وعن بعض الكتب إضافة بلفظ : « من مات ولم يعرف إمام زمانه فليمتْ إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً » ، وقد نقله بهذا اللفظ بعض العلماء عن كتاب المسائل الخمسون للفخر الرازي ، وله أيضاً ألفاظ أُخرى موجودة في السنن ، وفي الصحاح ، وفي المسانيد أيضاً ، نكتفي بهذا القدر ، ونشير إلى بعض الخصوصيات الموجودة في لفظ الحديث : « من مات ولم يعرف » ، لابدّ وأنْ تكون المعرفة هذه بمعنى الاعتقاد أو مقدمة للاعتقاد ، « من مات ولم يعرف » أي : من مات ولم يعتقد بإمام زمانه ، لا مطلق إمام الزمان ، بإمام زمانه الحق ، بإمام زمانه الشرعي ، بإمام زمانه المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى .
« من مات ولم يعرف إمام زمانه » بهذه القيود « مات ميتة جاهلية » ، وإلاّ لو كان المراد من إمام الزمان أيّ حاكم سيطر على شؤون المسلمين وتغلَّب على أُمور المؤمنين ، لا تكون معرفة هكذا شخص واجبة ، ولا يكون عدم معرفته موجباً للدخول في النار ، ولا يكون موته موت جاهلية ، هذا واضح ، إذن ، لابدّ من أن يكون الامام الذي تجب معرفته إمام حق ، وإماماً شرعياً ، فحينئذ ، على الانسان أن يعتقد بإمامة هذا الشخص ، ويجعله حجةً بينه وبين ربّه ، وهذا واجب ، بحيث لو أنّه لم يعتقد بإمامته ومات ، يكون موته موت جاهلية ، وبعبارة أُخرى : « فليمت إنْ شاء يهودياً وإنْ شاء نصرانياً » .
وذكر المؤرخون : أنّ عبد الله بن عمر ، الذي امتنع من بيعة أمير المؤمنين ( سلام الله عليه ) ، طرق على الحجّاج بابه ليلاً ليبايعه لعبد الملك ، كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام ، وكان قصده من ذلك هو العمل بهذا الحديث كما قال ، فقد طرق باب الحجّاج ودخل عليه في تلك الليلة وطلب منه أن يبايعه قائلاً : سمعت رسول الله يقول : « من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية » ، لكن الحجّاج احتقر عبد الله بن عمر ، ومدّ رجله وقال : بايع رجلي ، فبايع عبد الله بن عمر الحجّاج بهذه الطريقة ، وطبيعي أنّ من يأبى عن البيعة لمثل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يبتلي في يوم من الايّام بالبيعة لمثل الحجّاج وبهذا الشكل ، وكتبوا بترجمة عبد الله بن عمر ، وفي قضايا الحرّة ، بالذات ، تلك الواقعة التي أباح فيها يزيد بن معاوية المدينة المنورة ثلاثة أيام ، أباحها لجيوشه يفعلون ما يشاؤون ، وأنتم تعلمون بما كان وما حدث في تلك الواقعة ، حيث قتل عشرات الالاف من الناس ، والمئات من الصحابة والتابعين ، وافتضت الابكار ، وولدت النساء بالمئات من غير زوج .
في هذه الواقعة أتى عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع ، فقال عبد الله ابن مطيع : إطرحوا لابي عبد الرحمن وسادة ، فقال : إنّي لم آتك لكي أجلس ، أتيتك لاُحدّثك حديثاً ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : « من خلع يداً من طاعة لقى الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » ، أخرجه مسلم
فقضية وجوب معرفة الامام في كلّ زمان والاعتقاد بإمامته والالتزام ببيعته أمر مفروغ منه ومسلّم ، وتدلّ عليه الاحاديث ، وسيرة الصحابة ، وسائر الناس ، ومنها ما ذكرت لكم من أحوال عبد الله بن عمر الذي يجعلونه قدوة لهم ، إلاّ أنّ عبد الله بن عمر ذكروا أنّه كان يتأسّف على عدم بيعته لامير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وعدم مشاركته معه في القتال مع الفئة الباغية ، وهذا موجود في المصادر ، فراجعوا الطبقات لابن سعد
(1) والمستدرك للحاكم
(2) وغيرهما من الكتب ، وعلى كلّ حال لسنا بصدد الكلام عن عبد الله بن عمر أو غيره ، وإنّما أردت أن أذكر لكم نماذج من الكتاب والسنة وسيرة الصحابة على أنّ هذه المسألة ـ مسألة أنّ في كلّ زمان ولكلّ زمان إمام لابدّ وأنْ يعتقد المسلمون بإمامته ويجعلونه حجةً بينهم وبين ربهم ـ من ضروريات عقائد الاسلام .
