الفهرس العام

الاستدلال بالسنّة على استحباب الشهادة بالولاية في الاذان

الاستدلال بقاعدة التسامح في أدلّة السنن
خاتمة البحث

   في بعض كتب أصحابنا، عن كتاب السلافة في أمر الخلافة ، للشيخ عبدالله المراغي المصري : إنّ سلمان الفارسي ذكر في الاذان والاقامة الشهادة بالولاية لعلي بعد الشهادة بالرسالة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فدخل رجل على رسول الله فقال : يا رسول الله، سمعت أمراً لم أسمع به قبل هذا ، فقال رسول الله: ( ما هو ؟ ) قال : سلمان شهد في أذانه بعد الشهادة بالرسالة بالشهادة بالولاية لعلي ، فقال : ( سمعتم خيراً ) .
   وعن كتاب السلافة أيضاً : إنّ رجلاً دخل على رسول الله فقال : يا رسول الله ، إنّ أباذر يذكر في الاذان بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية لعلي ويقول : أشهد أنّ عليّاً ولي الله ، فقال :

الشهادة بالولاية في الاذان _ 26 _

   ( كذلك ، أو نسيتم قولي يوم غدير خم : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؟ فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه !! ) .
   هذان خبران عن هذا الكتاب .
   إن تسألوني عن رأيي في هذا الكتاب ، وفي هذين الخبرين ، فإنّي لا يمكنني الجزم بصحّة هذين الخبرين ، لانّي بعدُ لم أعرف هذا الكتاب ، ولم أطّلع على سند هذين الخبرين ، ولم أعرف بعدُ مؤلّف هذا الكتاب ، إلاّ أنّي مع ذلك لا يجوز لي أن أُكذّب ، لا أُفتي على طبق هذين الخبرين ، ولكنّي أيضاً لا أُكذّب هذين الخبرين .
   وفي كتاب الاحتجاج ، في إحتجاجات أمير المؤمنين (عليه السلام)على المهاجرين والانصار ، هذه الرواية يستشهد بها علماؤنا بل يستدلّون بها في كتبهم الفقهيّة ، أقرأ لكم نصّ الرواية :
   وروى القاسم بن معاوية قال : قلت لابي عبدالله (عليه السلام): هؤلاء ـ أي السنة ـ يروون حديثاً في أنّه لمّا أُسري برسول الله رأى على العرش مكتوباً : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أبوبكر الصدّيق ، فقال (عليه السلام) : سبحان الله، غيّروا كلّ شيء حتّى هذا ؟ قلت : نعم ، قال (عليه السلام) : إنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ أمير المؤمنين ، ولمّا خلق الله عزّوجلّ الماء كتب في مجراه: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علي أمير المؤمنين ،

الشهادة بالولاية في الاذان _ 27 _

   ولمّا خلق الله عزّوجلّ الكرسي كتب على قوائمه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علي أمير المؤمنين ، وهكذا لمّا خلق الله عزّوجلّ اللوح ، ولمّا خلق الله عزّوجلّ جبرئيل ، ولمّا خلق الله عزّوجلّ الارضين ـ إلى قضايا أُخرى ، فقال في الاخير : قال (عليه السلام) : ولمّا خلق الله عزّوجلّ القمر كتب عليه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله علي أمير المؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر ، فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فليقل : علي أمير المؤمنين .
   هذه الرواية في كتاب الاحتجاج (1) .
   الخبران السابقان كانا نصّين في المطلب ، إلاّ أنّي توقّفت عن قبولهما .
   هذا الخبر ليس بنصّ ، وإنّما يدلّ على استحباب ذكر أمير المؤمنين بعد رسول الله في الاذان ، بعمومه وإطلاقه ، لانّ الامام (عليه السلام) قال : فإذا قال أحدكم ـ في أيّ مكان ، في أيّ مورد ، قال أحدكم على إطلاقه وعمومه ـ لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله فليقل : علي أمير المؤمنين، والاذان أحد الموارد ، فتكون الرواية هذه منطبقة على الاذان .

