واشتد الموقف بين الوالي ... وبين عقيلة بني هاشم ( زينب ) وهي لا تبالي ، ماضية في أداء رسالتها التي كلفها بها سيد الشهداء الحسين ( عليه السلام ) بالنهوض والمحافظة على رسالة جدها الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
والوالي عمرو بن سعيد ماض في تركيز دعائم ملك بني أمية ، وتنفيذ أوامر الطاغية يزيد ، ويأتي الإمام زين العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) ليقنع عمته ( زينب ) بالخروج كي لا تتجد المأساة على أهل بيت الرسول .
إن الأمويين لا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم في سبيل توطيد حكمهم ،
وينساب صوت الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) :
( عمتي يا زينب ... لقد صدقنا الله وعده ، وسيجزي الله الظالمين ... إرحلي الى بلد آخر ... والله حسبنا ونعم الوكيل ) .
ولم تتمكن السيدة زينب إلا الأخذ برأي الإمام زين العابدين فقررت السفر لعل خوف الأمويين من وجودها بالمدينة يهدأ قليلاً .
وقف موكب السيدة زينب عند مسجد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن حوله بنو هاشم ، الرجال والنساء والبقية الصالحة من أهل المدينة المؤمنين .
وكان المشهد مؤثراً ، والوداع حاراً ، فقد صاحت زينب ( عليه السلام ) بصوت ملتاع يتصدع له الصخر الأصم : يا جداه ... يا رسول الله ... ها أنا تاركة المدينة منفية ، كأني قد أتيت أمراً نكرا ، ثم تأوهت متحسرة ... وكما يقول الشاعر :
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 313 ـ
مشردون نفوا عن عقر دارهم كأنهم قد جنوا ما ليس iiيغتفر |
وسجل التاريخ على صفحاته ، موقف السيدة زينب الرائع المؤثر ، الذي تتجلى فيه العزة والإباء مع الاحزان ، والشجن الدامي والأسي العميق .
ومن ذا الذي لا يهزه موقف زينب ، وقد تذكرت امها الزهراء (ع) وما لاقته من المتاعب والمصاعب ، وكما قيل :
عرفت الليالي قبل ما صنعت iiبنا فـلما دهتني لم تزدني بها iiعلما أحن الى الكأس الذي شربت iiبه وأهوى لمثواها التراب وما ضما |
وقد اختلف أهل التاريخ والسير ، فمنهم من قال : انها ذهبت الى مصر ، ولها مقام مقدس وعظيم يؤمه الناس ، ومنهم من قال : انها في الشام ومقامها ايضاً معروف هناك يقصده الزوار ، من جميع الأقطار ، وهو القول المشهور .
وعلى كل حال سواء كان مثوى السيدة زينب عليها السلام في الشام ... أم في مصر ... فقد هيجت الاحساس ، وأوقدت نيران الثورة على أنظمة الظلم والطغيان وشلت عرش الأمويين المستبدين في وقت قصير ، لم تخب تلك الشعلة الملتهبة ، بل ظل كلامها يتجاوب صداه في ابواق التاريخ ، يرن في الآذان وهي تخاطب الطاغية يزيد بقولها :
( فو الله لا تمحو ذكرنا ... ولا تميت وحينا ... ولا تدرك أمدنا ... )
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 314 ـ
لقد عجز الطغاة عن طمس ذكر أبطال الحق ، وشهداء العدل ، ذكر زينب وآلها الكرام ... المشعل الذي يضيء الطريق أمام الهداة ، وأصحاب الضمائر الحرة ، والنبراس الذي يهتدي به كل من ثار من أجل العقيدة ، والدين والكرامة ، والانسانية ، والإباء .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 315 ـ
السيدة سكينة بنت الحسين ( عليها السلام )
ما عساني أن أكتب عن حفيدة الزهراء السيدة سكينة بنت الحسين ( عليها السلام ) بعد أن جال ابطال اهل التاريخ وأصحاب السير في أفكارهم وأقلامهم ، كلُّ في مجاله ، وحسب ميله وهواه .