النقطة الثالثة :
إنّ المهدي من الائمّة الاثني عشر في حديث الائمّة بعدي إثنا عشر ، لا ريب ولا خلاف في هذه الناحية ، فإنّ القيود التي ذكرت في رواية الائمّة إثنا عشر ، تلك القيود كلّها منطبقة على المهدي ( سلام الله عليه ) ، لانّ هذا الامام عندما يظهر يجتمع الناس على القول بإمامته ، وأنّ الله سبحانه وتعالى سيعزّ الاسلام بدولته ، وأنّه سيظهر دينه على الدين كلّه ، وجميع تلك القيود والمواصفات التي وردت في أحاديث الائمّه اثنا عشر كلّها منطبقة على المهدي ( سلام الله عليه ) ، وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب التي حاولوا فيها ذكر الخلفاء بعد رسول الله من بني أُميّة وغيرهم ، يعدّون المهدي أيضاً من أُولئك الخلفاء الاثني عشر ، الذين أخبر عنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الاحاديث التي درسناها في الليلة الماضية ، وإلى الان عرفنا الاتفاق على ثلاثة نقاط :
النقطة الاُولى : أنّ في هذه الاُمّة مهدياً .
النقطة الثانية : أنّ لكلّ زمان إماماً يجب على كلّ مسلم معرفته والايمان به والالتزام بطاعته والانقياد له .
النقطة الثالثة : أنّ المهدي ( عليه السلام ) الذي أخبر عنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في تلك الاحاديث الكثيرة ، نفس المهدي الذي يكون الامام الثاني عشر من الائمّة الذين أخبر عن إمامتهم من بعده في أحاديث الائمّة إثنا عشر ، وإلى الان عرفنا المشتركات بين المسلمين ، فإنّه إلى هنا لا خلاف بين طوائف المسلمين ، ويكون المهدي حينئذ أمراً مفروغاً منه ومسلّماً في هذه الاُمّة ، والمهدي هو الثاني عشر من الائمّة الاثني عشر ، فهو الامام الحق الذي يجب معرفته والاعتقاد به ، وأنّ من مات ولم يعرف المهدي مات ميتة جاهلية .
---------------------------
(1) طبقات ابن سعد 4 / 185 و 187 ، وفيه : « ما أجدني آسى على شيء من أمر الدنيا إلاّ أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية ، ما آسى عن الدنيا إلاّ على ثلاث : ظمأ الهواجر ومكابدة الليل وألاّ أكون قاتلت الفئة هذه الفئة الباغية التي حلّت بنا » .
(2) مستدرك الحاكم 3 / 115 ، لكن في الصفحة 558 سطر 8 العبارة في المتن هكذا : « ما آسى على شيء » فلم يذكر بقية الخبر ، وفي الهامش : بياض في الاصل ! ! .
الامام المهدي عليه السلام
_ 7 _
وهنا قالت الشيعة الامامية الاثنا عشرية : إنّ الذي عرفناه مصداقاً لهذه النقاط هو ابن الحسن العسكري ، ابن الامام الهادي ، ابن الامام الجواد ، ابن الامام الرضا ، ابن الامام الكاظم ، ابن الامام الصادق ، ابن الامام الباقر ، ابن الامام السجاد ، ابن الحسين الشهيد ، ابن علي بن أبي طالب ، ( سلام الله عليهم أجمعين ) ، فهذه عقيدة الشيعة ، فهم يطبّقون تلك النقاط الثلاثة المتفق عليها على هذا المصداق ، فهل هناك حديث عند الجمهور يوافق الشيعة الاماميّة ، ويدلّ على ما تذهب إليه الشيعة الاماميّة في هذا التطبيق ؟ هل هناك حديث أو أحاديث من طرق أهل السنّة توافق هذا التطبيق وتؤيّد هذا التطبيق أو لا ؟ من هنا يشرع البحث بين الشيعة وغير الشيعة ، هذه عقيدة الشيعة ولهم عليها أدلّتهم من الكتاب والسنّة وغير ذلك ، وما بلغهم وما وصلهم عن أئمّة أهل البيت الصادقين ( سلام الله عليهم ) .
لكن هل هناك ما يدلّ على هذا الاعتقاد في كتب أهل السنّة أيضاً ، لتكون هذه العقيدة مؤيَّدة ومدعمة من قبل روايات السنّة ، ويمكن للشيعة الاماميّة أنْ تلزم أولئك بما رووا في كتبهم أو لا ؟ نعم وردت روايات في كتب القوم مطابقة لهذا الاعتقاد ، إذن ، يكون هذا الاعتقاد متفقاً عليه حسب الروايات وإن لم يكن القوم يعتقدون بهذا الاعتقاد بحسب الاقوال ، إلاّ أنّا نبحث أوّلاً عن العقيدة على ضوء الادلّة ، ثمّ على ضوء الاقوال والاراء ، فلنقرأ بعض تلك الروايات :
الرواية الاُولى :
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله عزّوجلّ ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي ، فقام سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ، من أيّ ولدك ؟ قال : من وَلَدي هذا ، وضرب بيده على الحسين » ، هذه الرواية في المصادر عن أبي القاسم الطبراني
(1) ، ومحب الدين الطبري
(2) ، وأبي نعيم الاصفهاني
(3) ، وابن قيّم الجوزية
(4) ، ويوسف بن يحيى المقدسي
(5) ، وشيخ الاسلام الجويني
(6) ، وابن حجر المكي صاحب الصواعق
(7) .
الحديث الثاني :
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبضعته الزهراء ( سلام الله عليها ) وهو في مرض وفاته : « ما يبكيك يا فاطمة، أما علمت أنّ الله اطّلع إلى الارض إطّلاعة أو اطْلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك ، فأوحى إليّ فأنكحته إيّاك واتّخذته وصيّاً ، أما علمت أنّكِ بكرامة الله إيّاك زوّجك أعلمهم علماً ، وأكثرهم حلماً ، وأقدمهم سلماً ، فضحكت واستبشرت ، فأراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يزيدها مزيد الخير ، فقال لها : ومنّا مهدي الاُمّة الذي يصلّي عيسى خلفه ، ثمّ ضرب على منكب الحسين فقال : من هذا مهدي الاُمّة » ، وهذا الحديث رواه كما في المصادر : أبو الحسن الدارقطني ، أبو المظفر السمعاني ، أبو عبد الله الكنجي ، وابن الصبّاغ المالكي
(8) .
---------------------------
(1) المعجم الكبير 10 / 166 رقم 10222 باختلاف .
(2) ذخائر العقبى : 136 باب ما جاء ان المهدي من ولد الحسين .
(3) الاربعون حديثاً في المهدي ، وقد رواه عنه العلماء بالاسانيد .
(4) المنار المنيف : 148 .
(5) عقد الدرر في أخبار المنتظر : 56 ـ انتشارات نصايح ـ قم ـ 1416 هـ .
(6) فرائد السمطين 2 / 325 رقم 575 عن حذيفة بن اليمان ـ مؤسسة المحمودي ـ بيروت ـ 1400 هـ .
(7) الصواعق المحرقة : 249 وما بعدها .
(8) البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي : 502 ( ضمن كفاية الطالب ) ـ دار احياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ 1404 هـ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي : 296 ـ منشورات الاعلمي ـ طهران .
الامام المهدي عليه السلام
_ 8 _
الحديث الثالث :
قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يخرج المهدي من ولد الحسين من قبل المشرق ، لو استقبلته الجبال لهدمها واتّخذ فيها طرقاً » ، وهذا الحديث كما في المصادر عن نعيم بن حمّاد ، والطبراني ، وأبي نعيم ، والمقدسي صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المنتظر
(1) ، هذا بحسب الروايات ، وأمّا بحسب أقوال العلماء المحدّثين والمؤرّخين والمتصوفين ، هؤلاء أيضاً يصرّحون بأنّ المهدي ابن الحسين ، أي من ذريّة الحسين ، ويضيفون على ذلك أنّه ابن الحسن العسكري ، وأيضاً مولود وموجود ، هؤلاء عدة كبيرة من العلماء من أهل السنّة في مختلف العلوم ، أذكر أشهرهم :
أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري ، المتوفى سنة 279 هـ ، أبو بكر البيهقي ، المتوفى سنة 458 هـ ، ابن الخشّاب ، المتوفى سنة 567 هـ ، ابن الازرق المؤرخ ، المتوفى سنة 590 هـ ، ابن عربي الاندلسي صاحب الفتوحات المكية ، المتوفى سنة 638 هـ ، ابن طلحة الشافعي ، المتوفى سنة 653 هـ ، سبط ابن الجوزي الحنفي ، المتوفى سنة 654 هـ ، الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة 658 هـ ، صدر الدين القونوي ، المتوفى سنة 672 هـ ، صدر الدين الحموي ، المتوفى سنة 723 هـ ، عمر بن الوردي المؤرخ الصوفي الواعظ ، المتوفى سنة 749 هـ ، صلاح الدين الصفدي صاحب الوافي بالوفيات ، المتوفى سنة 764 هـ ، شمس الدين ابن الجزري ، المتوفى سنة 833 هـ ، ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفى سنة 855 هـ ، جلال الدين السيوطي ، المتوفى سنة 911 هـ ، عبد الوهاب الشعراني الفقيه الصوفي ، المتوفى سنة 973 هـ ، ابن حجر المكي ، المتوفى سنة 973 هـ ، علي القاري الهروي ، المتوفى سنة 1013 هـ ، عبد الحق الدهلوي ، المتوفى سنة 1052 هـ ، شاه ولي الله الدهلوي ، المتوفى سنة 1176 هـ ، القندوزي الحنفي ، المتوفى سنة 1294 هـ .
---------------------------
(1) عقد الدرر للسلمي الشافعي : 223 .
الامام المهدي عليه السلام
_ 9 _
فظهر إلى الان:
أوّلاً : أنّ المهدي ( عليه السلام ) من هذه الاُمّة .
ثانياً : المهدي ( عليه السلام ) من بني هاشم .
ثالثاً : المهدي ( عليه السلام ) من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
رابعاً : المهدي ( عليه السلام ) من ولد فاطمة ( عليها السلام ) .
خامساً : المهدي ( عليه السلام ) من ولد الحسين ( عليه السلام ) .
