وقال في أحواله : قدم من القطيف الى العراق وسكن النجف ، وتوفي فيه ، ولم أقف على تاريخ وفاته ، لكنّه كان حيا سنة 944
(1) وهي تاريخ أجازته الكبيرة للسيد شريف الدين الحسيني المرعشي الشوشتري والد القاضي نور الله الشوشتري صاحب ( مجالس المؤمنين )
(2).
|
(1) أعيان الشيعة 2 : 141.
(2) أعيان الشيعة 2 : 143.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
16
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يسر معرفة اليقين فظهرت للعارفين حقائقه ، وأوضح لطلّابه أعلامه وبانت للمساكين طرائقه ، الذي يقذف ( بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) (1) ، والصلاة على المختار للهداية فهو قائد الخير وسائقه ، محمّد المصطفى الذي صفت جميع صفاته وخلائقه ، وعلى أخيه الذي جعل سيفا لنبوّته فهو مؤازره وموافقة ، ذلك أمير المؤمنين حقّا المميّز به صادق عهد الله ومدافعة ، صلّى الله عليهما وعلى آلهما الذين هم سوابق الفضل ولواحقه.
وبعد ، فيقول الفقير الى الله المنّان إبراهيم بن سليمان : إنّ الزمان وإن تفاقمت (2) ضلالته وبعدت هدايته ، ورجع القهقرى على عقبه وأقعى (3) إقعاء الكلب على ذنبه ، وكلح (4) منه لأهل الفضل نابا وفتح لهم من مضلّات الفتن بابا ، ونادى بخدّامه في الشهوات الذين ارتكبتهم الغفلة والهفوات : هلمّوا إلى بقية الله للدين وحفظة الحجج والبراهين ، فلا يبقوا لهم من الناس دارا ولا في عمران الأرض آثارا ، فإن وليّ النعم ودافع النقم ممد لأوليائه بالارقاد وهو القاهر
|
(1) اقتباس من آية 18 ـ سورة الأنبياء ـ أوّلها بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ .
(2) فقم الأمر : عظم ولم يجر على استواء
(3) أقعى الكلب : جلس على استه . (*)
(4) كلح : هو من الكلوح وهو الذي قصرت شفتاه عن أسنانه .
(*) الإقعاء : أن يضع الرجل اليتيه على عقبيه في تشهديه ( معاني الأخبار باب معنى الإقعاء ص 300 ).
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
17
بقدرته في سمائه وأرضه فوق العباد ، وقد صرّح عنه بكلامه فصيح المنادي ، فأسمع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من الحاضر والبادي ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَساد * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ ) (1) و ( إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) (2).
هذا وأنّ بعض إخواننا في الدين قد ألّف رسالة في حلّ الخراج وسمّاها ( قاطعة اللجاج ) وأولى باسمها أنّ يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ، ولم أكن ظفرت بها منذ ألّفها إلّا مرّة واحدة في بلد سمنان ، وما تأمّلتها إلّا كجلسة العجلان ، فأشار إليّ من يجب طاعته بنقضها ليتخلّق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر (3) الآن ، وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك ، فلمّا تأمّلته الآن مع علمي بأن ما فيها أو هي من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادّها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عاثر ، لكن المرء المؤمن يسلّي نفسه بالخبر المنقول عن أهل المآثر عليهم السلام : لا يخلو المؤمن من خمس ـ الى أن قال ـ : وهو مؤمن يؤذيه ، فقيل : مؤمن يؤذيه ! قال : نعم وهو شرّهم عليه لأنّه يقول فيه فيصدّق (4) وفي قوله تعالى ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (5)
|
(1) الفجر : 6 ـ 14.
(2) غافر : 51.
(3) الصحيح ( لا نذكرها ).
(4) مشكاة الأنوار ـ ص 285 ـ الفصل الخامس ـ في ذكر ما جاء في المؤمن وما يلقى من أذى الناس وبغضهم إيّاه وفيه لا ينفك المؤمن من خصال اربع : من جار يؤذيه وشيطان يغويه ومنافق يقفو أثره ومؤمن يحسده قال سماعة : قلت جعلت فداك مؤمن يحسده قال يا سماعة اما انه أشدهم عليه قلت وكيف ذلك ؟ قال لأنه يقول فيه فيصدق عليه.
(5) آل عمران : 186.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
18
وقوله ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) (1) أتمّ دلالة وسلوى ، وقد حسن بي إن أتمثّل بقول عنترة العبسي :
ولقد خشيت بأن أموت ولا أرى ii
لـلحرب دائرة بابني ضمضمي شـاتمي عـرضي ولم iiاشتمهم ii
والـناذرين إذا لـم ألقهما iiذمي |
فاستخرت الله تعالى على نقضها وابانة ما فيها من الخلل والزلل ، ليعرف أرباب النظر من أهل العلم والعمل الحقّ فيتّبعوه والباطل فيجتنبوه ، فخرج الأمر بذلك ، فامتثلت قائلاً من قريحتي الفاترة على البديهة الحاضرة ثلاثة أبيات :
فشمّرت عن ساق الحميّة iiمعربا ii
لـتمزيقها تمزيق أيدي بني iiسبا وتـفريقها تـفريق غيم iiتقيّضت ii
له ريح خسف صيرت جمعه هبا أبـى الله أن يـبقى ملاذ iiالعاقل ii
كـذاك الـذي لـله يفعل قد أبى |
فألّفت هذه الرسالة وجعلتها واضحة الدلالة وسمّيتها ( السراج الوهّاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج ) ومن الله تقدّس اسمه أسأل العصمة في المقاصد والمصادر والموارد ولا قدّم على المقصود بالذات من النقض فوائد :
الفائدة الأولى : قال العلّامة في تحريره : فصل ، ويحرم كتمان الفقه والعلم (2) قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ ) (3).
وقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النّارَ ) (4).
وقال ـ عليه السلام ـ : من كتم علما الجمه الله يوم القيامة بلجام من النار (5).
وقال ـ عليه السلام ـ : إذا ظهرت البدع في أمّتي فليظهر العالم علمه فمن لم
|
(1) آل عمران : 120.
(2) تحرير الأحكام : ج 1 ص 3 الطبعة الحجرية وفيه ( يحرم كتمان العلم والفقه ... ).
(3) البقرة : 159.
(4) البقرة : 174.
(5) بحار الأنوار : ج 2 ص 78 حديث 66 عن عوالي اللئالي ، وفيه ( ... من كتم علما نافعا ... ) والحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
19
يفعل فعليه لعنة الله (1).
الثانية :
قال عليه السلام : الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل : يا رسول الله فيما دخولهم في الدنيا ؟ قال : اتّباع السلطان ، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم (2).
أورد ذلك العلامة في تحريره أيضا (3).
وقال عليه السلام : العلماء أحبّاء الله ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولم يميلوا في الدنيا ولم يختلفوا أبواب السلاطين ، فإذا رأيتهم مالوا الى الدنيا واختلفوا أبواب السلاطين فلا تحملوا عنهم العلم ولا تصلّوا خلفهم ولا تعودوا أمراضهم ولا تشيّعوا جنائزهم فإنهم آفة الدّين وفساد الإسلام يفسدون الدين كما يفسد الخل العسل (4).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : النظر في وجوه العلماء عبادة (5).
سئل جعفر بن محمد عليه السلام عنه فقال : هو العالم الذي إذا نظرت اليه ذكّرك الآخرة ومن كان خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة (6).
وفي حديث آخر : إذا رأيت القارئ يلوذ بالسلطان فاعلم أنّه لص وإياك يخدع ، ويقال : يردّ مظلمة ويدفع عن مظلوم ، فإنّه هذه خدعة إبليس اتخذها فخّا والقرآن سلّما (7).
وروي الشيخ بإسناده إلى معاوية الأسدي قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقول : أما والله إنكم لعلى دين الله وملائكته فأعينونا على ذلك
|
(1) الكافي : ج 1 ص 54 حديث 2 والحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) نفس المصدر : ج 1 ص 46 حديث 5 ، وفيه ( عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) وفيه اختلاف يسير وكذا في البحار ـ ج 2 ـ ص 110 ـ حديث 15 ـ نقلا عن عوالي اللئالي والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) تحرير الأحكام : ج 1 ـ ص 3 ـ في وجوب طلب العلم ـ الطبعة الحجرية.
(4) لم نعثر عليه.
(5) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ـ ( مجموعة ورّام ) ـ ج 1 ـ ص 84 ـ باب العتاب.
(6) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورّام ) ـ ج 1 ـ ص 84 ـ باب العتاب.
(7) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورّام ) ـ ج 1 ـ ص 84 ـ باب العتاب.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
20
بورع واجتهاد ، عليكم بالصلاة والعبادة ، عليكم بالورع (1).
وإلى محمّد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليهما السلام يقول : لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله ، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله ، ولا دين لمن دان بجحود شيء من كتاب الله (2).
وإلى علي بن جعفر بن محمّد عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهمالسلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم لأصحابه : ألا أنّه قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد ، ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدّين ، وينجي منه أن يكفّ الإنسان يده ولسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن (3).
وإلى ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشدّ من خيانة في ماله وإنّ الله سائلكم يوم القيامة (4).
