والحاصل انه جميع روايات الباب يظهران القول بالعشر غير مرضي عنه عندهم ، وكثيراً ما يطرح عليهم السؤال انه هل يحرم العشر
، او ما دونه ؟ فكان الامام ( عليه السلام ) لا يأتي بالجواب كاملاً .
ففي صحيح صفوان بن يحيى قال : سألت ابا الحسن ( عليه السلام ) عن الرضاع ما يحرم منه ؟
فقال : سأل رجل ابى عنه فقال : واحدة ليس بها بأس ، وثنتان حتى بلغ خمس رضعات .
قلت : متواليات او مصة بعد مصة ؟
فقال : هكذا قال له .
وسأله آخر عنه فانتهى به الى تسع ، وقال : ما أكثر ما أسأل عن الرضاع
(1) .
وفي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) : قال سألته عن الرضاع ما ادنى ما يحرم منه ؟
قال : ما ينبت اللحم والدم ، ثم قال : اترى واحدة تنبته ؟ فقلت : اثنتان اصلحك الله ؟ فقال : لا ، فلم ازل اعد عليه حتى بلغ عشر رضعات
(2) .
|
(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 24 .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 21 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 51 ـ
وتدل على الغاء معرفية العشر امور ذكرها يساعدنا على امكان الالتزام بالمفهوم المتقدم الدال على التحريم بالعشر متواليات وعدمه .
الامر الاول : انه قد يحل الاشتباه في العدد ، فقد ارتضع الصبي تسع مرات ، او ثمان مرات ، ومع ذلك يعد خطأ عشر مرات ، وهذا النحو من الخطأ والاشتباه كثير وخصوصاً عند النساء ، فأذا كان اقل ما ينبت اللحم ويشد العظم عشر مرات فالاجل التحفظ على الوقع الغى العشر فجعل الحد العرفي خمسة عشر رضعة
(1) .
الامر الثاني : ان الصبي قد يقذف اللبن بالتقيؤ ، في بعض الاحيان ينام في اثناء الرضاعة مع انه لم يشبع وفي بعض لقلة لبن المرضعة يرفض الثدي ويتوهم انه شبع وكمل غذاؤه ، وفي بعض يكون الصبي ضعيف البنية فإذا مص الثدي مقداراً يعرض عليه التعب فيرفض الثدي مع انه لم يشع كاملاً ، وهذه الرضعات عادة تعد من العشر مع انها غير كافية في اكمال العدد المعتبر ، فالاعتماد على العشر يوجب الوقوع في خلاف الواقع .
|
(1) اقول قد يقال جعل هذا الامر من المؤيدات اولى من جعله دليلاً لانه لا دليل على ذلك فإن الروايات دلت على عدم كفاية العشر فكيف يلتزم بكفاية العشر وان الخمسة الاضافية من اجل ضمان وقوع عشر رضعات لمجرد ان النساء يقعن في الاشتباه في احصاء الرضعات من المحقق .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 52 ـ
ويؤيد هذا الاحتمال رواية فضيل بن يسار عن ابي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا يحرم من الرضاع الا المخبورة ، او خادم او ظئر ، ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي وينام
(1) .
ومعتبرة ابن ابي عمير فان فيها قال ( عليه السلام ) : الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرتضع حتى يتضلع ويمتلي وينتهي نفسه
(2) .
الامر الثالث : ان اخواننا السنة نقلوا عن عائشة ما لا يمكن تصديقه .
قال ابن رشيد : وحديث عائشة في هذا المعنى أيضاً ، قالت كان في ما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهن في ما يقرأ من القرآن
(3).
وقال : ابو محمد بن حزم الاندلسي بسند يروى عن عائشة قالت : نزل القرآن ان لا يحرم الا عشر رضعات ، ثم نزل بعد وخمس معلومات .
هذا لفظ يحيى ابن سعيد ولفظ عبد الرحمن قالت : كان مما نزل من القرآن ثم سقط لا يحرم من الرضاع الاّ عشر رضعات ، ثم نزل بعد وخمس معلومات .
|
(1) الوسائل 14 : ح 11 باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع .
(2) الوسائل 14 : ح 2 باب 4 من ابواب ما يحرم بالرضاع .
(3) بداية المجتهد 2 : 227 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 53 ـ
وايضاً يروى بسند آخر عنها انها قالت : كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات يحرمن ، فتوفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهن مما يقرأ من القرآن (1).
وقال عبد الله بن قدامة وجه الاولى ما روي عن عائشة انها قالت : انزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس وصار الى خمس رضعات معلومات يحرمن ، فتوفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والامر على ذلك (2) .
ونقل جلال الدين السيوطي ذلك قال : واخرج مالك وعبد الرزاق عن عائشة قالت : كان في ما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهن في ما يقرأ من القرآن (3) .
|
(1) المحلى 10 : 197 .
(2) المغنى والشرح الكبير 9 : 193 .
(3) الدر المثور 2 : 135 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 54 ـ
ونقل ايضاً ان ابن ماجة عن عائشة قالت : نزلت آية الرجم ورضاعة الكبيرة عشراً ، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها
(1) .
لا شك ان موقف فقهاء الخاصة من هذه الروايات سلبي ، لانه يسند عن امرين على جانب من الخطورة ، ولا يمكن قبولها في حال من الاحوال .
الامر الاول : المس بكرامة السلف ، بل الطعن فيهم ، اذ كيف يترك من القرآن ما كان يقرأ منه ولا اثر له اليوم بين يدي المسلمين ، والى اي مدى بلغ اهمال الصحابة لما انزل على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى صار طعمة للدواجن واين كان كتاب الوحي عن ذلك ولماذا انحصرت الآية بورقة واحدة كانت تحت سرير عائشة ولم تتعدد نسخها ليكون المسلمون على علم بها كما جرت عليه العادة في عصر الرسول عندما ينزل شيء من الوحي ؟
قال ابن حزم الاندلسي في مقام دفع هذا الاشكال : . . . وقالوا ايضاً : قول الراوي فمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقرأ من القرآن قول منكر وجرأة على القرآن ولا يجوز لاحد القول بسقوط شيء من القرآن بعد موت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
|
(1) الدر المثور 2 : 135 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 55 ـ
فقلنا ليس كما ظننتم انما يعني قول عبد الله بن ابي بكر في روايته
(1) ولما ذكرتم .
ثم اي انه ( صلى الله عليه وسلم ) مات وكان مما يقرأ من القرآن بحروف الجر يبدل بعضها عن بعض ، ومما يقرأ من القرآن الذي بطل ان يكتب في المصاحف وبقى حكمه كآية الرجم سواء بسواء فبطل اعتراضهم المذكور
(2) .
اقول ان الاجابة على ذلك تأتي من وجوه :
الوجه الاول : ان ثبوت موضوع منسوخ التلاوة في القرآن كآية الرجم غير ثابت ، وقد تعرض له ذووا الاختصاص في مظانه من المصادر .
قال المحقق الاستاذ السيد الخوئي ( دام ظله الوارف ) في بيان : غير خفي ان القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والاسقاط وبيان ذلك : ان نسخ التلاوة هذا اما ان قد يكون وقع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واما ان يكون ممن تصدى للزعامة من بعده ، فإن أدار القائلون بالنسخ وقوعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهو امر يحتاج الى اثبات وقد اتفق العلماء اجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر واحد
(3) .
|
(1) مراده الرواية الثانية التي كان نقلناها عنه في ما تقدم .
(2) المحلى 10 : 192 .
(3) البيان في تفسير القرآن : 205 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 56 ـ
الوجه الثاني : لو فرضنا ان نسخ التلاوة ثابت فهو مما كان على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واما ما كان يقرأ من القرآن بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما نقل هو وغيره ـ فهو نص صريح بحدوثه بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكيف يقال انه من منسوخ التلاوة .
الوجه الثالث : اذا كانت الآية منسوخة التلاوة فلم يتعرض لها اصحاب النقل والحديث ، واذا كانت الآية من القرآن ولو من منسوخه فكيف خفيت على اكابر الصحابة وخواص الرسول والراوون عنه ، فهم لا يقولون باعتبار خمس رضعات ، بل يكفي عندهم طبيعي الرضاع كما نقل هو وغيره من السلف وارباب الجوامع .
