2 ـ الرابطة بين المحرم وأقربائه .
توهم حصر النبوي في المحرم النسبي النسبية ـ وبين أن يكون التحريم لأجل وجودها بين المرحرم وزوج المرحم عليه أو مَن في حكمه ، ويسمّى بالمحرّم لأجل المصاهرة ، وهي عبارة : عن علاقة تحدث بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر ، كاُمّ الزوجة مثلا ، فإنّ التحريم علّق على اُمومة الزوجة ، وهي رابطة نسبيّة بين المحرم ـ وهي الاُمّ ـ وبين زوجة المحرّم عليه ، وكاُمّ المزني بها ، والموطوءة بالشبهة وغيرهما ، وتسمية الأول بـ ( ـ المحرم لأجل النسب ) والثاني بـ ( ـ المحرم لأجل المصاهرة ) باعتبار ملاحظة العلاقة الكائنة بين نفس المحرّم والمحرّم عليه ، وأنها قد تكون نفس الرابطة النسبية المعلّق عليها التحريم ـ كما في المحرمات السبع ـ وقد يكون أمرا حاصلا منها ـ كما في المحرمات بالمصاهرة ـ ولكن التحريم في الكلّ معلّق على الرابطة النسبية .
وأما في المحرمات السبع : فظاهر .
وأما في المحرمات بالمصاهرة : فلأنّ تحريم اُمّ الزوجة لم يعلّق في الكتاب والسنة على علاقة المصاهرة التي بينها وبين الزوج ، وإنما علّق على الرابطة النسبية التي بينها وبين زوجة الزوج ، وهي الاُمومة ، وكذا غيرها .
ومن هنا ظهر فساد ما ربّما يسبق إلى الوهم من أنّ قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (1) إنما يدلّ على تحريم نظائر المحرمات السبع الحاصلة بالرضاع ، ولا يدل على تحريم نظائر المحرمات بالمصاهرة اذا حصلت بالرضاع ، كمرضعة الزوجة ورضيعتها ونحوهما ، لأنّ هؤلاء لايحرمن من النسب حتى يحرم نظائرها من الرضاع ، وإنما يحرمن من أجل المصاهرة .
(1) الوسائل 14 : 280 و 282 ، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 1 و 7 .
الرِضَاعُ 87
توضيح الفساد مضافا إلى ما ذكر : أنّ المصاهرة ـ وهي العلاقة الحاصلة بين كلّ من الزوجين وأقرباء الآخر ـ ليس مما علّق عليها التحريم ، وإنما علّق على الرابطة النسبية التي هي منشأ لانتزاعها ، فتحرم اُمّ الزوجة على الزوج أيضا من جهة النسب ، لا النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه ، بل النسب الحاصل بين المحرم وزوجة المحرّم عليه .
وعمدة ما يوقع في هذا الوهم توهّم أنّ المراد بالنسب في الحديث خصوص النسب الحاصل بين المحرّم والمحرّم عليه ، نظير ما اصطلحوا عليه من قولهم : ( سبب التحريم إما نسب وإما مصاهرة ) حيث يجعلون المصاهرة قسيما للنسب .
ولا يخفى أنه لاداعي إلى تقييد النسب في الحديث بهذا الفرد الخاصّ ، بل المراد به : أنّ كلّ ما يحرم على شخص من جهة نسب حاصل بينهما أو من جهة نسب حاصل بين أحدهما وزوج الآخر أو مَن في حكمه ، فيحرم نظيره من جهة الرضاع الحاصل بينهما أو بين أحدهما وزوج الآخر أو مَن في حكمه .
وحاصل معناه بعبارة أضبط : كل رابطة نسبية ثبت من جهتها تحريم شخص على آخر ، فيثبت التحريم أيضا من جهة نظيرها الحاصل بالرضاع ، فإذا ورد : ( أنّ اُمّهات الأزواج محرمة ) فنقول : إنّ التحريم تعلّق بالنساء المتّصفات بالامومة للزوجات ، وهي رابطة نسبية علّق عليها التحريم ، فإذا حصل نظيرها بالرضاع يحصل الحرمة ، للحديث المذكور .
