.
وكانو أهل عقلٍ وأمانةٍ وثقةٍ ودرايةٍ وفهمٍ وتحصيلٍ ونباهةٍ ، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلّهم في الدنيا ، ويكرمهم الظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم ، حتّى أنّه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم ، ضنّاً
(1) بهم واعتقاداً لبطلان قذفهم
(2) به ، وذلك لما كان من شدّة تحرّزهم ، وستر حالهم ، واعتقادهم ، وجودة آرائهم ، وصواب تدبيرهم ، وهذا يسقط دعوى الخصوم وِفاق الإِمامية لهم : أنّ صاحبهم لم يرَ منذ ادّعوا ولادته ، ولا عرف له مكان ، ولا خبّر أحدٌ بلقائه ، فأمّا بعد انقراض مَن سمّيناه من أصحاب أبيه وأصحابه ( عليهما السلام ) ، فقد كانت الأخبار عمّن تقدّم من أئمّة آل محمّد
(3)( عليهم السلام ) متناصرة : بأنّه لابدّ للقائم المنتظَر من غيبتين ، إحداهما
(4) أطول من الأُخرى ، يَعِرفُ خبرهَ الخاصُّ في القصرى ولا يَعرِفُ العامُّ له مستقراً في الطولى ، إلاّ من تولّى خدمته من ثقاة
(5) أوليائه ، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره والأخبار
(6) بذلك موجودة في مصنّفات الشيعة الامامية قبل مولد أبي محمّد وأبيه وجدّه ( عليهم السلام )
(7) ، وظهر حقّها عند مضيّ الوكلاء والسفراء الّذين سمّيناهم رحمهم الله ، وبإن صدق رواتها بالغيبة الطولى ، فكان
(8) ذلك من الآيات الباهرات في صحّة ما ذهبت إليه الإِمامية ودانت به في معناه .
---------------------------
(1) الضن : البخل ، والمراد هنا : اعتزازاً بهم وبخلاً بهم على غيرهم ، اللسان 13 : 261 ضنن .
(2) ل ، ر ، س : فرقهم .
(3) من قوله : ( عليهم السلام ) ، إلى هنا لم يرد في ل .
(4) ع ، ل ، ر ، س : احدهما .
(5) ل ، س : تقاة .
(6) ر ، ع : فالأخبار .
(7) راجع مقدمة هذا الكتاب ، رقم 2 ، من كتب عن المهديّ .
(8) ل ، س ، ط : وكان .
المسائل العشر في الغيبة
_ 61 _
وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبةُ بشرٍ لله تعالى ، في استتاره تدبيرٌ لمصالح خلقه لا يعلمها إلاّ هو ، وامتحانٌ لهم بذلك في عبادته ، مع أنّا لم نُحِط علماً بأنّ كلَّ غائبٍ عن
(1) الخلق مستتراً
(2) بأمر دينه لأمرٍ يؤمّه
(3) عنهم ـ كما ادعاه الخصوم ـ يَعرفُ جماعةٌ من الناس مكانه ويخبرون عن مستقرّه ، وكم وليّ لله
(4) تعالى ، يقطع الأرض بعبادة ربّه تعالى والتفردّ من الظالمين بعمله ، ونأى بذلك عن دار المجرمين وتبعّد بدينه عن محلّ الفاسقين ، لا يعرف أحدٌ من الخلق له مكاناً ولا يدّعي انسان له لقاءً ولا معه اجتماعاً ،
وهو الخضر ( عليه السلام ) ، موجود قبل زمان موسى ( عليه السلام ) إلى وقتنا هذا ، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار ، سائحاً في الأرض ، لايعرف له أحدٌ مستقراً ولا يدعي له اصطحاباً ، إلاّ ماجاء في القرآن به من قصّته مع موسى عليه السلام
(5) ، وما يذكره بعض الناس من أنّه يظهر أحياناً ولا يعرف ، ويظن بعض من رآه
(6) أنّه بعض الزّهاد فإذا فارق مكانه توهّمه المسمّى بالخضر ، وإن لم يكن يُعرف بعينه في الحال ولا ظنّه ، بل اعتقد أنّه بعض أهل الزمان .
---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : من .
(2) ط : مستترٍ .