وما عساني أن أقول فيمن ولدت في حجر الإيمان ، وترعرعت في كنف معدن القداسة ، وعجنت طينتها بالعفة والنزاهة . فنشأت متأثرة بحسن التربية ، وكرم الأخلاق ، وعنوان المجد والسؤدد .
جللها كرم الأصل بجلباب الشرف ، وألبسها مطارف الحياء والمعرفة والأدب ، ومما لا ريب فيه فقد بلغت حفيدة الزهراء ، وسليلة البيت النبوي الشريف ، الذروة العليا في الجمال والكمال ، والتقى والورع ، وسلكت السبيل الواضح في مجاهدة النفس ، والطريق الذي لا يشوبه أي انحراف أو ميل نحو ملذات الدنيا .
لقد كانت السيدة سكينة سابحة بين امواج العبادة والزهد والقداسة ، ترشف العلم من معينه ،و تجني الأدب من مستقاه ، حتى انعكست في مرآة نفسها ملامح الجلال والمهابة ، وفازت بشهادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث قال : ( الغالب عليها الاستغراق مع الله ) .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 216 ـ
ذكر السيد عبد الرزاق الموسوي : أن الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أتى عمه ابا عبد الله الحسين ( عليه السلام ) يخطب إحدى ابنتيه ( فاطمة ـ او سكينة ) فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) :
اختار لك فاطمة ، فهي أكثرهما شبهاً بامي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أما في الدين ، فتقوم الليل كله ، وتصوم النهار ، وفي الجمال ... تشبه الحور العين .
وأما سكينة : فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح للرجل
(1) .
اجل لقد ذهبت السيدة سكينة بحب أبيها واعزازه لها ، وفازت بتلك المكانة العالية ، والعطف الفياض ، لذلك نراه ( عليه السلام ) يردد قائلاً :
لـعمرك انني لاحب iiداراً تحل بها سكينة iiوالرباب احـبهما وابذل جل iiمالي وليس لعاتب عندي عتاب |
إلى ان يقول :
ولست لهم وان عتبوا مطيعا حـياتي أو يغيبني iiالتراب |
يمضي الزمن وتدور الأيام ، والسيدة سكينة تبز نساء عصرها علماً وتقى وورعاً وزهادة .
صحبت والدها الإمام ( عليه السلام ) إلى كربلاء ، وشاهدت تلك المجزرة العظيمة ، ومصرع أهلها الميامين .
********************************************************************************
(1) السيدة سكينة ـ للسيد عبد الرزاق الموسوي المقرم ص ـ 33 .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 317 ـ
وقفت بجانب عمتها العقيلة زينب ، تتلقى المصائب صابرة محتسبة ، وتكويها الأحزان بنار ملتهبة ، وتذوق مرارة فقد الاحبة ، فلا تزيدها كل هذه الآلام إلا عزوفاً عن ملذات الدنيا ، ويصفها والدها الحسين (ع) ( خيرة النسوان ) .
في ساعة الوداع يوم ( طف كربلاء ) افتقد الحسين ابنته الحبيبة سكينة فوجدها منحازة عن النساء ، باكية العين ، كسيرة الفؤاد .
اكب عليها يقبلها في لهفة وحنان ، ثم رفع رأسه وقال في شجاعة واشفاق : ( هلا ادخرت البكاء ليوم غد ؟ تجلدي يا حبيبتي واصبري ان الله مع الصابرين ) .
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي مـنك البكاء إذا الحمام iiدهاني لا تـحرقي قلبي بدمعك iiحسرة ما دام مني الروح في iiجثماني فـإذا قـتلت فانت أولى iiبالذي تـأتينه يـا خـيرة iiالـنسوان |
ها هي السيدة سكينة ، واقفه على أرض كربلاء ، بجانب جثة ابيها الإمام (ع) مهيضة الجناح ، حزينة القلب ، تتزاحم الدموع في مقلتيها في حين تطوي الألم والحسرات بين أضلعها وتردد :
ان الـحسين غداة الطف iiيرشقه ريب المنون فما ان يخطئ الحدقة بـكف شـر عـباد الـلّه iiكـلهم نسل البغايا وجيش المرق iiالفسقة أأمـة السوء هاتوا ما iiاحتجاجكم غـداً وجـلكم بالسيف قد iiصفقه الـويل حـل بـكم إلا بمن iiلحقه صـيرتموه لا رماح العدى iiدرقه يـا عين فاحتفلي طول الحياة iiدماً لا تـبك ولـداً ولا أهلاً ولا رفقه |
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 318 ـ
لكن على ابن رسول الله فانسكبي قـيحاً ودمـاً وفي اثريهما iiالعلقة |
ويختلط صوت سكينة مع صوت أمها الرباب ، الثكلى الوالهة ، تلك التي صغرت الدنيا في عينيها ، وكبرت المصيبة عليها ، فلم تقو على حملها لا تعرف غير البكاء والعويل ، ونسمعها تردد وتقول :
واحـسيناً فـلا نسيت iiحسيناً اقـصـدته اسـنة iiالأعـداء غـادروه بـكربلاء iiصـريعاً لا سقى اللّه جانبي كربلاء (1) |
اجل : الرباب الزوجة الوفية المخلصة التي ترعى العهد والذمام فقد ذكرت الأخبار انها استغرقت في حزنها على الحسين ، نادبة حزينة ، لا يظللها سقف . وقد خطبها الكثير من الوجهاء والأشراف ، ولكنها رفضت باصرار وقالت : ما كنت لا تخذ حماً بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ثم تشرق بدمعها وتقول نادبة :
ان الذي كان نوراً يستضاء iiبه بـكربلاء قـتيل غير iiمدفون سبط النبي جزاك اللًّه iiصالحة عنا وجنبت خسران iiالموازين قد كنت لي جبلاً صعباً ألوذ به وكنت تصحبنا بالرحم iiوالدين من لليتامى ومن للسائلين iiومن يـغني وياوي اليه كل iiمسكين واللّه لا ابتغي صهراً iiبصهركم حتى اغيب بين الرمل iiوالطين |
********************************************************************************
(1) والرباب هي زوجة الحسين ( عليه السلام ) ووالدة سكينة ، وهي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد ، فلما رأته أخذته ووضعته في حجرها وقالت هذه الأبيات .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 319 ـ
شخصية السيدة سكينة الاجتماعية :
لقد استطاعت السيدة سكينة ان تنفرد بمكانة اجتماعية مرموقة ، لم ترق اليها سيدة سواها في ذلك العصر ، فكانت الشخصية الاولى في المجتمع الحجازي ... بل الاسلامي من حيث التقى والزهد والورع والمعرفة والأدب .
على أن السيدة سكينة كانت مشغولة البال ، تراعي حركات الوالد الشفوق في معركته الجبارة ضد الظلم ، إن الأحداث العنيفة التي جذبت سكينة الى دوامة الاعصار ، وشغلتها عن كل ملذات الحياة وبهارجها ، هي التي صنعت منها الزهد والاستغراق في العبادة ، كما فعلت الأحداث بعمتها العقيلة زينب التي عاشت في صميم المعركة وألهتها الفجيعة بأخيها الحسين عليه السلام عن ولديها اللذين استشهدا في الدفاع عن الحق .
وكذلك كان حال الرباب والدة سكينة لم نسمع من المؤرخين أنها كانت تذكر ولدها عبد الله بل كانت تبكي الحسين وترثيه ، حتى ماتت حزناً وكمداً ... بعد وقعة كربلاء بعام واحد .
وبعدما ذكرنا لمحة موجزة من سيرة السيدة سكينة لا بد لنا من ذكر بعض من كتب عنها وأغرق في كتابته ، ونسب إليها اموراً لم تكن بها ، كأبي الفرج الأصبهاني مثلاً قال : ( اجتمع نسوة من أهل المدينة ، من أهل الشرف ، فتذاكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه وحسن حديثه ، فتشوقن إليه وتمنينه ، فقالت سكينة بنت الحسين (ع) أنا لكنَّ به .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 320 ـ
فأرسلت إليه رسولاً وواعدته ( الصورين ) وسمت له الليلة والوقت ، وواعدت صواحباتها فوافاههن عمر على راحلته ، فحدثهن حتى أضاء الفجر وحان انصرافهن فقال لهن : والله إني لمحتاج لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة في مسجده ، ولكن لا أخلط بزيارتكن شيئاً .