فظهر : أنه كما يصدق على اُمّ الرجل أنها محرمة عليه من جهة النسب ـ أي من جهة الرابطة النسبية ، حيث إنها حرمت عليه بعنوان كونها اُما له ـ فكذلك يصدق على اُمّ زوجته أنها محرّمة عليه من جهة النسب ،
الرِضَاعُ 88 رد استشكال صاحب الكفاية
الثاني تحريم الرضاع للنكاح ابتداء واستدامة حيث إنها حرمت عليه من جهة كونها اُمّا لزوجته ، فالموضوع في كلّ من الحكمين معنون بعنوان ( الاُمومة ) إلا أنها في الأول بين المحرّم والمحرّم عليه ، وفي الثاني بين المحرّم وزوج المحرّم عليه .
ومن هنا تراهم يتمسّكون في تحريم مرضعة الغلام الموقَب ورضيعتها على الموقِب بالحديث المذكور ، وإلا فأيّ نسب بين المرضعة والموقِب ؟
وممّا ذكرنا ظهر ما في استشكال صاحب الكفاية الحكم بإلحاق الرضاع بالنسب في الرابطة النسبية الموجودة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر الموجدة لعلاقة المصاهرة بين الزوجين في ثبوت أحكام المصاهرة بالنسبة إلى أحد الزوجين وبعض ذوي الروابط الرضاعيّة للآخر ، وأنه إن كان الإجماع على ذلك فهو ، وإلا ففي دلالة الحديث المشهور على ذلك إشكال (1) وقد عرفت أنّه لا إشكال في المسألة أصلا بحمد الله سبحانه .
الثاني : أنّ الرضاع كما يؤثّر في ابتداء النكاح يؤثّر في استدامته ، فكلّ رضاع يمنع من النكاح إذا سبقه ، يبطله إذا لحقه ، بلا خلاف فيه على الظاهر .
ويدلّ عليه إطلاق الحديث المشهور : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وخصوص بعض الأخبار الواردة في بعض فروع المسألة .
منها : حسنة الحلبي ـ بابن هاشم ـ عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( لو أنّ رجلا تزوّج جارية فأرضعتها امرأته فسد نكاحه ) (2) ، ورواها في الفقيه بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) بتفاوت يسير ، ونحوها حسنته
(1) كفاية الأحكام : 161 ـ 162 .
(2) الكافي 5 : 444 ، الحديث 4 .
(3) الفقيه 3 : 476 ، الحديث 4670 .
الرِضَاعُ 89
الأخرى عنه عليه السلام (1) .
ويترتّب على ذلك أنه إذا تزوّج برضيعة فأرضعتها بعض نساء آبائه وإن علوا أو أولاده وإن نزلوا ، أو إخوته بلبنهم ، أو أخواته ، حرمت عليه ، وكذا لو أرضعتها زوجته الكبيرة بلبنه ـ كما في الأخبار السابقة ـ وتحرم الكبيرة أيضا مؤبّداً .
ولو أرضعتها بلبن غيره ، فإن دخل بالكبيرة حرمتا أيضا ، وإن لم يدخل بها حرمت الكبيرة مؤبّدا ، وحرمت الصغيرة جمعا ، بمعنى جواز تجديد العقد عليها بعد بطلان النكاح الأوّل ، والوجه في بطلان نكاحهما عدم جواز الحكم بصحّة نكاحهما ، ولا بصحّة نكاح أحدهما ، لأنه ترجيح من غير مرجّح .
واستشكل في الحكم صاحب الكفاية من حيث احتمال القرعة (2) وهو ضعيف .
ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين بلبنه ، ثم أرضعتها الاُخرى ، حرمن جُمَع .
وحكي عن الإسكافي (3) والشيخ (4) : أنه تحرم المرتضعة واُولى المرضعتين ، ولعلّ وجهه : أنّ اُمّ الزوجة المحرمة هي من زوّج ابنته (5) ، بأن
(1) الكافي 5 : 445 ، الحديث 6 ، ورواه في الوسائل 14 : 303 ، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 2 ، وكذا الذي قبله .
(2) كفاية الأحكام : 162 .
