ولكنّه لا يخلو عن إشكال، والاَحوط لزوماً الاجتناب عنه، ومثله الحال في الهبة والاِجارة والصلح بشرط القرض.
وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل الاِمهال في أداء الدين شرطاً فيها .
ومنها: تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدّة شهرين مثلاً .
ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير إنّ صحّته بيعاً محلّ إشكال.
نعم ، لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى شهرين مثلاً ، ويجعل الثمن المؤجَّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد ا لمائة والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير، ليكون من الوفاء بغير الجنس.
ومنها: أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص عنها كمائة دينار.
وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الاَول قيام البنك بشراء البضاعة نقداً بالاَقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً على ذلك ، وأمّا مع خلّوه عن الشرط فلا بأس به .
ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ـ لو صحّت ـ لا تحقّق للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الاَجل وازدياده كلّما زاد التأخير، فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 545 ـ
عقد البيع مثلاً .
(مسألة 2): لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط دفع الزيادة ، لاَنّه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو بدونه، ولو اقترض كذلك بطل الشرط كما يبطل اصل القرض وان خلى عن شرط الزيادة، لاَنّ البنك لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض .
وللتخلص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض، ويتصرف فيه بإذن الحاكم الشرعي، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يستوفي منه أصل المال والزيادة قهراً، فلو طالبه البنك جاز له الدفع اليه.
(مسألة 3): يجوز الاِيداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة، بمعنى عدم إناطة القرض بالتزام البنك بدفع الزيادة، لا بمعنى ان يبني في نفسه على أنّ البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبها منه، فإنّ البناء على المطالبة يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر.
(مسألة 4): لا يجوز الاِبداع في البنوك الاَهلية ـ بمعنى إقراضها ـ مع شرط الزيادة، ولو فعل ذلك صحّ الاِبداع وبطل الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، ولكن يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ كما هو الغالب .
(مسألة 5): لا يجوز الايداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى اقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة، فانه ربا، بل إيداع المال فيها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الاتلاف له شرعاً لان ما يمكن استرجاعه من البنك
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 546 ـ
ليس هو مال البنك، بل من المال المجهول مالكه ، وعلى ذلك يشكل إيداع الارباح والفوائد التي يجنيها الشخص اثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج الخمس منها لانه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في إتلافه فلو اتلفه ضمنه لاصحابه ، هذا إذا لم يقع الايداع بأذن الحاكم الشرعي مع ترخيصه للبنك في اداء عوض المال المودع مما لديه من الاَموال، واما الايداع مع الاذن والترخيص المذكورين ـ كما صدر ذلك منّا للمؤمنين كافة ـ فيقع صحيحاً ويجري عليه حكم الاَيداع في البنك الاهلي، وأما الزيادة الممنوحة من قِبَل البنك وفق قوانينه فنأذن للمودعين بالتصرف في النصف منها مع التصدق بالنصف الاخر على الفقراء المتدينين.
(مسألة 6): لا فرق في الاِيداع ـ فيما تقدّم ـ بين الاِيداع الثابت الذي له أمد خاصّ ـ بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضع المال تحت الطلب ـ وبين الاِيداع المتحرّك ـ المسمّى بالحساب الجاري ـ الذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطلب.
(مسألة 7): تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما تقدّم من الاَحكام، لاَنّ الاَموال الموجودة لديها يتعامل معها معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرّف فيها من دون إذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 8): ما تقدّم كان حكم الاِيداع والاقتراض من البنوك الاَهلية والحكومية في الدول الاِسلامية، وأمّا البنوك التي يقوم غير المسلمين بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ فيجوز الاِيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة، لجواز أخذ الربا منهم.
وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، ويمكن التخلّص منه بقبض المال من البنك وتملّكه لا بقصد الاقتراض، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى إذن الحاكم الشرعي.
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 547 ـ
الاعتمادات
الاعتماد على قسمين:
1 ـ اعتماد الاستيراد: وهو أنّ يريد استيراد بضاعة أجنبية يتقدّم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهدّ البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة المستوردة وتسليمها إلى فاتح الاعتماد وتسديد ثمنها إلى الجهة المصدّرة، وذلك بعد تمامية المعاملة بين المستورد والمصدر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد، وإرسال القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط والمواصفات المتفّق عليها، وقيام المستورد بدفع قسم من ثمن البضاعة إلى البنك ، فإنّه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلّم مستندات البضاعة وأداء ثمنها إلى الجهة المصدّرة.
2 ـ اعماد التصدير: وهو لا يختلف عن اعتماد الاستيراد إلاّ في الاسم، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم المستورد الاَجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهدّ البنك بموجبه بتسلّم مستندات البضاعة وتسديد ثمنها إلى البائع المصدّر بعد طيّ المراحل المشار إليها آنفاً.
