تأليف :
السيد حبيب حسينيان



مقدمة التحقيق :
   الحمد لله عدد ألآئه والصلاة والسلام على أشرف انبيائه محمد المصطفى وآله الطييبين الطاهرين .
   مضت علينا اجيال وقرون منذ عصر التابعين وعهد الصادقين ( عليهم السلام ) الى يومنا هذا ، وتاريخنا العلمي حافل بأبطال عز نضيرهم في جهادهم الديني وإداء رسالتهم الى المجتمع الاسلامي ، فقد نبغ منا علماء فطاحل وأفذاذ محققون ، وأعلام جهابذة مشاركون في العلوم ، والاجيال على ذلك متسلسلة والقرون متتابعة وفي كل خلف عدول عن امة خاتم النبيين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينفون عن دينه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وأنتحال الجاهلين كما ورد في ما رواه الكشي بإسناده عن ابى عبد الله ( عليه السلام ) قال :
   قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين ) .
   ومن مصاديق هذا الحديث الشريف سيدي الوالد واستاذي العزيز سماحة آية الله الحاج السيد حبيب حسينيان ( دام ضله ) فإنه كان وافقاً حياته لخدمة الدين والمؤمنين وكان يرى من الواجب عليه تقديم خدمات علمية واجتماعية وغيرها للحوزات العلمية وللمؤمنين .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 2 ـ
   وكان ( حفظه الله ) مهتمّاً بجانب العلم والتحقيق وتأليف الكتب اهتماماً بالغاً وكانت من امنياته ان يطبع مؤلفاته لخدمة الدين والمؤمنين ، فطبع هذا الكتاب في النجف الاشرف سنة 1410 من الهجرة النبوية يحمل عنوان ( رسالة في الرضاع ) ، ولكن الضروف لم تساعده على طبع سائر مؤلفاته فأن التقدير الآلهي كان شيئاً آخر ، فرأيت من الواجب عليَّ إداءً لحق الابوة والتلمّذ وتحقيقاً لأمنيته ان اطبعه بطبعة محققة ورائعة ليكون ذخراً له ويكون من موارد قوله ( عليه السلام ) : أو علم ينتفع به الناس .
   واشكر الله تعالى على ما منَّ عليَّ من التوفيق لتحقيقه وإخراج مصدره وفهارسه الفنية ، فأسأل منه تعالى ان يتقبل منّي هذا الضئيل بحسن قبول وينتفع منه اهل العلم والحوزات العلمية وجميع اخواننا المؤمنين وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
مصطفى حسينيان        
25 رمضان المبارك 1419   

