محمد بن علي الزينبي ، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزيّة بمكّة حرسها الله تعالى ، عن أبي علي زاهر بن أحد ، عن معاذ بن يوسف الجرجاني ، عن أحمد بن محمد ابن غالب ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن نمير ، عن مجالد ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج أعرابي من بني سليم يتبدّى في البريّة ، فإذا هو بضبّ قد نفر من بين يديه ، فسعى وراءه ، حتى اصطاده ، ثمّ جعله في كمّه ، وأقبل يزدلف نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى أن قال ـ فقال : من يزوّد الأعرابي ، وأضمن له على الله عز وجل زاد التقوى .
قال : فوثب إليه سلمان الفارسي فقال : فداك أبي وأمّي وما زاد التقوى ؟
قال : يا سلمان ، إذا كان آخر يوم من الدنيا ، لقّنك الله عزّ وجلّ قول : شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ، فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك ، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبداً .
قال : فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ، يجد عندهنّ شيئاً ، فلمّا أن ولّى راجعاً نظر إلى حجرة فاطمة عليها السلام .
فقال : إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآل وسلم ، فقرع الباب : فأجابتة من رواه الباب : من بالباب ؟ فقال لها : أنا سلمان الفارسي .
فقالت له : يا سلمان ! وما تشاء ؟ فشرح قصّة الأعرابي والضبّ مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قالت له : يا سلمان ! والذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحقّ نبيّاً إنّ لنا ثلاثاً ما طعمنا ، وإنّ الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع ، ثمّ رقداكأنّهما فرخان منتوفان ، ولكن لا أردّ الخير ( إذا نزل الخير ببابي ) يا سلمان ، خذ درعي هذا ، ثمّ امض به إلى شمعون اليهودي ، وقل له : تقول فاطمة بنت محمد : أقرضني عليه صاعاً من تمر وصاعاً من شعير أردّه عليك إن شاء الله تعالى .
قال : فأخد سلمان الدرع ، ثمّ أتى به إلى شمعون اليهودي ،
قال : فأخذ شمعون الدرع ، ثمّ جعل يقلّبه في وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول : يا سلمان ! هذا هو الزهد في الدنيا ، هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فأسلم وحسن إسلامه .
ثمّ دفع إلى سلمان صاعاً من تمر ، وصاعاً من شعير ، فأتى به سلمان إلا فاطمة عليها السلام ،
الاسرار الفاطمية
_ 346 _
فطحنته بيدها ، وأختبزته ، ثمّ أتت به إلى سلمان ، فقالت له : خذه وامض به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
قال : فقال لها سلمان : يا فاطمة ، خذي منه قرصاً تعلّلين به الحسن والحسين ، فقالت : يا سلمان ، هذا شيء أمضيناه لله عز وجل لسنا نأخذ منه شيئاً .
قال : فأخذه سلمان ، فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سلمان قال له : يا سلمان ، من أين لك هذا ؟ قال : من منزل بنتك فاطمة .
قال : وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يطعم طعاماً منذ ثلاث .
قال : فوثب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ورد إلى حجرة فاطمة ، فقرع الباب ، وكان إذا قرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الباب لا يفتح له الباب إلى فاطمة ، فلمّا أن فتحت له الباب ، نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صفار وجهها وتغيّر حدقتيها ، فقال لها : يا بنيّة ، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغيّر حدقيت ؟ فقالت : يا أبة ، إن لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً ، وإن الحسن والحسين قد اضطربا عليّ من شدّة الجوع ، ثمّ رقدا كأنّهما فرخان منتوفان .
قال : فأنبههما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاخذ واحداً على فخذه الأيمن ، والآخر على فخذه الأيسر ، وأجلس فاطمة عليها السلام بين يديه واعتنقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ودخل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فاعتنق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ورائه ، ثم رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طرفه نحو السماء فقال : إلهي وسيّدي ومولاي ، هؤلاء أهل بيتي ، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً !
قال : ثمّ وثبت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت إلى مخدع لها ، فصفّت قدميها ، فصلّت ركعتين ثمّ رفعت باطن كفّيها إلى السماء وقالت :
إلهي وسيدي ، هذا محمد نبيّك ، وهذا عليّ ابن عمّ نبيّك ، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيّك ، إلهي أنزل علينا مائدة ( من السماء ) كما أنزلتها على بني إسرائيل ، أكلوا منها وكفروا بها ، اللهم أنزلها علينا فإنّا بها مؤمنون .
قال ابن عباس : ـ والله ـ ما استتمّت الدعوة ، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها ، وإذا قتارها (1) أزكى من المسك الأذفر ، فاحتضنتها .
ثمّ أتت بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي والحسن والحسين ، فلمّا أن نظر إليها علي بن أبي
---------------------------
(1) القتار : هو ريح القدر والشواء ونحوهما ( النهاية : 4 | 12 ) .
الاسرار الفاطمية
_ 347 _
طالب عليه السلام قال لها : يا فاطمة ، من أين لك هذا ؟ ولم يكن أجد عندك شيئاً !
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كل يا أبا الحسن ، ولا تسأل ، الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولداً ، مثلها مثل مريم بنت عمران ( كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب ) (1) .
قال : فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ والحسن والحسين ، وخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، الحديث (2) .
وعن عبيد بن كثير ـ معنعنا ـ عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم فقال : يا فاطمة ! هل عندك شيء تغذينه ؟ قالت : لا ، والذي اكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمنا مذ يومين إلاّ شيء كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين عليهما السلام .
فقال علي عليه السلام : يا فاطمة ! إلاّ كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً ؟
فقالت : يا أبا الحسن ! أني لأستحي من الهي ان اكلف نفسك ما لا تقدر عليه .
فخرج علي بن ابي طالب عليه السلام من عند فاطمة عليها السلام واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي بن ابي طالب عليه السلام يريد ان يبتاع لعياله ما يصلحهم ، فتعرض له المقداد بن الاسود في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي بن أبي طالب عليه السلام انكر شأنه ، فقال : يا مقداد ! ما ازعجك هذه الساعة من رحلك ! قال : يا أبا الحسن خلي سبيلي ولاتسألني عما ورائي .
فقال : يا اخي انه لا يسعني ان تجاوزني حتى اعلم علمك .
فقال : يا أبا الحسن ! رغبة إلى الله واليك ان تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي ، فقال
---------------------------
(1) آل عمران : 37 .