ولكلّ واحد من هذه النقاط : كونه من هذه الاُمّة ، كونه من بني هاشم ، كونه من عترة النبي ، كونه من ولد فاطمة ، كونه من ولد الحسين ، لكلّ بند من هذه البنود ، روايات خاصة ، ولم نتعرض لها لغرض الاختصار ، فانتهينا إذن من الفصل الاول .
الامام المهدي عليه السلام
_ 10 _
هناك بحوث تدور حول روايات في كتب السنّة تخالف هذا الذي انتهينا إليه ، ولربّما اتّخذ بعض العلماء من أهل السنّة ما دلَّت عليه تلك الروايات عقيدةً لهم ، ودافعوا عن تلك العقيدة ، إلاّ أنّنا في بحوثنا حقّقنا أنّ تلك الروايات المخالفة لهذا العقيدة ، إمّا ضعيفة سنداً ، وإمّا فيها تحريف، والتحريف تارةً يكون عمداً ، وتارة يكون سهواً ، وتلك البحوث هي :
أوّلاً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم في أنّ «المهدي هو عيسى ابن مريم »
(1) ، فليس من هذه الاُمّة ، وإنّما المهدي هو عيسى بن مريم ، فالمهدي الذي أخبر به رسول الله في تلك الروايات الكثيرة المتواترة التي دوّنها العلماء في كتبهم ، وأصبحت روايات موضع وفاق بين المسلمين ، وأصبحت من ضمن عقائد المسلمين ، المراد من المهدي في جميع تلك الروايات هو عيسى بن مريم ، وهذه رواية واحدة فقط موجودة في بعض كتب أهل السنّة .
وثانياً : الخبر الواحد الذي ورد في بعض كتبهم من أنّ « المهدي من ولد العباس »
(2) ، فليس من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا كأنّه وضع في زمن بني العباس لصالح حكّام بني العباس .
وثالثاً : الخبر الواحد الذي في كتبهم من أنّه « من ولد الحسن »
(3) ، لا من ولد الحسين .
ورابعاً : الخبر الواحد الذي في بعض كتبهم من أنّ « اسم أبي المهدي اسم أبي النبي »
(4) ، وأبو النبي اسمه عبد الله ، فلا ينطبق على المهدي ابن الحسن العسكري ( سلام الله عليهم ) ، فتكون رواية مخالفة لما ذكرناه واستنتجناه من الادلة .
وخامساً : ما عزاه ابن تيميّة إلى الطبري وابن قانع من « أنّ الحسن العسكري قد مات بلا عقب » وإذا كان الحسن العسكري قد مات بلا عقب ، فليس المهدي ابن الحسن العسكري .
فهذه بحوثٌ لابدّ من التعرّض لها وإثبات ضعف هذه الاحاديث المخالفة ، أو إثبات أنّها روايات محرّفة ، أمّا ما نسبه ابن تيميّة إلى الطبري صاحب التاريخ ، وإلى ابن قانع ، فهو كذب ، وقد حققته بالتفصيل في بعض مؤلفاتي ، وأمّا بالنسبة إلى البحوث الاُخرى ، فلو أردنا الدخول في تحقيقها لاحتجنا إلى وقت إضافي ، فإن شاء الله تعالى بعد أن أُكمل البحث في هذه الليلة في الفصل الثالث ، إن بقي من الوقت شيء ، ندخل في هذه البحوث لغرض التفصيل ، وإلاّ فلا ضرورة ، وحينئذ نصل إلى الفصل الثالث .
---------------------------
(1) المنار المنيف لابن قيم الجوزية : 148 ، كنز العمال 14 / 263 ح 38656 .
(2) المصدر نفسه : 149 ، كنز العمال : 14 / 264 ح 38663 .
(3) المنار المنيف لابن قيّم الجوزية : 151 .
(4) كنز العمال 14 / 268 ح 38678 .
الامام المهدي عليه السلام
_ 11 _
الاسئلة :
السؤال الاول : مسألة طول العمر ؟
السؤال الثاني : لماذا هذه الغيبة ؟
السؤال الثالث : ما الفائدة من إمام غائب ؟
السؤال الرابع : أين يعيش المهدي ؟
السؤال الخامس : متى يظهر ؟
السؤال السادس : ما هو تكليف المؤمنين تجاهه وتجاه الاحكام الشرعية في زمن الغيبة ؟
السؤال السابع : ما هي الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره ؟
السؤال الثامن : مسألة الرجعة ؟
وقد تكون هناك أسئلة أُخرى ، ولابدّ من الاجابة على هذه الاسئلة ولو بنحو الاجمال ، لئلاّ يبقى البحث ناقصاً ، أقرأ لكم عبارة السعد التفتازاني أوّلاً ، وندخل في البحث ونشرع في الجواب عن هذه الاسئلة ولو بنحو الاجمال كما ذكرت .
يقول السعد التفتازاني
(1) : زعمت الامامية من الشيعة أنّ محمّد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفاً من الاعداء ، ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر ( عليه السلام ) ، يقول : وأنكر ذلك سائر الفرق ، لانّه ادّعاء أمر مستبعد جدّاً ، ولانّ اختفاء إمام هذا القدر من الانام بحيث لا يذكر منه إلاّ الاسم بعيد جدّاً ، ولانّ بعثه مع هذا الاختفاء عبث ، ولو سلّم فكان ينبغي أنْ يكون ظاهراً ، فما قيل أو فما يقال : إنّ عيسى يقتدي بالمهدي أو بالعكس شيء لا مستند له ، فلا ينبغي أنْ يعوّل عليه .
هذا غاية ما توصّل إليه متكلّمهم سعد الدين التفتازاني ، أقول : إن تطرح هذه الاسئلة كبحوث علمية ومناقشات ، فلا مانع ، ويا حبّذا لو تطرح كذلك ويلتزم فيها بالاداب والاخلاق والمتانة ، ولا يكون هناك شتم وسبّ وتهجّم وتهريج واستهزاء ، وهكذا فعل بعض العلماء وبعض الكتّاب المعاصرين ، إلاّ أنّنا إذا راجعنا منهاج السنّة وجدناه في فصل البحث عن المهدي قد ملا كتابه حقداً وبغضاً وعناداً وسبّاً وشتماً وتهريجاً وتكذيباً للحقائق ! ! ! بحيث لو أنّكم أخرجتم من كتاب منهاج السنّة ما يتعلّق بالمهدي وما اشتمل عليه من السب والشتم لجاء كتاباً مستقلاً ، وقد تبعه أولياؤه في هذا المنهج من كتّاب زماننا وفي خصوص المهدي ( سلام الله عليه ) واعتقاد الشيعة في المهدي ، تراهم يتهجّمون ويسبّون وينسبون إلينا الاكاذيب ، ويخرجون عن حدود الاداب، ومع الاسف يكون لكتبهم قرّاء ومن يروّج لها في بعض الاوساط .
والحقيقة ، إنّه تارةً يشك الباحث في أحاديث المهدي ، أو يُناقش في أحاديث « الائمّة الاثنا عشر » ، أو لا يرتضي حديث « من مات ولم يعرف إمام زمانه » ، فهذا له وجه ، بمعنى أنّه يقول : بأنّي لا أُوافق على صحّة هذه الاحاديث ، فيبقى على رأيه ، ولا يتكلّم معه إن لم يقتنع بما في الكتب ، لاسيّما بروايات أبناء مذهبه .
---------------------------
(1) شرح المقاصد 5 / 313 .
الامام المهدي عليه السلام
_ 12 _
وأمّا بناء على قبول هذه الاحاديث لكونها مخرّجة في الصحاح ، وفي السنن ، والمسانيد ، والكتب المعتبرة ، وأنّها أحاديث متّفق عليها بين المسلمين ، وأنّ الاعتقاد بالمهدي ( عليه السلام ) أو الاعتقاد بالامام في كلّ زمان واجب ، وأنّ المهدي هو الثاني عشر في الحديث المعروف المتفق عليه ، فيكون البحث بنحو آخر ، لانّه إنْ كان الباحث موافقاً على هذه الاحاديث ، وعلى ما ورد من أنّ المهدي ابن الحسن العسكري ، فلا محالة يكون معتقداً بولادة المهدي ( عليه السلام ) ، كما اعتقدوا ، وذكرنا أسماء كثيرين منهم ، نعم منهم من يستبعد طول العمر ، بأنْ يبقى الانسان هذه المدة في هذا العالم ، وهذا مستبعد كما عبّر السعد التفتازاني ، فإن التفتازاني لم يكذّب ولادة المهدي من الحسن العسكري سلام الله عليه ، وإنّما استبعد أن يكون الامام باقياً هذه المدة من الزمان ، ولذا نرى بعضهم يعترف بولادة الامام ( عليه السلام ) ثمّ يقول : « مات » ، يعترف بولادته بمقتضى الادلّة الموجودة ، لكنّه يقول بموته ، لعدم تعقّله بقاء الانسان في هذا العالم هذا المقدار من العمر ، لكن هذا يتنافى مع « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » حيث قرّرنا أنّ هذا الحديث يدلّ على وجود إمام في كلّ زمان .
