الوافية في اصول الفقه ![]() عرفية : عامة أو خاصة . ولا ريب في وجود الاخيرتين . وأما الشرعية : ففي وجودها خلاف (1) ، والحق : وجودها . لنا : تبادر الاركان المخصوصة من لفظ الصلاة ، والقدر المخرج من المال من لفظ الزكاة ، والقصد الخاص من لفظ الحج (2) ، ونحو ذلك ، مع أن هذه الالفاظ موضوعة في اللغة لمعان اخر . والتبادر من أمارات الحقيقة ، فإن قلت : أردت التبادر في كلام الشارع ، أو المتشرعة ـ أعني الفقهاء ـ ؟ الاول ممنوع ، والثاني مسلم ، ولا يثبت به إلا الحقيقة العرفية . قلت : إنكار التبادر في كلام الشارع ، مكابرة باللسان لما يحكم به الوجدان ، فإنه لا شك في حصول هذه المعاني في الأذهان من مجرد (3) سماع هذه الالفاظ في أي كلام كان . غايته أنك تقول : إن هذا التبادر لاجل المؤانسة بكلام المتفقهة . فنقول : هذا غير معلوم ، بل الظاهر أنه لكثرة استعمال الشارع هذه الالفاظ في هذه المعاني . والحاصل : أنا نقول إن التبادر معلوم ، وكونه لاجل أمر غير الوضع ، غير معلوم ، فنحكم بالحقيقة ، وإلا لم تثبت أكثر الحقائق اللغوية والعرفية ، إذ احتمال كون التبادر بواسطة أمر خارج (4) ، جار في الاكثر ، واعلم : أن هذه المسألة قليلة الفائدة ، إذ صيرورة هذه الالفاظ حقائق
الوافية في اصول الفقه ![]() المعنى الفلاني هو المراد من اللفظ في هذا الموضع . وبعد تسليم الحصول ـ أحيانا ـ لا دليل على جواز الاعتماد على مثل هذه الظنون في الاحكام الشرعية ، فإنها ليست من الظنون المسببة (1) عن الوضع . الرابع : إطلاق المشتق ـ كاسم الفاعل والمفعول ونحوهما ـ على المتصف بمبدئه بالفعل حقيقة ، إتفاقا ، كالضارب لمباشر الضرب . وقبل الاتصاف بالمبدأ ؟ المشهور : أنه مجاز ، وادعى جماعة الاتفاق عليه ، وقال صاحب الكوكب الدرّي : ( إطلاق النحاة يقتضي أنه إطلاق حقيقي ) (2) . وأما بعد زوال المبدأ ، كالضارب لمن انقضى عنه الضرب ؟ ففيه أقوال : أولها : مجاز مطلقا . ثانيها : حقيقة مطلقا (3) . ثالثها : إن كان مما يمكن (4) بقاؤه فمجاز ، وإلا فحقيقة (5) . وتوقف جماعة كابن الحاجب (6) والآمدي (7) . وذكر الرازي (8) والآمدي (9) والتبريزي ـ في اختصار المحصول (10) ـ وجماعة اخرى (11) : أن محل الخلاف ما إذا لم يطرأ على المحل وصف وجودي
الوافية في اصول الفقه ![]() الافعال (1) . مما يأبى عنه الطبع السليم في أكثر الامثلة ، وغير موافق لمعنى مبادئها على ما في كتب اللغة . وقال الشارح الرضي (2) ، نقلا عن أبي علي والرماني (3) : ( إن اسم الفاعل مع اللام فعل في صورة الاسم ) قال : ( ونقل ابن الدهان ذلك أيضا عن سيبويه ، ولم يصرح سيبويه بذلك ، بل قال : الضارب زيدا بمعنى ضرب ) انتهى (4) . والحاصل : أن استعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي في كلامهم أكثر من أن يحصى ، والاصل في الاستعمال الحقيقة ، وكذا غيره من المشتقات . ومن فروع المسألة ما لو قال أحد : ( وقفت الشيء الفلاني على سكان موضع كذا ) فهل (5) يبطل حق الساكن بالخروج عن الموضع مدة قليلة أو كثيرة ، على وجه الاعراض أو غير وجه الاعراض ؟ وقد عرفت التحقيق .
الوافية في اصول الفقه ![]() الاول في الامر : وفيه مباحث : الاول : في أن صيغة الامر هل تقتضي الوجوب أو لا ؟ . اختلف الناس في ذلك ، فقيل : إنها للوجوب (1) ، وقيل : للندب (2) ، وقيل : للقدر المشترك بينهما وهو الطلب (3) ، وقيل : باشتراكها بينهما لفظيا (4) ، وقد تدرج الاباحة فيها (5) لفظيا أو معنويا (6) باعتبار الاذن في الفعل ، وقد يدرج
الوافية في اصول الفقه ![]() حقيقة صيغة الامر ، كما ستطلع عليه . الثالث : كثرة ورود الامر في الأحاديث متعلقا بأشياء بعضها واجب وبعضها مندوب ، من دون نصب قرينة في الكلام ، وهذا غير جائز لو لم يكن حقيقة في القدر المشترك . وكذا كثرة وروده متعلقا بالامور الواجبة وكذا بالمندوبة ، من دون نصب القرينة في الكلام . لا يقال : على تقدير كون الصيغة حقيقة في القدر المشترك ، كيف يجوز استعمالها في الواجب (1) أو الندب ، بدون القرينة ؟! إذ المجاز مما لابد له من القرينة ؟ ! لانا نقول : الصيغة ليست مستعملة إلا في الطلب ، وإنما يعرف كون متعلقه (2) جائز الترك أو غير جائز الترك ، من موضع آخر (3) ، فليست إلا مستعملة في معناها الحقيقي . والقول باحتمال اقترانها بالقرينة حين الخطاب وخفائها علينا الآن ، مما يأبى عنه الوجدان ، لبعد خفائها في هذه المواضع على كثرتها ، ولاشتراك التكاليف بيننا وبينهم (4) .