فالنتيجة أنّ القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد سواء أكان للاستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك للبائع بأداء دين المشتري وهو ثمن البضاعة المشتراة وتسلّم مستنداتها وتسليمها إلى المشتري.
نعم ، هنا قسم آخر من الاعتماد، وهو أنّ المصدّر يقوم بإرسال قوائم
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 548 ـ
البضاعة كماً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة، والبنك بدوره يعرض تلك القوائم على تلك الجهة، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح اعتماد لها ، ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم البضاعة وقبض الثمن.
(مسألة 9): الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع الاَقسام المذكورة، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من الخدمات.
(مسألة 10): يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من الفائدة:
الاَول: ما يكون بإزاء خدماته له من التعهّد بأداء دينه والاتّصال بالمصدّر وتسلّم مستندات البضاعة وتسليمها إليه، ونحو ذلك من الاَعمال.
وهذا النحو من الفائدة يجوز أخذه على أساس أنّه داخل في عقد الجعالة، أي أنّ فاتح الاعتماد يعيّن للبنك جعلاً إزاء قيامه بالاَعمال المذكورة، ويمكن إدراجه فى عقد الاِجارة أيضاً مع توفّر شروط صحّته المذكورة في محلّها .
الثاني: ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده إلى الجهة المصدّرة من ماله الخاصّ لا من رصيد فاتح الاعتماد، فإنّ البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع إزاء عدم مطالبة فاتح الاعتماد به إلى مدّة معلومة .
وقد يصحّح أخذ هذا النحو من الفائدة بأنّ البنك لا يقوم بعملية إقراض لفاتح الاعتماد، ولا يدخل الثمن في ملكه بعقد القرض ليكون رباً، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه وأمره، وعليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون الاِتلاف، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة.
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 549 ـ
ولكن من الواضح أنّ فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه أداء دينه إلاّ نفس مقدار الدين، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه يكون من الربا المحرّم، نعم ، لو عيّن فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جُعلاً بمقدار أصل الدين والزيادة المقرّرة نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ، اندرج ذلك في عقد الجُعالة، ويحكم بصحته .
هذا ، ويمكن التخلّص من الربا في أخذ هذا النحو من الفائدة بوجه آخر، وهو إدراجه في البيع، فإنّ البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة بالعملة الاَجنبية إلى المصدّر، فيمكن قيامه ببيع مقدار من العملة الاَجنبية في ذمّة المستورد بما يعادله من عملة بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه، وبما أنّ الثمن والمثمن يختلفان في الجنس فلا بأس به ، هذا كلّه إذا كان البنك أهلياً، وأمّا إذا كان حكومياً أو مشتركاً في بلد اسلامي فحيث إنّ البنك يؤدي دين فاتح الاعتماد من المال المجهول مالكه ، لا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء ، فلا يكون التعهّد باداء الزيادة إليه من قبيل التعهّد بدفع الربا المحرّم .
خزن البضائع
قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدّر إلى المستورد، فربّما يقوم بتخزينها على حساب المستورد، كما إذا تمّ العقد بينه وبين المصدّر وقام البنك بتسديد ثمنها له ، فعند وصول البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصولها ، فإن تأخّر المستورد عن
المسائل المنتخبة
العبادات والمعاملات
ـ 550 ـ
تسلّمها في الموعد المقرّر، قام البنك بخزنها وحفظها على حساب المستورد إزاء أجر معيّن ، وقد يقوم بحفظها على حساب المصدّر كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك دون عقد واتّفاق مسبق مع جهة مستوردة ، فعندئذٍ يقوم البنك بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد، فإن لم يقبلوها حفظها على حساب المصدّر إزاء أجر معين .
(مسألة 11): يجوز للبنك أخذ الاُجرة إزاء عملية التخزين في كلتا الصورتين المتقدّمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدّر أو المستورد، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ وإن كان الشرط ارتكازياً ـ وإلاّ فلا يستحقّ شيئاً .
بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها
إذا تخلّف صاحب البضاعة عن تسلّمها ودفع المبالغ المستحقّة للبنك ـ بعد إعلان البنك وإنذاره بذلك ـ يقوم البنك بيع البضاعة لاستيفاء حقّه من ثمنها.
(مسألة 12): يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع البضاعة، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لاَنّ البنك وكيل من قبل أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلّفهم عن دفع ما عليهم من بقيّة المبالغ المستحقّة له وتسلّم البضاعة، وذلك بمقتضى الشرط الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد، فإذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً.