والقول الثالث : التفصيل ، وهو الدلالة (1) في العبادات ، لا في المعاملات ، وهو مختار المحصول منهم (2) ، والعلامة (3) ، والمحقق (4) ، وكثير من المتأخرين منا (5) .
  والحق : أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه مطلقا ، فههنا مققامان : الاول : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من العبادات .
  والدليل عليه : أن المنهي عنه لا يكون مرادا ومطلوبا للمكلف ، والعبادة الصحيحة ـ واجبة أو مندوبة ـ تكون مرادة ومطلوبة للمكلف ، فلا يكون المنهي عنه عبادة صحيحة ، وهو ظاهر .
  واعلم أن النهي : قد يرجع إلى نفس العبادة ، كالنهي عن صلاة الحائض .
  وقد يرجع إلى جزئها ، كالنهي عن قراء‌ة العزائم في اليومية ، بناء‌ا على جزئية السورة .
  وقد يرجع إلى وصف لازم ، كالنهي عن الجهر في الفرائض النهارية .
  وقد يرجع إلى (6) أمر مقارن غير لازم ، كالنهي عن قول ( آمين ) بعد الحمد ، وعن التكفير ـ وهو وضع اليمين على الشمال في الصلاة ـ ونحو ذلك واقتضاء النهي الفساد في الثلاثة الاول ظاهر ، إذ صحة الكل والملزوم ، مع فساد الجزء واللازم (7) ، ظاهر الفساد وأما القسم الاخير : فقد وقع الخلاف فيه بين فقهائنا :


(1) زاد في ط كلمة ( مطلقا ) في هذا الموضع .
(2) المحصول : 1 / 344 .
(3) تهذيب الوصول : 33 .
(4) معارج الاصول : 77 .
(5) معالم الدين : 96 .
(6) زاد في ب في هذا الموضع كلمة : وصف .
(7) حرف العطف ساقط من أ وب .

الوافية في اصول الفقه ـ 102
  فبعضهم يقول : إن النهي عن مثل (1) هذه الامور ، لا يوجب فساد العبادة الواقعة هي فيها ، أو المتصفة بها ، إذ هذه امور خارجة (2) ومغايرة للعبادة ، ولا دليل على استلزام فسادها لفساد العبادة ، والامر يقتضي الاجزاء إجماعا ممن يعتد به .
  وبعضهم يقول بفساد العبادة بفسادها ، وكأن الوجه فيه : أنه يفهم من النهي أن عدم المنهي عنه من شرائط تحقق العبادة الشرعية ، ووجوده مانع منه ، فلا يمكن تحقق العبادة مع وجوده .
  والحق أن يقال : إن العبادة إذا كانت بحيث قد علم من دليل شرعي جميع أجزائها وشرائطها وموانعها ، ولا يكون هذا المنهي عنه شيئا منها ، فالنهي حينئذ لا يقتضي فساد العبادة المقارنة للمنهي عنه ، لما مر ، وأما مع عدم ذلك فالظاهر أن المنهي عنه من موانع حقيقة العبادة شرعا ، إذ جميع أجزاء العبادة وشرائطها وموانعها ، إنما يعلم من الاوامر والنواهي ، فليس لاحد أن يقول : إن النهي إنما يدل على حرمة المنهي عنه ، وهو لا يستلزم فساد العبادة .
  كما أنه ليس له أن يقول : إن الامر إنما يدل على وجوب المأمور به في العبادة (3) ، ولا دلالة له (4) على جزئيته للعبادة ، أو شرطيته .
  ولو صح هذا القول ، لانسد طريق الاستدلال على بطلان الصلاة والصوم وغيرهما ، بترك جل أجزائها وشرائطها كما لا يكاد (5) يخفى .
  ثم لا يخفى عليك : أن مانعية المنهي عنه ، إنما هو على تقدير اختصاص النهي بالعبادة ، فلو علم أن النهي عن الشيء في عبادة إنما هو لاجل حرمة ذلك


(1) كذا في أ وب ، وفي الاصل وط : ان نهي مثل .
(2) كذا في أ وط ، وفي الاصل وب : خارجية .
(3) في الاصل : والعبادة ، وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ .
(4) كلمة ( له ) زيادة من أ .
(5) كلمة ( يكاد ) : زيادة من ط .

الوافية في اصول الفقه ـ 103
  الشئ مطلقا ، كالنهي عن النظر إلى الاجنبية في الصلاة ، فهو لا يقتضي فساد العبادة ، إذ حينئذ معلوم أن المنهي عنه لا ارتباط له بالعبادة في المانعية .
  المقام الثاني : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من المعاملات ، كأقسام البيوع والانكحة والطلاق وغيرها ، سواء كان النهي يرجع إلى نفس الصيغة ، كلفظ التحليل في النكاح ، والكنايات في الطلاق ، ونحو ذلك ، أو إلى أحد العوضين ، كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات ، أو إلى وصف لازم ، كبيع الملامسة والمنابذة والربا ونكاح الشغار ونحو ذلك ، ويمكن إدخال كثير من هذه في الاولين .
  والدليل على اقتضاء النهي الفساد في هذا القسم ـ من وجهين : الاول : استدلال العلماء : فإن علماء الامصار في الاعصار ، لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي ، في أبواب الربا ، والانكحة والبيوع وغيرها (1) .
  وليس الفساد مدلولا للفظ النهي (2) ، إذ لا يفهم سلب (3) الاحكام من النهي المتعلق بشيء ، ولا تلازم بين التحريم وسلب الاحكام ، إذ لا بعد (4) في أن تكون المصلحة في عدم شيء ، ولكن بعد وجوده تكون المصلحة في ترتب آثاره عليه (5) ، ولهذاحكم شرعا بالتطهير إذا وقعت إزالة النجاسة بالماء المغصوب ، ويترتب على الوطئ في الحيض آثاره من لحوق الولد ، ووجوب المهر ، والتحليل للزوج الاول ، ونحو ذلك .


