وها نحن نشهد توفر بعض تلك الوسائل التي أشارت إليها بعض الأحاديث ، كتقليص المسافات المعبر عنه بـ ( يقرب له لك بعيد أو تطوى له الأرض) ، وكذلك مشكلة الاتصال فليس صعباً الآن وبإنجازات العلم الباهرة : أن يتكلم قائد فيسمعه أفراد رعيته في كل أنحاء العالم ، كما أنه أصبح من المعتاد أن يسمع أهل المشرق صوت أهل المغرب ، وبالعكس ولعل هناك اختراعات واكتشافات أخرى ستفتق عنها عقل الإنسان في مستقبل التاريخ ولتكون عوناً ودعماً لحكومة الإمام الواحدة القائدة لجميع العالم ، من هنا يحق لنا أن نحتمل أن من بين أسباب تأخر خروج الإمام المهدي هو انتظار يهيؤ الأجواء والظروف المادية والآلية والاجتماعية ، ليستطيع الإمام عندها من إنجاز مهمته وتنفيذ دوره الخطير على أحسن وجه مستعيناً بإنجازات العلم الحديث ومكاسب الإنسانية الجبارة.
وفي الانتظار
ونحن نعيش الآن في عصر الغيبة ، حيث اقتضت حكمة اللَّه تعالى أن يحتجب عنا الإمام القائد وأن يتأجل خروجه.
ولكن هل تعني غيبة الإمام عقد هدنة بين الحق والباطل ، وتجميد الصراع ووقف إطلاق النار في ساحة المعركة بينهما ؟
هل أنهى الباطل نشاطه ، وتنازل الحق عن دوره في هذه الفترة الطويلة؟ أم أن الصراع لا يزال مستمراً بين جبهتي الحق والباطل ؟
الإمام المهدي عليه السلام أمل الشعوب
_ 53 _
لا يستطيع أحد أن يدّعي توقف الصراع ، فالباطل لا يزال يواصل اعتداءاته ، ويوسع نطاق عمله ، ويجدد وسائله وأساليبه.
فهل يجوز أن يقف الحق أمامه مكتوف الأيدي معدوم النشاط يتفرج على انهيار مواقعه وتدمير قواه وطاقاته ؟
وإذا كان الصراع بين الحق والباطل إنما يتم عبر اتباع كل منهما ، فإن علينا أن نطرح السؤال بالشكل التالي :
هل أن أتباع الباطل متوقفون عن نصرة باطلهم ونشره ومدّ سيطرته ونفوذه ؟ أم أنهم في عمل دائب مستمر لمقاومة الحق وإظهار الباطل في جميع الحقول وعلى كافة المستويات ؟
وإذا كان أهل الباطل نشطين في خدمة باطلهم ، والعمل من أجلهم ، فهل يصح لأهل الحق أن يعلنوا الهدنة ، وإنهاء المعركة من طرف واحد ، ويستقبلون رماح الباطل وطعناته ، ويسكنون عن اعتداءاته إلى ظهور القائد المنتظر ؟
لا يمكن أبداً أن يكون هذا هو معنى الانتظار ، ولا أن تكون هذه هي وظيفة المؤمنين في عصر الغيبة !
فمبادئ الإسلام التي تأمر بالدعوة إلى اللَّه وتوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتحت على هداية الناس ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، هذه المبادئ مبادئ عامة وشاملة تسري على كل زمان ، وتلزم كل جيل.
وغيبة الإمام المهدي عليه السلام لا تعني نسخ هذه المبادئ ولا تجميد مفعولها.
الإمام المهدي عليه السلام أمل الشعوب
_ 54 _
يقول العلامة المظفر : (( ومما يجدر أن نذكره في هذا الصدد ، ونذكر أنفسنا به ، أنه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته ، والجهاد في سبيله ، والأخذ بأحكامه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل المسلم أبداً مكلّف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية ، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة.