وذهب داوّد وأهل الظاهر الى انه يحرم ، وهو مذهب عائشة ، ومذهب الجمهور هو مذهب ابن مسعود وابن عمر وابي هريرة وابن عباس وسائر ازواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (1) .
   قال محمد بن احمد الانصاري القرطبي : وقد روي عن عائشة القول به وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء وروي عن أبي موسى الاشعري ، انه كان يرى رضاع الكبير وروي عنه ما يدل على رجوعه عن ذلك (2) .
   ومستند القائلين بتحريم رضاع الكبير عندهم هو خبر سهلة في سالم عن عائشة ان ابا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدراً مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تبنى سالماً وأنكحه ابنت اخيه الوليد بن عتبة بن ربيع وهو مولى لإمرأة من الانصار ، كما تبنى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زيداً وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس اليه وورثه ميراثه حتى أنزل الله تعالى : ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ . . . الى قوله وَمَوَالِيكُمْ ، فردوا الى آبائهم ،

(1) البدية 2 : 36 .
(2) تفسير القرطبي 3 : 136 ط بيروت إحياء التراث العربي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 23 ـ
فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخاً في الدين فجاءت سهلة بنت سهل بن عمرو القرشي ثم العامري وهي إمرأة ابي حذيفة الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت يا رسول الله إنا كنا نرى سالماً ولداً وقد أنزل الله تعالى فيه ما علمت فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن ترضع سالماً ليدخل عليها وذكر البرقاني تمام الحديث ، و ( منه ) فبذلك كانت عائشة تأمر بنات أخويها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة ان يراها ويدخل عليها وأبت أم سلمة وسائر ازواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان يدخل عليهن بتلك الرضعة احداً من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة والله ما ندري لعلها رخصة لسالم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دون الناس هذه احدى روايات حديث اخرجته السنة الا الترمذي (1) .
   اقول : إن صحة هذه الرواية فيصبح طريق مشروع لدى النساء لادخال الرجال الاجانب عليهن اذا احببن واشتهين كما اشتهت ام المؤمنين حسب نقل الصحاح ، فما ترى إتجاه تلك الروايات .
   ثم ان المراد من الحولين الواردين في مدة الرضاعة هو أربعة وعشرون شهراً هلالياً ولو كانت ملفقة ، وذلك لظهور الكتاب والسنة بان المعتبر في السنة والشهر هو الهلالي منهما ، هذا بالنسبة الى المرتضع ، وهل يعتبر الشرط المذكور بالنسبة الى ولد المرضعة بمعنى ان تكون الرضاعة في مدة الحولين من حين الولادة ، فإذا تجاوز ارضاعها عن السنتين من حين الولادة فلا يجب نشر الحرمة ولو كان المرتضع فيما دون الحولين من عمره .

(1) البحر الزخار من كتاب جواهر الاخبار والآثار هامش 4 : 266 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 24 ـ
   اعتبار الحولين بالمعنى المذكور مورد اتفاق بين العامة غاية الامر بينهم لا يرى بأساً بزيادةٍ ما على ما يأتي تفصيله وإنما خلافهم في إعتبار الحولين بالنسبة الى المرتضع ، وقد تقدم ذكر الخلاف منهم .
   وعند اصحابنا يكون الخلاف في المسألة على عكس الخلاف الواقع بين العامة ، فالاجماع والاتفاق قائم على إعتبار الحولين في المرتضع ، وان رضاع الكبير لا يحرم ، ولكن وقع الخلاف في اعتبارهما في ولد المرضعة : بمعنى أنه هل تنتهي مدة الرضاعة بإتمام الحولين من الرضاعة من حين الولادة او لا ؟
   المشهور والمعروف بين المتاخرين هو عدم الاعتبار ، فلو ارضعت المرضعة صبياً دون حولين من عمره بعد ثلاث او اربع سنوات من حين الولادة يكون رضاعها محرماً وينشر الحرمة .
   وذهب جماعة الى عدم نشر الحرمة ، وانه يعتبر في الرضاعة المحرمة ان تقع في مدة الحولين ، فإن تجاوزت الحولين يكون رضاعها كلاّ رضاع فلا ينشر الحرمة .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 25 ـ
   حكى هذا القول عن ابي الصلاح ، وابن زهرة ، وابن حمزة ، وروي عن ابي بكير ما يشعر بانه كان معروفاً عن الاقدمين من اصحاب الأئمة ( عليهم السلام ) .
   ولتوضيح الحال نقدم ما ورد في بعض مصادر اخواننا السنة ، ثم نذكر ما تقتضيه الادلة حسب ما ورد من الكتاب .
   قال محمد بن احمد القرطبي : الخامسة : انتزع مالك ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية ان الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب انما هي ما كان في الحولين ، لانه بإنقضاء الحولين تمت الرضاعة ولا رضاعة بعد الحولين معتبرةً .
   هذا قوله في موطئه ، وهي رواية محمد بن حكم عنه وهو قول عمر ، وابن عباس ، وروي عن ابن مسعود ، وبه قال الزهري ، وقتادة والشعبي ، وسفيان الثوري والاوزاعي ، والشافعي واحمد واسحاق ، وابو يوسف ومحمد ، وابو ثور ، وروى ابن عبد الحكم عنه وزيادة ايام يسيرة عبد الملك كالشهر ونحوه .
   وروى ابن القاسم عن مالك انه قال : الرضاع حولين والشهرين بعد الحولين ، وحكى عن الوليد بن مسلم انه قال : ما كان بعد الحولين من الرضاع بشهر او شهرين او ثلاثة فهو من الحولين ، وما كان بعد ذلك فهو عبث ، وحكى عن النعماني انه قال : وما كان بعد الحولين الى ستة اشهر فهو رضاع .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 26 ـ
   والصحيح الاول لقوله تعالى : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) البقرة : 233 ، وهذا يدل على الاّ حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين .
   وروي سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا رضاع الاّ ما كان في الحولين .
   وقال الدار القطني : لم يسنده عن عينية غير هيثم بن جميل وهو ثقةٌ ، حافظٌ ، قلت : وهذا الخبر مع الآية والمعنى ينفي رضاعة الكبير وانه لا حرمة له ، وقد روى عن عائشة القول به ، وبه يقول الليث بن سعد من بين العلماء ، وروى عن ابي موسى الاشعري انه كان يرى رضاع الكبير ، وروى الرجوع عنه (1) .
   واما المشهور من متأخري اصحابنا فقد استدلوا على عدم اعتبار الشرط المذكور بما لا يخلو عن قصور ولذلك نقدم بعض استدلالاتهم .

(1) تفسير القرطبي 3 : 162 ط بيروت احياء التراث العربي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 27 ـ
   قال السيد محمد بن محمد تقي آل بحر العلوم : المشهور هو الثاني وهو الاحوط ، بل الاقوى ، لاطلاقات أدلة الرضاع (1) .
   وقال الشيخ الاعظم الانصاري ( قده ) : والاكثر على الثاني وهو الاظهر للاصل والاطلاقات ، لظهور الخبر المذكور في فطام المرتضع ، او عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد المطلقات ، وتفسير ابن بكر في للخبر معارض بما فسره ثقة الاسلام ، والصدوق في الكافي والفقيه (2) .
   وقال السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي ( قده ) : والوجه لما ذهب اليه المشهور بعد الاجماعين على ما ادعى هو ورود الشرائط الواردة في باب الرضاع اما المرضعة او الرضيع او اللبن ، ولم يكن ولد المرضعة بما هو محلاً للاثر ومنشأ للحكم فسياق الادلة هو الحاكم بانه شرط في المرتفع فقط (3) .    أقول : اما سياق الادلة فلم نعرف له وجهاً ، فان غاية ما يمكن ان يقال : ان قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا رضاع بعد فطام لا عموم ، او لا اطلاق له ، واما انه يدل على اختصاص الحكم بالمرتضع فقط فاثباته على مدعيه .

(1) بلغة الفقيه 3 : 149 .
(2) الرسالة الرضاعية من المكاسب ص 3 .
(3) الرسالة الرضاعية ص 35 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 28 ـ
   واما الاطلاقات ، فالتمسك بها يتوقف على الفحص عن حدود المخصص الوارد عليها ، والعمدة في التخصص هو العنوان الوارد في روايات لا رضاع بعد الفطام فقد روى منصور بن حازم عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يتم بعد احتلام (1) . . .
   وفي صحيح الحلبي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : لا رضاع بعد فطام (2) .
   وروى حماد بن عثمان قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام ؟ قال : الحولين اللذين قال الله عز وجل (3) .
   وروى علي بن اسباط قال : سأل ابن فظال ابن بكير في المسجد فقال : ما تقولون في إمرأة أرضعت غلاماً سنتين ثم ارضعت صبية لها اقل من سنتين حتى تمت السنتان ، ايفسد ذلك بينهما ؟ قال : لا يفسد ذلك بينهما ، لانه رضاع بعد فطام ، وانما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا رضاع بعد فطام اي انه اذا تم للغلام سنتان او الجارية فقد خرج من حد اللبن ، ولا يفسد بينه وبين من شرب (4) لبنه .

(1) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 2 .
(3) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 5 .
(4) يشرب منه خ ل .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 29 ـ
   قال : واصحابنا يقولون : انه لا يفسد الا ان يكون الصبي والصبية يشربان شربة شربة (1) .
   اقول : قول ابن بكير واصحابنا يقولون انه لا يفسد ظاهر في نقل الشهرة ان لم يكن نقل اجماع ، وان المشهور في وقته كان اعتبار الشرط المذكور ، وعليه تكون الشهرة بين المتأخرين امراً حادثاً .
   وحيث ان الروايات المخصصة الورادة في الرضاعة المحرمة احالت حدود هذا الشرط فيها الى حدود رضاعة الوالدة لولدها التي يمكن ان تسمى بالرضاعة الحقيقية فلا بد من عرض ادلة الرضاعة الحقيقية من حيث الحد الزمني لها ( والمقررة في حد الرضاعة الحقيقية ) .
   الآيات الشريفة ، منها قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) سورة لقمان : 14 .

(1) الوسائل 14 : باب 5 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 6 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 30 ـ
   ومنها قوله تعالى :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) سورة الاحقاف : 15 .
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) سورة البقرة : 233 .
   والظاهر من الآيات ان الحولين ظرف الرضاعة ، وانه بإكمالهما تتم الرضاعة ، وبعد الحكم بإتمام الرضاعة يحصل الفصال والفطام ، ويؤييد هذا المعنى عدة روايات :
   منها صحيح الحلبي ، قال : قال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : ليس للمرأة ان تأخذ في رضاع ولدها اكثر من حولين كاملين ان ارادا الانفصال قبل ذلك عن تراض منهما فهو حسن ، والفصال الفطام (1) .
   وصحيحه الآخر : عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث انه نهى ان يضار بالصبي او تضار امه في رضاعه ، وليس لها ان تاخذ في رضاعه فوق حولين كاملين ، فإن ارادا فصالاً عن تراضٍ منها قبل ذلك كان حسناً ، والفصال هو الفطام (2) .

(1) الوسائل 15 : باب 70 من ابواب احكام الاولاد ح 1 .
(2) الوسائل 15 : باب 70 من ابواب احكام الاولاد ح 3 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 31 ـ
   وظاهرهما ان الفصال كما يتحقق بارادة الوالدين كذلك يتحقق باتمام الحولين ، بل هو اولى ، والفصال كما صرح في الروايات هو الفطام .
   ونقل جلال الدين السيوطي عن ابن عباس روايات كثيرة تدل على المقصود قال : سمعت ابن عباس يقول :
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) سورة البقرة : 233 .
قال : لا رضاع الاّ في هذين الحولين (1) .
   ويشهد لما ذكرنا ما قاله جملة من المفسرين في مفاد الآيات .
   قال الشيخ الطوسي : وفي الآية بيان لامرين : احدهما مندوب ، والثاني فرض ، فالمندوب هو ان يجعل الرضاع تمام الحولين وهي التي تستحق المرضعة الاجر فيهما ، ولا تستحق فيما زاد عليهما ، وهو الذي بينه الله تعالى بقوله : ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فتثبت المدة التي تستحق بها الاجرة على ما اوجبه الله في هذه الآية (2) ، وقال ( قده ) بعد ذلك في قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً ) ، فالفصال : الفطام ، لا انفصال المولود عن الاغتذاء بثدي امه الى غير ذلك من الاغتذاء (3) .

(1) الدر المنثور 1 : 689 .
(2) التبيان 2 : 255 ط النجف الاشرف .
(3) التبيان 2 : 255 ط النجف الاشرف .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 32 ـ
   قال الشيخ الطبرسي : . . . فالمندوب وهو ان يجعل الرضاع تمام الحولين ، والمفروض هو ان المرضعة تستحق الاجرة في مدة الحولين ولا تستحق فيما زاد عليه ، واختلف في هذا الحد هل هو لكل مولود او للبعض ؟
   فقال ابن عباس : ليس لكل مولود ، ولكن لمن ولد لستة اشهر ، وان ولد لسبعة اشهر فثلاثة وعشرون ، وان ولد لتسعة اشهر فاحد وعشرون (1) .
   يظهر من هذا الكلام ان الاتفاق حاصل على ان حد الرضاعة هو الحولان ، وأنه بعدهما لا رضاعة ، وانما الاختلاف في انه يحسب من حين الولادة او من بدأ ستة اشهر : بمعنى انه حد لمن ولدت لستة اشهر او ينقص منه بمقدار مازاد الحمل على ستة اشهر .
   وقال السيد عبد الاعلى السبزواري ( مُدَّ ظِلُّه ) : واما الرابعة فلا ربط للآية الشريفة بالمقام ، لو رودها في مقام تحديد اصل الرضاع مع قطع النظر عن ولد المرضعة او نفس المرتضع (2) .

(1) مجمع البيان 2 : 334 .
(2) مهذب الاحكام 25 : 18 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 33 ـ
   فالحاصل ان الآيات والروايات الواردتين في الرضاعة المحضة ظاهرتان في ان باتمام الرضاعة واكمال الحولين يحصل الفصال ، والفصال شرعاً هو الفطام ، وهو انتهاء الحولين وبعد انتهائهما لا تنشر الحرمة ، فما فهمه ابن بكير هو الصحيح المطابق لما تقتضيه مفاد الآية والروايات وقد اعترف العلامة ( قده ) بقوة ما فهمه ابن بكير .
   قال : احتج ابو الصلاح بان الرضاع المعتبر شرعاً ما حصل قبل الفطام ، وكما ثبت في احد المرضعتين ثبت في الآخر وبعموم قوله ( عليه السلام ) : لا رضاع بعد فطام .
   والجواب : المنع من المقدمة الاولى ، ومن القياس فإنه باطل عندنا ، والحديث يعمل بموجبه ، لتناول المرتضع ، بمعنى : انتقاء احكام الرضاع في الحاصل بعد فطام المرتضع بالنسبة اليه .
   وقول ابي الصلاح لا يخلو من قوة ، فنحن في هذه المسألة من المتفوقين (1) .

تذكير :
   يظهر من عبارة بعضهم ان اشتراط الحولين في لبن المرضعة غير اشتراطهما في ولدها .

(1) مختلف الشيعة 7 : 15 ط مؤسسة النشر الاسلامي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 34 ـ
   قال السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي ( قده ) : ورود الشرائط الواردة في باب الرضاع اما للمرضعة ، او الرضيع ، او اللبن ، ولم يكن ولد المرضعة بما هو محلاً للاثر ومنشأً للحكم ، فسياق الادلة هو الحاكم بأنه شرط في المرتضع فقط (1) .
   اقول : التعبير بولد المرضعة في كلمات جماعة طريق لبيان حدود لبن المرضعة ، ولذا لا فرق بين ان يكون ولدها موجوداً وبين ان لا يكون وبين ان يرضع منها ، وبين ان لا يرضع منها ، فالتلازم الموجود بين تحديد ولد المرضعة ، صار سبباً لاكتفاء بتحديد ولد المكرضعة ، مضافاً الى ان جماعة صرحوا بالمراد من التحديد المذكور ، فقال السيد عبد الاعلى السبزواري ( مُدَّ ظِلُّه ) : فلا ربط للآية الشريفة بالمقام لورودها في مقام تحديد اصل الرضاع مع قطع النظر عن ولد المرضعة او نفس المرتضع (2) .
   اقول : لو تمت دلالة الآية على تحديد اصل الرضاعة ، وحكم على لبن المرضعة بانه محدود بالحولين فهو بالطبع تحديد للمرتضع وولد المرضعة لان المدار في التحريم على حدود لبنها ، فبعد الحولين يكون لبنها كمن درّ لبنها من غير ولادة لا ينشر الحرمة .

(1) الرسالة الرضاعية ص 35 .
(2) مهذب الاحكام 25 : 18 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 35 ـ
الشرط الخامس :
   . . . ان تبلغ الرضاعة حداً خاصاً من الكمية .
   لا خلاف بين علمائنا انه لا يحرم طبيعي الرضاع ومطلقه بل يعتبر ان يبلغ الحد احد التقديرات الآتية : كإنبات اللحم وشد العظم ، او رضاع يوم وليلة ، او العدد .
   والمعروف والمشهور في العدد هو خمس عشرة رضعة ، واختلف اخواننا علماء السنة في حد الرضاعة ، فيكفي عند بعضهم صدق عنوانها ، وهو يتحقق باول رضعة دخلت جوف الطفل .
   واعتبر بعضهم خمس رضعات ، وآخر عشر رضعات ، وبعضهم ثلاث رضعات .
   ولتوضيح الحال نقدم جملة من الاقوال والاخبار ، ثم نبين ما يمكن ان يعتمد عليه .
   قال ابن رشد : اما مقدار الحرام من اللبن فإن قوماً قالوا فيه بعدم التحديد ، وهو مذهب مالك واصحابه وروى عن علي ( عليه السلام ) وابن مسعود وهو قول ابن عمر وابن عباس وهؤلاء يحرم عندهم اي قدر كان ، وبه قال ابو حنيفة واصحابه والثوري والاوزاعي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 36 ـ
   وقالت طائفة بتحديد القدر المحرم وهؤلاء انقسموا ثلاث فرق ، فقالت طائفة : لا تحرم المصة ولا المصتان وتحرم الثلاث وما فوقها وبه قال ابو عبيدة ، وابو ثور .
   وقالت طائفة : المحرم خمس رضعات وبه قال الشافعي .
   وقالت طائفة : عشر رضعات والسبب في اختلافهم في هذه المسألة معارضة عموم الكتاب للاحاديث الواردة في التحديد ، ومعارضة الاحاديث في ذلك بعضها بعضاً .
   فأما عموم الكتاب فقوله تعالى : ( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) الآية وهذا يقتضي ما ينطبق عليه اسم الرضاع .
   والاحاديث المتعارضة في ذلك راجعة الى حديثين في المعنى احدهما حديث عائشة وما في معناه انه قال : لا تحرم المصة ولا المصتان او الرضعة والرضعتان الى ان قال : والحديث الثاني حديث سهلة في سالم انه قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها ارضعيه خمسة رضعات وحديث عائشة في هذا المعنى ايضاً (1) .
   ونقل الشيخ الطوسي ( قده ) في الخلاف مما يقرب نقل ابن رشد فراجع (2) .

(1) بداية المجتهد 2 : 27 .
(2) الخلاف 5 : 92 ط مؤسسة النشر الاسلامي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 37 ـ
   اذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامين : الاول : في اطلاق الآية الشريفة ، والثانية : في الروايات الدالة على التحديد .
اما المقام الاول: وهو التمسك بالاطلاق بالدعوى انه يكفي في صدق عنوان الرضاعة تحقق رضاعة واحدة كما هو الحال في صدق كل طبيعة بوجود فرد من افرادها .
ففيه اولاً : ان الآية واردة في مقام بيان تحريم بالرضاعة وليست في مقام بيان الكمية المعتبرة فيه ، وتقدم ان الاخذ بالاطلاق لا يمكن الا من الجهة الّتي ورد الدليل في مقام البيان منها دون سائر الجهات .
وثانياً : ان الاطلاق لو تم فلا بد من رفع اليد عنه فإنه بدائي يرتفع بعد التأمل فيما يناسب الحكم والموضوع ، فإن الام بحسب المفهوم عرفاً ولغة هو الاصل وما يتولد منه الشيء كما تقدمت الاشارة اليه ، فالرضاع ان لم يبلغ الى حد ايجاد الدم في الطفل وانبات اللحم وشد العظم لا يصدق عنوان الامومة الوارد في قوله تعالى ( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ ) وكثير من الاطلاقات ترفع اليد عنها بموجب المناسبات ، فمن باب المثال ورد في الاخبار في باب المطهرات ما اصابه المطر فقد طهر (1) .

(1) الوسائل 1 : باب 6 من ابواب الماء المطلق .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 38 ـ
   والفقهاء هم قد ذهبوا الى انه لا يكفي بمجرد اصابة المطر ولو بقطرات ، بل يعتبر اصابة مقدار ما يوجب الاستيعاب والجري من جزء من المتنجس الى جزء آخر منه ، مع ان الاطلاق شامل ، وليس ذلك الاّ بمناسبة ان زوال النجاسة يحتاج الى جريان الماء في الجملة ، فان المقصود هو عنوان الغسل والتطهير ، وهو لا يتحقق بمجرد صرف الوجود من الاصابة .
   وثالثاً : لو تم اطلاق مقامي في مورد البحث فلا بد من رفع اليد عنه ، وذلك لورود روايات تدل على التحديد ، لا يبعد بلوغها حد الاستفاضة حسب ما وردت في المصادر من السنة والشيعة .
   واما المقام الثاني : ففي ذكر الروايات الواردة في مقام التحديد ، وهي على انواع :

النوع الاول: ما يدل على اعتبار انبات اللحم وشد العظم مثل صحيح حماد بن عثمان عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا يحرم من الرضاع الاّ ما انبت اللحم والدم (1) .
   ومثل صحيح عبد الله بن سنان قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لا يحرم من الرضاع الاّ ما انبت اللحم وشد العظم (2) .

(1) الوسائل 14 : باب 3 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 3 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 2 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 39 ـ
   ومثل صحيح علي بن رئاب عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قلت ما يحرم من الرضاع ؟ قال : ما انبت اللحم وشد العظم ، قلت : فيحرم عشر رضعات ؟ قال : لا ، لانه لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات (1) .
   ومثل معتبرة عبيد بن زرارة قال : قلت لابي عبد الله انا اهل بيت كبير فربما كان الفرح والحزن والذي يجتمع في الرجال والنساء فربما استخفت المرأة ان تكشف رأسها عند الرجل الذي بينهما وبينه رضاع ، وربما استخف الرجل ان ينظر الى ذلك فما الذي يحرم من الرضاع ؟
فقال : ما انبت اللحم والدم .
فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم ؟
فقال : كان يقال عشر رضعات .
فقلت : هل تحرم عشر رضعات ؟
فقال: دع ذا (2) .

(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 2 .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 18 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 40 ـ
النوع الثاني : ما يدل على الارضاع يوماً وليلة او خمس عشرة رضعة ، مثل معتبرة زياد بن سوقة قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : هل للرضاع حد يأخذ به ؟ فقال : لا يحرم الرضاع اقل من يوم وليلة ، او خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة إمرأة غيرها ، فلو ان امرأة ارضعت غلاماً او جارية عشر رضعات لم يحرم نكاحهما (1) ، وبهذا المضمون مرسل المقنع قال : وسأل الصادق ( عليه السلام ) هل لذلك حد ؟ فقال : لا يحرم من الرضاع الاّ رضاع يوم وليلة ، او خمسة عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن (2) .

النوع الثالث : ما يدل على كفاية عشر رضعات مثل رواية فضيل بن يسار عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا يحرم من الرضاع الاّ المخبورة او خادم او ظئر ، ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام (3) .
   قال الشيخ يوسف البحراني ( قده ) : الاول : لا يخفى ان لفظ المجبورة في رواية الفضيل بن يسار لا يخلو من اشتباه ، ونقل في الوافي ان المجبورة في بعض نسخ الفقيه بالمهملة قال : وكأن الجيم هو الاصح كما في نسخة اخرى منه .

(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 14 .
(3) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ج 11 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 41 ـ
   وقال في كتاب مجمع البحرين في مادة حبر بالحاء المهملة بعد ذكر الحديث : وقد اضطربت النسخ في ذلك ، ففي بعضها بالحاء المهملة كما ذكرناه ، وفي بعضها بالجيم كما تقدم ، وفي بعضها بالخاء المعجمة ، ولعله الصواب ، ويكون المخبور بمعنى المعلوم انتهى (1) .
   وقال (2) في مادة جبر بالجيم والباء الموحدة بعد نقل الخبر المذكور : قال في شرح الشرائع : المجبور وجدتها مضبوطة بخط الصدوق ( رحمه الله ) بالجيم والباء في كتابه المقنع فانه عندي بخطه انتهى (3) .
   اقول : الظاهر انه اراد بشرح الشرائع هو كتاب المسالك الاّ اني لم اقف عليه في الكتاب المذكور ، ثم اني وجدت في بعض الفوائد المنسوبة الى الشيخ الفاضل الفقيه الاوحد الشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي ( قدس الله روحيهما ) ما صورته : المجبورة في الجيم فكان كلاً منهما باعتبار المحبة ، او الاجرة ، او الرقية ، مجبور في الارضاع الدائمي (4) .

(1) اي كلام الوافي .
(2) اي كلام الوافي .
(3) اي كلام الوافي .
(4) الحدائق 23 : 353 ط مؤسسة النشر الاسلامي .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 42 ـ
   ومثل رواية عمر بن يزيد قال : سألت ابا عبد الله ( عليه السلام ) عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين ، فقال : لا يحرم فعددت عليه حتى اكملت عشر رضعات ، فقال : اذا كانت متفرقة فلا (1) .
   تدل بالمفهوم على كفاية عشر رضعات اذا كانت متواليات .
   ومثل صحيح مسعدة بن زياد العبدي عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا يحرم من الرضاع الاّ ما شد العظم وانبت اللحم .
   فاما الرضعة والثنتان والثلاث حتى بلغ العشر اذا كن متفرقات فلا بأس (2) .
   يدل بالمفهوم على كفاية عشر رضعات متواليات .
النوع الرابع : ما يدل على كفاية طبيعي الرضاع ، مثل رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي ( عليه السلام ) قال : الرضعة الواحدة كالمئة رضعة لا تحل له ابداً (3) .
   ومثل رواية علي بن مهزيار عن ابي الحسن ( عليه السلام ) انه كتب اليه يسأله عما يحرم من الرضاع ، فكتب ( عليه السلام ) قليلة وكثيرة حرام (4) .

(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 5 .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 9 .
(3) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 12 .
(4) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 10 .

الرضاع في الفقه الاسلامي ـ 43 ـ
النوع الخامس : ما يدل على اعتبار خمسة عشر يوماً ، او سنة او حولين ، التي لا بد من حملها على بعض الوجوه ، ولم يعمل بها احد ، ولذا لم نرى وجهاً لذكرها .
   هذا معظم ما روته الخاصة عن أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) في مقام تحديد الرضاع المحرم .
   وأما ما رواه الجمهور في مقام التحديد : فمنه حديث سهلة في سالم انه قال لها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ارضعيه خمس رضعات ، وحديث عائشة في هذا المعنى ايضاً ، قالت كان في ما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهن مما يقرأ من القرآن فمن رجح ظاهر القرآن على هذه الاحاديث قال : تحرم المصة والمصتان ، ومن جعل الاحاديث مفسرة للآية وجمع بينها وبين الآية ورجح مفهوم دليل الخطاب في قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تحرم المصة ولا المصتان على مفهوم دليل الخطاب في حديث سالم قال : الثلاثة فما فوقها هي التي تحرّم وذلك ان دليل الخطاب في قوله لا تحرم المصة ولا المصتان يقتضي ان ما فوقها يحرم ، ودليل الخطاب في قوله : ارضعيه خمس رضعات يقتضي ان ما دونها لا يحرم والنظر في ترجيح احد دليلي الخطاب (1) .

(1) بداية المجتهد 2 : 27 ط دار الفكر .