(2) البحار : 43 | 69 ، وقد قال في البحار بعد هذه الرواية : أقول : وجدت هذا الحديث في كتاب قديم من مؤلفات العامّة ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي الطرشيشي ببغداد سنة 84 ، قال : حدّثتنا كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزي بمكّة حرسها الله بقراءتها علينا في المسجد الحرام في ذي الحجة 431 ، قالت : أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه ـ الخ ، يراجع البحار ، ورواه في مقتل الحسين : 1 | 71 ، وفي نزهة المجالس : 1 | 224 ( نحوه ) ، عنه الإحقاق : 10 | 318 ، المستدرك : 10 | 310 ح 1 ( قطعة ) .
الاسرار الفاطمية
_ 348 _
له : يا اخي انه لا يسعك ان تكمي حالك .
فقال : يا أبا الحسن ! اما اذا ابيت فو الذي اكرم محمدا بالنبوة ، واكرمك بالوصية ، ما ازعجني من رحلي ، إلاّ الجهد ، وقد تركت عيالي يتضرعون جوعا ، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالي وقصتي ، فانهملت عينا ، علي عليه السلام بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته ، فقال له : احلف بالذي حلفت ، ما ازعجني إلاّ الذي ازعجك من وحلك ، فقد استقرضت ديناراً ، فقد آثرتك على نفسي ، فدفع الدينار إليه ، ورجع حتى دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب .
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب مر بعلي بن ابي طالب عليه السلام وهو في الصف الأوّل ، فغمزه برجله ، فقام علي عليه السلام متعقبا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه السلام .
فقال : يا أبا الحسن ! هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا ، حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يعلم ما كان من امر الدينار ومن اين اخذه ، واين وجهه ، وقد كان اوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب عليه السلام .
فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سكوته ، فقال : يا أبا الحسن ! مالك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك ؟ فقال ـ حياء وتكرما ـ : فاذهب بنا ؟ فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يد علي بن ابي طالب عليه السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في مصلاها قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحلها ، خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت اعز الناس إليه ، فرد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومسح على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ! كيف امسيت رحمك الله .
قالت : بخير ، قال عشينا غفر الله لك ، وقد فعل ، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن ابي طالب عليهما الصلاة والسلام .
فلما نظر علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الجفنة والطعام وشم ريحه ، رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا (1) قالت : له فاطمة سبحان الله ، ما اشح نظرك واشده ! هل اذنبت فيما بيني
---------------------------
(1) قوله : رميا شحيحا ، الشح : البخل مع حرص ، وهو لا يناسب المقام إلاّ بتكلف .
ويحتمل ان يكون اصله سحيحا ، بالسين المهملة من السح بمعنى : السيلان ، كناية عن المبالغة في النظر والتحديق بال بالبصر وعلى ما في النسخ يحمتل ان يكون من الحرص كناية عن المبالغة في النظر ، او البخل كناية عن النظر بطرف البصر على وجه الغيظ .
الاسرار الفاطمية
_ 349 _
وبينك ذنبا استوجبت به السخطة؟! قال : وأي ذنب أعظم من ذنب اصبته ، اليس عهدي اليك اليوم الماضي وانت تحلفين بالله مجتهدة ، ماطعمت طعاما مذ يومين ؟ قال : فنظرت إلى السماء ، فقالت : الهي يعلم في سمائه ويعلم في ارضه اني لم أقل إلاّ حقاً .
فقال لها : يا فاطمة ! انى لك هذا الطعام الذي لم انظر إلى مثل لونه قط ، ولم اشم مثل ريحه قط ، ومالم آكل اطيب منه قط ؟ قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن ابي طالب عليه السلام ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ! هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب .
ثم استعبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي هو ابي لكم ان تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي ، مجزى زكريا ، ويجزى فاطمة مجزى مريم بنت عمران ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) (1) .
* وروي عن يوسف بن يحيى ، عن ابيه ، عن جده ، قال : رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن ، وخلق غابر ، وهو ينادي ، أيها الناس ، دلوني على اولاد محمد ، فأشار إليه بعضهم وقال : مالك ؟ قال : انا فلان بن فلان .
قالوا : كذبت ان فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه ، وانت شديد السواد غابر الخلق .
قال : وحق محمد اني لفلان ، اسمعوا حديثي .
اعلموا اني كنت جمال الحسين ، فلما ان صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وانا معه فرأيت تكة لباسه وكان اهداها ملك فارس حين تزوج بنت اخيه شاه زنان بنت يزدجود ، فمنعني هيبة أسألها اياه ، فدرت حوله لعلي اسرقها ، فلم اقدر عليها .
فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ، وصارت ابدانهم ملقاة تحت سنابك
---------------------------
(1) كشف الغمة : 1 | 469 ، أمالي الطوسي : 2 | 228 ، عنها البحار : 43 | 59 ح 51 .
تأويل الايات : 1 | 108 ح 15 ، والبحار : 96 | 147 ح 25 ، واخرجه في ذخائر العقبى : 45 ، وكفاية الطالب : 367 وينابيع المودة : 199 ، ملخصا عن الاربعين الطوال الدمشقي ، ورواه في أهل البيت : 122 ، والاحقاق : 10 | 323 وج 19 | 120 ، ورواه في المعيار والموازنة : 236 ، وتوضيح الدلائل عنهما الاحقاق : 18 | 50 .
الاسرار الفاطمية
_ 350 _
الخيل ، اقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما ان صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا ماعنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه فاذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه من القفا وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فممدت يدي إلى التكة وهممت ان احل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت اوصالي وعروقي تتقطع ، ثم اخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لازيل اصبعا من اصابعه ، فلم اقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت اصابعه ثم مددت يدي إلى التكة، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت خيلا اقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم اشم رائحة اطيب منها ، فلما رأيتهم قلت : انا الله وانا إليه راجعون ، انما اقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل انسان به رمق ( فيجهزوا عليه ) .
فصرت بين القتلى ، وغاب غني عقلي من شدة الجزع ، فاذا رجل يقدمهم ـ كان وجهه الشمس ـ وهو ينادي : انا محمد رسول الله ، والثاني ينادي : انا حمزة اسد الله ، والثالث ينادي : انا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : انا الحسن بن علي ، وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ، ابكي على رأسك المقطوع ، ام على يديك المقطوعتين ، ام على بدنك المطروح ، ام على اولادك الاسارى ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كفي النبي ، فوضعه على بدن الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى ـ فذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ : فقال : ياعدو الله ! ما حملك على قطع اصابع حبيبي وقرة عيني الحسين ـ إلى ان قال : ـ ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اخسأ ياعدوا الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فاذا انا بهذه الحالة (1) .
* وروي ان رجلا كان محبوسا بالشام مدة طويلة مضيقاً عليه ، فرأى في منامه كان الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت : ادع بهذا الدعاء ، فتعلمه ودعا به فتخلص ورجع إلى منزله وهو : اللهم بحق والعرش ومن علاه ، وبحق الوحي ومن اوحاه ، وبحق النبي من نباه ، وبحق البيت ومن بناه ، ويا سامع كل صوت ، ويا جامع كل فوت ،
---------------------------
(1) مدينة المعاجز : 239 .
الاسرار الفاطمية
_ 351 _
يا بارىء النفوس بعد الموت ، صل على محمد وأهل ابيته ، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها فرجا من عند ، عاجلا بشهادة إن لا إله إلاّ الله ، وان محمدا عبدك وروولك ، صلى الله عليه وعلى ذريته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما
(1) .
وفي جواهر العقدين للشريف السمهودي المصري من العجائب ان ابا الحسن نصر بن عيين الشاعر توجه إلى مكة المعظمة ومعه متاع ومال ، فخرج عليه بعض الاشراف من بني داود المقيمين بوادي الصغرى فأخذوا ما كان معه وجرحوه فكتب قصيدة إلى الملك ، الناصر ان يذهب بالساحل ويفتحه من ايدي الافرنج القصيدة هذه :
أغـنت صفاتك ذاك المصقع iiالسنا جزت بالجود حد الحسن iiوالمحسنا ولا تـقل سـاحل الافرنج iiاقتحمه فـما يـساوي اذا قـاسيته iiعـدنا طـهر سـيفك بيت الله من iiدنس ومـا احـاط بـه من خسة iiوخنا ولا تـقـل انـهم اولاد iiفـاطمة لو ادركوا آل حرب حاربوا الحسنا |
فلم اتم هذه القصيدة رأى في النوم فاطمة عليها السلام وهي تطوف بالبيت فسلم عليها فلم تجبه ، فتضرع اليها وتذلل عندها وسألها عن ذنبه الذي أوجب ذلك ، فانشدت فاطمة عليها السلام هذه القصيدة :
---------------------------
(1) البحار : 89 | 365 ح 59 ، البلد الامين : 523 ، الجنة الواقية : 179 .
الاسرار الفاطمية
_ 352 _
حـاشـا بـني فـاطمة كـلهم مـن خـسة يعرض او من iiخنا وانـمـا ايــام فـي غـدرها وفعلها السوء اساءت بنا لئن جنا مـــن ولـــدي iiواحــد تـجعل كـل الـسب عمدا iiلنا فـتب إلـى الله فـمن iiيقترف اثـما بـنا لا يـأمن مـما جنا فـاصفح لاجل المصطفى احمد ولا تـثـر مـن آلـه iiاعـينا فـكل مـا نـالك مـنهم iiغـدا تـلقى بـه فـي الحشر iiمنامنا |
ثم صب بيدها المباركة المكرمة المقدسة شيئا شبه الماء على جرحه ، ثم ايقظ من منامه فرأى ان جراحته التي كانت في بدنه صارت ملتئمة صحيحة ، فكتب فورا قصيدة فاطمة صلى الله عليها السلام التي انشدتها في رؤياه ، ثم قال معتذرا :
عذر إلى بنت نبي iiالهدى تصفح عن ذنب محب جنا وتـوبة تـقبلها عن iiاخي مـقالة تـوقعها في iiالعنا والله لـو قـطعني iiواحد منهم بسيف البغي او iiبالقنا لــم اره بـفعله iiظـالما بـل انـه في فعله iiاحسنا |
فكتب هذه الحكاية إلى ملك اليمن فارسل الملك الهدايا الكثيرة لهذه الاشراف وأهل مكة وهذه القصيدة مشهورة بين الناس ومسطورة في ديوان ابن عيين
(1) .
* وروي أن عليا عليها السلام أستقرض من يهودي شعيرا ، فاسترهنه شيئا فدفع إليه ملاءة
(2) فاطمة ، رهنا ، وكانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في البيت .
فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل ، فرأت نوراً ساطعاً في البيت أضاء به كله فانصرفت إلى زوجها ، فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءاً عظيماً فتعجب اليهودي من ذلك وقد نسي ان في بيته ملاءة فاطمة .
فنهض مسرعاً ودخل البيت فاذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير ، يلمع من قريب فتعجب من ذلك ، فأنعم النظر في موضع الملاءة ، فعلم ان ذلك النور من ملاءة فاطمة عليها السلام ، فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه وزوجته تعدوا إلى أقربائها
---------------------------
(1) ينابيع المودة : 367 .
(2) الملاءة ـ بالضم والمد ـ : الازار والريطة .
الاسرار الفاطمية
_ 353 _
فاجتمع ثمانون من اليهود فرأوا ذلك فأسلموا كلهم
(1) .
* وعن سلمان الفارسي : انه لما استخرج امير المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه لا نشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسي ، ولأصرخن إلى الله ، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي ، قال سلمان : فرأيت والله اساس حيطان المسجد تقلعت من اسفلها ، حتى لو اراد الرجل ان ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت : يا سيدتي ومولاتي : ان الله تبارك وتعالى بعث اباك رحمة فلاتكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في غياشيمنا
(2) .
اخلاقها عليها السلام
تجدست في شخصية فاطمة عليها السلام مختلف ابعاد الاخلاق الاسلامية التي دعت واكدت عليها التعاليم القرآنية ، ولقد ضربت المثل الاعلى للمرأة المؤمنة الكاملة ، وهذا مانراه واضحا ، وجليا من خلال استقراء سيرتها عليها السلام وفي مختلف الابعاد الانسانية ، فقد ورد عن علي عليه السلام قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : اخبروني أي شيء خير للنساء ؟ فعيينا بذلك حتى تفرقنا ، فرجعت إلى فاطمة ، فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس أحد منا علمه ، ولاعرفه .
قالت : ولكني أعرفه : خير للنساء ان لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله ، سألتنا : أي شيء خير للنساء ؟ وخيرهن ان لايرين الرجال ولايراهن الرجال ، قال : من اخبرك ، فلم
تعلمه وأنت عندي ؟ قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال ان فاطمة بضعة مني
(3) .
