قال الشيخ الاعظم الانصاري ( قده ) : وكيف كان فينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي ، وادعى الاتفاق عليه في الحدائق ، فلوا اغتذى بينها بمأكول او مشروب فالتوالي بحاله (1) .
   وقال الشيخ يوسف البحراني ( قده ) : بقي الكلام في انه على تقدير الثاني هل يشترط في الرضاع الذي يقطع التوالي ان يكون رضعة كاملة ، او مطلق الرضاع ولو كان اقل من رضعة مع اتفاق الجميع على انه لا يقطع التوالي تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات (2) .
   وقال ( قده ) في مقام عدم قدح فصل طويل بالتوالي في بحث اشتراط اتحاد الفحل : ويمكن فرض ذلك بان يطلقها الزوج الاول بعد ان ارضعت بعض النصاب ، ويستقل الصبي بالمأكول والمشروب دون ارضاع اجنبية في البين الى ان تتزوج بزوج آخر وتلد منه ، فان ذلك لا يضر بالتوالي (3) .
   وقد افتى المحقق الاستاذ السيد الخوئي ( مُدَّ ظِلُّه ) بهذا الاطلاق قال : لا يقدح الفصل بين الرضعات بالاكل والشرب للغذاء بخمس عشرة رضعة وفيما انبت اللحم وشد العظم (4) .

(1) الرضاع من المكاسب ص 5 .
(2) الحدائق 23 : 358 .
(3) الحدائق 23 : 369 .
(4) منهاج الصالحين 2 : مسألة 1273 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 67 ـ
   فالكلام يقع في امرين :
الامر الاول : في دعوى اتفاق الجميع على انه لا يقطع التوالي تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات .
الامر الثاني : في امكان مساعدة مختارهم حسب ما تقتضيه الادلة .
   اما الامر الاول : فالظاهر عدم ثبوت اتفاق من المتقدمين والمتأخرين فان المحكى عن المشهور من القدماء هو اعتبار عشر رضعات في نشر الحرمة لا خمس عشرة رضعة .
   قال الشيخ يوسف البحراني : وثالثها العدد : وقد اختلف الاصحاب في اقل ما يحرم به من العدد ، فقيل بعشر رضعات وهو المشهور بين المتقدمين كالشيخ المفيد ، وابن ابي عقيل ، وسلاّر ، وابن البراج ، وابي الصّباح ، وابن حمزة ، واختاره من المتأخرين العلامة في المختلف ، وولده فحز المحقين ، والشيخ في اللمعة وقيل بخمس عشر وهو المشهور بين المتأخرين ، واليه ذهب الشيخ في النهاية وكتابي الاخبار ، واضطرب كلام ابن ادريس فاختار اول هذين القولين اولاً ، ثم اختار ثانيهما ثانياً .
   فقال في اول كتاب النكاح : المحرم عشر رضعات متواليات في الصحيح في المذهب ، وذهب بعض اصحابنا الى خمس عشرة رضعة معتمداً على خبر واحد رواه عمار بن موسى الساباطي وهو فطحي المذهب مخالف للحق (1) .

(1) الحدائق 23 : 339 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 68 ـ
   وهذا النقل من الشيخ يوسف البحراني ( قده ) ينفي ما ادعاه من اتفاق الجميع على اعتبار عدم قدح تخل بالاكل والشرب بين العدد المبحوث عنه .
   ولعل مراده من اتفاق الجميع ، يعني جميع المتأخرين الذين ذهبوا الى اعتبار العدد المذكور اعني خمس عشرة رضعة وعليه فلا يتم اجماع في المقام ، مع انه لو تم لم يكن بحجة لان المدرك معلوم وهو الاستظهار من روايات الباب .
   اما الامر الثاني : فظاهر الادلة عدم امكان المساعدة معهم ، وذلك لوجوه : الوجه الاول : ان التوالي في اللغة وان ذكر له معان ولكن المناسب منها للمقام بمقتضى القرائن هو التتابع .
   يقال : وليه اذا تبعه من غير فصل ، ومن المعلوم ان الفصل سواء كان برضاع من امرأة اخرى ام بالمأكول والمشروب يضر بصدق التوالي بالمعنى المذكور ، وقد اعتبر في الارضاع بخمس عشرة رضعة قيود ثلاثة : التوالي بينها ، وكونها من امرأة واحدة ، وكونها من لبن فحل واحد ، ولو كانت العبرة بتحقق العدد المذكور كيف ما اتفق ،