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 3 ـ
مقدمة المؤلف :
   الحمد لله رب العالمين الذي انزل الكتاب الذي لا يأتعيه الكتاب من بين يديه ولا من خلفه على رسوله الامين وأوضح لنا سبيل معرفة احكامه ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين وسيد الاولين والآخرين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم الى يوم الدين .
   وبعد : فإن الفقه الاسلامي دستور الحياة المثلى ، وقوام المجتمع الفاضل ومن الاسس القويمة التي تبنى عليها الحضارة ويقوم النظام الاكمل وتسمو الامم الى الدرجة العليا .
   وقد جاءت الاحكام الشرعية في الفقه الاسلامي من الدقة والاتقان بشكل لم يدع صغيرةً ولا كبيرةً ، ولم تشذ عنه صادرة ولا واردة ، فما من حالة من الحالات التي تقتضيها الطبيعة البشرية ، او تتحدث لها بسبب مباشر أو غير مباشر إلا وتجد بياناً شافياً لما تتطلبه وتستدعيه مع ممماشاتها الى الظروف ومسايرتها للزمن ، فمهما تطورت حياة الانسان فوق هذه الارض وحدث ما لم يكن في الحسبان فأنه لم يكن بعيداً عن المشرع الاعظم ، فإنك ترى حكمه واضحاً وحله بيّناً وذلك من فضل الله تعالى على عباده حيث لم يتركهم سدى ولم يسلمهم للحيرة ، بل انار سبيل لكل من يبتغي طريق الهداية .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 4 ـ
   وهناك سائل عامة البلوى تترتب عليها بعض الآثار المهمة والعلاقات الاجتماعية ، والروابط العائلية كمسائل الرّضاع وما يتفرع عنها ، فإن لها دخلاً كبيراً في الحياة العامة وتسبب بعض المشاكل وتعرقل العديد من الامور ، ويكثر السؤال عنها وعن بعض النتائئج المترتبة عليها ، وطالما تعرضت لتلك الاسئلة من قبل بعض المؤمنين والمتشرّعين ولذلك رغبت في تدوينها مستقبلاً ، وتخصيص بحثٍ مستقلٍ بها ، فإغتنمت بعض الفرص وإختلست بعض الوقت في كتابة هذا البحث الاستدلالي المختصر حسب الاسانيد الواردة وذكرت فيه اكثر المسائل التي هي محل الابتلاء ، والضوابط المذكورة في هذا الباب .
   والمأمول من اهل الفضل ، بل سائر المؤمنين الذين يستفيدون منه ان ينظروا اليه بعين الرضا ، ويصححوا ما وقع فيه من خطأ او حدث من خلل ، وأن ينبهونا الى ذلك لتداركه ان شاء الله تعالى .
   وأسأل الله سبحانه ان يجعله خالصاً لوجهه ، وأن ينفع به اخواني المؤمنين انه ولي التوفيق وعليه اتوكل وإليه انيب .

حبيب السيد حسن الحسيينان      

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 5 ـ
كلام حول الرضاع :
   من المسائل المهمة ذات الفروع الكثيرة هي مسألة الرضاع حيث يكثر الابتلاء بها ، وتترتب عليها حرمة النكاح وجواز النظر ، وكثير من الناس لا يعرفون حدود مسائل الرضاع ، بل قد ينسون ما يحدث بينهم من ذلك ، ولذا ورد النهي عن الاكثار في الرضاع مع عدم المبالاة في الحفظ ، ففي رواية السّكوني عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال امير المؤمنين ( عليه السلام ) : انهوا نسائكم ان يرضعن يميناً وشمالاً فإنهن ينسين (1) .
   فأمر الضباع شايع والسؤال عنه كثير ، وكانت مسائله في الصدر الاول مورداً للخلاف الشديد خصوصاً في الكمية المعتبرة في نشر الحرمة وجواز النظر كما سيتضح ذلك عن قريب إن شاء الله تعالى .
   وكان أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) مورداً للسؤال كثيراً ودائماً ، ومما يدل على ذلك صحيح صفوان بن يحيى قال : سألت ابا الحسن ( عليه السلام ) عن الرضاع ما يحرم منه ؟ ، فقال : سأل رجل ابي عنه ، فقال : واحدة ليس بها بأس ، وثنتان حتى بلغ خمس رضعات ، قلت : متواليات او مصّة بعد مصّة ، فقال : هكذا قال له ، وسأله آخر فإنتهى به الى تسع وقال : ما اكثر ما أُسأل عن الرضاع الحديث (2) .
   وقد خصص الفقهاء العظام ( رحم الله الماضين وحفظ الباقين ) بالرضاع باباً من ضمن المحرمات من كتاب النكاح ، وتصدى جماعة منهم قدس الله اسرارهم بأفراد رسالة فيه : منهم السيد محمد باقر الدّاماد ، والفاضل الشريف المولى الشيخ ابو الحسن العاملي ، والشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق وقد سماه بكشف القناع عن صريح الدليل ، وغيرهم .
   وقد انهى العلامة الكبير الشيخ آغا بزرك الطهراني ما كتب من الرسائل في الرضاع الى سبع وأربعين رسالة (3) ، ونحن نقتفي آثارهم لتحصيل العلم بالاحكام وتبليغها الى عامة المكلفين ، وحفظاً لآثار الشريعة المقدسة وإحيائها وأسأل الله سبحانه السداد وبه نستعين .