(1) في ب : ونحوها .
(2) هذا تعريض بالمحقق الحلّي ، والعلامة الحلّي ، والشيخ حسن حيث استدلوا على عدم دلالة النهي على الفساد في هذا القسم بعدم الدلالة اللفظية عليه : معارج الاصول : 77 ، تهذيب الوصول : 34 ، معالم الدين : 96 / 97 .
(3) في أ : سبب .
(4) في أ : يبعد .
(5) هذا رد على دعوى المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : 97 .

الوافية في اصول الفقه ـ 104
  بل الفساد مما يحكم به العقل في المعاملات من ظاهر حال الناهي .
  وقد وقع في الروايات ما يدل على اقتضاء النهي الفساد : روى الشيخ في التهذيب ، في الصحيح : ( عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، أنه قال : لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لقول الله عزوجل ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) (1) ـ حرم على الحسن والحسين عليهما السلام ، لقوله عزوجل : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) (2) .
  وروى في الموثق : ( عن الحسن بن الجهم ، قال : قال أبوالحسن الرضا عليه السلام : يا أبا محمد ، ما تقول في رجل تزوج بنصرانية على مسلمة ؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك ؟!
  قال : لتقولن ، فإن ذلك يعلم (3) به قولي .
  قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على المسلمة ، ولا على غير مسلمة .
  قال : لم ؟ قلت : لقول الله عزوجل : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) (4) .
  قال : فما تقول في هذه الآية : ( والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ) (5) ؟ فقلت : قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) (6) نسخت هذه الآية ، فتبسم ثم سكت ) (7) .


(1) الاحزاب / 53 .
(2) النساء / 22 ، والحديث في : التهذيب : 7 / 281 ح 1190 .
(3) كذا في المصدر ، وفي النسخ : تعلم .
(4) البقرة / 221 .
(5) المائدة / 5 .
(6) البقرة / 221 .
(7) التهذيب : 7 / 297 ح 1243 .

الوافية في اصول الفقه ـ 105
  وروى : ( عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : لا ينبغي نكاح أهل الكتاب .
  قلت : جعلت فداك ، وأين تحريمه ؟ قال : قوله ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) (1) .
  وفي الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ : ( عن زرارة بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللهه عزوجل : ( والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ) (2) ؟ فقال : هي منسوخة بقوله : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ) (3) .
  فإن الامام عليه السلام استدل بالنهي عن التحريم ، ومعلوم أن المراد من التحريم في هذه الصور بطلان النكاح ، كما في قوله تعالى : ( حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم وأخواتكم . . . ) (4) الآية .
  وروى في الحسن ـ به ـ : ( عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ؟ فقال : إن ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما .
  فقلت : أصلحك الله ، إن الحكم بن عتيبة (5) ، وإبراهيم النخعي ، وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح باطل ، فلا تحل إجازة السيد له .
  فقال أبوجعفر عليه السلام : إنه لم يعص الله ، إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز ) (6) .


(1) الممتحنة / 10 ، والحديث في : التهذيب : 7 / 197 ح 1244 .
(2) المائدة / 5 .
(3) التهذيب : 7 / 298 ح 1245 .
(4) النساء / 23 .
(5) في أ : عيينة. وهو تصحيف .
(6) التهذيب : 7 / 351 ح 1432 .

الوافية في اصول الفقه ـ 106
  وفي حديث آخر عنه أيضا : ( فقلت لأبي جعفر عليه السلام فإن أصل النكاح كان عصيانا (1) .
  فقال أبوجعفر عليه السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله ، وإنما عصى سيده ، ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه ) (2) .
  فإنهما يدلان على فساد النكاح إذا كان معصية لله تعالى .
  وفي الحسن : عن ( محمد بن مسلم ، قال : قال أبوجعفر عليه السلام : من طلق ثلاثا في مجلس على غير طهر ، لم يكن شيئا ، إنما الطلاق : الذي أمر الله عزوجل به ، فمن خالف لم يكن له طلاق ) (3) .
  وجه الدلالة : أن الطلاق إذا كان منهيا عنه كان مخالفا لما أمر الله عزوجل به .
  والروايات فيما يدل على المطلوب أكثر من أن تعد وتحصى ، فتدبرها (4) .
  الثاني : أن لزوم الآثار والاحكام للمعاملات ليس عقليا ، بل هو بمجرد جعل الشارع ، من قبيل الاحكام الوضعية الناقلة عن الاصل ، فلا يحكم به إلا مع العلم ، أو الظن الشرعي ، ومع تعلق النهي بمعاملة لا يحصل العلم ولا الظن بأن الشارع جعل تلك المعاملة المنهي عنها سببا ومعرفا لشيء من الاحكام ، نعم إن علم في معاملة أن الشارع جعلها معرفا لاحكام مخصوصة مطلقا ـ سواء أكانت منهيا عنها لنفسها أو لجزئها أو لوصفها أو لم تكن ـ أمكن الحكم بترتب آثارها عليها مع حرمتها ، بأحد الوجوه المذكورة ، لكن الظاهر أن مثل ذلك ليس واقعا في أحكامنا .


(1) كذا في النسخ ، وفي المصدر : عاصيا .
(2) التهذيب 7 / 351 ح 1431 .
(3) التهذيب : 8 / 47 ح 146 .
(4) كذا في أ ، وفي سائر النسخ : فليتدبرها .

الوافية في اصول الفقه ـ 107
  هذا ، ولو رجع النهي في المعاملة إلى أمر مقارن ، كالنهي عن البيع وقت النداء ، فهل يوجب الفساد أو لا ؟ والحق فيه ـ أيضا ـ : مثل ما مر في مثله في النهي في العبادات ، بأن يقال ـ مع اختصاص النهي ، وعدم العلم بعدم مانعية المنهي عنه في صحة المعاملة ـ : الظاهر كون المنهي عنه مانعا من ترتب أحكامها عليها ، ويجري فيه الدليل المذكور ، فتأمل .

الوافية في اصول الفقه ـ 109
  الباب الثاني : في العام والخاص وفيه ايضا مقصدان :

الوافية في اصول الفقه ـ 111
  الاول في العام وفيه مباحث :
   الاول :
  العام : هو اللفظ المستغرق لما يصلح له بوضع واحد ، وقد وقع الخلاف في أن العام هل له صيغة تخصه ؟ بحيث إذا استعملت في الخصوص كانت مجازا ، أو لا ؟ والاكثر منا : على أن له صيغة كذلك (1) .
  وأنكر السيد المرتضى ذلك ، وذهب إلى الاشتراك اللفظي بحسب اللغة ، ووافقهم بحسب الشرع (2) .
  والجمهور من العامة ـ أيضا ـ : على أن له صيغة كذلك (3) .


(1) عدة الاصول : 1 / 103 وما بعدها ، معارج الاصول : 81 ، تهذيب الوصول : 35 ، وقد نسبه المحقق الشخ حسن إلى جمهور المحققين بعد أن صرح باختياره : معالم الدين : 102 .
(2) الذريعة : 1 / 198 ، 201 .
(3) المستصفى : 2 / 48 ، المحصول : 1 / 356 ، المنتهى : 102 / 103 ، منهاج الوصول : 81 / 82 .

الوافية في اصول الفقه ـ 112
  وعكس جمع منهم ، والقاضي منهم كالمرتضى (1) .
  ونقل عن الآمدي : التوقف (2) .
  [ وقيل : بالتوقف ] في الأخبار والوعد والوعيد ، دون الامر والنهي (3) .
  والحق : المشهور .
  والصيغة الموضوعة (4) له عند المحققين هي هذه : ( من ) و( ما ) للشرط والموصول والاستفهام .
  و ( مهما ) و( أينما ) للشراط .
  و ( متى ) للزمان .
  و ( كل ) و( جميع ) ، مع عدم إرادة الهيئة الاجتماعية. والنكرة في سياق النفي ب‍ ( لا ) أو ( ليس ) أو ( لن ) أو ( بما ) على المشهور .
  وألحق البعض : النكرة في سياق الشرط ، كأن يقول : ( إن ولدت ولدا ، فأنت علي كظهر امي ) فيحصل الظهار بتوليد ولدين أو أكثر أيضا .
  وألحق آخره النكرة في سياق الاثبات ، إذا كانت للامتنان ، نحو : ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) (5) وابتنى عليه الاستدلال على العموم في قوله تعالى ( وينزل عليكم من السماء ماء‌ا ليطهركم به ) (6) .
  وآخر : في سياق الامر ، نحو : ( اعتق رقبه ) .


(1)،(2)،(3) حكى هذه الاقوال الإسنوي ، والظاهر اعتماد المصنف عليه في نسبة هذه الاقوال ، وما بين المعقوفين أخذناه من عبارة الإسنوي وقد خلت نسخ كتابنا هذا منه ، انظر : التمهيد : 297 .
(4) في ب : المخصوصة .
(5) الرحمن / 68 .
(6) الانفال / 11 .

الوافية في اصول الفقه ـ 113
  ومنها : الجمع المعرف باللام ، أو بالاضافة ، والمفرد كذلك عند الاكثر (1) ، نقله الآمدي عن الشافعي والاكثر (2) واختاره هو (3) ، ونقله الرازي عن الفقهاء والمبرد (4) ، ويظهر من الشارح الرضي عدم الخلاف فيه (5) ، وفي شرح العضدي نقله عن المحققين ، من غير إشعار بخلاف فيه بينهم ، إلا المنكر لاصل صيغة العموم (6) .
  وقد ألحق بالعموم : الجميع بصيغة الامر ، نحو ( أكرموا زيدا ) (7) .
  والدليل على العموم في جميع ذلك : تبادره من الصيغ المذكورة ، عند التجرد عن القرائن ، وهو علامة الحقيقة .
  وبعض من أنكر عموم المفرد ، اعترف به في الاحكام الشرعية ، معللا :
  بأن تعيين البعض غير معلوم ، والحكم على البعض غير المعين غير معقول ـ إذ لا معنى لتحليل بيع من البيوع ، وتحريم فرد من الربا ، وعدم تنجيس مقدار (8) الكر من بعض الماء ، في : ( وأحل الله البيع وحرم الربا ) (9) ، و : ( إذا بلغ الماء قدر (10) كر لم ينجسه شيء ) (11) ـ فتعين إرادة الجميع .


(1) اختاره الغزالي في المستصفى : 2 / 89 .
(2) كما في التمهيد : 327 .
(3) الاحكام : 2 / 421/ 422 .
(4) المحصول : 1 / 382 ، وزاد فيه : والجبائي ، ولكن الرازي نفسه اختار عدم افادته العموم .
(5) شرح الكافية : 2 / 129 .
(6) شرح العضد : 1 / 215 / 216 .
(7) ذكره في المحصول : 1 / 381 .
(8) في ب وط زيادة كلمة ( من ) في هذا الموضع .
(9) البقرة / 275 .
(10) كلمة ( قدر ) : ساقطة من الاصل ، وقد اثبتناها من باقي النسخ
.
(11) كذا الحديث في النسخ ، ولكن المروي هو : ( إذا كان الماء ... إلى آخره ) الكافي : 3 / 2 كتاب الطهارة / باب الماء الذي لا ينجسه شيء / ح 1 ، التهذيب : 1 / 39 / 40 / ح 107 / 109 ، وفي غوالي اللآلي : 1 / 76 و 2 / 6 : ( إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا ) .

الوافية في اصول الفقه ـ 114
  وأيضا : صحة الاستثناء دليل العموم ، إذ الاستثناء ـ عند الاكثر ـ : إخرج ما لولاه لوجوب الدخول (1) ، ولا يكفي الصلوح ، ولهذا لا يجوز : ( رأيت رجالا (2) إلا زيدا ) .
  وليست صيغ العموم منحصرة فيما أوردناه ، فلتعلم (3) .
  واعلم : أن الجمع المنكر لا يدل على العموم إلا في موضع يجري فيه ما ذكره المعترف في عموم المفرد في الاحكام ، لعدم فهم العموم منه ، وإفادة المعرف العموم ، إنما هي مع عدم تساوي احتمالي العهد والجنس ، وإلا فالعهد أظهر ، كما ذكره الاكثر ، ولا يتساوى الاحتمالان إلا مع تقدم (4) أمر يرجع إليه ، كقوله تعالى : ( فعصى فرعون الرسول ) (5) .
  البحث الثاني :
  قيل : ( ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ، ينزل منزلة


(1) كذا في ط ، وقد اسقط الضمير من الاصل ، وفي أ وب : ما لو لا الاخراج لوجب الدخول .
(2) في ط : رجلا .
(3) هناك صيغ اخرى تفيد العموم ، وإن وقع في كثير منها الخلاف ك‍ ( سائر ) و( معشر ) و( معاشر ) و( عامة ) و( كافة ) و( قاطبة ) و( ما ) الزمانية نحو ( إلا ما دمت عليه قائما ) وكذا المصدرية مع الفعل المستقبل ، مثل ( يعجبني ما تصنع ) و( أي ) في الشرط والاستفهام وان اتصل بها ( ما ) ، و( متى ) و( حيث ) و( إن ) و( كيف ) و( اذا ) الشرطية اذا اتصلت بواحد منها ( ما ) ، و( ايان ) و( إذ ما ) و( كم ) الاستفهامية ، واسم جمع ك‍ ( الناس ) ، و( الرهط ) و( القوم ) ، والاسماء الموصولة ك‍ ( الذي ) و( التي ) ، وتثنيتهما وجمعهما ، واسماء الاشارة المجموعة مثل ( اولئك ) و( هؤلاء ) والنكرة في سياق الاستفهام الانكاري مثل ( هل تعلم له سميا ) ، واذا اكد الكلام ب‍ ( الابد ) أو ( الدوام ) أو ( دهر الداهرين ) أو ( عوض ) أو ( قط ) في النفي ، افاد العموم في الزمان ، واسماء القبائل مثل ( ربيعة ) و( مضر ) و( الاوس ) و( الخزرج ) ( منه رحمه الله ) .
(4) في أ وب : مع تقدمه .
(5) المزمل / 16 .

الوافية في اصول الفقه ـ 115
  العموم في المقال ) (1) .
  وقيل : بل حكايات الاحوال إذا تطرق اليها الاحتمال كساها ثوب الاجمال ، وسقط بها الاستدلال (2) ، واختاره العلامة في التهذيب (3) .
  والحق أن يقال : إنه أقسام :
  الاول : أن يسأل عن واقعة دخلت في الوجود ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو الامام عليه السلام ، مطلع عليها .
  والحق فيه : عدم اقتضاء العموم ، لان الجواب ينصرف إلى الجهة الخاصه للواقعة المخصوصة ، ولا يتناول غيرها .
  الثاني : أن يسأل عنها بعينها ، مع احتمال اطلاعه عليه السلام على جهتها .
  والحق فيه : القول الثاني ، مع عدم مرجح لاحد الاحتمالين .
  الثالث : أن يسأل عن الواقعة لا باعتبار وقوعها .
  والحق فيه (4) أن يقال : إن الواقعة إن كانت لها جهة شائعة تقع غالبا عليها ، فالجواب إنما ينصرف إليها ، فلا يستدل به على غيرها .
  وإن كانت جهات وقوعها واحتمالاته متساوية ، لا مرجح لشيء منها في عصرهم عليهم السلام ، فالظاهر : العموم ، إذ عدم الانصراف إلى شيء منها يوجب إلغاء (5) الدليل ، والصرف إلى إلبعض ترجيح بلا مرجح ، فينصرف إلى


(1) القاتل هو الشافعي واللفظ له ، حكاه عنه الفخر الرازي في : المحصول : 1 / 392 ، ثم قال : مثاله أن ابن غيلان اسلم على عشر نسوة ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( أمسك أربعا ، وفارق سائرهن ) ولم يسأله عن كيفية ورود عقده عليهن في الجمع ، أو الترتيب ، فكان اطلاقه القول دالا على أنه لا فرق بين أن تتفق تلك العقود معا وعلى الترتيب .
(2) المستصفى : 2 / 60 ، المحصول : 1 / 393 .
(3) كذا في ط ، وفي سائر النسخ : واختار الاول العلامة ، وهو خطأ ، فإن العلامة تنظر في الاول بعدما ذكره : تهذيب الوصول : 38 : فتأمل .
(4) في أ : فيها .
(5) في أ : القاء .

الوافية في اصول الفقه ـ 116
  الكل ، وهو معنى (1) العموم .
  والظاهر من المرتضى رحمه الله في الذريعة : القول بالعموم بترك الاستفصال ، فإنه قال : ( إذا سئل عليه السلام عن حكم المفطر ، فلا يخلو جوابه من ثلاثة أقسام : إما أن يكون عام اللفظ ، نحو أن يقول : كل مفطر فعليه الكفارة .
  والقسم الثاني : أن يكون الجواب في المعنى عاما ، نحو أن يسأل عليه السلام عن رجل أفطر ، فيدع الاستكشاف عما به أفطر ، ويقول عليه السلام : عليه الكفارة ، فكأنه عليه السلام قال : من أفطر فعليه الكفارة ، والقسم الثالث : أن يكون السؤال خاصا ، والجواب مثله ، فيحل (2) محل الفعل ) (3) .
  فكلامه يدل على أن ترك الاستكشاف بمنزلة العموم ، إلا أن مثاله في تنقيح المناط ، والظاهر أنه لا خلاف في العموم حينئذ ، كما سيجيء في بحث الادلة العقلية إن شاء الله تعالى وتقدس .
  البحث الثالث :
  تخصيص حكم العام بمبين ، لا يخرجه عن الحجية (4) في الباقي ، سواء خص بمتصل أو بمنفصل ، عقل أو نقل ، وسواء قلنا بأن ذلك العام حينئذ حقيقة ـ كما هو الحق في أغلب صور التخصيص بالمتصل ـ أو قلنا إنه مجاز ،


(1) في ط : مقتضى .
(2) في أ : فيحمل ، وفي ب : فجعل .
(3) الذريعة : 1 / 292 .
(4) في ط : الحجة .

الوافية في اصول الفقه ـ 117
  وفاقا لمن تكلم في هذه المسألة من أصحابنا (1) ، ولجمهور العامة (2) .
  وعند البلخي : إن خص بمتصل (3) .
  والبصري : إن أنبأ لفظ العموم عنه قبل التخصيص ، لا مثل ( والسارق والسارقة . . . ) (4) غير المنبئ عن النصاب والحرز (5) .
  و عبدالجبار : إن كان منبئا [ عنه ] (*) قبل التخصيص ، لا مثل ، ( وأقيموا الصلاة ) (6) المفتقر إلى البيان قبل إخراج مثل الحائض (7) ، وقيل بحجيته (8) في أقل الجمع (9) .
  وقال أبوثور : ليس بحجة مطلقا (10) .
  لنا وجوه :
  الاول : تبادر كل الباقي من (11) العام المخصص (12) ، وظهوره فيه


