تأليف
العلامة الفقيه
الشيخ جعفر السبحاني
نشر مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام )



المقدّمة :
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد للّه الذي نزّل الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً للعالمين .
  والصلاة والسلام على من نزل الكتاب على قلبه ليكون من المنذرين ، وعلى العترة الطاهرة أعدال الكتاب وقرناؤه .
  أمّا بعد ، فهذه رسالة موجزة تتكفّل ببيان المناهج التفسيرية صحيحها وسقيمها ، وتُبيّن الفرق بين المنهج التفسيري والاهتمام التفسيري ، فأُصول المنهج لا تتعدّى عن أصلين :
  أ ـ التفسير بالعقل .
  ب ـ التفسير بالنقل .
  لكنّ لكلّ صوراً :
  أمّا الأوّل فصوره عبارة عن :
  1 ـ التفسير بالعقل الصريح .
  2 ـ التفسير على ضوء المدارس الكلامية.
  3 ـ التفسير على ضوء السنن الاجتماعية.
  4 ـ التفسير على ضوء العلم الحديث.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 6 _

  5 ـ التفسير حسب تأويلات الباطنية .
  6 ـ التفسير حسب تأويلات الصوفية.
  أمّا الثاني فصوره عبارة عن :
  أ ـ تفسير القرآن بالقرآن .
  ب ـ التفسير البياني للقرآن .
  ج ـ تفسير القرآن باللغة والقواعد العربية .
  د ـ تفسير القرآن بالمأثور عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) والأئمّة ( عليهم السَّلام ).
  فهذه الصور العشر من فروع المنهجين الأصليّين ، وفي ثنايا البحث نشير إلى ما لا غنى للباحث المفسر عنه ، وأرجو منه سبحانه أن تكون الرسالة بإيجازها نافعة لقارئها الكريم بإذن منه .
  وما ذكرناه من تقسيم منهج التفسير إلى التفسير بالعقل والنقل أمر ذائع .
  وفي مقدّمة معالم التنزيل للإمام البغوي ( المتوفّى عام 516 هـ ) ما هذا لفظه :
  التفسير بالمنقول : هو التفسير بالمأثور الذي رواه الصحابة والتابعون عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، أو ما روى علماء الأثر عن الصحابة والتابعين أيضاً ممّا يتعلّق بالقرآن الكريم من كلّ الوجوه ، هو من التفسير بالأُمور .
  ومصادره القراءات القرآنية سواء منها المتواتر والمشهور والشاذ ، والأحاديث النبوية ، وأقوال الصحابة والتابعين ، والأئمّة المجتهدين.
  التفسير بالمعقول : هو التفسير العقلي الذي يعتمد فيه علم الفهم العميق ، والإدراك المركّز لمعاني الألفاظ القرآنية ، بعد إدراك مدلول العبارات القرآنية التي تنظم في سلكها تلك الألفاظ الكريمة وفهم دلالاتها فهماً دقيقاً.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 7_

  وهذا القسم من التفسير يقوم على الاجتهاد في فهم النصوص القرآنية وإدراك مقاصدها ومعرفة مدلولها ، عن طريق معرفة المفسر لكلام العرب ومناحيهم في القول وأساليبهم في التعبير ، ومعرفة دلالة الألفاظ ووجوهها ، وآلة هذا النوع من التفسير علوم الاستنباط وأُصول التشريع. (1)
  وقبل أن ندخل في صلب الموضوع نقدّم مباحث تمهيدية لها أهمّيتها الخاصّة في عالم التفسير ، كما أنّ لها صلة وثيقة بالمناهج التفسيرية، جعفر السبحاني
   قم ـ مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السَّلام )
تحريراً في 27 رجب المرجّب من شهور عام 1409

--------------------
(1) مقدّمة معالم التنزيل : 1 / 10 ـ 11.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 9 _

مباحث تمهيدية

  1 ـ حاجة القرآن إلى التفسير
  2 ـ مؤهلات المفسّر أو شروط المفسّر
  3 ـ القرآن قطعيُّ الدلالة
  4 ـ التفسير بالرأي

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 11 _

التفسير وحاجة القرآن إليه
  التفسير مأخوذ من ( فسَّر ) بمعنى : أبان و كشف .
  قال الراغب : الفَسْر ، والسَفْر متقاربا المعنى كتقارب لفظيهما ، والفرق بينهما انّ الأوّل يستعمل في إظهار المعنى المعقول ، كقوله سبحانه : ( وَلا يَأتُونَكَ بِمَثَل إلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرا ) (1) أي أحسن تبييناً .
  والثاني يُستعمل في إبراز الأعيان للأبصار ، يقال : أسفر الصبحُ ، أو سفرتْ المرأة عن وجهها. (2)
  وأمّا في الاصطلاح فبما انّ التفسير علم كسائر العلوم فله تعريفه وموضوعه ومسائله وغايته.
  أمّا التعريف فقد عرف بوجوه :
  1 ـ هو العلم الباحث عن تبيين دلالات الآيات القرآنية على مراد اللّه سبحانه.
  وبعبارة أُخرى : إزالة الخفاء عن دلالة الآية على المعنى المقصود.
  وهناك تعريفات أُخرى نشير إلى بعضها.

--------------------
(1) الفرقان : 33.
(2) مقدمة التفسير : 33.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 12 _
  وعرّفه الزركشي بقوله : علم يعرف به فهم كتاب اللّه تعالى المنزل على نبيه محمّد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وبيان معانيه ، واستخراج أحكامه وحكمه. (1)
  وأمّا موضوعه فهو كلام اللّه سبحانه المسمّى بالقرآن الكريم.
  وأّمّا مسائله فهي ما يستظهر من الآيات بما انّه مراده سبحانه.
  وأمّا الغرض منه فهو الوقوف على مراده سبحانه في مجالي المعارف والمغازي والقصص واستنباط الأحكام الشرعية منه.
  ثمّ إنّ الرأي السائد بين المسلمين انّ القرآن غير غني عن التفسير ، إمّا من جانب نفسه كتبيين معنى آية بأُختها ، أو تبيينه بكلام من نزل على قلبه.
  يقول سبحانه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُون ) (2) ولم يقل ( لتقرأ ) بل قال : ( لتُبيّن ) إشارة إلى أنّ القرآن يحتاج وراء قراءة النبي ، إلى تبيين ، فلو لم نقل أنّ جميع الآيات بحاجة إليه ، فلا أقل أنّ هناك قسماً منها يحتاج إليه بأحد الطريقين : تفسير الآية بالآية ، أو تفسيرها بكلام النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
  والذي يكشف عن حاجة القرآن إلى التبيين أُمور ، نذكر منها ما يلي :
  1 ـ إنّ أسباب النزول ، للآيات القرآنية ، كقرائن حالية اعتمد المتكلم عليها في إلقاء كلامه بحيث لو قطع النظر عنها ، وقُصِّـر إلى نفس الآية ، لصارت الآية مجملة غير مفهومة ، ولو ضمّت إليها تكون واضحة شأن كل قرينة منفصلة عن الكلام ، وإن شئت لاحظ قوله سبحانه : ( وَعَلى الثّلاثَةِ الّذِينَ خُلِّفُوا حَتّى إذا ضاقَتْ عَلَيهِمُ الأرْضُ بِما رَحُبَتْ وضاقَتْ عَلَيهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أنْ