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف : 521 .
(4) النهاية : 456 .
(5) كذا في النسخ ، والمناسب : ابنتها ، ولعلّ تذكير الضمير باعتبار ( من ) الموصولة .
الرِضَاعُ 90
حكم مهر الصغيرة المرتضعة من الكبيرة تتصف بنته (1) بالزوجية ، بمعنى تصادق عنواني البنتيّة والزوجيّة في زمان من الأزمنة ، حتى يصدق على اُمها في ذلك الزمان ( اُمّ الزوجة ) .
وهنا ليس كذلك : لأنّ المرضعة الثانية إنما صارت اُمّا بعد ما انفسخ عقد الصغيرة ، فحصلت صفة البنتيّة للصغيرة بعد زمان الزوجية .
ويؤيّده ما رواه في الكافي بسند ضعيف بصالح بن أبي حمّاد ، عن عليّ بن مهزيار ، رواه عن أبي جعفر عليه السلام ( قيل له : إنّ رجلا تزوّج بجارية صغيرة ، فأرضعتها امرأته ، ثمّ أرضعتها امرأة له اُخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أخطأ ابن شبرمة ، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا ، فأما الأخيرة فلم تحرم عليه ، لأنها أرضعت ابنتها ) (2) ولا يبعد العمل بها ، لموافقتها للأصل .
ثم إنه كلما حكم بفساد نكاح الصغيرة بالرضاع ، فإن كان الرضاع بسبب مختصّ بها ـ بأن سعت إلى الكبيرة وهي نائمة ، وارتضعت الرضاع المحرّم ـ فقد صرّح في الشرائع والتحرير والمسالك بسقوط مهرها (3) . ويحتمل عدم السقوط ، لأنّ المهر ثبت بالعقد ، ولا دليل على سقوطه بفعل الصغيرة الذي حَصَل منها من غير قصد وتمييز .
وإن كان بسبب مختصّ بالكبيرة ، بأن تولّت إرضاعها ، وكان لها مهر مسمى ، غرمه الزوج ، وقيل : يغرم نصفه ، كالطلاق ، وهو محكيّ عن الشيخ (4) .
(1) كذا في النسخ ، والمناسب : بنتها ، ولعلّ تذكير الضمير باعتبار ( من ) الموصولة .
(2) الكافي 5 : 446 ، الحديث 13 ، وفي التهذيب 7 : 294 ، وفيه : ( لأنها أرضعت ابنته ) ، قال في الحدائق : وهو الصحيح .
(3) الشرائع 2 : 285 ، التحرير 2 : 10 ، المسالك 1 : 378 .
(4) المبسوط 5 : 298 .
الرِضَاعُ 91
وجماعة (1) ، ولا دليل عليه ، بناء على ملك الزوجة لكمال المهر بالعقد .
وفي رجوع الزوج الغارم إلى المرضعة إشكال ، ولا يبعد عدم الرجوع فيما إذا كان الإرضاع واجبا عليها ، لفقد من يرضعها بما يسدّ رمقها ، لأنه حينئذ مأمور به ، فلا يتعقّبه ضرر (2) .
والأقوى عدم الرجوع ، لعدم الدليل ، ونظائره كثيرة ، كما لو قُتلت الزوجة ، أو ارتدّت بعد الدخول ، أو أرضعت من ينفسخ نكاحهما بإرضاعه ، فإنّ المهر ثابت في جميع الصور على الزوج ، ولا يرجع بعد غرامته إلى أحد .
نعم مقتضى قاعدة نفي الضرر : رجوع الزوج بما يغرمه وإن لم نقل بضمان البضع ، فإنّ مقتضى ضمانه الرجوع إلى مهر المثل أو نحوه ، لا ما يغرمه ، وعدم الرجوع في الأمثلة المذكورة ( لأنه تصرّف في البضع ، وهو والمهر عوض له )(3) ولهذا يغرم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بطلاق الزوج الأول للمرأة المهر للثاني .
ويؤيّدها ما رواه في الفقيه بسند ضعيف عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة عن أبي عبدالله عليه السلام ( قال : سألته عن رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة ، فما فعلت شيئا مما قاولت من صداق أو ضمنت من شيء أو شرطت ، فذلك لي رضىً وهو لازم لي ، ولم يُشهد على ذلك ، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق ، وغير ذلك مما طالبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر هل يرجع الزوج الغارم على المرضعة
(1) صرّح الشهيد الثاني في المسالك 1 : 378 بتبعيّة جماعة للشيخ ، لكن لم نقف إلا على العلامة في التذكرة 2 : 623 .
(2) في ( ش ) و ( ع ) و ( ص ) زيادة : الضمان .
(3) ما بين المعقوفتين مشطوب عليه في ( ق ) ، ولم يرد في النسخ المطبوعة ، ومقتضى السياق إثباته ، والظاهر زيادة ( وهو ) في وسط الفقرة .
الرِضَاعُ 92
ذلك كله ؟ قال : يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنه هو الذي ضيع حقّها ، ( إذ لم يشهد عليه بذلك الذي قال )(1) ) (2) دلّ بعموم التعليل على أنّ التضييع سبب للغرامة ، وقد حصل في ما نحن فيه من المرضعة (3) .
الثالث : إعلم أنّه قد حكى شيخنا المحقق الثاني في رسالته الرضاعيّة عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة ، ونسب ذلك إلى اشتباههم ، وذكر أنّه لا مستند لهم في ذلك ، وزعموا أنّ ذلك من فتاوى شيخنا الشهيد رحمه الله ، وليس لهم إسناد يتصل بشيخنا في هذه الفتوى .
ثم قال : نعم ، اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منها القاصر عن درجة الاستنباط أن يكون دليلا لشيء من هذه المسائل ، أو شاهدا عليها ـ إلى أن قال : إنّ المسائل المتصورة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر ، والذي سنح لنا الآن ذكره ـ خارجا من المسائل الثلاث المشار إليها ـ صور ، ثم ذكر الصور ، ثم عقّبها بذكر المسائل الثلاث التي ذكر أنّه اختلف فيها بين الأصحاب (4) .
أقول : الظاهر أنّ هذا المتوهّم قد استند في دعوى النشر إلى عموم المنزلة في الرضاع المشهور في الألسنة ، وحاصل تفسيره : أنّه إذا حصل بالرضاع عنوان مصادق للعنوان الذي تعلّق به التحريم في النسب حكم بتحريمه وإن لم يحصل بالرضاع نفس ذلك العنوان المنوط به التحريم .
(1) في المصدر بدل ما بين المعقوفتين ما يلي : ( فلما لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال له ، حلّ لها أن تتزوج . . . الحديث ) .
(2) اُنظر الفقيه 3 : 85 ، الحديث 3384 .
(3) في ( ش ) و ( ع ) و ( ص ) زيادة : الغرور .
(4) الرسالة الرضاعيّة ( رسائل المحقق الكركي ) ، 1 : 213 ـ 215 .
الرِضَاعُ 93
مثلا : إذا أرضعت امرأتك ولد ابنتك ، فقد صارت المرضعة اُما لولد بنتك : و ( اُم ولد البنت ) حيث إنه عنوان مصادق في النسب لعنوان ( البنت ) محرمة ، فإذا حصل هذا العنوان بإرضاع امرأتك ولد ابنتك تحقق التحريم ، وبطلان نكاح الجد والمرضعة ، وإن لم يتحقق عنوان ( البنتيّة ) في الرضاع وهكذا .
وها أنا أذكر المسائل الثلاث التي ذكر المحقق أنها مما تعرض لها الأصحاب واختلفوا فيها ، ثم أذكر غيرها من الصور التي ذكر أنّ القول بالتحريم فيها توهم ، وأنه ليس به قائل معروف بين الأصحاب ، وأنّ نسبته إلى الشهيد رحمه الله غير ثابتة (1) .
الثالث : توهم جماعة التحريم في بعض الصور .
(1) الرضاعية ( رسائل المحقق الكركي ) 1 : 213 .