(3) ع ، ر ، ل ، س : يأمه ، ومعنى يؤمّه : يقصده ، اللسان 12 : 122 مم .
(4) ط : وثمّ وليّ الله .
(5) الكهف 18 : 65 ـ 82 ، وراجع : كمال الدين 2 : 385 ـ 393 .
(6) ل : ويظن بعضٌ رآه ، ط : ويظن بعض الناس رآه .
المسائل العشر في الغيبة
_ 62 _
وقد كان من غيبة موسى بن عمران ( عليه السلام ) عن وطنه وفراره
(1) من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب
(2) ، ولم يظهر عليه أحدٌ مدّة غيبته عنهم فيعرف له مكاناً ، حتّى ناجاه الله ( عزّ وجلّ ) وبعثه نبيّاً ، فدعا إليه وعرفه الوليّ والعدوّ إذ ذاك ، وكان من قصّة يوسف بن يعقوب ( عليهما السلام ) ما جائت به سورة كاملة بمعناه
(3) ، وتضمّنت ذكر استتار خبره عن أبيه ، وهو نبيّ الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً ، وأمْرهُ مطويٌّ عنه وعن إخوته ، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه
(4) ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه ، حتّى مضت على ذلك السنون وانقضت
(5) فيه الأزمان ، وبلغ من حزن أبيه ( عليه السلام ) عليه ـ
(6) لفقده ، ويأسه من لقائه ، وظنّه خروجه من الدنيا بوفاته ـ ما انحنى له ظهره ، وأنهك
(7) به جسمه ، وذهب لبكائه عليه بصره ، وليس في زماننا
(8) الآن مثل
(9) ذلك ، ولا سمعنا بنظير له في سواه .
---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : ويرانه ، والمثبت من س ، ط .
(2) القصص 28 : 21 ـ 32 ، وراجع : كمال الدين 2 : 145 ـ 153 ، قصص الأنبياء : 148 ـ 176 .
(3) سورة يوسف ، رقم 12 ، وراجع للتفصيل : كمال الدين 1: 141 ـ 145 ، قصص الأنبياء : 126 ـ 138 .
(4) س ، ط : وهم يعاملونه ويبتاعون منه ويأتونه .
(5) ع ، ر : ونقصت .
(6) لفظ : عليه ، لم يرد في ل ، س ، ط .
(7) ع ، ر : وانهتك ، ل : وانحل .
(8) ع ، ل ، ر : دعاننا ، والمثبت من س ، ط .
(9) ر : قبل .
المسائل العشر في الغيبة
_ 63 _
وكان من أمر يونس نبيّ الله ( عليه السلام ) مع قومه وفراره عنهم عند تطاوله المدّة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كلّ أحدٍ من الناس حتّى لم يعلم بشرٌ من الخلق مستقرّه ومكانه إلاّ الله تعالى ، إذ كان المتولّي لحبسه في جوف الحوت في قرارِ بحرٍ ، وقد أمسك عليه رمقه حتّى بقي حيّاً ، ثمّ أخرجه من ذلك إلى تحت شجرةٍ من يقطين ، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض ولم يخطر له ببال سكناه ، وهذا أيضاً خارج عن عادتنا
(1) وبعيد من تعارفنا ، وقد نطق به القرآن
(2) وأجمع عليه أهل الإِسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان ، وأمر أصحاب الكهف نظيرٌ لِما ذكرناه ، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم
(3): في فرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناءٍ عن بلدهم ، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد ، ودبّر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيّرٌ
(4) ، فكان
(5) يقلّبهم ذات اليمين وذات شمال كالحيّ الّذي يتقلّب
(6) في منامه بالطبع والأختيار ، ويقيهم حرّ الشمس الّتي تغيّر الألوان ، والرياح التي تمزّق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم .
---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : عبادتنا .
(2) الصافات 37 : 139 ـ 146 ، وراجع : قصص الأنبياء : 251 ـ 253 .
(3) الكهف 18 : 9 ـ 22 .
(4) ط : تغيّر بالموت .
(5) ل ، س ، ط : وكان .
(6) ر ، س ، ط : ينقلب .