---------------------------
(1) المناقب : 3 | 117 ، والخرائج والجرائح : 357 ح 13 .
(2) المناقب : 3 | 118 .
(3) كشف الغمة : 1 | 466 ، مقتل الخوارزمي : 1 | 62 ، حلية الأولياء : 2 | 40 أرجح المطالب : 244 ، اسعاف الراغبين : 187 .
الاسرار الفاطمية
_ 354 _
أقول : والذي يظهر من هذه الاحاديث ان فاطمة حددت الضابطة الكلية التي فيها خير المرأة والصلاح لها في الحياة الدنيا والاخرة ذلك هو ان لا يرى المراة رجل ولاترى رجل ، وفي أمر ورد ايضا عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام استأذن
أعمى على فاطمة عليها السلام فحجبته .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها : لم حجبته وهو لا يراك ؟
فقالت عليها السلام : ان لم يكن يراني فأني أراه ، وهو يشم الريح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد انك بضعة مني (1) .
وسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عن المرأة ، ماهي ؟ قالوا : عورة : قال فمتى تكون أدنى من ربها ؟ فلم يدروا ، فلما سمعت فاطمة عليها السلام ذلك قالت : أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن فاطمة بضعة مني (2) .
أقول : يظهر من هذا الحديث ان الرسول سأل اصحابه ولم يكن فيهم علي عليه السلام ، وهذا معارض للحديث الأوّل من حيثية وجود علي عليه السلام ، فالحديث الأوّل بين ان الإمام علي يعرف جواب السؤال الذي سأله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا مخالف لكثير من الاحاديث التي تبين مقام علي عليه السلام العلمية ولذا سيكون من حيث الدلالة الحديث الاخير الذي قدمناه وهو الاصح ، وإلاّ لو كان علي عليه السلام حاضرا لأجاب على سؤال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة نحن نعلم ان علي عليه السلام وفاطمة احدهما كفوا للاخر في كل الأمور التي أقرأتها الاحاديث التي وردت عن
السان المعصومين عليهم السلام .
وأعطي لك شاهداً واحداً من خلال استقراء احاديث العلماء والصالحين في قضية اخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام تاركا لك مراجعة أقوال الاخرين فضلا عن احاديث أهل البيت الذي هي بحر عميق لمن اراد الغوص فيه واستخراج الدرر المتناثرة فيه ، ومن هذه الاقوال (3) .
لم تكن الزهراء امراة عادية كانت امرأة روحانية امرأة ملكوتية ... كانت انسانا بتمام معنى الكلمة نسخة انسانية متكاملة ... امرأة حقيقية كاملة ... حقيقة الإنسان الكامل ، لم امراة عادية ، بل هي كائن ملكوتي تحلى في الوجود بصورة
---------------------------
(1) نوادر الراوندي : 13 .
(2) البحار : 43 | 92 .
(3) المرأة في فكر الإمام الخميني : 23 ـ 24 .
الاسرار الفاطمية
_ 355 _
انسان ... بل كائن الهي جبروتي ظهر على هيئة امرأة ... فقد اجتمعت في هذه المرأة جميع الخصال الكمالية المتصورة للانسان وللمرأة .
انها المرأة التي تتحلى بجميع خصال الانبياء ... المرأة التي لو كانت رجلا لكانت نبيا ... لو كانت رجلا
لكانت بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
غدا يوم المرأة حيث ولدت جميع ابعاد منزلتها وشخصيتها ، غدا ذكرى مولد كائن الذي اجتمعت فيه المعنويات ، والمظاهر الملكوتية ، والالهية والجبروتية والملكية والانسية ، غدا ميلاد الإنسان لجميع الانسانية من معنى ، غدا ميلاد امرأة بكل ما تحمله كلمة ( المرأة ) من معنى ايجابي .
ان المرأة تتسم بأبعاد مختلفة كما هو الرجل ، وان هذا المظهر الصوروي الصبيعي يمثل ادنى مراتب المرأة ، وادنى مراتب الرجل ، بيد ان الإنسان يسمو في مدارج الكمال انطلاقا من هذه المرتبة المتدنية ، فهو في حركة دؤوبة من مرتبة الطبيعة إلى مرتبة الغيب ، إلى الفناء في الالهية وان هذا المعنى متحقق في الصديقة الزهراء ، التي انطلقت في حركتها من مرتبة الطبيعة وطوت مسيرتها التكاملية بالقدرة الالهية ، بالمدد الغيبي وبتربية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتصل إلى مرتبة دونها الجميع .
امرأة هي مغفرة بيت النبوة وتسطع كما تسطع الشمس في جبين الاسلام العزيز ، امرأة تماثل فضائلها الرسول الاكرم والعترة الطاهرة غير متناهية ... امراة لا يفي حقها من الثناء كل من يعرفها مهما كانت نظرته ، ومهما ذكر لأن الاحاديث التي وصلتنا عن بيت النبوة هي على قدر أفهام المخاطبين ، واستيعابهم فمن غير الممكن صب البحر في جرة ، ومهما تحدث عنها الاخرون فهو على قدر فهمهم ولا يضاهي منزلتها .
اذن فمن الاولى ان نمر سريعا من هذا الوادي العجيب .
وكانت الصديقة فاطمة عليها السلام عادية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، فمتى ما كانت تقوم في محرابها بين يدي الله تعالى ، زهر عند ذلك نورها لملائكة السماوات والأرض كما نير هو نور الكواكب لأهل الأرض (1) ، وروت هي سلام الله عليها انها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ان في الجمعة لساعة لا يراقبها رجل مسلم يسأل الله عزوجل فيها خيرا إلاّ اعطاه اياه ، فقلت : يا رسول الله أي ساعة هي ؟ قال اذا تدلى
---------------------------
(1) امالي الصدوق : 394 ح 18 بشارة المصطفى : 218 .
الاسرار الفاطمية
_ 356 _
نصف عين الشمس للغروب .