--------------------
(1) البرهان في علوم القرآن : 1 / 33.
(2) النحل : 44.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 13 _
  لا مَلجَأَ مِنَ اللّهِ إلاّ إليهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لَيَتُوبوا إنّ اللّهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحيم ) (1).
  ترى أنّ الآية تحكي عن أشخاص ثلاثة تخلّفوا عن الجهاد حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فعند ذلك يسأل الإنسان نفسه ، مَن هم هؤلاء الثلاثة ؟ ولماذا تخلّفوا ؟ ولأيّ سبب ضاقت الأرض والأنفس عليهم ؟
  واما المراد من هذا الضيق ؟ ثم ماذا حدث حتى انقلبوا وظنّوا أنّه لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المتراكمة حول الآية ، لكن بالرجوع إلى أسباب النزول تتخذ الآية لنفسها معنى واضحاً لا إبهام فيه . (2)
  وهذا هو دور أسباب النزول في جميع الآيات ، فإنّه يُلقي ضوءاً على الآية ويوضح إبهامها ، فلا غنىً للمفسّر من الرجوع إلى أسباب النزول قبل تفسير الآية كما سيوافيك تفصيله في مؤهلات المفسر.
  2 ـ إنّ القرآن مشتمل على مجملات كالصلاة والصوم والحجّ لايفهم منها إلاّ معاني مجملة ، غير أنّ السنّة كافلة لشرحها ، فلاغنىً للمفسّر عن الرجوع إليها في تفسير المجملات.
  3 ـ إنّ القرآن يشتمل على آيات متشابهة غير واضحة المراد في بدء النظر ، وربما يكون المتبادر منها في بدء الأمر ، غير ما أراد اللّه سبحانه ، وإنّما يعلم المراد بإرجاعها إلى المحكمات حتى تفسّر بها ، غير أنّ الذين في قلوبهم زيغ يتبعون الظهور البدائي للآية لإيجاد الفتنة وتشويش الأذهان ويجعلونه تأويل الآية أي مرجعها وم آلها ، وأمّا الراسخون في العلم فيتّبعون مراده سبحانه بعدما يظهر من سائر الآيات التي هي أُم الكتاب.

--------------------
(1) التوبة : 118.
(2) سيوافيك الكلام في الآية أيضاً عند البحث عن مؤهلات المفسر لاحظ : 39.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 14 _
  قال سبحانه : ( مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فأمّا الّذِينَ في قُلوبِهِمْ زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وابتغاءَ تأويلِه ) (1).
  وعلى هذا لا غنى من تفسير المتشابهات بفضل المحكمات ، وهذا يرجع إلى تفسير القرآن نفسه بنفسه ، والآية بأُختها.
  4 ـ إنّ القرآن المجيد نزل نجوماً ، لغاية تثبيت قلب النبي طيلة عهد الرسالة.
  قال سبحانه : ( وقالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرآنُ جُملَةً واحِدةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلناهُ تَرتيلا ) (2) فمقتضى النزول التدريجي تفرق الآيات الباحثة عن موضوع واحد في سور مختلفة ، ومن المعلوم أنّ القضاء في موضوع واحد يتوقف على جمع الآيات المربوطة به في مكان واحد حتى يستنطق بعضها ببعض ، ويستوضح بعضها ببعض آخر ، وهذا ما يشير إليه الحديث النبوي المعروف : ( القرآن يفسّر بعضه بعضاً ) (3).
  وقال الإمام علي ( عليه السَّلام ) : ( كتاب اللّه تبصرون به ، وتنطقون وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في اللّه ولا يخالف بصاحبه عن اللّه ) (4).
  وفي كلامه ( عليه السَّلام ) ما يعرب عن كون الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) هو المفسر الأوّل للقرآن الكريم يقول : ( خلّف فيكم ( أي رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ) كتابَ رَبِّكم ، مبيّناً حلالَه وحرامَه ، وفرائضَه ، وفضائلَه وناسخَه ومنسوخَه ، ورُخَصَه وَعَزَائمَه ، وخاصَّه

--------------------
(1) آل عمران : 7.
(2) الفرقان : 32.
(3) حديث معروف مذكور في التفاسير ولم نقف على سنده ، و لكن يوجد مضمونه في كلام الإمام علي ( عليه السَّلام ) التالي.
(4) نهج البلاغة : الخطبة رقم 133.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 15 _
  وعامَّه ، وعِبَره وأمثالَه ، ومُرسَلَه وَمَحْدوده ، ومُحْكَمه ومتشابهه ، مفسِّـراً مجمله ، ومبِّيناً غوامضه ) (1).
  وهذه الوجوه ونظائرها تثبت أنّ القرآن لايستغني عن التفسير.
  سؤال وإجابة
  أمّا السؤال : فربما يتصور أنّ حاجة القرآن إلى التفسير ينافي قوله سبحانه : ( وَلَقَد يَسَّرنا القرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِنْ مُدَّكِر ) (2).
  ونظيره قوله سبحانه في موارد مختلفة : ( بِلسان عَربىّ مُبين ) (3) فإنَّ تَوصيف القرآن باليسر وَكَونِه بِلسان عَرَبي مُبين يهدفان إلى غناه عن أيّ إيضاح وتبيين ؟
  وأمّا الإجابة : فإنّ وصفه باليسر ، أو بأنّه نزل بلغة عربية واضحة يهدفان إلى أمر آخر ، وهو أنّ القرآن ليس ككلمات الكهنة المركّبة من الأسجاع والكلمات الغريبة ، ولامن قبيل الأحاجي والألغاز ، وإنّما هو كتاب سهل واضح ، من أراد فهمه ، فالطريق مفتوح أمامه ، وهذا نظير ما إذا أراد رجل وصف كتاب أُلّف في علم الرياضيات أو في الفيزياء أو الكيمياء فيقول : أُلّف الكتاب بلغة واضحة وتعابير سهلة ، فلا يهدف قوله هذا إلى استغناء الطالب عن المعلِّم ليوضح له المطالب ويفسر له القواعد.
  ولأجل ذلك قام المسلمون بعد عهد الرسالة بتدوين ما أُثر عن النبي أو الصحابة والتابعين أو أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) في مجال كشف المراد وتبيين الآيات ، ولم تكن الآيات المتقدّمة رادعة لهم عن القيام بهذا الجهد الكبير.

--------------------
(1) نهج البلاغة : الخطبة رقم 1 ، والظاهر أنّ قوله : مبيِّناً ، بيان لوصف النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، والضمائر ترجع إلى القرآن الكريم لا إلى اللّه سبحانه.
(2) القمر : 17.
(3) الشعراء : 195 ، وفي النحل : 103 ( وهذا لسان عربيٌّ مبين ).

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 16 _
  نعم إنّ المفسّرين في الأجيال المتلاحقة ارتووا من ذلك المنهل العذب ( القرآن ) ولكلِّ طائفة منهم منهاج في الاستفادة من القرآن والاستضاءة بأنواره ، فالمنهل واحد والمنهاج مختلف : ( لِكُلّ جَعَلنا مِنُكم شِرعةً وَمِنهاجاً ) (1).
  القرآن وآفاقه اللامتناهية
  يتميّز القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية بآفاقه اللامتناهية كما عبّـر عن ذلك خاتم الأنبياء ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وقال :
  ( ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له تخوم ، وعلى تخومه تخوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ) (2).
  وقد عبّـر عنه سيد الأُوصياء ( عليه السَّلام ) ، بقوله :
  ( وسراجاً لا يخبو توقّده ، وبحراً لايدرك قعره ـ إلى أن قال : ـ وبحر لا ينزفه المستنزِفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ) (3).
  ولأجل ذلك صار القرآن الكريم ، النسخة الثانية لعالم الطبيعة الذي لا يزيد البحث فيه والكشف عن حقائقه إلاّ معرفة أنّ الإنسان لا يزال في الخطوات الأُولى من التوصّل إلى مكامنه الخفية وأغواره البعيدة.
  والمترقّب من الكتاب العزيز النازل من عند اللّه الجليل ، هو ذاك وهو كلام من لا تتصور لوجوده وصفاته نهاية ، فيناسب أن يكون فعله مشابهاً لوصفه ، ووصفه حاكياً عن ذاته ، وبالتالي يكون القرآن مرجع الأجيال وملجأ البشرية في جميع العصور.


--------------------
(1) المائدة : 48.
(2) الكافي : 2 / 238 ، وفي بعض النسخ : له نجوم ، وعلى نجومه نجوم.
(3) نهج البلاغة : الخطبة 198.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 17 _
  ولما ارتحل النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، والتحق بالرفيق الأعلى ، وقف المسلمون على أنّ فهم القرآن وإفهامه يتوقف على تدوين علوم تسهل التعرّف على القرآن الكريم ، ولأجل ذلك قاموا بعملين ضخمين في مجال القرآن :
  الأوّل : تأسيس علوم الصرف والنحو واللغة والاشتقاق وما شابهها ، لتسهيل التعرّف على مفاهيم ومعاني القرآن الكريم أوّلاً ، والسنّة النبوية ثانياً ، وإن كانت تقع في طريق أهداف أُخرى أيضاً لكن الغاية القصوى من القيام بتأسيسها وتدوينها ، هو فهم القرآن وإفهامه.
  الثاني : وضع تفاسير لمختلف الأجيال حسب الأذواق المختلفة لاستجلاء مداليله ، ومن هنا لانجد في التاريخ مثيلاً للقرآن الكريم من حيث شدّة اهتمام أتباعه به ، وحرصهم على ضبطه ، وقراءته ، وتجويده ، وتفسيره ، وتبيينه.
  وقد ضبط تاريخ التفسير أسماء ما ينوف على ألفين ومائتي تفسير وعند المقايسة يختص ربع هذا العدد بالشيعة الإمامية (1).
  هذا ما توصّل إلى إحصائه المحقّقون من طريق الفهارس ومراجعة المكتبات

--------------------
(1) لاحظ معجم المفسرين ل‍ ( عادل نويهض ) وطبقات المفسرين ل‍ ( الحافظ شمس الدين الداودي ) المتوفّى عام 945 هـ ، وما ذكرنا من الإحصاء مأخوذ من ( معجم المفسرين ) ، كما أنّ ما ذكرنا من أنّ ربع هذا العدد يختص بالشيعة مأخوذمن ملاحظة ما جاء في كتاب ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ) من ذكر 450 تفسيراً للشيعة.
  ولكن الحقيقة فوق ذلك ، فإنّ كلّ ما قام به علماء الشيعة في مجال التفسير باللغات المختلفة في العصر الحاضر لم يذكر في الذريعة ، ولأجل ذلك يصح أن يقال : إنّ ثلث هذا العدد يختص بالشيعة ، كما أنّه فات صاحب ( معجم المفسرين ) ذكر عدّة من كتب التفسير للشيعة الإمامية وإن كان تتبعه جديراً للتقدير. ولقد أتينا بذكر أُمّة كبيرة من المفسرين الشيعة من عصر الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا ، من الذين قاموا بتفسير القرآن بألوان مختلفة ، في تقديمنا لكتاب ( التبيان ) لشيخ الطائفة الطوسي ( قدَّس سرَّه ) وقد طبع مع الجزء الأوّل، كما طُبع أيضاً في نهاية الجزء العاشر من موسوعاتنا التفسيرية ( مفاهيم القرآن ).

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 18 _
  عدا ما فاتهم ذكره مما ضاع في الحوادث المؤسفة كالحرق والغرق والغارة.
  وعلى ضوء هذا يصعب جداً الإحاطة بعدد التفاسير وأسمائها وخصوصياتها طيلة أربعة عشر قرناً حسب اختلاف بيئاتهم وقابلياتهم وأذواقهم.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 19 _
مؤهلات المفسِّر أو شروط المفسِّر وآدابه

  فتح علماء التفسير باباً باسم ( معرفة شروط المفسِّر وآدابه ) وذكروا كلّ ما يحتاج إليه المفسر في تفسير كلام اللّه العزيز فمنهم من اختصر كالراغب الاصفهاني في ( مقدمة جامع التفاسير ) ، ومنهم من أسهب كالزركشي في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) و السيوطي في ( الإتقان ) ، ونحن نسلك طريقاً وسطاً في هذا المضمار ، وبما انّ ما ذكره الراغب أساس لكل من جاء بعده ، نأتي هنا بملخص ما ذكره ، ثمّ ندخل في صلب الموضوع ، فنقول :
  ذكر الراغب الاصفهاني في ( مقدّمة جامع التفاسير ) الشروط التالية :
  الأوّل : معرفة الألفاظ ، وهو علم اللغة.
  الثاني : مناسبة بعض الألفاظ إلى بعض ، وهو الاشتقاق.
  الثالث : معرفة أحكام ما يعرض الألفاظ من الأبنية والتعاريف والاعراب ، وهو النحو.
  الرابع : ما يتعلّق بذات التنزيل ، وهو معرفة القراءات.
  الخامس : ما يتعلّق بالأسباب التي نزلت عندها الآيات ، وشرح الأقاصيص

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 20 _
  التي تنطوي عليها السور من ذكر الأنبياء ( عليهم السَّلام ) والقرون الماضية ، وهو علم الآثار والأخبار.
  السادس : ذكر السنن المنقولة عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وعمّن شهد الوحي ممن اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ممّا هو بيان لمجمل أو تفسير لمبهم ، المنبأ عنه بقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكر لِتُبَيِّنَ لِلنّاس ما نزل إِليهم ) (1) وبقوله تعالى : ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه ) (2) ، وذلك علم السنن.
  السابع : معرفة الناسخ والمنسوخ ، والعموم والخصوص ، والإجماع والاختلاف ، والمجمل والمفصّل ، والقياسات الشرعية ، والمواضع التي يصحّ فيها القياس والتي لا يصحّ ، وهو علم أُصول الفقه.
  الثامن : أحكام الدين وآدابه ، وآداب السياسات الثلاث التي هي سياسة النفس والأقارب والرعية مع التمسك بالعدالة فيها ، وهو علم الفقه والزهد.
  التاسع : معرفة الأدلّة العقلية والبراهين الحقيقية والتقسيم والتحديد ، والفرق بين المعقولات والمظنونات ، وغير ذلك ، وهو علم الكلام.
  العاشر : علم الموهبة ، وذلك علم يورثه اللّه مَنْ عَمِلَ بما علم ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( قالت الحكمة : من أرادني فليعمل بأحسن ما علم ) ثمّ تلا : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه ) (3).
  وما روي عنه حين سئل : هل عندك علم عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يقع إلى غيرك ؟ قال : لا ، إلاّ كتاب اللّه و ما في صحيفتي (4) ، وفهم يؤتيه اللّه من يشاء وهذا هو

--------------------
(1) النحل : 44.
(2) الأنعام : 90.
(3) الزمر : 18.
(4) الثابت عندنا غير هذا ، وكتاب علي ( عليه السَّلام ) بإملاء الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) المخزون عند الأئمة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) ، لا يلائمه .