المسائل العشر في الغيبة
_ 64 _
ثمّ أحياهم فعادوا
(1) إلى معاملة قومهم ومبايعتهم ، وأنفذوا إليهم بورِقهم ليبتاعوا منهم أحلَّ الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمّن القرآن من شرح قصّتهم
(2) ، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم ، وليس في عادتنا
(3) مثل ذلك ولا عرفناه ، ولولا أنّ القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرّعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرّع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحّة الخبر به ، وقد تقول : لن يكون
(4) في المقدور ، وقد كان من أمر صاحب الحمار الّذي نزل بذكر قصته القرآن
(5) ، وأهل الكتاب يزعمون أنّه نبيّ الله تعالى ، وقد كان (مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها) فاستبعد عمارتها
(6) وعودها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة ، فـ (قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عامٍ ثمّ بعثه) وبقي طعامه وشرابه بحاله
(7) لم يغيّره تغيير طبائع
(8) الزمان كلَّ طعام وشراب عن حاله ، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه ، وبقي حماره قائماً في مكانه لم ينفق
(9) .
---------------------------
(1) ع ، ر ، س : لعادوا .
(2) ع ، ل ، ر : نصيبهم .
(3) ع ، ل ، ر : عبادتنا .
(4) في النسخ : أن يكون ، والظاهر ما أثبتناه .
(5) البقرة 2 : 259 .
(6) ر ، س ، ط : عمارتهم .
(7) لفظ : بحاله ، لم يرد في ل ، ط .
(8) ل ، س ، ط : طباع .
(9) أي : لم يمت ، الصحاح 4 : 560 انفق .
المسائل العشر في الغيبة
_ 65 _
ولم يتغيّر عن حاله حيّ
(1) يأكل ويشرب ، لم يضرّه طول عمره ولا أضعف ولا غيّر له صفةً من صفاته ، فلمّا أحياه
(2) الله تعالى ـ المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام ـ قال له : ( انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنّه ) ، يريد به : لم يتغيّر بطول مدّة بقائه ، (وانظر إلى العظام كيف نُنْشِزُها) ، يعني : عظام الأموات من الناس كيف نخرجها من تحت التراب ( ثمّ نكسوها لحماً ) فتعود حيواناً كما كانت بعد تفرّق أجزائها واندراسها بالموت (فلمّا تبين له) ذلك وشاهد الأعجوبة فيه (قال اعلم أنّ الله على كل شيء قديرٌ )
(3) ، وهذا منصوص في القرآن مشروح في الذكر والبيان
(4) لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب ، وهو خارج عن عادتنا
(5) وبعيد من تعارفنا ، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهريّين والمنجّمين وأصحاب الطبائع من اليونانيّين وغيرهم من المدّعين الفلسفة والمتطبّبين ، على [ أنّ ]
(6) ما يذهب إليه الامامية في تمام استتار صاحبها وغيبته ومقامه على ذلك طول مدّته أقرب في العقول والعادات [ ممّا ] أوردناه
(7) من أخبار المذكورين في
(8) القرآن .
---------------------------
(1) ل ، س ، ط : حتّى .
(2) ط : أحيى .
(3) البقرة 2 : 259 .
(4) ع ، ل ، ر : والهان .
(5) ع ، ل ، ر ، ط : عادتها .
(6) زيادة أوردناها لاقتضاء السياق لها .
(7) ل ، ط : او زيادة .
(8) ع ، ل ، س : من .
المسائل العشر في الغيبة
_ 66 _
فأيّ الطريق للمقرّ بالاسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك ، لولا أنّهم بعداء من التوفيق مستمالون
(1) بالخذلان ، وأمثال ما ذكرناه ـ وإن لم يكن قد جاء به القرآن ـ كثيرٌ ، قد رواه أصحاب الأخبار وسطره في الصحف أصحاب السير والآثار :
من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهراً طويلاً لضروبٍ من التدبيرات ، لم يعرف أحدٌ لهم فيها مستقراً ولا عثر
(2) لهم على موضع ولا مكان ، ثمّ ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال ، وكذلك جماعةٌ من حكماء الروم والهند وملوكهم ، فكم
(3) كانت لهم غيباتٌ وأخبارٌ بأحوالٍ تخرج عن العادات ، لم نتعرّض لذكر شيءٍ من ذلك ، لعلمنا بتسرّع الخصوم إلى إنكاره ، لجهلهم ودفعهم صحّة الاخبار به وتعويلهم في إبطاله
(4) على بُعده من عاداتهم وعرفهم
(5) ، فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه ، وإجماع أهل الاسلام ، الإِقرار
(6) الخصم بصحّة ذلك وأنّه من عند الله تعالى ، واعترافهم بحجّة الاجماع ، وإنّ كنّا نعرف من كثير منهم نفاقهم بذلك ، ونتحقّق استبطانهم
(7) بخلافه .
