أقول : قد صرّحوا بذلك في أكثر كتبهم في الفروع ، و صرّحوا في جميع كتب الاصول ، بنفي السهو عنهم عليهم السلام على وجه العموم و الإطلاق
---------------------------
(1) إنّ الكلام في مسألة سهو النبي صلى الله عليه و آله مبسوط في أغلب كتب المقالات و الكلام ، ومذهب الشيعة الإماميّة في هذه المسألة هو : نفي السهو و النسيان عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام ، و قد أجمعوا على ذلك ، إلّا من شذّ كالصدوق و شيخه اللذان نسبا السهو إلى رسول الله صلّى الله عليه و آله و ذلك من خلال خبر ذي اليدين الذي رووه ، و قد كتب في ردّهما و تفنيد ما استندا عليه كثير من العلماء و الفقهاء ، و في مقدمة هؤلاء الشيخ المفيد محمد بن النعمان قدّس سرّه ، و السيّد المرتضى ، و قد كتب أحدهما رسالة مفردة في الردّ على الصدوق في هذه المسألة : و قد أدرجها بتمامها العلّامة المجلسي قدّس سرّه في بحار الأنوار (17 / 104) ، كما انّه فصّل الكلام في المسألة ، و أطنب في بيان شذوذ تلك الأخبار التي استند إليها القائلون بالسهو .
و لم يقتصر ردّ الصدوق في هذه المسألة على الكتب الكلامية فحسب ، بل ، تجد ردّه في كثير من الكتب الفقهية أيضاً كالتذكرة و المنتهى للعلاّمة وغيرها .
التنبيه بالمعلوم
_ 48 _
الشامل للعبادة و غيرها ، و أوردوا أدلّة كثيرة شاملة للعبادة ، و لا يحضرني جميع تلك الكتب ، فأنا أذكر ما أمكن إيراده الآن من ذلك .
قال الشيخ الأجل رئيس الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدّس الله سرّه في التهذيب بعد ما روى حديثاً : ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ما سجد سجدتي السهو قطّ و لا يسجدها فقيه
(1) .
قال محمد بن الحسن : الّذي أفتي به ما تضمّنه هذا الخبر ، و أمّا الأخبار التي قدّمناها من انّ النبي سها فسجد ، فانها موافقة للعامّة ، و انّما ذكرناها لأن ما تضمّنته من الأحكام معمول به على ما بيّناه
(2) ، انتهى .
و قال في موضع آخر بعدما أورد حديثين بعنوان المنافاة ، بتضمّنان قصة ذي الشمالين ما هذا لفظه : على انّ في الحديثين الأوّلين ما يمنع من التعلّق بهما ، وهو حديث ذي الشمالين و سهو النبي صلّى الله عليه و آله و هذا ممّا تمتنع
(3) العقول منه ،
(4) انتهى .
و قال في كتاب الاستبصار في باب السهو في صلاة المغرب ، بعدما أورد حديثين بعنوان المنافاة ، و جمع بينهما و بين الأحاديث السابقة ، ثمّ قال : مع انّ الحديثين ما يمنع من التعلّق بهما ، وهو حديث ذي الشمالين و سهو النبي صلّى
---------------------------
(1) التهذيب 2 : 180 ح 726 ، عنه بحار الأنوار 17 : 102 ح 8 .
(2) و الخبر أقوى ممّا تقدّم سنداً ، و فيما تقدّم دليل على أن هذا المضمون كان مشهوراً بين العامّة ، فالأخبار واردة في شرح ما يقولونه .
(3) في ب : تمنع .
(4) التهذيب 2 : 180 ح 724 و 725 .
التنبيه بالمعلوم
_ 49 _
الله عليه و آله ، و ذلك ممّا تمنع منه الأدلّة القاطعة في انّه لا يجوز عليه السهو و الغلط .
(1)
و قال في الاستبصار أيضاً بعد ذكر حديث في باب من صلّى بقوم على
(2) غير وضوء مضمونه : إنّ عليّاً عليه السلام صلّى بقوم على غير طهر ثم نادى مناديه : انّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بكم على غير طهر ، فاعيدوا ...
(3) .
قال : هذا خبر شاذ مخالف للأحاديث ، و ما هذا حكمه لا يعمل عليه ، و قد تضمّن أيضاً من الفساد ما ما يقدح في صحّته ، وهو انّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى بالناس على غير وضوء ، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه السلام ، انتهي .
و قال في التهذيب
(4) أيضاً مثل ذلك عند ذكر هذا الحديث .
و قال الشيخ المفيد قدّس سرّه في رسالة منسوبة إليه
(5)في الردّ على من ذهب إلى تجويز السهو على النبيّ صلّى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام في العبادة .
ـ و ربّما نسبت الرسالة إلى السيّد المرتضى
(6)ـ ، و الأول أرجح ، قال
---------------------------
(1) الاستبصار 1 : 371 .
(2) كذا في (ب ، د) و المصدر ، و في ج : من .
(3) الاستبصار 1 : 433 ح 5 .
(4) التهذيب 3 : 40 ح 6 .
(5) و هي رسالة في عدم سهو النبي صلّى الله عليه وآله ، حيث ردّ فيها على الرواية التي تزعم انّ النبي صلّى الله عليه وآله صلّى صلاة رباعيّة و سلّم فيها على ركعتين ـ سهواً ـ .
(6) الرسالة المنسوبة للسيّد المرتضى قدّس سرّه هي غير هذه الرسالة ، و هي رسالة في تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام .
التنبيه بالمعلوم
_ 50 _
فيها ما هذا لفظه :
و قد وقفت بها أيّها الأخ على ما كتبت به في معنى ما وجدته
(1) لبعض مشايخك
(2) ، فيما يضاف إلى النبي صلّى الله عليه و آله من السهو في الصلاة ، و النوم عنها حتى خرج وقتها .
ثم نقل مضمون عبارة الصدوق الأتية ـ ألى أن قال ـ : وسألت ـ أعزّك الله [ بطاعته ]
(3) ـ أن اُثبت لك ما عندي فيما حكيته [عن هذا الرجل ]
(4)، و ابين عن الحق في معناه ، و أنا مجيبك إلى ذلك ، و الله الموفّق للصواب .
اعلم ، انّ الّذي حكيت عنه [ ما حكيت ، ممّا قد أثبتناه ]
(5) قد تكلّف ما ليس من شأنه ، فأبدى [ بذلك ]
(6) عن نقصه في العلم وعجزه ، و لو كان ممّن وفّق لرشده لما تعرّض له ، اما لا يحسنه ، و لاهو من صناعته ، و لا يهتدي إلى معرفته ، لكن الهوى مُردٍ لصاحبه
(7) ، نعوذ بالله من سلب التوفيق ، و نسأله العصمة من الضلال ، و نستهديه في سلوك نهج الحق ، [ وواضح الطريق
---------------------------
(1) في د : رجوته .
(2) و يقصد به الشيخ الصدوق قدّس سرّه ، و الذي روى حديثاً مسنداً إلى الحسن بن محبوب ، عن الرباطي ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام : إن الغلاة من المفوّضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه و آله ، و يقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أن لاتبليغ عليه فريضة ...) إلى آخر كلامه .
ثم قال : وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول : أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلّى الله عليه وآله ...) .
انظر : من لا يحضره الفقيه 1 : 233 / 1031 .
(3) ليس في ج .
(6،5،4) ليس في النسخ / و ما أثبتناه من الرسالة المنسوبة للشيخ المفيد في عدم سهو النبي صلّى الله عليه و آله .
(7) مُرد لصاحبه : أي مُهلك .
التنبيه بالمعلوم
_ 61 _
الغلو ، بل القول بجوازه من التقصير في الاعتقاد .
(1)
و قال العلامة في المنتهى في مسألة التكبير في سجدتي السهو بعدما روى حديثاً في سهو النبي صلّى الله عليه و آله : والجواب : هذا الحديث عندنا باطل لاستحالة السهو على النبي صلى الله عليه و آله .
(2)
و قال في مسألة أخرى : قال الشيخ : وقول مالك باطل لاستحالة السهو على النبي صلى الله عليه و آله .
(3)
و قال في المختلف بعدما ذكر حديث السهو : انه مشتمل على ما هو متروك بالجماع و هو سهو النبي صلى الله عليه وآله ـ ثم قال : وأمّا اشتماله على السهو فانّه يحمل على الترك لتعريف العباد أحكام السهولما علم أنّ الصحابة كانوا يصيرون إلى أقواله أذا اقترنت بأقواله غالباً
(4) .
و لهذا شكى إلى اُمّ سلمة ذلك فأراد تعريفهم أحكام الصلاة بالقول و الفعل و يكون قد صلّى بهم ركعتين واجبتين
(5) غير الرباعية لهذه الفائدة على انّ ابن بابويه قال قولاً ضعيفاً لا يصار إليه ثم ذكر عبارته الآتية ـ ثم قال : ـ هذا آخر كلام ابن بابويه وهو خارج عن سنن الصواب ، والحق رفع منصب النبي صلّى الله عليه و آله عن السهو و قد بيّناه في كتبنا الكلامية إذ هو الموضع
---------------------------
(1) شرح اعتقادات الصدوق : 135 ، و المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد .
(2) منتهى المطلب 1 : 418 ، ط الحجرية .
(3) منتهى المطلب 1 : 419 ، ط الحجرية .
(4) في ( ب ، ج ) : غائباً .
(5) في د : واختير .
التنبيه بالمعلوم
_ 62 _
المختص به ،
(1) انتهى .
[ و يحكي عن الشيخ بهاءالدين رحمه الله : إنّ سائلاً سأله عن قول ابن بابويه : إنّ النبيّ قد سهى ، فقال : بل ابن بابويه قد سهى ، فانّه أولى بالسهو من النبي صلّى الله عليه و آله .
وهذا جواب حسن في غاية الجودة .