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 21 _
  التذكّر الذي رجّانا تعالى إدراكه بفعل الصالحات ، حيث قال : ( إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذي القُربى ) (1) إلى قوله : ( لعلّكُمْ تَذَكَّرُون ) ، وهو الهداية المزيدة للمهتدي في قوله : ( وَالَّذينَ اهتَدُوا زادَهُمْ هُدى ) (2) وهو الطيب من القول المذكور في قوله : ( وَهُدُوا إِلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَولِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الحَمِيد ) (3).
  فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسر ، ولا تتم صناعة إلاّ بها ، هي هذه العشرة : علم اللغة ، والاشتقاق ، والنحو ، والقراءات ، والسير ، والحديث ، وأُصول الفقه ، وعلم الأحكام ، وعلم الكلام ، وعلم الموهبة ، فمن تكاملت فيه هذه العشرة واستعملها خرج عن كونه مفسراً للقرآن برأيه . (4)
  هذا نصّ كلام الراغب الاصفهاني ، وقد ذكر أُمّهات الشرائط التي ينبغي على المفسر التحلّـي بها ، وبيت القصيد في كلامه هو ما ذكره في الشرط العاشر وهو علم الموهبة.
  والحقّ انّ تفسير القرآن الكريم يحتاج إلى ذوق خاص على حدّ يخالط القرآن روحه وقلبه ويتجرد في تفسيره عن كلّ نزعة وتحيز ، وهو عزيز المنال والوجود بين المفسرين.
  ولكن الذي يؤخذ على الراغب الإصفهاني هو انّ بعض ما عدّه من شروط التفسير يعدّ من كمال علم التفسير ، كالعلم بأُصول الفقه وعلم الكلام ، فإنّ تفسير الكتاب العزيز لا يتوقف على ذينك العلمين على ما فيها من المباحث التي لاتمتُّ إلى الكتاب بصلة ، نعم معرفة الناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيد وكيفية العلاج ، أو

--------------------
(1) النحل : 90.
(2) محمد : 17.
(3) الحج : 24.
(4) مقدمة جامع التفاسير : 94 ـ 96 ، نشر دار الدعوة.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 22 _
  معرفة العموم والخصوص وكيفية التخصيص ، والإجماع والاختلاف وأُسلوب الجمع بينهما ، والمجمل والمبيّن ، التي هي من مباحث علم الأُصول ممّا يتوقف عليه تفسير الكتاب ، كما أنّ الآيات التي تتضمن المعارف الغيبية كالاستدلال على توحيد ذاته وفعله وعبادته لا تفسر إلاّ من خلال الوقوف على ما فيها من المباحث العقلية التي حقّقها علماء الكلام والعقائد ، وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بالقرآن.
  وما ربما يقال من أنّ السلف الصالح من الصحابة والتابعين كانوا مفسّرين للقرآن على الرغم من عدم اطّلاعهم على أغلب هذه المباحث ، غير تام ، فانّ المعلم الأوّل ـ بعد النبيّ ـ للتفسير و المصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) ، وقد روي عنه في علم الكلام ما جعله مرجعاً في ذينك العلمين حتّى فيما يرجع إلى أُصول الفقه من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص ، قال ( عليه السَّلام ) :
  ( إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً ، وصدقاً وكذباً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وعاماً وخاصاً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وحفظاً ووهماً ، ولقد كُذب على رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) على عهده حتى قام خطيباً وقال : ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار ).
  إلى أن قال بعد تقسيم الناس إلى أربعة أقسام :
  ( وآخر رابع لم يكذب على اللّه ، ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفاً من اللّه ، وتعظيماً لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لم يهم ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، فهو حفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه ، وعرف الخاص والعام ، والمحكم والمتشابه ، فوضع كلّ شيء موضعه ). (1)

--------------------
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 210.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 23 _
  هذا بعض كلامه ( عليه السَّلام ) حول ما يمت إلى أُصول الفقه ، وأمّا كلامه فيما له صلة بالعقائد والمباحث الكلامية فحدث عنه ولا حرج ، فهذه خُطَبه ( عليه السَّلام ) فيها وقد أخذ عنه علماء الكلام ما أخذوا. (1)
  وأمّا من لا خبرة له بهذين العلمين من الأقدمين فقد اقتصروا بالتفسير بالمأثور وتركوا البحث فيما لم يرد فيه نص ، ولذا عاد تفسيرهم تفسيراً نقلياً محضاً ، وسيوافيك البحث في هذا النوع من التفسير.
  إلى هنا تمّ ما أردنا نقله من كلام الراغب ، وبما انّ لجلال الدين السيوطي كلاماً في شروط التفسير نذكره لما فيه من اللطافة وإن كان ذيله لا يخلو من الشذوذ ، قال :
  قال العلماء : من أراد تفسير الكتاب العزيز ، طلبه أوّلاً من القرآن ، فما أُجملَ منه في مكان ، فقد فُسّر في موضع آخر ، وما اختصر في مكان ، فقد بُسط في موضع آخر منه.
  وقد ألّف ابن الجوزي كتاباً فيما أجمل في القرآن في موضع وفسّر في موضع آخر منه ، وأشرت إلى أمثلة منه في نوع المجمل.
  فإن أعياه ذلك طلبه من السنّة ، فإنّها شارحة للقرآن وموضحة له ، وقد قال الشافعي : كلّ ما حكم به رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فهو ممّا فهمه من القرآن ، قال تعالى : ( إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّه ) (2) في آيات أُخر وقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ( ألا إنّي أُوتيت القرآن ومثله معه ) ، يعني السنّة.
  فإن لم يجده في السنّة رجع إلى أقوال الصحابة ، فإنّهم أدرى بذلك ، لما

--------------------
(1) لاحظ كتاب بحوث في الملل والنحل : 3 / 187 ـ 192.
(2) النساء : 105.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 24 _
  شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله ، ولما اختصوا به من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح. (1)
  فما ألطف كلامه في المقطعين الأوّلين دون المقطع الثالث فقد بخس فيه حقوق أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ، فإنّ السنّة النبوية ليست منحصرة بما رواها الصحابة والتابعون ، فإنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) عيبة علم النبي ووعاة سننه ، فقد رووا عن آبائهم عن علي أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) روايات في تفسير القرآن الكريم ، كيف وهم أحد الثقلين اللّذين تركهما رسول اللّه وقال : ( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، وعترتي ).
  ولعمر اللّه انّ الإعراض عن أحاديث أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لخسارة فادحة على الإسلام والمسلمين.
  ثمّ إنّ الرجوع إلى أقوال الصحابة لا ينجع ما لم ترفع أقوالهم إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فمجرد انّهم شاهدوا الوحي والتنزيل لا يثبت حجّية أقوالهم ما لم يسند إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، والقول بحجّية قول الصحابي بمجرّد نقله وإن لم يسند قوله إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قول فارغ عن الدليل ، فإنّه سبحانه لم يبعث إلاّ نبيّاً واحداً لا أنبياء حسب عدد الصحابة إلاّ أن يرجع قولهم إلى قول النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
  إذا عرفت كلام هذين العلمين فلنذكر شروط التفسير حسب ما نراها.