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 69 ـ
وان القادح فقط هو تخلل الارضاع من إمرأة اخرى كان المناسب عدم ذكر قيد التوالي فيقال مثلاً او خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد مع عدم الفصل برضاع امرأة غيرها .
   فالمبادرة على التوالي هو التتابع مطلقاً ، فرفع اليد عن قيد التوالي او جعل قوله ( عليه السلام ) لم يفصل بينها رضعة امرأة اخرى تفسيراً وبياناً للتوالي يحتاج الى مؤنة زائدة .
الوجه الثاني : ان ظاهر الروايات كما تقدم ان الحد الواقعي لنشر الحرمة هو انبات اللحم وشد العظم وسائر ما اخذت في الروايات من العناوين اخذت امارةً ودليلاً على الحد المذكور لا موضوعية لها ، ومن البعيد جداًَ ان خمس عشرة رضعة متفرقات تنبت اللحم وتشد العظم .
   ففي الصحيح المتقدم عن علي بن رئاب عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت : ما يحرم الرضاع ؟
   قال : ما انبت اللحم وشد العظم .
   قلت : فيحرم عشر رضعات ؟
   قال : لا ، لانه لا ينبت اللحم ولا يشد العظم عشر رضعات .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 70 ـ

   وقد تقدم في صحيح مسعدة بن زياد قال ( عليه السلام ) : لا يحرم من الرضاع الا ما شد العظم وانبت اللحم فاما الرضعة والثنتان والثلاث حتى بلغ العشر اذا كن متفرقات فلا بأس .
   فاذا فرض ان صبياً ارتضع من ثدي امرأة في الشهر الاول والثاني والثالث من عمره عشر رضعات متفرقات فبالاجماع ودلالة الروايات صريحاً هذه العشرة لا تحرم ولا تؤثر في نشر الحرمة ، فإذا اكمل العدد اعني خمس عشرة رضعة في آواخر عمره مثلاً اكمل العدد بان ارتضع الخمسة الباقية بعد عشرين شهراً من عمره فهل يوجب ذلك انبات اللحم وشد العظم ؟ وهل يكون ظم الخمسة الى العشرة انقلابها الى التأثير والانبات بعد ما لم تكن كذلك بل وقعت غير مؤثرة ؟
   والحاصل فلا يظهر وجه معقول للفرق بين الفصل برضعة من امرأة غير مرضعة فتكون قادحاً وبين الفصل بالمأكول والمشروب فلا يكون قادحاً ، ولو كان المشروب لبناً من امرأة غير مرضعة اشرب الرضيع بالوجور ، الا ان يقال انه تعبد محض صدر منهم ( عليهم السلام ) ، فيرد علمه اليهم ( عليهم السلام ) كما قال الشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر : لكن قد يشكل ذلك بناءً على كون العدد كاشفاً عن الانبات فيما لو كان الفصل بالاكل ونحوه على وجه يعلم عدم الانبات بالخمس عشر المتخللة ، كما لو اتفق الفصل بين كل رضعتين مثلاً حتى اكمل الخمس عشرة رضعة ، اللهم الا ان يقال ان العدد المزبور كاشف شرعاً وهو ادرى به .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 71 ـ
   ومما يؤيد ما ذكرنا ان الفقهاء ( قدهم ) عدوا الفصل قادحاً مطلقاً في المقدر الزماني : اعني اليوم والليلة ، وفي العشرة على القول باعتبارها .
   وهذا لا وجه له الا باعتبار انهما اخذا في لسان الدليل من العرف ، والطريق الى الانبات وشد العظم .
   وكذا يؤيد ما ذكرنا ان الطفل اذا كان مريضاً وكان يقذف ما ارتضعه بالتقيؤ ، او كان مصاباً بالاسهال ولا ينمو مما يرتضع ، بل هو في حالة الهزال وكذا في اليوم والليلة اذا لم يرتضع الا مرة او مرتين لاغماء او نوم غير متعارف وغير ذلك ، ففي جميع تلك الموارد ترفع اليد عن العناوين المذكورة ولو كان الامر يدور مدار التعبد المحض وعدم اعتبار الانبات وشد العظم وانها اخذت على نحو الموضوعية والاصالة كان لذلك وجه .