وقال ايضاً ذهبت طائفة الى التحريم بما قل او كثر ولو بقطرة قد صح ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس في احد قوليه وروى عن علي بن ابي طالب ، وابن مسعود منقطعاً دونهما ، وعن جابر بن عبد الله كذلك ايضاً ، وصح عن سعيد بن المسيب في احد قوليه ، وصح ايضاً عن عطاء ، وعروة ، وطاووس ، وروي عن الحسن والزهري ، ومكحول ، وقتادة وربيعة ، والقاسم ، وسالم ، وقبيصة بن ذؤبب ، وهو قول ابي حنيفة ، ومالك ، والاوزاعي ، والليث بن سعد ، وسيفان الثوري
(1) .
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 57 ـ
فكيف كانت آية بالخمسة ، او العشرة وخفيت على السلف عبر القرون والاجيال ، ولم يتعرضوا لها ولو اشارة حتى جاء ابن حزم بعد اربعة قرون واكتشف ما غفل عنه السابقون ؟ !
ومن الغريب منه ايضاً انه يقول برضاع الكبير ، ويرى ان الرضاع بمفهومه اللغوي يقتضي ان يكون الارتضاع من الثدي مباشرة ومعناه انه يجوز ان يرتضع شاب بالغ الرشد من ثدي امرأة اجنبية كأخوات عائشة وبنات اخيها كما هو مفاد ما نقله : فأخذت بذلك عائشة ام المؤمنين في من كانت تحب ان يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر اختها ام كلثوم وبنات اخيها يرضعن من احبت ان يدخل عليها من الرجال
(1) .
فهو يرى جواز ارتضاع البالغ الرشيد من ثدي أمرأة اجنبية خمس رضعات ، ولعله بمقدار يدخل الجوف ويفتق الامعاء كما ينقل ذلك ايضاً عن ابي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من انه لا يحرم من الرضاع الا ما فتق الامعاء
(2) .
|
(1) المحلى 10 : 205 بيروت دار الكتب العلمية .
(2) المحلى 10 : 192 بيروت دار الكتب العلمية .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 58 ـ
والاغرب من ذلك انه ينقل اشكالاً على ما اختاره وارتأهُ ويرد عليه بما يضحك الثكلى .
فقد قال : وقال بعض من لا يخاف الله تعالى فيما يطلق به لسانه كيف يحل للكبير ان يرضع ثدي امرأة اجنبية ؟
قال ابو محمد : هذا اعتراض مجرد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي امر بذلك والقائل بهذا لا يستحي من ان يطلق : ان للمملوكة ان تصلي عريانة يرى الناس ثدييها وخاصرتها ، وان للحرة ان تتعمد ان تكشف من شفتي فرجها مقدار الدرهم البغلى تصلي كذلك ويراها الصادر والوارد بين الجماعة في المسجد وان تكشف اقل من ربع بطنها كذلك ، ونعوذ بالله من عدم الحياء وقلة الدين
(1) .
ان الانسان ليحار فيما يريد ان يقول حول هذه الآراء السخيفة التي تجانب العلم والحق ، وتتنافى مع ابسط مفاهيم الخلق من الغيرة والعفة ومبادئ الشريعة المقدسة .
اللهم ان هذا بهتان عظيم يقصد منه الاساءة الى التراث العلمي والدين الاسلامي الحنيف والمشرع الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على لسان زوجته ام المؤمنين .
|
(1) المحلى 10 : 211 بيروت دار الكتب العلمية .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 59 ـ
اللهم اعصمنا من الزلل ، ووفقنا للتمسك بسيرة الصفوة المنتخبة الطاهرة أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) الذين نزهتهم عن الرجس وطهرتهم تطهيراً .
الامر الثاني : هو القول بتحريف القرآن خصوصاً بالنسبة الى آيات الاحكام وهو ما ينفيه المسلمون كافة على اختلاف مذاهبهم من مثل رجال الفقه والحديث .
ومجمل القول ان مثل تلك الاحاديث غير مقبولة عند الثقات والثبات من رجال العلم والتحقيق .
وقد انكر أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) القول بالخمس ، بل العشر وردّوا الامة الى كتاب الله والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والى السنة النبوية الثابتة التي خلت من الوضع والتحريف ، كما هو صريح قوله ( عليه السلام ) في جواب ابن زرارة : دع ذا ، الحديث المتقدم .
فالاعتماد على مثل هذا النمط من الاحاديث غير صحيح وقد ورد عن أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) ان الرشد في خلافهم ، وذلك لسببين واضحين :
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 60 ـ
الاول : ان بعض الرواة ليسوا من اهل الضبط والتحقيق ومعرفة الصحيح والسقيم ، وربما كان البعض امياً يعتمد على الحافظة مثلاً ، وهي تخون في كثير من الاحوال .
الثاني : وجود بعض الوضاعين وذوي العداء والاغراض الذين يهتفون الى التشويش والهدم ممن دخل الاسلام خوفاً او طمعاً ، وعمل على ايجاد الوهرة وايقاع الضلال ، فالاعتماد على كل ما ورد من الاحاديث دون الفحص والتمييز ليس من المقبول عند اهل العلم والمعرفة .
وعليه فمعرفية العشر مما لا يمكن مساعدتها الا اذا علم بوجه اليقين وحسب القرائن المثبتة انه انبت اللحم وشد العظم كما اذا ارتضع الصبي عشر رضعات متواليات على نحو الاكمال والاشباع ولم يفصل بينهما بشيء من المأكول والمشروب من لبن غير المرضعة ، وبهذه القيود يوافق عشر رضعات بحسب الخارج المقدر الزماني ، اعني رضاع اليوم والليلة ، فإن الصبي لا يرتضع في اليوم والليلة بحسب المتعارف اكثر من عشر رضعات خصوصاً في بعض الايام من عمره .
وعلى هذا يخرج العشر في كونه معرفاً في المقابل المقدر الزمني .
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 61 ـ
القول بلزوم الارضاع يوم وليلة :
يدل على اعتباره صحيح زياد ابن سوقة فإن فيه : قال : قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) : هل للرضاع حد يأخذ به ؟
فقال : لا يحرم الرضاع اقل من يوم وليلة . . . الحديث
(1) ، ويؤيده مرسل المقنع المتقدم ذكره .
ثم ان المنساق من الدليل المذكور كون ما يرتضعه الطفل في مدة اليوم والليلة كان غذاؤه الوحيد ولا ياكل ولا يشرب ولا يرضع من امراة اخرى ما يكون غذاء له ، نعم لا بأس بالاكل والشرب بما لا يصدق الاغتذاء به ، كما لا يضر شرب الماء والدواء وما يلحق بهما .
ويؤيد هذا المعنى موثق موسى بن بكير عن ابي الحسن ( عليه السلام ) قال : قلت له : ان بعض مواليك تزوج الى قوم فزعم النساء ان بينهم رضاعاً .
قال : اما الرضعة والرضعتان والثلاثة فليس بشيء ، الا ان تكون ظئراً ، مستأجرة مقيمة عليه
(2) .
|
(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(2) التهذيب 7 : ح 1335 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 62 ـ
القول بلزوم الارضاع خمسة عشر مرة :
ويدل على اعتباره صحيح زياد بن سوقة ، فان فيه فقال : لا يحرم الرضاع اقل من يوم وليلة ، او خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها . . .
(1) .
ولكن يعارضه موثق عمر بن يزيد قال : سمعت ابا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : خمس عشرة رضعة لا تحرم
(2) .
ويحتمل في توجيه هذا الموثق وجوه :
الوجه الاول : الحمل على الرضعات المتفرقة وهو مقتضى الجمع الدلالي بينه وبين الصحيح المتقدم فانه اخص منه لكونه بالتوالي ، وهذا الموثق مطلق فيقبل التقييد .
وحمله الشيخ الطوسي ( قده ) على كون الرضعات متفرقات من نساء شتى
(3) .
الوجه الثاني : الحمل على الانكار يعني : كيف لا تحرم خمسة عشر رضعة ؟
|
(1) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 1 .
(2) الوسائل 14 : باب 2 من ابواب ما يحرم بالرضاع ح 6 .
(3) التهذيب 7 : ح 1301 .
|
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 63 ـ
الوجه الثالث : الحمل على التقية احتمله صاحب الوسائل .
وفيه تأمل : لعدم وجود قول من اخواننا السنة بان خمسة عشر لا تحرم حتى وافقهم الامام ( عليه السلام ) على ذلك ، كما ان احتمال الثاني خلاف الظاهر لحاجته الى التقدير والتأويل ، وأن كان له وجه حيث ينقل الراوي عن السماع ، ولعل كان في المجلس من كان لا يرى ان مثل خمس عشرة رضعة تنبت اللحم والعظم بمقدار يعتد به ويكون موجباً لنشر الحرمة فانكر الامام ( عليه السلام ) عليه ذلك .
وعليه فالاصح هو الحمل الاول ، مع ان خمس عشرة رضعة متواليات تنبت اللحم وتشد العظم ، وتكون بحسب والمتعارف المقدر الزماني الذي يرتضع فيه الصبي العدد المذكور اطول من اليوم والليلة فلا ينبغي الشك في ان عنوان خمس عشرة رضعة من المعرفات والحدود التي يتحقق بها موضوع الرضاعة ، والظاهر انه مما لا خلاف فيه ، وانما الخلاف في الكتفاء بالاقل .
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 64 ـ
معنى التوالي في الارضاع :
وقع الخلاف في ان اعتبار التوالي الوارد في الصحيح المتقدم مختص بعدم الفصل بين الرضعات بالرضاع من إمرأة اخرى ، او انه معتبر مطلقاً فلا يجوز الفصل ولو كان من المأكول والمشروب ؟
وتحقيق الحال يتوقف على دراية قوله ( عليه السلام ) ، او خمس عشرة رضعة متواليات من إمرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة إمرأة أخرى .
قال الشيخ يوسف البحراني ( قده ) في بيان معنى التوالي ما هذا لفظه : وثانيهما : في توالي الرضعات وفسر بانفراد المرأة الواحدة باكمال العدد فلو رضع من امرأة بعض العدد المحرم واكمله من اخرى لم ينشر الحرمة .
ونسب في التذكرة القول بعدم نشر الحرمة في هذه الصورة الى علمائنا مؤذناً بدعوة الاجماع عليه .
ويدل عليه ما تقدم من قوله ( عليه السلام ) في موثقة زياد بن سوقة او خمس عشرة رضعات متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد . . . الى ان قال : وفسر ايضاً بان لا يفصل بين العدد المذكور رضاع امرأة اخرى ، وان اكملت الاولى العدد .
الرضاع في الفقه الاسلامي
ـ 65 ـ
وعليه ايضاً يدل الخبر المذكور ، بل ربما كان هو الاظهر من لفظ التوالي فإن المفهوم منه هو حصول العدد المذكور من امرأة واحدة من غير فصل بين افراده برضاع امرأة اخرى
(1) .
اقول : لا كلام في دلالة الرواية على اعتبار التوالي في التفسير الاول يعني اعتبار صدور جميع الرضعات المذكورة من امرأة واحدة ، فلو ارضعت بعض العدد من الرضعات امرأة اخرى لا ينشر الحرمة .
وانما الكلام فيما لو اكملت العدد امرأة واحدة ولكن تخلل الفصل بينهما .
فتارة يكون الفصل برضاع امرأة اخرى : ففي هذه الصورة قالو بعدم النشر كما هو المنصوص المصرح به في الرواية ، وهذا ايضاً مما لا كلام فيه ولا خلاف .
واخرى يكون الفصال بالمأكول والمشروب بما يكون اغتذاءً للصبي .
فقد ذهب جماعة الى عدم قدح التخلل بالمأكول والمشروب وان طالت المدة وقد ادعي عليه الاجماع .