و يمكن أن يجاب بمثله عن قول ذي اليدين ورواية من روى السهو فانّهما أحقّ بالغلط و السهو ، و يأتي تحقيق المقام إن شاء الله تعالى ]
(2) .
و قد صرّح علمائنا في كتب الاُصوليين
(3) بما يقتضي نفي السهو .
أمّا في كتب اُصول الدين ففي مقام اثبات العصمة ، و نفي الخطأ و السهو و النسيان عن النبيّ صلّى الله عليه و آله و الإمام عليه السلام بقول مطلق قبل النبوّة و الإمامة و بعدهما ، أعمّ من أن يكون في العبادة أو غيرها ، و الاستدلال على ذلك بأدلّة واضحة في شمول العبادة كما يأتي إن شاء الله تعالى .
و أمّا في كتب اصول الفقه ، فحيث يذكرون انّ السنّة التي يجب اتّباعها و العمل بها ، و التعويل عليها هي قول النبيّ و الإمام ، أو فعلهما ، أو تقريرهما .
ثمّ يبحثون عن الفعل ، ويقسّمونه إلى أقسام ، و يحضرونه في شقوق حاصلها الوجوب والندب و الإباحة ، ولا يذكرون الكراهة فضلاً عن التحريم
---------------------------
(1) مختلف الشيعة 2 : 359 .
(2) من ج فقط .
(3) في هامش ج : الاُصولين ، أي اُصول الدين و اُصول الفقه ، (منه رحمه الله) .
التنبيه بالمعلوم
_ 63 _
أو السهو ، ثمّ يحكمون بان فعله صلّى الله عليه وآله دالّ على الجواز صريحاً ، وعلى الاستحباب و الوجوب مع القرينة الدالّة على وجهه ، و أنّ تركه صلّى الله عليه و آله دالّ على نفي الوجوب صريحاً ، و على الكراهة و التحريم مع القرينة ، و كلّ ذلك يقتضي أن يكون فعله صلّى الله عليه و آله حجّة عندهم مطلقاً ، و انّه نوع من التبليغ لوجوب اتّباعه و الاقتداء به بنصّ القرآن ، و غيره من الأدلّة .
و بالجملة فعبادته صلّى الله عليه و آله تبليغ قطعاً ، و تبليغه عبادة ، فبطل الفريق بينهما كما يأتي نقله ،ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه و آله : ( صلّوا كما رأيتموني اُصلّي )
(1) ، و ( خذوا عنّي مناسككم )
(2) إلى غير ذلك .
و هذه الإشارة كافية عن نقل عبارات الأصحاب في كتب الاُصوليين فارجع إليها فانّها دالّة على ما قلناه .
و قد صرّح ابن طاووس في الطرائف
(3) و غيره بمثل ما تقدّم من عبارات
---------------------------
(1) انظر : شرح الموطأ 1 : 142 ، المغني لابن قدامة 1 : 460 ، كنز العمّال 7 : 201 ، صحيح البخاري 2: 52،سن الدرامي 1 : 230 ،مسند أحمد 5 : 53 ، و فيه (تروني) بدلاً من (رأيتموني) .
وأخرجه العلّامة الحلّي في الرسالة السعدية : 96 .
(2) السنن الكبرى للبيهقي 5 : 125 ، التمهيد لابن عبد البر 2 : 69 و 91 و 98 ، فتح الباري 1 : 217 و 499 ، اتحاف السادة المتّقين للزبيدي 4 : 437 ، البداية و النهاية 5 : 184 و 215 ، إرواء الغليل للألباني 4 : 271 .
(3) قال ابن طاووس في الطرائف : و من ذلك ما رواه في الجمع بين الصحيحين للحميدي في الحديث الخامس و الأربعين بعد المائتين من المتّفق عليه من مسند أبي هريرة في حديث يزيد بن إبراهيم عن محمد بن أبي هريرة قال : صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه و آله إحدى صلاتي العشي ـ قال محمد ـ يعني إبن سيرين ـ وأكثر ظنّي العصرـ ، فسلّم في ركعتين ، ثمّ قام إلى خشبة في مقدّم المسجد فوضع يده عليها مغضباً ، و فيهم أبوبكر و عمر فهابا أن يكلّماه ، و خرج سرعان الناس فقالوا : أقصرت في الصلاة ؟ و هناك رجل يدعوه النبي صلّى الله عليه و آله ذا اليدين ، فقال : يا =
التنبيه بالمعلوم
_ 64 _
الأصحاب .
وقد صنّفوا في ذلك كتباً و رسائل ، منها رسالة الشيخ المفيد التي نقلنا بعضها و ننقل باقيها إن شاء الله تعالى .
و منها ما ذكره النجاشي في كتاب الرجال حيث قال : إسحاق بن الحسين بن بكران أبو الحسين الغفري
(1) التمّار كثير السماع ،
---------------------------
= نبي الله أنسيت أم قصرت الصلاة ؟
فقال : لم أنس و لم تقصر الصلاة .
قال : بلى ، قد نسيت .