شروط التفسير
  لا محيص للمفسر من تبنِّي علوم يتوقف عليها فهم الآية وتبيينها ، وهذه الشروط تأتي تحت عناوين خاصة ، مع تفاصيلها :

--------------------
(1) الإتقان في علوم القرآن : 2 / 1197.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 25 _
  1 ـ معرفة قواعد اللغة العربية :
  إنّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية ، قال سبحانه : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنْذِرين * بِلسان عَربىّ مُبِين ) (1) ومعرفة اللغة العربية فرع معرفة علم النحو والاشتقاق والصرف.
  فبعلم النحو يميز الفاعل عن المفعول ، والمفعول عن التمييز ، إلى غير ذلك من القواعد التي يتوقف عليها فهم معرفة اللغة.
  وأمّا الاشتقاق فهو الذي يُبين لنا مادة الكلمة وأصلها حتى نرجع في تبيين معناها إلى جذورها ، وهذا أمر مهم زلّت فيه أقدام كثير من الباحثين ، وهذا هو المستشرق ( فوجل ) مؤلف ( نجوم الفرقان في أطراف القرآن ) الذي جعله كالمعجم لألفاظ القرآن الكريم وطبع لأوّل مرة عام 1842 م ، فقد التبس عليه جذور الكلمات في موارد كثيرة ، ذكر فهرسها محمد فؤاد عبد الباقي مؤلف ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) في أوّل معجمه.
  حيث زعم انّ قوله : ( وقرن ) في قوله سبحانه مخاطباً لنساء النبيّ : ( وَقرن في بُيوتِكُنَّ ) (2) مأخوذ من قَرَن مع أنّه مأخوذ من ( قرَّ ) فأين القَرْن من القرّ والاستقرار ؟! كما زعم انّ المرضى في قوله سبحانه : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ) (3) مأخوذ من رضي مع أنّه مأخوذ من مرض فأين الرضا من المرض ؟! و قس على ذلك غيره.
  وأمّا علم الصرف فبه يعرف الماضي عن المضارع وكلاهماعن الأمر والنهي إلى غير ذلك ، وما ذكرنا من الشرط ليس تفسيراً لخصوص القرآن الكريم بل هو شرط لتفسير كلّ أثر عربي وصل إلينا.

--------------------
(1) الشعراء : 193 ـ 195.
(2) الأحزاب : 33.
(3) التوبة : 91.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 26 _
  2 ـ معاني المفردات :
  إنّ الجملة تتركّب من مفردات عديدة يحصل من اجتماعها جملة مفيدة للمخاطب ، فالعلم بالمفردات شرط لازم للتفسير ، فلولا العلم بمعنى ( الصعيد ) كيف يمكن أن يُفسر قوله سبحانه : ( فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1).
  وقد قام ثلّة من الباحثين بتفسير مفردات القرآن ، و في طليعتهم أبو القاسم حسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني ( المتوفّى عام 502 هـ ) فألّف كتابه المعروف ب‍ ( المفردات ) و هو كتاب قيّم ، وأعقبه في التأليف مجد الدين أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير ( 544 ـ 606 هـ ) فألّف كتابه ( النهاية في غريب الحديث والأثر ) وهو و إن كان يفسر غريب الحديث لكن ربما يستفيد منه المفسر في بعض المواد.
  نعم ما ألّفه المحقّق فخر الدين بن محمد بن علي الطريحي ( المتوفّى عام 1085 هـ ) باسم ( مجمع البحرين ومطلع النيرين ) يعمّ غريب القرآن والحديث معاً ، و هذا لا يعني عدم الحاجة إلى الرجوع إلى سائر المعاجم ، كالصحاح للجوهري ( المتوفّى 393 هـ ) ، ولسان العرب لابن منظور الافريقي ( المتوفّى عام 707 هـ ) ، والقاموس للفيروز آبادي ( المتوفّى عام 834 هـ ).
  وفي المقام أمر مهمّ ، وهو أن يهتمّ المفسِّر بأُصول المعاني التي يشتق منها معان أُخرى ، فانّ كلام العرب مشحون بالمجاز والكنايات ، فربما يستعمل اللفظ لمناسبة خاصة في معنى قريب من المعنى الأوّل فيبدو للمبتدئ انّ المعنى الثاني هو المعنى الأصلي للكلمة يفسر بها الآية مع أنّها معنى فرعيّ اشتق منه لمناسبة من المناسبات.

--------------------
(1) المائدة : 6.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 27 _
  وأفضل كتاب أُلّف في هذا الموضوع أي إرجاع المعاني المتفرعة إلى أُصولها ، كتابان :
  أ : ( المقاييس ) لأحمد بن فارس بن زكريا ( المتوفّـى عام 395 هـ ) و قد طبع في ستة أجزاء.
  ب : ( أساس البلاغة ) لمحمود الزمخشري ( المتوفّى عام 538 هـ ).
  فبالمراجعة إلى ذينك المرجعين يعرف المفسِّر المعنى الأصلي الذي يجب أن يفسر به الكلمة في القرآن الكريم ما لم تقم القرينة على خلافه ، ولنأت بمثال :
  قال سبحانه في قصة آدم : ( وَعَصى آدمُ رَبَّهُ فَغَوى ) (1) فإنّ كثيراً من المتعاطين لعلم التفسير يتخذون الكلمتين ذريعة لعدم عصمة آدم بذريعة انّ لفظة ( عصى ) عبارة عن المعصية المصطلحة ، و ( الغواية ) ترادف الضلالة ، لكن الرجوع إلى أُصول المعاني يعطي انطباعاً غير ذلك ، فلا لفظة ( عصى ) ترادف العصيان المصطلح ولا الغواية ترادف الضلالة.
  أمّا العصيان فهو بمعنى خلاف الطاعة.
  يقول ابن منظور : العصيان خلاف الطاعة ، والعاصي الفصيل إذا لم يتبع أمه. (2)
  فمن خالف أمر مولاه ، أو نصح الناصح ، يقال : عصى ، وعلى ذلك فليس كلمة ( عصى ) إلاّ موضوعة لمطلق المخالفة ، سواء أكانت معصية كما إذا خالف أمر مولاه ، أو لم تكن كما إذا خالف نصح الناصح.
  ولا يمكن أن يستدل بإطلاق اللفظ على أنّ المورد من قبيل مخالفة أمر المولى.

--------------------
(1) طه : 121.
(2) لسان العرب : 14 / 67.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 28 _
  وأمّا الغيّ فهو ـ كما في لسان العرب ـ يستعمل في الخيبة والفساد والضلال (1) ، ومن الواضح انّ هذه المعاني أعمّ من المعصية الاصطلاحية ، ومن مخالفة نصح الناصح.

تفسير القرآن بالقرآن
  إنّ القرآن الكريم يصف نفسه بأنّه تبيان لكلّ شيء و يقول : ( وَنَزّلنا عَلَيْكَ الكِتاب تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء ) (2) فهل يصحّ أن يكون مبيّناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه إذا كان فيه إجمال ؟
  هذا من جانب ، ومن جانب آخر انّ القرآن تناول موضوعات مهمّة في سور متعددة لغايات مختلفة ، فربما يذكر الموضوع على وجه الإجمال في موضع ويفسره في موضع آخر ، فما أجمله في مكان فقد فصّله في موضع آخر ، وما اختصر في مكان فإنّه قد بسط في آخر ، و بذلك يمكن رفع إجمال الآية الأُولى بالآية الثانية ، كيف وقد وصفه سبحانه بقوله : ( اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتشابهاً مَثَانِيَ ) (3) فإنّ المراد من المتشابه هو تشابه معاني الآيات بعضها مع بعض وتسانخها وتكرر مضامينها بقرينة قوله ( مثاني ) ، و بذلك يظهر انّ رفع إجمال الآية بنظيرتها شيء دعا إليه القرآن الكريم لكن بعد الإمعان والدقة فيه ، ولنضرب لذلك مثالاً :
  يقول سبحانه في وصف تعذيب قوم لوط : ( وَأَمْطرنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِين ) (4) ربما يتصوّر القارئ انّهم عذبوا بالمطر الغزير الذي يستعقب السيل الجارف فغُرِقوا فيه ، ولكن في آية أُخرى أتى سبحانه ما يرفع إبهام الآية فقال :

--------------------
(1) المصدر السابق : 14 / 140.
(2) النحل : 89.
(3) الزمر : 23.
(4) الشعراء : 173.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 29 _
  ( وَأَمطرنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيل ) (1) فصرّح بأنّهم أُمطروا مطر الحجارة فهلكوا بها ، كما أهلك أصحاب الفيل بها كما قال سبحانه : ( تَرْمِيهِمْ بِحِجارَة مِنْ سِجِّيل ) (2) ، ولنأت بمثال آخر : يقول سبحانه في حقّ اليهود : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَل مِنَ الْغَمامِ وَالمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُور ) (3) فظاهر الآية انّهم كانوا ينتظرون مجيء اللّه تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ولكن الآية الأُخرى ترفع الإبهام وانّ المراد مجيء أمره سبحانه يقول : ( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون ). (4)

الحفاظ على سياق الآيات
  إنّ من أهمّ وظائف المفسر الحفاظ على سياق الآيات الواردة في موضوع واحد ، فتقطيع الآية بعضها عن بعض ، والنظر إلى الجزء دون الكل لا يعطي للآية حقّها في التفسير ، فالآيات الواردة في موضوع واحد على وجه التسلسل كباقة من الزهور تكمن نظارتها وجمالها في كونها مجموعة واحدة ، وأمّا النظر التجزيئي إليها فيسلب ذلك الجمال والنظارة منها ، حتى أنّ بعض الملاحدة دخل من ذلك الباب فحرّف الآية من مكانها وفسّرها بغير واقعها ، ولنأت بمثال : إنّه سبحانه تبارك و تعالى يخاطب بني آدم بخطابات ثلاثة أو أكثر في بدء الخلقة ، أي بعد هبوط آدم إلى الأرض ، فخاطب أولاده في تلك الفترة بالخطابات

--------------------
(1) الحجر : 74.
(2) الفيل : 4.
(3) البقرة : 210.
(4) النحل : 33.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 30 _
  التالية ، وقال :
  1 ـ ( يَا بَني آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْءاتِكُمْ وَريشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللّه لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ). (1)
  2 ـ ( يا بَني آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُريَهُما سَوْءاتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنا الشَّياطينَ أَوْلياءَ لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ ) (2).
  3 ـ ( يا بَنِي آدَمَ إِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (3).
  فقد احتجّ من ينكر الخاتمية بالآية الأخيرة على أنّه سبحانه يرسل الرسول بعد رحيل النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بشهادة هذه الآية التي نزلت على النبي ، أعني : ( يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم ... ).
  والمسكين فسّر القرآن بالرأي وبرأي مسبق ، حيث فَصَلَ هذه الآية عمّا تقدّمها من الآيات التي تحكي خطاب اللّه سبحانه في بدء الخليقة وانّه سبحانه في تلك الفترة خاطب بني آدم بهذه الآية ، فلو كان النبي يتلو هذه الآية ، فإنّما يحكي خطاب اللّه سبحانه في ذلك الأوان لا في عصر رسالته وحياته ، ويكفي في ذلك مراجعة المجموعة التي هذه الآية جزء منها في سورة الأعراف من الآية 19 إلى الآية 36 ، فالجميع بسياق واحد ونظم فارد يحكي خطاب اللّه في بدء الخليقة لا خطابه سبحانه في عهد الرسول ، وهذا ما دعانا إلى التركيز بأنّ حفظ السياق أصل من أُصول التفسير.
  وما ذكرنا من لزوم الحفاظ على سياق الآيات لا يعني انّ القرآن الكريم كتاب بشري يأخذ بالبحث في الموضوع فإذا فرغ عنه يبتدئ بموضوع آخر دائماً ،

--------------------
(1) الأعراف : 26.
(2) الأعراف : 27.
(3) الأعراف : 35.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 31 _
  وإنّما المراد انّ الحفاظ على سياق الآيات إذا كان رافعاً للإبهام وكاشفاً عن المراد لا محيص للمفسِّر من الرجوع إليه ، ومع ذلك فإنّ القرآن الكريم ليس كتاباً بشرياً ربما يطرح في ثنايا موضوع واحد موضوعاً آخر له صلة بالموضوع الأصلي ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل ، وإليك شاهدين :
  إنّ القرآن يبحث في سورة البقرة عن أحكام النساء ، مثل المحيض والعدّة والإيلاء وأقسام الطلاق من الآية 222 إلى 240 ، ومع ذلك فقد طرح موضوع الصلاة في ثنايا هذه الآيات ، يعني من آية 237 إلى 238 ، ثمّ أخذ بالبحث في الموضوع السابق ، وإليك صورة إجمالية ممّا ذكرنا ، يقول سبحانه :
  ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوف ). (1)
  ويستمر في البحث في الموضوع بشقوقه المختلفة ويقول : ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَريضَة ... ).
  وقبل أن يُنهي الكلام في الموضوع شرع بالأمر بالصلاة والحفاظ عليها وبالخصوص الصلاة الوسطى ويقول : ( حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطى وَقُومُوا للّهِ قانِتين ). (2)
  ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَما علَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُون ). (3)
  ترى أنّه انتقل من الموضوع الأوّل إلى موضوع آخر ، وهو الحفاظ على الصلوات وتعليم كيفية صلاة الخوف ، ثمّ بعد ذلك نرى أنّه رجع إلى الموضوع الأوّل وقال :

--------------------
(1) البقرة : 232.
(2) البقرة : 238.
(3) البقرة : 239.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 32 _
  ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيةً لأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلى الحَوْل ... ).
  وأمّا ما هو الحافز إلى بيان حكم الصلاة ، قبل إنهاء أحكام المرأة فهو موكول إلى علم التفسير.
  نموذج آخر
  أخذ الوحي في تبيين مكانة نساء النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) والمهمات الثقيلة الملقاة على عاتقهن ، وابتدأ به في سورة الأحزاب من الآية 28 وختمها بالآية 35 ، ومع ذلك طرح في ثنايا هذا الموضوع موضوعاً آخر باسم طهارة أهل البيت من الرجس.
  يقول سبحانه : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنيا وَزِينَتها ... ). (1)
  ويقول : ( وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليةِ الأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللّهَ وَرَسُولَه ). (2)
  وقبل أن يُنهي البحث حول أزواج النبي حتى قبل أن يكمل تلك الآية ، أخذ بالبحث حول أهل البيت على نحو يكون صريحاً انّ المراد منهم غير أزواج النبي وقال : ( إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ البَيتِ وَيُطهِّركُمْ تَطهِيراً ).
  ثمّ رجع إلى الموضوع الأوّل و قال :
  ( واذكُرْنَ ما يُتلى في بُيُوتِكُنَّ من آياتِ اللّهِ والْحِكْمَةِ ).
  وأمّا الدليل على أنّه لا صلة لآية التطهير بنساء النبي هو لفظ الآية ، أي

--------------------
(1) الأحزاب : 28.
(2) الأحزاب : 33.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 33 _
  تذكير ضمائرها ( عنكم ) ، ( يطهركم ) وغير ذلك من القرائن المتصلة والمنفصلة التي تقرأها على وجه التفصيل في موسوعتنا ( مفاهيم القرآن ) الجزء الخامس.
  على أنّ لحن الآيات في نساء النبي هو لحن التنديد والتخويف بخلاف هذه الآية فانّ لحنها لحن التمجيد والثناء.
  فأين قوله سبحانه : ( يا نِساء النَّبيّ مَن يَأْتي مِنْكُنَّ بِفاحِشة مُبيّنة ) من قوله سبحانه : ( إِنّما يُريد اللّه لِيذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجس أَهل البَيت ) ؟!
  وأمّا الصلة بين الموضوعين فإليك بيانه :
  إنّه سبحانه خاطب نساء النبي بالخطابات التالية ، وقال :
  1 ـ ( يا نِساءَ النَّبِىِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَة مُبَيِّنَة يُضاعَفْ لَها الْعَذابُ ضِعْفَيْن ).
  2 ـ ( يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... ).
  3 ـ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِليَةِ الأُولى ).
  فعند ذلك صحّ أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وذلك لوجهين :
  1 ـ تعريفهنّ على جماعة بلغوا في الورع والتقوى ، الذروةَ العليا ، وفي الطهارة عن الرذائل والمساوئ ، القمةَ ، وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل ، فيلزم عليهن أن يقتدينّ بهم ويستضيئنّ بضوئهم.
  2 ـ التنبيه على أنّ حياتهنّ مقرونة بحياة أُمّة طاهرة من الرجس ومطهّرة من الدنس ، ولهنّ معهم لحمة القرابة ووصلة الحسب ، واللازم عليهنّ الحفاظ على شؤون هذه القرابة بالابتعاد عن المعاصي والمساوئ ، والتحلّـي بما يرضيه سبحانه ، ولأجل ذلك يقول سبحانه : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ) ، وما هذا إلاّ

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 34 _
  لقرابتهنّ منه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وصلتهنّ بأهل بيته ، وهي لا تنفك عن المسؤولية الخاصة ، فالانتساب للنبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ولبيته الرفيع ، سبب المسؤولية ومنشؤها ، وفي ضوء هذين الوجهين صحّ أن يطرح طهارة أهل البيت في أثناء المحاورة مع نساء النبي والكلام حول شؤونهن.
  ولقد قام محقّقو الإمامية ببيان مناسبة العدول في الآية ، نأتي ببعض تحقيقاتهم ، قال السيد القاضي التستري : لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الأزواج إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وأهل بيته ( عليهم السَّلام ) على معنى أنّ تأديب الأزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد ، من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت ( عليهم السَّلام ). (1)
  5 ـ الرجوع إلى الأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين إنّ كثيراً من الآيات المتعرّضة لأحكام الأفعال والموضوعات مجملة ورد تفسيرها في السنّة القطعية وإجماع المسلمين وأحاديث أئمّة أهل البيت كالصلاة والزكاة والحجّ وغير ذلك ممّا لا محيص للمفسِّر من الرجوع إليها في رفع الإجمال وتبيين المبهم ، وهو أمر واضح.
  وهناك سبب ثان للرجوع إليه ، وهو انّه ورد في القرآن مطلقات ولكن أُريد منها المقيد ، كما ورد عموم أُريد منه الخصوص ، وذلك وفقاً لتشريع القوانين في المجالس التشريعية ، فإنّهم يذكرون المطلقات والعموم في فصل كما يذكرون قيودها ومخصصاتها في فصل آخر باسم الملحق ، وقد حذا القرآن في تشريعه هذا الحذو فجاءت المطلقات والعموم في القرآن الكريم والمقيد والمخصص في نفس السنّة ، ولنأت بمثال :

--------------------
(1) إحقاق الحق : 2 / 570 ، وسيوافيك مزيد بيان في فصل صيانة القرآن عن التحريف ، فانتظر .

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 35 _
  يقول سبحانه : ( وَأَحَلَّ اللّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) (1) وجاء في السنّة مخصصها ، وانّه لا ربا بين الزوج والزوجة والولد والوالد ، فقد رخص الإسلام الربا هنا.
  قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : قال أميرالمؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( ليس بين الرجل وولده رباء ، وليس بين السيد و عبده ربا ) . (2)
  وروى زرارة عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) : ( ليس بين الرجل وولده ، وبينه و بين عبده ، ولا بين أهله ربا ، إنّما الربا فيما بينك و بين ما لا تملك ). (3)
  ولعلّ قوله سبحانه : ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (4) يوحي إلى هذا المعنى.
  غير انّ المهم صحّة الأحاديث الواردة في تفسير القرآن الكريم ، أمّا ما يرجع إلى السنن وتبيين الحلال والحرام بالتخصيص والتقييد فقد وردت فيه روايات صحاح وحسان ، إنّما الكلام فيما يرجع إلى المعارف والعقائد والقصص والتاريخ فالحديث الصحيح في ذلك المورد في كتب أهل السنّة قليل جداً ، يقول الميموني : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ثلاث كتب ليس لها أُصول : المغازي ، والملاحم ، والتفسير ، قال المحقّقون من أصحابه : مراده انّ الغالب انّها ليس لها أسانيد صحاح متصلة . (5)
  ومن عجيب الأمر انّه لم يرد عن طرق الصحابة والتابعين ما يرجع إلى تفسير ما ورد من الآيات حول العقائد والمعارف ، وكأنّهم اكتفوا بقراءتها والمرور عليها كما عليه جملة من السلفيين.

--------------------
(1) البقرة : 275.
(2) الوسائل : 12 ، الباب 7 من أبواب الربا ، الحديث 1 و 3. وقد ذكر الإمام نكتة التشريع في كلامه.
(3) الوسائل : 12 ، الباب 7 من أبواب الربا ، الحديث 1 و 3. وقد ذكر الإمام نكتة التشريع في كلامه.
(4) الحشر : 7.
(5) البرهان في علوم القرآن : 2 / 156.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 36 _
  إنّه من المعلوم انّ الإحاطة بمعاني الألفاظ والجمل لا يكفي في تفسير قوله سبحانه : ( وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكنَّ اللّهَ رَمى ) (1) ، حيث إنّه يثبت الرمي للرسول وفي الوقت نفسه ينفي عنه وهما متضادان.
  كما أنّه لا يكفي الإحاطة بالأدب العربي ومعاني المفردات فهم قوله سبحانه : ( شَهِدَ اللّهُ أنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قائِماً بِالقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الحَكيم ) (2) ، حيث اتّحد الشاهد والمشهود ومع ذلك كيف يشهد على وحدانيته ؟!
  ففي هذه الآيات لا محيص للمفسِّر من أن يرجع إلى أحد الثقلين ، أي بما أُثر عن أئمة أهل البيت ، أو إلى العقل الصريح ، وإلاّ تبقى الآية على إجمالها ، ويكون تفسيرها المرور عليها ، وبالتالي تصبح الآية ـ نعوذ باللّه ـ لقلقة في اللسان.

النبيّ هو المفسّر الأوّل
  إنّ الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) حسب القرآن الكريم هو المفسِّر الأوّل ، وانّه لا تقتصر وظيفته في القراءة والتلاوة ، بل يتعيّـن عليه بعد القراءة تبيان ما أجمل وتفسير ما أُبهم يقول سبحانه : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون ) (3)
  ترى أنّه سبحانه يجعل غاية النزول بيان الرسول حقائق القرآن للناس مضافاً إلى أنّه سبحانه يشير في بعض الآيات إلى أنّ عليه وراء البيان ، القراءة والجمع ، يقول : ( لا تُحَرِّك بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنّ عَلَينا جَمْعَهُ وَقُرآنَهُ * فَإِذا

