للشيخ الأعظم استاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري ( قدس سره )
1214 ـ 1281 هـ

اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم


مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم أنبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، الذين رضعوا من ثدي الإيمان ، وتربّوا في حجر الاسلام .
  أما بعد :
  فمما تركه الشيخ الأنصاري قدس سره من تراثه الفقهي هو ما كتبه في الرضاع الذي يُعدّ من البحوث الفقهية المهمة ، وتترتب عليه آثار كثيرة .
  ومهما يكن ، فالرسالة جديرة بالاهتمام بها كسائر ما كتبه قدس سره ، ويسرّ لجنة التحقيق أن تقدم هذه الرسالة محققة إلى الفقهاء وذوي الدراسات العالية ، ليرتووا من هذا المنهل العذب .
  والرسالة مكتوبة بصورة مستقلة ومن دون أن تكون شرحا لكتاب آخر كالإرشاد أو القواعد أو غيرهما .

الرِضَاعُ 8
  النسخ المعتمد عليها :
  وأما النسخ التي اعتمد عليها في التحقيق فهي :
  أولا ـ مصورة النسخة الأصلية :
  كان الاعتماد الأكثر في تحقيق الرسالة على مصورة النسخة الأصلية ـ أي مخطوطة الشيخ قدس سره ـ الموجودة في مكتبة الإمام الرضا (ع) في مشهد ضمن مجموعة من مصنفات الشيخ الأعظم قدس سره برقم ( 11127 ) والتي قدمتها لنا المكتبة مشكورة .
  ورُمزت هذه النسخة بـ ( ق ) .
  ثانيا ـ نسخة من المكاسب :
  والنسخة الثانية التي استفيد منها في التحقيق ، نسخة من المكاسب مطبوعة بالطبعة الحجرية عام ( 1305 ) ، وقد تضمنت عدّة رسائل ، منها هذه الرسالة .
  ورُمز لهذه النسخة بـ ( ع ) .
  ثالثا ـ نسخة ثانية من المكاسب :
  وهي نسخة اُخرى مطبوعة عام ( 1325 ) في إصفهان ، وطبعت الرسالة ملحقة بها مع غيرها من الرسائل .
  ورُمز لها بـ ( ص ) .
  رابعا ـ نسخة ثالثة من المكاسب :
  وهي المطبوعة عام ( 1375 ) في تبريز مع شرح الشهيدي ، وقد طبعت الرسالة ملحقة بها مع غيرها من الرسائل أيضا .
  ورُمز لها بـ ( ش ) .
  ولابد أن نُشير إلى أنه قدس سره قد بدأ بالكتابة في الموضوع فكتب

الرِضَاعُ 9
مقدارا يسيرا منه ثم أعرض عنه فكتب من جديد ، ونحن طبعنا كل ما كتبه إتماما للفائدة .
  وختاما نبدي شكرنا وتقديرنا لكل من سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رحمة الله الرحمتي ، وسماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسّون اللذين بذلا وسعهما في تحقيق الرسالة ، ونسأل الله تعالى لنا ولهما مزيد التوفيق في خدمة فقه أهل البيت عليهم السلام إنه مجيب .

  مسؤول لجنة التحقيق
  محمد علي الأنصاري

الرِضَاعُ 10

صورة الصفحة الأولى من رسالة الرضاع

الرِضَاعُ 11

صورة الصفحة الثالثة من رسالة الرضاع

الرِضَاعُ 12

صورة الصفحة ما قبل الأخيرة من رسالة الرضاع

الرِضَاعُ 13

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة الرضاع

الرِضَاعُ 14
بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين .

الرِضَاعُ 15
  أجمع علماء الإسلام ـ ظاهرا ـ على أن من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل في هذا الحكم ـ قبل الأجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) .
  ورُوي عن الصادق عليه السلام أيضا بعدّة طُرُق صحيحة ، ورواه عبدالله ابن سنان ، وأبو الصباح الكناني ، وعبيد بن زرارة عن مولانا الصادق عليه السلام مع تخالف يسير في المتن .
  ومعنى هذه العبارة : أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من يحرم من جهة النسب ، لا أن نفس مَن يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع ، كما يتراءى من ظاهر العبارة ، وإنما عبّر بهذا للتنبيه على اعتبار اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع والحاصل بالنسب في التحريم صنفا ، مثلا الأم محرمة من جهة النسب ، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل التحريم من جهة الرضاع ، ولو حصل بالرضاع ما يلازمه ـ مثل اُمومة أخيه لأبويه ـ لم يحرم ، وكذلك الأُخت والبنت وغيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة النسب الحاصل بين الرضاع محرم للنكاح في الجملة الأصل في الحكم : النبوي معنى الحديث : قيام الرضاع مقام النسب في التحريم