ولذا نرى البعض الاخر منهم يلتفت إلى هذه النواحي ، فلا يقول مات ، بل يقول : « لا ندري ما صار » ، ولد ، إلاّ أنّه لا ندري ما صار ، ما وقع عليه ، لا يعترف ببقائه ، لانّه يستبعد البقاء هذه المدة ، ولا ينفي البقاء لانّه يتنافى مع الاحاديث ، يعترف بالولادة فيقول : لا ندري ما صار ، وأين صار ، وما وقع عليه ، ممّا يظهر أنّهم ملتزمون بهذه الاحاديث ، ومن التزم بهذه الاحاديث لابدّ وأن يلتزم بولادة المهدي ( عليه السلام ) ووجوده ، ثمّ الاستبعاد دائماً وفي كلّ شيء ، وفي كلّ أمر من الاُمور ، الاستبعاد يزول إنْ حدث له نظير ، لو أنّك تيقّنت عدم شيء أو عدم إمكان شيء ، فوقع فرد واحد ومصداق واحد لذلك الشيء ، ذلك الاعتقاد بالعدم الذي كنت تجزم به مائة بالمائة سيكون تسعين بالمائة ، لوقوع فرد واحد ، فإذا وقع فرد آخر ، وإذا وقع فرد ثالث ، ومصداق رابع ، هذا الاعتقاد الذي كان مائة بالمائة ثمّ أصبح تسعين بالمائة ، ينزل على ثمانين ، وسبعين ، و ، و ، إلى خمسين وتحت الخمسين ، فحينئذ ، نقول للسعد التفتازاني :
إنّ الله سبحانه وتعالى أمكنه أنْ يعمّر نوحاً هذا العمر ، أمكنه أن يبقي خضراً في هذا العالم هذه المدة ، أمكنه سبحانه وتعالى أنْ يبقي عيسى في العالم الاخر هذه المدّة ، الذي هو من ضروريات عقائد المسلمين ، ومن يمكنه أنْ ينكر وجود عيسى ؟ ! وأيضاً : في رواياتهم هم يثبتون وجود الدجال الان، يقولون بوجوده منذ ذلك الزمان ، فإذا تعدّدت الافراد ، وتعدّدت المصاديق ، وتعدّدت الشواهد ، يقلّ الاستبعاد يوماً فيوماً ، وهذه الاكتشافات والاختراعات التي ترونها يوماً فيوماً تبدل المستحيلات إلى ممكنات ، فحينئذ ليس لسعد التفتازاني وغيره إلاّ الاستبعاد ، وقد ذكرنا أنّ الاستبعاد يزول شيئاً فشيئاً .
الامام المهدي عليه السلام
_ 13 _
يمثّل بعض علمائنا ويقول : لو أنّ أحداً ادّعى تمكّنه من المشي على الماء ، يكذّبه الحاضرون ، وكلّ من يسمع هذه الدعوى يقول : هذا غير ممكن ، فإذا مشى على الماء وعبر النهر مرّةً يزول الاستغراب أو الاستبعاد من السامعين بمقدار هذه المرّة ، فإذا كرّر هذا الفعل وكرّره وكرّره أصبح هذا الفعل أمراً طبيعياً وسهل القبول للجميع ، حينئذ هذا الاستبعاد يزول بوجود نظائر ذلك .
إلاّ أنّ ابن تيميّة ملتفت إلى هذه الناحية ، فيكذّب أصل حياة الخضر ويقول : بأنّ أكثر العلماء يقولون بأنّ الخضر قد مات ، فيضطرّ إلى هذه الدعوى ، لانّ هذه النظائر إذا ارتفعت رجع الاستبعاد مرة أُخرى ، لكنّك إذا رجعت مثلاً إلى الاصابة لابن حجر العسقلاني
(1) لرأيته يذكر الخضر من جملة الصحابة ، ولو رجعت إلى كتاب تهذيب الاسماء واللغات للحافظ النووي
(2) الذي هو من علماء القرن السادس أو السابع يصرّح بأنّ جمهور العلماء على أنّ الخضر حي، فكان الخضر حيّاً إلى زمن النووي ، وإذا نزلت شيئاً فشيئاً تصل إلى مثل القاري في المرقاة
(3) وتصل إلى مثل شارح المواهب اللدنيّة ، هناك يصرّحون كلّهم ببقاء الخضر إلى زمانهم ، وحتّى أنّهم ينقلون قصصاً وحكايات ممن التقى بالخضر وسمع منه الاخبار والروايات ، فحينئذ تكذيب وجود الخضر من قبل ابن تيميّة إنّما هو لعلة ولحساب ، وهو يعلم بأنّ وجود الخضر خير دليل على أنّ هذا الاستبعاد ليس في محلّه .
على أنّ الله سبحانه وتعالى إذا اقتضت الحكمة أنْ يبقي أحداً في هذا العالم آلاف السنين ، إذا اقتضت الحكمة ، فقدرته سبحانه وتعالى تطبّق تلك الارادة، ومشيّته تطبَّق ، وهو قادر على كلّ شيء ، فمسألة طول العمر أصبحت الان مسألة بسيطة الحل ، وصار الجواب عن هذا السؤال سهلاً جداً في مثل زماننا ، وأمّا أنّ الامام ( عليه السلام ) متى يظهر ، وأنّه سلام الله عليه كيف يستفاد منه في زمن الغيبة ؟ يقول ابن تيميّة وأيضاً يقول السعد التفتازاني : بأنّ المهدي لم يبق منه إلاّ الاسم ، ولم ينتفع منه أحد حتّى القائلون بوجوده .
