة الملعونة في القرآن) (الإسراء/60) .

المصحف في الروايات والآثار _ 19 _

  في بني أمية أو أفراد من الصحابة مثل قوله في سورة التحريم :
  ( إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ) ( التحريم / 4 ) .
  ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات و أبكارا ) ( التحريم / 5 ) ، و التي نزلت في أم المؤمنين عائشة و أم المؤمنين حفصة ، في مقابل آيات نزلت في مدح آخرين ، مثل آية التطهير في قولهـتعالىـفي سورة الأحزاب : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ) ( الأحزاب / 33 ) .

المصحف في الروايات والآثار _ 20 _

  و التي نزلت في حق الرسول صلى الله عليه و آله و علي و فاطمة و الحسن و الحسين.
  هذه إلى كثير غيرها كانت تخالف حكومة الخلفاء الثلاثة ، فرفعوا شعار حسبنا كتاب الله ، و جردوا القرآن من حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، و بدأ العمل به أبو بكر ، و أمر بكتابة نسخة من القرآن مجردة عن حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، و انتهى العمل على عهد عمر ، فبدأ عمله بمنع نشر حديث الرسول ، و بعد وفاته وقعت الخصومة بين بعض الصاحبة و التابعين و بني أمية و عصبة عثمان ، و أخذ الخصوم يروون من حديث الرسول ما فيه ذم لعصبة الخلافة ، و كانت بأيدي الخصوم مصحاف فيها من بيان الرسول صلى الله عليه و آله ما يستدل به الخصوم في مقابل عصبة الخلافة ، فقام عثمان بتنفيذ شعار جردوا القرآن‏من حديث الرسول ، و أخذ نسخة المصحف المجرد من حديث الرسول صلى الله عليه و آله من أم المؤمنين حفصة ، و استنسخ منها عدة نسخ من المصاحف المجردة عن حديث الرسول صلى الله عليه و آله ، و وزعها في بلاد المسلمين ، و جمع مصاحف الصحابة اللاتي كان أصحابها قد دونوا فيها النص القرآني مع ما سمعوه من بيان الرسول في تفسير آياتها و أحرقها جميعا ، فاستنسخ المسلمون مصاحف من تلك المصاحف المجردة عن بيان الرسول صلى الله عليه و آله.

المصحف في الروايات والآثار _ 21 _

  و أصبح المصحف بعد ذلك اسما علما للقرآن المجرد عن بيان الرسول صلى الله عليه و آله ، و مع مرور الزمن لم يعرف المسلمون في القرون التالية أن مصاحف الصحابة كان فيها بيان الرسول صلى الله عليه و آله مع النص القرآني.
  و عند ما حث المنصور العباسي في سنة ثلاث و أربعين بعد المائة من الهجرة علماء المسلمين على تدوين العلوم ، و كتب المتخصصون منهم بعلوم القرآن مع بيان آياته كما كان عليه الأمر على عهد الرسول ، سمي المصحف الذي دون فيه القرآن مع بيان آياته بالتفسير ، كما مر بيانه .