(1) وسائل الشيعة 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع حديث 25 .
(2) وسائل الشيعة 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع حديث 24 .
(3) الذريعة 11 : 188 ـ 195 ، ط بيروت .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 6 ـ
الرضاع في اللغة :
   رضع : بكسر الضاد وفتحها ورضعاً ويحرك ، ورضاعاً ورضاعة يكسران ، رضع ككتف فهو راضع .
   وأرتضع الولد امه امتص ثديها او ضرعها (1) .
   الرّضع : مص الثدي بشرب اللبن منه ، يقال : رضع ( بالكسر ) ورضع ( بالفتح ) والمصدر : الرَّضْع والرّضِع والرَّضاع والرّضاعة ، ولئيم راضع يرضع لبن ناقته من لَؤمِه لئلا يسمع الضيف صوت الشُّخْبَ ، يعني ما يخرج من تحت يد الحالب عند كل غمزةٍ او عصرة للضرع (2) .

الرضاع في القرآن الكريم :
قال الله تعالى في كتابه الكريم :
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) سورة البقرة : 233 .
( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) سورة الاحقاف : 15 .
( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) سورة الطلاق : 6 .
( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) سورة المجادلة : 2 .
( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ) سورة النساء : 23 .

دلالات الآيات :
   تعطينا هذه الآيات بالدلالة والاشارة ولو تلويحاً ظوابط وقواعد تدور عليها المباحث الآتية ، وعلى ضوئها تحل لنا جملة من المشاكل كالاختلاف والابهام فيما ورد من السنة والقول ، وتهدينا الى ماهو الحق والرشاد .
( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) سورة الاسراء : 9 .

(1) القاموس المحيط .
(2) مجمع البيان 1 : 334 ط المكتبة العلمية الاسلامية .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 7 ـ
   يستفاد من الآيات الشريفة امور :

الامر الاول : ان تكون الرضاعة بالامتصاص من الثدي ، فإن اخرج الحليب من ثدي المرأة باليد او بشيء آخر من الآلات ثم اشرب الرضيع لا يتحقق الارضاع الشرعي ، نعم لو جعل على الثدي من الآلات الحديثة شيء لمجرد تسهيل الامتصاص ، او الحفظ من التلوث بالجراثيم المضرة فلا مانع منه ما دام لا يخرج مع ذلك عن صدق المص من الثدي ، فإشتراط الامتصاص من الثدي ما تقتضيه المادة اللغوية من الرضاعة .

الامر الثاني : يعتبر ان يكون الارضاع في مدة الحولين من عمر المرتضع ، فإنه بإكماله الحولين تتم الرضاعة وذلك لقوله تعالى : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) سورة البقرة : 233 .

الامر الثالث : يعتبر تحقق عنوان الام بالنسبة الى المرأة المرضعة ، وهذا العنوان لا يتحقق بالرّضعة ، او الرضعتين ، بل يحتاج الى تكرر الرضعة ، فان الام تكون دخيلة في تكون الولد ، فإنه يتكون من الرجل والمرأة فإعتبار الشارع الحكيم المرضعة أُمّاً للمرتضع ليس مجرد اعتبار قانوني بملاك مصلحة اجتماعية فقط كجعل الاخوة بين المسلمين والامومة لزوجات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل لخصوصية في المورد ، وهو النشوء والتكوين كما هو الحال في الام النسبية لتصريح الآية الشريفة بأمهاتكم في قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ) سورة النساء : 23 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 8 ـ
   لعله يشير الى سبب ما يكون موجباً لحدوث الامومة والاخوة .
   ويأتي النزاع الواقع بين أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) وبين فقهاء السنة حيث إن أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) يعتبرون في نشر الحرمة وجواز النظر انبات اللحم وشد العظم ولا يتحقق الرضاع المحرم عند أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) بالرضعة او الرضعتين ، او الاكثر ، اذا لم تنتهي الرضعات الى حد يطمإن بحدوث المناط المذكور مع ان فقهاء الجمهور لا يعتبرون ذلك .

الامر الرابع : إن صريح الآية الكريمة هو حرمة الام والاخت من الرضعة كما إن الامر كذلك في النسبي منهما ، وأما سائر المحرمات بالرضاعة فتفصيلها يستفاد من السنة .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 9 ـ
الرضاع في الروايات :
   وأما الروايات المطلقة الواردة في تحريم الرضاع فهي كثيرة روتها العامة والخاصة نذكر جملة منها :

   روى بريد العجلي في الصحيح عن ابي جعفر ( عليه السلام ) في حديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (1) .
   وروى الحلبي في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الرضاع ، فقال : يحرم منه ما يحرم من النسب (2) .
   وروى عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سمعته يقول : يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة (3) .
   ومما رواه علماء إخواننا السنة ما نقل جلال الدين السيوطي قال : اخرج عبد الرزاق ، وإبن أبي شيبة ، والبخاري ومسلم عن عائشة إن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة .

(1) الوسائل 14 : باب 1 من ابواب ما يحرم بالرضاعة حديث 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 1 من ابواب ما يحرم بالرضاعة حديث 8 .
(3) الوسائل 14 : باب 1 من ابواب ما يحرم بالرضاعة حديث 2 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 10 ـ
   وقال أيضاً : وأخرج ابن شيبة عن علي ( عليه السلام ) ، قال : لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان في حولين (1) .
   وما نقل في سنن ابن ماجة بسنده عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (2) .
   والحاصل كون الرضاعة موجبة لنشر الحرمة وجواز النظر في الجملة من الضروريات ، ويدل عليه الكتاب والسنة ، وعليه اجماع المسلمين .

تذكرة : ورد في كلمات جماعة عنوان ( الرضاع لحمه كلحمة النسب ) منهم الشيخ احمد الجزائري قال : والرواية بانه لحمه كلحمة النسب (3) ، ومنهم السيد محمد بن محمد تقي آل بحر العلوم قال : كما يعرب عنه ما قيل ان لحمة الرضاع كلحمة النسب (4) ، ومنهم المحقق الاستاذ السيد الخوئي ( مد ظله ) قال : يستحب للمنتسبين بالرضاع احترام بعضهم بعضاً ، فإن الرضاع لحمه كلحمة النسب (5) .
   اقول : لم يرد بهذا العنوان في باب الرضاع شيء لا في كتب احاديث الخاصة ولا في كتب اخواننا علماء السنة حسب ما فحصنا ، وإنما الوارد في ابواب العتق عن السكوني عن جعفر عن ابيه ( عليهما السلام ) قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الولاء لحمه كلحمة النسب لا تباع ولا توهب (6) .

(1) الدر المثور 2 : ط بيروت ص 135 .
(2) سنن ابن ماجه كتاب النكاح ص 623 ج 1 ط دار احياء الكتب العربية ح 1937 .
(3) قلائد الدرر 3 : 96 ط بيروت مؤسسة الوفاء .
(4) بلغة الفقيه 3 : 128 .
(5) المسائل المنتخبة مسألة 1170 .
(6) الوسائل 16 : باب 42 من ابواب العتق ح 2 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 11 ـ
شرائط تحقق الرضاع المحرم :
   كون الرضاع مؤثراً في نشر الحرمة وجواز النظر يتوقف على تحقيق عدة شروط :

الشرط الاول :
   ان يكون اللبن ناتجاً من ولادة وعن وطئ صحيح بسبب من الاسباب المشروعة كالنكاح ، وملك يمين ، والتحليل ، والحق بذلك وطئ الشبهة ، والمقصود ان يكون الوطئ مقتضياً لالحاق الولد بالاب شرعاً ، وعليه فالوطئ في حال الاحرام او الحيض وإن كان محرماً تكليفاً ولكنه حيث يوجب الالحاق ولا تترتب عليه احكام الزنا ، فاللبن الناتج منه يوجب نشر الحرمة وتتحقق به الرضاعة .
   ويدل على اعتبار هذا الشرط في الجملة ، معتبرة يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن إمرأة درَّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاماً من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم بالرضاع ؟ قال : لا (1) ، وباطلاقها يشمل صورة كون المرأة حاملاً او غير حامل ، وبهذا المضمون رواية يعقوب بن شعيب (2) ، وصحيح عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن ابن الفحل ، قال : هو ما ارضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد أمرأة اخرى فهو حرام (3) .

(1) الوسائل 14 : باب 9 من ابواب ما يحرم بالرضاعة ح 1.
(2) الوسائل 14 : باب 9 من ابواب ما يحرم بالرضاعة ح 2 .
(3) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب ما يحرم بالرضاعة ح 4 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 12 ـ
   بناءً على ان الولد لا يصدق على الحمل الاّ بالعناية فإن الولد لا يسمى ولداً الاّ بعد وضع الحمل فيقال ولدت المرأة اذا وضعت حملها (1) .

   ويتفرع على اعتبار هذا الشرط فروع ثلاثة :

الفرع الاول : انه إذا درّ لبن إمرأة من غير حمل وولادة فلا ينشر الحرمة ، وحكى الشيخ محمد حسن النجفي ( قدس الله سره ) الاجماع عليه بقسميه وإستدل عليه أيضاً بالاصل والمعتبرة المتقدمة (2) ، والظاهر ان الحكم مما لا خلاف فيه عند الاصحاب .
   وقال إخواننا أهل السنة بعدم إعتبار الولادة بل ولا الوطئ ولا النكاح ويكفي عندهم حصول اللبن من اي سبب كان ، قال إبن رشد : وأما صفة المرضعة فإنهم اتفقوا على انه يحرم لبن كل إمرأة بالغة وغير بالغ واليائسة من المحيض كان لها زوج او لم يكن ، حاملاً كانت او غير حامل وشذّ بعضهم فأوجب حرمة للبن الرجل (3) .

(1) مجمع البحرين 4 : 404 مادة وضع .
(2) الجواهر 29 : كتاب النكاح .
(3) بداية المجتهد 2 : 39 و 40 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 13 ـ
   ولعله تمسكوا في ذلك بالاطلاق من الكتاب والسنة ولكنه مخدوش :

أولاً : بأن الاطلاق منصرف الى ما هو المتعارف في الخارج من حدوث اللبن والرضاع بعد الحمل و الولادة .

وثانياً : ان الاطلاق وارد في مقام بيان التحريم بالرضاعة وليس وارداً في مقام بيان الشرائط كمنشأ حدوث اللبن او الكمية المعتبرة في الرضاعة فمساق الاطلاق في المقام مساق الاطلاق في قوله تعالى :
( فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ ) سورة المائدة : 4 .
   الوارد في مقام بيان شرائط تحقق التذكية ، وليس وارداً في مقام بيان حكم محل الامساك بلحاظ عروض النجاسة .

وثالثاً : لو تم الاطلاق فيقيد بما ورد من الروايات المتقدمة الدالة على اعتبار الشرط المذكور .

الفرع الثاني : اذا در لبن امرأة وهي حامل فالمشهور عدم نشر الحرمة ، ولكن جماعة ذهبوا الى انه يوجب النشر ويترتب عليه التحريم ومنهم الشيخ الاعظم الانصاري ( قده ) قال : وهل يعتبر انفصال الولد ويكفي الحمل ؟ وجهان بل قولان اختار العلامة اولهما في التحرير ، وثانيهماً في القواعد وهو الاظهر للإطلاقات ، وقول الصادق ( عليه السلام ) في صحيحة بريد العجلي : كل إمرأة أرضعت من لبن فحلها ولد إمرأة أُخرى من غلام او جارية فذلك الرضاع الذي قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الى غير ذلك مما دلّ من الصحاح ، وغيرها على اناطة التحريم بكون اللبن من الفحل (1) .

(1) الرسالة الرضاعية ص 2 مطبوعة ضمن المكاسب .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 14 ـ
   إستدل ( قده ) على نشر الحرمة بلبن الحامل بأمرين : الاول : اطلاقات الكتاب والسنة ، والثاني : الادلة الخاصة الدالة على اناطة الحكم بالتحريم بكون اللبن من الفحل ، منها صحيح بريد العجلي ولا يمكن مساعدة ما افاده .

أما الامر الاول : فأن الاطلاقات كما تقدم في مقام بيان اصل التحريم بالرضاع ، وليست واردة في مقام بيان جميع الشرائط المعتبرة ، نعم لو لم تكن مقيدات وارة في مقام بيان الشرائط والحدود المعتبرة كان للأخذ بالاطلاق المقامي مجال .

وثانياً : لا يبعد دعوى انصرافها الى ما هو المتعارف والغالب وهو الارضاع بعد الولادة .

وثالثاً : إنها تقيد بما تقدم من معتبرة يونس بن يعقوب المتقدمة حيث أن مقتضى اطلاقها يشمل الحامل وغير الحامل وصحيح عبد الله بن سنان المتقدم وقد ذكرنا أن الولد لا يصدق على الحمل إلا بالعناية والمجاز .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 15 ـ
   أما الامر الثاني وهو الاستدلال بصحيح بريد العجلي وما ورد من الصحاح مما انيط الحكم بالتحريم فيها بكون اللبن للفحل ، فلا يمكن الاخذ به فانه يشمل صورة كون المرأة موطوئة ولها زوج ولو لم يكن لها حمل فيصدق على لبنها أنه لبن فحل مع انه لا يمكن الالتزام به ولا يلتزم به الشيخ الاعظم ايضاً .
   مضافاً الى ذلك يكفي في تقييد العنوان المذكور معتبرة يونس بن يعقوب وصحيحية عبد الله بن سنان المتقدمتان ، فإن الولد وإضافة اللبن اليه لا يصدق بالنسبة الى الحمل ، مع إن الحمل ما دام كونه في بطن أمه فغذائه غذاء الام فلا يضاف اليه اللبن قبل الولادة ، فكيف يقال كما في الصحيح المتقدم من لبنك ولبن ولدك ولد إمرأة أُخرى ، ثم إنها لو ولدت لستة اشهر فما فوقها ، فلا إشكال في صدق الولادة شرعاً وعرفاً ، وعليه يكون اللبن منها فيوجب نشر الحرمة ، وإما إذا اسقطت قبل ستة أشهر فلا يكون اللبن الناتج من لبن الولادة فلا تشمله الاطلاقات ولا يصدق عليه إنه لبن ولدك ولا أقل من إنصراف الادلة عنه .

الفرع الثالث : إذا كان اللبن ناتجاً من الزنا فإنه لا يكون مؤثراً في نشر الحرمة ، فقد إستدل عليه بالاجماع والاصل بعد انصراف الاطلاقات عنه ، ويدل على عدم تأثير اللبن الناتج من الزنا روايات خاصة : مثل صحيح عبد الله بن سنان المتقدم قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن لبن الفحل قال : هو ما ارضعت إمرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد إمرأة أُخرى فهو حرام (1) ، وصحيح بريد العجلي المتقدم (2) ، وفيه : كل إمرأة أرضعت من لبن فحلها ولد إمرأة أُخرى (3) .

(1) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب الرضاع ح 4 .
(2) انظر صفحة 8 .
(3) الوسائل 14 : باب 6 من ابواب الرضاع ح 1 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 16 ـ
   ومن المعلوم ان الزاني ليس فحل للمرأة المزنى بها ولا ينسب اليه الولد شرعاً ، فلا يكون لبنها لبن إمرأته ولا لبن ولده .
   ثم إن الحكم في اللبن الناتج عن الزنا يدور مدار تحقق الزنا من طرف الرجل فقط ، فلو كانت المرأة مشتبهة فلا ينشر الحرمة أيضاً لإعتبار كون اللبن لبناً للفحل والجل الزاني ليس بفحل فهي في حكم من درّ لبنها .
   وأما لو إنعكس الامر فكان الرجل مشتبهاً وكانت المرأة عالمة بالحال فيكون الرجل بحكم الفحل والمفرض ان الولد ولده فيكون اللبن لبنه ، وعليه فيحكم بنشر الحرمة أيضاً .
   وعليه فلا يتم ما ذهب اليه السيد محمد بن محمد تقي آل بحر العلوم قال : إذا كانت الشبهة لهما وإن اختصت بإحداهما إختص به حكمه لثبوت النسب بالنسبة اليه دون غيره واللبن يتبع النسب (1) ، مضافاً الى ان دليل نفي الولد عن الزاني وعدم إرثه عنه بالنسبة الى الزانية مورد تأمل فلا يبعد القول بالنسب والتوارث بينهما .

(1) بلغة الفقيه 3 : 143 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 17 ـ
الشرط الثاني :
   . . . يعتبر أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي فلو وجر (1) اللبن في حلق الطفل أو شرب اللبن المحلوب فلا ينشر الحرمة ، وهذا هو المشهور والمعروف ، ونسب الى ابن الجنيد الخلاف في ذلك .
   ونقل العلامة عن الشيخ الطوسي في المبسوط انه قال : إذا كانت الرضعات التي يتعلق بها التحريم بعضها إرضاعاً وبعضها وجوراً نشر الحرمة عندنا (2) .
   وإختلف علماء إخواننا السنة في ذلك ، قال إبن رشد : وأما هل يحرم الوجور واللدود ؟ (3) ، وبالجملة ما يصل الى الحلق من غير رضاع فإن مالكاً يحرم الوجور واللدود .

(1) المصباح المنير 2 : 365 الوجور بفتح الواو وزان رسول الدواء يصب في الحلق ، لسان العرب 15 : 220 : وجر الوَجْرُ : ان توجر ماء ودواء في وسط حلق صبي .
(2) المختلف 7 : 15 كتاب النكاح ط مؤسسة النشر الاسلامي ، المبسوط 295 : 5 وفيه ، وبعضها وجوراً نشر الحرمة عندهم وعندنا لا ينشر .
(3) لسان العرب 12 : 236 اللَّدُودُ : ما يُصبُّ بالمُسعُط من السقي والدواء في أحد شقي الفم فيمر على اللديد .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 18 ـ
   وقال عطاء وداوّد لا يحرم وسبب إختلافهم هل المعتبر وصول اللبن كيفما وصل الى الجوف ، او وصوله الى الجهة المعتادة (1) .

   وذكر الى ما ذهب اليه ابن الجنيد وجهان :
الاول : ان المناط في نشر الحرمة هو إنبات اللحم وشد العظم ، وهذا المناط يحصل بالوجود كما يحصل بالامتصاص .
الثاني : ما رواه الصدوق عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : وجور الصبي بمنزلة الرضاع (2) .

  ويرد على الوجه الاول ان مفهوم الرضاعة لغة كما تقدم هو المص من الثدي وإنبات اللّحم وشد العظم من قبيل الحكمة لا العلة التامة التي يدور مدارها الحكم وجوداً وعدها .
   ويرد الى الثاني ان ما رواه الصدوق مرسل لا يمكن الاعتماد عليه ، مع إنه معارض بما ورد من الصحيح الدال على اعتبار المص من الثدي كصحيح علاء بن رزين عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرضاع ، فقال : لا يحرم من الرضاع الا ما ارتفع من ثدي واحد سنة ، الحديث (3) .

(1) بدية المجتهد 2 : 37 .
(2) الوسائل 14 : باب 7 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 3 .
(3) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 13 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 19 ـ
   وبما رواه عبيد بن زرارة عن زرارة عن ابى عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرضاع ، فقال : لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين (1) .
   والتقييد بالحولين في هذا الحديث ، وكذا التقييد بالسنة في السابق منه لا يضر بإعتبار كون المعتبر هو المص من الثدي مع إن المحتمل جداً ان يكون التقييد في كليهما على نحو الظرفية ، فتكون السنة والحولين ظرفاً للارتضاع .

الشرط الثالث :
   . . . أن يكون الارتضاع في حال حياة المرضعة ، فإن إرتضع الطفل من ميتة او أكمل العدد المعتبر منها فلا ينشر الحرمة ، وقد إستدل على اعتبار الشرط المذكور بأن المستفاد من قوله تعالى : ( اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) المباشرة وصدور الارضاع عن اختيار المرضعة .

(1) الوسائل 14 : باب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ح 8 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 20 ـ
   وفيه أن الكلام وارد مورد الغالب ، ولذى لو أرتضع الطفل منها وهي نائمة أو مغمى عليها فأكمل العدد المعتبر تحقق الرضاعة ويترتب عليها الحكم .
   وبالاجماع ـ وفيه : انه من المحتمل جداً ان يكون مدرك المجمعين الادلة اللفظية ، والاجتماع لو تمت حجيته وقيامه في مورد ، فهو يختص بالتعبدي منه دون غيره ، مما يحتمل فيه المدركية .

   والصحيح في إعتبار الشرط المذكور إن دليل التنزيل قاصر الشمول :
اولاً : فلأن الاطلاقات منصرفة عن لبن الميتة ، فإنه بعد الموت لا يتحقق وجود اللبن في ثديها ، نعم يمكن بقاؤه بمقدار رضعة او رضعتين ولكن مع ذلك الارتضاع منها بعد الموت نادر جداً ، وعلى خلاف المتعارف فلا تشمله الاطلاقات .
وثانياً : إن اللبن الباقي في ثدي الميتة من قبيل اللبن المحلوب فإن بدن الانسان بعد الموت يعد جماداً ، وتقدم أن الوجور واللدود لا يكفيان في نشر الحرمة ، مع إن ظاهر الادلة هو المص من ثدي الانسان الحي لا الميت .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 21 ـ
الشرط الرابع :
   ان يكون الارضاع في الحولين من عمر المرتضع فإن إرتضع بعد الحولين او أكمل العدد كذلك لا ينشر الحرمة ، وادعى عليه الاجماع ونفى عنه الخلاف لدى الاصحاب ، ويستفاد ذلك من الآية الكريمة : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) سورة البقرة : 233 .
   فإن الظاهر منها أن الرضاع يتم في الحولين ، ولا رضاعة بعدهما .
   ويدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا رضاع بعد فطام . . . الحديث (1) ، وخبر حماد بن عثمان قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام ؟ قال : الحولين الذي قال الله عز وجل (2) ، والفظام : هو الفصل عن الرضاع ومدة الرضاعة هي الحولان ولا رضاعة بعدهما .
   والمشهور بين فقهاء إخواننا السنة أيضاً إعتبار الشرط المذكور ، قال ابن رشد : وإتفقوا على أن الرضاع يحرم في الحولين ، وإختلفوا في رضاع الكبير فقال مالك وابو حنيفة والشافعي وكافة الفقهاء لا يحرم رضاع الكبير .

(1) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 5 .