---------------------------
(1) ر ، س : مستمولون .
(2) ع ، ل ، ر ، س : ولا غير .
(3) ع ، ل ، ط : وكم .
(4) ل : على إبطاله .
(5) ل : من عرفهم وعاداتهم .
(6) ل ، ط : وإقرار .
(7) س ، ط : استنباطهم .
المسائل العشر في الغيبة
_ 67 _
لعلمنا بإلحادهم في الدين واستهزائهم به ، وأنّهم كانوا ينحلون بظاهره خوفاً من السيف وتصنّعاً أيضاً ، لا كتساب الحطام به من الدنيا ، ولولا ذلك لصرّحوا
(1) بما ينتمون وظاهروا
(2) بمذاهب
(3) الزنادقة الّتي بها يدينون ولها يعتقدون ، ونعوذ بالله من سيّء الاتفاق
(4) ، ونسأله العصمة من الضلال ، الكلام في الفصل السادس تعلّق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره ، وبقائه على تكامل أدواته
(5) منذ
(6) ولد على قول الإِماميّة
(7) في سنيّ عَشْر الستين والمائتين وإلى
(8) يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة ، وفي حملهم
(9) في بقائه وحاله وصفته الّتي يدّعونها
(10) له بخلاف حكم العادات ، وأنّه يدلّ على فساد معتقدهم فيه ، فصل : والذي تخيّله
(11) الخصوم هو: فساد قول الإِماميّة
(12) .
---------------------------
(1) ر : يصرّحوا .
(2) ع ، ل: فظاهروا ، س ، ط : فتظاهروا .
(3) ع ، ل : لمذهب ، ر : المذاهب .
(4) س ، ط : سنن النفاق ، ع ، ر ، ل : سيّء للاتفاق ، ويحتمل : سنيّ للانفاق ، وما أثبتناه هو المناسب للعبارة .
(5) أي : تكامل قواه وآلاته ، لسان العرب 14 : 25 أدا .
(6) س ، ط : وأنّه منذ .
(7) ع ، ر : قول للإماميّة .
(8) س ، ط : إلى .
(9) ط : حكمهم .
(10) ر ، س : يدعو بها .
(11) ل : يختار .
(12) ع ، ر : قول للإماميّة .
المسائل العشر في الغيبة
_ 68 _
بدعواهم لصاحبهم طول العمر ، وتكامل أدواته فيه ، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالأُمّة
(1) ، على حال الشبيبة
(2) ، ووفارة
(3) العقل والقوّة والمعارف بأحوال الدين والدنيا ، وإن خرج عمّا نعهده نحن
(4) الآن من أحوال البشر ، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشريّة وأمثالهم في الإِنسانية ، وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها ، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان ، ولو لم تجر عادةٌ بذلك جملةً
(5) لكانت الأدلّة على أن الله تعالى قادرٌ على فعل ذلك تُبطل
(6) توهّم المخالفين للحقّ فساد القول به وتكذّبهم
(7) في دعواهم ،
وقد أطلق العلماء من أهل الملل وغيرهم أنّ آدم أبا البشر ( عليه السلام ) عمّر نحو الألف
(8) ، لم يتغيّر له خَلقٌ ، ولا انتقل من طفوليّة إلى شبيبة ، ولا عنها إلى هرم ، ولا عن قوّة إلى عجز ، ولا عن علم إلى جهل ، وأنّه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله ( عزّ وجلّ ) إليه
(9).
---------------------------
(1) ط : بالإمامة .
(2) س ، ط : التشبيب .
(3) س : ووقارة .
(4) لفظ : نحن ، لم يرد في س ، ط .
(5) ط : ولو لم تجر بذلك عادة جلّة .
(6) أي : الأدلّة .
(7) س ، ط ، ل : وتكذيبهم .