الرِضَاعُ 94 المسائل المختلف فيها
فنقول : أما المسائل المختلف فيها :
فإحداها : حرمة جدّات المرتضع على صاحب اللبن :
اختلف فيها الأصحاب على قولين ، وقريب منه اُمّ المرضعة وجدّاتها بالنسبة إلى أب المرتضع ، وقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة نسبة القول بتحريم جدّات المرتضع على الفحل إلى ابن إدريس رحمه الله(1) ، وعزي هذا القول إلى جماعة من الأصحاب (2) .
وقد عرفت في تلك المسألة أنه لا وجه للتحريم ، عدا توهّم صيرورة جدّات المرتضع جدّات لولد الفحل ، وجدّة الولد محرّمة ، لكونها إما اُمّا أو اُمّ زوجة ، وكلتاهما محرمتان ، ومثل هذا جار في اُمّ المرضعة وجداتها بالنسبة هل تحرم جدات المرتضع على الفحل ؟
(1) السرائر 2 : 555 .
(2) لم نقف على غير العلامة في المختلف : 520 .
الرِضَاعُ 96 هل تحلّ أخوات المرتضع للفحل مع اتحاده ؟
هل يحرم أولاد صاحب اللبن وأولاد المرضعة ولادة ، على أب المرتضع ؟ إلى أب المرتضع ، ومرجع هذا الاستدلال إلى دعوى عموم المنزلة في الرضاع التي ذكرنا تفسيره قريبا ، وأثبتنا فساده ـ لعدم الدليل عليه ـ في المسألة الثانية من المسائل المتقدمة .
وثانيتها : أخوات المرتضع نسبا ورضاعا بشرط اتحاد الفحل هل يحللن للفحل أم لا ؟
وقد حكي عن الشيخ وابن إدريس القول بالتحريم (1) ولعله لأنهن بمنزلة ولده ، كما أنّ أولاد الفحل بمنزلة ولد اب المرتضع ، لصحيحة عليّ بن مهزيار المتقدمة (2) ، وقد عرفت في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة ضعف هذا القول ، لأنّ الحكم بكون أولاد الفحل والمرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع لايقتضي الحكم بكون أولاد ابوي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل ، بل غاية ما حصل من ارتضاع أخيهم بلبنه هو كون أخيهم بمنزلة ولده ، فهم إخوة ولده ، وأخ الولد لا يحرم إلا إذا كان ولدا .
وثالثتها : أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة ولادة هل تحرم على أب المرتضع ؟
وقد عرفت في المسألة العاشرة والسادسة والعشرين : أنّ الأصحّ التحريم ، للأخبار المتقدمة في المسألتين ، وإن كانت القاعدة لا تقتضي التحريم ، نظرا إلى أنه لم يحصل بالرضاع إلا اُخوّة أولاد صاحب اللبن والمرضعة للمرتضع ، فهم إخوة ولد لأب المرتضع ، و ( أخ الولد ) لا يحرم إلا إذا صدق ( الولد ) عليه ، إما من النسب وإما من الرضاع ، لكن الأخبار
(1) الخلاف ، كتاب الرضاع ، المسألة : 1 ، السرائر 2 : 555 .
(2) تقدمت في الصفحة : 80 ـ 81 .
الرِضَاعُ 97
المتقدمة قد دلّت على أنهم بمنزلة ولده .
هذه المسائل الخلافية التي ذكرها المحقق في الرسالة ، وصرّح في غير الأخيرة بعدم التحريم .
أقول : وهنا مسألة رابعة اختلف فيها ، وهي مسألة تحليل أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ، أو أولاد المرضعة نسبا على إخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا بلبن ذلك الفحل ، حل أولاد الفحل أو أولاد المرضعة نسبا ، على إخوة المرتضع
الرِضَاعُ 99 المسائل التي نسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم
وأما المسائل التي ذكرها ونسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم ، فهي ثلاث عشرة مسألة :
الاولى : أن ترضع المرأة بلبن فحلها الذي هي في نكاحه حين الإرضاع أخاها أو اُختها لأبويها ، أو أحدهما .
فيقال : إن ذلك موجب لتحريم المرضعة على زوجها ، من جهة أنّ المرتضع صار ولدا للفحل ولاُختها المرضعة ، فهي اُخت ولد الفحل ، واُخت الولد محرّمة من النسب ، فكذا من الرضاع (1) .
وبعبارة اُخرى : الفحل يصير أبا رضاعيّا لأخ الزوجة أو اُختها ، وكما أنّ أباهما النسبي محرّم عليها ، فكذا الرضاعي .
والحقّ أنّه توهّم ـ كما ذكره شيخنا المحقق ـ لما مرّ في المسألة العشرين إرضاع الزوجة بلبن فحلها إخوتها أو أخواتها
توهم حرمة الزوجة على فحلها
(1) في ( ق ) : ( فكذا من النسب ) ، وهو من سهو قلمه الشريف .
الرِضَاعُ 100 مناقشة المحقق الكركي إرضاع الزوجة ولد أخيها أو ولد أختها
توهم الحرمة في المسألتين من المسائل المتقدمة : من عدم تحريم من في حاشية نسب المرتضع على الفحل ، وأنّ الخلاف هنا محكيّ عن الشيخ وابن إدريس (1) وهو ضعيف .
لكن يرد على شيخنا المحقق أنّ هذه المسألة هي ثانية المسائل التي ذكر فيها الخلاف بين الأصحاب ، فإنّ تحريم المرضعة في الفرض المذكور على زوجها مبنيّ على تحريم أخوات المرتضع على الفحل ، وهي عين المسألة الثانية من الثلاث المتقدمة .
نعم لو كان توهّم التحريم ناشئا عن غير ما ذكر في توجيهه ـ مثل صيرورة المرضعة اُمّا لأخ الزوجة من اُمها ، وهي محرمة على الزوج ـ أمكن كونها بهذا الاعتبار مسألة خارجة عن المسائل الثلاث .
الثانية : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد أخيها .
الثالثة : أن ترضع ولد اُختها .
فقد يتوهم التحريم في هاتين المسألتين من جهة صيرورة المرضعة عمة أو خالة لولد الفحل من الرضاع ، وعمة الولد محرمة عينا ـ لأنها اُخت ـ وخالته محرّمة جمعا ، ولأنّ الفحل في المسألة الاُولى أب رضاعيّ لولد أخ المرضعة ، فكما أنّ الأب النسبيّ لولد أخيها محرم عليها ـ لأنه أخوها ـ فكذا الأب الرضاعي له .
ولا يخفى أيضا فساد التوهّمين ، لأنّ عمّة الولد إنما تحرم لكونها اُختا ، فإذا تحقق بالرضاع علاقة الاُختية تحقق التحريم ، وقد عرفت ذلك في المسألة الثامنة عشر ، وكذا الكلام في الأب النسبي لولد الأخ ، فإنه لا يحرم إلا لأجل .
الرِضَاعُ 101
عنوان الاُخوّة .
وأما خالة الولد فتحريمها على الأب مما لا يتفوّه به أحد ، إذ لم يحصل الجمع بين الاُختين الذي هو مناط تحريم خالة الولد ، نعم يصدق على المرضعة أنها اُمّ للمرتضع وخالته ، والجمع بين الاُختين محرّم هو أن يكون الشخص امرأتان يصدق على إحداهما : أنها اُمّ لولده ، وعلى الاُخرى : أنها خالة لولده ، لا أن تكون له امرأة واحدة يصدق عليها أنها اُمّ ولده وخالته .
وقد حكي عن السيد الداماد الجزم بالتحريم في هذه الصورة (1) وهو بعيد .
الرابعة : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد ولدها ، ـ إبنا كان أو بنتا ـ ومثله ما لو أرضعت إحدى زوجيته ولد ولد الاُخرى .
فيُقال هنا بتحريم المرضعة في الفرض الأول وضرّتها في الثاني على زوجهما ، من جهة صيرورتها جدّة ولدها ، وجدة الولد محرمة على الأب ، لأنّها إمّا اُمّ وإما اُمّ زوجة ، وكلتاهما محرمتان .
والأقوى في هذه أيضا عدم التحريم ، كما نبّهنا عليه في المسألة الثامنة عشر : من أنّ اُصول المرتضع لا يحرمن على الفحل .
ثم إنّ هذه المسألة اُولى المسائل الثلاث الخلافيّة التي ذكرها شيخنا المحقق (2) ـ أعني تحريم جدّات المرتضع على الفحل ـ وقد يستند التحريم في هذه المسألة مع كون المرتضع ولد بنت للفحل إلى صيرورة المرضعة اُمّا لولد إرضاع الزوجة ولد ولدها ، وإرضاع إحدى الزوجتين ولد ولد الاُخرى
الرِضَاعُ 102
إرضاع الزوجة عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها توهم حرمة الزوجة في هذه الحالة ودفعه إرضاع الزوجة ولد عمها أو عمتها أو ولد خالها أو خالتها بنته ، و ( اُمّ ولد البنت ) من النسب محرمة ، لكونها بنتا ، فكذا تحرم من الرضاع . وفيه ما مرّ في المسألة الثانية .
الخامسة : أن ترضع الزوجة المذكورة عمها أو عمتها .
السادسة : أن ترضع خالها أو خالتها :
فيُقال : إنّ الزوجة تصير بالإرضاع اُمّا لعمّها أو لعمتها أو خالها أو خالتها ، واُمّ عمّ الزوجة أو عمّتها أو خالها أو خالتها محرمة على الزوج ، لأنها جدّة الزوجة لأبيها أو لاُمّها ، أو أنّ الزوج يصير بإرضاع زوجته لهؤلاء أبا لهم من الرضاع ، وهذه الزوجة تحرم على أبيهم من النسب ، لأنه جدها ، فتحرم على أبيهم من الرضاع .
ويظهر الجواب عن الوجهين بما مرّ مرارا ، فإنّ اُمّ عمومة الزوجة وخؤولتها إنما حرمت على الزوج من جهة الدخول في ( اُمهات النساء ) ولم يحصل هذا العنوان للمرضعة ، وكذا تحريم المرأة على أبي عمومتها أو خؤولتها لأجل كونه جدّا لها ، ولم يحصل عنوان ( الجدودة ) للفحل بالرضاع .
واعلم أنّ هذه المسألة من فروع المسألة الاُولى ، لأنّ أخوات المرتضع إذا حرمت على الفحل من جهة كونهنّ كالأولاد له ، حرمت عليه أولادهنّ ، وهذه المرضعة تصير من أولاده الإخوة .
وقد عرفت أنّ تلك المسألة من المسائل الخلافيّة ، فلا وجه لعدّ هذه المسألة مسألة اُخرى غير المسألة الاُولى ، كما لا وجه لعدّ كلتيهما خارجة عن المسائل الخلافيّة .
السابعة : أن ترضع الزوجة المذكورة ولد عمّها أو عمّتها .
الثامنة : أن ترضع ولد خالها أو خالتها :
الرِضَاعُ 103
فيُقال في صورة إرضاع ولد العم أو الخال : إنّ الفحل يصير أبا لهذا الولد ، فيحرم على المرضعة ، لأنه إما أبو ولد عمّها ، أو أبو ولد خالها ، وكلاهما محرمان عليها ، لأنّ الأول عمّها والثاني خالها .
وأما إرضاع الزوجة ولد خالتها أو عمّتها ، فلم أعثر فيه على ما يوجب توهّم التحريم فيه ، إلا إذا قلنا بحرمة الجمع بين المرأة وابنة أخيها أو اُختها مطلقا حتى مع إذنها ، وحينئذ فيجري فيه التوهم الذي جرى في المسألة الثالثة من إرضاع الزوجة ولد اُختها ، فراجع .
وقد صرّح بعض مَن جزم بالنشر في صورة إرضاع ولد العم والخال بعدم النشر في إرضاع ولد العمة والخالة (1) ، ويظهر الكلام في فساد توهم الحرمة هنا مما مرّ مرارا .
التاسعة : أن ترضع الزوجة المذكورة أخا الزوج أو اُخته :
فيُقال : إنّ المرضعة صارت اُمّ أخيه لأبويه أو اُخته كذلك ، وهي محرّمة ، لكونها اُمّاً .
وفيه أنّ حرمة اُمّ الأخ للأبوين في النسب لعلاقة الاُمومة بينهما ، ونظيرها لم يحصل بالرضاع ، وإنما حصل به ( اُمومة الأخ ) ولم يتعلّق التحريم بالنسب به .
العاشرة : أن ترضع ولد ولد الزوج :
فيقال : إنها صارت اُمّا لولد ولده ، واُم ولد الولد محرّمة ، لكونها إما بنتا ، وإما زوجة إبن ، إرضاع الزوجة أخ الزوج أو اُخته
إرضاع الزوجة ولد ولد الزوج
(1) صرّح بذلك المحقق الداماد في رسالته : ضوابط الرضاع ( كلمات المحققين ) : 25 .
الرِضَاعُ 104
إرضاع الزوجة ولد أخ الزوج أو ولد اُخته إرضاع الزوجة عم الزوج أو عمته أو خاله أو خالته وفيه : أنّ شيئا من عنواني ( البنت ) و ( زوجة الإبن ) لم يحصل بالرضاع ، مع أنّ حصول زوجيّة الإبن لا يجدي ، لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع إجماعا .
الحادية عشرة : أن ترضع ولد أخيه أو ولد اُخته :
ولا يخفى أنّه ليس في إرضاع ولد الأخ ما يوجب التوهم ، لأنّ المرضعة لم تزد على أن صارت اُمّا لولد أخي زوجها (1) و ( اُمّ ولد الأخ ) ليس حراما على الشخص .
نعم ، يُقال في فرض إرضاع ولد الاُخت : إنها تصير ( اُمّ ولد الاُخت ) وهي محرّمة ، لكونها اُختا .
وفيه : أنّ ( اُمّ ولد الاُخت ) ليست محرمة إلا لعنوان الاُخوّة (2) الغير الحاصلة بالرضاع .
الثانية عشرة : أن ترضع عمّ الزوج أو عمّته .
الثالثة عشر : أن ترضع خال الزوج أو خالته :
فيُقال : إنّ المرضعة حيث إنها صارت اُمّا لعمومة الزوج أو خؤولته ، حرمت عليه لكونها جدّة له .
وفيه : ما مرّ غير مرّة ، وحاصله : أنّه لم يثبت من أدلّة إلحاق الرضاع بالنسب إلا أنّ الرضاع فرع النسب ، فكلّ علاقة حصلت
(1) في ( ق ) : ( زوجه ) والظاهر أنّه من سهو قلمه الشريف ، وفي النسخ المطبوعة : ( زوجته ) والصحيح : ( زوجها ) كما أثبتناه .
(2) في ( ق ) كتب أولا ( الاُختيّة ) ثم شطب عليها وكتب ثانيا ( الاُخوّة ) والصحيح ما كتبه أولا ، ولم نعلم وجه الإعراض عنه .
الرِضَاعُ 105
بالرضاع إنما توجب الحرمة إذا كان نظيرها الحاصل بالنسب موجبا (1) للحرمة ، إذ لا يعقل أن تثبت الحرمة لأجل علاقة رضاعيّة لو فرض حصولها من النسب لم توجب التحريم ، لأن هذا منافٍ لفرعيّة الرضاع وأصالة النسب .
فنقول في هذه الصورة ـ الثالثة عشر ـ : لم يحصل بالرضاع إلا علاقة الاُمومة بين المرضعة وعمومة الزوج أو خؤولته ، ونظيرها الحاصل بالنسب ليس موجبا للتحريم ، لأنّ الاُمّ النسبية للعمومة والخؤولة لا تحرم على الشخص من حيث اُمومتها لعمومته أو خؤولته ، بل من حيث علاقة جدودتها له ، فلا يحكم بالحرمة في الرضاع إلا إذا حصلت هذه العلاقة ، لا علاقة مستلزمة لها لا دخل لها في التحريم ولو حصلت من جهة النسب (2) كما مرّ مرارا ، فراجع .
والحمد لله أوّلا وآخرا .
(1) في ( ق ) موجبة ، والمناسب ما أثبتناه ، كما في النسخ المطبوعة .
(2) إلى هنا تنتهي نسخة الأصل ( ق ) ، والباقي موجود في النسخ المطبوعة .