لذا نجدها سلام الله عليها كانت تقول لغلامها اصعد على الظراب فاذا رأيت نصف عين الشمس قد تدلى للغروب فاعلمني حتى ادعوا ولذلك نجد في كتب الادعية والزيارة استحباب قراءة دعاء السمات اخر ساعة من يوم الجمعة تأسيا بما ورد عن لسان فاطمة عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وورد عن الإمام الحسن عليها السلام انه قال : رأيت أمي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى انصع عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين وتسميهم وتكثر الدعاء لهم ولاتدعو لنفسها بشيء فقلت لم لهذا يا اماه ، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟ فقالت : يا بني الجار ثم الدار (1) ، واخيرا قول الحسن البصري الذي قال في حقها عليها السلام : ( ما كان في هذه الأمة اعبد من فاطمة عليها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها ) (2) .
---------------------------
(1) علل الشرايع : 1 | 181 ح 1 ، دلائل الإمامة (56) .
(2) المناقب : 3 | 119 ، ربيع الابرار : 2 | 104 .
الاسرار الفاطمية
_ 357 _
المستوى الثالث : المعرفة العلمية والفكرية لها عليها السلام
ألا هـل إلـى طول الحياة iiسبيل وأنـى وهـذا الموت ليس يحول واني وان اصبحت بالموت iiموقنا فـلي امـل من دون ذاك iiطويل ولـلدهر الـوان تروح iiوتغتدي وان نـفـوسا بـيـنهن iiتـسيل ومـنزل حـقّ لا مـعرج iiدونه لـكل امـريء مـنها إليه iiسبيل قـطعت بـأيام الـتعزز ذكـره وكـل عـزيز مـاهناك iiذلـيل ارى عـلل الـدنيا عـلي iiكثيرة وصـاحبها حـتى الممات iiعليل واني وان شطت بي الدار iiنازحا وقـد مـات قبلي بالفراق iiجميل وقد قال في الامثال في البين قائل اضـرّ بـه يـوم الفراق iiرحيل لـكلّ اجـتماع من خليلين iiفرقة وكـل الـذي دون الـفراق iiقليل وان افـتقادي فـاطما بعد iiاحمد دلـيل عـلى ان لايـدوم iiخليل وكيف هناك العيش من بعد iiفقدهم لـعمرك شيء ما إليه سبيل (1) ii ولـيس جـليلا رزء مالٍ iiوفقده ولـكن رزء الاكـرمين iiجـليل |
يتساوى النساء في الحقوق والجواجبا من جهة التشريع الاسلامي ومنطلقاته الاصلية ، فهم سواسية كأسنان المشط في المظهر الخارجي ، ولكن من حيث حقيقة وجوهر كل انسان تختلف من شخصية إلى اخرى ، وقديما قيل : الناس مخابر ، وليسوا بمناظر أي الإنسان بجوهره وحقيقته ، وذلك ان المخبر بكشف عن سلوك الإنسان ويبدو على سيرته الذاتية بشكل واضح لا لبس فيه ... فما أضمر ابن ادم شيئا الا وظهر
---------------------------
(1) البحار : ج 43 | ص 216 ، عن الديوان المنسوب لأمير المؤمنين انشدها بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام ولم يذكر الجامع للديوان المنسوب لامير المؤمنين عليه السلام من هذه القصيدة سوى ثلاثة ابيات فقط .
الاسرار الفاطمية
_ 358 _
على فلتات لسانه وصفحات وجهه ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام ذلك في نهج البلاغة ( تكملوا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت طيات لسانه ) فالكلمة تعرف حقيقة الإنسان وطبيعة شخصية يكون عبر توجيه بعض الاسئلة إليه ومن خلال الجواب عليها يظهر طبع شخصيتها وحقيقتها ومدى سعتها واستيعابها ، وهل هي شخصية عالية ذا همة كبيرة ام لا ؟ وغير ذلك من الامور المعمة ، ذلك ان الكلمة التي تخرج من الفم تحمل معها صورة قائلها ونبضات قلبه ، وخلجات نفسه ودخائل شخصيته ، وهذه حقيقة معروفة لدى علماء النفس والتربية والاجتماع ، كل ذلك نقوله لكي نهتدي إلى سواء السبيل .
وعلى هذا الاساس اننا نهتدي إلى معرفة الشخصية العلمية والفكرية بها سلام الله عليها من خلال عدة امور مهمة ومن خلالها نعبر إلى شخصيتها وندخل في فهم حقيقتها وهذه الامور هي :
الأمر الأوّل : يمكن معرفة شخصيتها من خلال سيرتها الذاتية التي يرويها لنا أهل البيت عليهم السلام والاقربون من ذويها ، ذلك لأنّ أهل البيت ادرى بما فيه وأه مكة ادرى بشعابها كما يقول المثل .
إذ ان هناك امور في الحياة صحيحة وثابته وفق مقاييس العقل والبرهان ولا تحتاج إلى اثبات اثبات احقيتها واصحيتها إلى دليل من الخارج ولا تحتاج إلى اثبات صحة دعواها ايضا إلى شاهد فدليلها مستمد منها ، ومن هذهالامور الثابتة في حيات الإنسان الكامل ( فاطمة الزهراء ) هي سيرتها الذاتية التي تثبت من خلالها معرفتها الحقيقية فهذه السيرة هي السبيل الصحيح للوقوف على حياتها عليها السلام ، فهي الضابط والمعاير الصحيح للحكم عليها من خلالها . فالإنسان لايعرف المعرفة الصحيحة إلاّ من خلال هذه السيرة على وجه الدقة اما بقية المسائل الاخرى في حياة المسائل الاخرى في حياة الإنسان من الشعارات والاطروحات والادلة والشواهد وغير ذلك لاتمثل سوى الجانب النظري من حياة الإنسان الشخصية ، ومدى صدق هذه الدعوى
الاسرار الفاطمية
_ 359 _
فهي متروكة للجانب التطبيقي في حياته ، اذن السيرة الذاتية الصديقة الطهرة تمثل جانب تطبيقي من حياتها الشخصية على كافة المستويات ، ولا نريد الوقوف مع السيرة الذاتية لفاطمة عليها السلام في هذا الكتاب بصورة تفصيلية حيث قد اعطينا بعض النماذج للسيرة الذاتية له في نفس هذا الكتاب هذه النماذج ، على شكل امور متناثرة في طيات البحوث فلانقف تفصيليا معها هنا .
*الأمر الثاني : يمكن ان نعرف شخصيتها من خلال مواقفها لأنّ الموقف عمل والعمل ماهو إلاّ انعكاس لطبيعة شخصية الفرد وهذا ما اثبته التاريخ الاسلامي لفاطمة عليها السلام حيث اخبرنا بمواقفها الفذة في جميع الحالات التي مرت بها .