قال : صدق ذو اليدين ، فقام فصلّى ركعتين ، ثمّ سلّم ، ثمّ كبّر ، فسجد مثل سجوده و أطول ، ثمّ رفع رأسه و كبّر .
( قال عبد المحمود :) يا بشرى لمن فارق هؤلاء الأربعة مذاهب القائلين عن نبيّهم مثل هذه المقالات ، المصدّقين عنه لهده الروايات .
ومن طريف هذا الحديث أنّ أبابكر و عمر كانا ذاكرين انّه غلط وسهى ، ليت شعري من عرف من الرواة باطنهما حتى شهد لهما بذلك ، أو من شهد لهما بالعصمة حتى يصدّقهما أنّهما كانا أكمل من نبيّهم و أحضر فكراً وأشدّ بصيرة ، و ليت شعري من أين لهما أنّه غلط و سهى ، و هلا جوّزوا أن يكون قد قصرت الصلاة و صارت ركعتين و نسخت منها ركعتان ؟!
وكيف استجازا سوء الظن به بما قالا فيه انّه سهى و غلط قبل أن يعترف به كما زعموا ؟!
و ليت شعري كيف استحسن رواة هذا الحديث و مصحّحوه أن يذكروا عن نبيّهم أنّه غلط و سهى ، ثمّ يذكرون أنّ أبابكر وعمر من دون الصحابة و دون بني هاشم و عترة نبيّهم على وجه التنزيه لهما و أنّهما هابا أن يكلّماه ، يعني أنّهما كانا منزّهين في هذه عن السهو .
و ليت شعري من يروي عنهما ما تقدّم و ما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى من الإقدام على الإنكار على نبيّهم في عدّة مقالات و مقامات ، وكيف يستحسن أن يكذّبوا انفسهم و يناقضوا و يباهتوا و يتولّوا في هذ الرواية انّهما هاباه ...( انظر : الطرائف : 365 ـ 367 ) .
(1) كذا ورد اسمه في سائر النسخ ، و في د : ( أبو الحسن ) بدل ( أبو الحسين ) ، و في رجال النجاشي : اسحاق بن الحسن بن بكران أبو الحسين العَقرائيّ .
التنبيه بالمعلوم
_ 65 _
[ ضعيف في مذهبه ،]
(1) رأيته بالكوفة و هو مجاور بها ، و كان يروي كتاب الكليني عنه [ و كان في هذا الوقت
(2) غلوّاً ]
(3) ، و لم أسمع منه شيئاً ، له كتاب الرد على الغلاوة ، و كتاب نفي السهو عن النبي ، و كتاب عدد الأئمّة
(4) .
وغير ذلك مما لا يحضرني ذكره و الله الموفق .
---------------------------
(1و2) من المصدر .
(3) قال السيّد الخوئي (قدّس سرّه) : الظاهر انّ جملة (هذا الوقت ) في كلامه إشارة إلى زمان رواية إسحاق كتاب الكليني ، و المراد انّ روايته لهذا الكتاب كان في عنفوان شبابه و لم يكن النجاشي في ذلك الزمان موجوداً ، و لأجله لم يسمع منه شيئاً و انّما أدركه في زمان شيبه و هو مجاور الكوفة .
راجع المعجم رجال الحديث 3 : 45 .
(4) رجال النجاشي : 74 رقم (178) .
التنبيه بالمعلوم
_ 66 _
الفصل الثاني
في ذكر عبارة من جوز السهو على النبي
و الإمام في العبادة الخاصّة
و هو إبن بابويه وحده كما وقع التصريح به سابقاً ، وان نسبه إلى بعض مشايخه كما يأتي ، فانّه لم يوجد لمن نسبه إليه تصريح به غير نقل ابن بابويه عنه ، وهو محتمل للسهو و الغلط و الاشتباه .
قال أبو جعفر بن بابويه في كتاب من لا يحضرن الفقيه : و روى الحسن بن محبوب ، عن الرباطي ، عن سعيد الأعرج ، قا ل: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنّ الله تبارك و تعالى أنام رسول الله صلّى الله عليه و آله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، ثمّ قام فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر ، [ثمّ صلّى الفجر]
(1) ،وأسهاه في صلاته ، فسلّم في الكعتين ـ ثمّ وصف ما قاله ذوالشمالين ـ و انّما فعل ذلك به ، رحمة لهذه الاُمّة لئلّا يعيّر الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته أو سها فيها ، فيقال : قد أصاب ذلك رسول الله صلّى الله
---------------------------
(1) من المصدر .
التنبيه بالمعلوم
_ 68 _
عليه و آله
(1) .
ثم قال ابن بابويه بعد ذكر هذا الحديث :
قال مصنّف هذا الكتاب :
إنّ الغلاوة و المفوّضة ـ لعنهم الله ـ ينكرون سهو النبي صلّى الله عليه و آله و يقولون : لوجاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة كماأن التبليغ عليه فريضة .
