33 ـ في الاستخارة
  وكان من دعائه عليه السلام في الاستخارة اللهم اني استخيرك بعلمك ، فصل على محمد وآله ، واقض لي بالخيرة ، والهمنا (1) معرفة الاختيار ، واجعل ذلك‏ ذريعة (2) الى الرضا بما قضيت لنا والتسليم لما حكمت ، فازح عنا ريب الارتياب (3) ، وايدنا بيقين ‏المخلصين ، ولا تسمنا عجز المعرفة عما تخيرت (4) .. فنغمط (5) قدرك ، ونكره موضع رضاك ، ونجنح الى‏ التي هي ابعد من حسن العاقبة ، واقرب الى ضد العافية ، حبب الينا ما نكره من قضئك ، وسهل علينا ما نستصعب من حكمك ، والهمنا الانقياد لما اوردت علينا من مشيتك ، حتى لا نحب تاخير ما عجلت ، ولا تعجيل ما اخرت ، ولا نكره ما احببت ، ولا نتخير ما كرهت ، واختم لنا بالتي هي احمد عاقبة ، واكرم مصيرا ، انك تفيد الكريمة (6) ، وتعطي الجسيمة (7) ، وتفعل ما تريد ، وانت على كل شيء قدير .

34 ـ اذا ابتلي او راى مبتلى
  وكان من دعائه عليه السلام اذا ابتلي او راى مبتلى بفضيحة بذنب اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك ، ومعافاتك بعد خبرك (8) ، فكلنا قد اقترف العائبة (9) فلم تشهره ، وارتكب الفاحشة فلم تفضحه ، وتستر بالمساوي فلم تدلل عليه ، كم نهي لك قد اتيناه ، وامر قد وقفتنا عليه فتعديناه ، وسيئة اكتسبناها ، وخطيئة ارتكبناها .. كنت المطلع عليها دون‏ الناظرين ، والقادر على اعلانها فوق القادرين ، كانت عافيتك لنا حجابا دون ابصارهم ، وردما (10) دون اسماعهم ، فاجعل ما سترت من العورة (11) ، واخفيت من الدخيلة (12) .. واعظا لنا ، وزاجرا عن سوء الخلق ، واقتراف ‏الخطيئة (13) ، وسعيا الى التوبة الماحية والطريق المحمودة ، وقرب الوقت فيه ، ولا تسمنا الغفلة عنك ، انا اليك‏ راغبون ، ومن الذنوب تائبون .
  وصل على خيرتك اللهم من خلقك : محمد وعترته الصفوة من بريتك الطاهرين ، واجعلنا لهم سامعين ومطيعين كما امرت .

**************************************************************
(1) الهمنا : الق في قلوبنا .
(2) ذريعة : وسيلة .
(3) فازح عنا ريب الارتياب : فابعدنا عن اسباب القلق الذي يوجبه الشك في التفكير بان حكمتك ـ سبحانك ـ قد يفوتها شيء من المصالح .
(4) لا تسمنا عجز المعرفة عما تخيرت : لا تتركنا بمنعك التوفيق عنا فتعجز معرفتنا عما تخيرت .. و .. لا تسمنا .. لا تكلفنا .
(5) فنغمط : فنستحقر .
(6) الكريمة : النفيسة الجيدة .. من كل شيء .
(7) الجسيمة : العظيمة .
(8) خبرك : اختبارك .
(9) اقترف العائبة : فعل العيب .
(10) ردما : سدا .
(11) العورة : كل ما يستحيى منه اذا ظهر .
(12) الدخيلة : العيب والغش والفساد .
(13) اقتراف الخطيئة : ارتكاب المعصية .

الصحيفة السجادية   ـ 62 ـ

35 ـ في الرضا .. اذا نظر
  وكان من دعائه عليه السلام في الرضا .. اذا نظر الى اصحاب الدنيا الحمد للّه رضى بحكم اللّه ، شهدت ان اللّه قسم معايش عباده بالعدل ، واخذ على جميع خلقه بالفضل ، اللهم صل على ‏محمد وآله ، ولا تفتني (1) بما اعطيتهم ، ولا تفتنهم بما منعتني ، فاحسد خلقك ، واغمط حكمك (2) .
  اللهم صل على محمد وآله ، وطيب بقضئك نفسي ، ووسع بمواقع حكمك صدري (3) ، وهب لي الثقة لاقر معها بان قضاك لم يجر الا بالخيرة ، واجعل شكري (4) لك على ما زويت عني .. اوفر من شكري اياك على ما خولتني (5) ، واعصمني من ان اظن بذي عدم خساسة ، او اظن بصاحب ثروة فضلا ، فان الشريف من شرفته طاعتك ، والعزيز من ‏اعزته عبادتك ، فصل على محمد وآله ، ومتعنا بثروة لا تنفد (6) ، وايدنا بعز لا يفقد ، واسرحنا (7) في ملك الابد (8) ، انك الواحد الاحد الصمد ، الذي لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا احد .

36 ـ اذا نظر الى السحاب والبرق وسمع صوت الرعد
  وكان من دعائه عليه السلام اذا نظر الى السحاب والبرق وسمع صوت الرعد اللهم ان هذين آيتان من آياتك ، وهذين عونان من اعوانك .. يبتدران (9) طاعتك برحمة نافعة او نقمة (10)ضارة ، فلا تمطرنا بهما مطر السوء (11) ، ولا تلبسنا بهما لباس البلاء (12) .
  اللهم صل على محمد وآله ، وانزل علينا نفع هذه السحائب وبركتها ، واصرف عنا اذاها ومضرتها ، ولا تصبنا فيها بفة ، ولا ترسل على معايشنا عاهة .
  اللهم وان كنت بعثتها نقمة ، وارسلتها سخطة (13) .. فانا نستجيرك من غضبك ، ونبتهل (14) اليك في سؤال ‏عفوك ، فمل بالغضب الى المشركين ، وادر رحى نقمتك على الملحدين .
  اللهم اذهب محل (15) بلادنا بسقياك ، واخرج وحر (16) صدورنا برزقك ، ولا تشغلنا عنك بغيرك ، ولا تقطع‏عن كافتنا (17) مادة برك ، فان الغني من اغنيت ، وان السالم من وقيت ، ما عند احد دونك دفاع ، ولا باحد عن ‏سطوتك امتناع ، تحكم بما شئت على من شئت ، وتقضي بما اردت فيمن اردت .
  فلك الحمد على ما وقيتنا (18) من البلاء ، ولك الشكر على ما خولتنا (19) من النعماء .. حمدا يخلف حمد الحامدين ورآه ، حمدا يملا ارضه وسماءه ، انك المنان (20) بجسيم المنن (21) ، الوهاب لعظيم النعم ، القابل يسير الحمد ، الشاكر قليل الشكر ، المحسن ‏المجمل ذو الطول ، لا اله الا انت ، اليك المصير .

**************************************************************
(1) لا تفتني : لا تبتلني وتمتحني .
(2) اغمط حكمك : انتقص قضاءك .. لما منعتني لحكمة .
(3) وسع بمواقع حكمك صدري : تفضل علي بالرضا لما وقع به حكمك وقضاؤك .
(4) زويت : صرفت ونحيت .
(5) خولتني : اعطيتني .
(6) لا تنفد : لا تفنى ولا تنقطع .
(7) اسرحنا : اطلقنا .
(8) الابد : استمرار الوجود في ازمنة غير متناهية .
(9) يبتدران : يتسارعان .
(10) نقمة : عقوبة .
(11) مطر السوء : مطر الضرر والخراب .
(12) البلاء : المحنة والشدة والغم .
(13) سخطة : عقوبة .
(14) نبتهل : ندعو بتضرع .
(15) محل : يبس الارض من الكلا لانقطاع المطر .
(16) وحر : حقد وغيظ .
(17) كافتنا : جميعنا .
(18) وقيتنا : حفظتنا .
(19) خولتنا : اعطيتنا .
(20) المنان : الكثير الاحسان. (21) المنن : جمع .. منة .. وهي .. الاحسان .

الصحيفة السجادية   ـ 63 ـ

37 ـ اذا اعترف بالتقصير عن تادية.. الشكر
  وكان من دعائه عليه السلام اذا اعترف بالتقصير عن تادية .. الشكر اللهم ان احدا لا يبلغ من شكرك غاية .. الا حصل عليه من احسانك ما يلزمه شكرا ، ولا يبلغ مبلغا من طاعتك وان ‏اجتهد .. الا كان مقصرا دون استحقاقك بفضلك ، فاشكر عبادك عاجز عن شكرك ، واعبدهم مقصر عن طاعتك ، لا يجب لاحد ان تغفر له باستحقاقه ، ولا ان ترضى عنه باستيجابه (1) ، فمن غفرت له فبطولك (2) ، ومن ‏رضيت عنه فبفضلك ، تشكر يسير ما شكرته ، وتثيب على قليل ما تطاع فيه ، حتى كان شكر عبادك الذي اوجبت عليه ‏ثوابهم ، واعظمت عنه جزاءهم .. امر ملكوا استطاعة الامتناع منه دونك فكافيتهم ، او لم يكن سببه بيدك فجازيتهم ؟ بل ‏ملكت يا الهي امرهم قبل ان يملكوا عبادتك ، واعددت ثوابهم قبل ان يفيضوا (3) في طاعتك ، وذلك ان سنتك (4) الافضال ، وعادتك الاحسان ، وسبيلك العفو ، فكل البرية معترفة بانك غير ظالم لمن عاقبت ، وشاهدة بانك متفضل على من عافيت ، وكل مقر على نفسه بالتقصير عما استوجبت ، فلولا ان الشيطان يختدعهم (5) عن طاعتك .. ما عصاك عاص ، ولولا انه صور لهم الباطل في مثال الحق .. ما ضل ‏عن طريقك ضال .
  فسبحانك ! ما ابين كرمك في معاملة من اطاعك او عصاك ؟ تشكر للمطيع ما انت توليته له ، وتملي للعاصي فيما تملك‏ معاجلته فيه ، اعطيت كلا منهما ما لم يجب له ، وتفضلت على كل منهما بما يقصر عمله عنه ، ولو كافات المطيع على ما انت توليته .. لاوشك ان يفقد ثوابك ، وان تزول عنه نعمتك ، ولكنك بكرمك جازيته على ‏المدة القصيرة الفانية بالمدة الطويلة الخالدة ، وعلى الغاية القريبة الزائلة بالغاية المديدة الباقية ، ثم لم تسمه ‏القصاص (6)فيما اكل من رزقك الذي يقوى به على طاعتك ، ولم تحمله على المناقشات في الالات (7) التي تسبب باستعمالها الى مغفرتك ، ولو فعلت ذلك به .. لذهب بجميع ما كدح (8) له وجملة ما سعى فيه جزا للصغرى من اياديك ومننك ، ولبقي رهينا (9) بين يديك بسائر (10) نعمك ، فمتى كان يستحق شيئا من ‏ثوابك ؟ لا ! متى ؟! .
  هذا يا الهي حال من اطاعك وسبيل من تعبد لك ، فاما العاصي امرك والمواقع نهيك .. فلم تعاجله بنقمتك ، لكي ‏يستبدل بحاله في معصيتك .. حال الانابة الى طاعتك ، ولقد كان يستحق في اول ما هم بعصيانك كل ما اعددت لجميع‏ خلقك من عقوبتك ، فجميع ما اخرت عنه من العذاب ، وابطات به عليه من سطوات (11) النقمة والعقاب .. ترك‏من حقك ، ورضى بدون واجبك ، فمن اكرم يا الهي منك ، ومن اشقى ممن هلك عليك ؟ لا! (12) من ؟ فتباركت ان توصف الا بالاحسان ، وكرمت ان ‏يخاف منك الا العدل ، لا يخشى جورك على من عصاك ، ولا يخاف اغفالك ثواب من ارضاك ، فصل على محمد وآله ، وهب لي املي ، وزدني من هداك ما اصل به الى التوفيق في عملي ، انك منان كريم .

**************************************************************
(1) باستيجابه : بكونه مستوجبا .. مستحقا .
(2) فبطولك : باحسانك وقدرتك .
(3) يفيضوا : يدخلوا .
(4) سنتك : طريقتك .
(5) يختدعهم : يخدعهم .. ويغشهم .
(6) لم تسمه القصاص : لم تحبس عليه من الجزاء ... مثل ما اكل من رزقك .. و .. لم تسمه .. لم ترد منه .
(7) الالات : الادوات .. وهي .. الجوارح ، والقوى الظاهرة والباطنة .
(8) كدح : عمل وجهد .
(9) رهينا : مرهونا .
(10) بسائر : بسبب سائر .
(11) سطوات : جمع .. سطوة .. وهي .. البطش والاخذ بعنف وشدة .
(12) لا : لا احد اكرم منك ، ولا احد اشقى ممن هلك عليك .

الصحيفة السجادية   ـ 64 ـ

38 ـ في الاعتذار من تبعات العباد ومن التقصير في حقوقهم وفي فكاك رقبته من النار
  وكان من دعائه عليه السلام : اللهم اني اعتذر اليك من مظلوم ظلم بحضرتي (1) فلم انصره ، ومن معروف اسدي (2) الي فلم اشكره ، ومن ‏مسيء اعتذر الي فلم اعذره ، ومن ذي فاقة (3) سالني فلم اوثره (4) ، ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم ‏اوفره ، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم استره ، ومن كل اثم عرض لي فلم اهجره ، اعتذر اليك يا الهي منهن ومن نظائرهن .. اعتذار ندامة ، يكون واعظا لما بين يدي من اشباههن ، فصل على محمد وآله ، واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات ، وعزمي على ترك ما يعرض لي من السيئات .. توبة توجب لي محبتك ، يامحب التوابين .

39 ـ في طلب العفو والرحمة
  وكان من دعائه عليه السلام في طلب العفو والرحمة اللهم صل على محمد وآله ، واكسر شهوتي عن كل محرم (5) ، وازو (6) حرصي عن كل ماثم (7) ، وامنعني عن اذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة .
  اللهم وايما عبد نال مني ما حظرت عليه ، وانتهك مني ما حجرت (8) عليه ، فمضى بظلامتي ميتا ، او حصلت لي ‏قبله حيا .. فاغفر له ما الم به مني (9) ، واعف له عما ادبر به عني ، ولا تقفه على (10) ما ارتكب في ، ولا تكشفه‏ عما اكتسب بي ، واجعل ما سمحت به من العفو عنهم ، وتبرعت به من الصدقة عليهم .. ازكى صدقات المتصدقين واعلى صلاة ‏المتقربين ، وعوضني من عفوي عنهم .. عفوك ، ومن دعئي لهم رحمتك ، حتى يسعد كل واحد منا بفضلك ، وينجو كل‏ منا بمنك .
  اللهم وايما عبد من عبيدك ادركه مني درك (11) ، او مسه من ناحيتي اذى ، او لحقه بي او بسببي ظلم ففته‏ بحقه (12) ، او سبقته بمظلمته .. فصل على محمد وآله ، وارضه عني من وجدك (13) ، واوفه حقه من عندك ، ثم ‏قني (14) ما يوجب له حكمك ، وخلصني مما يحكم به عدلك ، فان قوتي لا تستقل بنقمتك ، وان طاقتي لا تنهض‏ بسخطك (15) ، فانك ان تكافني بالحق .. تهلكني ، والا تغمدني (16) برحمتك توبقني (17) .
  اللهم اني استوهبك يا الهي ما لا ينقصك بذله ، واستحملك ما لا يبهظك حمله (18) ، استوهبك يا الهي نفسي‏التي لم تخلقها لتمتنع بها من سوء ، او لتطرق بها الى نفع (19) ، ولكن انشاتها اثباتا لقدرتك على مثلها واحتجاجا بها على شكلها ، واستحملك من ذنوبي ما قد بهظني حمله ، واستعين بك على ما قد فدحني (20) ثقله ، فصل على محمد وآله ، وهب لنفسي على ظلمها (21) .. نفسي ، ووكل رحمتك باحتمال صري (22) ، فكم قد لحقت رحمتك ‏بالمسيئين ، وكم قد شمل عفوك الظالمين .
  فصل على محمد وآله ، واجعلني اسوة (23) من قد انهضته بتجاوزك عن مصارع الخاطئين (24) ، وخلصته‏ بتوفيقك من ورطات المجرمين (25) ، فاصبح طليق عفوك من اسار (26) سخطك ، وعتيق صنعك من وثاق‏عدلك ، انك ان تفعل ذلك يا الهي .. تفعله بمن لا يجحد استحقاق عقوبتك ، ولا يبرى نفسه من استيجاب نقمتك ، تفعل ذلك يا الهي بمن خوفه منك اكثر من طمعه فيك ، وبمن ياسه من النجاة اوكد من رجئه للخلاص ، لا ان يكون ياسه قنوطا ، او ان يكون طمعه اغترارا ، بل لقلة حسناته بين سيئاته ، وضعف حججه في جميع تبعاته .
  فاما انت يا الهي فاهل ان لا يغتر بك الصديقون (27) ، ولا يياس منك المجرمون ، لانك الرب العظيم الذي لا يمنع ‏احدا فضله ، ولا يستقصي من احد حقه ، تعالى ذكرك عن المذكورين ، وتقدست اسماؤك عن المنسوبين (28) ، وفشت (29) نعمتك في جميع المخلوقين ، فلك الحمد على ذلك يا رب العالمين .

**************************************************************
(1) بحضرتي : بحضوري .
(2) اسدي : اعطي .
(3) فاقة : حاجة .
(4) فلم اوثره : فلم اعطه ما سال ، ولم اقدمه على نفسي .
(5) محرم : حرام .
(6) ازو : ابعد .. واصرف .
(7) ماثم : اثم .. ذنب .
(8) حجرت : حرمت .
(9) ما الم به مني : ما فعله من ظلمي .
(10) لا تقفه على : لا تطلعه على .. ولا تقبح عليه .
(11) درك : تبعة .. ما فيه اثم يلحق الانسان بسببه عقوبة .
(12) ففته بحقه : ذهبت بحقه .
(13) وجدك : غناك .
(14) قني : صني .. واحفظني .
(15) ان طاقتي لا تنهض بسخطك : ان قدرتي لا تتحمل الغضب منك .
(16) تغمدني : تغمرني .. وتسترني .
(17) توبقني : تهلكني .
(18) استحملك ما لا يبهظك حمله : اسالك ان تحمل عني ما لا يثقلك حمله .. اي .. اطلب منك ان تسقط عني تبعات آثامي .
(19) لتطرق بها الى نفع : لتجعلها طريقا الى نفع .. يعود اليك .. سبحانك .
(20) فدحني : اثقلني .
(21) على ظلمها : مع ظلمها .
(22) اصري : حملي الثقيل .. ذنبي العظيم .
(23) اسوة : قدوة .
(24) مصارع الخاطئين : مواضع سقوط الخاطئين .
(25) ورطات المجرمين : بليات المجرمين التي يعسر منها المخرج .. و .. ورطات .. جمع .. ورطة .. وهي .. الهلاك .
(26) اسار : الاسار .. ما يشد ويوثق به .. الحبل ... هنا على سبيل الاستعارة .
(27) ان لا يغتر بك الصديقون : ان لا يظن الصديقون الامن من المسؤولية فلا يتحفظوا .. في اعمالهم .. و .. الصديقون .. الصادقون في القول والعمل ، المصدقون بما جاءت به‏الرسل .
(28) تقدست اسماؤك عن المنسوبين : تنزهت .. وتطهرت اسماؤك الحسنى عن المنسوبين الى تلك الاسماء ، مثلا من ينسب الى العلم ، فيقال له .. عالم .. علمه خليط‏بالنقص .. بالنسبة الى علمه تعالى ، وعلمه تعالى منزه عن النقص ، وهكذا بالنسبة الى سائر اسمائه الحسنى ـ سبحانه ـ .
(29) فشت : ظهرت وانتشرت .

الصحيفة السجادية   ـ 65 ـ

40 ـ اذا نعي اليه ميت او ذكر الموت
  وكان من دعائه عليه السلام اذا نعي اليه ميت او ذكر الموت اللهم صل على محمد وآله ، واكفنا طول الامل ، وقصره عنا بصدق العمل .. حتى لا نؤمل استتمام ساعة بعد ساعة ، ولا استيفاء يوم بعد يوم ، ولا اتصال نفس بنفس ، ولا لحوق قدم بقدم ، وسلمنا من غروره ، وآمنا من شروره ، وانصب الموت ‏بين ايدينا نصبا ، ولا تجعل ذكرنا له غبا (1) .
  واجعل لنا من صالح الاعمال .. عملا نستبطى معه المصير اليك ، ونحرص له على وشك اللحاق بك ، حتى يكون ‏الموت مانسنا الذي نانس به ، ومالفنا (2) الذي نشتاق اليه ، وحامتنا (3) التي نحب الدنو (4) منها ، فاذا اوردته علينا وانزلته بنا .. فاسعدنا به زائرا ، وآنسنا به قادما ، ولا تشقنا بضيافته ، ولا تخزنا بزيارته ، واجعله بابا من‏ ابواب مغفرتك ، ومفتاحا من مفاتيح رحمتك .
  امتنا مهتدين غير ضالين ، طائعين غير مستكرهين ، تائبين غير عاصين ولا مصرين ، يا ضامن جزآء المحسنين ومستصلح ‏عمل المفسدين .

41 ـ في طلب الستر والوقاية
  وكان من دعائه عليه السلام في طلب الستر والوقاية اللهم صل على محمد وآله ، وافرشني مهاد كرامتك (5) ، واوردني مشارع رحمتك (6) ، واحللني ‏بحبوحة (7) جنتك ، ولا تسمني بالرد عنك ، ولا تحرمني بالخيبة منك ، ولا تقاصني بما اجترحت (8) ، ولا تناقشني بما اكتسبت ، ولا تبرز مكتومي ، ولا تكشف مستوري ، ولا تحمل على ميزان الانصاف عملي ، ولا تعلن على عيون الملا خبري ، اخف عنهم ما يكون نشره علي عارا ، واطو (9) عنهم ما يلحقني عندك شنارا (10) ، شرف درجتي برضوانك ، واكمل كرامتي بغفرانك ، وانظمني في اصحاب اليمين ، ووجهني في مسالك الامنين ، واجعلني في فوج الفائزين ، واعمر بي مجالس الصالحين ، آمين رب العالمين .

**************************************************************
(1) غبا : في وقت دون وقت .
(2) مالفنا : محبوبنا ... و .. المالف .. الموضع الذي يالفه الانسان ويحبه .
(3) حامتنا : اقرباءنا .
(4) الدنو : القرب .
(5) افرشني مهاد كرامتك : افرش لي فراش عزك .
(6) اوردني مشارع رحمتك : ابلغني موارد .. طرق .. رحمتك .
(7) بحبوحة : وسط .
(8) لا تقاصني بما اجترحت : لا تحبس علي من الثواب مثل ما اكتسبته من الم‏آثم .
(9) اطو : اكتم .
(10) شنارا : اقبح العيب .

الصحيفة السجادية   ـ 66 ـ

42 ـ عند ختم القرآن
  وكان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن اللهم انك اعنتني على ختم كتابك الذي انزلته نورا ، وجعلته مهيمنا (1) على كل كتاب انزلته ، وفضلته على كل ‏حديث قصصته ، وفرقانا (2) فرقت به بين حلالك وحرامك ، وقرآنا اعربت (3) به عن شرائع احكامك ، وكتابا فصلته لعبادك تفصيلا (4) ، ووحيا انزلته على نبيك محمد صلواتك عليه وآله تنزيلا ، وجعلته نورا نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه ، وشفاء لمن انصت (5) بفهم التصديق الى استماعه ، وميزان ‏قسط (6) لا يحيف (7) عن الحق لسانه (8) ، ونور هدى لا يطفا عن الشاهدين برهانه ، وعلم نجاة لا يضل ‏من ام قصد سنته (9) ، ولا تنال ايدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته (10) .
  اللهم فاذ افدتنا المعونة على تلاوته ، وسهلت جواسي السنتنا (11) بحسن عبارته ، فاجعلنا ممن يرعاه حق رعايته ، ويدين لك باعتقاد التسليم لمحكم آياته (12) ، ويفزع (13) الى الاقرار بمتشابهه (14) وموضحات بيناته .
  اللهم انك انزلته على نبيك محمد صلى اللّه عليه وآله مجملا ، والهمته (15) علم عجائبه مكملا ، وورثتنا علمه ‏مفسرا ، وفضلتنا على من جهل علمه ، وقويتنا عليه لترفعنا فوق من لم يطق حمله .
  اللهم فكما جعلت قلوبنا له حملة ، وعرفتنا برحمتك شرفه وفضله .. فصل على محمد الخطيب به ، وعلى آله الخزان له ، واجعلنا ممن يعترف بانه من عندك ، حتى لا يعارضنا الشك في تصديقه ، ولا يختلجنا الزيغ (16) عن قصد طريقه .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا ممن يعتصم بحبله (17) ، ويأوي من المتشابهات الى حرز معقله (18) ، ويسكن في ظل جناحه ، ويهتدي بضوء صاحبه ، ويقتدي بتبلج اسفاره (19) ، ويستصبح بمصباحه ، ولا يلتمس ‏الهدى في غيره .
  اءللهم وكما نصبت به محمدا علما للدلالة عليك ، وأنهجت بآله سبل الرضا اليك .. فصل على محمد وآله ، واجعل ‏القرآن وسيلة لنا الى أشرف منازل الكرامة ، وسلما نعرج فيه الى محل السلامة ، وسببا نجزى به النجاة في عرصة القيامة (20) ، وذريعة (21) نقدم بها على نعيم دار المقامة (22) .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واحطط بالقرآن عنا ثقل الاوزار (23) ، وهب لنا حسن شمائل الابرار (24) ، واقف (25) بنا آثار الذين قاموا لك به آناء الليل و أطراف النهار ، حتى تطهرنا من كل دنس بتطهيره ، وتقفو بنا آثار الذين ‏استضاؤوا بنوره ، ولم يلههم الامل عن العمل فيقطعهم بخدع غروره (26) .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مونسا ، ومن نزغات (27) الشيطان وخطرات الوساوس حارسا ، ولاقدامنا عن نقلها الى المعاصي حابسا ، ولالسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرسا ، ولجوارحنا عن اقتراف الاثام (28) زاجرا (29) ، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشرا ، حتى توصل الى ‏قلوبنا فهم عجائبه ، وزواجر أمثاله التي ضعفت الجبال الرواسي (30) على صلابتها (31) عن احتماله (32) .

**************************************************************
(1) مهيمنا : رقيبا على .. كل .. وحافظا لـ.. كل .. حافظا من التحريف .
(2) فرقانا : فارقا .. فاصلا .
(3) اعربت : اظهرت .
(4) فصلته لعبادك تفصيلا : جعلته تفاصيل في الاحكام والقصص والمواعظ .
(5) انصت : سكت .. للاستماع .
(6) قسط : عدل .
(7) لا يحيف : لا يميل .
(8) لسانه : لسان الميزان .. عذبته الكائنة في وسط العمود التي يعرف بها التعادل والرجحان .
(9) ام قصد سنته : قصد طريقته المستقيمة .
(10) بعروة عصمته : بوثاقة مناعته .
(11) سهلت جواسي السنتنا : لينت ما يبس وصلب من السنتنا بحسن بيانه .
(12) لمحكم آياته : لاياته المتقنة جميعها .
(13) يفزع : يلتجيء .
(14) بمتشابهه : بكونه يشبه بعضه بعضا في الحق والصدق والاعجاز .
(15) الهمته : القيت في نفسه بطريق الفيض .
(16) لا يختلجنا الزيغ : لا يجذبنا الميل .
(17) يعتصم بحبله : يتمسك بميثاقه .. من العمل باوامره وترك نواهيه .
(18) ياوي من المتشابهات الى حرز معقله : يلتجيء من الامور التي تشابهت والتبست فلم يتميز الحق فيها من الباطل الى ملجئه الحصين .. ملجئه .. ملجا القرآن الكريم .
(19) بتبلج اسفاره : باضاءة واشراق وضوحه وانكشافه .
(20) عرصة القيامة : ساحة يوم البعث من القبور .. للحساب والجزاء .
(21) ذريعة : وسيلة .
(22) دار المقامة : الجنة .
(23) ثقل الاوزار : الحمل الثقيل من الاثام .
(24) شمائل الابرار : اخلاق الاتقياء .
(25) واقف : واتبع .
(26) فيقطعهم بخدع غروره : فيمنعهم بمكر وحيل اباطيله .
(27) نزغات : وساوس .. جمع .. نزغة .. الوسوسة والحمل على المعاصي .
(28) اقتراف الاثام : اكتساب الخطايا .
(29) زاجرا : مانعا .
(30) الرواسي : الثوابت .
(31) على صلابتها : مع قوتها .
(32) عن احتماله : التمثيل لعظم شان القرآن المجيد .

الصحيفة السجادية   ـ 67 ـ
  اءللهم صل على محمد وآله ، وأدم بالقرآن صلاح ظاهرنا ، واحجب به خطرات الوساوس عن صحة ضمائرنا ، واغسل ‏به درن (1) قلوبنا وعلائق أوزارنا (2) ، واجمع به منتشر امورنا ، وأرو به في موقف العرض عليك ظما هواجرنا (3) ، واكسنا به حلل الامان يوم الفزع الاكبر في نشورنا (4).
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الاملاق (5) ، وسق الينا به رغد العيش وخصب سعة‏ الارزاق ، وجنبنا به الضرائب (6) المذمومة ومداني الاخلاق ، واعصمنا به من هوة (7) الكفر ودواعي ‏النفاق ، حتى يكون لنا في القيامة الى رضوانك وجنانك قائدا ، ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدي حدودك ذائدا (8) ، ولما عندك بتحليل حلاله وتحريم حرامه شاهدا .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وهون بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق (9) ، وجهد الانين ، وترادف الحشارج (10) اذا بلغت النفوس التراقي (11) وقيل : من راق (12) ؟ وتجلى (13) ملك الموت لقبضها من حجب الغيوب (14) ، ورماها عن قوس المنايا بأسهم وحشة الفراق ، ودافع لها من ذعاف الموت (15) كأسام سمومة المذاق ، ودنا منا الى الاخرة رحيل وانطلاق ، وصارت الاعمال قلائد في الاعناق ، وكانت القبور هي المأوى ‏الى ميقات يوم التلاق .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وبارك لنا في حلول دار البلى (16) ، وطول المقامة بين أطباق الثرى ، واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا (17) ، وافسح لنا برحمتك في ضيق ملاحدنا (18) ، ولا تفضحنا في حاضر القيامة بموبقات آثامنا (19) ، وارحم بالقرآن في موقف العرض عليك ذل مقامنا ، وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل أقدامنا ، ونور به قبل البعث سدف (20) قبورنا ، ونجنا به من كل كرب يوم القيامة ، وشدائد أهوال يوم الطامة (21) ، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الظلمة في يوم الحسرة والندامة ، واجعل لنا في صدور المؤمنين ودا ، ولا تجعل الحياة علينا نكدا (22) .
  اءللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما بلغ رسالتك ، وصدع بأمرك (23) ونصح لعبادك ، اءللهم اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين منك مجلسا ، وأمكنهم منك شفاعة ، وأجلهم عندك ‏قدرا ، أوجههم عندك جاها (24) .
  اءللهم صل على محمد وآل محمد ، وشرف بنيانه ، وعظم برهانه ، وثقل ميزانه ، وتقبل شفاعته ، وقرب وسيلته ، وبيض وجهه ، وأتم نوره ، وارفع درجته ، وأحينا على سنته ، وتوفنا على ملته ، وخذ بنا منهاجه ، واسلك بنا سبيله ، واجعلنا من أهل طاعته ، واحشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه ، واسقنا بكأسه ، وصل اللهم على محمد وآله .. صلاة تبلغه بها أفضل ما يأمل من خيرك وفضلك وكرامتك ، انك ذو رحمة واسعة ، وفضل كريم .
   اءللهم اجزه بما بلغ من رسالاتك، وأدى من آياتك ، ونصح لعبادك ، وجاهد في سبيلك ، أفضل ما جزيت أحدا من ‏ملائكتك المقربين ، وأنبيائك المرسلين المصطفين ، والسلام عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ورحمة اللّه وبركاته .

**************************************************************
(1) درن : وسخ .. استعير هنا لما في القلوب من الغفلة والقسوة ونحو ذلك .
(2) علائق اوزارنا : ما يتعلق به في اثبات اوزارنا والمؤاخذة عليها .
(3) ظما هواجرنا : عطش ساعاتنا الحارة .. واسناد الظما الى الزمان مجاز ، فالظما للانسان .
(4) نشورنا : حياتنا بعد الموت .. للحساب والجزاء .
(5) واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الاملاق : واصلح بالقرآن الثلمة الموجودة فينا من فقر الحاجة .
(6) الضرائب : السجايا والطبائع .
(7) هوة : حفرة .
(8) ذائدا : مانعا .
(9) كرب السياق : مشقة نزع الروح .. حال الاحتضار .. للموت .
(10) ترادف الحشارج : تتابع الاصوات التي يرددها المريض في حلقه عند الموت .. الغرغرة .
(11) التراقي : اعالي الصدر .
(12) وقيل : من راق : وقال من حول المحتضر : من راق يرقى المحتضر بما يشفيه ، و .. الرقية .. العوذة يرقى بها .
(13) تجلى : ظهر وبان .
(14) حجب الغيوب : الاستار الغائبة عن العلم والعقل والذكر .
(15) داف لها من ذعاف الموت : خلط لها من سم الموت .
(16) بارك لنا في حلول دار البلى : اجعل الخير لنا في نزول القبر ، لما ورد من نعيم القبر لبعض وعذاب القبر لبعض آخر .
(17) واجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا : بعد فراق الدنيا الى وقت دخول الجنة ، وقد روي : ان القبر اول منزل من منازل الاخرة ، فان نجا منه فما بعده ايسر منه ، وان لم‏ينج منه فما بعده اشد منه .
(18) ملاحدنا : الملاحد .. جمع .. ملحد .. بمعنى .. اللحد .. وهو الشق بجانب القبر يوضع فيه الميت .
(19) بموبقات آثامنا : بمهالك خطايانا .
(20) سدف : ظلمات .
(21) اهوال يوم الطامة : مفزعات يوم القيامة .
(22) نكدا : عسرا .
(23) صدع بامرك : اظهر دينك وجهر به .
(24) جاها : قدرا ومنزلة .

الصحيفة السجادية   ـ 68 ـ

43 ـ اذا نظر الى الهلال
  وكان من دعائه عليه السلام اذا نظر الى الهلال أيها الخلق (1) المطيع ، الدائب (2) السريع ، المتردد في منازل التقدير ، المتصرف في فلك التدبير .. آمنت‏بمن نور بك الظلم ، وأوضح بك البهم (3) ، وجعلك آية من آيات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك‏ بالزيادة (4) والنقصان ، والطلوع والافول ، والانارة والكسوف ، في كل ذلك أنت له مطيع ، والى ارادته سريع .
  سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ! وألطف ما صنع في شأنك ! جعلك مفتاح شهر حادث لامر حادث .
  فأسأل اللّه ربي وربك ، وخالقي وخالقك ، ومقدري ومقدرك ، ومصوري ومصورك : أن يصلي على محمد وآله ، وأن ‏يجعلك هلال بركة لا تمحقها (5) الايام ، وطهارة لا تدنسها الاثام (6) ، هلال أمن من الافات ، وسلامة من‏السيئات ، هلال سعد لا نحس فيه ، ويمن لا نكد معه ، ويسر لا يمازجه عسر ، وخير لا يشوبه (7) شر ، هلال أمن وايمان ، ونعمة واحسان ، وسلامة واسلام .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجعلنا من أرضى من طلع عليه ، وأزكى من نظر اليه ، وأسعد من تعبد لك فيه ، ووفقنا فيه ‏للتوبة ، واعصمنا فيه من الحوبة (8) ، واحفظنا فيه من مباشرة معصيتك ، وأوزعنا (9) فيه شكر نعمتك ، وألبسنا فيه جنن العافية (10) ، وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة (11) ، انك المنان الحميد ، وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

44 ـ اذا دخل شهر رمضان
  وكان من دعائه عليه السلام اذا دخل شهر رمضان الحمد للّه الذي هدانا لحمده ، وجعلنا من أهله ، لنكون لاحسانه من الشاكرين ، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين ، والحمد للّه الذي حبانا بدينه (12) ، واختصنا بملته ، وسبلنا في سبل احسانه ، لنسلكها بمنه الى رضوانه .. حمدا يتقبله منا ، ويرضى به عنا .
  والحمد للّه الذي جعل من تلك السبل شهره رمضان شهر الصيام ، وشهر الاسلام ، وشهر الطهور (13) ، وشهر التمحيص (14) ، وشهر القيام ( الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) ، فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات الموفورة (15) ، والفضائل المشهورة ، فحرم فيه ما أحل في ‏غيره اعظاما ، وحجر (16) فيه المطاعم والمشارب اكراما ، وجعل له وقتا بينا ، لا يجيز جل وعز أن يقدم قبله ، ولايقبل أن يؤخر عنه ، ثم فضل ليلة واحدة من لياليه على ليالي ألف شهر ، وسماها ليلة القدر ، تنزل الملائكة والروح (17) فيها باذن ربهم ‏من كل أمر سلام دآئم البركة الى طلوع الفجر على من يشاء من عباده بما أحكم من قضائه .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وألهمنا معرفة فضله ، واجلال حرمته ، والتحفظ مما حظرت فيه ، وأعنا على صيامه بكف‏ الجوارح عن معاصيك ، واستعمالها فيه بما يرضيك . .. حتى لا نصغي بأسماعنا الى لغو ، ولا نسرع بأبصارنا الى لهو ، وحتى لا نبسط أيدينا الى محظور ، ولا نخطو بأقدامنا الى ‏محجور (18) ، وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت ، ولا تنطق ألسنتنا الا بما قلت ، ولا نتكلف الا ما يدني من ثوابك ، ولا نتعاطى الا الذي يقي من عقابك ، ثم خلص ذلك كله من رئاء المرائين وسمعة المسمعين ، لا نشرك فيه أحدا دونك ، ولا نبتغي فيه مرادا سواك .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وقفنا فيه على مواقيت الصلوات الخمس بحدودها التي حددت ، وفروضها التي فرضت ، ووظائفها التي وظفت ، وأوقاتها التي وقت ، وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها ، الحافظين لاركانها ، المؤدين لها في ‏أوقاتها، على ما سنه عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله ، في ركوعها وسجودها وجميع فواضلها على أتم الطهور (19) وأسبغه (20) ، وأبين الخشوع وأبلغه ، ووفقنا فيه لان نصل أرحامنا بالبر والصلة ، وأن نتعاهد جيراننا بالافضال والعطية ، وأن نخلص أموالنا من التبعات ، وأن نطهرها باخراج الزكوات ، وأن نراجع من هاجرنا ، وأن ننصف من ظلمنا ، وأن نسالم من عادانا .. حاشا من عودي فيك ولك فانه العدو الذي لانواليه ، والحزب الذي لا نصافيه ، وأن نتقرب اليك فيه من الاعمال الزاكية بما تطهرنا به من الذنوب ، وتعصمنا فيه مما نستأنف من العيوب (21) ، حتى‏لا يورد عليك أحد من ملائكتك الا دون ما نورد من أبواب الطاعة لك ، والقربة اليك .
  اءللهم اني أسألك بحق هذا الشهر ، وبحق من تعبد لك فيه من ابتدائه الى وقت فنائه : من ملك قربته ، أو نبي أرسلته ، أوعبد صالح اختصصته .. أن تصلي على محمد وآله ، وأهلنا فيه لما وعدت أولياءك من كرامتك ، وأوجب لنا فيه ما أوجبت لاهل المبالغة في طاعتك ، واجعلنا في نظم من استحق الرفيع الاعلى برحمتك .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وجنبنا الالحاد في توحيدك ، والتقصير في تمجيدك ، والشك في دينك ، والعمى عن‏ سبيلك ، والاغفال لحرمتك ، والانخداع لعدوك الشيطان الرجيم .

**************************************************************
(1) الخلق : المخلوق .
(2) الدائب : المجد المستمر .
(3) البهم : المشاكل .
(4) امتهنك : استعملك .
(5) لا تمحقها : لا تنقصها .
(6) طهارة لا تدنسها الاثام : نزاهة لا توسخها الخطايا .
(7) لا يشوبه : لا يخالطه .
(8) الحوبة : الخطيئة .
(9) اوزعنا : الهمنا .. ألق في روعنا .
(10) البسنا فيه جنن العافية : ادفع عنا فيه المضرات ، و .. جنن .. استار .
(11) المنة : الاحسان .
(12) حبانا بدينه : اعطانا دينه .. ليسعدنا .. تفضلا منه بلا جزاء .
(13) الطهور : النقاء من الدنس والنجس .
(14) التمحيص : التخليص مما فيه عيب .. التخليص من الذنوب .
(15) الحرمات الموفورة : الاشياء التي يجب القيام بها ويحرم التفريط فيها .. الكثيرة .
(16) حجر : منع .
(17) الروح : جبريل (ع) .
(18) محجور : محظور .. محرم .
(19) اتم الطهور : الاتيان بالطهور على الوجه المفروض مع كمال الاحتياط ، و .. الطهور هنا .. بمعنى الطهارة .. يعم الغسل والوضوء وازالة النجس .
(20) اسبغه : الاتيان به على الوجه المسنون ، المستحب ، اضافة الى المفروض .
(21) تعصمنا فيه مما نستانف من العيوب : تحفظنا فيه مما نريد او نشارف ان نبداه من العيوب .

الصحيفة السجادية   ـ 69 ـ
  اءللهم صل على محمد وآله ، واذا كان لك في كل ليلة من ليالي شهرنا هذا رقاب يعتقها عفوك ، أو يهبها صفحك .. فاجعل ‏رقابنا من تلك الرقاب ، واجعلنا لشهرنا من خير أهل وأصحاب .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وامحق (1) ذنوبنا مع امحاق هلاله (2) ، واسلخ عنا تبعاتنا مع انسلاخ‏ أيامه (3) ، حتى ينقضي عنا وقد صفيتنا فيه من الخطيئات ، وأخلصتنا فيه من السيئات .
  اءللهم صل على محمد وآله ، وان ملنا فيه فعدلنا ، وان زغنا فيه فقومنا ، وان اشتمل علينا عدوك الشيطان فاستنقذنا منه .
  اءللهم اشحنه (4) بعبادتنا اياك ، وزين أوقاته بطاعتنا لك ، وأعنا في نهاره على صيامه ، وفي ليله على الصلاة ‏والتضرع اليك والخشوع لك ، والذلة بين يديك ، حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة ، ولا ليله بتفريط .
  اءللهم واجعلنا في سائر الشهور والايام كذلك ما عمرتنا ، واجعلنا من عبادك الصالحين ( الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) ، ومن الذين ( يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) .
  اءللهم صل على محمد وآله ، في كل وقت وكل أو ان وعلى كل حال عدد ما صليت على من صليت عليه ، وأضعاف ذلك‏ كله بالاضعاف التي لا يحصيها غيرك ، انك فعال لما تريد .

45 ـ في وداع شهر رمضان
  وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان اءللهم يا من لا يرغب في الجزاء ، ويا من لا يندم على العطاء ، ويا من لا يكافيء عبده على السوآء .. منتك ابتداء ، وعفوك ‏تفضل ، وعقوبتك عدل ، وقضاؤك خيرة ، ان أعطيت لم تشب (5) عطاءك بمن (6) ، وان منعت لم يكن منعك‏ تعديا ، تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك ، وتكافى من حمدك وأنت علمته حمدك ، تستر على من لو شئت فضحته ، وتجود على من لو شئت منعته ، كلاهما أهل منك للفضيحة والمنع ، غير أنك بنيت أفعالك على التفضل ، وأجريت قدرتك على التجاوز ، وتلقيت من عصاك بالحلم ، وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم ، تستنظرهم بأناتك الى الانابة (7) ، وتترك معاجلتهم الى التوبة ، لكيلا يهلك عليك هالكهم ، ولا يشقى بنعمتك ‏شقيهم .. الا عن طول الاعذار اليه ، وبعد ترادف الحجة عليه ، كرما من عفوك يا كريم ، وعائدة من عطفك يا حليم .
  أنت الذي فتحت لعبادك بابا الى عفوك ، وسميته التوبة ، وجعلت على ذلك الباب دليلا من وحيك لئلا يضلوا عنه ، فقلت تبارك اسمك : ( تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، فما عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب واقامة الدليل .
  وأنت الذي زدت في السوم (8) على نفسك لعبادك ، تريد ربحهم في متاجرتهم لك ، وفوزهم بالوفادة (9) عليك ، والزيادة منك ، فقلت تبارك اسمك وتعاليت : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) ، وقلت : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ) ، وقلت : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ) ، وما أنزلت من نظائرهن في‏ القرآن من تضاعيف الحسنات .
  وأنت الذي دللتهم بقولك من غيبك وترغيبك الذي فيه حظهم على ما سترته عنهم ، لم تدركه أبصارهم ، ولم تعه‏ أسماعهم (10) ، ولم تلحقه (11) أوهامهم (12) ، فقلت : ( اذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ) ، وقلت : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) ، وقلت : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (13) .
  فسميت دعاك عبادة ، وتركه استكبارا ، وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين ، فذكروك بمنك ، وشكرك ‏بفضلك ، ودعوك بأمرك ، وتصدقوا لك طلبا لمزيدك ، وفيها كانت نجاتهم من غضبك وفوزهم برضاك ، ولو دل مخلوق مخلوقا .. من نفسه .. على مثل الذي دللت عليه عبادك منك .. كان موصوفا بالاحسان ، ومنعوتا بالامتنان ، ومحمودا بكل لسان ، فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب ، وما بقي للحمد لفظ تحمد به ، ومعنى ينصرف اليه .
  يا من تحمد الى عباده بالاحسان والفضل ، وغمرهم بالمن (14) الطول (15) ، ما أفشى (16) فينا نعمتك ، وأسبغ (17) علينا منتك ، وأخصنا ببرك ! هديتنا لدينك الذي اصطفيت ، وملتك التي ارتضيت ، وسبيلك الذي ‏سهلت ، وبصرتنا الزلفة لديك (18) ، والوصول الى كرامتك .
  اءللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف وخصائص تلك الفروض .. شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الشهور ، وتخيرته من جميع الازمنة والدهور ، وآثرته (19)على كل أوقات السنة بما أنزلت فيه من القرآن والنور ، وضاعفت‏ فيه من الايمان ، وفرضت فيه من الصيام ، ورغبت فيه من القيام ، وأجللت فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، ثم آثرتنا (20) به على سائر الامم ، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل ، فصمنا بأمرك نهاره ، وقمنا بعونك ليله ، متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك ، وتسببنا اليه من مثوبتك .
  وأنت المليء بما رغب فيه اليك ، الجواد بما سئلت من فضلك ، القريب الى من حاول قربك ، وقد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد ، وصحبنا صحبة مبرور ، وأربحنا أفضل أرباح العالمين ، ثم قد فارقنا عند تمام وقته ، وانقطاع مدته ، ووفاء عدده ، فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا ، وغمنا (21) وأوحشنا انصرافه عنا ، ولزمنا له الذمام المحفوظ (22) ، والحرمة المرعية ، والحق المقضي ، فنحن قائلون : السلام عليك يا شهر اللّه الاكبر ، ويا عيد أوليائه ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الاوقات ، ويا خير شهر في الايام‏ والساعات .
**************************************************************
(1) وامحق : وامح .
(2) امحاق هلاله : ذهاب هلاله في آخر الشهر .. بحيث لا يكاد يرى لخفائه .
(3) واسلخ عنا تبعاتنا مع انسلاخ ايامه : وانزع عنا تبعاتنا مع انقضاء ايامه .
(4) اشحنه : املاه ... شهر رمضان .
(5) تشب : تخلط .. تمزج .
(6) بمن : بتكدير وتعيير تنكسر منه القلوب .
(7) تستنظرهم باناتك الى الانابة : تنتظرهم بتمهلك وعدم العجلة .. الى الرجوع اليك بالتوبة واخلاص العمل .
(8) السوم : الثمن .
(9) بالوفادة : بالقدوم .. بالورود .
(10) لم تعه اسماعهم : لم تحفظه آذانهم .
(11) لم تلحقه : لم تدركه .
(12) اوهامهم : الاوهام .. جمع .. وهم .. وهو : ما يقع في القلب من الخاطر .
(13) داخرين : اذلاء صاغرين .
(14) غمرهم بالمن : غطاهم بالنعمة .
(15) الطول : الفضل .. العطاء .
(16) افشى : اظهر .
(17) اسبغ : افيض واوسع .
(18) بصرتنا الزلفة لديك : عرفتنا القربة .. والمنزلة لديك .. لنطلبها .
(19) آثرته : فضلته .
(20) آثرتنا : اخترتنا وفضلتنا .
(21) غمنا : احزننا .
(22) الذمام المحفوظ : العهد الذي من حقه ان يحفظ .

الصحيفة السجادية   ـ 70 ـ
  السلام عليك من شهر قربت فيه الامال ، ونشرت فيه الاعمال ، السلام عليك من قرين جل قدره موجودا ، وأفجع (1) فقده مفقودا ، ومرجو آلم فراقه .
  السلام عليك من أليف آنس مقبلا فسر ، وأوحش منقضيا فمض (2) ، السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب ، وقلت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان ، وصاحب سهل سبل الاحسان .
  السلام عليك ما أكثر عتقاء اللّه فيك ، وما أسعد من رعى حرمتك بك ! ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب ، وأسترك‏ لانواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين .
  السلام عليك من شهر لا تنافسه الايام (3) ، السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام (4)، السلام عليك غير كريه المصاحبة ، ولا ذميم الملابسة ، السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات وغسلت عنا دنس الخطيئات ، السلام‏عليك غير مودع برما (5) ، ولا متروك صيامه سأما (6) .
  السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، ومحزون عليه قبل فوته ، السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا ، وكم من خير افيض بك علينا ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالامس عليك ، وأشد شوقنا غدا اليك ، السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه ، وعلى ‏ماض من بركاتك سلبناه .
  اءللهم انا أهل هذا الشهر الذي شرفتنا به ، ووفقتنا بمنك له حين جهل الاشقياء وقته وحرموا لشقائهم فضله ، أنت ولي ماآثرتنا به من معرفته ، وهديتنا له من سنته ، وقد تولينا بتوفيقك صيامه وقيامه على تقصير ، وأدينا فيه قليلا من كثير .
  اءللهم فلك الحمد اقرارا بالاساءة واعترافا بالاضاعة (7) ، ولك من قلوبنا عقد الندم ومن ألسنتنا صدق الاعتذار ، فأجرنا على ما أصابنا فيه من التفريط .. أجرا نستدرك به الفضل المرغوب فيه ، ونعتاض (8) به من أنواع ‏الذخر (9) المحروص عليه ، وأوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك ، وابلغ بأعمارنا ما بين أيدينا من شهر رمضان المقبل ، فاذا بلغتناه فأعنا على تناول ما أنت أهله من العبادة ، وأدنا الى القيام بما يستحقه من الطاعة ، وأجر لنا من صالح العمل ما يكون درك الحقك في الشهرين من شهور الدهر .
  اءللهم وما ألممنا (10) به في شهرنا هذا من لمم (11) أو اثم (12) ، أو واقعنا فيه من ذنب ، واكتسبنا فيه من ‏خطيئة على تعمد منا أو انتهكنا (13) به حرمة (14) من غيرنا ، فصل على محمد وآله ، واسترنا بسترك ، واعفو ‏عنا بعفوك ، ولا تنصبنا (15) لاعين الشامتين (16) ، ولا تبسط علينا فيه ألسن الطاغين ، واستعملنا بما يكون حطة ‏وكفارة لما أنكرت منا فيه ، برأفتك التي لا تنفد (17) ، وفضلك الذي لا ينقص .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واجبر مصيبتنا بشهرنا ، وبارك لنا في يوم عيدنا وفطرنا ، واجعله من خير يوم مر علينا ، أجلبه ‏لعفو، وأمحاه لذنب ، واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن .
  اءللهم اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا (18) ، وأخرجنا بخروجه من سيئاتنا ، واجعلنا من أسعد أهله به ، وأجزلهم قسما فيه ، وأوفرهم حظا منه .
  اءللهم ومن رعى هذا الشهر حق رعايته ، وحفظ حرمته حق حفظها ، وقام بحدوده حق قيامها ، واتقى ذنوبه حق‏ تقاتها (19) ، أو تقرب اليك بقربة أوجبت رضاك له ، وعطفت رحمتك عليه .. فهب لنا مثله من وجدك ، وأعطنا أضعافه من فضلك ، فان فضلك لا يغيض (20) ، وان خزآئنك لا تنقص بل تفيض (21) ، وان معادن احسانك لا تفنى ، وان عطاءك للعطا‏ء المهنا .
  اءللهم صل على محمد وآله ، واكتب لنا مثل اجور من صامه أو تعبد لك فيه الى يوم القيامة.
  اءللهم انا نتوب اليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمؤمنين عيدا وسرورا ولاهل ملتك مجمعا ومحتشدا .. من كل ذنب‏ أذنبناه ، أو سوء أسلفناه (22) ، أو خاطر شر أضمرناه .. توبة من لا ينطوي على رجوع الى ذنب ، ولا يعود بعدها في ‏خطيئة ، توبة نصوحا (23) خلصت من الشك والارتياب ، فتقبلها منا ، وارض عنا ، وثبتنا عليها .
  اءللهم ارزقنا خوف عقاب الوعيد ، وشوق ثواب الموعود ، حتى نجد لذة ما ندعوك به ، وكبة (24) ما نستجيرك منه ، واجعلنا عندك من التوابين الذين أوجبت لهم محبتك ، وقبلت منهم مراجعة طاعتك ، يا أعدل العادلين .
  اءللهم تجاوز عن آبائنا وامهاتنا وأهل ديننا جميعا من سلف منهم ومن غبر الى يوم القيامة ، اءللهم صل على محمد نبينا وآله .. كما صليت على ملائكتك المقربين ، وصل عليه وآله .. كما صليت على أنبيائك ‏المرسلين، وصل عليه وآله .. كما صليت على عبادك الصالحين وأفضل من ذلك يا رب العالمين ، صلاة تبلغنا بركتها ، وينالنا نفعها ، ويستجاب لها دعؤنا ، انك أكرم من رغب اليه ، وأكفى من توكل عليه ، وأعطى من سأل من فضله ، وأنت على كل شيء قدير .

**************************************************************
(1) افجع : احزن .
(2) فمض : فآلم واوجع .
(3) لا تنافسه الايام : لا تباريه ولا تعارضه الايام .. في فضله .. اذ كان افضل الشهور ، كما روي .
(4) من كل امر سلام : سلامة من كل امر .
(5) برما : ضجرا .
(6) ساما : ملالة .
(7) بالاضاعة : بالاهمال والتقصير في الاعمال اللازمة والمستحبة .. في رمضان .
(8) نعتاض : ناخذ العوض .
(9) الذخر : المراد هنا .. الثواب .
(10) الممنا : باشرنا .
(11) لمم : صغائر الذنوب .. بجهالة .. او بعدم اصرار .
(12) اثم : خطيئة .
(13) انتهكنا : استحللنا .. واذهبنا .
(14) حرمة : ما وجب القيام به من حقوق ، وحرم التفريط به .
(15) لا تنصبنا : لا تقيمنا وترفعنا .
(16) الشامتين : المسرورين بمصيبتنا ومكروهنا .
(17) لا تنفد : لا تفنى .. ولا تنقطع .
(18) اسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا : انزعنا مع مضي هذا الشهر من خطايانا .. امحها ، واغفرها .
(19) اتقى ذنوبه حق تقاتها : تحفظ واحترس من ذنوبه كما يحق وكما يجب ان يحتفظ ويحترس منها .. وذلك بأداء كل ما فرض اللّه وترك كل ما حرم .
(20) لا يغيض : لا ينفد .
(21) تفيض : تكثر وتتسع .
(22) اسلفناه : قدمناه .
(23) نصوحا : صادقة في ترك الذنوب .. خالصة لوجه اللّه وحده .
(24) كبة : غم وسوء حال من حزن .

  وكان من دعائه عليه السلام في يوم الفطر اذا انصرف من فقال : صلاته .. قام قائما ثم استقبل القبلة ، وفي الجمعة .. يا من يرحم من لا يرحمه العباد ، ويا من يقبل من لا تقبله البلاد ، ويا من لا يحتقر أهل الحاجة اليه ، ويا من لا يخيب‏ الملحين عليه (1) ، ويا من لا يجبه بالرد أهل الدالة عليه (2) .
  يا من يجتبي صغير ما يتحف به (3) ، ويشكر يسير ما يعمل له ، ويا من يشكر على القليل ، ويجازي بالجليل ، ويا من ‏يدنو الى من دنا منه ، ويا من يدعو الى نفسه من أدبر عنه ، ويا من لا يغير النعمة ، ولا يبادر بالنقمة (4) ، ويا من يثمر الحسنة حتى ينميها ، ويتجاوز عن السيئة حتى يعفيها .
  انصرفت الامال دون مدى كرمك بالحاجات (5) ، وامتلات بفيض جودك أوعية الطلبات ، وتفسخت دون بلوغ ‏نعتك الصفات ، (6) فلك العلو الاعلى فوق كل عال ، والجلال الامجد فوق كل جلال ، كل جليل عندك صغير ، وكل شريف في جنب شرفك ‏حقير .
  خاب الوافدون على غيرك ، وخسر المتعرضون (7) الا لك ، وضاع الملمون الا بك (8) ، وأجدب المنتجعون ‏الا من انتجع فضلك (9) ، بابك مفتوح للراغبين ، وجودك مباح للسائلين ، واغاثتك (10) قريبة من المستغيثين ، لا يخيب منك الاملون ، ولا ييأس من عطائك المتعرضون ، ولا يشقى بنقمتك المستغفرون ، رزقك مبسوط (11) لمن عصاك ، وحلمك معترض ‏لمن ناواك (12) ، عادتك الاحسان الى المسيئين ، وسنتك الابقاء على المعتدين ، حتى لقد غرتهم أناتك (13) عن الرجوع ، وصدهم امهالك عن النزوع (14) ، وانما تأنيت بهم ليفيئوا (15) الى أمرك ، وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك ، فمن كان من أهل السعادة .. ختمت له بها ، ومن كان من أهل الشقاوة .. خذلته لها ، كلهم صائرون الى حكمك ، وامورهم آئلة (16) الى أمرك ، لم يهن على طول مدتهم سلطانك ، ولم يدحض لترك‏ معاجلتهم برهانك ، حجتك قائمة لا تدحض (17) ، وسلطانك ثابت لا يزول ، فالويل الدائم لمن جنح عنك ، والخيبة الخاذلة لمن خاب ‏منك ، والشقاء الاشقى لمن اغتر بك (18) ، ما أكثر تصرفه في عذابك ، وما أطول تردده في عقابك ، وما أبعد غايته من‏ الفرج ، وما أقنطه من سهولة المخرج !! عدلا من قضائك لا تجور فيه ، وانصافا من حكمك لا تحيف (19) عليه ، فقد ظاهرت (20) الحجج ، وأبليت‏ اعذار (21) ، وقد تقدمت بالوعيد ، وتلطفت في الترغيب ، وضربت الامثال ، وأطلت الامهال ، أخرت وأنت ‏مستطيع للمعاجلة ، وتأنيت وأنت مليء بالمبادرة ، لم تكن أناتك عجزا ، ولا امهالك وهنا (22) ، ولا امساكك غفلة ، ولا انتظارك مداراة (23) ، بل لتكون حجتك ‏أبلغ، وكرمك أكمل ، واحسانك أوفى، ونعمتك أتم، كل ذلك كان ولم تزل ، وهو كائن ولا تزال ، حجتك أجل من أن توصف بكلها ، ومجدك أرفع من أن تحد بكنهه ، ونعمتك أكثر من أن تحصى بأسرها ، احسانك‏ أكثر من أن تشكر على أقله ، وقد قصر بي السكوت عن تحميدك ، وفههني (24)الامساك عن تمجيدك ، وقصا راي الاقرار بالحسور (25) لا رغبة يا الهي بل عجزا ، فها أنا ذا أؤمك بالوفادة (26) ، وأسألك حسن الرفادة (27) .
  فصل على محمد وآله ، واسمع نجواي (28) ، واستجب دعئي ، ولا تختم يومي بخيبتي ، ولا تجبهني بالرد في ‏مسألتي ، وأكرم من عندك منصرفي ، واليك منقلبي ، انك غير ضائق بما تريد ، ولا عاجز عما تسأل ، وأنت على كل شيء قدير ، ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي العظيم.

**************************************************************
(1) لا يخيب الملحين عليه : لا يرجع المداومين الملازمين لسؤاله .. بلا نجاح ... بل يتفضل باجابتهم .
(2) يا من لا يجبه بالرد اهل الدالة عليه : لا يستقبل بالرد المنبسطين معه .. ثقة بعملهم او برضاه ـ سبحانه ـ عنهم .
(3) يجتبي صغير ما يتحف به : يختار ويقبل صغير ، القدر والمنزلة ، ما يخصص به من الاعمال .. قربة اليه تعالى .
(4) لا يبادر بالنقمة : لا يسرع بالعقاب .. بل يمهل المذنب لعله يتوب .
(5) انصرفت الامال دون مدى كرمك بالحاجات : رجعت الامال بقضاء الحاجات قبل وصولها الى منتهى كرمك .. اذ لا غاية لكرمك .
(6) تفسخت دون بلوغ نعتك الصفات : عجزت الصفات قبل بلوغ نعتك .. صفتك .. ، كما انت اهله .
(7) المتعرضون : المتصدون الطالبون .. للفضل .
(8) ضاع الملمون الا بك : هلك النازلون الا النازلين عندك ، لان القربى منك ومن تعاليمك سبيل نجاح وسلامة .
(9) اجدب المنتجعون الا من انتجع فضلك : قحط طالبو المعروف الا من طلب فضلك .
(10) اغاثتك : عونك .
(11) مبسوط : موسع .
(12) ناواك : عاداك .
(13) اناتك : انتظارك وتمهلك .
(14) صدهم امهالك عن النزوع : صرفهم انظارك ، وعدم معاجلتك لهم ، عن الكف .. عن الخطا .
(15) ليفيئوا : ليرجعوا .
(16) آئلة : راجعة .
(17) لا تدحض : لا تبطل .
(18) اغتر بك : ظن الامن بامهالك .. فاجترا بعمل المعاصي .
(19) لا تحيف : لا تجور .
(20) ظاهرت : تابعت .
(21) ابليت الاعذار : بينت الادلة التي تقوم بالعذر عند عقاب العصاة .
(22) وهنا : ضعفا .
(23) مداراة : اتقاء لشر المذنبين .
(24) فههني : اعجزني .
(25) قصا راي الاقرار بالحسور : منتهى امري اعترافي بالضعف .
(26) اؤمك بالوفادة : اقصدك قادما لطلب فضلك وثوابك .
(27) الرفادة : الاعانة .
(28) اسمع نجواي : تقبل دعائي لك سرا .

الصحيفة السجادية   ـ 72 ـ

47 ـ في يوم عرفة
  وكان من دعائه عليه السلام في يوم عرفة الحمد للّه رب العالمين ، اءللهم لك الحمد بديع (1) السموات والارض، ذا الجلال والاكرام ، رب الارباب ، واله كل‏ ماءلوه (2) ، وخالق كل مخلوق ، ووارث كل شيء ، ليس كمثله شيء ، ولا يعزب (3) عنه علم شيء ، وهو محيط ، وهو على كل شيء رقيب ، أنت اللّه لا اله الا أنت ، الاحد المتوحد ، الفرد المتفرد ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، الكريم (4) المتكرم (5) ، العظيم (6) المتعظم (7) ، الكبير المتكبر ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، العلي (8) المتعالي (9) ، لشديدالمحال (10) ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، الرحمن الرحيم ، العليم الحكيم ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، السميع البصير ، القديم الخبير ، أنت ‏اللّه لا اله الا أنت ، الكريم الاكرم ، الدائم الادوم ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، الاول قبل كل أحد ، والاخر بعد كل عدد (11) ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، الداني في‏علوه (12) ، والعالي في دنوه ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، ذو البهاء والمجد ، والكبرياء والحمد ، وأنت اللّه لا اله الا أنت ، الذي أنشأت الاشياء من غير سنخ (13) ، وصورت ما صورت من غير مثال ، وابتدعت (14) المبتدعات بلا احتذاء (15) ، أنت الذي قدرت كل شيء تقديرا ، ويسرت كل شيء تيسيرا ، ودبرت ما دونك تدبيرا ، وأنت الذي لم يعنك على ‏خلقك شريك ، ولم يوازرك في أمرك وزير ، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير ، أنت الذي أردت .. فكان حتما ما أردت ، وقضيت .. فكان عدلا ما قضيت ، وحكمت .. فكان نصفا ما حكمت ، أنت الذي لا يحويك مكان ، ولم يقم لسلطانك سلطان ، ولم يعيك (16) برهان ولا بيان ، أنت الذي أحصيت كل ‏شيء عددا ، وجعلت لكل شيء أمدا (17) ، وقدرت كل شيء تقديرا ، أنت الذي قصرت الاوهام عن ذاتيتك ، وعجزت الافهام عن كيفيتك ، ولم تدرك الابصار موضع أينيتك .
  أنت الذي لا تحد فتكون محدودا ، ولم تمثل فتكون موجودا ، ولم تلد فتكون مولودا ، أنت الذي لا ضد معك فيعاندك ، ولا عدل لك فيكاثرك ، ولا ند لك فيعارضك ، أنت الذي ابتداء ، واخترع ، واستحدث ، وابتدع ، وأحسن صنع ما صنع ، سبحانك ! ما أجل شأنك ، وأسنى (18) في الاماكن مكانك ، وأصدع (19) بالحق فرقانك ! سبحانك من لطيف ما ألطفك ، ورؤوف ما أرأفك ، وحكيم ما أعرفك ، سبحانك من مليك ما أصنعك ، وجواد ما أوسعك ، ذو البهاء والمجد والكبرياء والحمد ، سبحانك بسطت (20) بالخيرات يدك (21) ، وعرفت الهداية من عندك ، فمن التمسك لدين .. أو دنيا .. وجدك ، سبحانك خضع لك من جرى في علمك ، وخشع لعظمتك ما دون عرشك ، وانقاد للتسليم لك كل خلقك ، سبحانك لا تحس (22) ولا تجس ولا تمس ولا تكاد (23) ولا تماط (24) ولا تنازع ولا تجارى ولا تمارى (25) ولا تخادع ولا تماكر ، سبحانك سبيلك جدد ، وأمرك رشد ، وأنت حي صمد (26) ، سبحانك قولك حكم ، وقضاؤك حتم ، وارادتك عزم ، سبحانك لا راد لمشيتك ، ولا مبدل لكلماتك ، سبحانك باهر (27) الايات ، فاطر (28) السموات ، بارىء النسمات (29) ، لك الحمد حمدا يدوم بدوامك ، ولك الحمد حمدا خالدا بنعمتك ، ولك الحمد حمدا يوازي صنعك ، ولك الحمد حمدا يزيد على رضاك ، ولك الحمد حمدا مع حمد كل حامد ، وشكرا يقصر عنه شكر كل شاكر ... حمدا لا ينبغي الا لك ، ولا يتقرب به الا اليك ، حمدا يستدام به الاول ، ويستدعى به دوام الاخر ، حمدا يتضاعف على كرور الازمنة ، ويتزايد أضعافا مترادفة ، حمدا يعجز عن احصئه الحفظة ، ويزيد على ما أحصته في ‏كتابك الكتبة ، حمدا يوازن عرشك المجيد ، ويعادل كرسيك الرفيع ، حمدا يكمل لديك ثوابه ، ويستغرق كل جزاء جزاؤه ، مدا ظاهره وفق لباطنه ، وباطنه وفق لصدق النية ، حمدا لم يحمدك خلق مثله ،

**************************************************************
(1) بديع : مبدع .. موجد .. من غير مثال سابق .
(2) مالوه : معبود .. من دونه تعالى .. كالاصنام وما اشبه .
(3) لا يعزب : لا يغيب .
(4) الكريم : ذو الكرم والجود .
(5) المتكرم : البليغ الكرم .. المتنزه عما لا يليق بجنابه الاقدس .
(6) العظيم : الذي جل عن حدود العقول ، حتى لا يتصور الاحاطة بكنهه وحقيقته .
(7) المتعظم : البليغ العظمة .
(8) العلي : الذي رتبته اعلى المراتب .
(9) المتعالي : البليغ في العلو .
(10) المحال : العقوبة .
(11) عدد : معدود .. وهو يشمل كل ما سوى اللّه .
(12) الداني في علوه : القريب ، بالعلم والقدرة ، الى الاشياء .. مع انه عال في ذاته ، رفيع عن الاشياء ، لا يشبهه شيء ، في .. هنا بمعنى .. مع .
(13) سنخ : اصل .
(14) ابتدعت : انشات بلا مثال سابق .
(15) بلا احتذاء : بلا اقتداء .. بشي‏ء سبق .
(16) يعيك : يعجزك .
(17) امدا : منتهى ينتهى اليه .
(18) اسنى : ارفع .. اعلى .
(19) اصدع : اظهر واجهر .
(20) بسطت : مددت .
(21) بسط اليد .. هنا .. كناية عن جوده تعالى ، ولا يراد حقيقة اليد ومدها ، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا .
(22) لا تجس : لا تمس باليد .
(23) لا تكاد : لا تخدع .
(24) لا تماط : لا تنحى .. ولا تبعد .
(25) لا تمارى : لا تجادل .
(26) صمد : يقصد اليك في الحاجات .. وانت غني عن العالمين .
(27) باهر الايات : صاحب الايات الغالبة ، و .. الايات .. الادلة .
(28) فاطر : مبدع وخالق .. من .. غير مثال سابق .
(29) بارى النسمات : خالق النفوس .