فعندما كانت قريش تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتتعرض له بأنواع المواجهة كانت الزهراء عليها السلام تقف إلى جانبه صابرة محتسبة ، فيدخل إلى البيت وقد حثى الكافرون التراب على رأسه الشريف ، فتستقبله الزهراء عليها السلام وتغسل التراب عن رأسه وهي باكية ، فيقول لها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : لا تبكي فان الله نصار أباك ، وعندما رمى أبو لهب رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم بروث البقر اندفعت فاطمة عليها السلام لتذب عن أبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتسمع ابا لهب من الكلام ما يتوقف خلاله من الاندفاع بالسخرية برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
كما انها عليها السلام التحقت بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم بعد هجرته إلى المدينة مجازفة بحياته ومضحية ، بروحها في سبيل نصر الاسلام واعزاز مبادئه المثلى ، ولا يمكن ان يغفل دورها في الوقوف إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام دعوته المباركة ، تؤنسه وتزيح عنه الهموم والآلام ، وتعيد البسمة إلى وجهه المبارك اذا اشتدت عليه الخطوب .
اضف إلى مواقفها الرسالية ايام الحروب وهي صغيرة السن بعد ، ففي معركة أحد تكسر رباعية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشج جبينه ، فتقبل الزهراء عليها السلام لتغسل وجهه ، وتزيل الدماء عن محياه ، وتعالج نزيف جراحاته ، فقد جاء في صحيح مسلم : ( قال سهل بن سعد : جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة عن رأسه ، فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب
الاسرار الفاطمية
_ 360 _
يسكب عليها بالمحن ، فلما رأت فاطمة ان الماء لايزيد الدم إلاّ كثرة ، اخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم الصقته بالجرح فاستمسك الدم ) .
ونقل ابي نعيم في ( حلية الأولياء ) عن أبي ثعلبة انه قال : ( قدم رسول الله من غزاة له ، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم خرج فأتى فاطمة عليها السلام فبدأ به قبل بيوت ازواجه ، فاستقبلته فاطمة عليها السلام وجعلت تقبل عينيه ووجهه وتبكي ) والاعجب من ذلك ان فاطمة عليها السلام كانت تهيء لابيها صلى الله عليه وآله وسلم السلاح في المعركة التي جرت في اليوم القادم .
وفي معركة الخندق تقبل على ابيها بأقراص من الخبز معدودة بعد ان بقى اياما بلا طعام ، فجاء في ذخائر العقبى : ( روي عن علي عليه السلام في حفر الخندق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان فاطمة عليها السلام جاءت إليه بكسرة من خبزٍ فرفعتها إليه فقال : ما هذه يا فاطمة ؟ قالت : من قرص اختبزته لابنتي جئتك منه بهذه الكسرة .
فقال : يابنية اما انها لاول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث ) .
وفي الفتح المبين نرى الزهراء عليها السلام تضرب لا بيها صلى الله عليه وآله وسلم خيمة وتهيء له طعاما ليستحم ويغتسل حتى يزول عن جسده المبارك غبار الطريق ، ويرتدي ثيابا نظيفة يخرج بها لإلى المسجد الحرام ، ومن موقع الامومة وكونها زوجة وفية مخلصة لعلي عليه السلام نرى انها عليها السلام زهدت في الدنيا وترفعت عن الدنيا ، ولم يكن لها من هم إلاّ تحمل المسؤولية الالهية بجدارة واستحقاق وتجسيد الصفات الالهية كأمثل ما يكون .
فيروى ان علياً عليه السلام قد اشترى لها عقدا عليها السلام من اموال الفيء ، وتقلدته الزهراء عليها السلام وتقبلت هذه الهدية من زوجها بسرور ، وبينما هي متقلدة ذلك واذا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي لزيارتها ، فسلمت عليه وسلم عليها ، إلاّ انها وعلى غير المعتاد رأت مسحة من الحزن يقولون ابنة محمد تلبس لباس الجبابرة ، ويوصيها ا تذخر ذلك لاخرتها لتكون اسوة في الزهد ومثالا للايثار والقناعة ، فتنزع الزهراء عليها السلام ذلك العقد وتتصدق بثمنه في سبيل الله وهي مليئة بالرضا والقناعة .
ويروى ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل يوما على فاطمة عليها السلام فيراها قد علقت سترا على احد الأبواب لتزين الدار ، فيتألم رسول الله عليها السلام لذلك ويقول لابنته : ( اني لا احب ان يأكل أهل بيتي طيباتهم في حياتهم الدنيا ) .
فتبادر الزهراء عليها السلام من حينها للقيام ونزع الستر ممتثلة اوامر أبيها ، ومن اورع امثلة
الاسرار الفاطمية
_ 361 _
للايثار ماطفحت به كتب الحديث والتفسير من تقديم الزهراء عليها السلام وزوجها وولديها لطعامهم لثلاثة ايام متوالية لمسكين ويتيم واسير وبقائهم جياعا طيلة هذه المدة قربة لوجه الله الكريم ، فنزل بشأنهم : ( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ، عينا يشرب بها عباد الله ويفجرونها تفجيرا ، يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ، ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا ، انم نطعمكم لوجه الله لانريد منكم جزاءا ولا شكورا ) .
ومن المواقف التي خلدت من خلالها الزهراء عليها السلام الزهد والايثار والقناعة انها عليها السلام قد طلبت من ابيها صلى الله عليه وآله وسلم ان يكون مهرها الشفاعة للمذنبين من امته يوم القيامة ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخبرا اياه بتلبية الله تعالى لطلب فاطمة عليها السلام وبما ان درع علي عليه السلام كان المهر التقليدي لفاطمة عليها السلام فان اغلى قيمة ذكرت لذلك الدرع هي خمسمائة درهم (1) .
* الأمر الثالث : وتستطيع معرفة فاطمة وشخصيتها الربانية من خلال نور كلامها الشريف الذي هو عبارة عن صورة حقيقية والنعكاس صادق لشخصيتها الالهية ، فمن خلال اقوالها وكلماتها نستطيع ان نستدل عليها ، ونكتشف حقيقتها في سهولة ويسر وبساطة ، ولقد تجلت انوار كلماتها المضيئة في مختلف أبواب العلوم والفنون كعلم الفقه والاخلاق وسائر العلوم الاخرى التي تكلمت فيها ، او عه عنها على اختلاف انواعها من علوم رتيبة او غريبة ظاهرة او باطنة ، نقلية او عقلية ، علمية او ادبية انسانية او طبيعية الهية او دنيوية فانها سلام الله عليها قد كشف القناع عن الكثير من الأسرار التي تخص هذا الوجود وبينت الكثير من عجائبه وفي كل ذلك نستطيع ان نلتمس منه وفيه شيئا يسيرا من معرفتها سلام الله عليها اما انوار كلامها فهذا ما بينته الكثير من الكتب الروائية التي نقلت لنا بين طياتها احاديثها وعد ذاتها احرازها وادعيتها وولايتها وغير ذلك فراجع المطويات للاطلاع والوقوف على هذه الأنوار الفاطمية .