الوجه الثالث : انه اذا لم يعتبر التوالي بين الرضعات الخمس عشرة وقيل بكفاية تحققها متفرقة متعارضها معتبرة عمر بن يزيد قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : خمس عشرة رضعة لا تحرم (1) .

(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 6 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 72 ـ
   وقد تقدم الجمع بينهما والمحامل المذكورة فيه .
   نعم لو حملت هذه الرواية على الرضعات المتفرقات من نساء شتى كما حمل الشيخ الطوسي ( قده ) وعليه فلا تنفي هذه الرواية المتفرقات من امراة واحدة .
   ولكن حيث ان الرواية بمعمومها تنفي العدد المذكور سواء كانت متفرقات من امراة واحدة ، ام من نساء شتى ، ام متواليات ، والمقدار الثابت الذي تدل عليه الرواية السابقة وتخرجه عن عموم النفي في هذه الرواية هي صورة توالي الرضعات من امراة واحدة ، والباقي يكون دخلاً في عموم النفي ولا مخرج له .
   وفي هذه الرواية مناقشة الارسال ، ولكن يكفي لاعتبارها كون المرسل هو صفوان بن يحيى ، وهو كما يقال لا يرسل ولا يسند الا عن الثقة .
   وعليه فقوله ( عليه السلام ) : لم يفصل بينهما رضعة امراة غيرها ، يحمل على الثاني من جهة ان الغالب في وقت المجاعة احتياج الطفل الى الرضاع وهو في اوائل عمره الى سنة تقريباً .
   فالفصل في وقت الحاجة الى الرضاع يكون بالرضاع طبعاً فالقيد وارد مورد الغالب .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 73 ـ
   ثم انه في ذيل الرواية اضطراباً ، قال المولى محمد حسن الفيض الكاشاني ( قده ) : هكذا في النسخ التي رايناها ، والصواب وجارية بواو الجمع وارضعتهما بضمير المثنى والمعنى : ان العشرين رضعة من امراتين وفحلين وبالتقريب غير محرمة لفقدها الشروط الثلاثة المذكورة جميعاً التي يكفي فقد كل منها في ذلك (1) .
   ثم انه يؤيد ما ذكرنا ما روى في المقنع مرسلاً قال : لا يحرم من الرضاع الا ما انبت اللحم وشد العظم .
   قال : وسئل الصادق ( عليه السلام ) : هل لذلك حد ؟
   قال : لا يحرم من الرضاع الا يوم وليلة ، او خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن (2) ، قيد خمس عشرة بالتوالي وعدم الفصل بينهم على الاطلاق ، وظاهره عدم تجويز الفصل مطلقاً ولو بالمأكول والمشروب ، كما ان ظاهره ان هذا الكلام مأخوذ من الصحيحة المتقدم وهو صحيح زياد بن سوقة .

الشرط السادس :
   يعتبر في نشر الحرمة بالرضاع ان يكون اللبن من فحل واحد ومن امراة واحدة فلو ان ارماة ارضعت طفلاً الحد المعتبر في الحرمة من لبن فحلين لم ينشر الحرمة ، ويتحقق ذلك من مرضعة ارضعت طفلاً من لبن فحل بعض العدد المعتبر ثم طلقها زوجها وتزوجت بآخر ثم حملت ووضعت فبعد الوضع ارضعت ذلك الطفل باقي العدد ، فهذا النحو من الرضاع لا يوجب نشر الحرمة .

(1) الوافي 3 : 40 ط طهران .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 14 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 74 ـ
   ويدل عليه عدة روايات :
   منها صحيح بريد العجلي في حديث : فقال : كل امراة ارضعت من لبن فحلها ولد امراة اخرى من جارية او غلام فذلك الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكل امراة ارضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية او غلام فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) .
   وهذا الحكم مما لا خلاف فيه الاّ ممن شذ وادعي عليه الاجماع .
   ولو ان امراتين ارضعتا طفلاً كل واحدة منهما بعض الكمية المعتبرة ولو كان لبنهما من رجل واحد بان كانتها عنده لا ينشر الحرمة بارضاعهما .
   ويدل عليه صحيح الحلبي قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرجل يرضع من امراة وغلام ، ايحل له ان يتزوج اختها لامها من الرضاعة ؟

(1) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 75 ـ
   فقال : ان كانت المراتان رضعتا من امراة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل فان كانت المراتان ارضعتا من امراة واحدة من لبن فحلين فلا باس بذلك (1) .
   ويدل عليه صحيح زياد بن سوقة : او خمس عشرة رضعة متواليات من امراة واحدة لبن فحل واحد . . . الحديث المتقدم ، ويدل عليه حسنة عبيد بن زرارة عن زرارة عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرضاع ؟
   فقال : لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين (2) .
   حمل الشيخ الطوسي ( قده ) حولين كاملين على ان الحولين ظرف للرضاع يعنى ان يكون ارتضعمها في اثناء حولين كاملين (3) .