--------------------
(1) الأنفال : 17.
(2) آل عمران : 18.
(3) النحل : 44.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _37 _
  قَرَأْناهُ فَاتَّبِـع قُرآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَينا بَيانَهُ ) (1)
  فالآية ترشد إلى الوظائف الثلاث : ( القراءة ، والجمع ، والبيان ) التي على عاتق النبي بأمر من اللّه سبحانه.
  أمّا التلاوة يقول سبحانه : ( هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الأُمِيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ). (2)
  وأمّا الجمع فالحقّ انّه قد جمع القرآن في حياته ولم يترك القرآن متشتتاً هنا وهناك.
  وأمّا البيان فقد كان يبيّن آيات الذكر الحكيم بالتدريج ، قال أبو عبد الرحمن السلمي : حدّثنا الذين كانوا يقرأون القرآن كعثمان بن عفان ، و عبد اللّه بن مسعود وغيرهما أنّهما كانوا إذا تعلّموا من النبي عشر آيات ، لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً ، ولهذا كانوا يبقون مدّة في حفظ السورة. (3)
  لكنَّ جميع ما ورد عن النبي من التفسير ـ غير ما ورد من أسباب النزول ـ لا يتجاوز المائتين وعشرين حديثاً تقريباً ، وقد أتعب جلال الدين السيوطي نفسه فجمعها من مطاوي الكتب في آخر كتابه ( الإتقان ) فرتّبها على ترتيب السور من الفاتحة إلى الناس. (4)
  ومن المعلوم أنّ هذا المقدار لا يفي بتفسير القرآن الكريم ولا يمكن لنا التقوّل بأنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) تقاعس عن مهمته ، وليس الحل إلاّ أن نقول بأنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أودع علم الكتاب في أحد الثقلين الذين طهرهم اللّه من الرجس تطهيراً ، فقاموا بتفسير

--------------------
(1) القيامة : 16 ـ 19.
(2) الجمعة : 2.
(3) الإتقان : 4 / 175 ـ 176 ، ط مصر.
(4) الإتقان : 4 / 170 ، ط مصر.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 38 _
  القرآن بالمأثور عن النبي المودَع في مجاميع كثيرة يقف عليها المتتبع في أحاديث الشيعة. (1)
  وبما ذكرنا علم أنّ الاقتصار في التفسير بالمأثور على ما روي في كتب القوم لا يرفع الحاجة ، وليس للمفسِّر الواعي محيص من الرجوع إلى ما روي عن علي وأولاده المعصومين ( عليهم السَّلام ) في مجال التفسير وهي كثيرة.
  ولعلّه إليهم يشير قوله سبحانه : ( ثُمَّ أَورَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ) (2) فالمصطفون من عباده هم الوارثون علم الكتاب.
  ولنذكر نموذجاً من تفسير النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لمّا نزل قوله سبحانه : ( كُلُوا وَاشرَبُوا حَتّى يَتَبيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسودِ منَ الفَجْر ) (3) قال عدي بن حاتم : إنّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود ، فكنت أنظر فيهما ، فلا يتبيّن لي ، فضحك رسول اللّه حتى رؤيت نواجذه ، ثمّ قال : ( ذلك بياض النهار ، وسواد الليل ). (4)

معرفة أسباب النزول
  إنّ لمعرفة أسباب النزول دوراً هاماً في رفع الإبهام عن الآيات التي وردت في شأن خاص ، لأنّ القرآن الكريم نزل نجوماً عبر ثلاثة وعشرين عاماً إجابة لسؤال ، أو تنديداً لحادثة ، أو تمجيداً لعمل جماعة ، إلى غير ذلك من الأسباب التي دعت إلى نزول الآيات ، فالوقوف على تلك الأسباب لها دور في فهم الآية بحدها ورفع الإبهام عنها ، فلنأت بأمثلة ثلاثة يكون لسبب النزول فيها دور فعال بالنسبة إلى رفع إبهام الآية.

--------------------
(1) كتفسير البرهان للسيد البحراني ، نور الثقلين للحويزي ، وقبلهما تفسير علي بن إبراهيم وغيرها.
(2) فاطر : 32.
(3) البقرة : 187.
(4) مجمع البيان : 1 / 281 ، ط صيدا.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 39 _
  1 ـ إنّه سبحانه يندّد بأشخاص ثلاثة تخلّفوا عن الجهاد في سبيل اللّه حتّى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وظن هؤلاء بأنّه لا محيص من اللجوء إلى اللّه سبحانه ، فتابوا فقبلت توبتهم ، لأنّه سبحانه تواب رحيم ، يقول : ( وَعَلى الثَّلاثَة الّذِينَ خُلِّفُوا حتّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلجأ مِنَ اللّهِ إِلاّ إِليهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّه هُوَ التَّوّابُ الرَّحيم ). (1)
  فلا شكّ انّ في الآية عدّة إبهامات :
  أ : مَن هؤلاء الثلاثة الذين تخلّفوا ؟
  ب : ما هي الدواعي التي حدت بهم إلى التخلّف ؟
  ج : كيف ضاقت عليهم الأرض ؟
  د : كيف ضاقت عليهم أنفسهم ؟
  هـ : بأي دليل أدركوا بأنّه لا ملجأ من اللّه إلاّ إليه ؟
  و : ما هو المراد من قوله : ( ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ ) ؟
  إنّ الاجابة على هذه الأسئلة تكمن في الوقوف على أسباب النزول ، فمن رجع إليها يسهل له الإجابة. (2)
  2 ـ يقول سبحانه : ( إِنّ الصَّفا وَالْمَرْوَة مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلا جُناجَ عَليهِ أَنْ يَطَوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيراً فَإِنّ اللّهَ شاكِرٌ عَليم ). (3)
  فظهور الآية يوحي إلى عدم وجوب السعي بين الصفا والمروة وإنّما هو جائز بشهادة قوله : ( لا جناح ) ، وأمّا إذا رجع إلى سبب النزول ، يعرف أنّ قوله ( لا حرج )

--------------------
(1) التوبة : 118.
(2) مجمع البيان : 3 / 78 ، ومرّ الإيعاز إليه في ص 13.
(3) البقرة : 158.

المناهج التفسيرية في علوم القرآن _ 40 _
  لا يزاحم كونه واجباً.
  قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : كان المسلمون يرون انّ الصفا والمروة ممّا ابتدع أهل الجاهلية فأنزل اللّه هذه الآية وإنّما قال : ( فَلا جُناحَ عَليه أَنْ يَطَوَّفَ بِهِما ) وهو واجب أو طاعة على الخلاف فيه ، لأنّه كان على الصفا صنم يقال له : إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة وكان المشركون إذا طافوا بهما مسحوهما ، فتحرّج المسلمون عن الطواف بهما لأجل الصنمين ، فأنزل اللّه هذه الآية. (1)
  وبالوقوف على ذلك يعلم أنّ قوله : ( لا جناح ) لا ينافي كون السعي فريضة ، لأنّ نفي الجناح نسبي متوجه إلى ما زعمه بعض المسلمين مانعاً من السعي ، فقال سبحانه لا يضر هذا وعليكم السعي بين الصفا والمروة وإحياء شعائر اللّه.
  3 ـ قال سبحانه : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّة قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجّ وَلَيْسَ البِرّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ البِرّ مَنِ اتّقى وَآتُوا البُيُوت مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللّه لَعَلَّكُمْ تَعْلَمُون ). (2)
  فالإنسان في بدو الأمر يتعجّب من قوله سبحانه : ( وَلَيْسَ البِرّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ البِرّ مَنِ اتّقى وَآتُوا البُيُوت مِنْ أَبْوابِها ) ولكن بعد ما يقف على سبب النزول يزول تعجبه.
  كان المحرِم عند بعض الطوائف لا يدخل بيته في بابه بل كان ينقب في ظهر بيته نقباً يدخل ويخرج منه فنزلت الآية بالنهي عن التديّن بذلك.
  وفي الختام نضيف : انّه لا يمكن الاعتماد على كلّ ما ورد في الكتب باسم أسباب النزول ، بل لابدّ من التحقيق حول سنده والكتاب الذي ورد فيه ، فإنّ

--------------------
(1) مجمع البيان : 1 / 240.
(2) مجمع البيان : 1 / 284.