الصحيفة السجادية   ـ 73 ـ
   ولا يعرف أحد سواك فضله ، حمدا يعان من اجتهد في تعديده (1) ، ويؤيد من أغرق نزعا في توفيته (2) ، حمدا يجمع ما خلقت من‏ الحمد ، وينتظم ما أنت خالقه من بعد ، حمدا لا حمد أقرب الى قولك منه ، ولا احمد ممن يحمدك به ، حمدا يوجب بكرمك المزيد بوفوره ، وتصله بمزيد بعد مزيد طولا منك ، حمدا يجب لكرم وجهك ، ويقابل عز جلالك ، رب صل على محمد وآل محمد المنتجب المصطفى المكرم المقرب .. افضل صلواتك ، وبارك عليه اتم بركاتك ، وترحم عليه أمتع رحماتك ، رب صل على محمد وآله .. صلاة (3) زاكية لا تكون صلاة أزكى منها ، وصل عليه صلاة نامية لا تكون صلاة أنمى ‏منها، وصل عليه صلاة راضية لا تكون صلاة فوقها ، رب صل على محمد وآله .. صلاة ترضيه وتزيد على رضاه ، وصل عليه صلاة ترضيك وتزيد على رضاك له (4) ، وصل عليه صلاة لا ترضى له الا بها ولا ترى غيره لها أهلا ، رب صل على محمد وآله .. صلاة تجاوز رضوانك ، ويتصل اتصالها ببقئك ، ولا ينفد كما لا تنفد كلماتك ، رب صل على محمد وآله .. صلاة تنتظم صلوات ملائكتك وأنبيآئك ورسلك وأهل طاعتك ، وتشتمل على صلوات ‏عبادك من جنك وانسك وأهل اجابتك ، وتجتمع على صلاة كل من ذرأت (5) وبرأت (6) من أصناف ‏خلقك.
  رب صل عليه وآله .. صلاة تحيط بكل صلاة سالفة ومستأنفة ، وصل عليه وعلى آله .. صلاة مرضية لك ولمن دونك ، وتنشى مع ذلك صلاة تضاعف معها تلك الصلوات عندها ، وتزيدها على كرور الايام زيادة في تضاعيف لا يعدها غيرك ، رب صل على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لامرك ، وجعلتهم خزنة علمك ، وحفظة دينك ، وخلفاءك في أرضك ، وحججك على عبادك ، وطهرتهم من الرجس (7) والدنس (8) تطهيرا بارادتك ، وجعلتهم الوسيلة اليك ، والمسلك الى جنتك ، رب صل على محمد وآله .. صلاة تجزل لهم بها من نحلك (9) وكرامتك ، وتكمل لهم الاشياء من عطاياك ‏ونوافلك ، وتوفر عليهم الحظ من عوائدك فوائدك ، رب صل عليه وعليهم .. صلاة لا أمد في أولها ، ولا غاية لامدها ، ولا نهاية لاخرها ، رب صل عليهم زنة عرشك وما دونه ، وملىء سمواتك وما فوقهن ، وعدد أرضيك وما تحتهن وما بينهن .. صلاة تقربهم منك زلفى (10) ، وتكون لك ولهم ‏رضى ، ومتصلة بنظائرهن أبدا .
  اءللهم انك أيدت دينك في كل أوان بامام أقمته علما لعبادك ، ومنارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك ، والذريعة ‏الى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذرت معصيته ، وأمرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وإلا يتقدمه متقدم ، ولا يتأخر عنه متأخر ، فهو عصمة اللائذين (11) ، وكهف (12) المؤمنين ، وعروة المستمسكين ، وبهاء العالمين .
  اءللهم فأوزع (13) لوليك شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه (14) ، وآته من لدنك سلطانا نصيرا ، وافتح له‏ فتحا يسيرا ، وأعنه بركنك الاعز ، واشدد أزره ، وقو عضده ، وراعه بعينك ، واحمه بحفظك ، وانصره بملائكتك ، وامدده ‏بجندك الاغلب ، وأقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك اللهم عليه وآله ، وأحيي به ما أماته الظالمون من معالم دينك ، واجل به صداء الجور (15) عن طريقتك ، وأبن به الضرآء (16) من ‏سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق (17) به بغاة قصدك عوجا ، وألن جانبه لاوليائك ، وابسط يده على ‏أعدائك، وهب لنا رأفته ورحمته وتعطفه وتحننه ، واجعلنا له سامعين مطيعين ، وفي رضاه ساعين ، والى نصرته والمدافعة عنه مكنفين (18) ، واليك والى رسولك‏ صلواتك اللهم عليه وآله بذلك متقربين .
  اءللهم وصل على أوليائهم المعترفين بمقامهم ، المتبعين منهجهم ، المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسكين ‏بولايتهم ، المؤتمين بامامتهم ، المسلمين لامرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيامهم ، المادين اليهم أعينهم .. الصلوات المباركات الزاكيات الناميات الغاديات الرائحات ، وسلم عليهم وعلى أرواحهم ، واجمع على التقوى أمرهم ، وأصلح لهم شؤونهم ، وتب عليهم ، انك أنت التواب الرحيم ، وخير الغافرين ، واجعلنا معهم في دار السلام ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

**************************************************************
(1) تعديده : تكثيره وتوفيره .
(2) يؤيد من اغرق نزعا في توفيته : حمدا .. تؤيد العناية الالهية من بالغ في ايفائه ـ الحمد ـ حقه الذي يجب له .. من اخلاص النية والاداب ، و .. اغرق نزعا .. هنا .. على نحو الاستعارة ، واصل اغراق النزع .. استيفاء الرامي لمد القوس .. لابعاد السهم .
(3) صلاة : رحمة وثناء .
(4) تزيد على رضاك له : تزيد على القدر الذي ترضاه انت لمثل الرسول‏ص .
(5) ذرات : خلقت .
(6) برات : خلقت .. من غير مثال .. للتاكيد .
(7) الرجس : الذنب .. المعصية .
(8) الدنس : الوسخ .. العيب .
(9) نحلك : عطاياك .. على سبيل التبرع .
(10) زلفى : قربى .. منزلة .
(11) عصمة اللائذين : ملجا اللاجئين .. مانع لمن لاذ به والتجأ اليه .
(12) كهف : ملجا .
(13) فاوزع : فالهم .
(14) واوزعنا مثله فيه : الهمنا شكر ما انعمت علينا بسببه .. كما تلهمه .
(15) واجل به صدا : واكشف به الفساد .
(16) ابن به الضراء : اقطع .. افصل به المضرة والشدة .
(17) وامحق : امح .. اهلك .
(18) مكنفين : معينين .

الصحيفة السجادية   ـ 74 ـ
  اءللهم وهذا يوم عرفة يوم شرفته وكرمته وعظمته ، نشرت فيه رحمتك ، ومننت فيه بعفوك ، وأجزلت فيه عطيتك ، وتفضلت به على عبادك ، اءللهم وأنا عبدك الذي أنعمت عليه قبل خلقك له وبعد خلقك اياه ، فجعلته ممن هديته لدينك ، ووفقته لحقك ، وعصمته بحبلك ، وأدخلته في حزبك ، وأرشدته لموالاة أوليآئك ومعاداة أعدائك ، ثم أمرته فلم يأتمر ، وزجرته فلم‏ ينزجر (1) ، ونهيته عن معصيتك ، فخالف أمرك الى نهيك ، لا معاندة لك ، ولا استكبارا عليك ، بل دعاه هواه الى ما زيلته (2) ، والى ما حذرته ، وأعانه على ذلك عدوك وعدوه ، فأقدم عليه عارفا بوعيدك ، راجيا لعفوك ، واثقا بتجاوزك ، وكان أحق عبادك مع ما مننت عليه ألا يفعل ، وها أنا ذا بين يديك صاغرا ذليلا خاضعا خاشعا خائفا معترفا بعظيم من الذنوب تحملته وجليل من الخطايا اجترمته (3) ، مستجيرا بصفحك ، لائذا برحمتك ، موقنا أنه لا يجيرني منك مجير ، ولا يمنعني منك مانع ، فعد علي بما تعود به على من اقترف (4) من تغمدك (5) ، وجد علي بما تجود به على من ألقى بيده اليك‏ من عفوك ، وامنن علي بما لا يتعاظمك أن تمن به على من أملك من فرانك ، واجعل لي في هذا اليوم نصيبا أنال ‏به حظا من رضوانك ، ولا تردني صفرا مما ينقلب به المتعبدون لك من عبادك ، واني وان لم اقدم ما قدموه من الصالحات فقد قدمت ‏توحيدك ونفي الاضداد والانداد والاشباه عنك ، وأتيتك من الابواب التي أمرت أن تؤتى منها ، وتقربت اليك بما لايقرب أحد منك الا بالتقرب به .
  ثم أتبعت ذلك بالانابة (6) اليك ، والتذلل والاستكانة (7) لك ، وحسن الظن بك ، والثقة بما عندك ، وشفعته ‏برجئك (8) الذي قل ما يخيب عليه راجيك ، وسألتك مسألة الحقير الذليل البائس الفقير الخائف المستجير ، ومع ذلك خيفة وتضرعا وتعوذا وتلوذا ، لا مستطيلا بتكبر المتكبرين ، ولا متعاليا بدالة المطيعين (9) ، ولا مستطيلا بشفاعة الشافعين ، وأنا بعد أقل الاقلين ، وأذل ‏الاذلين، ومثل الذرة أو دونها .
  فيا من لم يعاجل المسيئين ، ولا ينده المترفين (10) ، ويا من يمن باقالة العاثرين (11) ، ويتفضل بانظار (12) الخاطئين .. أنا المسيء المعترف الخاطيء العاثر ، أنا الذي أقدم عليك مجترئا ، أنا الذي عصاك متعمدا ، أنا الذي‏استخفى من عبادك وبارزك ، أنا الذي هاب عبادك وأمنك ، أنا الذي لم يرهب سطوتك ولم يخف بأسك ، أنا الجاني على نفسه ، أنا المرتهن ‏ببليته (13) ، أنا القليل الحياء ، أنا الطويل العناء ، بحق من انتجبت من خلقك ، وبمن اصطفيته لنفسك ، بحق من اخترت من بريتك ومن اجتبيت لشأنك ، بحق من ‏وصلت طاعته بطاعتك ، ومن جعلت معصيته كمعصيتك ، بحق من قرنت موالاته بموالاتك ومن نطت معاداته ‏بمعاداتك (14) ، تغمدني (15) في يومي هذا بما تتغمد به من جاء (16) اليك متنصلا (17) ، وعاذ باستغفارك تائبا ، وتولني بما تتولى به أهل طاعتك والزلفى (18) لديك والمكانة منك ، وتوحدني بما تتوحد به من وفى بعهدك ، وأتعب نفسه في ذاتك ، وأجهدها في مرضاتك ، ولا تؤاخذني بتفريطي في جنبك ، وتعدي طوري في حدودك ، ومجاوزة أحكامك ، ولا تستدرجني (19) باملائك (20) لي .. استدراج من منعني خير ما عنده ، ولم يشركك في حلول نعمته بي .

**************************************************************
(1) وزجرته فلم ينزجر : منعته ، عن المحرمات ، فلم يمتنع .
(2) زيلته : نحيته من المحرمات والمناهي .
(3) اجترمته : عملته .
(4) اقترف : فعل .. الذنب .
(5) تغمدك : عفوك .. سترك .. للذنب .
(6) بالانابة اليك : بالرجوع اليك .. بالتوبة .
(7) الاستكانة : الخضوع والتضرع .
(8) شفعته برجائك : ضممت ذلك الى رجائك .
(9) بدالة المطيعين : باتكال المطيعين على اعمالهم ، ظنا بانها هي التي تنجيهم .
(10) لا ينده المترفين : لا يزجر المتنعمين المتوسعين في ملاذ الدنيا وشهواتها .. اختبارا .. وعساهم يسلكوا الطريق السوي .
(11) يا من يمن باقالة العاثرين : يا من يتفضل بمسامحة الزالين .. عند توبتهم .. تفضلا .
(12) بانظار : بامهال .
(13) انا المرتهن ببليته : انا المحبوس ببلائه .. باختباره .. المقرون بعمله .
(14) ومن نطت معاداته بمعاداتك : ومن علقت معاداته بمعاداتك ، فمن عاداه عاداك .
(15) تغمدني : اغمرني .. واسترني .. بالعفو والغفران .
(16) جار : تضرع ورفع صوته بالدعاء .
(17) متنصلا : متبرئا .
(18) الزلفى : القرب .. المنزلة .
(19) لا تستدرجني : لا تكلني الى نفسي فاقدم نحو العصيان درجة درجة .. مع تجديدك النعمة لي .. واستحق العقاب .. لتمادي العصيان .
(20) باملائك : بامهالك .

الصحيفة السجادية   ـ 75 ـ
  ونبهني من رقدة (1) الغافلين ، وسنة (2) المسرفين ، ونعسة (3) المخذولين ، وخذ بقلبي الى مااستعملت به القانتين ، واستعبدت به المتعبدين ، واستنقذت به المتهاونين ، وأعذني مما يباعدني عنك ، ويحول بيني ‏وبين حظي منك ، ويصدني عما احاول لديك ، وسهل لي مسلك الخيرات اليك ، والمسابقة اليها من حيث أمرت ، والمشاحة فيها (4) على ما أردت ، ولا تمحقني (5) فيمن تمحق من المستخفين بما أوعدت ، ولا تهلكني مع من تهلك من المتعرضين لمقتك ، ولا (6) تتبرني فيمن تتبر من المنحرفين عن سبلك ، ونجني من غمرات الفتنة (7) ، وخلصني من لهوات البلوى (8) ، وأجرني من أخذ الاملاء ، وحل بيني وبين‏عدو يضلني ، وهوى يوبقني (9) ، ومنقصة ترهقني (10) ، ولا تعرض عني اعراض من لا ترضى عنه بعد غضبك ، ولا تؤيسني من الامل فيك ، فيغلب علي القنوط من رحمتك ، ولا تمنحني بما لا طاقة لي به ، فتبهظني (11) مما تحملنيه من فضل محبتك ، ولا ترسلني من يدك ارسال من لا خير فيه ، ولا حاجة بك اليه ، ولا انابة له (12) ، ولا ترم بي رمي من سقط من عين ‏رعايتك ، ومن اشتمل عليه الخزي من عندك .   بل خذ بيدي من سقطة المتردين (13) ، ووهلة المتعسفين (14) ، وزلة المغرورين ، وورطة الهالكين ، وعافني ‏مما ابتليت به طبقات عبيدك وألآئك ، وبلغني مبالغ من عنيت به ، وأنعمت عليه ، ورضيت عنه ، فأعشته حميدا ، وتوفيته سعيدا ، وطوقني طوق الاقلاع عما يحبط الحسنات ، ويذهب بالبركات ، وأشعر قلبي الازدجار (15) عن قبائح السيئات ، وفواضح الحوبات (16) ، ولا تشغلني بما لا ادركه الا بك عما لا يرضيك عني غيره ، وانزع من قلبي حب دنيا دنية ، تنهى عما عندك ، وتصد عن‏ ابتغاء الوسيلة اليك ، وتذهل عن التقرب منك ، وزين لي التفرد بمناجاتك بالليل والنهار ، وهب لي عصمة تدنيني من خشيتك ، وتقطعني عن ركوب محارمك ، وتفكني ‏من أسر العظائم (17) .
  وهب لي التطهير من دنس العصيان ، وأذهب عني درن الخطايا (18) ، وسربلني بسربال (19) عافيتك ، وردني ‏ردآء معافاتك (20) ، وجللني سوابغ نعمائك (21) ، وظاهر لدي (22) فضلك (23) وطولك ، وأيدني بتوفيقك وتسديدك (24) ، وأعني على صالح النية ، ومرضي القول ، ومستحسن العمل ، ولا تكلني الى حولي وقوتي دون حولك وقوتك ، ولا تخزني يوم تبعثني للقائك ، ولا تفضحني بين يدي أوليائك ، ولاتنسني ذكرك ، ولا تذهب عني شكرك ، بل ألزمنيه في أحوال السهو عند غفلات الجاهلين لآلائك (25) ، وأوزعني (26) أن اثني بما أوليتنيه (27) ، وأعترف بما أسديته (28) الي، واجعل رغبتي اليك فوق رغبة الراغبين .. وحمدي اياك فوق حمد الحامدين ، ولا تخذلني عند فاقتي اليك ، ولا تهلكني‏ بما أسديته اليك (29) ، ولا تجبهني (30) بما جبهت به المعاندين لك ، فاني لك مسلم ، أعلم أن الحجة لك ، وإنك أولى بالفضل ، وأعود بالاحسان ، وأهل التقوى ، وأهل المغفرة ، وأنك بأن ‏تعفو أولى منك بأن تعاقب ، وأنك بأن تستر أقرب منك الى أن تشهر .