الرِضَاعُ 16
  توهم عدم تحريم ام الزوجة من جهة الرضاع شخصين ، أو بين أحدهما وزوج الآخر ، أو من في حكمه ، فإن اُم الزوجة محرمة على الزوج من جهة نسب بينها ويبن الزوجة يحدث باعتباره المصاهرة بعد التزويج ، وكذلك الاُم الرضاعية للزوجة .
  فحاصل معنى هذا الحديث : التسوية بين النسب والرضاع في إيجاب التحريم ، وأن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية ، وتنزل مكانها ، فلا يتوهم أن تحريم اُم الزوجة من جهة المصاهرة ، فينبغي أن لا تحرم من جهة الرضاع .
  توضيح الدفع : أن معنى هذه القضية السلبيّة ـ وهي ( أن المحرم من جهة المصاهرة لايحرم من جهة الرضاع ) على قياس تلك القضية الموجبة ـ هو : أن الرضاع لايقوم مقام المصاهرة ولاينزّل منزلتها ، فإذا أرضعت ولدك امرأة فلاتحرم عليك اُمها من حيث إنها جدة ولدك لاُمه الرضاعية ، من جهة أن جدة الولد لاُمه إنما تحرم على الأب لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولا شك أن الزوجية هنا منتفية ، ومجرد إرضاع ولد الرجل لايصيّر المرضعة في حكم الزوجة ، لما عرفت من أنّ الرضاع لايقوم مقام المصاهرة .
  وأما اُمّ الزوجة المرضعة لها ـ في المثال الذي قدّمناه ـ فإنما قامت مقام اُمها الوالدة لها ، فقد قام الرضاع مقام النسب ، لامقام المصاهرة ، لأن زوجية الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدّل بالرضاع ، وإنما المبدل بها النسب الحاصل بين الأم والزوجة .
  وملخّص الكلام : أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقارب الآخر ، توقف وجودها على أمرين : ثبوت الزوجية بين الرجل والمرأة ، وثبوت القرابة والنسب بين شخص وبين أحدهما ، فكما يمكن استناد التحريم إلى المصاهرة الحاصلة بين المحرم والمحرم

الرِضَاعُ 17
  عليه من مجموع ذينك الأمرين ، فكذلك يمكن استناده إلى الأمر الأول من الأمرين ، بأن يُقال : إنه تحرم اُمّ الزوجة على الزوج من جهة زوجية بنتها له ، وكذلك يمكن استناده إلى الأمر الثاني ، فيقال : إنه تحرم اُم الزوجة على الزوج لأجل نسب بينها وبين زوجته ، ولايوجب ذلك عدّها في المحرمات النسبية ، من جهة قصرها على ما استند فيه التحريم إلى النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما .
  إذا عرفت ذلك ، فدخول الرضاع في المصاهرة ، إما بقيامه مقام الأمر الأول من الأمرين المذكورين ، مع بقاء الأمر الثاني بحاله ، كالاُمّ النسبية للاُمّ الرضاعيّة للولد ، النازلة منزلة الزوجة ، وإما بقيامه مقام الأمر الثاني منهما ، كالاُم الرضاعية للزوجة الحقيقية .
  ففي الأول : لامجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع ، إلا إذا دلّ دليل خاص عليه ، لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب ، وجعل كلّ عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الحاصل بالنسب ، ومعلوم أنه لم ينتف هنا إلا الزوجية ، ولم يدلّ دليل النشر على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة .
  وفي الثاني : لاينبغي التأمل في التحريم ، لأنه إذا اُلحق العنوان الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم ، واُقيم الرضاع مقام النسب في إناطة التحريم به ، فلا شك ( في أنه ) (1) تكون الاُم الرضاعية للزوجة بمنزلة الاُم النسبية لها .
  ولعلّ منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور توقف المصاهرة على أمرين

(1) لم يرد في ( ق ) .