(8) س ، ط : نحو الف .
(9) راجع كمال الدين 2 : 523 رقم 3 ، قصص الأنبياء : 54 و55 و65 .
المسائل العشر في الغيبة
_ 69 _
هذا مع الأُعجوبة في حدوثه من غير نكاح ، واختراعه من التراب من غير بدوٍ
(1) وانتقاله من طينٍ لازب إلى طبيعة الانسانية ، ولا واسطة في صنعته على اتفاق مَن ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيّناه ، والقرآن في ذلك ناطق
(2) ببقاء نوح نبيّ الله ( عليه السلام ) في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للإِنذار لهم خاصّة ، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بُعث نبيّاً من غير ضعفٍ كان به ولا هرم ولا عجزٍ ولا جهلٍ ، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسّه ، وأنّ الشيب أيضاً لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل عليه السلام
(3) بإجماع مَن سمّيناه من أهل العلم من المسلمين خاصة كما ذكرناه ، وهذا ما لا يدفعه إلاّ الملحدة من المنجّمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريّين ، فأمّا أهل الملل كلّها فعلى اتفاق منهم
(4) على ما وصفناه ، والأخبار متناصرة بامتداد أيّام المعمّرين من العرب والعجم والهند ، وأصناف البشر أحوالهم الّتي كانوا عليها مع ذلك ، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم ، والمأثور من تفصيل قصّاتهم
(5) ، من أهل أعصارهم وخطبهم وأشعارهم ، لا يختلف أهل النقل في صحّة الأخبار عنهم بما ذكرناه وصدق الروايات في أعمارهم وأحولهم كما وصفناه .
---------------------------
(1) لفط : من غير بدوٍ ، لم يرد في ط ، وفي ع ، ل ، ر ، س : من غير يدٍ وصحّ ، والظاهر ما اثبتناه ، إذ لفظ : صحّ ورد لأجل سقطٍ كان في نسخةٍ ، فتوهّم المستنسخ انّها من المتن .
(2) العنكبوت 29 : 14 ، وللتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 523 رقم 1 و2 و3 ، وقصص الأنبياء : 84 و85 .
(3) راجع : قصص الأنبياء : 109 .
(4) ع ، ل ، ر : منه .
(5) ع ، ل : تعطّل قصاتهم ، ر ، س : تعطل قضاتهم .
المسائل العشر في الغيبة
_ 70 _
وقد أثبتُّ أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بـ الإِيضاح في الإِمامة ، وأخبار كافّتهم مجموعة مؤلّفة حاصلة في خزائن الملوك وكثير من الرؤساء وكثير من أهل العلم وحوانيت الوراقين
(1) ، فمن أحبّ الوقوف على ذلك فليلتمسه من الجهات المذكورة ، يجدها على ما يثلج صدره ويقطع بتأمّل أسانيدها في الصّحة له عذره ، إن شاء الله تعالى ، وأنا أُثبت مِن ذِكْرِ بَعْضهم ها هنا جملةً تقنع ، وإن كان الوقوف على أخبار كافّتهم
(2) أنجع فيما نؤمه
(3) بذكر البعض إن شاء الله ، فمنهم : لقمان بن عاد الكبير
(4) ، وكان أطول الناس عمراً بعد الخضر ( عليه السلام ) ، ولذك أنّه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف
(5) سنة وخمسمائة سنة ، وقيل :
---------------------------
(1) راجع : كتاب المعمّرون : 1 ـ 114 ، كمال الدين 2 : 523 باب 46 ما جاء في لتعمير ، مطالب السئول في مناقب آل الرسول الجزء الثاني الباب الثاني عشر ، تذكرة الخواص : 364 ، الغيبة للطوسي : 113 ـ 323 ، البحار 51 : 225 ـ 393 ، باب 14 ، ذكر اخبار المعمّرين ، تقريب المعارف : 207 ـ 214 ، كنز الفوائد 2 : 114 ـ 134 .
(2) ع ، ل ، ر : كافهم .
(3) أي : نقصده ، اللسان 12 : 22 أمم .