**************************************************************
(1) رقدة : نومة .
(2) سنة : فتور يتقدم النوم .
(3) نعسة : .. اول النوم .. وقيل : النوم القليل .
(4) المشاحة فيها : التنافس فيها .. بان احاول ان لا يفوتني مسلك الخيرات .
(5) لا تمحقني : لا تهلكني .
(6) لا تتبرني : لا تهلكني .
(7) غمرات الفتنة : شدائد المحنة والابتلاء .
(8) لهوات البلوى : افواه البلاء ، .. و .. اللهوات .. جمع .. لهاة ، وهي .. اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى الفم .
(9) يوبقني : يهلكني .
(10) ترهقني : تغشاني وتلحقني .. مشقة .
(11) فتبهظني : فتثقلني .
(12) ولا انابة له : ولا رجوع له .. الى طاعتك .
(13) المتردين : الساقطين في هوة الضلالة .
(14) وهلة المتعسفين : غلطة ووهم السالكين على غير هداية وقصد .
(15) اشعر قلبي الازدجار : ادخل في قلبي الامتناع .. عن .
(16) فواضح الحوبات : الخطيئات الفاضحة .
(17) وتفكني من اسر العظائم : وتحفظني من الوقوع في اسر المصائب الشديدة والذنوب الكبيرة ، .. تفكني .. تخلصني .
(18) اذهب عني درن الخطايا : احفظني من الوقوع في الخطايا .. واثارها الوسخة .. وعواقبها .
(19) سربلني بسربال : البسني لباس .
(20) ردني رداء معافاتك : اجعل معافاتك بمنزلة الرداء لي .
(21) جللني سوابغ نعمائك : اغمرني بنعمك الواسعة .
(22) ظاهر لدي : تابع علي .
(23) طولك : عطاءك .. سعتك .
(24) تسديدك : تقويمك لمسيرتي .
(25) لالائك : لنعمك .
(26) اوزعني : الهمني .
(27) اوليتنيه : اعطيتنيه .
(28) اسديته : احسنته .
(29) لا تهلكني بما اسديته اليك : لا تهلكني بما عملته من الاعمال الصالحة وحسبت انه طاعة ، وهو في نفسه موجب للهلاك ، لعدم وقوعه على الوجه اللائق الموجب‏لحسنه في نفسه ، وكان مراده ع طلب الصفح على ما كان بهذا الشكل من الاعمال .. ان وقعت منه .
(30) لا تجبهني : لا تردني .

الصحيفة السجادية   ـ 76 ـ
  فأحيني حياة طيبة ، تنتظم (1) بما اريد ، وتبلغ ما احب من حيث لا آتي ما تكره ، ولا أرتكب ما نهيت عنه ، وأمتني ميتة من يسعى نوره بين يديه وعن يمينه ، وذللني بين يديك ، وأعزني عند خلقك ، وضعني اذا خلوت ‏بك (2) ، وارفعني بين عبادك ، وأغنني عمن هو غني عني ، وزدني اليك فاقة وفقرا ، وأعذني (3) من شماتة الاعداء ، ومن حلول البلاء ، ومن الذل والعناء ، تغمدني (4) فيما اطلعت عليه مني‏ بما يتغمد به القادر على البطش لولا حلمه ، والاخذ على الجريرة (5) لولا أناته (6) ، واذا أردت بقوم فتنة أو سوءا (7) فنجني منها لوذا بك (8) ، واذ لم تقمني مقام فضيحة في دنياك .. فلا تقمني مثله في آخرتك (9) ، واشفع لي أوائل مننك (10) ، أو اخرها ، وقديم فوائدك بحوادثها ، ولا تمدد لي مدا يقسو معه قلبي (11) ، ولا تقرعني قارعة يذهب لها بهئي (12) ، ولا تسمني (13) خسيسة يصغر لها قدري ، ولا نقيصة يجهل من أجلها مكاني ، ولا ترعني روعة ابلس بها (14) ، ولا خيفة أوجس ‏دونها.
  اجعل هيبتي في وعيدك ، وحذري من اعذارك وانذارك ، ورهبتي عند تلاوة آياتك ، واعمر ليلي بايقاظي فيه لعبادتك ، وتفردي بالتهجد لك ، وتجردي بسكوني اليك ، وانزال حوائجي بك ، ومنازلتي اياك (15) في فكاك رقبتي من ‏نارك ، واجارتي مما فيه أهلها من عذابك ، ولا تذرني في طغياني عامها (16) ، ولا في غمرتي ساهيا حتى حين (17) ، ولا تجعلني عظة لمن ‏اتعظ (18) ، ولا نكالا لمن اعتبر (19) ، ولا فتنة لمن نظر (20) ، ولا تمكر بي (21) فيمن تمكر به ، ولا تستبدل بي غيري ، ولا تغير لي اسما (22) ، ولا تبدل لي جسما (23) ، ولا تتخذني (24) هزوا لخلقك ، ولا سخريا لك (25) ، ولا تبعا الا لمرضاتك ، ولا ممتهنا الا بالانتقام لك (26) ، وأوجدني برد عفوك (27) ، وحلاوة رحمتك وروحك (28) وريحانك (29) ، وجنة نعيمك ، وأذقني‏ طعم الفراغ (30) لما تحب بسعة (31) من سعتك ، والاجتهاد فيما يزلف (32) لديك وعندك ، وأتحفني بتحفة من تحفاتك ، واجعل تجارتي رابحة وكرتي غير خاسرة ، وأخفني مقامك ، وشوقني لقاءك ، وتب علي ‏توبة نصوحا لا تبق معها ذنوبا صغيرة ولا كبيرة ، ولا تذر معها علانية ولا سريرة (33) ، وانزع الغل (34) من ‏صدري .. للمؤمنين ، واعطف بقلبي على الخاشعين (35) ، وكن لي كما تكون للصالحين ، وحلني حلية المتقين ، واجعل لي لسان صدق في الغابرين (36) ، وذكرا ناميا في الاخرين ، وواف بي عرصة الاولين (37) ، وتمم ‏سبوغ (38) نعمتك علي ، وظاهر (39) كراماتها لدي .

**************************************************************
(1) تنتظم : تتصل .
(2) ضعني اذا خلوت بك : اجعلني متواضعا لك اذا انفردت عن الخلق بمناجاتك .
(3) اعذني : احفظني .
(4) تغمدني : استرني .. بالعفو والغفران .
(5) الجريرة : الجناية والذنب .
(6) اناته : انتظاره وتمهله .
(7) فتنة او سوءا : ... بعد قيام الحجة عليهم واستيجابهم لذلك .
(8) لواذا بك : اعتصاما بك .. لائذا بك .
(9) اشفع لي : اضمم .. اضف لي .. كناية عن دوام النعمة وعدم انقطاعها .
(10) مننك : نعمك .
(11) لا تمدد لي مدا يقسو معه قلبي : لا تمهلني وتزيد في عمري .. في الغفلة والامل البعيد .. امهالا يؤدي الى قساوة قلبي بحيث لا يتاثر بالمواعظ .
(12) لا تقرعني قارعة يذهب لها بهائي : لا تصيبني ببلية .. بشدة يذهب لها جمالي وبهجتي .
(13) لا تسمني خسيسة : لا تلزمني ذلا .. حالة دنيئة .
(14) لا ترعني روعة ابلس بها : لا تخفني خيفة اياس واتحير بسببها .
(15) منازلتي اياك : مراجعتي اياك وسؤالي مرة بعد مرة .. في .
(16) لا تذرني في طغياني عامها : لا تمنع لطفك عني .. وتتركني في طغياني متحيرا مترددا ، والطغيان .. مجاوزة الحد .
(17) ولا في غمرتي ساهيا حتى حين : ولا تجعلني في ضلالتي غافلا عما امرت به وعما يراد بي الى وقت الموت ، حيث الحسرة والندامة التي لا تنفع .
(18) لا تجعلني عظة لمن اتعظ : لا تعاقبني حتى يتعظ بي غيري .
(19) ولا نكالا لمن اعتبر : ولا تعذبني حتى يعتبر غيري .
(20) ولا فتنة لمن نظر : ولا تجعلني فتنة .. يقع في الضلال عن الحق من نظر الي .
(21) لا تمكر بي : لا تكلني الى نفسي مع تجديدك النعمة لي .. فاقدم للعصيان واستحق العقاب .. لاستمراري بالعصيان .
(22) لا تغير لي اسما : لا تمح لي اسما من ديوان السعداء ، وتثبته في ديوان الاشقياء .
(23) ولا تبدل لي جسما : لا تغير لي جسما عن حاله بآفة في الدنيا .. او تشويه بالنار في الاخرة .
(24) لا تتخذني : لا تجعلني .
(25) ولا سخريا لك : ولا تنزل الهوان والحقارة بي .. اي .. الطف بي وامنعني من اسباب استحقاق الهوان .
(26) بالانتقام لك : بمعاقبة اعدائك .. لاجلك .
(27) اوجدني برد عفوك : اوجد لي طيب ولذة عفوك .
(28) روحك : راحتك واستراحتك .
(29) ريحانك : رزقك الطيب .
(30) الفراغ : الخلاص من الاشغال .
(31) بسعة : بغنى .
(32) والاجتهاد فيما يزلف : وبذل الجهد والطاقة فيما يقرب .
(33) لا تذر معها علانية ولا سريرة : لا تترك معها ما ظهر من الذنوب وما خفي منها .
(34) الغل : الحقد .
(35) الخاشعين : المنقطعين اليك .
(36) لسان صدق في الغابرين : ثناء حسنا في الاتين من بعدي .
(37) واف بي عرصة الاولين : اوصلني مجتمع الاولين ، السابقين الى الايمان والطاعة ، في وسط الجنة .
(38) سبوغ : اتساع وطيب .
(39) ظاهر : تابع .

الصحيفة السجادية   ـ 77 ـ
  املا من فوائدك يدي ، وسق كرائم مواهبك (1) الي ، وجاور بي الاطيبين من أوليائك في الجنان التي زينتها لاصفيائك، وجللني شرآئف نحلك (2) في المقامات المعدة لاحبائك ، واجعل لي عندك مقيلا آوي ‏اليه (3) مطمئنا ، ومثابة أتبوؤها (4) وأقر عينا ، ولا تقايسني بعظيمات الجرائر (5) ، ولا تهلكني يوم تبلى السرائر (6) ، وأزل عني كل شك وشبهة ، واجعل ‏لي في الحق طريقا ، من كل رحمة ، وأجزل لي قسم المواهب (7) من نوالك ، ووفر علي حظوظ الاحسان من‏افضالك ، واجعل قلبي واثقا بما عندك ، وهمي مستفرغا لما هو لك ، واستعملني بما تستعمل به خالصتك (8) ، وأشرب (9) قلبي عند ذهول (10) العقول طاعتك ، واجمع لي الغنى (11) والعفاف (12) والدعة (13) والمعافاة (14) والصحة والسعة (15) والطمأنينة والعافية (16) ، ولا تحبط (17) حسناتي بما يشوبها من معصيتك ، ولا خلواتي (18) بما يعرض لي من نزغات فتنتك (19).
  وصن وجهي (20) عن الطلب الى أحد من العالمين ، وذبني (21) عن التماس ما عند الفاسقين ، ولا تجعلني ‏للظالمين ظهيرا (22) ، ولا لهم على محو كتابك يدا ونصيرا ، وحطني (23) من حيث لا أعلم حياطة تقيني‏ بها ، وافتح لي أبواب توبتك ورحمتك ورأفتك ورزقك الواسع اني اليك من الراغبين ، وأتمم لي انعامك ، انك خير المنعمين ، واجعل باقي عمري في الحج والعمرة ابتغاء وجهك يا رب العالمين ، وصلى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والسلام عليه وعليهم أبد الابدين (24) .

48 ـ يوم الاضحى ويوم الجمعة
  وكان من دعائه عليه السلام يوم الاضحى ويوم الجمعة اءللهم هذا يوم مبارك ميمون ، والمسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك ، يشهد (25) السائل منهم والطالب ‏والراغب والراهب ، وأنت الناظر في حوائجهم ، فأسألك بجودك وكرمك وهوان (26) ما سألتك .. عليك .. أن ‏تصلي على محمد وآله .
  وأسألك اللهم ربنا بأن لك الملك ، ولك الحمد ، لا اله الا أنت الحليم الكريم الحنان المنان ذو الجلال والاكرام ، بديع‏ السموات والارض، مهما قسمت بين عبادك المؤمنين ، من خير أو عافية أو بركة أو هدى أو عمل بطاعتك أو خير تمن‏ به عليهم تهديهم به اليك ، أو ترفع لهم عندك درجة ، أو تعطيهم به خيرا من خير الدنيا والاخرة .. أن توفر حظي ونصيبي ‏منه ، وأسألك اللهم بأن لك الملك والحمد ، لا اله الا أنت .. أن تصلي على محمد وآل محمد عبدك ورسولك وحبيبك‏ وصفوتك وخيرتك من خلقك وعلى آل محمد الابرار الطاهرين الاخيار .. صلاة لا يقوى على احصائها الا أنت ، وأن ‏تشركنا في صالح من دعاك في هذا اليوم من عبادك المؤمنين يا رب العالمين ، وأن تغفر لنا ولهم انك على كل شيء قدير .

**************************************************************
(1) كرائم مواهبك : نفائس عطاياك .
(2) وجللني شرائف نحلك : اغمرني بعطاياك ، على سبيل التبرع ، العالية المنزلة ، و .. شرائف .. جمع .. شريفة .
(3) مقيلا آوي اليه : محل استراحة انزله .
(4) مثابة اتبوؤها : مكان رجوع اي .. يرجع اليه .. احل واقيم به .
(5) لا تقايسني بعظيمات الجرائر : لا تعاقبني بمقدار ذنوبي العظيمة .
(6) يوم تبلى السرائر : يوم تختبر الاسرار بكشفها واظهارها .. يوم القيامة .
(7) نوالك : عطائك .
(8) خالصتك : المخلصين الود .. المطيعين .. لك .
(9) اشرب : امزج .. طاعتك بقلبي .
(10) ذهول : غفلة .
(11) الغنى : الاكتفاء واليسار .
(12) العفاف : الكف والامتناع عن غلبة الشهوات .
(13) الدعة : الراحة وخفض العيش .
(14) المعافاة : حالة طبيعية في البدن تجري افعاله معها على المجرى الطبيعي .
(15) السعة : بسطة الرزق وكثرة المال .
(16) العافية : دفع جميع المكروهات في الدنيا والاخرة .
(17) تحبط : تبطل .
(18) خلواتي : حالات انفرادي وانقطاعي اليك .
(19) ولا خلواتي بما يعرض لي من نزغات فتنتك : لا تبطل خلواتي بما يمنعني منها من دخول امر يفسدها .. قيل : من محنة او منحة قدرتها علي لتمتحن بها صبري او شكري .
(20) صن : احفظ .
(21) ذبني : امنعني .
(22) ظهيرا : معينا .
(23) حطني : احفظني .
(24) ابد الابدين : دائما .. مدة بقاء الباقين على الدهر الطويل الغير محدود .
(25) يشهد : يحضر .
(26) هوان : سهولة .

الصحيفة السجادية   ـ 78 ـ
  اءللهم اليك تعمدت بحاجتي ، وبك أنزلت اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي ، واني بمغفرتك ورحمتك أوثق مني بعملي ، ولمغفرتك ورحمتك أوسع من ذنوبي ، فصل على محمد وآل محمد ، وتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ، وتيسير ذلك عليك ، وبفقري اليك ، وغناك‏عني ، فاني لم اصب خيرا قط الا منك ، ولم يصرف عني سوءا قط أحد غيرك ، ولا أرجو لامر آخرتي ودنياي ‏سواك .
  اءللهم من تهياء وتعباء وأعد واستعد لوفادة (1) الى مخلوق رجاء رفده (2) ونوافله (3) وطلب ‏نيله (4) وجائزته ، فاليك يا مولاي كانت اليوم تهيئتي وتعبئتي واعدادي واستعدادي رجاء عفوك ورفدك وطلب ‏نيلك وجائزتك ، اءللهم فصل على محمد وآل محمد ، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي ، يا من لا يحفيه سائل (5) ، ولا ينقصه ‏نائل (6) ، فاني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته .. الا شفاعة محمد وأهل بيته عليه ‏وعليهم سلامك ، أتيتك مقرا بالجرم والاساءة الى نفسي ، أتيتك أرجو عظيم عفوك الذي عفوت به عن الخاطئين ، ثم لم يمنعك طول‏ عكوفهم (7) على عظيم الجرم أن عدت عليهم بالرحمة والمغفرة ، فيا من رحمته واسعة ، وعفوه عظيم ، يا عظيم يا عظيم ، يا كريم يا كريم ، صل على محمد وآل محمد ، وعد علي ‏برحمتك ، وتعطف علي بفضلك ، وتوسع علي بمغفرتك .
  اءللهم ان هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ، ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزوها (8) وأنت المقدر لذلك ، لا يغالب أمرك ، ولا يجاوز المحتوم (9) من تدبيرك كيف شئت وأنى شئت ، ولما أنت أعلم به ، غير متهم على خلقك ولا لارادتك ، حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزين (10) ، يرون حكمك مبدلا ، وكتابك منبوذا (11) ، وفرائضك محرفة عن جهات اشراعك (12) ، وسنن نبيك متروكة ، اءللهم العن أعداءهم من الاولين والاخرين ومن ‏رضي بفعالهم وأشياعهم وأتباعهم .
  اءللهم صل على محمد وآل محمد ، انك حميد مجيد ، كصلواتك وبركاتك وتحياتك على أصفيائك ابراهيم وآل ‏ابراهيم ، وعجل الفرج (13) والروح (14) والنصرة والتمكين والتأييد لهم ، اءللهم واجعلني من أهل التوحيد والايمان بك ، والتصديق برسولك والائمة الذين حتمت (15) طاعتهم ممن ‏يجري ذلك به وعلى يديه آمين رب العالمين .
  اءللهم ليس يرد غضبك الا حلمك ، ولا يرد سخطك الا عفوك ، ولا يجير من عقابك الا رحمتك ، ولا ينجني منك الا التضرع اليك وبين يديك ، فصل على محمد وآل محمد ، وهب لنا يا الهي من لدنك فرجا بالقدرة التي بها تحيي أموات العباد ، وبها تنشر ميت ‏البلاد ، ولا تهلكني يا الهي غما (16) حتى (17) تستجيب لي ، وتعرفني الاجابة في دعئي ، وأذقني طعم‏ العافية الى منتهى أجلي ، ولا تشمت بي عدوي ، ولا تمكنه من عنقي ، ولا تسلطه علي ، الهي ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذي يرفعني ، وان أكرمتني فمن ذا الذي يهينني ، وان‏ أهنتني فمن ذا الذي يكرمني ، وان عذبتني فمن ذا الذي يرحمني ، وان أهلكتني فمن ذا الذي يعرض لك في عبدك ، أو يسألك عن أمره ، وقد علمت أنه ليس في حكمك ظلم ، ولا في‏ نقمتك (18) عجلة ، وانما يعجل من يخاف الفوت ، وانما يحتاج الى الظلم الضعيف ، وقد تعاليتت يا الهي عن ذلك علوا كبيرا .
  اءللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعلني للبلاء غرضا (19) ولا لنقمتك نصبا (20) ، ومهلني ، ونفسني (21) ، وأقلني عثرتي (22) ، ولا تبتليني ببلاء على أثر بلاء ، فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي وتضرعي اليك ، أعوذ بك اللهم اليوم من غضبك ، فصل على محمد وآله ، وأعذني ، وأستجير بك من سخطك ، فصل على محمد وآله ، وأجرني ، وأسألك أمنا من عذابك ، فصل على محمد وآله ، وآمني ، وأستهديك ، فصل على محمد وآله ، واهدني ، وأستنصرك ، فصل على محمد وآله ، وانصرني ، وأسترحمك فصل على محمد وآله ، وارحمني ، وأسترزقك ، فصل على محمد وآله ، وارزقني ، وأستعينك ، فصل على ‏محمد وآله ، وأعني ، وأستغفرك لما سلف من ذنوبي ، فصل على محمد وآله ، واغفر لي ، وأستعصمك (23) ، فصل على محمد وآله ، واعصمني ، فاني لن أعود لشيء كرهته مني ان شئت ذلك .

**************************************************************
(1) لوفادة : لقدوم .
(2) رفده : عطيته .. معونته .
(3) نوافله : هباته .. عطاياه .. تفضلا وتبرعا .. من حيث لا يجب .
(4) نيله : معروفه .
(5) لا يحفيه سائل : لا يشق عليه سؤال سائل .
(6) نائل : اعطاء .
(7) عكوفهم : استمرارهم .
(8) ابتزوها : سلبوها .
(9) المحتوم : الواجب المنفذ .. لا عودة فيه .
(10) مبتزين : مسلوبين .
(11) منبوذا : متروكا .. ترك العمل به .
(12) اشراعك : .. في نسخة .. شرائعك .. جمع .. شريعة .. وهي .. ما شرعه اللّه لعباده واوجبه عليهم .
(13) الفرج : انكشاف الحزن والكرب .
(14) الروح : الراحة .. الرحمة .
(15) حتمت : اوجبت .. جزما .
(16) غما : مغموما .. محزونا مكروبا .
(17) حتى : الى ان .
(18) نقمتك : انتقامك .. اخذك بالعقوبة .
(19) غرضا : هدفا .
(20) نصبا : علما منصوبا .
(21) نفسني : اجعلني في سعة وفسحة .. ازل الكرب والحزن عني .
(22) اقلني عثرتي : اعف عن ذنبي .
(23) استعصمك : اطلب منك منعي عن المعصية .

الصحيفة السجادية   ـ 79 ـ
  يا رب يا رب ، يا حنان يا منان ، يا ذا الجلال والاكرام .. صل على محمد وآله ، واستجب لي جميع ما سألتك ، وطلبت ‏اليك ، ورغبت فيه اليك ، وأرده وقدره واقضه وأمضه ، وخر لي (1) فيما تقضي منه ، وبارك لي في ذلك ، وتفضل‏علي به ، وأسعدني بما تعطيني منه ، وزدني من فضلك وسعة ما عندك ، فانك واسع كريم ، وصل ذلك بخير الاخرة ونعيمها يا أرحم الراحمين ، ( ثم تدعو بما بدا لك (2) ، وتصلي على محمد وآله ألف مرة ، هكذا كان يفعل (3) عليه السلام ) .

49 ـ في دفاع كيد الاعداء ورد باسهم
  وكان من دعائه عليه السلام في دفاع كيد الاعداء ورد باسهم الهي هديتني فلهوت ، ووعظت فقسوت ، وأبليت (4) الجميل فعصيت ، ثم عرفت ما أصدرت اذ عرفتنيه ، فاستغفرت فأقلت (5) ، فعدت فسترت ، فلك الهي الحمد ، تقحمت (6) أودية الهلاك ، وحللت شعاب تلف (7) ، تعرضت فيها لسطواتك (8) وبحلولها عقوباتك ، ووسيلتي اليك التوحيد ، وذريعتي (9) أني لم اشرك بك شيئا ، ولم أتخذ معك الها ، وقد فررت اليك‏بنفسي ، واليك مفر المسيء ومفزع المضيع لحظ نفسه الملتجى ، فكم من عدو انتضى (10) علي سيف عداوته ، وشحذ لي ظبة مديته (11) ، وأرهف لي شبا حده (12) ، وداف (13) لي قواتل سمومه (14) ، وسدد نحوي صوائب سهامه ، ولم تنم عني عين حراسته ، وأضمر أن ‏يسومني (15) المكروه ، ويجرعني (16) زعاق (17) مرارته ، فنظرت يا الهي الى ضعفي عن احتمال الفوادح (18) ، وعجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته ، ووحدتي في ‏كثير عدد من ناواني (19) ، وأرصد لي بالبلا فيما لم اعمل فيه فكري .
  فابتدأتني بنصرك ، وشددت أزري (20) بقوتك ، ثم فللت (21) لي حده ، وصيرته من بعد جمع عديد وحده ، وأعليت كعبي (22) عليه ، وجعلت ما سدده (23) .. مردودا عليه ، فرددته لم يشف غيظه (24) ، ولم ‏يسكن غليله (25) ، قد عض على شواه (26) ، وأدبر موليا قد أخلفت سراياه (27) ، وكم من باغ بغاني (28) بمكائده ، ونصب لي شرك مصائده ، ووكل بي تفقد رعايته ، وأضباء (29) الي اضباء السبع لطريدته .. انتظارا لانتهاز (30) الفرصة لفريسته ، وهو يظهر لي بشاشة الملق (31) ، وينظرني على شدة ‏الحنق (32) ... فلما رأيت يا الهي تباركت وتعاليت دغل سريرته (33) وقبح ما انطوى عليه (34) ، أركسته لام رأسه في ‏زبيته (35) ، ورددته في مهوى حفرته ، فانقمع بعد استطالته (36) ذليلا في ربق حبالته (37) التي كان ‏يقدر أن يراني فيها ، وقد كاد أن يحل بي لولا رحمتك ما حل بساحته .

**************************************************************
(1) خر لي : اجعل لي الخير .
(2) بدا لك : بما شئت .
(3) يفعل : يفعل الامام السجاد (ع) بعد انتهائه من هذا الدعاء .
(4) ابليت : اعطيت .
(5) فاقلت : فعفوت .
(6) تقحمت : دخلت .. في .
(7) حللت شعاب تلف : نزلت نواحي هلاك .
(8) تعرضت فيها لسطواتك : استقبلت فيها بطشك .
(9) ذريعتي : وسيلتي .
(10) انتضى : سل .. جرد .
(11) شحذ لي ظبة مديته : حد لي طرف سكينه العظيم .. ليقطع سريعا .
(12) ارهف لي شبا حده : رقق لي ، ليقطع بسرعة ، طرف حدته ، حدة السكين .
(13) داف : خلط .. بماء ونحوه .
(14) سدد : وجه .. بالغ في التصويب .
(15) يسومني : يطلب ويريد لي .
(16) يجرعني : يشربني شيئا فشيئا .
(17) زعاق : الزعاق .. الماء المر الغليظ الذي لا يطاق شربه .
(18) الفوادح : المصائب الشديدة .
(19) ناواني : عاداني .
(20) شددت ازري : احكمت قوتي ، و .. الازر .. الظهر .. القوة الشديدة .
(21) فللت : كسرت .
(22) كعبي : شرفي .. مجدي .
(23) سدده : وجهه ... نحوي .
(24) لم يشف غيظه : لم يزل غضبه الشديد .
(25) غليله : حقده .
(26) عض على شواه : .. كناية عن الغضب ، و .. شواه .. انامله .
(27) اخلفت سراياه : اخفقت جيوش حقده ، و .. سراياه .. جمع .. سرية .. قطعة من الجيش .
(28) باغ بغاني : ظالم طلبني .
(29) اضبا : استتر .. استخفى .. ليخدع .
(30) لانتهاز : لاغتنام .
(31) بشاشة الملق : طلاقة الوجه وحسن اللقاء باللسان بما ليس في القلب .
(32) الحنق : الغضب .
(33) دغل سريرته : فساد ضميره وباطنه .. علي .
(34) ما انطوى عليه : ما كتمه .
(35) اركسته لام راسه في زبيته : قلبته على ام راسه ـ مخ راسه .. دماغه ـ في حفرته التي اراد ان يوقعني فيها .
(36) فانقمع بعد استطالته : فقهر بعد ترفعه وعلوه .
(37) ربق حبالته : عرى مصيدته .

الصحيفة السجادية   ـ 80 ـ
  وكم من حاسد قد شرق بي بغصته (1) ، وشجي مني بغيظه (2) ، وسلقني بحد لسانه (3) ، ووحرني ‏بقرف عيوبه (4) ، وجعل عرضي (5) غرضا (6) لمراميه ، وقلدني خلالا (7) لم تزل فيه ، ووحرني بكيده (8) وقصدني بمكيدته ، فناديتك يا الهي مستغيثا بك ، واثقا بسرعة اجابتك ، عالما أنه لا يضطهد من آوى الى ظل كنفك (9) ، ولا يفزع ‏من لجاء الى معقل (10) انتصارك ، فحصنتني من بأسه (11) بقدرتك ، وكم من سحائب مكروه جليتها (12) عني ، وسحائب نعم أمطرتها علي ، وجداول رحمة نشرتها (13) ، وعافية ألبستها ، وأعين أحداث طمستها (14) ، وغواشي كربات كشفتها (15) ، وكم من ظن حسن حققت ، وعدم جبرت (16) ، وصرعة أنعشت (17) ، ومسكنة حولت ، كل ذلك انعاما وتطولا منك ، وفي جميعه انهماكا (18) مني على معاصيك ، لم تمنعك اساءتي عن اتمام احسانك ، ولا حجرني (19) ذلك عن ارتكاب مساخطك (20) ، لا تسأل عما تفعل ، ولقد سئلت فأعطيت ، ولم تسأل فابتدأت ، واستميح فضلك فما أكديت (21) ، أبيت يا مولاي الا احسانا وامتنانا وتطولا وانعاما ، وأبيت الا تقحما لحرماتك (22) ، وتعديا لحدودك ، وغفلة عن ‏وعيدك ، فلك الحمد الهي من مقتدر لا يغلب ، وذي أناة (23) لا تعجل ، هذا مقام من اعترف بسبوغ النعم (24) ، وقابلها بالتقصير ، وشهد على نفسه بالتضييع (25) .
  اللهم فاني أتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة (26) ، والعلوية البيضاء (27) ، وأتوجه اليك بهما أن تعيذني من ‏شر ( كذا وكذا ) (28) ، فان ذلك لا يضيق عليك في وجدك (29) ، ولا يتكأدك (30) في قدرتك ، وأنت ‏على كل شيء قدير ، فهب لي يا الهي من رحمتك ودواء توفيقك ما أتخذه سلما أعرج (31) به الى رضوانك ، وآمن به من عقابك ، يا أرحم الراحمين .

**************************************************************
(1) شرق بي بغصته : غص بي .. حسدا .. كما يغص بالماء المعترض في حلقه ، فلا تجري فيه السوائل او الطعام .
(2) شجي مني بغيظه : غص مني .. كما يغص بالعظم واللقمة ، ونحوهما من الجوامد ، بغيظه .. بغضبه .
(3) سلقني بحد لسانه : بالغ في عيبي ولائمتي بلسانه .
(4) وحرني بقرف عيوبه : اتهمني .. ونسب الي .. فعل عيوبه .. التي عملها هو .
(5) عرضي : ما اصونه واحامي عنه ان يعاب .. من نفسي وذوي قرابتي .
(6) غرضا : هدفا .
(7) قلدني خلالا : نسب الي صفات .. وجعلها كالقلادة في عنقي ... صفات دنية .
(8) بكيده : بعمله في ايقاع الضرر بي على وجه الاحتيال .
(9) لا يضطهد من آوى الى ظل كنفك : لا يقهر من التجأ الى مناعة جانبك .
(10) معقل : ملجا .
(11) باسه : اذاه .
(12) جليتها : كشفتها .
(13) نشرتها : احييتها .. اجريتها .
(14) احداث طمستها : مصائب محوتها .
(15) غواشي كربات كشفتها : ستائر .. اغطية احزان ومشقات ازلتها .
(16) عدم جبرت : فقر اصلحت .. عوضت .. فابدلته غنى .
(17) صرعة انعشت : شدة تداركت .. خلصت منها .
(18) انهماكا : ملازمة والحاحا .
(19) حجرني : منعني .
(20) مساخطك : ما يوجب غضبك وعقوبتك .
(21) واستميح فضلك فما اكديت : وسالت عطاء فضلك فما امسكت .. فما بخلت بالعطاء .. بل تفضلت بالعطاء .
(22) ابيت الا تقحما لحرماتك : امتنعت .. الا دخولا ، بلا روية ولا تامل ، فيما حرمت .
(23) اناة : تمهل .. انتظار .
(24) بسبوغ النعم : بتوسعة .. بتكثير .. نعمك ... علي .
(25) بالتضييع : بعدم القيام بما يجب لك ، سبحانك ، من فرض او سنة .
(26) بالمحمدية الرفيعة : بالشريعة المنسوبة الى محمد (ص) .. شريعة الاسلام ، او المنزلة المنسوبة الى محمد (ص) .. المتصفة بالرفعة والعلو والشرف .
(27) العلوية البيضاء : ذكر : ان المراد هنا .. الولاية او الدرجة المنسوبة الى علي امير المؤمنين (ع) .. المتصفة بكونها فاضلة كريمة .
(28) كذا وكذا : كناية عما يطلب الاعاذة من شره ، وتكرار اللفظة باعتبار تعدد الحاجات.. ان لزمت .
(29) وجدك : غناك .
(30) لا يتكادك : لا يصعب ولا يشق عليك .
(31) اعرج: اصعد.

الصحيفة السجادية   ـ 81 ـ

50 ـ في الرهبة
  وكان من دعائه عليه السلام في الرهبة اءللهم انك خلقتني سويا ، وربيتني صغيرا ، ورزقتني مكفيا ، اءللهم اني وجدت فيما أنزلت من كتابك ، وبشرت به عبادك .. أن قلت : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا (1) تَقْنَطُوا (2) مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) ، وقد تقدم مني ما قد علمت ، وما أنت أعلم به مني ، فيا سوأتاه مما أحصاه علي كتابك ، فلولا المواقف التي اؤمل من عفوك الذي شمل كل شيء .. لالقيت بيدي ، ولو أن أحدا استطاع الهرب من ربه .. لكنت ‏أنا أحق بالهرب منك ، وأنت لا تخفى عليك خافية في الارض ولا في السماء الا أتيت بها ، وكفى بك جازيا ، وكفى بك‏ حسيبا .
  اءللهم انك طالبي ان أنا هربت ، ومدركي ان أنا فررت ، فها أنا ذا بين يديك خاضع ذليل راغم (3) ، ان تعذبني فاني‏لذلك أهل ، وهو يا رب منك عدل ، وان تعفو عني فقديما شملني عفوك ، وألبستني عافيتك ، فأسألك اللهم بالمخزون من أسمائك (4) وبما وارته (5) الحجب من بهائك (6) ، الا رحمت هذه ‏النفس الجزوعة (7) وهذه الرمة (8) الهلوعة (9) ، التي لا تستطيع حر شمسك فكيف تستطيع حرنارك ؟ والتي لا تستطيع صوت رعدك ، فكيف تستطيع صوت غضبك ؟ فارحمني اللهم فاني امرؤ حقير ، وخطري (10) يسير ، وليس عذابي مما يزيد في ملكك مثقال ذرة ، ولو أن عذابي‏مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه ، وأحببت أن يكون ذلك لك ، ولكن سلطانك اللهم أعظم ، وملكك أدوم من أن ‏تزيد فيه طاعة المطيعين ، أو تنقص منه معصية المذنبين ، فارحمني يا أرحم الراحمين ، وتجاوز عني يا ذا الجلال والاكرام ، وتب علي انك أنت التواب الرحيم .