---------------------------
(1) الاحتجاج للشيخ أبي منصور الطبرسي : 158 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 28 _

   وقد قلنا إنّ في كلّ مورد نحتاج إلى دليل ، لا يلزم أن يكون الدليل دليلاً خاصّاً وارداً في ذلك المورد بخصوصه ، وهذا الدليل ينطبق على موردنا ، وهو الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الاذان بعمومه ، فمن ناحية الدلالة لا إشكال .
   يبقى البحث في ناحية السند ، فروايات الاحتجاج مرسلة ، ليس لها أسانيد في الاعم الاغلب ، صاحب الاحتجاج لا يذكر أسانيد رواياته في هذا الكتاب ، وحينئذ من الناحية العلمية لا يتمكّن الفقيه أن يعتمد على مثل هكذا رواية ، حتّى يفتي بالاستحباب ، لكنْ هنا أمران :
   الامر الاوّل :
   إنّ الطبرسي يذكر في مقدّمة كتابه يقول : بأنّي وإن لم أذكر أسانيد الروايات ، وترونها في الظاهر مرسلة ، لكنّ هذه الروايات في الاكثر روايات مجمع عليها ، روايات مشهورة بين الاصحاب ، معمول بها ، ولذلك استغنيت عن ذكر أسانيدها ، فيكون هذا الكلام منه شهادة في اعتبار هذه الرواية .
   الامر الثاني :
   قد ذكرنا في بدء البحث ، أنّا لم نجد أحداً من فقهائنا يقول بمنع الشهادة الثالثة في الاذان ، حينئذ ، يكون علماؤنا قد أفتوا على طبق مفاد هذه الرواية ، وإذا كانوا قد عملوا بهذه الرواية حتّى لو كانت مرسلة ، فعمل المشهور برواية مرسلة أو

الشهادة بالولاية في الاذان _ 29 _

   ضعيفة يكون جابراً لسند تلك الرواية ، ويجعلها رواية معتبرة قابلة للاستنباط والاستدلال في الحكم الشرعي ، وهذا مسلك كثير من علمائنا وفقهائنا ، فإنّهم إذا رأوا عمل المشهور برواية مرسلة أو ضعيفة ، يجعلون عملهم بها جابراً لسند تلك الرواية ، وهذا ما يتعلّق بسند رواية الاحتجاج .
   مضافاً إلى هذا ، فإنّا نجد في روايات أهل السنّة ما يدعم مفاد هذه الرواية ، وهذا ممّا يورث الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) .
   لاحظوا ، أقرأ لكم بعض الروايات :
   الرواية الاولى :
   عن أبي الحمراء ، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : ( لمّا أُسري بي إلى السماء ، إذا على العرش مكتوب : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله أيّدته بعلي ) .
   هذا على العرش مكتوب ، وقد وجدنا في هذه الرواية أيضاً أنّ على العرش مكتوب اسم أمير المؤمنين .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 30 _

   هذه الرواية في الشفاء للقاضي عياض (1) ، وفي المناقب لابن المغازلي (2) ، وفي الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة (3) ، وفي نظم درر السمطين (4) ، وفي مجمع الزوائد (5) ، وفي الخصائص الكبرى للسيوطي (6) .
   هذا الحديث موجود في هذه المصادر وغير هذه المصادر .
   فإذا كانت الرواية مقبولة عند المسلمين ، عند الطرفين المتخاصمين ، أعتقد أنّ الانسان يحصل له وثوق بصدور هذه الرواية .
   الرواية الثانية :
   ما أخرجه جماعة منهم الطبراني بالاسناد عن جابر بن عبدالله الانصاري ، قال : قال رسول الله: ( مكتوب على باب الجنّة : محمّد رسول الله علي بن أبي طالب أخو رسول الله ، هذا قبل أنْ يخلق الله

---------------------------
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 138 ـ ط الاستانة .
(2) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الواسطي : 39 .
(3) الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة 2 / 172 .
(4) نظم درر السمطين : 120 .
(5) مجمع الزوائد 9 / 121 .
(6) الخصائص الكبرى 1 / 7 ، الدر المنثور 4 / 153 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 31 _

   السماوات والارض بألفي عام ) .
   هذه رواية الطبراني وغيره ، بسند فيه بعض الاكابر وأئمّة الحفاظ ، وهي موجودة في غير واحد من المصادر المهمة (1) .
   الرواية الثالثة :
   عن ابن مسعود ، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( أتاني ملك فقال : يا محمّد ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا ) (2) على ما بعثوا ، قلت : على ما بعثوا ؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب ) .
   فالانبياء السابقون بعثوا على ولاية رسول الله وأمير المؤمنين من بعده ، أي كلّفوا بإبلاغ هذا الامر إلى أُممهم .
   هذا الحديث تجدونه في كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري (3) وقد وثّق راويه ، وأيضاً هو في تفسير الثعلبي بتفسير الاية المباركة ، ورواه أيضاً أبو نعيم الاصفهاني في كتاب منقبة المطهّرين ، وغيرهم من الحفّاظ .

---------------------------
(1) كنز العمال 11 : 624 ، المناقب للخوارزمي : 87 .
(2) سورة الزخرف : 45 .
(3) معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري صاحب المستدرك : 96 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 32 _

   الرواية الرابعة :
   عن حذيفة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (1) قالت الملائكة : بلى ، فقال : أنا ربّكم ، محمّد نبيّكم ، علي أميركم ) .
   فهذا ميثاق أخذه الله سبحانه وتعالى .
   والرواية في فردوس الاخبار للديلمي (2) .
   ذكرت هذه الروايات من كتب السنّة ، لتكون مؤيّدة لرواية الاحتجاج ، بعد البحث عن سندها ودلالتها .
   نرجع إلى أصل المطلب :
   قال الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب النهاية في الفتوى : فأمّا ما روي في شواذ الاخبار من القول إنّ عليّاً ولي الله وآل محمّد خير البريّة ، فممّا لا يعمل عليه في الاذان والاقامة ، فمن عمل به كان مخطئاً .

---------------------------
(1) سورة الاعراف : 172 .
(2) فردوس الاخبار للديلمي 3/399 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 33 _

   هذه عبارته في النهاية (1) .
   وماذا نفهم من هذه العبارة ؟ أنّ هناك بعض الروايات الشاذة تقول بأنّ الشهادة بولاية أمير المؤمنين من الاذان، لكنّ الشيخ يقول : هذا ممّا لا يعمل عليه ، ثمّ يقول : فمن عمل به كان مخطئاً .
   إذن ، عندنا روايات أو رواية شاذة تدلّ على هذا المعنى ، لكنّ الشيخ يقول لا نعمل بها ، الشاذ من الروايات في علم دراية الحديث ، لو تراجعون الكتب التي تعرّف الشاذ من الاخبار والشذوذ ، يقولون الشاذ من الخبر هو الخبر الصحيح الذي جاء في مقابل أخبار صحيحة وأخذ العلماء بتلك الاخبار ، فهو صحيح سنداً لكنّ العلماء لم يعملوا بهذا الخبر ، وعملوا بالخبر المقابل له ، وهذا نصّ عبارة الشيخ ، ممّا لا يعمل عليه .
   إذن ، عندنا رواية معتبرة تدلّ على هذا ، والشيخ الطوسي لا يعمل ، يقول : ممّا لا يعمل عليه ، ثمّ يقول : فمن عمل به كان مخطئاً .
   ومقصوده من هذا : أنّ الرواية تدلّ على الجزئيّة بمعنى وجوب الاتيان ، وهذا ممّا لا عمل عليه .
   هذا صحيح ، وبحثنا الان في الجزئيّة المستحبّة .
   ولاحظوا عبارته في كتابه الاخر ، أي في كتاب المبسوط ،

---------------------------
(1) النهاية في مجرّد الفتوى : 69 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 34 _

   يقول في المبسوط الذي ألّفه بعد النهاية يقول هناك : فأمّا قول أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين وآل محمّد خير البريّة على ما ورد في شواذ الاخبار ، فليس بمعوّل عليه في الاذان ، ولو فعله الانسان لم يأثم به (1) .
   فلو كان الخبر ضعيفاً أو مؤدّاه باطلاً لم يقل الشيخ لم يأثم به .
   معنى هذا الكلام أنّ السند معتبر، والعمل به بقصد الجزئيّة الواجبة لا يجوز ، وأمّا بقصد الجزئيّة المستحبّة فلا إثم فيه ، لم يأثم به، غير أنّه ليس من فصول الاذان .
   فهذه إذن رواية صحيحة ، غير أنّهم لا يعملون بها بقصد الجزئية الواجبة ، هذا صحيح ، وبحثنا في الجزئيّة المستحبّة .
   رواية أُخرى في غاية المرام : عن علي بن بابويه الصدوق ، عن البرقي ، عن فيض بن المختار ـ هذا ثقة والبرقي ثقة ، وابن بابويه معروف ـ عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جدّه رسول الله ، في حديث طويل ، قال : ( يا علي ما أكرمني بكرامة ـ أي الله سبحانه وتعالى ـ إلاّ أكرمك بمثلها ) .
   الروايات السابقة التي رويناها عن الشيخ الطوسي وغير الشيخ الطوسي تكون نصّاً في المسألة ، لكن هذه الرواية التي

---------------------------
(1) المبسوط في فقه الاماميّة 1 / 99 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 35 _

   قرأتها الان تدل بالعموم والاطلاق ، لانّ ذكر رسول الله في الاذان من إكرام الله سبحانه وتعالى لرسول الله ، من جملة إكرام الله سبحانه وتعالى لرسوله أنْ جعل الشهادة بالرسالة في الاذان ( وما أكرمني بكرامة إلاّ أكرمك بمثلها ) ، فتكون النتيجة : إكرام الله سبحانه وتعالى عليّاً بذكره والشهادة بولايته في الاذان .
   وسأذكر لكم بعض النصوص المؤيدة من كتب السنّة أيضاً .
   رواية أُخرى يرويها السيد نعمة الله الجزائري المحدّث ، عن شيخه المجلسي ، مرفوعاً ، هذه الرواية مرفوعة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( يا علي إنّي طلبت من الله أنْ يذكرك في كلّ مورد يذكرني فأجابني واستجاب لي ) .
   في كلّ مورد يذكر رسول الله يذكر علي معه ، والاذان من جملة الموارد ، ويمكن الاستدلال بهذه الرواية .
   ومن شواهدها من كتب السنّة :
   قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : ( ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك ) .
   هذا في الخصائص (1) للنسائي ، وفي مجمع الزوائد (2) ،

---------------------------
(1) خصائص علي : 262 ط المحمودي .
(2) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 9/110 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 36 _

   وفي الرياض النضرة (1) ، وفي كنز العمال (2) .
   حديث آخر : ( أحبّ لك ما أحبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي ) .
   هذا في صحيح الترمذي (3) .
   ومن الروايات : ما يرويه الشيخ الصدوق في أماليه ، بسنده عن الصادق (عليه السلام) ، قال : إنّا أوّل أهل بيت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق الله السماوات والارض أمر منادياً فنادى : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ـ ثلاثاً ـ وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ ثلاثا ـ وأشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً حقّاً (4) .
   في الشهادة بولاية أمير المؤمنين توجد كلمة حقّاً حقّاً ، وهذا إنّما هو لدفع المخالفين دفعاً دفعاً !!
   وفي البحار ، عن الكليني رحمه الله في كتاب الروضة، عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( من قال لا إله إلاّ الله تفتّحت له أبواب السماء ، ومن تلاها بمحمّد رسول الله تهلّل وجه الحق

---------------------------
(1) الرياض النضرة في مناقب العشرة 2/213 .
(2) كنز العمال 13/113 .
(3) صحيح الترمذي 2 / 79 ط الصاوي بمصر .
(4) الامالي للشيخ الصدوق : 701 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 37 _

   واستبشر بذلك ، ومن تلاها بعلي ولى الله غفر الله له ذنوبه ولو كانت بعدد قطر المطر ) (1) .
   وفي رواية ـ وهذه الرواية عجيبة إنصافاً ـ إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أنْ وضعوا فاطمة بنت أسد في القبر ، لقّنها بنفسه ، فكان ممّا لقّنها به ولاية علي بن أبي طالب ولدها .
   هذا في خصائص أمير المؤمنين (2) للشريف الرضي ، وفي الامالي (3) للصدوق .
   وأرى أنّ هذا الخبر هو قطعي ، هذا باعتقادي ، وحتّى فاطمة بنت أسد يجب أن تكون معتقدة بولاية أمير المؤمنين وشاهدة بذلك وتسأل عن ذلك أيضاً .
   هذه بعض الروايات التي يستدلّ بها أصحابنا في هذه المسألة ، منها ما هو نص وارد في خصوص المسألة ، ومنها ما هو عام ومطلق ، وهناك روايات كثيرة عن طرق أهل السنّة في مصادرهم المعتبرة تعضد هذه الروايات وتؤيّدها وتقويها في سندها ودلالاتها .

---------------------------
(1) بحار الانوار 38/318 .
(2) خصائص أمير المؤمنين للشريف الرضي : 35 .
(3) الامالي للشيخ الصدوق : 391 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 38 _

   وحينئذ نقول بأنّ هذه الروايات إنْ كانت دالّة على استحباب الشهادة بولاية أمير المؤمنين في الاذان ـ إمّا بالنصّ ، وإمّا بانطباق الكبريات والاطلاقات على المورد ، ونستدلّ عن هذا الطريق ونفتي ـ فبها ، ولو تأمّل متأمّل ولم يوافق ، لا على ما ورد نصّاً ، ولا على ما ورد عامّاً ومطلقاً ، فحينئذ يأتي دور الطريق الاتي .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 40 _

الاستدلال بقاعدة التسامح في أدلّة السنن

   ما روي من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب كتب له وإن لم يكن الامر كما بلغه .
   وهذا لا إشكال فيه قطعاً على مبنى المشهور بين أصحابنا ، لانّ أصحابنا وكبار فقهائنا منذ قديم الايام يستخرجون من هذه الروايات قاعدة التسامح في أدلّه السنن ، ويفتون على أساس هذه القاعدة باستحباب كثير من الاُمور .
   نعم نجد بعض مشايخنا وأساتذة مشايخنا كالسيد الخوئي رحمة الله عليه ، هؤلاء يستشكلون في هذا الاستدلال ، أي استخراج واستنباط القاعدة من هذه الروايات ، ويقولون بأنّ هذه الروايات لا تدلّ على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، وإنّما تدل هذه الروايات على أنّ الانسان إذا أتى بذلك العمل برجاء حصول

الشهادة بالولاية في الاذان _ 41 _

   الثواب الخاص يعطى ذلك الثواب ، وإن لم يكن رسول الله قاله، فحينئذ يأتي بهذا العمل برجاء المطلوبيّة .
   فليكنْ ، أيضاً نفتي بحسن الشهادة الثالثة في الاذان من باب رجاء المطلوبيّة .
   إلاّ أنّ هذا القول قول مشايخنا وأساتذتنا وأساتذة أساتذتنا ، هؤلاء المحققين المتأخرين ، وإلاّ فالمشهور بين الاصحاب هو العمل بقاعدة التسامح بأدلّة السنن ، وعلى أساس هذه القاعدة يفتون باستحباب كثير من الاُمور .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 42 _

خاتمة البحث

  فائدة صغيرة :
   وهنا فائدة صغيرة ، أذكرها لكم ، جاء في السيرة الحلبيّة ما نصّه : وعن أبي يوسف ( أبو يوسف هذا تلميذ أبي حنيفة إمام الحنفيّة ) : لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن في أذانه : السلام عليك أيّها الامير ورحمة الله وبركاته ، يقصد خليفة الوقت أيّاً كان ذلك الخليفة .
   لاحظوا بقيّة النصّ : لا أرى بأساً أن يقول المؤذّن السلام عليك أيّها الامير ورحمة الله وبركاته ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، الصلاة يرحمك الله .
   ولذا كان مؤذّن عمر بن عبدالعزيز يفعله ويخاطب عمر بن عبدالعزيز في الاذان الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، السلام عليكم يا أيّها الامير ورحمة الله وبركاته حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، لا أرى بأساً في هذا .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 43 _

   فإذا لم يكن بأس في أنْ يخاطب المؤذّن خليفة الوقت وأمير مؤمنينهم في الاذان بهذا الخطاب ، فالشهادة بولاية أمير المؤمنين حقّاً لا أرى أن يكون فيها أيّ بأس ، بل إنّه من أحبّ الاُمور إلى الله سبحانه وتعالى ، ولو تجرّأنا وأفتينا بالجزئيّة الواجبة فنحن حينئذ ربّما نكون في سعة ، لكنّ هذا القول أعرض عنه المشهور ، وكان ممّا لا يعمل به بين أصحابنا .
تصرفات أهل السنة في الاذان:    وأمّا أهل السنّة ، فعندهم تصرّفان في الاذان:
   التصرف الاول: حذف ( حيّ على خير العمل ) .
   التصرف الثاني : إضافة ( الصلاة خير من النوم ) .
   ولم يقم دليلٌ عليهما .
   هذا في شرح التجريد للقوشچي الاشعري (1) ، وأرسله إرسال المسلّم ، وجعل يدافع عنه ، كما أنّه يدافع عن المتعتين .
   فمن هذا يظهر أنّ ( حيّ على خير العمل ) كان من صلب الاذان في زمن رسول الله ، وعمر منع عنه كالمتعتين .

---------------------------
(1) شرح التجريد للقوشچي ، مبحث الامامة .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 44 _

   ويدلّ على وجود ( حيّ على خير العمل ) في الاذان في زمن رسول الله وبعد زمنه : الحديث في كنز العمّال ، كتاب الصلاة (1) عن الطبراني : كان بلال يؤذّن في الصبح فيقول : حيّ على خير العمل .
   وكذا هو في السيرة الحلبيّة (2) ، وذكر أنّ عبدالله بن عمر والامام السجّاد (عليه السلام) كانا يقولان في أذانهما حيّ على خير العمل .
   وأمّا ( الصلاة خير من النوم ) فعندهم روايات كثيرة على أنّها بدعة ، فراجعوا (3) .
   الشهادة بالولاية شعار المذهب :
   بعد أن أثبتنا الجزئيّة الاستحبابيّة للشهادة الثالثة في الاذان ، فلا يقولنّ أحد أنّ هذه الشهادة في الاذان إذا كانت مستحبّة، والمستحب يترك ، ولا مانع من ترك المستحب ، فحينئذ نترك هذا الشيء .
   هذا التوهّم في غير محلّه .

---------------------------
(1) كنز العمال 8 / 342 .
(2) السيرة الحلبية 2/305 .
(3) كنز العمال 8 / 356 ـ 357 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 45 _

   لانّ هذا الامر والعمل الاستحبابي ، أصبح شعاراً للشيعة ، ومن هنا أفتى بعض كبار فقهائنا كالسيد الحكيم رحمة الله عليه في كتاب المستمسك بوجوب الشهادة الثالثة في الاذان، بلحاظ أنّه شعار للمذهب ، وتركه يضرّ بالمذهب ، وهذا واضح ، لانّ كلّ شيء أصبح شعاراً للمذهب فلابدّ وأن يحافظ عليه ، لانّ المحافظة عليه محافظة على المذهب ، وكلّ شيء أصبح شعاراً لهذا المذهب فقد حاربه المخالفون لهذا المذهب بالقول والفعل .
   وكم من نظير لهذا الامر ، فكثير من الاُمور يعترفون بكونها من صلب الشريعة المقدّسة ، إلاّ أنّهم في نفس الوقت يعترفون بأنّ هذا الشيء لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلابدّ وأنْ يترك ، لانّه شعار للشيعة ، مع اعترافهم بكونه من الشريعة بالذات .
   أقرأ لكم بعض الموارد بسرعة :
   في كتاب الوجيز للغزّالي في الفقه ، وهكذا في شرح الوجيز وهو فتح العزيز في شرح الوجيز في الفقه الشافعي ، هناك ينصّون على أنّ تسطيح القبر أفضل من تسنيمه ، إلاّ أنّ التسطيح لمّا أصبح شعاراً للشيعة فلابدّ وأن يترك هذا العمل .
   ونصّ العبارة : وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر : رأيت قبور النبي وأبي بكر وعمر مسطّحة ، وقال ابن أبي هريرة : إنّ الافضل

الشهادة بالولاية في الاذان _ 46 _

   الان العدول من التسطيح إلى التسنيم ، لانّ التسطيح صار شعاراً للروافض ، فالاولى مخالفتهم (1) .
   وأيضاً : عن الزمخشري في تفسيره ، بتفسير قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ ) (2) ، يقول : إنّ مقتضى الاية جواز الصلاة على آحاد المسلمين ، هذا تصريح الزمخشري في تفسيره ، لكن لمّا اتّخذت الرافضة ذلك في أئمّتهم منعناه .
   فنحن نقول : صلّى الله عليك يا أمير المؤمنين ، وكذا غير أمير المؤمنين من الائمّة ، حينما نقول هذا فهو شيء يدلّ عليه الكتاب يقول : إلاّ أنّ الشيعة لمّا اتّخذت هذا لائمّتهم منعناه .
   في مسألة التختم باليمين ، ينصّون على أنّ السنّة النبويّة أنْ يتختّم الرجل باليمين ، لكنّ الشيعة لمّا اتّخذت التختم باليمين شعاراً لهم ، أصبحوا يلتزمون بالتختم باليسار .
   نصّ العبارة : أوّل من اتخذ التختم باليسار خلاف السنّة هو معاوية (3) .
   وبالنسبة إلى السلام على غير الانبياء يقول ابن حجر في فتح

---------------------------
(1) فتح العزيز في شرح الوجيز ، ط مع المجموع للنووي 5/229 .
(2) سورة الاحزاب : 43 .
(3) ربيع الابرار 4/24 .

الشهادة بالولاية في الاذان _ 47 _

   الباري ـ لاحظوا هذه العبارة ـ : تنبيه : اختلف في السلام على غير الانبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحيّة الحي ، فقيل يشرع مطلقاً ، وقيل : بل تبعاً ولا يفرد لواحد لكونه صار شعاراً للرافضة ، ونقله النووي عن الشيخ أبي محمّد الجويني (1) .
   في السنّة في العمامة ، في كيفيّة لفّ العمامة ، السنّة أن تلف العمامة كما كان يلفّها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا تطبيق السنّة ، يقولون : وصار اليوم شعاراً لفقهاء الاماميّة ، فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم (2) .
   ثمّ إنّ الغرض من مخالفة السنّة النبويّة في جميع هذه المواضع هو بغض أمير المؤمنين، المحافظ عليها والمروّج لها ، وقد جاء التصريح بهذا في بعض تلك المواضع ، كقضيّة ترك التلبية .
   لاحظوا نصّ العبارة : فقد أخرج النسائي والبيهقي عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عبّاس بعرفة ، فقال : يا سعيد مالي لا أسمع الناس يلبّون ؟ فقلت : يخافون ، فخرج ابن عباس من فسطاطه
   فقال : لبّيك اللهمّ لبّيك وإنْ رغم أنف معاوية ، اللهمّ العنهم فقد تركوا

---------------------------
(1) فتح الباري في شرح البخاري 11/142 .
(2) شرح المواهب اللدنيّة 5/13.

الشهادة بالولاية في الاذان _ 48 _

   السنّة من بغض علي (1) .
   قال السندي في تعليق النسائي : أي لاجل بغضه ، أي وهو كان يتقيّد بالسنن ، فهؤلاء تركوها بغضاً له .
   فإذا كان الشيء من السنّة ، ثمّ أصبح لكونه من السنّة شعاراً للشيعة ، يلتزمون بمخالفة ذلك الشعار لكونه شعاراً للشيعة ، مع اعترافهم بكونه من السنّة .
   وهكذا يكون إنكار الشهادة الثالثة محاربة للشيعة والتشيّع ، لانّ الشهادة الثالثة شعار التشيّع والشيعة ، ويكون خدمة لغير الشيعة ، ويكون متابعة لما عليه غيرالاماميّة في محاربتهم للشعائر .
   وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين .

---------------------------
(1) سنن النسائي 5 / 253 ، سنن البيهقي 5 / 113 .