و هذا لا يلزمنا ، و ذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ صلّى الله عليه و آله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد بالصلاة كغيره ممّن ليس بنبيٍّ
(2)، وليس كلّ من سواه بنبيّ [ كهو]
(3) ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة و التبليغ من شرائطها ، و لايجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع [ عليه ]
(4) في الصلاة ، لأنّها عبادة مخصوصة ، و الصلاة عبادة مشتركة ، و بها تثبت له العبوديّة ، و بإثبات النوم له عن خدمة ربّه عزّ وجلّ من غير إرادة له و قصد منه إليه نفي الربوبيّة عنه ، لأنّ الّذي لا تأخذه سنةٌ و لا نومٌ هو الله الحيّ القيّوم ، و ليس سهو النبي صلّى الله عليه و آله كسهونا ، لأنّ سهوه من الله عزّ وجلّ ، و إنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يُتّخذ معبوداً
(5) دونه ، و ليعلم الناس بسهوه حكم السهو متي سهوا ، و سهونا من
---------------------------
(1) من لا يحضر الفقيه 1 : 358 ، ومن قوله : (وانّما فعل ذلك ... الخ) يمكن أن يكون من تتمّة الخبر ، و يمكن أن يكون من كلام المصنّف .
(2) في ب : مبني .
(3و4) من المصدر .
(5) كذا في النسخ ، وفي المصدر : يُأخذ ربّاً معبوداً .
التنبيه بالمعلوم
_ 69 _
الشيطان و ليس للشيطان
(1) على النبيّ صلّى الله عليه وآله و الأئمّة عليهم السلام سلطانٌ ، ( إنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الّذِينَ يَتَولّونَهُ و الّذِينَ هُم بِهِ مُشرِكُونَ )
(2) و على من تبعه من الغاوين .
ويقول الدافعون لسهو النبيّ صلّى الله عليه وآله : إنّه لم يكن في الصحابة من يقال له : ذو اليدين ، وإنّه لا أصل للرجل و لا للخبر ، و كذبوا ! لأنّ الرجل معروف و هو أبو محمد عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين فقد نقل عنه المخالف و المؤالف ، وقد أخرجت عنه أخباراً في كتاب وصف [قتال]
(3) القاسطين بصفّين .
و كان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يقول : أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبيّ صلّى الله عليه وآله .
فلو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى ، لجاز أن تردّ جميع الأخبار ! و في ردّها إبطال الدِّين و الشريعة ، وأنا أحتسب الأجر في تأليف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلّى الله عليه و آله و الردّ على منكريه إن شاء الله تعالى ،
(4) ( انتهى كلام ابن بابويه ) .
---------------------------
(1) في د : الشيطان .
(2) سورة النحل : 100 ، و ذكر الآية هنا لا يناسب المقام لأنّها قي شأن الفسّاق أو الكفّار الذين يتولّونه ، و يفهم من كلام المصّف في ذكر الآية انّ السهوالشيطاني لا يكون الّا ممّن يتّخذ الشيطان له وليّاً مع انّ العلماء من المؤمنين يعرض لهم الشكّ في الصلاة ولم يتّخذوا الشيطان لهم وليّاً .
(3) من المصدر .
(4) راجع من لا يحضره الفقيه 1 : 358 ـ 360 .
أقول : خلاصة كلام الصدوق قدّس سرّه أن ما يجوز السهو عليه إسهاه الله إيّاه لمصلحة كنفي الربوبيّة عنه حتى لا يُتّخذ ربّاً ، و إثبات انّه بشر مخلوق ، و إعلام الناس حكم سهوهم في العبادات=
التنبيه بالمعلوم
_ 70 _
و هو كما ترى ضعيف جداً لما يأتي بيانه ان شاء الله .
و نقله الشيخ المفيد رحمه الله في أوّل رسالته ، ثمّ ذكر بعده الكلام الذي نقلناه سابقاً .
واعلم إنّ الطبرسي رحمخ الله في مجمع البيان ، عند قوله تعالى : وَ إمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيطَانُ فَلَا تَقعُد بَعدَ الذِّكرَى )
(1) نقل عن الجبائي أنّه قال : في هذه الآية دلالة على بطلان قول الإمامية في أنّ النسيان لا يجوز على الأنبياء .
ثم قال الطبرسي : و هذا [القول ]
(2) غير صحيح ، لأنّ الإمامية لا يجوّزون السهو عليهم فيما يؤدّونه عن الله ، فأمّا ما سواه فقد جوّزوا عليهم أن ينسوه أويسهوا عنه ما لم يؤدّ ذلك إلى إخلال بالعقل .
(3) (انتهى) .