(1) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 3 .
(2) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 8 .
(3) التهذيب 7 : 317 وفيه : « فهذا الخبر نحمله على ان قوله ( ع ) » حولين كاملين « يكون ظرفاً للرضاع : فكانه قال : لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد في حولين كاملين » .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 76 ـ
المحرمات بسبب الرضاع :
   اذا تحققت الشرائط المعتبرة المذكورة صارت المرضعة اما المرتضع او المرتضعة ، وصاحب اللبن المعبر عنه بالفحل اباً لهما واولادهما احفاداً للمرضعة والفحل نسباً ورضاعاً وصارت اصول المرتضعة والفحل من الآباء والامهات اجداداً وجدات لهما وفروع المرضعة والفحل اخوة واخوات وحواشيمهما اعماماً وعمات واخوالاً وخالات صاعداً ونازلاً نسباً ورضاعاً .
   وتفصيل ذلك يتم في ضمن مسائل تجمعها اركان اربعة :

الركن الاول : في من تحرم من النساء على المرتضع وهي طوائف :
   منها : المرضعة لانها صارت اماً له وام المرضعة وان علت نسبيةً كانت ام رضاعيةً ، لانها تكون جداته من الرضاعة ، وكذا ام الفحل وان علت فانها تكون جداته من الرضاعة .
   ومنها : بنات المرضعة والفحل ولادة ، وكذا بنات الفحل من الرضاعة دون بنات المرضعة من الرضاعة فانهن لا يحرمن عليه لما تقدم من اعتبار وحدة الفحل ، فان كانت البنات الرضاعية لها من قبل الفحل فيحرمن عليه من جهة انهن اخواته الرضاعية من طرف الفحل ، وان كانت البنات الرضاعية لها من طرف فحل آخر فلا يحرمن لعدم وحدة الفحل ، وكذا تحرم عليه بنات اولاد المرضعة نسباً واولاد الفحل نسباً ورضاعاً لان المرتضع اما يكون عمهن او خالهن من الرضاعة .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 77 ـ
   منها : اخوات المرضعة والفحل فانهن يصرن خالات وعمات له .
   منها : عمات المرضعة وخالاتها وعمات الفحل وخالاته وان علت فانهن يصرن خالات وعمات ابويه من الرضاع فينطبق على الكل قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
   منها : حلائل الفحل وحلائل آبائه وكذا حلائل آباء المرضعة وذلك لقوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم ) سورة النساء : 22 .
   والمفروض ان المرتضع ابن لهم من الرضاعة ، فيشمل ذلك كله قوله ( صلى الله عليسه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .

الركن الثاني : تحرم المرتضعة على عدة من الرجال :
   منهم : صاحب اللبن ( الفحل ) وآباءه وآباء المرضعة فانهم صاروا اجداداً لها وهي بنتهم من الرضاعة .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 78 ـ
   ومنهم : اولاد الفحل وان نزلوا فان المرتضعة اما اختهم او عمتهم او خالتهم من الرضاعة .
   وكذا اولاد المرضعة ولادةً لا رضاعاً لما تقدم من اعتبار وحدة الفحل في نشر الحرمة بخلاف اولاد الفحل فانه لا فرق بالنسبة اليهم من النسب كانوا ام من الرضاع .
   ومنهم : اخوة الفحل نسباً ورضاعاً لانهم صاروا اعماماً لها من الرضاعة .
   ومنهم : اعمام الفحل واخوانه وان علوا فانهم صاروا اعماماً واخوالاً لها من الرضاعة .