وبحذف الإسناد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : العلم وديعة الله في أرضه والعلماء أمناؤه ، فمن عمل بعلمه أدّى أمانته ، ومن لم يعمل بعلمه كتب في علم الله من الخائنين (5).
الثالثة :
بحذف الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من أعان طالب
|
(1) إرشاد القلوب : ج 1 ـ الباب السادس والعشرون : في الورع والترغيب فيه ـ ص 101 وكذلك بحار الأنوار ـ ج 82 ـ ص 208 ـ الحديث 16 ـ باب 1 في فضل الصلاة وعقاب تاركها من كتاب الصلاة ـ نقلا عن مجالس ابن الشيخ ، وكذلك أمالي الشيخ الطوسي ـ ج 1 ـ ص 31.
(2) أمالي الشيخ المفيد ( رض ) ـ ص 308 ـ الحديث 7 ـ من المجلس السادس والثلاثون ، وفي آخره ( آيات الله ) بدل ( كتاب الله ) ط منشورات جماعة المدرّسين ـ قم.
وكذلك الاختصاص ـ ص 258 ـ باب مثل علم أهل البيت عليهمالسلام ـ وهي أيضا تختلف عمّا في الكتاب في الفقرة الأخيرة.
(3) بحار الأنوار : ج 73 ص 253 حديث : 20 ـ باب الحسد ـ نقلا عن مجالس المفيد ص 211.
(4) بحار الأنوار ـ ج 2 ـ ص 68 ـ حديث 17 ـ نقلا عن أمالي الشيخ المفيد (ره) ـ وفي المصدر مسائلكم يوم للقيامة.
(5) بحار الأنوار : ج 2 ص 36 حديث 40 ـ نقلا عن الدرة الباهرة.
|
السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج
21
العلم فقد أحبّ الأنبياء وكان معهم ، ومن أبغض طالب العلم فقد أبغض الأنبياء فجزاؤه جهنّم ، وأنّ لطالب العلم شفاعة كشفاعة الأنبياء ، وله في جنّة الفردوس ألف قصر من ذهب ، وفي جنّة الخلد مائة ألف مدينة من نور ، وفي جنّة المأوى ثمانون درجة من ياقوتة حمراء ، وله بكلّ درهم أنفقه في طلب العلم جوار بعدد النجوم وبعدد الملائكة ، ومن صافح طالب العلم حرّم الله جسده على النار ، ومن أعان طالب العلم إذا مات غفر الله له ولمن حضر الجنازة ، قالوا لمالك بن دينار : يا أبا يحيى ربّ طالب علم للدنيا ! فقال : ويحكم ليس له يقال طالب العلم يقال له طالب الدنيا (1).
وهذا موافق لقوله عليه السلام : ولئن تطلب الدنيا بأقبح ما يطلب به خير من أن يطلب بأحسن ما يطلب به الآخرة (2).
وقال عليه السلام من آذى طالب العلم لعنته الملائكة وأتى يوم القيامة وهو عليه غضبان (3) ، ومن أهان فقيها مسلما لقي الله وهو عليه غضبان (4).
الرابعة :
الفقهاء أفضل الناس بعد المعصومين إذا عملوا بمقتضى علمهم واستعملوا الورع في أفعالهم وكفّوا ألسنتهم عن الغيبة لأنها آفتهم ، فإن الرجيم اللعين قد علم أنّهم أشدّ الخليقة عليه لأنه إنّما طلب النظرة لإغواء النوع وهم هداة الطريقة ، ولهذا ورد أنّ فقيها واحدا أشدّ على إبليس من ألف عابد (5) فامتحنهم بحبّ
|
(1) إرشاد القلوب ـ ج 1 ـ ص 164 ـ الباب التاسع والأربعون ـ في الأدب مع الله تعالى.
(2) لم نعثر عليه.
(3) إرشاد القلوب ـ ج 1 ـ ص 164 ـ الباب التاسع والأربعون ـ في الأدب مع الله تعالى.
(4) بحار الأنوار ـ ج 2 ـ ص 44 ـ حديث 13 ـ باب 10 ـ كتاب العلم ـ نقلا عن عوالي اللئالي والرواية منقولة عن الامام الصادق عليهالسلام.
(5) بحار الأنوار ـ ج 1 ـ ص 177 ـ كتاب العلم ـ باب 5 في النوادر ( والرواية عن النبي صلىاللهعليهوآله ) حديث : 48 نقلا عن عوالي اللئالي ـ وج 2 ـ ص 16 ـ كتاب العلم ـ باب 8 ـ ثواب الهداية والتعليم ـ حديث : 34 ـ نقلا عن أمالي الشيخ الطوسي ( قده ) ( والرواية فيها عن أمير المؤمنين عليهالسلام ).
|