و أقول : نقل الجبائي عن الإمامية صحيح كما عرفت ، و لم يعتبر قول من شذّ منهم ، و اعتراض الطبرسي عليه حاصله :
أنّ الإمامية غير مجمعين على ذلك ، بل جوّز بعضهم السهو و النسيان فيجب حمل قوله : جوّزوا ، على معنى جوّز بعضهم ، وإلّا كان الكلام غير
---------------------------
= وأمثاله ، وأما السهو الذي يعترينا فإنّه من الشيطان ، و الرسول صلّى الله عليه وآله منزّه عن ذلك و ليس للشيطان عليه سلطان ولا سبيل ، فالسهو عند الصدوق نوعين نوع من الشيطان وهو مختص ببني البشر باستثناء المعصومين ، و سهو من الله و الذي يشمل المعصومين و غيرهم لمصلحة يقدّرها الله سبحانه و تعالى .
(1) سورة الأنعام : 68 .
(2) ليس في د .
(3) مجمع البيان 7 : 317 .
التنبيه بالمعلوم
_ 71 _
صحيح كما لا يخفى .
ثمّ أنّه لم يصرّح الطبرسي بجواز ذلك في هذا الكلام كما ترى ، مع أنّ الآية محتملة لكون الخطاب عاماً كما في( وَلَو تَرَى إذ وَقَفُوا )
(1) أو الخطاب للنبي صلّى الله عليه و آله ، و المراد غيره كما في قوله تعالى( لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبطَنَْ عَمَلُكَ )
(2) .
و يحتمل كون النسيان بمعنى الترك
(3) ، و ابن بابويه أيضاً لابدّ من تأويله للآية كما يأتي إن شاء الله .
---------------------------
(1) سورة الأنعام : 27 و 30 .
(2) سورة الزمر : 65 .
(3) وهو إحتمال بعيد لا يوافق سياق الآية و معناها .
التنبيه بالمعلوم
_ 72 _
الفصل الثالث
في ذكر جملة ممّا يدلّ على نفي السهو والشك
والنسيان عن النبي والائمة عليهم السلام
و بطريق العموم و الإطلاق الشامل للعبادة و غيرها ، من الآيات القرآنيّة ، و حجّيتها على العصمة و غيرها معلومة ، وذلك ممكن من آيات كثيرة ، بعضها دالّ مع ضميمة مقدّمة اُخرى ثابتة ، أو رواية اُخرى معتمدة ، و لنقتصر من ذلك على اثني عشر آية :
الاُولى : قوله تعالى :
(إنَْ اللهَ اصطَفَى آدَمَ وَ نُوحَاً وَ آلَ إبرَاهيمَ وَ آلَ عِمرانَ عَلَى العَالَمينَ )
(1).
قال رئيس المفسّرين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي قدّس سرّه في كتاب مجمع البيان :
الاصطفاء و الاجتباء و الاختيار نظائر ، و هو افتعال من الصفوة ، و هذا من
---------------------------
(1) سورة آل عمران : 33 .
التنبيه بالمعلوم
_ 74 _
أحسن
(1) البيان الّذي يمثّل به المعلوم بالمولى
(2) ، و ذلك أنّ الصافي هو الخالص
(3) من شوائب الكدر فيما يشاهد ، فمثّل الله خلوص هؤلاء القوم من الفساد ظاهراً و باطناً بخلوص الصافي من شوائب الأدناس ـ إلى أن قال ـ و آل عمران ، قيل : هم آل إبراهيم و في قراءة أهل البيت عليهم السلام و آل محمد ، وقالوا أيضاً : آل إبراهيم : آل محمد ، و يجب ان يكونوا معظّمين ، معصومين ، منزّهين عن القبائح و النقص ، لأنّ الله لا يختار الأمر يكون كذلك
(4) ، و يكون ظاهره مثل باطنه في الطهارة و العصمة .
و في الآية دلالة على تفضيل الأنبياء على الملائكة ، لأنّ العالمين يعمّ الملائكة و غيرهم من المخلوقات ، و الله سميع لما تقوله الذرّيـّة ، عليم بما يضمرونه ، فلذلك فضّلهم على غيرهم لما في معلومه من استقامتهم في أفعالهم و أقوالهم .
(5) (انتهى) .
أقول : و الاستدلال بالآية من وجوه .
أحدها : دلالتها على العصمة التي يلزمها وجوب اتّباعهم في أقوالهم و أفعالهم .
وثانيها :استلزامها لاستحالة الخطأ عليهم مطلقاً .
وثالثها : دلالتها على طهارة ظاهرهم وباطنهم ، كما ذكر ، و صفائهم
---------------------------
(1) في د : من حسن .
(2) في د : بالمرئي .
(3) كذا في النسخ ، وفي المصدر : النقي .
(4) كذا في النسخ : وفي المصدر : ولا يصطفي إلّا من كان كذلك .
(5) مجمع البيان 3 : 433 .
التنبيه بالمعلوم
_ 75 _
عن [جميع]
(1) شوائب الكدر ، فلا يتطرّق إليهم سهو و لا نسيان ، لعدم سببه و موجبه .
و رابعها : أنّ الاستقامة في الأقوال و الأفعال الذي يستفاد من الآية ينافيه تجويز السهو ، لأنّه يستلزم عدم استقامة الأفعال و الأقوال ، إذ صلّى الصلاة ركعتين على قولهم ، و سلّم و تكلّم و ترك ركعتين واجبتين ، وأين هذا من الاستقامة ؟
الثانية : قوله تعالى :
( قُل إن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللهُ )
(2) .