الركن الثالث : يحرم على اب المرتضع والمرتضعة ان ينكح من بنات الفحل وبنات اولاده ذكوراً واناثاً نسباً ورضاعاً ، وهذا الحكم ثابت بدليل خاص .
   ويدل عليه صحيحة علي بن مهزيار قال : سأل عيسى ابن جعفر بن عيسى ابا جعفر الثاني ( عليه السلام ) : ان امرأة ارضعت لي صبياً فهل يحل لي ان اتزوج ابنة زوجها ؟
   فقال لي : ما اجود ما سألت من ها هنا يؤتى ان يقول الناس حرمت عليه امراته من قبل لبن فحل هذا هو لبن الفحل لا غيره .
   فقلت له : الجارية ليست ابنت المراة التي ارضعت لي هي ابنت غيرها .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 79 ـ
   فقال : لو كن عشراً متفرقات ما حل لك شيء منهن وكن في موضع بناتك (1) .
   ويدل عليه صحيحة ايوب بن نوح : قال : كتب علي بن شعيب الى ابي الحسن ( عليه السلام ) : امراة ارضعت بعض ولدي ، هل يجوز لي ان اتزوج بعض ولدها ؟
   فكتب ( عليه السلام ) : لا يجوز ذلك لك لان ولدها صار بمنزلة ولدك (2) .
   وبهذا المضمون صحيحة عبد الله بن جعفر (3) .
   فمقتضى التنزيل في الصحيحين ان اولاد الفحل واولاد المرضعة بمنزلة اولاد اب المرتضع والمرتضعة ، فيحرم عليه بناتها وبنات اولادهما وان نزلوا .
   واما بنات الرضاعية او بنات واولاد الرضاعية للمرتضعة فلا يحرم عليه التزويج معهن ، وذلك لما تقدم من ان نشر الحرمة بالرضاع يتوقف على اتحاد الفحل ، وفي صحيح بريد العجلي صرح بان بنت الرضاعية لإمراة لا تحرم على ابنها من الرضاعة اذا كان اللبن لفحلين فاذا لم تحرم البنت على المرتضع فلا تحرم على اب المرتضع بطريق اولى .

(1) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 10 .
(2) الوسائل 14 : باب 16 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(3) الوسائل 14 : باب 16 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 2 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 80 ـ
   فقال ( عليه السلام ) : كل امراة ارضعت من لبن فحلها ولد امراة اخرى من جارية او غلام فذلك الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكل امراة ارضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية او غلام فان ذلك رضاع ليس برضاع الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) .
   فهذا الصحيح يكون مخصصاً بعموم التنزيل الوارد بالنسبة الى اولاد المرضعة من الرضاعة ، وليس بالنسبة الى اولاد الفحل بخصص في البين فعموم التنزيل باق على حاله ، فكما فان بنات النسبية للفحل مشموله لقوله ( عليه السلام ) : ما حل لك شيء منهن وكن في موضع بناتك كذلك بنات الرضاعية له مشموله له لصيرورتهن جميعاً اخوات لولده ، بلا فرق بين الاخوات النسبية وبين الاخوات الرضاعية ، مع ان بنت الرضاعية للمرضعة في صورة عدم اتحاد الفحل لا تصير اخت ولد للاب المرتضع فمنشأ التنزيل لا يشمل بنت الرضاعية للمرضعة .
الركن الرابع : انه تحرم على الفحل وآبائه المرتضعة وبناتها وبنات اولادها ذكوراً واناثاً ، نسباً ورضاعاً لان الفحل صار اباً للمرتضعة وجداً لبناتها ، وكذلك تحرم على الفحل بنات المرتضع لانه صار اباً له من الرضاعة ،

(1) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 81 ـ
فجميع بنات المرتضعة والمرتضع من طرف الاناث ومن طرف الذكور تحرم عليه بمقتضى قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وكذا تحرم على الفحل حلائل الابناء من الرضاعة ، كحلائل الابناء من النسب لقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وحلائل الابناء من النسب حرام لقوله تعالى : ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ) سورة النساء : 23 .
   ثم ان الرضاعة كما تمنع من النكاح ابتداءاً كذلك توجب البطلان والفساد اذا تحققت لاحقاً وبعد العقد ، فلا فرق في التحريم بالرضاع بين سبق الرضاع على العقد وبين لحوقه له .
   ويدل على اطلاق قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
   ويدل عليه ايضاً روايات خاصة .
   منها : صحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : لو ان رجلاً تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح (1) .
   ومنها : صحيح الحلبي وعبد الله بن سنان عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل تزوج جارية فارضعتها امراته وام ولده قال : تحرم عليه (2) .

