الفهرس العام



سورة آل عمران
سورة النساء


  رجب من أشهر الحرم، فعزلوا العِير وما كان عليها، ولم ينالوا منها شيئا .
  فكتبت قريش الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إنك استحللت الشهر الحرام، وسفكت فيه الدم، وأخذت المال، وكثر القول في هذا، وجاء أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالوا : يا رسول اللّه، أيحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل اللّه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } .
  ثم أنزلت عليه: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) (1) (2).
  (30) ـ قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ } (3)
  34 ـ عن صفوان ، عن عبداللّه بن مُسكان ، عن أبي عبداللّه (عليه السلام): ( أنه لما نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (4) خرج كل من كان عنده يتيم ، وسألوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في اخراجهم، فأنزل اللّه تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ) (5).
  (31) ـ قوله تعالى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (6)
  35 ـ عن أبي خديجة عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال : ( كانوا يستنجون بثلاثة أحجار،

---------------------------
(1) البقرة، الآية: 194.
(2) تفسير القمي، ج 1، ص 71.
(3) البقرة، الآية: 220.
(4) النساء، الآية: 10.
(5) تفسير القمي، ج 1، ص 72.
(6) البقرة، الآية: 222 .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 27 _

  لأنهم كانوا يأكلون البُسر، وكانوا يبعرون بعراً ، فأكل رجل من الأنصار الدُباء ، فلانَ بطنه واستنجى بالماء، فبعث اليه النبي (صلى الله عليه وآله) ـ قال ـ : فجاء الرجل وهو خائف أن يكون قد نزل فيه أمر يسوء في استنجائه بالماء ـ قال ـ : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : هل عملت في يومك هذا شيئاً ؟
  فقال : نعم ـ يا رسول اللّه ـ إني واللّه ما حملني على الاستنجاء بالماء إلا أني أكلت طعاماً فلانَ بطني ، فلم تغنني الحجارة، فاستنجيت بالماء.
  فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : هنيئاً لك ، فإن اللّه عزّ وجل قد أنزل فيك آية : (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فكنت أول من صنع ذا، وأول التوابين، وأول المتطهرين" (1)
  (32) ـ قوله تعالى : {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}(2)
  36 ـ عن معمر بن خلاد ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال : ( أي شيء يقولون في اتيان النساء في أعجازهن ؟ ).
  قلت : بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأساً.
  قال : ( إن اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول، فأنزل اللّه : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} يعني من خلف أو قُدّام ، خِلافاً لقول اليهود، ولم يَعنِ في أدبارهن ) (3).
  (33) قوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} (4).
  37 ـ هذه الآية نزلت في الخُلْع (5).

---------------------------
(1) تفسير العياشي، ج 1، ص 109، ح 328 .
(2) البقرة، الآية: 223.
(3) تفسير العياشي، ج 1 ، ص 111 ، ح 333.
(4) البقرة، الآية: 229.
(5) تفسير القمي، ج 1 ، ص 75 .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 28 _

  (34) ـ قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} (1)
  38 ـ عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال : قلت له : حدثني عن قول اللّه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) قلت : أحياهم حتى نظر الناس اليهم، ثم أماتهم من يومهم ، أو ردهم الى الدنيا حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء ؟
  قال : بل ردّهم اللّه حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء اللّه، ثم ماتوا بآجالهم ) (2).
  (35) ـ قوله تعالى : {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} (3)
  39 ـ عن علي بن عمار، قال : قال أبو عبداللّه (عليه السلام) : ( لما نزلت هذه الآية: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا) (4) قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : ربّ زدني.
  فأنزل اللّه: (مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (5) فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) رب زدني.
  فأنزل اللّه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) والكثيرة عند اللّه لا تحصى ) (6).
  (36) ـ قوله تعالى : {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو

---------------------------
(1) البقرة، الآية: 243.
(2) تفسير العياشي، ج 1 ، ص 130 ، ح 433 ، ومختصر بصائر الدرجات، ص 23.
(3) البقرة، الآية: 245.
(4) النمل، الآية: 89، والقصص، الآية: 84.
(5) الانعام، الآية: 160.
(6) تفسير العياشي، ج 1 ، ص 131 ، ح 434 .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 29 _

فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } (1)
  40 ـ عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه، عن علي بن معبد ، عن عبداللّه بن القاسم ، عن يونس بن ظبيان عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال : ( إن اللّه ليدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ، ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا.
  وإن اللّه ليدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي ، ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا.
  وإن اللّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج ، ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا ، وهو قول اللّه عزّوجل : (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )، فواللّه ما نزلت إلا فيكم ، ولا عُنى بها غيركم ) (2).
  (37) ـ قوله تعالى: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (3)
  41 ـ عن الباقر (عليه السلام)، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ) بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) (أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) نزلت في أعدائه ومن تبعهم ، أخرجهم الناس من النور، ـ والنور : ولاية علي ـ فصاروا الى ظُلمة ولاية أعدائه(4).
  (38) ـ قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (5)
  42 ـ روي عن ابن عمر أنه قال : لما نزلت هذه الآية، قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : ( رب زد أمتي فنزل قوله : (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (6).

---------------------------
(1) البقرة، الآية: 251.
(2) الكافي، ج 2، ص 326، ح 1.
(3) البقرة، الآية: 257.
(4) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 3، ص 81.
(5) البقرة، الآية: 261.
(6) البقرة، الآية: 245.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 30 _

  قال : ( رب زد أمتي ) فنزل : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (1) (2).
  (39) ـ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} (3)
  43 ـ عن المفضل بن صالح ، عن بعض أصحابه ، عن جعفربن محمد ، أو أبي جعفر (عليه السلام) ، في قول اللّه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى) الى آخر الآية.
  قال : ( نزلت في عثمان، وجرت في معاوية وأتباعهما ) (4).
  (40) ـ قوله تعالى : { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ} (5)
  44 ـ عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ).
  قال : ( نزلت في علي (عليه السلام) )(6).
  (41) ـ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } (7)
  45 ـ عن عبداللّه بن سنان ، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، في قول اللّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ).
  قال : ( كان أناس على عهد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يتصدقون بشرّ ما عندهم من التمر الرقيق القِشر، الكبير النوى، يقال له : المعافارة، ففي ذلك أنزل اللّه (وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ) (8).

---------------------------
(1) الزمر، الآية: 10.
(2) مجمع البيان، الطبرسي، ج 2، ص 646.
(3) البقرة، الآية: 264.
(4) تفسير العياشي، ج 1 ، ص 147 ، ح 482.
(5) البقرة، الآية: 265.
(6) تفسير العياشي، ج 1، ص 148، ح 485.
(7) البقرة، الآية: 267.
(8) تفسير العياشي، ج 1 ، ص 148 ، ح 488 .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 31 _

  (42) ـ قوله تعالى : {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (1)
  46 ـ قال ابو جعفر (عليه السلام): ( نزلت الآية في أصحاب الصفة ) (2).
  (43) ـ قوله تعالى : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (3)
  47 ـ عن أبي اسحاق، قال : كان لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أربعة دراهم ، لم يملك غيرها، فتصدق بدرهم ليلاً ، وبدرهم نهاراً ، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية ، فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال : ( يا علي، ما حملك على ما صنعت ) ؟
  قال : ( انجاز موعود اللّه ) فأنزل اللّه: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) الى آخر الآيات (4).
  48 ـ عن عبدالوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، قال : كان لعلي (عليه السلام) أربعة دراهم فأنفقها ، واحداً ليلاً ، وواحداً نهاراً وواحداً سراً، وواحداً علانية، فنزل قوله تعالى : {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (5)
  (44) ـ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ

---------------------------
(1) البقرة، الآية: 273.
(2) مجمع البيان، الطبرسي، ج 2، ص 666.
(3) البقرة، الآية: 274.
(4) تفسير العياشي، ج 1، ص 151، ح 502، وشواهد التنزيل، ج 1، ص 109، ح 155.
(5) مناقب الخوارزمي، ص 198، ومجمع الزوائد، ج 6، ص 324، وينابيع المودة، ص 92.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 32 _

لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون} (1)
  49 ـ لما أنزل اللّه : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) (2) قام خالد بن الوليد الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وقال : يا رسول اللّه أربى أبي في ثقيف ، وقد أوصاني عند موته بأخذه.
  فأنزل اللّه تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ).
  فقال : ( من أخذ من الربا وجب عليه القتل، وكلّ من أربى وجب عليه القتل ) (3) .


  (45) ـ قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (4)
  50 ـ قوله تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }: إنها نزلت بعد بدر ، لما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من بدر أتى بني قينقاع وهو يناديهم ، وكان بها سوق يُسمّى بسوق النبط، فأتاهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال : ( يا معشر اليهود، قد علمتم ما نزل بقريش وهم أكثر عدداً وسلاحاً وكراعاً منكم، فادخلوا في الاسلام ).
  فقالوا : يا محمد ، إنك تحسب حربنا مثل حرب قومك ، واللّه لو لقيتنا للقيت رجالاً .