(4) وفي بعض المصادر : لقمان بن عاديا ، وفي بعضها : لقمان العاديّ ، وهو غير لقمان الّذي عاصر النبي داود ( عليه السلام ) ، وكان من بقيّة عادٍ الأُولى ، وكان وفد عادٍ الّذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم ، واعطي من السمع والبصر على قدر ذلك ، وله احاديث كثيرة ، المعمّرون : 4 ـ 5 ، كمال الدين 2 : 559 ، حياة الحيوان 2 : 351 .
(5) ع ، ر : الف .
المسائل العشر في الغيبة
_ 71 _
إنّه عاش عمر سبعة أنسر
(1) ، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش ، فإذا مات أخذ آخر فربّاه ، حتّى كان آخرها لَبَد ، وكان أطولها عمراً ، فقيل : طال الأمد على لبد ، وفيه يقول الأعشى
(2):
لـنـفسك إذْ تـخـتارُ سـبعةَ iiأنـسرِ إذا ما مضى نسرٌ خلدت (3) إلى iiنسرِ فـعـمّر حـتّـى خـال أنَّ iiنـسورَهُ خـلودٌ وهـل تَبقى النفوسُ على الدهر وقـال لأدنـاهنّ إذْ حـلّ (4) iiريشه هلكت وأهلكتَ ابن عادٍ وما تدري (5) |
ومنهم : رُبَيْعُ بن ضُبَيع
(6) بن وَهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عَدِيّ
(7) بن فزارة
(8).
---------------------------
(1) طائر معروف ، جمعه في القلة أنسر وفي الكثرة نسور ، وسمّي نسراً لأنّه ينسر الشيء ويبتلعه ، وهو أطول الطير عمراً ، وانَه يعمّر ألف سنة ، وهو اشدّ الطير طيراناً ، ويقال في المثل : أعمر من نسر ، حياة الحيوان الكبرى 2 : 348 ـ 352 .
(2) أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، يعرف بأعشى قيس ، ويقال له : اعشى بكر بن وائل، أحد المعروفين من شعراء الطبقة الأُولى في الجاهليّة وفحولهم ، وكانت العرب تعني بشعر الأعشى ، سكن الحيرة وكان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس ، غزير الشعر ،
الكنى والألقاب 2 : 38 ، الأعلام 7 : 341 .
(3) في كتاب المعمّرون : خلوت .
(4) ع ، ل ، ر : اذا خل .
(5) للتفضيل راجع : المعمّرون : 4 ـ 5 ، كمال الدين 2 : 559 .
(6) س ، ط : ضبع ، وكذا في كتاب كمال الدين .
(7) ع ، ل ، ر : عيسى .
(8) في بعض المصادر : انّه عاش مائتين وأربعين سنة ، وقصّته مع عبد الملك ودخوله عليه معروفة ، المعمّرون : 8 ـ 10 ، كمال الدين 2 : 549 ـ 550 ، و561 .
المسائل العشر في الغيبة
_ 72 _
عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة ، وأدرك النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم )
ولم يسلم ، وهو الّذي يقول وقد طعن في ثلامائة سنة : أصبح منّي الشباب قد حَسَرا
(1) * إن يَنْأ
(2) عنّي فقد ثَرى عُصُرا والأبيات معروفة ، وهو الّذي يقول أيضاً منه :
إذا كـان الـشتاء iiفـأدفئوني فـإنّ الـشيخَ يـهدمُهُ iiالشتاءُ وأمّـا حـين يـذهب كلّ iiقرّ فـسـربالٌ خـفيفٌ أو iiرادءُ إذا عـشا الـفتى مِأتين iiعاماً فقد أودى المسرّةُ والفتاءُ (3) |
ومنهم : المستوغر بن ربيعة بن كعب
(4).
---------------------------
(1) ل : خسرا .
(2) ع ، ر : يراي .
(3) ط : مسرّته الفناء ، وفي النسخ الأُخرى : المسرّة والفناء ، والمثبت من كتاب المعمورن وكتاب كمال الدين ، ويروى عجز البيت الأخير أيضاً : فقد ذهب التخيّل والفتاء ، والفتاء : الشباب ، لسان العرب 15 : 145 فتا ، وللتفصيل راجع : المعمرون : 8 ـ 10 ، كمال الدين 2 : 549 ـ 550 ، 2 : 561 .