دلّت على وجوب متابعته عليه السلام في أفعاله و أوامره و أقواله ، فلو جاز عليه السهو لوجبت متابعته فيه ، وهو باطل قطعاً و أقلّه أنّه يلزم جواز المتابعة ، وبطلانه أيضاً واضح على أنّه لو جاز السهو لاحتمل كلّ من أفعاله و أقواله ذلك ، فلا يكون حجّة أصلاً ، وهو ظاهر الفساد اتّفاقاً و خلاف مدلول الآية قطعاً و مناف لوجب العصمة في النبي و الإمام .
الثالثة : قوله تعالى :
( لَّقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُوا اللهَ وَ اليَومَ الآخِرَ وَ ذَكَرَ اللهَ كَثِيراً )
(3) .
استدلّ بعض علمائنا بها على وجوب الاقتداء بالنبيّ صلّى الله عليه و آله ،
---------------------------
(1) ليس في ج .
(2) سورة آل عمران : 31 .
(3) سورة الأحزاب : 21 .
التنبيه بالمعلوم
_ 76 _
و مطلبنا حاصل و ان لم تثبت تلك المقدّمات لصراحتها في حسن الاقتداء به و ترجيحه ، و لو احتمل فعله السهو لما جاز الاقتداء به عموماً ، بل مطلقاً و لا كان فعله حجّة على الجواز ، ولا تركه حجّة على نفي الوجوب مع انّ فعله كلّه نوع من التبليغ ، فانّ عبادته لا يتميّز منها ما هو تبلغ عن غيره ، بل ينبغي الجزم بأنّ جميعها تبليغ ، وإلّا لما علم دوام التكليف .
الرابعة : قوله تعالى :
( إنَّمَا يُرِيدُ اللهَ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ وَ يُطَهِّرَكُم تَطهِيراً )
(1) .
و هي دالّة على عصمتهم بالوجوه المقرّرة في الاُصول و التفاسير و الروايات الكثيرة من العامّة و الخاصّة باختصاصها بأهلها
(2) ، و هي شاملة للتطهير من كلّ عيب و نقص و كذب و خطأ و غلط ، و منافية لحديث ذي الشمالين كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
الخامسة : قوله تعالى :
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إن هُوَ إلّا وَحيٌ يُوحَى)
(3) .
---------------------------
(1) سورةالأحزاب : 32 .
(2) من الكتب التي ذكرت اختصاص الآية بأهل البيت عليهم السلام راجع على سبيل المثال : مسند أحمد 3 : 259 و 3 : 285 ، تفسير الطبري 22 : 6 ، اسد الغابة 5 : 521 و ج 5 : 176 ، الدر المنثور 5 : 199 ، كنز العمّال 5 : 96 ، مشكل الآثار 1 : 332 ، مستدرك الحاكم 3 : 172 ، كفاية الطالب : 93 ، مقاتل الطالبيين : 51 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 11 ، مجمع الزوائد 9 : 146 ، الجامع الصحيح 5 : 360 ، تفسير ابن كثير 3 : 483 ، سنن البيهقي 2 : 152 ، المناقب لابن المغازلي : 301 ، أسباب النزول : 239 ، ذخائر العقبى : 21 ، شواهد التنزيل 2 : 10 ـ 92 ، فضائل الخمسة 1 : 224 ، الصواعق المحرقة : 143 ، تهذيب التهذيب 2 : 297 ، تاريخ بغداد 10 : 278 ، الرياض النضرة 2 : 188 ، الاستيعاب 2 : 598 ، مسند أبي داود 8 : 274 ، رشفة الصادي : 12 .
(3) سورة النجم : 3و4 .
التنبيه بالمعلوم
_ 77 _
دلّت على إنّ الرسول صلّى الله عليه وآله لا ينطق إلّا عن وحي فيستحيل أن يسلّم في الصلاة في غير محلّه ، ثمّ يتكلّم قبل تمام صلاته ، ثمّ يكذّب ذا الشمالين و هو صادق على قولكم ، ثمّ يعترف بخطأه ، و كلّ ذلك ينافي مدلول الآية .
السادسة : قوله تعالى :
( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولَ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهاكُم عَنهُ فَانتَهُوا )
(1) .
دلّت على وجوب التسليم و الانقياد لأقواله وأفعاله وجه العموم و الإطلاق ، فلو جاز السهو لاحتمل كلّ فعل وقول ذلك ، و منافاته لمدلول الآية واضح ، و منافاة حديث ذي الشمالين له أوضح .
السابعة : قوله تعالى : (وَتَعِيهَا اُذُنٌ وَاعِيَةٌ )
(2) .
روى الطبرسي و غيره من طرق العامّة و الخاصّة أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه قال : ( ما سمعت شيئاً من رسول الله صلّى الله عليه و آله فنسيته )
(3) .
