الأحاديث الصحيحة المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأئمة الهدى (عليهم السلام ) تلعن كل من نصب نفسه والياً على من هو أفضل منه.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (ما من وال يلي شيئاً من أمر أمتي إلاّ أتي به يوم القيامة ، مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق ، ثم ينشر كتابه ، فإن كان عادلاً نجا ، وإن كان جائراً هوى.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إذا تولى وال أمر رعية وهو يعلم أن فيهم من هو أعلم منه ، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين .
عن محمد بن اسماعيل وغيره ، رفعوه ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ملعون من ترأس ملعون من هم بها ، ملعون من حدّث نفسه بها (الحديث فيمن ارادها بغير حق) .
وإذا كان أبو بكر قد أقرَّ بان شيطاناً يعتريه ، وأنّه يطلب من عامة الناس أن يقوموه إذا اخطأ، فما هو جوابه يا ترى حتى يسأل يوم القيامة عن أهليته لولاية المسلمين ، وهاتيك بضعاً من الروايات لتبدي بعض ما وري عن البعض.
لما نظر أبو بكر إلى طائر على شجرة قال : طوبى لك يا طائر تأكل الثمر وتقع على الشجر وما من حساب ولا عقاب عليك ، لوددت أني شجرة على
بحث في الصحبة والصحابة
_ 268 _
جانب الطريق مرّ عليّ جمل فأكلني فأخرجني في بعره ولم أكن من البشر
(1).
قال قبيصة بن ذؤيب : جاءت الجدّة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها ؟
فقال : مالك في كتاب الله شيء، وما علمت لك في سنّة نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً ، فارجعي حتّى أسأل الناس ، فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأعطى السدس ، فأنفذ لها أبو بكر
(2).
عن القاسم بن محمد : إن جدتين أتتا أبا بكر تطلبان ميراثهما ، أُم أُم، وأم أب ، فأعطى الميراث أم الأم (دون أم الأب) ، فقال له عبد الرحمن بن سهل الأنصاري وكان ممن شهد بدراً ، وهو أخو بني حارثة : يا خليفة رسول الله أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها ، فقسّمه بينهما.
(3)
عن محمد بن سيرين : أن أبا بكر نزلت فيه قضية لم يجد لها في كتاب الله أصلاً ، ولا في السنة أثراً ، فقال : أجتهد رأيي ، فان يكن صواباً فمن الله، وأن يكن خطأ فمني واستغفر الله
(4).
---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 41 ، الرياض النضرة : 1/134 ، كنز العمال : 6/361 ، منهاج السنة لأبن تيمية : 3/12.
(2) التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول : 2/259 ، 263 ، ط 3 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 92 ، بيروت.
(3) أسد الغابة في معرفة الصحابة : 3/299 ، تاريخ الخلفاء : 92 ، ط بيروت.
(4) طبقات سعد : 3/126 ، القسم الأول ، تاريخ الخلفاء : 84 ، ط الهند.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 269 _
عن عامر بن شراحيل : سُئل أبو بكر عن معنى (الكلالة) فقال إني سأقول فيها برأيي فأن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له ، وإن كان خطأ فمنى ومن الشيطان
(1).
ورد في الدر المنثور عن أبي بكر حينما سئل عن الأب أنّه قال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم، ويحق لنا أن نسالك : لماذا لا تعلم وأنت العربي القرشي معنى الأب ؟ ولماذا لا تعلم عن القليل ؟ وأنت تلي أمر هذه الأُمة وفيهامن يعلم ناسخه ومنسوخه ، باطنه وظاهره ، محكمه ومتشابهه ، مطلقه ومقيده.
وفي مقابله يقول سيد الوصيين (عليه السلام) : ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير .
ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) أني لم أردَّ على الله ولا على رسوله ساعة قطّ ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال وتتأخر الأقدام نجده أكرمني الله بها ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنَّ رأسه لعلى صدري.
ولقد سألت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي.
ولقد وليت غسله (صلى الله عليه وآله وسلم) والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية ، ملأ يهبط ، وملأ يعرج ، وما فارقت سمعي هينمة منهم ، يصلون عليه حتّى واريناه في ضريحه .
---------------------------
(1) الدر المنثور : 2/329 ، تاريخ الخلفاء : 76.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 270 _
فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً ؟ فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ ، فَوَالَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ.
أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم !
(1)
لايُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ، وَلايُسَوِّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمادُ الْيَقِينِ، إلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي، وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ.
(2)
ومن خطبه :
(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) ؟
(وَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ! وَالاَْعْلاَمُ قَائِمَةٌ، وَالاْيَاتُ وَاضِحَةٌ، وَالْمَنَارُ مَنْصُوبَةٌ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ! وَكَيْفَ تَعْمَهُونَ وَبَيْنَكُمْ عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ! وَهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَعْلاَمُ الدِّينِ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ!
فَأَنْزِلُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَنَازِلِ الْقُرْآنِ، وَرِدُوهُمْ وُرُودَ الْهِيمِ الْعِطَاشِ ، أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّت ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَال) فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقَّ فِيَما تُنْكِرُونَ
(3).
وَاعْذِرُوا مَنْ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ ـ وَهُوَ أَنَا ـ ، أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ
---------------------------
(1) نهج البلاغة : خطبة 197.
(2) نهج البلاغة : خطبة 2.