(1) عدة الاصول : 2 / 4 ، معارج الاصول : 97 ، تهذيب الوصول : 39 ، معالم الدين : 116 .
(2) المستصفى : 2 / 57 ، المنخول : 153 ، المحصول : 1 / 402 ، المنتهى : 107 ، منهاج الوصول : 86 ، التمهيد : 414 .
(3) المنتهى : 107 ، الابهاج : 2 / 139 .
(4) المائدة / 38 .
(5) المنتهى : 107 ، الابهاج : 2 / 139.
(*) [ عنه ] : اضافة اثبتناها للتوضيح ، أخذناها من : المنتهى : 107 .
(6) البقرة / 43 .
(7) المنتهى : 107 ، الابهاج : 2 / 140 .
(8) في أ : الحجية ، وفي : ط : بحجية .
(9) وهو قول الشيخ صفي الدين الهندي الارموي ، كما في الابهاج : 2 / 140 .
(10) الابهاج 2 / 138 ، المنتهى 107 ، وزاد فيه : وأبان .
(11) كذا الظاهر ، وفي النسخ : عن ، بدل : من .
(12) هذا الدليل عبارة عن تطوير فني دقيق لما استدل به المحقق ، فقد استعاض بمصطلح التبادر عن قول المحقق : ( لنا أن اللفظ متناول إلى آخره ) : معارج الاصول : 97 .

الوافية في اصول الفقه ـ 118
  كظهوره في الكل قبل (1) التخصيص ، فإن المدار في المحاورات على إيراد العمومات المخصصة من دون نصب قرينة اخرى غير التخصيص ، ولا يتوقف المخاطب في الحكم بالمراد حينئذ ، ولا يحكم بإجمال كلام المتكلم ، بل لا يخطر بباله غير إرادة كل الباقي ، والمنكر مكابر .
  الثاني : أنه إذا قال : ( أكرم بني تميم ، وأما فلان فلا تكرمه ) ، فترك إكرام غير المخرج ، عد عاصيا ، ولو لا الظهور لما عصى به (2) .
  الثالث : استدل العلماء قديما وحديثا بالعامات المخصوصة من غير نكير (3) ، وقد وقع في كلام أهل البيت عليهم السلام ، فليطلب .
  احتج الخصم بوجهين :
  الاول : أن متعلق الحكم ليس هو المعنى الحقيقي للعام ، لانه المفروض ، والمجازات كثيرة ، وكل منها محتمل (4) ، وتمام الباقي أحد المجازات ، فلا يحمل عليه إلا بقرينة ، وبدونها يبقى مجملا (5) .
  والجواب : منع احتمال كل واحد من المجازات ، بل المتبادر ، والظاهر ، الاقرب إلى الحقيقة ، هو : كل الباقي ، كما ذكرنا .
  الثاني : أنه بالتخصيص خرج عن كونه ظاهرا ، وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة (6) .


(1) في ط : تبادر كل الباقي بعد التخصيص إلى آخره .
(2) المنتهى : 108 ، معالم الدين : 117 .
(3) ذكر هذا الاستدلال في : المستصفى : 2 / 57 ، المحصول : 1 / 403 ، 404 مع زيادة : بل الصحابة أيضا .
(4) في أ : يحتمل .
(5) المستصفى : 2 / 56 ، المحصول : 1 / 404 ، المنتهى : 108 ، معالم الدين : 117 .
(6) معالم الدين : 117 .

الوافية في اصول الفقه ـ 119
  وجوابه : منع عدم ظهوره ، بل هو ظاهر في الباقي ، بعد ملاحظة المخصص (1) .
  والمذاهب المذكورة ، كلها اعتقادات فاسدة ، مبتنية (2) على خيالات واهية ، تنحل شبههم بأدنى تأمل ، بعد ملاحظة ما مر .
  البحث الرابع :
  الحق أن الخطابات الواردة بصيغة النداء ، وكلمة الخطاب ـ كالكاف والتاء ، وغير ذلك مما خلقه الله تعالى في الملك ، ونحوه ، وأمره (3) بإنزاله إلى السماء الدنيا في مدة ، أو في ليلة القدر ، ومنها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مدة مديدة بالتدريج ، ليبلغ هو وأوصياؤه من عترته صلوات الله عليهم أجمعين إلى امته ، إلى يوم القيامة ـ ليست مختصة بالموجودين في زمن الوحي ، بحيث يكون كل خطاب منها مختصا بمن استجمع شرائط التكليف في حين نزوله ، و (4) لا يكون شاملا لمن تأخر ، كالخطابات المكية لمن تولد حين توطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة .
  ولا مختصة بحاضري مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قراء‌تها (5) .
  خلافا للاكثر ممن صنف في الاصول من الشيعة (6) ، والنواصب (7) ،


(1) معالم الدين : 117 .
(2) في أ وب وط : مبنية .
(3) في ط : فأمره .
(4) الواو اضافة من ط وب .
(5) وفاقا للحنابلة حيث ذهبوا إلى عمومها في الجميع ، كما في : المنتهى : 117 .
(6) تهذيب الوصول : 38 ، معالم الدين : 108 .
(7) المستصفى : 2 / 83 ، المحصول : 1 / 393 / 394 .

الوافية في اصول الفقه ـ 120 ـ
  حيث جعلوها مختصة بالموجودين في زمن الخطاب ، أو بحاضري مجلس الوحي ، وجعلوا ثبوت حكمها لمن بعدهم بدليل آخر كإجماع ، أو نص ، أو قياس .
  لنا : مساعدة الظواهر ـ من غير معارض ، إلا الشبهة (1) الواهية للخصم ـ وهي (2) امور :
  الاول : احتجاج العلماء قديما وحديثا حتى الائمة ( عليهم السلام ) بتلك الخطابات ، من غير ذكر إجماع أو نص أو قياس على الاشتراك ، مع أن الخصم معترف بعدم ظهور مستند الشركة ـ ولذا اختلفوا ، فقيل : مستنده الاجماع ، وقيل : بل القياس ـ ولو لم تعم تلك الخطابات ، لم يصح ذلك إلا بعد إيراد ما هو العمدة من الاجماع أو القياس .
  ودعوى : ظهور المستند بحيث يعلمه كل أحد من الخصوم (3) .
  مما تحكم البديهة (4) بفساده ، وكيف يخفى هذا الخفاء ما كان ظاهرا هذا الظهور ؟ ! وكيف يجوز على الله تعالى إخفاء مستند كل تكاليف من وجدد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
  الثاني : ورود الروايات ـ في كثير من تلك الخطابات ـ بأنها نزلت في جماعة نشأوا بعد زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
  الثالث : ورودها ـ في كثير منها ـ بأنها نزلت في الائمة عليهم السلام ، وأن الخطاب إليهم (5) .


(1) كذا في ط ، وفي الاصل وأ وب : الشبه ، والصواب ما اثبتناه في المتن ، لانها شبهة واحدة سيأتي المصنف على ذكرها فيما بعد في قوله : ( احتج الخصم ) إلى آخره .
(2) فيه اضطراب ، حيث جعل الخامس منها الظواهر ، فلاحظ .
(3) الدعوى للمحقق الشيخ حسن : معالم الدين : 109 .
(4) في ب : البديهية ، وفي ط : البداهة .
(5) كقوله تعالى : ( ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) رواه .

الوافية في اصول الفقه ـ 121
  الرابع : ورود الامر بقول : ( لبيك ربنا ) عند قراء‌ة قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ) ، وقول : ( لا بشيء من آلاء ربي أكذب ) عند قراء‌ة قوله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، وغير ذلك مما هو مذكور في محله (1).
  الخامس : الظواهر ، وهي كثيرة :
  منها : قوله تعالى : ( لا نذركم به ومن بلغ ) (2) .
  ومنها : قوله صلى الله عليه وآله في خبر الغدير : ( فليبلغ الشاهد منكم (3) الغائب ) (4) .
  ومنها : ما رواه ابن بابويه في العيون ، بسنده ( عن الرضا عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام : أن رجلا سأل أبا عبدالله عليه السلام : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة ؟ فقال : لان الله تبارك وتعالى لم ينزله (5) لزمان دونه زمان ، ولا لناس (6) دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غض ، إلى يوم القيامة ) (7) .
  ومنها : ما رواه الكليني ، بسنده ( عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ... ) (8) ؟ ...
   إلى أن قال عليه السلام : يا أبا محمد ، لو كانت إذا نزلت آية على رجل ، ثم مات ذلك الرجل ، الشيخ في باب من يجب عليه الجهاد ، وقوله (ع) : ( وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان ) اشارة إلى قوله تعالى : ( اذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا ) الآيات ، ( منه رحمه الله ) .


(1) عيون أخبار الرضا : 2 / 183 ، الكافي : 3 / 429 كتاب الصلاة / باب نوادر الجمعة / ح 6 .
(2) الانعام / 19 .
(3) كلمة ( منكم ) : زيادة من ط .
(4) الكافي : 1 / 289 ، 291 كتاب الحجة / الباب 64 / ح 4 ، 6 .
(5) كذا في المصدر ، وفي النسخ : لم يجعله .
(6) كذا في المصدر ، وفي النسخ : ولناس .
(7) عيون اخبار الرضا : 2 / 87 ح 32 .
(8) الرعد / 7 .

الوافية في اصول الفقه ـ 122
  ماتت الآية ـ مات الكتاب ، ولكنه حي ، يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى ) (1) .
  ومنها : ما رواه في الصحيح : ( عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : اوصي الشاهد من امتي ، والغائب منهم ، ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة ـ أن يصل الرحم ... ) (2) الحديث .
  وغير ذلك من الروايات .
  احتج الخصم : بأنا نعلم بديهة (3) أنه لا يقال للمعدومين : ( يا أيها الناس ) ونحوه ، بل للصبي والمجنون (4) .
  والجواب :
  أولا : تسليم ذلك في المعدومين فقط ، لا في (5) المخلوط من الموجودين والمعدومين ، ولهذا قبح خطاب الغائبين فقط بمثل : ( يا أيها الناس ) دون المركب من الغائبين والحاضرين ، كما في أكثر خطابات الرؤساء والحكام وغيرهم .
  وثانيا : تسليم ذلك فيما إذا تكلم المخاطب مشافهة ، لا فيما إذا أنزل الخطابات (6) بصورة المشافهة ، وأمر جماعة ـ واحدا بعد واحد ـ بتبليغ ذلك إلى مكلفي زمانهم ، ويكون ذلك محفوظا في الكتب ، يرجع إليه من يريد ، ولهذا تجوز الوصية بالاوامر والنواهي ، مكتوبة في طومار ـ إلى من انتسب إلى الموصي


(1) الكافي 1 / 192 كتاب الحجة / باب أن الائمة هم الهداة / ح 3 .
(2) الكافي : 2 / 151 كتاب الايمان والكفر / باب صلة الرحم / ح 5 .
(3) في أ وط : بديهية .
(4) المنتهى : 117 ، معالم الدين : 108 .
(5) كلمة ( في ) : زيادة من أ .
(6) في أ : انزل الخطاب ، وفي ب : نزل الخطاب ، وفي ط : نزلت الخطابات .

الوافية في اصول الفقه ـ 123
  بعدة بطون ، وقد وقع ذلك في وصية أمير المؤمنين عليه السلام (1) وغيره ، من غير شائبة قبح أصلا .
  وفي الصبي والمجنون ـ أيضا ـ نقول : إنه يجوز خطابهم في جماعة بخطاب (2) يفهمونه عند استجماعهم لشرائط الخطاب ، إذا علم المخاطب أنهم يصيرون بهذه المنزلة ، ويعلم بقاء خطابه .
  ولا شك ولا شبهة في جواز أن يكتب الانسان كتابا ، فيه خطابات وأوامر ونواه ، ويدفعه إلى إنسان ويقول له : إن هذه الخطابات والاوامر والنواهي لكل من اطلع على كتابي ، وينبغي لك أن تبلغها إلى الناس ، ثم من بعدك ولدك ، ثم ولد ولدك ، وهكذا ، ولا يتوقف العقل في أن المخاطب حينئذ هو كل من اطلع عليها ، موجودا كان وقت تصنيف الكتاب أو معدوما ، بل نقول : لا فرق بين خطاب الغائب والمعدوم .
  مع أن خطابات الكتب والمراسيل كلها من قبيل خطاب الغائب كما لا يخفى ، ونحن نقول : إن خطابات القرآن من هذا القبيل ، لما مر .
  ويؤيده : حديث الصحف الاثني عشر المنزلة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، للائمة الاثني عشر عليهم السلام (3) ، إذ في كل منها أوامر ونواه لامام من الائمة .
  وأيضا : خطابات المصنفين ـ مثل قولهم : ( إعلم ) و: ( تأمل ) و: ( تدبر )


(1) الكافي : 7 / 49 كتاب الوصايا / باب صدقات النبي صلى الله عليه وآله وفاطمة (ع) والائمة (ع) ووصايهم / ح 7 .
(2) في أ : في جماعة الخطاب بخطاب إلى آخره .
(3) الكافي : 1 / 279 كتاب الحجة / باب أن الائمة (ع) لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزوجل ، وأمر منه لا يتجاوزونه ، و : الامامة والتبصرة من الحيرة : ص 166 / باب في أن الامامة عهد من الله تعالى / ح 20 ، وقد ورد هذا الحديث في مصادر عديدة ، انظر مجموع طرقه ومتونه في بحار الانوار : 36 / 192 وما بعدها / الباب 40 ـ باب نصوص الله عليهم من خبر اللوح والخواتيم وما نص به عليهم في الكتب السالفة وغيرها .

الوافية في اصول الفقه ـ 124
  ونحو ذلك ـ من هذا القبيل .
  واعلم : أن الغرض من هذه المسألة وذكرها ، بيان الحق فيها ، وإلا فالحق أنه لا يترتب عليها أثر ، إذ الظاهر تحقق الاجماع على مساواة كل الامة في التكاليف ، وورود بها النصوص ، وقد قال الصادق عليه السلام ـ في رواية أبي عمرو الزبيري ، في الجهاد ـ : ( لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين ، وفرائضه عليهم ، سواء ، إلا من علة ، أو حادث يكون ، والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الاولون ، ويحاسبون به كما يحاسبون . . . ) الحديث (1) .


(1) التهذيب : 6 / 127 ح 224 .

الوافية في اصول الفقه ـ 125
  المقصد الثاني : في الخصوص :
  وفيه مباحث :
  الاول : الحق جواز تخصيص العام إلى أي مرتبة كانت ، ما لم يستلزم استدراكا في الكلام ، حتى إلى الواحد ، بعد نصب القرينة على مرتبة التخصيص (1) ، فلا يجوز طرح نص شرعي كان العام الواقع فيه مخصصا إلى الواحد ، بعد تحقق المخصص المخصوص ، المانع من إرادة الاكثر من الواحد بلا معارض أصلا ، إلا أن الظاهر عدم وقوع تخصيص العام إلى الواحد في الشرعيات .
  والمفرد المحلي باللام المستعمل في الاحد : الظاهر أن لامه للعهد ، أو استعماله للتعظيم ، وهو كثير في الحقيقة ، كما حقق .
  لنا : أصالة الجواز من غير مانع .


(1) وهو اختيار السيد المرتضى : الذريعة : 1 / 297 ، والشيخ الطوسي : عدة الاصول : 1 / 149 ، وحكاه في المعالم عن السيد ابن زهرة : معالم الدين : 110 ، وللعلامة تفصيل في المقام انظره في : تهذيب الوصول : 39 .