وهذا عام مطلق في التبليغ و غيره ، فيستحيل النسيان على النبي صلّى الله عليه و آله بطريق الأولويّة مع الوجوه السابقة و الآتية .
الثامنة : قوله تعالى :
---------------------------
(1) سورة الحشر : 7 .
(2) سورة الحاقة : 12 .
(3) مجمع البيان 29 : 345 ، عنه بحار الأنوار 7 : 82 ـ 85 .
التنبيه بالمعلوم
_ 78 _
( سَنُقرِئُكَ فَلا تَنسَى )
(1) .
وهي عامّة ، فأن المفعول لا يتعيّن تقديره بالقراءة ، و لا قائل بالفرق بين ما قبل نزول الآية وقبل القراءة و ما بعدها ، فالفارق خارق للاجماع .
التاسعة : قوله تعالى :
( يَا أيُّهَا الََّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيهِ وَ سَلِّمُوا تَسلِيماً )
(2).
روي في عدّة أحاديث إنّ المراد التسليم له صلّى الله عليه و آله و الانقياد لأقواله و أفعاله و دلالته ، ذلك على المراد ظاهرة ممّا مرّ و أدلّـة التسليم من القرآن الحديث كثيرة و لوجاز السهو لنا في وجوب التسليم .
العاشرة : قوله تعالى : ( وَ رَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّـقُونَ وَ يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَ الَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النّبِيَْ الاُمِّيَ )
(3) الآية .
و دلالتها ظاهرة ممّا مرّ .
الحادية عشرة : قوله قعالى :
( فآمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ النّبِيِْ الاُمّي الّذِي يُؤمِنُ بِاللهِ وَ كَلِمَاتِهِ وَ اتّبِعُوهُ لَعلّكُم تَهتَدُونَ )
(4) .
و دلالتها أوضح ممّا تقدّم .
---------------------------
(1) سورة الأعلى : 6 .
(2) سورة الأحزاب : 56 .
(3) سورة الأعراف : 156 و 157 .
(4) سورة الأعراف : 158 .
التنبيه بالمعلوم
_ 79 _
الثانية عشرة : قوله تعالى :
( فَوَيلٌ لِلمُصَلّينَ الّذِينَ هُم عَن صَلَاتِهِم سَاهُونَ )
(1) .
ولو كان الرسول صلّى الله عليه وآله سهى في صلاته لدخل في هذا التهديد والذمّ ، وهو محال .
وأمّا مثل قوله تعالى :( وَ لَقَد عَهِدنَا إلى آدَمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَ لَم نَجِدُ لَهُ عَزماً )
(2) ، فقد نقل الطبرسي رحمه الله ، عن ابن عبّاس ، إنّ معناه : فترك
(3) .
و روة الكليني رحمه الله هذا المعنى في حديث طويل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : (إنّما هو : فترك) ، و ذلك في باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية
(4) ، و في غيره من المواضع أيضاً
(5) .
فتأويلهم عليهم السلام للنسيان هنا بالترك ، مع أنّه لا تعلّق له بالتبليغ دالّ على ما قلناه ، و مناف لجواز النسيان على المعصوم ، مضافاً ألى ما مضى و يأتي مع عدم ما يدلّ على الاثبات صريحاً .
ومثلها قوله تعالى حكاية عن موسى :( لا تُؤاخِذني بِمَا نَسيتُ )
(6) .
وقوله تعالى حكاية عن فتاة :( فَإنّي نَسيتُ الحُوتَ وَمَا أنسَانِيَهُ إلّا
---------------------------
(1) سورة الماعون : 4و5 .
(2) سورة طه : 115 .
(3) مجمع البيان 16 : 32 .
(4) الكافي 1 : 416 ـ 436 .
(5) الكافي 2 : 8 ح 1 .
(6) سورة الكهف : 73 .
التنبيه بالمعلوم
_ 80 _
الشَّيطَانُ )
(1) .
فقد روى المفسّرون المحدّثون إنّ المراد في الآيتين بالنسيان : الترك
(2) ، و هو دالّ على ما قلناه ، و لاشكّ أنّه أحد معانيه اللغوية ، فيجب الحمل عليه هنا لما مضى ، و يأتي .
و العجب ممّن يتأوّل جميع الآيات و الروايات المنافية بظاهرها للعصمة ، ثمّ يتوقّف في مثل هذا مع وضوحه وظهورها و قرب تأويله جداً ، و الآية الأخيرة لابدّ من تأويلها على قول ابن بابويه أيضاً ، أمّا بأن يقول : فتاه غير معصوم ، وأما بأن يقول : المراد ما ألزمني بتركه عمداً اشتغالي بمجاهدة الشيطان ، وأنما كان التأويل لازماً لابن بابويه أيضاً ، لأنّه لا يجوزعليهم السهو و النسيان الحاصلين من الشيطان ، بل يقول : إنّ سهوهم من الله كما مرّ .
---------------------------
(1) سورة الكهف : 63 .
(2) انظر : مفاتيح الغيب 4 : 92 ، أنوار التنزيل 2 : 598 .