(3) نهج البلاغة : خطبة 5.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 271 _
الاَْكْبَرِ! وَأَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الاَْصْغَرَ! قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الاِْيمَانِ ، وَوَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ ، وَ أَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي ، وَفَرَشْتُكُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الاَْخْلاَقِ مِنْ نَفْسِي ، فَلاَ تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْيَ فِيَما لاَ يُدْرِكُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ، وَلاَ تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكَرُ.
ويصف آل محمد( عليهم السلام):
هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ ، يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ ، لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، وَهُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الاِْعْتِصَامِ.
بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ ، عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة ، لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.
(1)
ويقول عن نفسه وآل محمد ( عليهم السلام):
وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً، انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ ، وَاتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ، فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى، وَلَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى، فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا ، وَإِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا ، وَلاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا ، وَلاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا.
(2)
ويكفي اليسير من إخبار أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الفتن والملاحم
---------------------------
(1) نهج البلاغة : خطبة 236.
(2) نهج البلاغة : خطبة 96.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 272 _
المستقبلية لتدرك أية نعمة كفر بها الناس وأحلوا قومهم دار البوار.
منها ما يومي به إلى وصف الغول:
كأني اراهم قوماً كأن وجوههم المجان المطرقّة، يلبسون السَّرق والديباج ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل حتّى يمشي المجروح على المقتول ويكون المفلت أقل من المأسور.
فقال له بعض أصحابه: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب فضحك (عليه السلام) وقال للرجل وكان كلبياً:
يا أخا كَلب ، ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تعلم من ذي علِم وإنّما علمُ الغيبِ علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله :
(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْري نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْري نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْض تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(1).
فيعلم سبحانه ما في الارحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخي أو بخيل ، وشقي أو سعيد ، ومن يكون في النار حطباً ، أو في الجنان للنبيين مرافقاً فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه ، ودعا لي بأن يعيّه صدري وتضطمَّ عليه جوانحي.
(2)
ويقول (عليه السلام) :
---------------------------
(1) لقمان : 34.
(2) نهج البلاغة صبحي الصالح : الخطبة 128/229.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 273 _
أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، فلأنا بطرق السماء أعلم مِنّي بطرق الأرض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها وتذهب باحلام قومها.
(1)
وقال (عليه السلام) لما قتل الخوارج.
فقيل له يا أمير المؤمنين : هلك القوم بأجمعهم ، فقال:
كلا والله، إنهم نطف في أصلاب الرجال، وقرارات النساء، كلما نجم منهم قرن قطِعَ ، حتّى يكون آخرهم لصوصاً سلاّبين.
(2)
ولا يسعنا في هذا البحث التوسع في بيان منزلة أهل البيت (عليهم السلام) الّتي لن نبلغ حق وصفها ، وما عليك إلاّ ان تراجع نهج البلاغة لترى ما يفخر به من يليق به الفخر ، وفي مقابلهم يتمنى أبو بكر ان يكون بُعراً ، والله تعالى يقول :
(وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(3).
ولنعم ما قال سليمان بن عبد القوي المعروف بأبي العباس الحنبلي المتولد سنة 657 هـ والمتوفي سنة 716 هـ وكان من علماء الحنابلة.
كم بين من شُك في خلافته وبـين مـن قيل أنّه iiالله(4) |
.
---------------------------
(1) نهج البلاغة : خطبة 189/ص 347.
(2) نهج البلاغة : خطبة 59.
(3) الأسراء : 70.
(4) تاريخ علماء بغداد للسلامي : 59.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 274 _
وانّه لمن المفيد أن نطالع هذه المحاورة التي تنقل عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) .
ونحن لا نحتج بها كرواية ولكن نحتج بما دار بين المتحاورين في الرواية لانها حقائق لا مناص من الاذعان إليها والتصديق بها.
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال لما كان من أمر أبي بكر وبيعة الناس له وفعلهم بعلي لم يزل أبو بكر يظهر له الانبساط ويرى منه الانقباض فكبر ذلك على أبي بكر وأحب لقاءه واستخراج ما عنده والمعذرة إليه ممّا اجتمع الناس عليه وتقليدهم إياه أمر الأمة وقلة رغبته في ذلك وزهده فيه أتاه في وقت غفلة وطلب منه الخلوة فقال يا أبا الحسن والله ما كان هذا الأمر عن مواطاة مني ولا رغبة فيما وقعت عليه ولا حرص عليه ولا ثقة بنفسي فيما تحتاج إليه الأُمّة ولا قوة لي بمال ولا كثرة لعشيرة ولا استيثار به دون غيري فما لك تضمر علي ما لم أستحقه منك وتظهر لي الكراهة لما صرت فيه وتنظر إلي بعين الشنئان قال فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) فماحملك عليه إذ لم ترغب فيه ولا حرصت عليه ولا وثقت بنفسك في القيام به قال فقال أبو بكر حديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله لا يجمع أمتي على ضلال ولما رأيت إجماعهم اتّبعت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحلت أن يكون إجماعهم على خلاف الهدى من ضلال فأعطيتهم قود الإجابة ولو علمت أن أحدا يتخلف لامتنعت فقال علي (عليه السلام) أما ما ذكرت من قول
بحث في الصحبة والصحابة
_ 275 _
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله لا يجمع أمتي على ضلال فكنت من الأُمّة أم لم أكن قال بلى قال وكذلك العصابة الممتنعة عنك من سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وابن عبادة ومن معه من الأنصار قال كل من الأُمة قال علي (عليه السلام) فكيف تحتج بحديث النبي وأمثال هؤلاء قد تخلفوا عنك وليس للأُمة فيهم طعن ولا في صحبة الرسول لصحبته منهم تقصير قال ما علمت بتخلفهم إلاّ بعد إبرام الأمر وخفت إن قعدت عن الأمر أن يرجع الناس مرتدين عن الدين وكان ممارستهم إلي إن أجبتهم أهون مئونة على الدين وإبقاء له من ضرب الناس بعضهم ببعض فيرجعون كفارا وعلمت أنك لست بدوني في الإبقاء عليهم وعلى أديانهم فقال علي (عليه السلام) أجل ولكن أخبروني عن الذي يستحق هذا بما يستحقه فقال أبو بكر بالنصيحة والوفاء ودفع المداهنة وحسن السيرة وإظهار العدل والعلم بالكتاب والسنة وفصل الخطاب مع الزهد في الدنيا وقلة الرغبة فيها وانتصاف المظلوم من الظالم للقريب والبعيد ثم سكت فقال علي (عليه السلام ) والسابقة والقرابة فقال أبو بكر والسابقة والقرابة فقال علي (عليه السلام ) أنشدك بالله يا ابا بكر أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيّ فقال أبو بكر بل فيك يا أبا الحسن قال فأنشدك بالله أنا المجيب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ذكران المسلمين أم أنت قال بل أنت قال (عليه السلام ) فأنشدك بالله أنا صاحب الأذان لأهل الموسم والجمع الأعظم للأمة بسورة براءة أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا وقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بنفسي يوم الغار أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الغدير أم
بحث في الصحبة والصحابة
_ 276 _
أنت قال بل أنت، قال فأنشدك بالله الي الولاية من الله مع رسوله في آية الزكاة بالخاتم أم لك قال بل لك قال فأنشدك بالله ألي الوزارة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمثل من هارون من موسى أم لك قال بل لك قال فأنشدك بالله أبي برز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وبأهلي وولدي في مباهلة المشركين أم بك وبأهلك وولدك قال بل بكم قال فأنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك قال بل لك ولأهل بيتك قال فأنشدك بالله أنا صاحب دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهلي وولدي يوم الكساء اللهم هؤلاء أهلي إليك لا إلى النار أم أنت قال بل أنت وأهلك وولدك قال فأنشدك بالله أنا صاحب آية
(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً)(1).
أم أنت قال بل أنت .
قال : فأنشدك بالله أنت الذي ردت عليه الشمس لوقت صلاته فصلاها ثم توارت أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الفتى نودي من السماء لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي أم أنا قال بل أنت.
قال فأنشدك بالله أنت الذي حباك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برايته يوم خيبر ففتح الله له أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الذي نفّست عن رسول الله وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الذي ائتمنك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا الذي طهّره الله من السفاح من لدن آدم
---------------------------
(1) الأنسان : 7.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 277 _
إلى أبيه يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرجت أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبد المطلب أم أنت قال بل أنت .
قال فأنشدك بالله أنا الذي اختارني رسول الله وزوجني ابنته فاطمة (عليها السلام) وقال الله زوجك إياها في السماء أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه إذ يقول هما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أخوك المزين بالجناحين يطير في الجنة مع الملائكة أم أخي قال بل أخوك .
قال فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا الذي دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والطير عنده يريد أكله يقول اللهم ائتني بأحب خلقك إلي وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير فلم يأته غيري أم أنت قال بل أنت .
قال: فأنشدك بالله أنا الذي بشرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا الذي دل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بعلم القضاء وفصل الخطاب بقوله علي أقضاكم أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنا الذي أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أصحابه بالسلام عليه بالإمرة في حياته أم أنت .
قال : بل أنت قال فأنشدك بالله أنا الذي شهدت آخر كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ووليت غسله ودفنه أم أنت قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أما أنا قال بل أنت قال فأنشدك
بحث في الصحبة والصحابة
_ 278 _
بالله أنت حباك الله بالدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل وأضفت محمداً فأطعمت ولده أم أنا قال فبكى أبو بكر وقال بل أنت.
قال : فأنشدك بالله أنت الذي جعلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتفه في طرح صنم الكعبة وكسره حتّى لو شئت أن أنال أفق السماء لنلتها أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الذي قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة أم أنا قال بل أنت.
قال : فأنشدك الله أنت الذي أمرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بفتح بابه في مسجده عند ما أمر بسد أبواب جميع أهل بيته وأصحابه وأحلّ لك فيه ما أحل الله له أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت الذي قدمت بين يدي نجوى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) صدقة فناجيته إذ عاتب الله قوما فقال :
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَات)(1) أم أنا قال بل أنت قال فأنشدك بالله أنت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لفاطمة زوجتك أوّل الناس إيمانا وأرجحهم إسلاماً في كلام له أم أنا قال بل أنت فأنشدك بالله يا أبا بكر أنت الذي سلمت عليه ملائكة سبع سماوات يوم القليب أم أنا قال بل أنت قال فلم يزل يورد مناقبه التي جعل الله له ورسوله دونه ودون غيره ويقول له أبو بكر بل أنت قال فبهذا وشبهه تستحق القيام بأُمور أمة محمد فما الذي غرّك عن الله وعن رسوله ودينه وأنت خلو ممّا يحتاج إليه أهل دينه قال فبكى أبو بكر وقال صدقت يا أبا الحسن أنظرني قيام يومي فأدبّر ما أنا فيه وما سمعت منك
---------------------------
(1) المجادلة : 13.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 279 _
فقال علي (عليه السلام) لك ذلك يا أبا بكر فرجع من عنده وطابت نفسه يومه ولم يأذن لأحد إلى الليل وعمر يتردد في الناس لما بلغه من خلوته بعلي فبات في ليلته فرأى في منامه كأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) تمثل له في مجلسه فقام إليه أبو بكر يسلم عليه فولى عنه وجهه فصار مقابل وجهه فسلم عليه فولى وجهه عنه فقال أبو بكر يا رسول الله أمرت بأمر لم أفعله فقال أرد عليك السلام وقد عاديت من والاه الله ورسوله رد الحق إلى أهله فقلت من أهله قال من عاتبك عليه علي قلت فقد رددته عليه يا رسول الله ثم لم يره.
فأصبح وبكر إلى علي (عليه السلام ) وقال ابسط يدك يا أبا الحسن أبايعك وأخبره بما قد رأى قال فبسط علي يده فمسح عليها أبو بكر وبايعه وسلّم إليه وقال له أخرج إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرهم بما رأيت من ليلتي وما جرى بيني وبينك وأخرج نفسي من هذا الأمر وأسلمه إليك قال فقال علي (عليه السلام) نعم فخرج من عنده متغيراً لونه عاتباً نفسه فصادفه عمر وهو في طلبه فقال له ما لك يا خليفة رسول الله فأخبره بما كان وما رأى وما جرى بينه وبين علي فقال له أنشدك بالله يا خليفة رسول الله والاغترار بسحر بني هاشم والثقة بهم فليس هذا بأول سحر منهم فما زال به حتّى رده عن رأيه وصرفه عن عزمه ورغبه فيما هو بالثبات عليه والقيام به قال فأتى علي المسجد على الميعاد فلم ير فيه منهم أحداً فأحس بشيء منهم فقعد إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فمر به عمر فقال يا علي دون ما تريد خرط القتاد فعلم (عليه السلام) بالأمر ورجع إلى بيته .
(1)
---------------------------
(1) الأحتجاج : 1/115 ـ 130.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 280 _
وليتنا نفهم ما قصة الادعاء بأن أبا بكر هو الصدّيق وما الّذي جرى حتى يتبين لنا أنّه كثير الصدق ، وهل حديث : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة كان حلقة في صدق حديث هذا الرجل.
وقد ورد عن علي (عليه السلام ) قوله : (أنا الصدّيق الأكبر ولا يقولها بعدي إلاّ كذّاب )
(1).
لا بأس بأن نذكر ادعاء ندم أبي بكر على ما فعله بعلي وفاطمة (عليهما السلام) ، وهو ندم ظاهري غير حقيقي ، ولو كان حقيقياً لأعقبه الاصلاح بحقهما بل بحق الإسلام وهذا التوفيق متأخر وأنّى له هذا التوفيق.
عن عبدالرحمن بن عوف قال : إنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي به فأصابه مهتماً ، فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً فقال أبو بكر ، أتراه ؟
قال : نعم .
قال : إني وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهي مقبلة حتّى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع على الصوفي الأذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك .
---------------------------
(1) تارخ الطبري في أسلام علي ، سنن ابن ماجة : 1/44 ، مستدرك الحاكم : 3/112.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 281 _
والله لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أول ضال بالناس غداً فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً، يا هادي الطريق إنّماهو الفجر أو البجر.
فقلت له خفض عليك رحمك الله، فان هذا يهيضك في أمرك ، إنّما الناس في أمرك بين رجلين : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك ، واما رجل خالفك فهو مشير عليك وناصحك كما تحب ، ولا نعلمك أردت إلاّ خيراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وإنك لا تأس على شيء من الدنيا.
قال أبو بكر : أجل إني لاآسى على شيء في الدنيا إلاّ على:
ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن.
وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن.
وثلاث أني سألت عنهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن :
1 ـ فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب .
2 ـ وودت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي، وإني كنت قتلته سريحاً أو خليته نجيحاً.
3 ـ ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً.
وأما اللاتي تركتهن:
بحث في الصحبة والصحابة
_ 282 _
1 ـ فوددت أني يوم أُتيت بالاشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه، فأنه تخيل لي أنه لا يرى شراً إلاّ أعان عليه.
2 ـ ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة فان ظفر المسلمون ظفروا، وإن هُزموا كنت بصدد لقاء أو مدد.
3 ـ ووددت إذ وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله، ومدّ يديه.
وودت أني:
1 ـ كنت سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد.
2 ـ ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر من نصيب ؟
3 ـ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فان في نفسي منها شيء
(1).
وقال صاحب الغدير : الاسناد صحيح رجاله كلهم ثقات أربعة منهم من رجال الصحاح الستة.
ونحن نقول إذا ثبت أنك آذيت فاطمة ، وهو ثابت فقد اوردنا أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) في حق فاطمة (عليها السلام) ، وأما في حق علي (عليه السلام) فلا حصر لوصايا الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حق علي (عليه السلام) ، ويكفينا ما حكاه الحاكم في مستدركه
---------------------------
(1) أخرجه أبو عبيدة في الأموال : 174 ، ح 353 ، تاريخ الطبري : 13/429 ، حوادث سنة 13 ه ، الأمامة والسياسةو : 1/24 ، مروج الذهب : 2/317 ، العقد الفريد : 4/93.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 283 _
والذهبي في تلخيصه والمحب الطبري في الرياض النضرة: يا علي حربُك حربي وسلمك سلمي.
(1)
وما أخرج الترمذي في حديث زيد بن أرقم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ذكر علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام ) فقال : (أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم)
(2).
خير رجالكم علي بن أبي طالب وخير نسائكم فاطمة بنت محمد
(3).
علي خير البشر فمن أبى فقد كفر
(4).
علي مني بمنزلتي من ربي
(5).
أنامنك وأنت مني أو أنت مني وأنا منك
(6).
علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي
(7).
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم : ج 3 ، الذهبي /التلخيص / باب فضائل علي : ج 3 ، المحب الطبري / الرياض النضرة : ج 2.
(2) الصواعق المحرقة : 142 و 185 ، ط المحمدية ، الأصابة لأبن حجر : 4/378 ،ط السعادة ، ينابيع المودة : 229 ، 294 ، 309 ، ط اسلامبول ، ذخائر العقبى : 23 ، الرياض النضرة : 2/249 ، ط 2.
(3) تاريخ بغداد للخطيب : 4/392.
(4) تاريخ الخطيب عن جابر : 7/421 ، كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : 2/16 ، كنز العمال : 6/159.
(5) الرياض النضرة : 2/163 ، السيرة الحلبية : 3/391.
(6) مسند أحمد : 5/204 ، خصائص النسائي : 36 ، 51 ، السنن الكبرى : 5/127.
(7) مسند أحمد : 5/356.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 284 _
يا علي ان أول أربعة يدخلون الجنة : أنا وأنت والحسن والحسين وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا
(1).
أيها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً ، فقال جابر بن عبدالله : يا رسول الله وان صام وصلى ؟ فقال : وان صام وصلى ، وزعم أنه مسلم ، أحتجر بذلك عن سفك دمه وأن يؤدي الجزية عن يد وهم صاغرون ، مُثلِّ لي أمتي في الطين فمر بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعلي وشيعته
(2).
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
علي مني وانا من علي ولا يؤدي عني إلاّ أنا وعلي.
(3)
ما تريدون من علي إن علياً مني وأنا من علي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة .
(4)
ما تريدون من علي ماتريدون من علي إن علياً مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن من بعدي
(5).
---------------------------
(1) الطبراني ، المعجم الكبير : 1/319 ، ح 950 ، ابن عساكر في تاريخه : 4/318 ، الصواعق : 96 ، مجمع الزوائد : 9/131 ، كنوز الحقائق هامش الجامع الصغير : 2/16.
(2) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد : 9/172 . نقلا عن موسوعة الغدير : ج 20 .
(3) سنن الترمذي : 13/169 ، خصائص النسائي : 20.
(4) الأصابة لأبن حجر : 2/509.
(5) صحيح الترمذي : 13/165.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 285 _
من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله.
(1)
1130 حدثنا الحسن حدثنا أحمد بن المقدام العجلي حدثنا الفضيل بن عياض حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن زاذان عن سلمان قال سمعت حبيبي رسول الله يقول كنت انا وعلي نوراً بين يدي قبل ان يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم قسم ذلك النور جزءين فجزء أنا وجزء علي (عليه السلام)
(2).
1134 حدثنا أبو يعلي حمزة بن داود الأبلي حدثنا سليمان بن الربيع النهدي الكوفي حدثنا كادح بن رحمة قال حدثنا مسعر عن عطية عن جابر قال قال رسول الله رأيت على باب الجنة مكتوبا لا إله إلاّ الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله .
(3)
1140 حدثني أحمد بن إسرائيل حدثنا محمد بن عثمان حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي حدثنا يحيى بن سالم حدثنا أشعث بن عم حسن بن صالح وكان يفضل عليه حدثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال قال رسول الله مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل ان تخلق السماوات بالفي سنة
(4).
---------------------------
(1) الأستيعاب : 3/37 بهامش الأصابة.
(2) فضائل الصحابة : 2/113.
(3) فضائل الصحابة : 2/665.
(4) فضائل الصحابة : 2/668.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 286 _
1157 وفيما كتب إلينا يذكر ان عباد بن يعقوب قال حدثنا علي بن عابس عن عبدالله عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي قال اشتكى أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة فبينا أنا اطوف إذا انا برجل يصلي فأشار إلي فأتيته فقال من أنت فقلت أبو حرب بن أبي الأسود فقال أقرء أباك السلام وقل له عبدالله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك أشهد أني سمعت علياً يقول لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار والمنافقين كما تذاد غريبة الإبل عن حياضها.
(1)
1049 حدثنا عبدالله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم النهشلي حدثنا سعد بن الصلت حدثنا أبو الجارود الرحبي عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي قال لما كانت ليلة بدر قال رسول الله من يستقي لنا من الماء فأحجم الناس فقام علي فاحتضن قربة ثم اتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى إلى جبريل وميكائيل واسرافيل تأهبوا لنصر محمد (عليه السلام) وحزبه فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من سمعه فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما وتجليلاً.
(2)
وأخرج أحمد رواية الإمام علي (عليه السلام ) والله إنّه ممّا عهد إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه لا يبغضني إلاّ منافق ولا يحبني إلاّ مؤمن .
(3)
وروى أن جبرئيل نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في معركة أحد قائلاً في حق
---------------------------
(1) فضائل الصحابة : 2/677.
(2) فضائل الصحابة : عبد الله بن حنبل.
(3) مسند أحمد : 1/84.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 287 _
على (عليه السلام) : هذه المواساة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا جبرئيل لأنّه مني وأنا منه فقال جبرئيل وأنا منكما.
(1)
ونقول يا مسلم راجع الآيات التالية في طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ايذائه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(2).
(وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيًما * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِي مَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(3).
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)(4).
(وَ مَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سَاءَتْ مَصِيرًا)(5).
---------------------------
(1) تاريخ الطبري : 2/514.
(2) النساء : 59.
(3) النساء : 64 ـ 65.
(4) النساء : 80.
(5) النساء : 115.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 288 _
(وَ أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)(1).
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ مَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )(2).
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْىُ الْعَظِيمُ)(3).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ )(4).
(وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)(5).
(وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)(6).
وحين كانت القبائل في السنة التاسعة للهجرة تفد على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاهدته أو للسلام عليه في ما يسمى عام الوفود ، إختلف أبو بكر وعمر
---------------------------
(1) المائدة : 92.
(2) الأنفال : 13.
(3) التوبة : 63.
(4) محمد : 33.
(5) النور : 47.
(6) النور : 52.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 289 _
بشأن رئاسة بني تميم للتشرف عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فاقترح أبو بكر القعقاع واراد عمر بن الخطاب ان يكون الحابس بن أقرع الأمير ، فقال أبو بكر لعمر : أردت أن تخالفني ، فرد عليه عمر بأنّه لم يرد مخالفته ، فتعالى الصياح والضجيج فنزلت الآيات:
(1)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبي وَ لاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)(2).
(3).
فاذا كان احباط الاعمال جزاءاً لتعالي الاصوات فوق صوت الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم )فكيف بمن اغتصب خلافة أُمة كاملة وصرفها عن مسيرها الحق
إلى منحىً لا نعرفه ولم يرضه الله تعالى ، دين قائم على الاجتهاد لنفوس تحركها رواسب الجاهلية، قائم إبتداءاً على إيذاء وظلم بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) وخير البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصي الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليت الأمر يتعلق باشخاص عاديين يجوز معهم اعطاء الاعذار ونسعى إلى تحصيل البينة على ظلم احد الطرفين، ولكنهم معلم الدين وميزانه.
وفي مراجعة قصة ـ براءة ـ مراجعة للنفس وفيما تعتقد ، ووقفة تستجلي لك حادثة مهمة في الإسلام فيها كثير من الدلالات الّتي يخاطب بها أولو الالباب :
---------------------------
(1) صحيح البخاري : 3/191.
(2) الحجرات : 2.
(3) تفسير القرطبي : 9/6121 ، سيد قطب في ضلال : 7/524 ، سيرة أبن هشام : 206.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 290 _
روى أهل ا لنقل من الفريقين أنّه لما نزلت سورة براءة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا أبا بكر آمراً إياه بادائها بالموسم بمكة، فلما سار أبو بكر وبلغ بعض الطريق نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك ، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أمير المؤمنين (عليه السلام ) وأمره أن يلحق أبا بكر ويأخذ منه سورة براءة (صدر السورة) ويؤديها أيام الموسم بمكة ، فلحقه أمير المؤمنين وأخذ منه سورة براءة قائلاً له : أنكّ مخير بين أن ترجع أو ترافقني فرجع أبو بكر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قائلاً له : إنك أهلتني لأمر تطاولت له الاعناق ، ثم أخذت مني سورة براءة وأعطيتها علياً ، فأجابه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن جبرائيل أخبرني عن الله أنّه لا يؤدي سورة براءة إلاّ انت أو رجل منك
(1).
وإذا شئت الاطلاع على الصور المتعددة لهذه الرواية فراجع:
السنن الكبرى: 5 / 128 ، ح 1468 ، خصائص أمير المؤمنين: 92 ، ص 67 ، الأموال لأبي عبيد : 521 ح 765 ، الرياض النضرة : 3 / 119 ، الدر المنثور: 4 / 512 ، كنز العمال: 2 / 224 ح 0144 ، جامع البيان: ج 6 و ج 10 / 64 ، مختصر تاريخ دمشق : 18 / 6 ، البداية والنهاية : 7 / 439 ، سنن الترمذي : 6 / 762 ، ح 3091 ، المناقب : 641 ، ح 519 ، المستدرك على
---------------------------
(1) الأمام أحمد : 1/151.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 291 _
الصحيحين: 2 / 163 ح 5327 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9 / 422 ـ 522 .
وهنا نشير عدة تساؤلات تحتاج إلى اجوبة بعيداً عن التعصب والمغالطات السطحية الجوفاء.
1 ـ لماذا أعطاه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) در براءة إبتداءاً ثم أعطاها لعلي (عليه السلام) ، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ـ وهذا الأمر يتعلق بالرسالة وليس أمراً شخصياً ؟ (وإن كانت عقيدتنا بأنّه لا ينطق عن الهوى حتّى في غير تبليغ الرسالة والوحي).