وهؤلاء لا يعلمون ، لانّ هذه الاُمور لا يتوصّلون إليها ولا يمكنهم الاطّلاع عليها ، إنّ الثقات من أبناء هذه الطائفة من علماء وغير علماء ، لهم قضايا وحوادث وقصص وحكايات ، تلك القضايا الثابتة المروية عن طرق الثقات مدوّنة في الكتب المعنيّة ، وكم من قضية رجع الشيعة ، عموم الشيعة ، أو في قضايا شخصية ، رجعوا إلى الامام ( عليه السلام ) وأخذوا منه حلّ تلك القضية ورفع تلك المشكلة ، إلاّ أنّ أعداء الائمّة ( سلام الله عليهم ) والمنافقين لا يوافقون على مثل هذه الاخبار ، وطبيعي أن لا يوافقوا ، ومن حقّهم أن لا يعتقدوا .
---------------------------
(1) الاصابة 2 / 114 ـ 115 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(2) تهذيب الاسماء واللغات 1 / 176 رقم 147 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .
(3) مرقاة المفاتيح للقاري 9 / 692 كتاب الفتن .
الامام المهدي عليه السلام
_ 14 _
مضافاً ، إلى أنّ الله سبحانه وتعالى إنّما ينصب الامام في كلّ أُمة ، ويرسل الرسول إلى كلّ أُمّة ، ليتمّ به الحجة ، وكم من نبي قتلوه في أوّل يوم من نبوّته ودعوته ، وكم من رسول صلبوه في اليوم الاوّل من رسالته ، وكم من الانبياء حاربوهم وشرّدوهم وطردوهم ، أيمكن أن يقال لله سبحانه وتعالى : بأنّ إرسالك هؤلاء الرسل والانبياء كان عبثاً ! ! وأمّا أين يعيش ؟ فأين يعيش الخضر ؟ نحن نسأل القائلين ببقاء الخضر وغير الخضر ـ ممّن يعتقدون بحسب رواياتهم بقاءهم ـ هؤلاء أين يعيشون ؟ وهذه ليست مسألة ، إنّ الامام أين يعيش !
وأمّا الحوادث الكائنة عند ظهوره وبعد ظهوره ، فتلك حوادث وقضايا مستقبلية وردت بها أخبار ، وتلك الاخبار مدوّنة في الكتب المعنية ، والشيء الذي أراه مهمّاً من الناحية الاعتقادية والعملية ، وأرجو أنْ تلتفتوا إليه ، فلربّما لا تجدونه مكتوباً وفي مكان لا تسمعونه من أحد كما أقوله لكم : لاحظوا إذا كانت غيبة الامام ( عليه السلام ) لمصلحة أو لسبب ، ذلك السبب إمّا وجود المانع وإمّا عدم المقتضي ، غيبة الامام ( عليه السلام ) إمّا هي لعدم المقتضي لظهوره أي لعدم وجود الارضية المناسبة لظهوره ، أو لوجود الموانع عن ظهوره .
وجود الموانع وعدم المقتضي كان السبب في غيبة الامام ( عليه السلام ) ، هذا واضح ، إنّا لا نعلم أنّ المانع متى يرتفع ، ولا نعلم أنّ المقتضي متى يتحقق ويحصل ، ولذا ورد في الروايات : « إنّما أمرنا بغتة » ، فظهور الامام ( عليه السلام ) متى يكون ؟ حيث لا يكون مانع وتتمّ المقدمات والارضية المناسبة لظهوره ، وهذا متى يكون ؟ العلم عند الله سبحانه وتعالى ، فيمكن أن يكون غداً ، ويمكن أن يكون بعد غد ، وهكذا ، فهذه نقطة .
الامام المهدي عليه السلام
_ 15 _
والنقطة الثانية : إنّ في رواياتنا أنّ حكومة المهدي ستكون حكومة داود ( عليه السلام ) ، إنّه يحكم بحكم داود ( عليه السلام ) ، رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان وبعضكم ألحن بحجّته من بعض ، وأيّما رجل قطعت له قطعة فإنّما أقطع له قطعة من نار »
(1) ، أوضّح لكم هذه الرواية : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا تخاصم إليه رجلان على كتاب مثلاً ، على دار ، أو على أيّ شيء آخر ، يطلب من المدعي البيّنة ، وحينئذ إنْ أقام البيّنة أخذ الكتاب من المدعى عليه وسلّمه إلى المدعي ، وهذا الحكم يكون على أساس البيّنة ، يقول رسول الله إنّما أقضي عليكم إنّما أقضي بينكم بالبيّنة ، أمّا إذا كانت البيّنة كاذبة والمدعي أقامها وعن هذا الطريق تملّك الكتاب ، فليعلم بأنّ الكتاب هذا قطعة من النار ، أنا وظيفتي أنْ أحكم بينكم بحسب البيّنة ، وأنت أيّها المدعي إنْ كنت تعلم بينك وبين ربّك أنّ الكتاب ليس لك ، فلا يجوز لك أخذ هذا الكتاب .