51 ـ في التضرع والاستكانة
  وكان من دعائه عليه السلام في التضرع (11) والاستكانة (12) الهي أحمدك وأنت للحمد أهل على حسن صنيعك الي ، وسبوغ نعمئك علي ، وجزيل عطائك عندي ، وعلى ما فضلتني به من رحمتك ، وأسبغت علي من نعمتك ، فقد أحسنت عندي ما يعجز عنه شكري ، ولولا احسانك الي وسبوغ نعمئك علي .. ما بلغت احراز حظي ، ولا اصلاح نفسي ، ولكنك ابتدأتني بالاحسان ، ورزقتني في اموري كلها الكفاية ، وصرفت عني جهد البلاء ، ومنعت مني محذور القضاء .
  الهي فكم من بلاء جاهد (13) قد صرفت عني ، وكم من نعمة سابغة أقررت بها عيني ، وكم من صنيعة كريمة لك‏عندي ، أنت الذي أجبت عند الاضطرار دعوتي ، وأقلت عند العثار زلتي (14) ، وأخذت لي من الاعداء بظلامتي ، الهي ما وجدتك بخيلا حين سألتك ، ولا منقبضا حين أردتك ، بل وجدتك لدعئي سامعا ، ولمطالبي معطيا ، ووجدت ‏نعماك علي سابغة في كل شأن من شأني وكل زمان من زماني ، فأنت عندي محمود ، وصنيعك لدي مبرور ، تحمدك نفسي ولساني وعقلي .. حمدا يبلغ الوفاء وحقيقة الشكر ، حمدا يكون مبلغ رضاك عني ، فنجني من سخطك .

**************************************************************
(1) اسرفوا على انفسهم : عملوا الذنوب .
(2) لا تقنطوا : لا تياسوا .
(3) راغم : ملصق الانف بالتراب انقيادا لك .
(4) بالمخزون من أسمائك : بما استاثرت بعلمه ، وحجبته عن خلقك فلا يعلمه الا أنت ، من أسمائك .
(5) وارته : سترته .
(6) بهائك : عظمتك .
(7) الجزوعة : الكثيرة الجزع وعدم الصبر .. عند وصول المكروه اليها .
(8) الرمة : العظام البالية الممحية .
(9) الهلوعة : الضعيفة بطبعها ، القليلة الصبر ، الشديدة الحرص .
(10) خطري : قدري ومنزلتي .
(11) التضرع : التذلل .
(12) الاستكانة : الخضوع والتذلل .
(13) جاهد : موجب للمشقة .
(14) اقلت عند العثار زلتي : غفرت عند السقوط .. سقوطي في الاثم.. ذنبي .

الصحيفة السجادية   ـ 82 ـ
  يا كهفي حين تعييني المذاهب (1) ، ويا مقيلي عثرتي (2) ، فلولا سترك عورتي (3) لكنت من ‏المفضوحين ، ويا مؤيدي بالنصر ، فلولا نصرك اياي لكنت من المغلوبين ، ويا من وضعت له الملوك نير المذلة على ‏أعناقها (4) ، فهم من سطواته (5) خائفون ، ويا أهل التقوى (6) ، ويا من له الاسماء الحسنى (7) ، أسألك أن تعفو عني ، وتغفر لي ، فلست بريئا فأعتذر ، ولا بذي قوة فأنتصر ، ولا مفر لي فأفر وأستقيلك ‏عثراتي (8) ، وأتنصل (9) اليك من ذنوبي التي قد أوبقتني (10) ، وأحاطت بي فأهلكتني ، منها فررت ‏اليك رب تائبا فتب علي ، متعوذا فأعذني (11) ، مستجيرا فلا تخذلني ، سئلا فلا تحرمني ، معتصما فلا تسلمني ، داعيا فلا تردني خائبا ، دعوتك يا رب مسكينا (12) مستكينا (13) ، مشفقا (14) ، خائفا ، وجلا ، فقيرا ، مضطرا اليك ، أشكو اليك يا الهي ضعف نفسي عن المسارعة فيما وعدته أولياءك ، والمجانبة عما حذرته أعداءك ، وكثرة همومي ووسوسة ‏نفسي . (15)
  الهي لم تفضحني بسريرتي (16) ، ولم تهلكني بجريرتي (17) ، أدعوك فتجيبني وان كنت بطيئا حين‏ تدعوني ، وأسألك كل ما شئت من حوائجي ، وحيث ما كنت ، وضعت عندك سري ، فلا أدعو سواك ، ولا أرجو غيرك ، لبيك (18) لبيك ، تسمع من شكا اليك ، وتلقى من توكل ‏عليك ، وتخلص من اعتصم بك ، وتفرج عمن لاذ بك (19) .
  الهي فلا تحرمني خير الاخرة والاولى لقلة شكري ، واغفر لي ما تعلم من ذنوبي ، ان تعذب فأنا الظالم المفرط (20) المضيع (21) الاثم (22) المقصر المضجع المغفل حظ نفسي ، وان تغفر فأنت أرحم الراحمين .

**************************************************************
(1) يا كهفي حين تعييني المذاهب : يا ملجئي حين اعجز ولا ادري اي الطرق اسلك .. لانجو واسلم ، و .. المذاهب .. الطرق .
(2) مقيلي عثرتي : غافر ذنبي .
(3) فلولا سترك عورتي : فلولا اخفاؤك مساوئي .
(4) ويا من وضعت له الملوك نير المذلة على اعناقها : ويا من ذلت له الملوك .. خاضعة .. خاشعة ، و .. النير .. الخشبة التي توضع معترضة في عنق الثورين حال الحرث ، والكلام هنا على التمثيل .. الاستعارة .. للاذلال .
(5) سطواته : .. سطوات .. جمع .. سطوة .. وهي .. البطش والاخذ بعنف وشدة .
(6) يا اهل التقوى : يا حقيق بان يتقى .. يخشى من عقابه .. بان يطاع وتجتنب معاصيه .
(7) يا من له الاسماء الحسنى : يا من له احسن الاسماء .
(8) استقيلك عثراتي : اسالك ان تغفر ذنوبي .
(9) اتنصل : اتخلص .. بالاعتذار .. وطلب العفو .
(10) اوبقتني : اذلتني .
(11) متعوذا فاعذني : ملتجئا فاحفظني .
(12) مسكينا : فقيرا سيى الحال .
(13) مستكينا : خاضعا ذليلا .
(14) مشفقا : حذرا .. متحرزا .
(15) وسوسة نفسي : حديث نفسي الخفي بالشر او بما لا نفع فيه .
(16) بسريرتي : بما اضمرته في نفسي ، مما لا يصلح .
(17) بجريرتي : بذنبي .
(18) لبيك : اني اقبل على امرك .
(19) لاذ بك : التجا اليك .
(20) المفرط : المتواني .. في امرك .
(21) المضيع : .. لما يجب القيام به .
(22) الاثم: المخطيء .

الصحيفة السجادية   ـ 83 ـ

52 ـ في الالحاح على اللّه تعالى
  وكان من دعائه عليه السلام في الالحاح على اللّه تعالى يا اللّه الذي لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ، وكيف يخفى عليك يا الهي ما أنت خلقته ؟ وكيف لا تحصي‏ما أنت صنعته ؟ أو كيف يغيب عنك ما أنت تدبره ؟ أو كيف يستطيع أن يهرب منك من لا حياة له الا برزقك ؟ أو كيف ‏ينجو منك من لا مذهب له في غير ملكك ؟ سبحانك أخشى خلقك لك أعلمهم بك ، وأخضعهم لك أعملهم بطاعتك ، وأهونهم عليك من أنت ترزقه ، وهو يعبد غيرك .
  سبحانك لا ينقص سلطانك من أشرك بك ، وكذب رسلك ، وليس يستطيع من كره قضاءك أن يرد أمرك ، ولا يمتنع ‏منك من كذب بقدرتك ، ولا يفوتك من عبد غيرك ، ولا يعمر في الدنيا من كره لقاءك .
  سبحانك ما أعظم شأنك ، وأقهر سلطانك ، وأشد قوتك ، وأنفذ أمرك ، سبحانك قضيت على جميع خلقك الموت : من‏وحدك ومن كفر بك ، وكل ذائق الموت ، وكل صائر اليك ، فتباركت وتعاليت لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك ، آمنت بك ، وصدقت رسلك ، وقبلت كتابك ، وكفرت بكل معبود غيرك ، وبرئت ممن عبد سواك .
  اءللهم اني اصبح وامسي مستقلا لعملي ، معترفا بذنبي ، مقرا بخطاياي ، أنا باسرا في على نفسي (1) ذليل ، عملي ‏أهلكني، وهواي أرداني (2) ، وشهواتي حرمتني ، فأسألك يا مولاي سؤال من نفسه لاهية (3) لطول أمله (4) ، وبدنه غافل لسكون عروقه ، وقلبه مفتون‏ بكثرة النعم عليه ، وفكره قليل لما هو صائر اليه ، سؤال من قد غلب عليه الامل ، وفتنه الهوى (5) ، واستمكنت منه الدنيا ، وأظله الاجل (6) ، سؤال من ‏استكثر ذنوبه ، واعترف بخطيئته ، سؤال من لا رب له غيرك ، ولا ولي له دونك ، ولا منقذ له منك ، ولا ملجأ له منك الا اليك .
  الهي أسألك بحقك الواجب على جميع خلقك ، وباسمك العظيم الذي أمرت رسولك أن يسبحك به ، وبجلال ‏وجهك الكريم الذي لا يبلى (7) ولا يتغير ، ولا يحول (8) ولا يفنى .. أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تغنيني عن كل شيء بعبادتك ، وأن تسلي نفسي عن الدنيا بمخافتك ، وأن تثنيني (9) بالكثير من كرامتك‏ برحمتك ، فاليك أفر ومنك أخاف ، وبك أستغيث ، واياك أرجو ، ولك أدعو ، واليك ألجا ، وبك أثق ، واياك أستعين ، وبك اومن ، وعليك أتوكل ، وعلى جودك وكرمك أتكل .

53 ـ في التذلل للّه عز وجل
  وكان من دعائه عليه السلام رب أفحمتني ذنوبي (10) ، وانقطعت مقالتي ، فلا حجة لي ، فأنا الاسير ببليتي (11) ، المرتهن ‏بعملي (12) ، المتردد في خطيئتي (13) ، المتحير عن قصدي ، المنقطع بي ، قد أوقفت نفسي موقف الاذلاء المذنبين ، موقف الاشقياء المتجرين عليك ، المستخفين بوعدك ، سبحانك أي جراءة ‏اجترأت عليك ، وأي تغرير غررت بنفسي (14) ؟ ! .

**************************************************************
(1) باسرا في على نفسي : .. في المعاصي .
(2) هواي ارداني : ميل نفسي ، نحو الباطل ، اهلكني .
(3) لاهية : ساهية .. مشتغلة بما لا يعنيها عما يهمها ويعنيها .
(4) لطول امله : .. في الدنيا .
(5) فتنه الهوى : اوقعه ميل النفس في الباطل .
(6) اظله الاجل : قرب منه الموت .. حتى كانه فوق راسه .
(7) لا يبلى : لا يكون باليا .. كما يكون الثوب باليا اذا مضى عليه الزمن .
(8) لا يحول : لا يتحول من حال الى حال .
(9) تثنيني : تصرفني .. ترجعني .
(10) افحمتني ذنوبي : اسكتتني ذنوبي .. عن سؤالك والطلب منك .
(11) ببليتي : ببلائي .. باختباري .
(12) المرتهن بعملي : المحبوس .. المقرون بعملي .
(13) المتردد في خطيئتي : المكرر لذنبي .. مرارا كثيرة .
(14) اي تغرير غررت بنفسي : اي مخاطرة خاطرت بنفسي .. غفلة عن عاقبة الامر ؟ .. استفهام تعظيم وتهويل .

الصحيفة السجادية   ـ 84 ـ
  مولاي ارحم كبوتي لحر وجهي (1) وزلة قدمي ، وعد (2) بحلمك على جهلي ، وباحسانك على اساءتي ، فأنا المقر بذنبي المعترف بخطيئتي ، وهذه يدي وناصيتي (3) أستكين بالقود من نفسي (4) ، ارحم شيبتي ، ونفاد أيامي ، واقتراب أجلي ، وضعفي ومسكنتي (5) ، وقلة حيلتي .
  مولاي وارحمني اذا انقطع من الدنيا أثري ، وامحى من المخلوقين ذكري ، وكنت من المنسيين كمن قد نسي ، مولاي وارحمني عند تغير صورتي وحالي اذا بلي جسمي ، وتفرقت أعضائي ، وتقطعت أوصالي ، يا غفلتي عما يرادبي ، مولاي وارحمني في حشري (6) ونشري (7) ، واجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي ، وفي أحبآئك ‏مصدري (8) ، وفي جوارك مسكني ، يا رب العالمين .

54 ـ في استكشاف الهموم
  وكان من دعائه عليه السلام في استكشاف الهموم (9) يا فارج الهم ، وكاشف الغم ، يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما .. صل على محمد وآل محمد ، وافرج همي ، واكشف ‏غمي ، يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .. اعصمني وطهرني ، واذهب ببليتي (10) ، ( واقرأ آية الكرسي والمعوذتين وقل هو اللّه أحد .. وقل : ) اءللهم اني أسألك سؤال من اشتدت فاقته (11) ، وضعفت قوته ، وكثرت ذنوبه ، سؤال من لا يجد لفاقته ‏مغيثا (12) ولا لضعفه مقويا ، ولا لذنبه غافرا غيرك ، يا ذا الجلال والاكرام .. أسألك عملا تحب به من عمل به ، ويقينا تنفع به من استيقن به حق اليقين في نفاذ أمرك .
  اءللهم صل على محمد وآل محمد ، واقبض على الصدق نفسي ، واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي ‏شوقا الى لقائك ، وهب لي صدق التوكل عليك ، أسألك من خير كتاب قد خلا (13) ، وأعوذ بك من شر كتاب قد خلا (14) ، أسألك خوف العابدين لك ، وعبادة الخاشعين لك ، ويقين المتوكلين عليك ، وتوكل المؤمنين عليك .
  اءللهم اجعل رغبتي في مسألتي مثل رغبة أوليائك في مسائلهم ، ورهبتي (15) مثل رهبة أوليائك ، واستعملني في ‏مرضاتك عملا لا أترك معه شيئا من دينك مخافة أحد من خلقك .
  اءللهم هذه حاجتي فأعظم فيها رغبتي ، وأظهر فيها عذري ، ولقني فيها حجتي ، وعافي فيها جسدي ، اءللهم من أصبح له ثقة أو رجاء غيرك .. فقد أصبحت وأنت ثقتي ورجائي في الامور كلها ، فاقض لي بخيرها عاقبة ، ونجني من مضلات الفتن (16) رحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلى اللّه على سيدنا محمد رسول اللّه المصطفى وعلى آله الطاهرين .

**************************************************************
(1) ارحم كبوتي لحر وجهي : ارحم سقوطي على وجهي .. على خدي .. فانه مؤلم جدا ، ذكر : ان الكلام من باب التمثيل : والمراد .. ارحمني عند وقوعي في المعاصي .
(2) عد : جد ، من الجود بالكرم .
(3) هذه يدي وناصيتي : .. من باب الاستسلام .. و .. الناصية .. مقدم الراس او شعر مقدم الراس اذا طال .
(4) استكين بالقود من نفسي : استسلم للعقاب بما اذنبت ، و .. استكين .. اخضع ، و .. القود .. القصاص .
(5) مسكنتي : فقري وحاجتي .
(6) في حشري : في اليوم الذي اجمع والناس يوم القيامة .. لحساب والجزاء .
(7) نشري : احيائي بعد الموت .
(8) مصدري : صدوري عن الموقف .. يوم القيامة .. الى دار الجزاء .
(9) في استكشاف الهموم : في طلب زوال الهموم .
(10) ببليتي : ببلائي .
(11) فاقته : حاجته .
(12) مغيثا : معينا .
(13) من خير كتاب قد خلا : من خير حكم مكتوب قد مضى .. قد سبق في علمك .
(14) من شر كتاب قد خلا : من شر حكم مكتوب قد سبق في علمك .
(15) رهبتي : خوفي .
(16) مضلات الفتن : الامتحانات التي توجب الوقوع في الباطل ، وذكر : انها .. الامتحانات والاختبارات التي لا يعرف فيها الحق من الباطل .