الفهرس العام



الاهداء
    المقدمة
    أوّل الظلم


      تهب الأممُ عظماءَها حياةً بعد أفول رسومِها ونرمسُ في ليل داج كسرابِ غربان إرثَ النور.
      عبدت الأممُ أصناماً أقامها أسلافهم إكراماً لأنبياءَ سبقوا ... ويستخفُّ المسلمون بتعظيمِ أشرفِ الأنبياءِ لبضعتهِ سيدةِ نساءِ أهل الجنّةِ... تُتهمُ بالإفتراءِ وتُردُّ شهادةُ بعلها خيرِ الاوصياء...
      وقالوا ... قالَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة.
      إليك يا أمَّ أبيها أهدي هذا الجهدَ المتواضعَ لعلّك ترضين فيرضى الله تعالى عنَّا.
      المؤلف

    بحث في الصحبة والصحابة _ 7 _

    بســم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة

      اللهم إني أحمدك حمداً يقل في انتشاره حمد كل حامد ، ويضمحل باشتهاره جحد كل جاحد ، ويفل بغراره حسد كل حاسد ، ويحل باعتباره عقد كل كائد ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، شهادة أعتدّ بها لدفع الشدائد، وأستردُّ بها شارد النعم الأوابد، وأصلي على سيدنا محمد ، الهادي إلى أمتن العقايد وأحسن القواعد، الداعي إلى أنجح المقاصد وأرجح الفوائد، وعلى آله الغر الأماجد، المقدمين على الأقارب والأباعد ، المؤيدّين في المصادر والموارد ، صلاة تسمع كل غائب وشاهد ، وتقمع كل شيطان مارد .
      لم تكن قضيةُ تقمص خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قضيةً مغمورةً ساذجةً استغرقت بعضاً من الزمن وانتهت كما يروق للبعض وصفها ، وأن الماضي ذهب بأهله ولا ينبغي نبش التاريخ ومحاكمة رموزه محاكمة دنيوية ، وأن (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (1) .
      والمؤسف حقاً أنّ من يثير هذا الأمر يجهل أو يتجاهل أن جلّ ما

    ---------------------------
    (1) البقرة 134.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 8 _

      نطق به القرآن كان تاريخاً ، وإذا كان التاريخ لا ضرورة له في بناء الحاضر والمستقبل فلم أنزله الله تعالى على قلب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم )؟
    (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ )(1).
      (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) (2).
      (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَ قَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً)(3).
      وإذا كان كشف افعال الماضين جريمة في عرف البعض فما كان أولئك الذين صنعوا ذلك الماضي يعدّون بعضها سوأة بل قربة أرادوا بها حفظ الإسلام وأهله ، والمشكلة هنا أنّ هذا التاريخ وانحرافه خلق لنا من ضمن ما خلق ملكاً عضوضاً وسنّة في سبّ الله تبارك وتعالى امتدت ثمانين سنة فوق المنابر وإلى ما شاء الله تحت المنابر لما جاء في الحديث النبوي الشريف ( من سبّ عليّاً فقد سبّني ومن سبّني فقد سبّ الله) (4) وما لا حصر له من التجاوزات على الرسالة وربّها وأهلها إلى يومنا هذا .

    ---------------------------
    (1) هود: 120.
    (2) يوسف : 3.
    (3) طه :99 .
    (4) المستدرك ، للحاكم النيسابوري : 3/121 ، دار المعرفة ـ بيروت ، رواه بكير عن عثمان البجلي عن أبي أسحاق بزيادة ألفاظ ، الرياض النظرة ، للطبري : 2/219 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 9 _

      ولقد استجبنا لرغبة لفيف من القراء في التوسع في بعض مطالب البحث السابق اثراءاً له واشباعاً ، وحتّى لا تكون هناك نقاط ابهام تشكل على من يعدَّ الاختصار طمساً لبريق الحقيقة وإخراساً لصراخ الفجيعة.
      ومثل دأبنا في البحث السابق ما نأينا عن كتاب الله تعالى هادياً ودليلاً وكتب القوم الزاماً وحجةً إلاّ القليل من شذرات كتب الشيعة بغية الايضاح دون الدليل الماثل بين يدي القارئ الكريم .
      ولا يدّعي أحد كائناً من كان ـ باستثناء من عصمهم الله تعالى ـ ، كمال الرأي واحاطة العلم والمام الفهم ، إن لم يكن العكس هو الأصل، ولكن ما يعزز الثقة هو كون محور البحث من كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن كلمات اقتبسناها من موروثات يراع حاكمي الرقاب والقراطيس.
      ارجو ان تشحذ هذه الصفحات الرغبة في استقصاء هذا التاريخ لعل التوفيق يغشانا فيدلنا على الحقيقة، والحقيقة تجرنا إلى الانصاف، والانصاف يهدينا إلى مودة أهل البيت( عليهم السلام).

    بحث في الصحبة والصحابة _ 11 _

    أوّل الظلم


      الزمن الممتد بين آدم (عليه السلام) إلى نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) استغرق على أكثر التقديرات عشرين ألف سنة ، تخلله مائة وأربعة وعشرون ألف نبياً واضعافٌ مضاعفةٌ من الاوصياء، وربّما يمتد الزمن إلى قيام الساعة عشرات الالوف او مئات الالوف من السنين أو أقل أو أكثر (علمها عند الله).
    (يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً)(1).
      فكيف يعقل أن تخلو الأرض من أوصياء لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف يعقل خلو الأرض من حجة وهاد والله تعالى يقول :
    (وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )(2).
    (وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْم هَاد)(3).
    (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَ لاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً )(4).


    ---------------------------
    (1) الأحزاب: 63.
    (2) التوبة : 105.
    (3) الرعد :7 .
    (4) الأسراء : 71.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 12 _

      وكيف يمكن أن تخلو الأرض من شهيد والله تعالى يقول :
    (َ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(1).
      (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَ جِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا )(2).
      (وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّة شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ لاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(3).
      (وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءْ وَ هُدًى وَ رَحْمَةً وَ بُشْري لِلْمُسْلِمِينَ)(4).
      (وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)(5).
      (وَ جَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ


    ---------------------------
    (1) البقرة: 143.
    (2) النساء : 41.
    (3) النحل :84 .
    (4) النحل :89.
    (5) النساء :69.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 13 _

       وَ آتُوا الزَّكَاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ) (1).
      (وَ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَ وُضِعَ الْكِتَابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَ قُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )(2).
      والشهادة في كل هذه الموارد هي شهادة تحمّل في الحياة الدنيوية لا شهادة أداء كالتي في قوله تعالى :
    (وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) (3).
      والمقصود بشهادة التحمل أن هؤلاء الشهداء يجب أن يكونوا من نفس أممهم عالمين بحقائق الاعمال بصورتها الباطنية لا الخارجية فقط ، وتكون شهادتهم شهادة حق كما تشهد الملائكة وجوارح الإنسان والأرض والكتب والرسل في يوم تبلى فيه السرائر، مع أن الشهادة المطلقة الحقيقية هي لله سبحانه ، والذي يشهدهم إنّما هو الأمر الالهي، كما جاء في كتابه تعالى :
    (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءْ شَهِيدٌ ) (4).


    ---------------------------
    (1) الحج: 78.
    (2) الزمر :69.
    (3) الرعد :43 .
    (4) المائدة :117.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 14 _

      (وَ لاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (1).
      (وَ قَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )(2).
      (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصَارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لجُلُوِدِهمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيءْ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(3).
      (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(4).
      (وَ جَاءَتْ كُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ وَ شَهِيدٌ )(5).
      (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )(6).
      (وَ قَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)( 7).
      والشاهد لا يمكن إلاّ أن يكون معصوماً حتّى يكون مؤهلاً لاداء الشهادة، ولو لم تكن العصمة لاقتضى وجود من يشهد على عمله، وهذا تسلسل والتسلسل باطل كما هو معلوم .

    ---------------------------
    (1) الزخرف: 86.
    (2) فرقان :30.
    (3) فصلت :20 ـ 21 .
    (4) يس :65.
    (5) ق :21.
    (6) ق :18.
    (7) زلزلة :3 ـ 5 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 15 _

      وأما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )فلن يكون شاهداً على أعمال هؤلاء الشهداء بل شاهداً على مقامهم ، فأن شهادتهم ترتضى لانهم مجتبون أي مصطفون كما قدمت الآية 78 / حج ، وهم شهود الحق كما في الآية 68 / زخرف ، وهم من أنعم الله عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، ولا يمكن لأي كان باستثناء الذين شملتهم الآية 96 / النساء، أن يدخل في زمرتهم، إلاّ أن يكون معهم يوم القيامة، لأن هذه العناوين الأربعة متلبسة بالحق لا تحيد عنه قيد أنملة ،
    ( وَ مِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ)(1)
      وهذه المعية أوضحتها أيضاً الآية الكريمة :
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(2).
      والشهداء هم الصادقون وهم الخلفاء الذين أخبر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم، وسيأتيك ان شاء الله الخبر في الصفحات المقبلة.
      وربما يُقال بأن الشريعة قد اكتملت ولا ضرورة في وجود من يخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حافظاً لها ، فنجيب : وهل استطاعت الشريعة أن تجمع الناس على سواء ما يريده الله تعالى من المسلمين على الأقل من الآية (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (3).

    ---------------------------
    (1) الأعراف: 181.
    (2) التوبة :119.
    (3) المائدة :55 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 16 _

      وأنت ترى ما تعرّض له بيت النبوة (عليهم السلام ) من ظلم وانتهاك وسفك دماء على أيدي المسلمين انفسهم ، وماذا تقول في الحديث المتفق عليه (تتفرق أُمتي من بعدي ثلاث وسبعون فرقة ، فرقة واحدة الناجية)(1) ، وهل كان الانحراف عن أهل بيت النبوة إلاّ من أئمة القوم ابتداءاً مع علمهم بحق مَنْ نزلت آية التطهير وإن جهلوا غيرها والتاريخ!! ويكفي رغبةً في الاختصار ما أعرضه لك مع أن المراجعة لكتب التاريخ تنبئك بما لا حصر له من الامثلة.
      يقول ابن حجر في مقدمة الباري: والتشيع، محبة علي وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه ويطلق عليه رافضي ، وإلاّ فشيعي ، أخرج البخاري عن طريق ابن عمر أنّه قال : كنا نخير بين الناس فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان (رضي الله عنه).(2)
      وعن مصعب أنّه سأل مالكاً (مالك بن أنس): مَنْ أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )؟ فقال مالك : أبو بكر ، قال ثم من ؟ قال : عمر، قال : ثم من ؟ قال : عثمان ، قال : ثم من ؟ قال : هنا وقف الناس (أي ان بقية الناس سواء في التفاضل ومنهم علي (عليه السلام)).

    ---------------------------
    (1) الحديث كما يرويه الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ص 21 ، منشورات الشريف الرضي بقم يقول : وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منهم واحدة والباقون هلكة.
    سنن الترمذي : 5\25 ، ح 2640 و5\26 ، ح 2641 ، المستدرك على الصحيحين للحاكم : 1\219 ح 445 ، أبن ماجه 2\1321 ، ح 3991 و 2\1322 ، ح 3992 ، 3993 ،3994 .
    (2) البخاري 5\242.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 17 _

      وصحيح أن الإمامة لا يمكن أن تزوى عن علي (عليه السلام )لأنها مجعولة ، ولكن الخلافة اللازمة لاجراء قانون السماء قد اغتصبت.
      
    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(1).
      وفي اغتصابها كفر وظلم وفسق.
    (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (2).
      (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (3).
      (وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (4).
      (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)(5).
      لأن الله تعالى قد أنزل: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (6).
      ورد في المعجم الوسيط في باب كفرَ .

    ---------------------------
    (1) البقرة: 30.
    (2) المائدة :44.
    (3) المائدة :45 .
    (4) المائدة :47 .
    (5) المائدة :49 .
    (6) المائدة :67 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 18 _

      كفره : ستره وغطّاه.
      يقال كفر الزارع البذر بالتراب فهو كافر.
      وكفر التراب ما تحته غطّاه ... انتهى.
      ومعاني الكفر في الاصطلاح:
      الاستكبار والجحود ، الانكار ، الترك، تغطية النعمة.
      انظر الآيات الكريمة تعطيك هذه المعاني:
    (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيَْمانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيَْمانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(1).
      (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(2).
      (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِىَ الأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَان إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ


    ---------------------------
    (1) البقرة: 102.
    (2) آل عمران :97 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 19 _

       تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(1).
      (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)(2).
      (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَاب ثُمَّ مِنْ نُطْفَة ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً)(3).
      بالاضافة إلى الآية المباركة المتقدمة .
      ولوضوح وغير خفاء أن القوم اجتهدوا مقابل النص .
    (وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِن وَ لاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينًا)(4).
    (وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالَْيمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ حَاجِزِينَ)(5).
      وقد دُفع عن خلافة الله تعالى في الأرض من نصّت عليه صريح الآيات والاخبار من صاحب الرسالة والوحي بما ملأ بين الخافقين وتناقلتها الاجيال قراطيس وقلوباً .

    ---------------------------
    (1) ابراهيم: 22.
    (2) ابراهيم :28 .
    (3) الكهف : 37.
    (4) الأحزاب : 36.
    (5) الحاقة: 44 ـ 47 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 20 _

      وهذه سيدة النساء في حديثها لنساء الانصار تهتف بالقلوب قبل الاسماع قائلة : (أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين، والطبين(1) بأُمور الدنيا والدين ؟!).
      وفي موضع آخر من نفس الخطبة: وما عشتَ أراك الدهر عجباً، وإن تعجب فعجب قولهم !! ليت شعري إلى أي اَسناد استندوا ؟! وإلى أي عماد اعتمدوا!! وبأي عروة تمسّكوا ؟! وعلى أي ذرية أقدموا واحتنكوا(2)، لبئس المولى ولبئس العشير، وبئس للظالمين بدلاً ! إستبدلوا والله الذنابى(3) بالقوادم والعجز (4) بالكاهل( 5) فرغماً لمعاطس(6) قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ! ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم:
      (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(7).(8)
      ومن اغتصب حقاً عظيماً قامت به السماوات والأرض لا يصح أن يقدّم على جميع الخلق بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أفرط فيه قومٌ فقالوا فيه ما قالوا ، ولأجل الحقيقة فقط دعونا نتفق على قاعدة مشتركة نقبلها

    ---------------------------
    (1) الطبين : الفطن.
    (2) احتنك : استولى.
    (3) الذنابى : الأتباع والسفلى.
    (4) العجز : الآخر.
    (5) مقدم أعلى الظهر .
    (6) المعطس : الأنف.
    (7) يونس : 35.
    (8) الأحتجاج لأبي منصور الطبري : 287 ـ 290 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 21 _

      جميعاً ـ وهي عدم عصمة هذا الشخص، وبالنتيجة جواز الخطأ والذنوب عليه، وبديهي أن من يقترف ذنباً يسمى عاصياً ، والله تعالى يقول :
    (وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِن وَ لاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَ رَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِيناً )(1).
      اِذاً في لحظة العصيان هو داخل في ما يسمى دائرة الضلال، ومن كان كذلك فلا يصح أن يكون هادياً لغيره .
      
    (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(2).
      والظلم مهما يكن حجمه وسعته وإن أعقبته التوبة فمسمى فاعله ظالم ولا تصح امامته .
       (وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(3).
      ومن يعصِ الله ورسوله فهو إنما يطيع الشيطان أو هوى نفسه، وقد ورد في المأثور ـ من أطاع شيئاً فقد عبده ـ .
       (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (4).

    ---------------------------
    (1) الأحزاب : 36.
    (2) يونس : 35 .
    (3) البقرة : 124.
    (4) يس : 36 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 22 _

      وما عبد بنو آدم الشيطان ولكنهم أطاعوه فعدّها الله تعالى عبادة .
      ولقد كان أبو بكر صريحاً واضحاً حين أعلن عند مبايعة القوم في السقيفة:
      (وما أنا إلاّ كأحدكم فإذا رأيتموني قد استقمت فاتّبعوني ، وإن زغت فقوموني ، واعلموا أن لي شيطان يعتريني أحياناً )(1).
      والله تعالى يقول مخاطباً إبليس: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (2).
      ويقول أيضاً: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (3).
      فإذاً لا يستطيع من أفرط فيه أن يقول وبملءِ فمه أنّه صاحبه في الآخرة كما هو صاحبه في الدنيا، لأن الله تعالى يقول:
    (الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ) (4).
    ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَ لاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (5).


    ---------------------------
    (1) الأمامة والسياسة : 34.
    (2) حجر : 42.
    (3) الفرقان : 43 .
    (4) الأنعام : 82.
    (5) الكهف : 110 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 23 _

      ولما ثبت عندنا وبدليل أن إقرار العاقل على نفسه حجة أن له شيطاناً يعتريه ، فمثله مثل كثير من الناس اِن كان اسرافه على نفسه فقط ، ولكن الأمر تجاوز النفس، ويكفي فقط اغضابه فاطمة (عليها السلام) ومن أسخط فاطمة (عليها السلام )وأغضبها فقد أسخط الله ورسوله (وستأتيك الروايات ومصادرها)، والله تعالى يقول : (وَ مَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ سَاءَتْ مَصِيرًا)(1).
      وأتبعها تعالى بقوله : (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) (2).
      يقول صاحب الميزان: ظاهر الآية أنها في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة نولّه ما تولّى ونصله جهنم بناءً على اتصال الآيات، فالآية تدل على أن مشاقّة الرسول شرك بالله العظيم، وربما استفيد ذلك من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا وَ سَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ) (3).
      وقال أيضاً: المشاقّة من الشق وهو القطعة المبانة من الشيء فالمشاقّة

    ---------------------------
    (1) النساء : 115.
    (2) النساء : 116.
    (3) محمد : 31 ـ 34 .

    بحث في الصحبة والصحابة _ 24 _

      والشقاق كونك في شقّ غير شقّ صاحبك ، وهوكناية عن المخالفة، فالمراد بمشاقّة الرسول بعد تبين الهدى مخالفته وعدم اطاعته، وعلى هذا فقوله ويتبع غير سبيل المؤمنين بيان آخر لمشاقّة الرسول، والمراد بسبيل المؤمنين اطاعة الرسول فإن طاعته طاعة الله، قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(1).
      ولا يغرنّك قول من يقول أن أبا بكر تاب واسترضى فاطمة (عليها السلام)، وفي صحيح البخاري القول الفصل أن فاطمة (عليها السلام) هجرت أبا بكر ولم تكلمه إلى أن ماتت :
      فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفيت .(2)
      فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتّى ماتت(3) .
      فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلمه حتّى توفيت (4) .
      ولابد من التنبيه إلى أن الّذي تقدم الاشارة اليه من الشرك العظيم ليس من الشرك الّذي تتحدث عنه الآية المباركة: (وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَ هُمْ مُشْرِكُونَ) (5).

    ---------------------------
    (1) النساء : 80.
    (2) البخاري في كتاب الخمس : 4\42 ،دار الفكر.
    (3) البخاري في كتاب الفرائض : 8\30 .
    (4) البخاري في كتاب المغازي : 5\82 ، باب غزوة خيبر.
    (5) يوسف : 106.

    بحث في الصحبة والصحابة _ 25 _

      وحتّى هذا الشرك الأقل شراً وشؤماً وهو ما يسمى باصطلاح فن الاخلاق بالشرك الخفي، هو بلا ريب منقصة في دين العبد لأن الدين حقيقةٌ ينفع التلبس به دون التسمي، ولا يمكن أن يجتمع الشرك مع التقوى لأنهما معنيان متقابلان ، والله تعالى يقول :
      (تِلْكَ الْجَنَّةُ التي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) (1).
      لأن الله تعالى يريد من عبده ما تريده الآية الكريمة: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) (2).
      وكيف يجتمع كل هذا مع أمر الله سبحانه للمؤمنين باطاعة اولي الأمر اِن كان ولي الأمر هو الخليفة الّذي يفترض به أن يكون حاكماً شرعياً يحكم بأمر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَ الرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَ الْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(3).
      وبالتأكيد هو وجوب طاعة مطلقة باعتبار العطف على طاعة الله وطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )ويقتضي أن يكون اولو الأمر معصومين ، ولا يخفى عليك أن هذا المفهوم يفترض أن لا يختلف فيه عاقلان ، ولا يستسيغ العقل أن من يطيع مذنباً بسخط الله يستطيع أن يدفع عن نفسه أمام الله تبارك وتعالى

    ---------------------------
    (1) مريم : 63.
    (2) الزمر : 2.
    (3) النساء : 59.