(4) هو : المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم ، عاش زمناً طويلاً ، أدرك الاسلام ولم يسلم ، وكان من فرسان العرب في الجاهلية ، المعمرون : 12 ـ 14 ، كمال الدين 2 : 561 .
المسائل العشر في الغيبة
_ 73 _
عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة ، وهو الّذي يقول :
ولـقـد سَـئمتُ مـن الـحياةِ iiوطُـولِها وَعَـممِرْت مـن عَدِد السنين مِئِينا (1) مـائـةٌ حَـدَتْـها بَـعْدَها مـائتان لـي وعمِرْتُ من عدد (2) الشهورِ سنينا (3) |
ومنهم : أكثم بن صيفي الأسدي
(4) ، عاش ثلاثمائة سنة وثمانين سنة ، وكان مّمن أدرك النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآمن به ومات قبل أن يلقاه ، وله أحاديث كثيرة وحِكم وبلاغات وأمثال ، وهو القائل :
وإنّ امـرأً قد عاش تسعين iiحجّة إلـى مِـأةٍ لم يسأمِ العيشَ iiجاهلُ خلت مائتان بعد عشر وفائها (5) وذلـك من عدّى ليالٍ (6) iiقلائلُ |
---------------------------
(1) ع ، ر : من بعد السنين سنيناً ، ل ، س : من بعد الستين مأتينا ، ط : من عدد السنين مأتينا ، والمثبت من كتاب المعمّرون .
(2) ع ، ر ، س : بعد .
(3) للتفصيل راجع : المعمّرون : 12 ـ 14 ، كمال الدين 2 : 561 .
(4) اكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم ، ادرك الإِسلام واختلف في اسلامه ، إلاّ أنّ الاكثر لا يشك في أنّه لم يسلم ، ولم تكن العرب تقدّم عليه أحداً في الحكمة ، المعمّرون : 14 ـ 25 ، كمال الدين 2 : 570 .
(5) كذا في النسخ ، وفي ر : وقادها ، وفي كمال الدين : غير ستّ وأربع .
(6) في كمال الدين : وذلك من عدِّ الليالي .
المسائل العشر في الغيبة
_ 74 _
وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم
(1) أيضاً من المعمّرين ،
عاش مائتين وستة وسبعين سنة، ولا يُنكر من عقله شيء
(2) ، وهو المعروف بذي الحلم الّذي قال فيه المتلمّس اليشكري
(3): لذي الحلم قبل
(4) اليوم ما تُقرع العصا ، وما علّم الانسان إلاّ ليعلما
(5)ومنهم : ضُبَيْرة بن سُعَيْد بن سعد بن سَهَم بن عمرو
(6) ، عاش مائتي سنة وعشرين سنة ، فلم
(7) يشب قطّ ، وأدرك الاسلام ولم يسلم .
---------------------------
(1) ع ، ل : اكثر ، ر : اكبر ، وهو : صيفي بن رياح بن اكثم أحد بني أسد بن عمر بن تميم أبو اكثم ، ومن وصاياه : . . . ومن سوء الأدب كثرة العتاب ، واقرَع الأرض بالعصا ، فذهب مثلاً ، والقرع الضرب ، والمراد : أن ينبّه الانسان صاحبه عند خطئه ، واصل المثل : ان عامر بن الظرب لمّا طعن في السن وأنكر قومه من عقله شيئاً أمر اولاده ان يقرعوا إلى المجن بالعصا إذا خرج من كلامه واخذ في غيره ، الوصيا : 146 ، ك مال الدين 2 : 570 .
(2) ع ، ل ، ر : شيئاً .
(3) في النسخ اضطراب في ضبط الاسم ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو : جرير بن عبد المسيح أو عبد العزى من ضُبيعة من ربيعة ، شاعر جاهلي ، واخواله بنو يشكر ، راجع : الأغاني 24 : 260 ، الأعلام 2 : 119 ، المعمرون : 58 .
(4) ع ، ل ، ر : فيه ، بدلاً من : قبل .
(5) للتفصيل راجع : كمال الدين 2 : 570 ، الوصايا : 146 .
(6) هو : ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص القرشي ، عاش مائتين وعشرين سنة وقيل : مائة وثمانين ، وادرك الإِسلام فهلك فجأة ، المعمرون : 25 ، كمال الدين 2 : 565 .
(7) ع ، ر : ولم .