ثم انصرف الى مكة وقال :
قـالت سكينة والدموع ذوارف مـنها على الخدين iiوالجلباب لـيت المغيري الذي لم iiأجزه فـيما أطال تصيدي iiوطلابي كـانت تـرد لنا المنى iiأيامنا إذ لا نلام على هوى iiوتصابي خـبرت مـا قالت فبت iiكأنما تـرمي الـحشا بنوافذ النشاب أسـكين ما ماء الفرات iiوطيبه مني على ظمأ وطيب iiشراب بـالذِّ مـنك وإن نـأيت وقلما ترعى النساء امانة الغياب (1) |
وما رواه صاحب الأغاني ، البارع في وضع القصص والكثير من المفتريات وخصوصاً على البيت الهاشمي ، فشأنه معروف لأنه أموي النسب ( والعداء بين البيت الهاشمي النبيل والبيت الأموي متغلغل في النفوس ) .
إن كل عاقل ومنصف يكاد يقطع أن المراد من سكينة في الأبيات التي قالها عمر بن ابي ربيعة ... هي في سكينة بنت خالد بن مصعب .
والظاهر أن صاحب الأغاني الأموي ، أراد أن يبرئ ساحة سكينة بنت
********************************************************************************
(1) الاغاني لأبي الفرج الاصبهاني .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 321 ـ
خالد مما كانت عليه من الاستهتار والمجون ، فوجد من اسم سكينة بنت الحسين ( عليه السلام ) باباً واسعاً للتورية وتضليل البسطاء .
عند ذلك نسب أفعال سكينة بنت خالد بن مصعب الى سكينة بنت الحسين ، جاء بعد ذلك بعض المؤرخين والكتاب ، فأخذوا عن ابي الفرج الأصبهاني من دون أي انتباه ... أو روية ... الى الأسباب التي حملت الأصبهاني على المواربة والتحريف والتورية .
على أن قول عمر بن ابي ربيعة في شعره : ( أسكين ماماء فرات ) الخ ، ليس من الضروري أن يكون المراد سكينة بنت الحسين ، بالاضافة الى ذلك نرى أغلب الرواة يروون الشعر على النحو التالي :
قالت
( سعيدة ) والدموع ذوارف منها على الخدين والجلباب |
إلى أن يقول :
( أسعيد ) ما ماء الفرات وطيبه مـني عـلى ظمأ وفقد iiشباب |
تقول الدكتورة بنت الشاطئ :
( قال ابو الفرج : وسعيدة ... هي سعدي بنت عبد الرحمن بن عوف ، كان عمر قد تعرض لها بعد طوافه فقالت له : ويحك يا ابن أبي ربيعة ، ما تزال سادراً في حرم الله متهتكاً ! تتناول بلسانك ربات الجمال من قريش ! ...
المرأة في ظل الإسلام (21)
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 322 ـ
آمرك بتقوى الله وترك ما أنت عليه ؟
قال أبو الفرج : وإنما غيَّره المغنون ، فقالوا : ( سكينة ) .
وقال أبو إسحاق الحصري ( ت413 هـ ) بعد أن أورد هذه الأبيات كرواية القالي : ( كذب من روى هذا الشعر في سكينة رضي الله عنها )
(1) .
********************************************************************************
(1) تراجم سيدات بيت النبوة ـ الدكتورة بنت الشاطئ .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 323 ـ
عرض وتحليل
إن السيدة سكينة سليلة بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل ، من الاسرة الهاشمية العريقة التي ضربت المثل الأعلى بالإباء والشمم والعزة والكرامة ، حتى صارت مناراً لكل من أراد أن يدفع الضيم عن نفسه ويموت عزيزاً كريماً .
والدليل على ذلك ما فعله مصعب بن الزبير حينما أراد الخروج لحرب عبد الملك ابن مروان بعدما انفضَّ عنه أصحابه .
جاء مودعاً زوجته السيدة سكينة فقالت له : لا تفجعني بك ... واحزناه عليك يا مصعب ... فالتفت إليها وقال لها : أو كل هذا لي في قلبك ؟ ثم قال : لو كنت اعلم ان هذا كله لي عندك ، لكانت لي ولك حال ، ولكن أباك لم يترك لحر عذراً ، وأنشد :
وإن الاولى بالطف من آل هاشم تـأسوا فـسنوا للكرام ، iiالتأسيا |
لا أجافي الحق إذا قلت أن بني هاشم الكرام ، الذين وصفهم الفرزدق
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 324 ـ
بقصيدته المشهورة التي منها :
ولكن إلى أهل الفضائل والنهى وخير بني حواء والخير iiيطلب |
أقول : كيف يروق لبني هاشم ، أهل الفضائل والنهى ترك كريمتهم وابنة سيدهم الإمام الحسين ( عليه السلام ) تسرح وتمرح وتعقد مجالس اللهو والسمر ، وتساجل الشعراء ، وفي بني هاشم الغيرة والحمية والأنفة ؟ على أن السيدة سكينة عاشت جل حياتها في بيت أخيها علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) .
أجل زين العابدين الذي كان يواصل الليل بالنهار باكي العين حزناً على والده الحسين ( عليه السلام ) سيد شباب أهل الجنة .
كان يقول لمن يطلب منه تخفيف البكاء والتصبر : ( إني ما نظرت إلى عماتي وأخواتي إلا تذكرت فرارهن من خيمة الى خيمة ... ) .
في هذا الجو المفعم بالحزن والبكاء كانت السيدة سكينة مع اخيها السجاد وأهل بيتها الثكالي ، فكيف والحالة هذه أن يصدر منها ما يشين كرامتها وينافي الامور المتبعة في البيت الهاشمي الشريف .
علاوة على ذلك ، كيف يترك الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) وهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، شقيقته سكينة التي رافقته في مراحل المحنة القاسية ، من المدينة ... إلى كربلاء ... وإلى الشام سبايا ... ثم إلى المدينة .
ألم يكن بإمكانه ( عليه السلام ) وعظها ؟ ... وإرشادها إلى جادة الصواب ، وحملها على العمل بسيرة السلف الصالح من الامهات ... والجدات .
المرأة في ظلّ الإسلام
ـ 325 ـ
حاشا الإمام زين العابدين أن يرضى بذلك ... وحاشا السيدة سكينة من مقالة السوء ... ومن كل افتراء .
جاء في كتاب الأغاني : ( ان إسحاق الموصلي غنى الرشيد بشعر عمر بن أبي ربيعة :
قالت سكينة والدموع ذوارف منها على الخدين iiوالجلباب |
فغضب الرشيد حتى سقط القدح من يده ... ونهره وقال : لعن الله الفاسق ، ولعنك معه !... فسقط في يد إسحاق ، فعرف الرشيد ما به .
فسكن الرشيد ثم قال : ويحك أتغني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي ، وبنت رسول الله ؟ ... إلا تتحفظ في غنائك ؟ ... أو تدري ما يخرج من رأسك ) ألا ترى معي أيها القارئ ، كيف غضب الرشيد على إسحاق الموصلي وأخذته حمية النسب لأنه هاشمي ؟... مع العلم أن، العباسيين كانوا أعداء العلويين ، آل ابي طالب في زمانهم .
فكيف يسكت ... أو يرضى آل علي الكرام بما نسب للسيدة سكينة ؟... وعلى الأخص الإمام المعصوم زين العابدين ( عليه السلام ) ؟ وحاشا السيدة سكينة بنت الإمام من هذه المفتريات ، فهي أجل ... وأنقى ... وأطهر ... سليلة المقدسين الأطهار .
مـطـهرون نـقـيات iiثـيابهم تجري الصلاة عليهم اينما ذكروا |