إذن ، يكون حكم رسول الله والحكم الاسلامي على أساس القواعد المقرّرة ، وهذه هي الادلة الظاهرية المعمول بها ، فإذا جاء المهدي ( سلام الله عليه ) ، لا يأخذ بهذه القواعد والاحكام الظاهرية ، وإنّما يحكم طبق الواقع ، فإذا جاء ورأى أنّ الكتاب الذي بيدي هذا الكتاب الذي بحوزتي هو لزيد ، أخذه منّي وأرجعه إلى زيد ، وإذا علم أنّ هذه الدار التي أسكنها ملك لعمرو أخذها منّي وأرجعها إلى عمرو ، فكلّ حقّ يرجع إلى صاحبه بحسب الواقع ، وعلى هذا ، إذا كان الامام ( عليه السلام ) ظهوره بغتة ، وكان حكمه بحسب الواقع ، فنحن ماذا يكون تكليفنا فيما يتعلّق بنا في شؤوننا الداخلية والشخصية ؟ في أُمورنا الاجتماعية ؟ في حقوق الله سبحانه وتعالى علينا ؟ وفي حقوق الاخرين علينا ؟ ماذا يكون تكليفنا وفي كلّ لحظة نحتمل ظهور الامام ( عليه السلام ) ، وفي تلك اللحظة نعتقد بأنّ حكومته ستكون طبق الواقع لا على أساس القواعد الظاهرية ؟ حينئذ ماذا يكون تكليف كلّ فرد منّا ؟
---------------------------
(1) الكافي 7 / 414 رقم 1 ، باختلاف بالالفاظ .
الامام المهدي عليه السلام
_ 16 _
وهذا معنى « أفضل الاعمال انتظار الفرج » ، وهذا معنى ما ورد في الروايات من أنّ الائمّه ( سلام الله عليهم ) كانوا ينهون الاصحاب عن الاستعجال بظهور الامام ( عليه السلام ) ، إنّما كانوا يأمرون ويؤكّدون على إطاعة الانسان لربّه وأن يكون مستعدّاً لظهور الامام ( عليه السلام ) ، وبعبارة أُخرى : مسألة الانتظار ، ومسألة ترقب الحكومة الحقة ، هذه المسألة خير وسيلة لاصلاح الفرد والمجتمع ، وإذا صَلُحنا فقد مهّدنا الطريق لظهور الامام ( عليه السلام ) ، ولان نكون من أعوانه وأنصاره .
ولذا أمرونا بكثرة الدعاء لفرجهم ، ولذا أمرونا بالانتظار لظهورهم ، هذا الانتظار معناه أن يعكس الانسان في نفسه ويطبّق على نفسه ما يقتضيه الواقع ، قبل أن يأتي الامام ( عليه السلام ) ويكون هو المطبِّق ، ولربّما يكون هناك شخص يواجه الامام ( عليه السلام ) ويأخذ الامام منه كلّ شيء ، لانّ كلّ الاشياء التي بحوزته ليست له ، وهذا ممكن ، فإذا راقبنا أنفسنا وطبّقنا عقائدنا ومعتقداتنا في سلوكنا الشخصي والاجتماعي ، نكون ممهّدين ومساعدين ومعاونين على تحقّق الارضية المناسبة لظهور الامام ( عليه السلام ) ، وتبقى كلمة سجّلتها عن الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بهذه المناسبة ، يقول الامام ( عليه السلام ) ـ كما في نهج البلاغة ـ : « ولا تستعجلوا بما لم يعجّله الله لكم ، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته ، مات شهيداً »
(1) .
وعندنا في الروايات : أنّ من كان كذا ومات قبل مجيء الامام ( عليه السلام ) مات وله أجر من كان في خدمته وضرب بالسيف تحت رايته ، يقول الامام ( عليه السلام ) : « فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيداً ، ووقع أجره على الله ، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النيّة مقام إصلاته لسيفه ، فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلاً »
(2) .
ففي نفس الوقت الذي نحن مأمورون بالدعاء بتعجيل الفرج ، فنحن مأمورون أيضاً لتهيئة أنفسنا ، وللاستعداد الكامل لان نكون بخدمته ، وإذا عمل كلّ فرد منّا بوظائفه ، وعرف حقّ ربّه عزوجل وحقّ رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحقّ أهل بيته ( عليهم السلام ) ، فقد تمّت الارضية المناسبة لظهوره ( عليه السلام ) ، ولا أقل من أنّا أدّينا تكاليفنا ووظائفنا تجاه الامام ( عليه السلام ) .
وكنت أقصد أن أُلخّص البحث في بعض الجهات الاُخرى حتّى أُوفّر وقتاً لهذه النقطة الاخيرة التي بيّنتها لكم ، وذكرت لكم الدليل البرهاني العقلي والروائي على وجوب الالتزام العملي على كلّ واحد منّا بوظائفه تجاه ربّه وتجاه رسوله وتجاه أهل بيت الرسول ( عليهم السلام ) ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعرّفنا حقّه، أن يعرّفنا حقّ رسوله ، أن يعرّفنا حقّ الائمّة الاطهار ، أن يعرّفنا حقّ إمامنا ، وأنْ يوفّقنا لاداء الوظائف والتكاليف الملقاة على عواتقنا ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .
---------------------------
(1) نهج البلاغة 2 / 156 خطبة 185 .
(2) تأويل الايات : 642 ، البحار 52 / 144 ح 63 .