الوافية في اصول الفقه ![]() وجوابه ظاهر ، لبطلان تفسير الاستطاعة بالمشيئة . وثانيهما : مساواة الامر والسؤال إلا في الرتبة ، والسؤال إنما يدل على الندب ، فكذا الامر (1) . وجوابه : منع المساواة أولا ، ونص أهل اللغة عليها غير ثابت ، ومنع دلالة السؤال على الندب ثانيا . المقام الثاني : إن امتثال الاوامر الشرعية واجب إلا مع دليل يدل على جواز ترك الامتثال ، والدليل عليه أيضا من وجوه : الاول : أن امتثال الامر طاعة ، إذ ليس معنى الطاعة إلا الانقياد كما صرح به أرباب اللغة ، وحصول الانقياد بامتثال الامر بديهي ، وترك الطاعة عصيان ، لتصريح أهل اللغة بأن العصيان خلاف الطاعة (2) ، والعصيان حرام ، لقوله تعالى : ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ) (3) . الثاني : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) (4) مع الآيات الدالة على ذم ترك الطاعة ، كقوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ) (5) وغيرها . الثالث : قوله تعالى : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) (6) .
الوافية في اصول الفقه ![]() طاعتهم أيضا ، لما مر ، ولما رواه الكليني ، في باب فرض طاعة الائمة عليهم السلام من الكافي ، بسنده عن بشير العطار ، قال : ( سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : نحن قوم فرض الله طاعتنا ، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته ) (1) . وبسنده ( عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل : ( وآتيناهم ملكا عظيما ) ) (2) قال : ( الطاعة المفروضة ) (3) . وفي الصحيح : عن أبي الصباح الكناني ، ( قال : قال أبوعبدالله عليه السلام : نحن قوم فرض الله عزوجل طاعتنا ... ) الحديث (4) . وروى الحسين بن أبي العلاء ، في الصحيح : ( قال : ذكرت لأبي عبدالله عليه السلام قولنا في الاوصياء : إن طاعتهم مفترضة ؟ قال : فقال : نعم ، هم الذين قال الله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) (5) وهم الذين قال الله عزوجل ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) ) (6) . وفي الصحيح : ( عن معمر بن خلاد قال : ( سأل رجل فارسي أبا الحسن عليه السلام ، فقال : طاعتك مفترضة ؟ فقال : نعم . قال : مثل طاعة علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال : نعم ) (7) . وفي الموثق : ( عن أبى بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : سألته عن
الوافية في اصول الفقه ![]() وهو كالاذن في الفعل ، أمر مشترك بين الاباحة والندب والوجوب فالاباحة : مثل ( واذا حللتم فاصطادوا ) (1) . والندب : مثل ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض ) (2) . والوجوب : مثل ( فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) (3) . لنا : تبادر رفع المنع من الفعل والظاهر أنها مجاز في هذا المعنى ، والتبادر لاجل القرينة ، وهي مسبوقية الصيغة بالمنع المحقق أو المحتمل ، وتعليقها على زوال علة المنع في البعض . وأيضا : إجراء أدلة الوجوب والندب لا يتصور فيما نحن فيه ، لانه فرع فهم الطلب من (4) الصيغة ، وفرديتها لمفهوم الامر ، مع أنها ليست كذلك فيما نحن فيه (5) . البحث الثاني : اختلفوا في دلالة صيغة الامر على الوحدة والتكرار على أقوال : ثالثها ـ وهو الحق ـ : عدم دلالتها على شيء منهما . لنا : تبادر مجرد طلب الفعل من الصيغة ، من غير فهم شيء من الوحدة والتكرار منها (6) ، كالزمان والمكان وغيرهما من المتعلقات (7) ، والمنكر مكابر .
![]() | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ||||||||||||||||||||||||||||||||||
(1) في أ وب وط : يبتني ، بدل يبنى ، وفي الاصل : عليها ، بدل : عليه . (2) قارن هذا التعريف بما جاء في الذريعة : 1 / 7 ، والمستصفى : 1 / 5 ، والمحصول : 1 / 12 ، والمعارج : 47 ، وتهذيب الوصول : 3 ، لترى إنفراده به وعدم متابعتهم فيما ذكروه من التعاريف . (3) كذا في ب وط ، وفي الاصل وأ : عنه . |