الرِضَاعُ 18
شروط نشر الحرمة بالرضاع
  الأول : كون اللبن عن وطء صحيح توهم كون المراد بلفظ ( النسب ) فيه ، النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، على حدّ قولهم : ( سبب التحريم إما نسب ، أو رضاع ، أو مصاهرة ) ، وهذا خبط فاسد ، فإنه تقييد للمطلق من غير دليل ، بل المراد منه هو مطلق النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم والمحرم عليه ، أم بين أحدهما وزوج الآخر ، أو غيره ، مثل المزنيّ بها والغلام الموطوء والملموسة .
  ومن هنا يصحّ التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب واُخته وبنته الرضاعيّتين على الموقب ، وإلا فأيّ نسب بينها وبين الموقِب ؟!
  وأما دعوى أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة النسب ، بل هو مستند إلى المصاهرة ، فقد عرفت الحال فيها ، وأنه يجوز استناد التحريم فيه إلى نفس المصاهرة وإلى كل واحد من الأمرين الذين يتوقف وجودها عليهما .
  ثم أعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط :
  الأول : أن يكون اللبن عن وطء صحيح ، فلو درّ لا عن وطء أو عن وطءٍ بالزنا ، لم ينشر (1)...

(1) يبدو من نسخة ( ق ) ـ وهي المصورة من النسخة الأصلية ـ أنه أعرض عما كتبه إلى هنا ، وبدأ بالكتابة من جديد ، حيث كتب في هامش الصفحة الثالثة : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، أجمع علماء الاسلام . . . إلخ ) ، وجعله أول الكتاب ، ثم ربطه بقوله : ( لم ينشر على المعروف بين الأصحاب . . . ) ، ويؤيّد الإعراض : عدم ورود ذلك المقدار في نسخة خطية أخرى ، ولكن ورد المُعرض عنه في النسخ المطبوعة .

الرِضَاعُ 19
بسم الله الرحمن الرحيم

  ( أجمع علماء الإسلام على أنّ من جملة أسباب تحريم النكاح : الرضاع في الجملة ، والأصل فيه ـ قبل الإجماع ـ قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان :
  ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (1) .
  ورواه عدّة من أصحابنا في الصحيح وغيره عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام (2) .
  ثم إنّ كونه سببا في التحريم يتوقف على امور :
  الأول : أن يكون اللبن عن وطءٍ صحيح ، فلو درّ لا عن وطءٍ أو عن الرضاع محرم للنكاح في الجملة

الأصل في الحكم : النبوي
شروط نشر الحرمة بالرضاع


(1) الوسائل 14 : 280 ، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 1 و 7 ، وكنز العمال 6 : 271 ، الحديث : 15660 .
(2) الوسائل 14 : 280 ، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع .

الرِضَاعُ 20
الأول : كون اللبن عن وطء صحيح
  لا حكم للبن الرجل أو الخنثى المشكل وطء بالزنا ، لم ينشر ) (1) على المعروف بين الأصحاب ، وحكى عليه الإجماع ، في المدارك عن جماعة (2) منهم جده في المسالك (3) ، للأصل ، فإن إطلاقات التحريم بالرضاع منصرفة إلى غير ذلك .
  وصحيحة عبدالله بن سنان : ( قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لبن الفحل ؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اُخرى ، فهو حرام ) (4) .
  ومثلها حسنته بابن هاشم : ( ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة اُخرى ) (5) .
  ويستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطء أنه لا حكم للبن الرجل وفي حكمه لبن الخنثى المشكل أمره ، بناء على أنه لو علم كون لبنه من الوطء ، فلا إشكال في كونها امرأة ، إلا ما ورد في بعض الأخبار : من أنّ خنثى ولدت وأولدت في أيام أميرالمؤمنين ، فألحقه عليه السلام بالرجال بعد عدّ أضلاعه (6) .

(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في النسخ المطبوعة .
(2) كذا في النسخ ، ولم يخرج من مدارك الأحكام إلا العبادات إلى آخر كتاب الحج ، وما نسبه إليه موجود في نهاية المرام 1 : 100 ، لصاحب المدارك قدس سره ، ولعل المؤلف قدس سره كان يراها تتمة للمدارك ، والله أعلم .
(3) المسالك 1 : 371 .
(4) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 4 .
(5) نفس المصدر : ذيل الحديث 4 .
(6) الفقيه 4 : 328 ، الحديث 5704 .

الرِضَاعُ 21
  وعدّ في التحرير هذا الخبر من الشواذّ (1) .
  ولا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير الحاصل من الوطء ، فإن البن إنما يحصل عن الوطء بعد العلوق والحمل وتخلّق الولد ، وقد استُفيد جميع ذلك من الصحيحة المتقدّمة .
  وهل يعتبر انفصال الولد ، أو يكفي الحمل ؟ وجهان ، بل قولان ، اختار العلامة أوّلهما في التحرير (2) وثانيهما في القواعد (3) وهو الأظهر ، للإطلاقات ، وقول الصادق عليه السلام في صحيحة بريد العجلي : ( كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة اُخرى ـ من غلام أو جارية ـ فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) (4) .
  إلى غير ذلك مما دل من الصحاح وغيرها على إناطة التحريم يكون اللبن من الفحل ، كصحيحة الحلبي (5) وموثّقة جميل بن درّاج ـ بأحمد بن فضّال (6) ـ ورواية أبي بصير (7) ، ولا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان وحسنته المتقدمتين : ( من لبن ولدك ) ، إذ يصدق على ذلك اللبن أيضا : أنه لبن الولد ، كما يشهد به العرف .
  ودعوى عدم صدق الولد مضافا إلى الأب على الحمل ، محلّ نظر ، مع لاحكم للبن الموطوة إذا لم يكن حاصلا من الوطء هل يعتبر انفصال الولد أو يكفي الحمل ؟

(1) التحرير 2 : 12 .
(2) التحرير 2 : 9 .
(3) القواعد 2 : 9 .
(4) الوسائل 14 : 293 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .
(5) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 3 .
(6) الوسائل 14 : 306 ، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 3 .
(7) الوسائل 14 : 294 ، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 5 .

الرِضَاعُ 22
  حكم لبن الموطوءة بالشبهة أنها غير قادحة فيما نحن فيه ، لأن وجود الولد بالفعل لايعتبر في إضافة اللبن إليه .
  نعم ، في روايتي يونس بن يعقوب ويعقوب بن شعيب : أنّ درّ اللبن من غير ولادة لايوجب النشر (1) .
  لكنهما ـ مع عدم صحتهما ـ قابلتان للحمل على درّ اللبن من غير ولادة رأسا حتى في المستقبل ، بأن يكون الدرّ لا عن حمل ـ كما قد يتّفق ـ فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب والسنة ، إلا أن يمنع عمومها ، لدعوى انصرافها ـ بحكم الغلبة ـ إلى الإرضاع بعد الوضع ، فيرجع في غيره إلى أصالة الإباحة ، فتأمّل .
  ثم إن الوطء الصحيح ـ المعتبر كون اللبن عنه ـ يشمل الوطء بالنكاح الدائم ، والمنقطع وملك اليمين والتحليل ، وأما الوطء بالشبهة : فالمشهور إلحاقه في النشر بالنكاح وأخويه ، كما في غالب الأحكام ، وتردّد فيه المحقق في الشرائع (2) ، وعن الحلي الجزم بعدم النشر أولا ، ثم بالنشر ثانيا ، ثم النظر والتردد ثالثا (3) .
  والمسألة محل إشكال ، من إطلاق الكتاب والسنة ، فإن الفحل في صحيحة بريد المتقدمة (4) وغيرها أعم من الزوج ـ ويؤيده : كون وطء الشبهة بمنزلة النكاح في لحوق النسب ـ ومن الأصل وانصراف الإطلاقات إلى غير هذا الفرد ، وقوله في صحيحة ابن سنان وحسنته السابقتين :

(1) الوسائل 14 : 302 ، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 1 و 2 .
(2) الشرائع 2 : 289 .
(3) السرائر 2 : 552 .
(4) تقدمت في الصحفحة السابقة .

الرِضَاعُ 23
  ( ما أرضعت امرأتك ) (1) .
  ولو بُنِيَ على دعوى ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جرى مثله في غيره من القيود ، فينسدّ باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط .
  وتردّد في المدارك (2) وهو في محله ، إلا أنّ القول بالنشر لايخلو عن قوة ، لأنّ دلالة المطلقات على الإطلاق أقوى من دلالة المقيّد على الإختصاص ، مع أن تخصيص اللبن بالمرأة ـ كما فرض استفادته من صحيحة ابن سنان وحسنته ونحوهما ـ مخالف للإجماع ، للاتفاق على النشر بالارتضاع من المملوكة والمحللة ، فلابد من حمل التقييد فيها على التمثيل بالفرد الغالب ، وإن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزنا عن إطلاقهما ـ لو سلم شمول الولد فيهما لولد الزنا ـ إلى دعوى الإجماع على خروجه ، ويكشف عما ذكرنا عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة ، ولحوق وطء الشبهة بالنكاح في غالب الأحكام .
  الثاني من الشروط : كون شرب اللبن على وجه الامتصاص من الثدي ، فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع ـ على المعروف بين معظم الأصحاب ـ لأن الإرتضاع المنوط به النشر في الأدلة لايتحقق عرفا إلا بالامتصاص ، فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم : إنه ارتضع منها ، بخلاف ما لو امتصّ من ثديها ، ولو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير الامتصاص ، فلا مجال لإنكار انصرافه إليه فيبقى الحكم في ما عداه باقيا تحت أصالة الإباحة ، الشرط الثاني : الامتصاص من الثدي عدم كفاية الوجور .

(1) سبقتا في الصفحة : 20 .
(2) نهاية المرام لصاحب المدارك قدس سره 1 : 101 ، انظر الصفحة : 20 ، الهامش 3 .

الرِضَاعُ 24
  الشرط الثالث : حياة المرتضع منها أدلة هذا الشرط خلافا للمحكيّ عن ابن الجنيد ، فاكتفى بالوجور (1) إما لدعوى صدق الإرضاع ، وإما لحصول ما هو المقصود منه ـ من إنبات اللحم وشدّ العظم ـ وإما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( وجود الصبي اللبن بمنزلة الرضاع ) (2) .
  وفي الكل نظر ، لخلوّ الدعوى المذكورة عن البيّنة ، كدعوى كون المناط في النشر مجرد إنبات اللحم وشدّ العظم ، وضعف المرسلة ومعارضتها برواية زرارة عن الصادق عليه السلام : ( لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد حولين كاملين ) (3) بناء على جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع ، لا لقدره حتى يخالف الإجماع .
  فالأقوى ـ إذا ـ القول المشهور ، إلا أن الأولى مراعاة الاحتياط .
  الثالث : حياة المرتضع منها ، فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد موتها على المشهور ، بل لم أعثر فيه على حكاية خلاف صريح في المسألة ، قيل : لقوله تعالى : ( وامهاتُكم اللاتي أرضعنكُم ) (4) الظاهرة في مباشرة المرأة للإرضاع المنتفية في حق الميّتة ، فيدخل في عموم ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) (5) ولأصالة الإباحة إلى أن يثبت المزيل (6) وقيل : لأنها خرجت

(1) راجع المختلف : 519 .
(2) الفقيه 3 : 479 ، الحديث 4683 .
(3) الفقيه 3 : 477 ، الحديث 4674 .
(4) النساء : 23 .
(5) النساء : 24 .
(6) ذكره الشهيد الثاني قدس سره في المسالك 1 : 374 .

الرِضَاعُ 25
  بالموت عن التحاق الأحكام ، فهي كالبهيمة المرضعة (1) ، وبأنّ المتبادر من إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالإرتضاع من الحيّ ، فيبقى غيره داخلا في عموم أدلة الإباحة (2) .
  وفي الجميع نظر : أما ظهور الآية في مباشرة الإرضاع : فلا يجدي ، للقطع بخروج الميّتة عن حكم الآية ، ولا يلزم منه دخولها في قوله : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم ولا التحليل ، فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث الحرمة بين الرضيع وغير الميتة ممن يتعلق به اللبن ، فيكفي لمدعي النشر عموم قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) (3) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (4) ولا ظهور لهما في مباشرة المرأة للارضاع ، مع أن مباشرة المرأة للإرضاع ، وقصدها إليه غير شرط إجماعا ، كما ادعاه في المسالك (5) بل لو سعى إليها الولد وهي نائمة ، أو التقم ثديها وهي غافلة ، تحقق الحكم .
  وما قيل : من أنّ الآية دالة بظاهرها على اعتبار الحياة والمباشرة مناقشة الأدلة

(1) قاله المحقق قدس سره في الشرائع 2 : 283 ، ثم تردد فيه .
(2) يستفاد الاستدلال بذلك من كلام غير واحد مثل العلامة في التذكرة 2 : 615 ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 12 : 202 ، وثاني الشهيدين في الروضة 5 : 156 ، والسيد الطباطبائي في الرياض 2 : 86 .
(3) النساء : 23 .
(4) تقدم تخريجه في الصفحة : 19 .
(5) المسالك 1 : 374 .

الرِضَاعُ 26
الدليل المعتمد عند المصنف
  والقصد ـ ولا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول (1) ـ فاسد ، لأن دلالة لفظ ( الإرضاع ) على الجميع دلالة واحدة ، فلا يمكن التفكيك في مدلولها ، ولهذا لم نتمسك بالأخبار الدالة على الإرضاع مع سلامتها عن بعض ما يرد على الآية .
  وأما التمسك بالأصل : فهو صحيح لولا الإطلاقات .
  وأما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها : فهو أمر مسلم ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في نشر الحُرمة بين الرضيع واصوله وفروعه ، وبين غير هذه المرأة ، من الفحل وأولاده وأولاد المرأة (2) وغيرهم .
  وأما دعوى تبادر غير الارتضاع من الميتة في الإطلاقات : فهي على إطلاقها ممنوعة ، فإنا لا نجد في السبق إلى الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه جميع الرضعات حال الحياة ، وبين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة رضعة إلا جزءا واحدا فأكملها بعد الموت .
  نعم ، الإنصاف : انصراف الإطلاقات إلى غير صورة ارتضاع جميع الرضعات حال الموت .
  فالأحسن في الاستدلال على اعتبار الحياة هو : أنّ بعض فروض الارتضاع من الميّتة خارج عن إطلاق مثل قوله تعالى : ( وأخواتكم من الرضاعة ) ، لانصراف المطلق إلى غيره كما عرفت ، فيدخل تحت قوله : ( واحل لكم ما ورآء ذلكم ) فيثبت عدم النشر في هذا الفرد بالآية ، ويجب إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بعدم القول

(1) قاله في الحدائق 23 : 363 .
(2) في ( ش ) وأولاد المرضعة .

الرِضَاعُ 27
  بالفصل .
  وقلب هذا الدليل ـ بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بها ويلحق الفرض الخارج عنه بعدم القول بالفصل ـ وإن كان ممكنا ، إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ ـ بواسطة عدم القول بالفصل ـ بين آيتي التحريم والتحليل ، فيجب الرجوع إلى أدلة الإباحة ، من العمومات والاُصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول .
  الرابع : أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي رضاعه ، فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين على المعروف من مذهب الأصحاب ، ونقل عن التذكرة دعوى : إجماعهم عليه (1) وفي المسالك : نفي الخلاف عنه (2) .
  ويدلّ عليه : حسنة الحلبي ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( لا رضاع بعد فطام ) (3) .
  ونحوها رواية حمّاد بن عثمان عنه عليه السلام بزيادة قوله : ( قلت : جعلت فداك ، وما الفطام ؟ قال : الحولين اللذين (4) قال الله عز وجل ) (5) .
  ونحوها رواية الفضل بن عبدالملك : ( الرضاع قبل الحولين ، قبل أن يفطم ) (6) .
  ورواية منصور بن حازم (7) .
  الشرط الرابع : وقوع الرضاع في الحولين

(1) التذكرة 2 : 619 .
(2) المسالك : 1 : 374 .
(3) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 2 .
(4) في الوسائل : الذي .
(5) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 5 .
(6) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 4 .
(7) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .

الرِضَاعُ 28
المراد بالفطام زمانه لا نفسه
  هل يعتبر كون ولد المرضعة في الحولين ؟ ثم إن المراد بالفطام في الأخبار المطلقة هو زمان الفطام ـ أعني الحولين ـ كما دلت عليه روايتا الفضل وحماد ، فلا عبرة بنفس الفطام ، حتى أنه لو لم يفطم الرضيع إلى أن تجاوز الحولين ، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم ، كما أنه لو فطم قبل الحولين ، ثم ارتضع قبلهما ثبت التحريم .
  وحكي عن ابن الجنيد المخالفة في الحكم الأول وثبوت التحريم إذا وقع الرضاع بعد الحولين قبل الفطم (1) ولعله لرواية داود بن الحصين المروية في الفقيه (2) والتهذيب (3) المردودة فيه بالمخالفة للأحاديث كلها ، وفي كلام محكيّ عن الشهيد : أنّ هذه الفتوى مسبوقة بالإجماع وملحوقة به (4) .
  وأما الحكم الثاني : فلم يحك فيه الخلاف إلا عن موهم ظاهر كلام العماني ، حيث قال : الرضاع الذي يحرّم عشر رضعات قبل الفطام (5) ، وعن المختلف (6) الإستدلال له برواية الفضل بن عبدالملك المتقدمة : ( الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم ) .
  والجواب عنه : بأنّ المراد : قبل أن يستحقّ الفطم ، وهو حسن وجار في عبارة العماني أيضا ، فيرتفع الخلاف .
  ثم إنه هل يعتبر في ولد المرضعة الذي يحصل اللبن من ولادته كونه في

(1) كما في المختلف : 519 .
(2) الفقيه 3 : 476 ، الحديث 4667 .
(3) التهذيب 7 : 318 ، الحديث 22 .
(4) غاية المراد : 205 .
(5) كما في المختلف : 519 .
(6) المصدر السابق .

الرِضَاعُ 29
  الحولين حين ارتضاع المرتضع من لبنه ، بحيث لايقع شيء من الارتضاع بعد تجاوزه إياهما ، أم لا ؟ فيه قولان :
  المحكيّ عن أبي الصلاح ، وابن زهرة وابن حمزة : الأول (1) تمسكا بظاهر الخبر : ( لا رضاع بعد فطام ) الشامل لفطام المرتضع وولد المرضعة ، بل لم يفهم منه ابن بكير إلا فطام ولد المرضعة ، لمّا سأله ابن فضّال عن امرأة أرضعت غلاما سنتين ، ثم أرضعت صبية لها أقلّ من سنتين حتى تمت لها سنتان (2) أيفسد ذلك بينهما ؟ قال : لا ( يفسد ذلك بينهما ) (3) ، لأنه رضاع بعد فطام ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا رضاع بعد فطام ) ، أي أنه إذا تم للغلام سنتان ، أو الجارية ، فقد خرج كل عن حدّ اللبن ، ولايفسد بينه وبين من شرب منه (4) .
  والأكثر على الثاني ، وهو الأظهر ، للأصل والإطلاقات ، ولظهور الخبر المذكور في فطام المرتضع ، أو عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد المطلقات .
  وتفسير ابن بكير للخبر معارض بما فسّره به ثقة الإسلام ، والصدوق في الكافي والفقيه ، قال في الكافي : معنى قوله : ( لا رضاع بعد فطام ) إن الولد إذا شرب لبن المرأة بعدما تفطمه لايحرم ذلك الرضاع التناكح (5) ، وقريب

(1) الكافي في الفقه : 285 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 547 ، الوسيلة :301.
(2) في الوسائل : حتى تمت السنتان .
(3) الزيادة من الوسائل .
(4) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 6 .
(5) الكافي 5 : 444 ، الحديث 5 .

الرِضَاعُ 30
  المعتبر في الحولين : الأهلة .
  الشرط الخامس : كون اللبن غير ممتزج بشيء منه ما قاله في الفقيه (1) .
  ثم اعلم : أن شيخنا في المسالك ناقش المحقق في نسبة حديث ( لا رضاع بعد فطام ) إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : إنه لم يرد إلا عن الصادق عليه السلام (2) ، ولا يخفى أن إسناد الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشهور ، وقد عرفت ان ابن بكير نسبه اليه صلى الله عليه واله وسلام ، وكذا رواه في الفقيه مرسلا عنه صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
  وأصدق من ذلك ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يُتم بعد احتلام ... إلى آخر الحديث ) (4) ومع ذلك فلا وجه للمناقشة المذكورة ، إلاّ أن يرجع إلى المناقشة في الإسناد ، مع عدم ثبوت النسبة بطريق صحيح يجوّز الإسناد على وجه الجزم .
  ثم إن المعتبر في الحولين : الأهلّة ، ولو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون شهرا بعد المنكسر بالأهلّة ، وإكمال المنكسر بالعدد من الشهر الخامس والعشرين ، كغيره من الآجال ، على أظهر الاحتمالات في نظائر المسألة ، والله العالم .
  الخامس : أن يكون اللبن بحاله غير ممتزج بشيء ، فلو اُلقي في فم الصبيّ شيء جامد ـ كالدقيق وفتيت السكّر ـ ، أو مائع ـ كيسير من الأطعمة

(1) الفقيه 3 : 476 ، الحديث 4666 .
(2) المسالك 1 : 375 ، وفيه : إلا عن الصادقين عليهما السلام .
(3) تقدم آنفا .
(4) تقدم آنفا .