2 ـ هل أن الأمر كان خاضعاً لهوى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إبتداءاً وانتهاءاً ؟ وهذا مردود لانّه على أقل فرض قد قال أخبرني جبرئيل أن ربك يقول أنّه لا يؤدي ...
3 ـ هل أن هذه القضية تقع تحت مسمى ما ينكره علماء الجمهور ـ البداء ـ ، وإن كان هذا ، فما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لاحقاً هو الحق ، وإذا كان كذلك فكيف قدّموا ما بدا لله ان يؤخره ، وقد قيل أن العزل طلاق الرجال.
4 ـ لماذا هذه الكلمات بالذات ـ لا يؤدي سورة براءة إلاّ انت أو رجل منك ، وإذا افترضنا أن المقصود برجل منك هو النسب الصلبي ، فهل يسوغ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يرسل اياً من اقاربه ؟ ولماذا الاختصاص بعلي (عليه السلام) ؟ وهل أن دين الله تعالى تراعى فيه القربى كأصل للتقدم من غير شروط ؟ مع العلم أن أبا بكر أيضاً قرشي ، فهو من هذه اللحاظ أيضاً من أقارب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أم أن الأمر أمرٌ آخر توضحه الآية الكريمة:
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ
بحث في الصحبة والصحابة
_ 292 _
كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(1).
ألّتي توضح لنا أن "منك" هو الّذي يتّبعك ، وهذا من الواضحات ولا يغرنّك ما قالوا لتوجيه هذه الكلمة بعيداً عن معناها ، وأنت وأنا نجيب بكتاب الله تعالى حيث يقول :
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَر فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَ جُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَ اللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )(2).
فهل أن كل من لم يشرب أو اغترف غرفة بيده من النهر هم من أقارب وأهل طالوت ، وقد قيل أن عددهم كان ثلاثمائة وثلاثة عشر جندياً.
ثم أن اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو محض الحب لله تعالى :
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(3).
وكتاب الله يبين أن أصل الولاية بين الأنبياء واقاربهم والمؤمنين إنما هو الاتّباع والعلاقة العقائدية .
---------------------------
(1) ابراهيم : 36.
(2) البقرة : 249.
(3) آل عمران : 31.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 293 _
وهو معنى قوله تعالى :
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)(1).
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ اللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(2).
ومن السهولة بمكان إيجاد ماهية العلاقة والولاية بين الله والنبي والمؤمنين عن طريق هذه الآيات المباركة ، وهي حلقة اتّباع الأنبياء الّتي تؤهل العبد لولاية وحب الله تعالى .
وإذا لم يحب الله عبداً ، فليس هناك من منزلة وسطى ، ولم يرد عندنا غير الحب والبغض في الكتاب والسنة .
وأنت تجد في كتاب الله أن الله تعالى قد وصف علياً (عليه السلام )بأنّه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّه نفسه:
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَ رَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ )(3).
---------------------------
(1) هود : 46.
(2) آل عمران : 68.
(3) هود : 17.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 294 _
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(1).
وإذا كان علي (عليه السلام) هو نفس رسول الله فكيف جاز لهم ان يرغبوا عنه والله تعالى يقول في كتابه الكريم :
(مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَ لاَ يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لاَ نَصَبٌ وَ لاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ لاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِينَ)(2)، لاتفاق الجميع ان الّذي سّمته الآية أنفسنا هو علي (عليه السلام).
ناهيك عن الأحاديث الجمة المسندة والمتواترة ، كما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن عليهم رجلاً نفسه كنفسي وطاعته كطاعتي ومعصيته كمعصيتي .
(3).
ورد في تفسير العياشي عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من أحبنا فهو منا أهل البيت، فقلت جعلت فداك منكم ؟ قال منا والله أما سمعت
---------------------------
(1) آل عمران : 61.
(2) التوبة : 120.
(3) فضائل الصحابة لأحمد : 2/571 ، المطالب العالية لأبن حجر : 4/56 ، الرياض النضرة: 64.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 295 _
قول الله وهو قول ابراهيم (عليه السلام) : فمن تبعني فهو مني .
وفيه عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من اتقى الله منكم وأصلح فهو منا أهل البيت، قال : منكم أهل البيت ؟ قال : منا أهل البيت قال فيها إبراهيم : فمن تبعني فانه مني ، قال عمر بن يزيد قلت له : فمن آل محمد ؟ قال : إي والله من آل محمد إي والله من أنفسهم أما تسمع قول الله تعالى:
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ)(1) وقول إبراهيم:
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي )(2).
عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من تولى آل محمد وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من آل محمد لتوليه آل محمد لا أنّه من القوم بأعيانهم وإنما هو بتولّيه واتّباعه إياهم ، وكذلك حكم الله في كتابه :
(وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (3) وقول إبراهيم :
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَ مَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(4) .
(5)
وهكذا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في سلمان الفارسي : (سلمان منا أهل البيت).
ونقل الشيخ زين الدين علي بن يوسف بن جبر في نهج الايمان ، عن جده ما يرويه عن النسابة ابن الصوفي : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في خبر طويل : إن
---------------------------
(1) آل عمران : 68.
(2) ابراهيم : 36.
(3) المائدة : 51.
(4) ابراهيم : 36.