(1) الوسائل 14 : باب 10 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 10 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 2 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 82 ـ
مسائل في التحريم بالرضاعة :
(1) لا يعتبر في نشر الحرمة بالرضاع بقاء المراة في حبال صاحب اللبن الفحل ، فلو طلقها او مات عنها ثم ارضعت بلبنه طفلاً نشر الحرمة بل لو تزوجت ودخل بها الزوج الثاني ثم وذلك لشمول الادلة وعدم ما يوجب التقييد .
(2) لا تحرم اخوات المرتضع والمرتضعة على الفحل وعلى اصوله وحواشيه : وذلك لعدم ما يقتضي التحريم ، ومجرد لكون الاخوات اخوات لولد الفحل من الرضاعة لا يوجب التحريم ، فان التحريم في الادلة ليس بعنوان اخت الولد وانما تعلق بعنوان البنت الربيبة ، واخوات المرتضع والمرتضعة لسن من البنات والربائب للفحل .
   نعم اخت الولد في النسب لا تنفك عن صدق عنوان البنت والربيبة ، ولكن ذلك لا يقتضي الصدق في الولد من الرضاعة ، فاذا لم يحرمن على الفحل فلا يحرمن على اصوله وحواشيه كما هو واضح .
   ومع ذلك نسب الى الشيخ الطوسي وابن ادريس التحريم وكانه لتوهم ان جعل اولاد الفحل والمرضعة اولاداً لاب المرتضع كما تقدم في صحيح علي بن مهزيار وصحيح ايوب بن نوح يلازم جعل اولاد اب المرتضع اولاداً لهما ، فتكون اخوات المرتضع والمرتضعة اولاداً للفحل : فتحرم عليه وعلى اصوله وحواشيه النكاح فيهم (1) .

(1) مختلف الشيعة 7 : 20 ط مؤسسة النشر الاسلامي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 83 ـ
   ولكنه توهم فاسد : فان التعدي عن مورد التنزيل يحتاج الى دليل صالح ، وليس في المقام ما يصلح لذلك .
(3) لا تحرم المرضعة وبناتها وسائر اقاربها من النساء على اخوة المرتضع فانه لم يحصل بالرضاع بينهم عنوان من العناوين التي تعلق بها التحريم بالنسب حتى يحكم بالتحريم بمقتضى عموم التنزيل الوارد في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ومجرد صيرورة المرضعة ام الاخ من الرضاعة وبناتها اخت الاخ من الرضاعة لا يقتضي التحريم .
   فان الام للاخ لا تصير حراماً الا من جهة كونها زوجة للاب حتى تدخل في قوله تعالى : ( وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم ) سورة النساء : 22 .
   والمرضعة بالرضاع لا تحصل لها علقة الزوجية مع اب المرتضع ، وكذلك اخت المرتضع ، وكذلك اخت الاخ من النسب لا تحرم عليه اذا كانت للاخ اخت من اب وام غير ابيه وامه ، فلا ينطبق عليه قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 84 ـ
(4) لا يحرم على اصول المرتضع من في حاشية النسب المرضعة من النساء فيجوز لآبائه التزوج باخوات المرضعة وكذا يجوز لاخوة المرضعة التزوج باُمَّات المرتضع ، اذ لا يحدث بالرضاع عنوان بينهم يقتضي التحريم ، فان المرضعة مثلاً بالرضاع لا تصير زوجة لاب المرتضع حتى لا يجوز النكاح باختها من جهة حرمة الجمع بين الاختين .
(5) لا تحرم ام المرتضع وامهاتها وان علون على الفحل فاما الام فهي الام النسبية للمرتضع والفحل اب رضاعي له والاب النسبي لا تحرم عليه الام النسبية بل لا معنى للتحريم بينهما وعليه فلا مجال للتحريم من قبل الرضاع .
   اما الامهات للام الرضاعية وهي جدات المرتضع من قبل الام النسبية فحرمتهن على الفحل متوقفة اما على صدق عنوان اُمَّهات الازواج، والمفروض عدم تحقق العلقة الزوجية بين ام المرتضع والفحل بالرضاعة حتى تصير اُمَّهاتها اُمَّهات ازواج بالنسبة الى الفحل ، واما ان تكون الامهات جدات نسبية للفحل والمفروض عدمه وعليه فلا وجه للقول بالتحريم .
(6) لا تحرم اخوة المرتضع واخواته على فروع المرضعة بلا فرق بين النسبية والرضاعية من الطرفين وكذا على فروع الفحل ، وبعبارة اخرى اذا نشرت الحرمة بالرضاع بين طفلين فلا يوجب ذلك نشر الكرمة بين الاخوة والاخوات من الطرفين وهذا الحكم هو المعروف والمشهور بين الفقهاء ( قدهم ) .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 85 ـ
   ولكن نسب الى الشيخ الطوسي ( قده ) (1) وبعض المتأخرين (2) القول بالتحريم .
   واختاره الشيخ الاعظم الانصاري ( قده ) بدعوى : ان الاخوات التي تعلق بهن التحريم في الآية الشريفة في قوله تعالى : ( وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ) سورة النساء : 23 .
   ليس لها معنى عرفاً وشرعاً الا كون شخص ولداً لاحد يكون له ولد ، فاذا حكم الشارع بكون اولاد الفحل واولاد المرضعة اولاد لاب المرتضع فمعناه انهم اخوات واخوة للمرتضع واخوات واخوة لاخوته واخواته .
   ففي صحيح صفوان بن يحيى قال : اللبن للفحل صار ابوك اباها وامك امها (3) .
   وفي صحيح ايوب بن نوح قال : لا يجوز لك لان ولدها صار بمنزلة ولدك (4) .