---------------------------
(1) البقرة، الآية: 278 ـ 279.
(2) البقرة، الآية: 275.
(3) تفسير القمي، ج 1، ص 93.
(4) آل عمران، الآية: 12 ـ 13.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 33 _

  فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال : يا محمد (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ) أي لو كانوا مثل المسلمين (وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء ) يعني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يوم بدر (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ)(1).
  (46) ـ قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}(2).
  51 ـ عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان ، عن أبي عبداللّه (عليه السلام): ( أن نصارى نجران لما وفدوا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد ، وحضرت صلاتهم فأقبلا يضربون بالناقوس ، وصلّوا، فقال أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : يا رسول اللّه، هذا في مسجدك ؟
  فقال: دعوهم.
  فلما فرغوا دَنوا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فقالوا له : الى ما تدعونا ؟
  فقال : الى شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأنّي رسول اللّه، وأن عيسى عبدٌ مخلوق ، يأكل ويشرب ويُحدِث.
  قالوا : فمن أبوه ؟
  فنزل الوحي على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فقال : قل لهم : ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويُحدِث وينكح ؟
  فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله)، فقالوا : نعم.
  فقال : فمن أبوه ؟
  فبهتوا وبقوا ساكتين ، فأنزل اللّه: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ

---------------------------
(1) تفسير القمي، ج 1، ص 97.
(2) آل عمران، الآية: 59.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 34 _

  قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} الى قوله : (فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) (2).
  (47) ـ قوله تعالى : {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } (3)
  52 ـ عن الشعبي، عن جابر بن عبداللّه ، قال : قَدِم أهل نجران على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) العاقِب والسيد ، فدعاهما الى الاسلام، فقالا : أسلمنا ـ يا محمد ـ قبلك.
  قال : ( كذبتما ، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام ).
  قالا : هات.
  قال : ( حُبّ الصليب، وشُرب الخمر، وأكل الخنزير ) فدعاهما الى الملاعنة، فوعداه أن يُغادياه بالغَدَاة ، فغدا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله ) فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ثم أرسل اليهما، فأبَيا أن يجيباه ، فأقرّ الخراج عليهما، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): "والذي بعثني بالحق نبياً لو فَعلا لأمطر اللّه عليهما الوادي ناراً ).
  قال جابر : نزلت فيهم هذه الآية: (فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ).
  قال الشعبي: ( أبناءنا ) الحسن والحسين ( ونساءنا ) فاطمة ( وأنفسنا ) علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليهم )(4).
  (48) ـ قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 61.
(2) تفسير القمي، ج 1، ص 104.
(3) آل عمران، الآية: 61.
(4) مناقب المغازلي، ص 263، ح 310، وشواهد التنزيل، الحسكاني، ج 1، ص 122، ح 170.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 35 _

أَلِيمٌ } (1)
  53 ـ عن الحفار، قال أخبرنا عثمان بن أحمد، قال : حدّثنا أبو قِلابة ، قال حدّثنا وهب بن جرير ، وأبو زيد ـ يعني الهروي ـ قالا : حدّثنا شعبة ، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبداللّه ، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال : ( من حلف على يمين يقتطع بها مال أخيه لقي اللّه عزّوجل وهو عليه غضبان ) فأنزل اللّه تصديق ذلك في كتابه (إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً) قال : فبرز الأشعث بن قيس ، فقال : فيّ نزلت ، خاصمت الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقضى عليّ باليمين(2).
  (49) ـ قوله تعالى : {دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }(3)
  54 ـ عن ابن بكير ، قال سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله : (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً).
  قال : ( أُنزلت في القائم (عليه السلام) اذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الاسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب للّه تعالى عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحّد اللّه ).
  قلت له : جُعلت فداك ، إن الخَلْقَ أكثر من ذلك ؟
  فقال : ( إن اللّه اذا أراد أمراً قلّل الكثير وكثّر القليل ) (4).
  (50) ـ قوله تعالى : {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 77.
(2) الأمالي، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 368.
(3) آل عمران، الآية:83.
(4) تفسير العياشي، ج 1، ص 183، ص 82.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 36 _

  إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (1)
  55 ـ قيل : نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له : الحارث بن سُويد الصامت، وكان قَتل المجذّد بن زياد البلوي غدراً وهرب ، وارتد عن الاسلام، ولحق بمكة ، ثم ندم فأرسل الى قومه أن يسألوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) هل لي من توبة ؟
  فسألوا ، فنزلت الآيات الى قوله : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ) فحملها اليه رجل من قومه ، فقال : إني لأعلم أنك لصدوق ، وأن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أصدق منك ، وأن اللّه تعالى أصدق الثلاثة.
  ورجع الى المدينة، وتاب ، وحسن اسلامه(2).
  (51) ـ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (3)
  56 ـ عن (تفسير وكيع)، قال : حدّثنا سفيان بن مُرة الهمداني، عن عبدخير ، قال : سألت علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ }.
  قال : ( واللّه ما عمل بها غير أهل بيت رسول اللّه، نحن ذكرنا اللّه فلا ننساه ، ونحن شكرناه فلن نكفره ، ونحن أطعناه فلم نعصه ، فلما نزلت هذه الآية، قالت الصحابة: لا نُطيق ذلك.
  فأنزل اللّه تعالى : (فاتقوا اللّه ما استطعتم ).
  قال وكيع : ما أطقتم.
  ثم قال : (وَاسْمَعُوا ) ما تؤمرون به (وَأَطِيعُوا )(4) يعني أطيعوا اللّه ورسوله وأهل

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 86 ـ 89.
(2) مجمع البيان، الطبرسي، ج 2، ص 789.
(3) آل عمران، الآية: 102.
(4) التغابن، الآية: 16.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 37 _

  بيته فيما يأمرونكم به (1).
  (52) ـ قوله تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (2)
  57 ـ قال علي بن ابراهيم، في قوله تعالى : (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) فإنها نزلت في الأوس والخزرج، كانت الحرب بينهم مائة سنة، لا يضعون السلاح لا بالليل ، ولا بالنهار ، حتى ولد عليه الأولاد، فلما بعث اللّه نبيه (صلى الله عليه وآله) أصلح بينهم فدخلوا في الاسلام، وذهبت العداوة من قلوبهم برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وصاروا إخواناً (3).
  (53) ـ قوله تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } (4)
  58 ـ أبو بصير ، عنه ( الصادق ) (عليه السلام)، قال : قال : ( إنما أنزلت هذه الآية على محمد (صلى الله عليه وآله) فيه وفي الأوصياء خاصة ، فقال : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } هكذا واللّه نزل بها جبرئيل ، وما عنى بها إلا محمداً وأوصياءه (صلوات اللّه عليهم) )(5).
  (54) قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} (6)
  59 ـ قال علي بن ابراهيم: ... قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن

---------------------------
(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 2، ص 177.
(2) آل عمران، الآية: 103.
(3) تفسير القمي، ج 1، ص 108.
(4) آل عمران، الآية: 110.
(5) تفسير العياشي، ج 1، ص 195، ح 129.
(6) آل عمران، الآية: 118.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 38 _

دُونِكُمْ) نزلت في اليهود.. (1)
  (55) ـ قوله تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون} (2)
  60 ـ حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق (رحمه الله)، قال : حدّثنا أحمد بن محمد الهمداني، قال : أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي، قال : حدّثنا موسى بن داود ، قال : حدّثنا الوليد بن هشام ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، عن عبدالرحمن بن تميم الدوسي، قال : دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) باكيا، فسلّم فردّ عليه السلام، ثم قال : ( ما يبكيك يا معاذ ) ؟
  فقال : يا رسول اللّه، إن بالباب شاباً طَرِيّ الجسد، نقي اللون، حَسَن الصورة، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها ، يريد الدخول عليك.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ( أدخل عليّ الشاب، يا معاذ ) فأدخله عليه ، فسلّم ، فردّ عليه السلام، فقال : ( ما يبكيك ، يا شاب ) ؟
  فقال : وكيف لا أبكي وقد رَكبتُ ذنوبا إن أخذني اللّه عزّوجل ببعضها أدخلني نار جهنم ، ولا أراني إلا سيأخذني بها ، ولا يغفرها لي أبداً.
  فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : ( هل أشركت باللّه شيئا ) ؟
  قال : أعوذ باللّه أن أشرك بربي شيئاً.
  قال : ( أقتلت النفس التي حرم اللّه ) ؟
  قال : لا.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( يغفر اللّه لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الجبال الرواسي ).
  قال الشاب: فإنها أعظم من الجبال الرواسي.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( يغفر اللّه لك ذنوبك ، وان كانت مثل الأرضين السبع، وبحارها ،

---------------------------
(1) تفسير القمي، ج 1، ص 110.
(2) آل عمران، الآية: 135.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 39 _

  ورمالها ، وأشجارها ، ومافيها من الخلق ).
  قال : فإنها أعظم من الأرضين وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( يغفر اللّه لك ذنوبك ، وإن كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي ).
  قال : فإنها أعظم من ذلك.
  فنظر النبي (صلى الله عليه وآله) كهيئة الغضبان ، ثم قال : ( ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم من ربك ) ؟
  فخرّ الشاب على وجهه ، وهو يقول : سبحان اللّه ربي ، مامن شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي اللّه ، اللّه أعظم من كل عظيم.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم ) ؟
  فقال الشاب: لا واللّه ، يا رسول اللّه.
  ثم سكت الشاب.
  فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) : ( ويحك ـ يا شاب ـ ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك ) ؟
  قال : بلى ، أخبرك، أني كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلما حُملت الى قبرها ، ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجنّ عليهم الليل، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا ، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها ؟ فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت اليها، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي ، يقول : يا شاب ، ويل لك من ديان يوم الدين، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جَنِبَة الى حسابي ، فويل لشبابك من النار.
  فما أظن أني أشمُّ رائحة الجنة أبداً، فما ترى لي ، يا رسول اللّه ؟
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( تنح عني يا فاسق ، إني أخاف أن احترق بنارك ، فما أقربك من

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 40 _

  النار ).
  ثم لم يزل (صلى الله عليه وآله) يقول ويشير اليه حتى أمعن من بين يديه فذهب ، فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مِسحاً ، وغلّ يديه جميعاً الى عنقه ، ونادى : يا رب هذا عبدك بُهلول ، بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزلّ مني ما تعلم يا سيدي ، يا رب ، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيك تائباً فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تُخيب رجائي ، سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك.
  فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تمّ له أربعون يوما وليلة رفع يديه الى السماء ، وقال : اللّهم ما فعلت في حاجتي ؟
  إن كنت استجبت دعائي ، وغفرت خطيئتي ، فأوح الى نبيك ، وإن لم تستجب دعائي ، ولم تغفر لي خطيئتي ، وأردت عقوبتي ، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة.
  فأنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله) : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ) يقول : خافوا اللّه فعجلوا التوبة (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ) يقول اللّه عزّوجل : أتاك عبدي ـ يا محمد ـ تائبا فطردته ، فأين يذهب ، وإلى من يقصد ، ومن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري ؟
  يعني الزنا (أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ، ونبش القبور، وأخذ الأكفان (ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ)
  ثم قال عزّوجل : (وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون) يقول : لم يقيموا على الزنا، ونبش القبور ، وأخذ الأكفان (أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ).
  فلما نزلت هذه الآية على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) خرج وهو يتلوها ويتبسّم.
  فقال لأصحابه : ( من يدلني على ذلك الشاب ) ؟
  فقال معاذ : يا رسول اللّه، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 41 _

  فمضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بأصحابه حتى انتهوا الى ذلك الجبل، فصعدوا اليه يطلبون الشاب، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين، مغلولة يداه الى عنقه، قد اسودّ وجهه، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء، وهو يقول : سيدي ، قد أحسنت خَلْقي وأحسنت صورتي، فليت شعري ماذا تريد بي ، أفي النار تحرقني أم في جوارك تسكنني ؟
  اللّهم إنك قد أكثرت الاحسان الي وأنعمت عليّ، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري، الى الجنة تزفني ، أم النار تسوقني ؟
  اللّهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرضين، ومن كرسيك الواسع، وعرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي، أم تفضحني بها يوم القيامة ؟
  فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه، وقد أحاطت به السباع، وصفّت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه ، فدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التراب عن رأسه، وقال : ( يا بهلول ، أبشر فإنك عتيق اللّه من النار ) ثم قال (عليه السلام) لأصحابه : ( هكذا تداركوا الذنوب، كما تداركها بهلول ) ثم تلا عليه ما أنزل اللّه عزّوجل فيه ، وبشّره بالجنة ) (1).
  (56) ـ قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (2)
  61 ـ الشيخ المفيد في حديث سبعين منقبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) دون الصحابة، بإسناده عن ابن دأب ، وذكر مناقبه الى أن قال : ثم ترك الوهن والاستكانة ، إنه انصرف من أُحد وبه ثمانون جراحة ، تدخل الفتائل من موضع وتخرج من موضع ، فدخل عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عائداً وهو مثل المضغة على نَطع ، فلما رآه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بكى وقال له: ( إن رجلاً يصيبه هذا في اللّه تعالى لحق على اللّه أن يفعل به ويفعل ) فقال مجيباً له وبكى : ( بأبي أنت وأمي ، الحمد للّه الذي لم يرني ولّيت عنك ولا فررت ،

---------------------------
(1) الامالي، الصدوق، ص 45، ح 3.
(2) آل عمران، الآية:145.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 42 _

  بأبي أنت وأمي كيف حرمت الشهادة ) قال : ( إنّها من وراءك إن شاء اللّه ).
  قال : فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : ( إن أبا سفيان قد أرسل موعده بيننا وبينكم حمراء الأسد ) فقال : ( بأبي أنت وأمي، واللّه لو حملت على أيدي الرجال ما تخلفت عنك ) قال : فنزل القرآن: (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ونزلت الآية فيه قبلها : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}.
  ثم ترك الشكاية من ألم الجراحات، وشكت المرأتان الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما يلقى ، وقالتا : يا رسول اللّه، قد خشينا عليه مما تدخل الفتائل في موضع الجراحات من موضع الى موضع ، وكتمانه ما يجد من الألم.
  قال : فعدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا، فكانت ألف جراحة من قرنه الى قدمه (صلوات اللّه عليه) ) (1).
  (57) قوله تعالى : {بل اللّه مولكم وهو خير الناصرين} (2)
  62 ـ قوله تعالى : (بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) عن علي (عليه السلام) قيل : نزلت في المنافقين إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد ، يوم الهزيمة : ارجعوا الى اخوانكم ، وارجعوا الى دينهم (3).
  (58) قوله تعالى :{ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ

---------------------------
(1) الاختصاص، ص 158.
(2) آل عمران، الآية: 150.
(3) مجمع البيان، ج 2، ص 856.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 43 _

  الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (1)
  63 ـ وتراجع أصحاب رسول اللّه [يوم أُحد] المجروحون وغيرهم، فأقبلوا يعتذرون الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فأحب اللّه أن يُعرِّف رسوله مَن الصادق منهم ومن الكاذب، فأنزل اللّه عليهم النعاس في تلك الحالة حتى كانوا يسقطون الى الارض، وكان المنافقون الذين يكذبون لا يستقرون، قد طارت عقولهم، وهم يتكلمون بكلام لا يفهم عنهم، فأنزل اللّه: (يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُم) يعني المؤمنين (وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ) قال اللّه لمحمد (صلى الله عليه وآله): (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا) يقولون: لو كنا في بيوتنا ما أصابنا القتل، قال اللّه: (لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) فأخبر اللّه رسوله ما في قلوب القوم ومَن كان منهم مؤمنا، ومَن كان منهم منافقا كاذبا بالنعاس، فأنزل اللّه عليه، (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) يعني المنافق الكاذب من المؤمن الصادق بالنُعاس الذي مَيّز بينهم (2).
  (59) ـ قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (3)
  64 ـ عن أبي رافع بطرق كثيرة ، أنه لما انصرف المشركون يوم أحد بلغوا الروحاء، قالوا : لا الكواعب أردفتم ، ولا محمداً قتلتم ، ارجعوا.

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 154.
(2) تفسير القمي، ج 1، ص 120.
(3) آل عمران، الآية: 172.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 44 _

  فبلغ ذلك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فبعث في آثارهم علياً (عليه السلام) في نفر من الخزرج، فجعل لا يرتحل المشركون من منزل إلا نزله علي (عليه السلام) فأنزل اللّه تعالى : ( الذين استجابوا للّه والرسول من بعد ما أصابهم القرح ) (1).
  65 ـ عن سالم بن أبي مريم ، قال: قال لي أبو عبداللّه (عليه السلام): ( ان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بعث علياً (عليه السلام) في عشرة (اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ) الى (أَجْرٌ عَظِيمٌ ) إنّما نزلت في علي (عليه السلام) (2).
  (60) ـ قوله تعالى : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }(3)
  66 ـ عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن أبي رافع: أنها نزلت في علي (عليه السلام)، وذلك أنه نادى يوم الثاني من أُحد في المسلمين فأجابوه، وتقدم علي (عليه السلام) براية المهاجرين في سبعين رجلاً حتى انتهى الى حمراء الأسد ليرهب العدو، وهي سوق على ثلاثة أميال من المدينة، ثم رجع الى المدينة يوم الجمعة وخرج أبو سفيان حتى انتهى الى الروحاء، فلقي معبد الخزاعي، فقال : ما وراءك ؟
  فأنشده :
كادت تُهدُ من الأصوات iiراحلتي      إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تـردي  بـاُسد كـرام لا iiتنابلة      عـند الـلقاء ولا خُرق iiمعازيل
  فقال ابو سفيان لركب من عبدالقيس: أبلغوا محمداً أني قتلت صناديدكم وأردت الرجعة لأستأصلكم.
  فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : ( حسبنا اللّه ونعم الوكيل ).

---------------------------
(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 3، ص 125.
(2) تفسير العياشي، ج 1، ص 206، ح 171، وشواهد التنزيل، الحسكاني، ج 1، ص 133، ح 184 و 185 .
(3) آل عمران، الآية: 173.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 45 _

  قال أبو رافع : قال ذلك علي (عليه السلام) فنزل (قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ) الآية (1).
  (61) ـ قوله تعالى : {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } (2)
  67 ـ عن يونس ، رفعه ، قال : قلت له : زوّج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ابنته فلاناً ؟
  قال : ( نعم ).
  قلت : فكيف زوّجه الأخرى ؟
  قال : ( قد فعل ، فأنزل اللّه : (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ) الى (عَذَابٌ مُّهِينٌ) (3).
  (62) ـ قوله تعالى : {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم} (4)
  68 ـ قوله تعالى : (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) نزلت في المنافقين الذين يحبون أن يحمدوا على غير فعل (5).
  (63) ـ قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ* رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ *فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ

---------------------------
(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 1، ص 194.
(2) آل عمران، الآية: 178.
(3) تفسير العياشي، ج 1، ص 207، ح 174.
(4) آل عمران، الآية: 188.
(5) تفسير القمي، ج 1، ص 128.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 46 _

  فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ * لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ * وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ} (1)
  69 ـ عن أبي جعفر وأبي عبداللّه (عليه السلام): ( أن هذه الآيات التي أواخر آل عمران نزلت في علي (عليه السلام) وفي جماعة من أصحابه، وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أمره اللّه تعالى بالمهاجرة الى المدينة بعد موت عمه أبي طالب (رحمة الله عليه)، وكان قد تحالفت عليه قريش بأن يكبسوا عليه ليلاً وهو نائم ، فيضربوه ضربة رجل واحد، فلم يُعلم من قاتله ، فلا يؤخذ بثاره ، فأمر اللّه بأن يبيّت مكانه ابن عمه علياً (عليه السلام)، ويخرج ليلاً الى المدينة، ففعل ما أمره اللّه به ، وبيّت مكانه على فراشه علياً (عليه السلام)، وأوصاه أن يحمل أزواجه الى المدينة، فجاء المشركون من قريش لما تعاقدوا عليه وتحالفوا، فوجدوا علياً (عليه السلام) مكانه فرجعوا القهقري، وأبطل اللّه ما تعاقدوا عليه وتحالفوا.
  ثم إن علياً (عليه السلام) حمل أهله وأزواجه الى المدينة فعلم أبو سفيان بخروجه وسيره الى المدينة فتبعه ليردهم، وكان معهم عبدٌ له أسود، فيه شِدة وجرأة في الحرب، فأمره سيّده أن يلحقه فيمنعه عن المسير حتى يلقاه بأصحابه ، فلحقه ، فقال له : لا تسر بمن معك الى أن يأتي مولاي.
  فقال (عليه السلام) له : ويلك ، ارجع الى مولاك وإلا قتلتك.
  فلم يرجع ، فشال علي (عليه السلام) سيفه وضربه ، فأبان عنقه عن جسده ، وسار بالنساء والأهل ، وجاء أبو سفيان فوجد عبده مقتولاً ، فتبع علياً (عليه السلام) وأدركه ، فقال له : يا علي ، تأخذ بنات عمنا من عندنا من غير إذننا ، وتقتل عبدنا ، فقال : أخذتهم بإذن مَن له

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 191 ـ 199.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 47 _

  الإذن، فامضي لشأنك.
  فلم يرجع ، وحاربه على ردِّهم بأصحابه يومه أجمع، فلم يقدروا على ردّه، وعجزوا عنه هو وأصحابه، فرجعوا خائبين.
  وسار علي (عليه السلام) بأصحابه وقد كلّوا من الحرب والقتال، فأمرهم علي (عليه السلام) بالنزول ليستريحوا ويسير بمن معه، فنزلوا وصلّوا على ما يتمكنون، وطرحوا أنفسهم عجزاً يذكرون اللّه تعالى في هذه الحالات كلها الى الصباح، ويحمدونه، ويشكرونه ، ويعبد.
  ثم سار بهم الى المدينة، الى النبي (صلى الله عليه وآله)، ونزل جبرئيل (عليه السلام) قبل وصولهم ، فحكى للنبي (صلى الله عليه وآله) حكايتهم ، وتلا عليه الآيات من آخر آل عمران الى قوله : (إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) فلما وصل (عليه السلام) بهم الى النبي (صلى الله عليه وآله) قال له : إن اللّه سبحانه قد أنزل فيك وفي أصحابك قرآنا ، وتلا عليه الآيات من آخر آل عمران الى آخرها ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )(1).
  (64) ـ قوله تعالى : {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ} (2)
  70 ـ عن جابر وغيره ، ان النبي (صلى الله عليه وآله) أتاه جبرئيل وأخبره بوفاة النجاشي، ثم خرج من المدينة الى الصحراء ، ورفع اللّه الحجاب بينه وبين جنازته، فصلّى عليه، ودعا له، واستغفر له ، وقال للمؤمنين : ( صلّوا عليه ) فقال منافقون : نصلّي على علج بنجران ؟
  فنزلت الآية والصفات التي في الآية هي صفات النجاشي (3).
  (65) ـ قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ

---------------------------
(1) نهج البيان، الشيباني، ج 1، ص 79.
(2) آل عمران، الآية: 199.
(3) مستدرك الوسائل، حسين النوري، ج 2، ص 275.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 48 _

  تُفْلِحُونَ} (1)
  71 ـ عن علي بن ابراهيم بن هاشم ، عن علي بن اسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن ابراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين (عليه السلام) : ( أن ابن عباس بعث اليه من يسأله عن هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ) فغضب علي بن الحسين (عليه السلام) وقال للسائل : وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به ـ ثم قال ـ : نزلت في أبي وفينا ، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد ، وسيكون ذلك ذُريةً من نسلنا المرابط ) .
  ثم قال : ( أما أن في صلبه ـ يعني ابن عباس ـ وديعة ذُرئت لنار جهنم ، سيُخرجون أقواما من دين اللّه أفواجاً، وستُصبغ الارض بدماء فراخ من فراخ آل محمد (عليهم السلام)، تنهض تلك الفراخ في غير وقت ، وتطلب غير مُدْرَك، ويرابط الذين آمنوا، ويصبرون ويُصابرون حتى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين ) (2).
  72 ـ روى الحسين بن مساعد : أن الآية نزلت في رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وحمزة (رضي الله عنه )(3).

سورة النساء

  (66) ـ قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } (4)

---------------------------
(1) آل عمران، الآية: 200.
(2) الغيبة، النعماني، ص 199، ح 12.
(3) تحفة الابرار، ص 114 ( مخطوط ) ، وتفسير الحبري، ص 252، ح 17.
(4) النساء، الآية: 1 .

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 49 _

  73 ـ عن المرزباني، بإسناده عن الكلبي، عن أبي صالح ، عن ابن عباس، في قوله تعالى : {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ }، نزلت في رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ، وذوي أرحامه، وذلك أن كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا ما كان من سببه ونسبه (صلى الله عليه وآله)(1).
  (67) قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا }(2)
  74 ـ عن آدم بن اسحاق، عن عبدالرزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال : ( أنزل في مال اليتيم من أكله ظلماً : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه ، ويعرفه أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم ) (3).
  (68) قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}(4)
  75 ـ قيل : نزلت في الرجل يحبس المرأة عنده، لا حاجة له اليها، وينتظر موتها حتى يرثها ، روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام )(5).
  (69) قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً }(6)
  76 ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء

---------------------------
(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 2، ص 168، وتفسير الحبري، ص 253، ح 18.
(2) النساء، الآية: 10.
(3) الكافي، ج 5، ص 126، ح 3.
(4) النساء، الآية: 19.
(5) مجمع البيان، الطبرسي، ج 3، ص 39.
(6) النساء، الآية: 22.

أسباب النزول في ضوء روايات أهل البيت( عليهم السلام) _ 50 _

  كَرْهًا ) فانه كان في الجاهلية في أول ما أسلموا من قبائل العرب إذا مات حميم الرجل وله امرأة ألقى الرجل ثوبه عليها، فورث نكاحها بصداق حميمه الذي كان أصدقها، يرث نكاحها كما يرث ماله ، فلما مات أبو قيس بن الأسلت ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه وهي كبيشة بنت معمر بن معبد ، فورث نكاحها ثم تركها لا يدخل بها ولا ينفق عليها، فأتت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول اللّه مات أبو قيس بن الأسلت، فورث ابنه محصن نكاحي فلا يدخل عليّ ولا ينفق عليّ، ولا يُخلّي سبيلي فألحق بأهلي ؟
  فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ارجعي الى بيتك ، فإن يحدث اللّه في شأنك شيئاً أعلمتك، فنزل : {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً } فلحقت بأهلها.
  وكانت نساء في المدينة قد ورث نكاحهن كما ورث نكاح كبشة غير أنه ورثهنّ من الابناء، فأنزل اللّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا ) (1).
  (70) ـ قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } (2)
  77 ـ عن سهل بن زياد وعلي بن ابراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المتعة.
  فقال : ( نزلت في القرآن: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } (3)
  (71) ـ قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } (4)
  78 ـ عن أبي علي رفعه، قال : كان الرجل يحمل على المشركين وحده، حتى يقتل

---------------------------
(1) تفسير القمي، ج 1، ص 134.
(2) النساء، الآية: 24.
(3) الكافي، ج 5، ص 448، ح 1.
(4) النساء، الآية: 29.