---------------------------
(1) السفينة : 5 ( الشيخ جعفر الباقري ) .
الاسرار الفاطمية
_ 362 _
قصيدة للشيخ المنصوري
لـك ذكـرى تـمر في كل عام وعـلـيها تـمر مـر iiالـكرام هـي ذكـرى لـها نقيم iiاحتفالا بـابـتهاج وفـرحـة iiوابـتسام هـي ذكـرى ولادة سـرّ فـيها سـيد الـمرسلين خـير iiالانـام بـصبوح يشع في الكون iiشمسا لا كـشمس الضحى وبدر التمام هي شمس والشمس ياصاح iiفيها ان تـقسمها فـمالها مـن iiمـقام هي شمس الهدى وشمس iiالمعالي وهـي احرى بالذكر iiوالاحترام مـن سـواها فخلني iiوسروري لـحظات بـعد الـدموع iiالسجام ان قـلبي مـن الـهموم iiمـليء ومـليء مـن الخطوب iiالجسام ثـم أمـسى خـلي بال iiطروبا راقـدا بـين ، نـايه ، iiوالمدام ان ضـرب الامثال في مثل iiهذا هو ضرب ، ومن فضول iiالكلام فـالتزامي بـحب آل رسول iiالله يـغني عـن الـبيان iiالـتزامي فـمصاب الزهراء روحي فداها هـو فـي وسط قلبي iiالمستظام والـحسين الشهيد في الطف iiليلا يـتراءى لـمقلتي فـي iiالـمنام فـكأن الـسيوف تـنهل iiمـنه نـصب عيني والظالمون امامي هـو مرمى فوق الصعيد ومرمى بـعد وخـز الضبا لرشق السهام فـسـماحا ام الـحسين اذا iiمـا شط بى مزبر الشجاء عن مرامي وطـأة الـرزء أثقلتني iiفراحت دون قـصـد تـخطه iiأقـلامي عـلـمتها انـامـلي ان تـطيل الـقـول فــي وذم iiالـلـئام فـعليك الـسلام مـني iiيـترى ان تـفضلت فـي قبول سلامي يـا ابـنة المصطفى ويا خير iiام لـبني الـمرتضى الهداة iiالكرام امـنحينا بـنظرة مـنك iiفضلا فـسـماها مـلـبد iiبـالـظلام انـت بـاب الـنجاة منك iiفضلا فـادفعي السوء عن ربى iiالاسلام واحـرسينا مـن خـصنا iiبدعاء هـو امضى من الف الف iiحسام |
الاسرار الفاطمية
_ 363 _
المستوى الرابع : المعرفة النورانية لها عليها السلام
وذلك بالاطلاع على حقيقة نورها سلام الله عليها والمبدأ الذي منه انحدر وفيه علا ذلك النور ، ويمكن مراجعة الكثير من الروايات الواردة في المقام لكي تعرف هذه المعرفة النورانية لها والتي هي كفوا لعلي عليه السلام والذي يقول هو نفسه عليه
السلام عندما سأله أبوذر الغفاري وسلمان رضوان الله عليهما عن معرفته بالنورانية فقال عليه السلام .
( انه لا يستكمل احد الإيمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فاذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره اللاسلام وصار عرافا مستبصرا ومن قصر عن معرفة ذلك فهو شاك مرتاب ).
يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك يأ أمير المؤمنين ، قال عليه السلام : معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل ، معرفة الله عزوجل ، ومعرفة الله عزوجل ومعرفتي بالنورانية وهو الدين الخالص الذي قال الله تعالى : ( وما امروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له حنفاء ويقيمون الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ) .
إلى ان يقول عليه السلام : ( يا سلمان ويا جندب ، قالا : لبيك صلوات الله عليك ، قال عليه السلام : أنا أمير كل مؤمنن ومؤمنة ممن مضى وممن بقي ، وايدت بروح العظمة ، وانما انا عبد من عبيد الله لا تسمونا اربابا وقولوا في فضلنا ماشئتم فانكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله الله لنا ، ولا معشار العشر ) .
وهذا يؤيده على ما ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة ( من عرفكم فقد عرف الله ) اى ان معرفتكم من شأنها ان تؤدي إلى معرفة الله تعالى لانهم هم الدالين عليه تعالى لذا ورد في الحديث عن جابر عن عبدالله الأنصاري يقول : ( سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : انما يعرف الله عزوجل ويعبده من عرف وعرف امامه منا أهل البيت وعن لا يعرف الله عزوجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا )
(1) .
اذن معرفة فاطمة بالنورانية
---------------------------
(1) الكافي : 1 | 181 ح 4 .
الاسرار الفاطمية
_ 364 _
كمعرفة علي عليه السلام بالنورانية ( نحن أهل البيت عجنت طينتنا بيد العناية بعد رش علينا فيض الهداية ثم خمرت بخميرة النبوة وسقيت بماء والوحي ونفخ فيها روح الأمر فلا أقدامنا تنزل ، ولا أبصارنا تضل ، ولا أنوارنا تفل ، واذا ضللنا فمن
بالقوم يدل ) .
الناس من شجرة شتى وشجرة النبوة واحدة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اصلها وانا فرعها وفاطمة الزهراء ثمرها ، والحسن والحسين اغصانها ، أصلها نور وفرعها نور وثمرها نور ، وغصنها نور ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور ) (1) .
على ان هناك مراتب عديدة للمعرفة فهي كلي مشكك له مراتب طولية وعرضية وقد قسموها إلى :
1 ـ المعرفة البرهانية : والتي تكون بالدليل العقلي
2 ـ المعرفة الإيمانية : والتي تكون بالدليل النقلي من الكتاب والسنة .
3 ـ المعرفة الشهودية : والتي تكون بالاشراف والكشف والشهود بالقلب .