(5) نور الثقلين ، تفسير الأية : 36 ابراهيم.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 296 _
أخي موسى ناجى ربه على جبل طور سيناء ، فقال في آخر الكلام : اِمضِ إلى فرعون وقومه القبط وأنا معك ولا تخف فكان جوابه ما ذكره الله في كتابه :
(قَالَ رَبِّ إنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ)(1).
وهذا علي قد أنفذته ليسترجع براءة ويقرأها على أهل مكة وقد قتل منهم خلقاً عظيماً فما خاف ولا توقف ، فلم تأخذه في الله لومة لائم ، قال : ومعلوم أن إقدام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على ذلك أمر عظيم حيث انّه قتل خلقاً عظيماً من أهل مكة ولم يقدّم خوفاً من قدومه عليهم ، وموسى بن عمران (عليه السلام) مع عظم شأنه وشرف منزلته قدّم الخوف في قدومه على فرعون وقومه القبط لأجل قتل نفس واحدة ، ومن يشرف فعله على فعل الأنبياء أولي العزم كان أولى بالتقدم على جميع الصحابة، لا سيما صحابي ليس له بلاء حسن قط في حرب من الحروب.
وهذا الاَنفاذ كان أول يوم من ذي الحجة من السنة السابعة للهجرة وأداها علي (عليه السلام) إلى الناس يوم عرفة ويوم النحر ، وهو عين الّذي أمر الله تعالى به ابراهيم (عليه السلام) :
(وَ إِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْقَائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ)(2).
فكأن الله تعالى أمر الخليل بالنداء أولاً بقوله :
---------------------------
(1) القصص : 33.
(2) الحج : 26.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 297 _
(وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَ عَلَى كُلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجّ عَمِيق)(1).
وأمر الولي بالنداء أخيراً )
(2).
وهل يصح من غير أمير المؤمنين (عليه السلام )تجديد نداء جده محطم الاصنام وبطل التوحيد ـ ناهيك عن أمرة المسلمين ؟
وهل يصحُّ من الأُمة أن تنحرف عمن هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن هو من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه ، وجبرئيل يتباهي بقوله أنا منكما ...
وإذا كان الحب لا معنى له بغير الاتّباع كما بينا من قبل ، فمعنى عدم اتّباع علي (عليه السلام) ـ مع الادلة الكثيرة لتنصيبه ـ هو بغضه فكيف ينسجم القول بحب أهل البيت(عليهم السلام)والتجافي عنهم ـ إنها لقضية ذات عوار ـ ومعضلة لا يصلح لها جواب ـ وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق .
(3)
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد الحسن والحسين (عليهما السلام) فقال : من أحبني وأحب هذين واباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة
(4).
---------------------------
(1) الحج : 27.
(2) نهج الأيمان ، زين الدين علي بن يوسف بن جبر : 252 ـ 253.
(3) صحيح مسلم ، شرح النووي : 1/298 ، مسند أحمد : 2/1 ـ 2 ، ط 2، خصائص النسائي : 27 ، ذخائر العقبى : 91.
(4) الحاكم : 2/149 ، احمد في مسنده : 2/25 ، ط 2.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 298 _
ولما نزلت :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)(1).
قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو أنت يا علي هو أنت وشيعتك تأتون يوم القيامة راضين مرضيين .
(2)
والقائمة طويلة بامثال هذه الأحاديث الشريفة، وهي عندما تؤكد على حب علي (عليه السلام ) فليس بالمعنى العاطفي وإنما توصية بحبه لأجل اتباعه، وإلاّ فلم لم يوصِ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا التركيز على أي من اقاربه الآخرين وهم كثر .
بحث في الصحبة والصحابة
_ 299 _
الصحبة كما أسلفنا تعني الرفقة والمخالطة سواءاً بالاحسان أو الاساءة وربما أوسع من هذا كقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )لزوجاته : أنتن صواحب يوسف
(1).
ومن غير الصحيح أن نعتبر صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ميزاناً للإيمان ، وغير خاف عنك قصة المنافق عبدالله بن أبي حين طلب بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قتله فرفض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً : حتّى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه
(2).
وأما ما ذهب إليه البعض في أن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) كلهم عدول فذلك ممّا ينافيه العقل والمنطق والتاريخ ، والأُولى أن تهمّش هذه الكلمة في التقييم ولا يلتفت إليها إلاّ لُغةً ، وإذا أُريد التقييم الحقيقي للإيمان فالقطب هو حسن الاتباع إلى لحظات انقضاء التكليف ، ولا حجة في أي إثبات جزافي لهذا المصطلح في آية أو حديث من دون فهم الكلمة والقرائن الدالة عليها في هذا الموقع أو ذاك ، كما في الحديث النبوي المروي عن طريق القوم ، إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فلما سألوا
---------------------------
(1) صحيح البخاري : كتاب الأذان.
(2) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، موطأ مالك : 1/171.
بحث في الصحبة والصحابة
_ 300 _
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : هذا القاتل فما بال المقتول، قال إنّه كان حريصاً على قتل صاحبه .
(1)
والواضح هنا أنّه سمّى العدو صاحباً .
نسأله تعالى أن لا نكون ممن يشملهم قوله تعالى :
(وَ لَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَ لَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)(2).
(وَ جَحَدُوا بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(3).
والحمد لله رب العالمين
---------------------------
(1) صحيح البخاري : كتاب الايمان .
(2) الاعراف : 179 .
(3) النمل : 14 .