(1) مختلف الشيعة 7 : 20 ط مؤسسة النشر الاسلامي .
(2) كالعلامة والشهيد الاول والآخوند الملا ابو الحسن الشريف والسيد الداماد ( قدهم ) الجواهر 29 : 313 و 321 .
(3) الوسائل 14 : باب 8 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 3 .
(4) الوسائل 14 : باب 16 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 86 ـ
   فيدل الصحيحان على ان اولاد المرضعة منزلة اولاد اب المرتضع ، وان ابا المرتضع صار اباً للمرتضعة وامه امناً لها ، فاذا ثبت الابوة والامومة بالنسبة الى المرتضعة فجميع اولادها يعني اولاد الفحل والمرضعة يصيرون اخوة للمرتضعة اوالمرتضع فلا يجوز لهم النكاح معهم (1) .
   ولكن الدعوة المذكورة مخدوشة : فان في التنزيلات يدور الحكم مدار مصب التنزيل ولا يتعدى الى غيره ولا تثبت اللوازم له ، ومصب التنزيل في الصحيحين هو الحكم بكون اولاد المرضعة واولاد الفحل بمنزلة اولاد اب المرتضع وهو وان كان يلازم الاخوة بينهم وبين اولاد الفحل جميعاً ولكنه مع ذلك لا يثبت الاخوة بينهم ، فان التنزيل الرضاعي جعل غير الولد ولداً ، ولكنه ما يجعل غير الاخت اختاً وان كان تلازم بين العنوانين كما لا يثبت الزوجية بين ام المرتضع والفحل بمجرد جعل ابنها ابناً للفحل فيحرم عليه التزويج باختها من باب حرمة الجمع بين الاختين .
   وكذا لا يثبت التنزيل كون ام المرتضع اختاً لاخوة المرتضعة من جهة ان ولد ام المرتضع ولد اخت لهم وام ولد الاخت اخت فلا يجوز نكاح الاخت ، وقد تقدم ذلك وقلنا ان مجرد التلازم بين العنوانين لا يكفي في الحكم بالتحريم .

(1) الرسالة الرضاعية من المكاسب : 9 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 87 ـ
   الا ان يقال ان في الموارد المتقدمة لم يكن عنوان الملازم كام ولد الاخت وام ولد الرجل مما تعلقت به الحرمة في المحرمات النسبية بخلاف الاخوات فأنها تعلقت بها الحرمة في الآية المباركة : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ) سورة النساء : 23 .
   فاذا ثبت بمقتضى التنزيل المتقدم عنوان الاخوة يحكم بالحرمة بالآية المباركة ، فمنه يعلم الفرق بين المقام وبين غيره من العناوين المنتزعة .
   وعليه فلا وجه لما اعترض على الشيخ الاعظم الانصاري ( قده ) كما ورد في الرسالة الرضاعية من تقريرات بحث السيد عبد الهادي الشيرازي ( قده ) .