ولقد أضاف اليها سيدمنا الاستاذ آية الله السيد عادل العلوي ( دام ظله ) تقسيماً آخر كما يلي :
1 ـ المعرفة الجلالية : وهي تعني معرفة الشيء في حدوده وشكله الهندسي كمعرفة الجبل من بعيد .
2 ـ المعرفة الجمالية : وهي تعني معرفة الشيء من باطنه وجوهره .
3 ـ المعرفة الكمالية : وهي تعني الوقف على هدف الشيء وغايته .
---------------------------
(1) عن الإمام علي ع من حبه عنوان الصحيفة 38 نقلها عن عبقات الانوار .
الاسرار الفاطمية
_ 365 _
البحث الثالث عشر : فاطمة عليها السلام وليلة القدر
الاسرار الفاطمية
_ 367 _
للشيخ محمد علي اليعقوبي
ولـقد يعز على iiرسول الله مـاجنت iiالـصحابة قـد مـات فانقلبوا iiعلى الاعقاب لم يخشوا iiعقابه مـنعوا البتولة ان iiتنوح عـليه او تبكي iiمصابه نـعش الـنبي iiأمـامهم ووراءهـم نـبذوا كتابه لـم يحفظوا iiللمرتضى رحـم الـنبوة والقرابة لـو لم يكن خير iiالورى بـعد الـنبي لما استنابه قـد اطـفأوا نور الهدى ضرباً بحضرته iiالمهابة وعدوا على بنت iiالهدى ضرباَ بحضرته iiالمهابة فـي أي حكم قد iiأباحوا ارث فـاطم iiواغتصابه بـيـت الـنبوة iiبـيتها شـادت يد الباري iiقبابه اذن الالــه بـرفـعه والقوم قد هتكوا iiحجابة بـأبي وديـعة iiاحـمد جرعاً سقاها الظلم صابه عـاشت معصبة iiالجبين تـئن من تلك iiالعصابة حـتى قـضت وعيونها عـبرى ومهجتها iiمذابة وأمضّ خطب في iiحشا الاسلام قد اورى iiالتهابة بـالليل واراها iiالوصي وقبرها عفى ترابه (1) ii |
---------------------------
(1) القصيدة للمرحوم الشيخ محمد علي اليعقوبي | الذخائر : ص 12 .
الاسرار الفاطمية
_ 369 _
البحث الثالث عشر : فاطمة عليها السلام وليلة القدر
( من عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ... ) .
في فاطمة الزهراء عليها السلام سر مستودع كما تقدم ذلك في حديثنا حول هذا الموضوع ـ أي السر الستودع ـ وايضا في ليلة القدر سر عظيم لا يعرفه إلاّ المقربون الذين امتحن الله قلوبهم للايمان والتقوى ، فليلة القدر رفعها الباري عزوجل وجعلها
خيراً من الف شهر وفيها تشويق لذيذ لمعرفة ذلكم السر المكنون في اعماقها ، ( وما ادراك ماليلة القدر ) حيث خاطب الله تعالى المؤمنين في ضمائرهم لكي يحرك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم اسرار ليلة القدر بالتمعن والتدقيق فيها ، على ان معرفة ليلة القدر تفوق الادراك البشري العادي أي انها تفوق ادراك سائر الناس من السواد الاعظم فانه لابد ان يكون فيها سر عظيم ، والسر تقتضي معرفته استيعابا كاملا لمعنى ليلة القدر والغاية التي نزلت ليلة القدر من اجلها ولا جل تحقيقها في الأرض .
وعلى هذا الاساس لابد من معرفة الاساس الذي بنى عليه الحديث الذي ذكرناه في أول بحثنا حول علاقة معرفة فاطمة عليها السلام بليلة القدر فانه لابد من وجود الترابط في هذا الموضوع المهم ، ففاطمة فيها سر مستودع وكذلك ليلة القدر فيها سر مكنون ، فمن عرف فاطمة والسر المستودع فيها عرف سر ليلة وعظمتها ، فليلة القدر عظيمة كعظمة فاطمة عليها السلام لذا كانت مجهولة في اثباتها ودقتها من حيث الزمان لمختص بليالي شهر رمضان .
على ان عرف فاطمة فقد ادرك ليلة القدر هذا كونه ناتج عن معرفة فاطمة التي
الاسرار الفاطمية
_ 370 _
تجعلنا ندرك الاسلام ونستوعب اهمية ليلة القدر من خلال هذه المعرفة ، ولقد طرح الكثير من العلماء أوجه للشبه بين ليلة القدر وفاطمة عليها السلام (1) ومنها :
* ليلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كل القرآن الكريم ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ) ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، وفيه كل شيء ، وتبيان كل شيء ، وسعادة الدراين .
وكذلك الحوراء الانسية فاطمة الزكية ، فان قلبها ظرف مكاني وروحاني ، وصدرها وعاء الهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف ، وانها كانت محدثة تحدثها الملائكة ، فهي وعاء للامامة وللمصحف الشريف .
* وفي ليلة القدر يفرق كل أمرٍ أحكمه الله خلال السنة ، فيفرق ما يحدث فيها من الامور الحتمية وغيرها ، وينزل بها روح القدس على ولي العصر والزمان وحجة الله على الخلق الذي بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، وان الإيمان بليلة القدر فارق بين المؤمن والكافر .
كذلك بفاطمة الزهراء الطيبة الطاهرة المطهرة يفرق بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والمؤمن والكافر ، وقد ارتد الناس في العمل وفي الولاية بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاث .
أو خمس أو سبع ، وفيهم سيدة النساء فهم على حق ، وغيرهم استحوذ عليهم الشيطان فاغرهم وأضلهم فكانوا أئمة الضلال .
* وفي ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء إلى الله سبحانه فيزاد في علمهم اللدني والرباني ويكسبوا من الفيض الاقدس الالهي .
كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقية التقية ، فهي مرقاة لوصولهم إلى النبوة ومقام الرسالة والعظمة الشموخ الانساني والروحاني ، فما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وذلك في عالم ( ألست بربكم ) أو في عالم الذر أو عالم الانوار أو الارواح أو النشأة الإنسانية التي وراء نشأتنا هذه ، وهذه انما هي صورة لتلك كما عند بعض الاعلام .
ففاطمة ، الزهراء قطب الأولياء والعرفاء ومعراج الأنبياء والأوصياء ، صدرها خزانة
---------------------------
(1) راجع فاطمة الزهراء ليلة القدر ـ لآية الله السيد عادل العلوي حفظه الله .