ومن هنا أقدم عذري ، إذا تكلمت عن بعض المعارك بايجاز لأنه لا مندوحة من ذلك .
  لقد شاءت الأقدار للسيدة زينب ان ترافق الأحداث فترى الأمر الذي كان مقرراً لأبيها ينتقل إلى ( أبي بكر ) ثم إلى ( عمر ) ثم إلى ( عثمان ) ثم إلى ( علي ) وتشتعل نار الفتن التي لم تخب حتى مدة طويلة من الزمن .
  خمس سنوات قضتها السيدة زينب بالكوفة ترافق الإمام ( علي ) الذي لم يهدأ له بال ، ولم يستقر له قرار فمن وقعة ( الجمل ) الى حرب ( صفين ) الى محاربة الخوارج في ( النهروان ) يجاهد في سبيل الرسالة المقدسة لعله يتمكن من هداية الناس إلى طريق الصواب ، وحملهم على المحجة البيضاء ... والصراط المستقيم .
  يشاء القدر ان يجرع السيدة زينب مرارة اليتم ويروع قلبها الكبير ، بفقد الأب العطوف .
  ففي اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك ، عام اربعين للهجرة ، توجه الإمام عليه السلام نحو المسجد بالكوفة للصلاة ، وآذان الفجر يشق عنان السماء ، ويتعالى في الاجواء .
  وهناك في ناحية المسجد ، كمن عدو الله ( ابن ملجم ) الخارجي ليضرب الإمام بسيفه المسموم ، ويصرعه وهو ساجد في محرابه منقطع إلى خالقه .
  وتتجلى حكمة الباري عز وجل ... ومشيئته حيث التشابه بولادة الإمام واستشهاده .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 277 ـ

  ولد الإمام علي ( عليه السلام ) ( بالكعبة المشرفة ) بيت الله بمكة وقتل في مسجد الكوفة ( بيت الله ) .
  تقف عقيلة الهاشميين وقلبها يتفطر اسى ولوعة ، حين ترى اباها الحبيب ، الإمام العظيم محمولاً على الأعناق .
  جمعت عليها السلام كيانها المتداعي من هول الصدمة ، وتحاملت على نفسها ، واكبت على أبيها تغسل جرحه بدموعها المنسابة .
  ونراها واقفة تسمع أباها أمير المؤمنين ، وقد جمع اولاده وأوصاهم وصيته التي ذكرها التاريخ المملؤة بالحكم والمواعظ الصادرة عن سيد البلغاء .

وصية الامام علي بن ابي طالب ( عليه السلام ) :
  ذكر الطبري في تاريخه : لما حضرت علي بن أبي طالب الوفاة ، أوصى فكانت وصيته :
  بسم الله الرحمن الرحيم :
  هذا ما أوصى به علي بن ابي طالب اوصى انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون .
  ثم ان صلاتي ، ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك امرت وأنا من المسلمين :
  ثم اوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 278 ـ

  واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : ( ان صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام ) .
  انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم ، يهون الله عليكم الحساب .
  الله الله : في الأيتام فلا تُغبّوا أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم .
  والله الله : في جيرانكم فانهم وصية نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما زال يوصي به حتى ظننا انه سيورثه .
  والله الله : في الجهاد في سبيل الله باموالكم وانفسكم .
  والله الله : في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب .
  والله الله : في ذمة نبيكم ، فلا يظلمن بين أظهركم .
  والله الله : في أصحاب نبيكم ، فإن رسول الله اوصى بهم .
  والله الله : في الفقراء والمساكين فاشركوهم في معايشكم .
  والله الله : فيما ملكت ايمانكم .
  الصلاة الصلاة : لا تخافن في الله لومة لائم يكفيكم من ارادكم ، وبغى عليكم ، وقولوا للناس حسناً كما أمركم الله ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولي الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان ان الله شديد العقاب .
  حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم .
  استودعكم الله ، واقرأ عليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 279 ـ

  ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض رضي الله عنه . وذلك في شهر رمضان سنة أربعين ، وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر (1) .
  سمعت زينب وصية أبيها ، ووعتها بكل جوارحها لتقوم بتنفيذها لأن سلسلة الأحداث لم تزل في البداية .
  وعن محمد بن عمر قال :
  ضرب علي عليه السلام ليلة الجمعة فمكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الأحد لاحدى عشرة ليلة بقين من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة (2) .
  وفي رواية ثانية : انه عليه السلام دعا الحسن والحسين فقال : اوصيكما بتقوى الله ، وألا تبغيان الدنيا وان بغتكما ، ولا تبكيا على شيء زوي عنكما وقولا الحق ، وارحما اليتيم وأغيثا الملهوف ، واصنعا للآخرة ، وكونا للظالم خصماً ، وللمظلوم ناصراً ، واعملا بما في كتاب الله .
  و لا تأخذ كما في الله لومة لائم . ثم نظر إلى محمد بن الحنيفة فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال نعم ، قال : فإني اوصيك بمثله ، وأوصيك بتوقير اخويك ، لعظم حقهما عليك فاتبع أمرهما ولا تقطع أمراً دونهما .
  ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما ، وابن ابيكما وقد علمتما ان اباكما كان يحبه .
  وقال للحسن : اوصيك أي بني بتقوى الله ، وأقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء

********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري ـ ج ـ 5 ـ ص 147 ـ 148 .
(2) تاريخ الطبري ـ ج ـ 5 ـ ص 153 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 280 ـ

  الزكاة عند محلها ، وحسن الوضوء ، فإنه لا صلاة إلا بطهور ، ولا تقبل صلاة ، من مانع زكاة ، واوصيك بغفر الذنب وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، والحلم عند الجهل ، والتفقه في الدين ، والتثبت في الأمر ، والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واجتناب الفواحش (1) .
  هذا بعض ما ذكره المؤرخون من وصية الإمام علي عليه السلام لأولاده أو لولديه الحسن والحسين عليهما السلام .
  ان أمير المؤمنين الإمام علي يعلم حق العلم ان الحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة كما مر معنا مراراً عن لسان الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى هذا فلا يعقل أن يصدر من سيدي شباب أهل الجنة أي ذنب يخل بالسيادة ولكن أمير المؤمنين اراد من هذه الوصية وأمثالها ارساء قواعد الدين ومكارم الاخلاق للعالم اجمع وليسير على طبقها الخلف بعد السلف ليس غير ذلك وان ابناء علي عليه السلام كما قال فيهم الشاعر :
مـطـهرون نـقـيات iiثـيابهم      تجري الصلاة عليهم اينما ذكروا

 وفاة أمير المؤمنين عليه السلام :
  جلجل الخطب ، ولبى الإمام عليه السلام نداء ربه ، فارتجت الكوفة لهذا النبأ المروع ، نبأ وفاة امام الهدى ( علي بن ابي طالب ) .
  رحل الإمام إلى جوار ربه ، وترك زينب تندب أباها البطل الهمام ، باكية متفجعة ، تتجرع الحسرات .

********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري ـ ج ـ 5 ـ ص 147 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 281 ـ

  وقفت ( عليها السلام ) تذرف العبرات بصمت كئيب ، فدورها لم يحن بعد ... ينتظرها في كربلاء ، امسكت قلبها تعتصره في ذعر وهلع ، واصغت في وجوم إلى الضجة ، وإلى صيحات الألم واللوعة ، المنبعثة من حناجر المؤمنين تعلن ... مات أمير المؤمنين .
  نرى عقيلة بني هاشم ترعى الإمام الحسن وقد وقف بين الجمع يقول :
  ( لقد قبض هي هذهِ الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ، ولا يدركه الآخرون بعمل . ولقد كان يجاهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح عليه ، وما خلف صفراء ولا بيضاء ... ثم خنقته العبرة فبكى ، وبكى الناس معه (1) .
  وقال أبو الأسود الدؤلي :
الا  ابـلغ معاوية بن iiحرب      فـلا قـرت عيون iiالشامتينا
أفـي شهر الصيام iiفجعتمونا      بـخير  الناس طراً iiاجمعينا
قتلتم  خير من ركب iiالمطايا      ورحـلها ومن ركب iiالسفينا
ومن لبس النعال ومن iiحذاها      ومـن قـرأ المثاني iiوالمبينا
إذا استقبلت وجه أبي iiحسين      رأيـت البدر راع iiالناظرينا
لقد علمت قريش حيث كانت      بـانك  خـيرها حسباً iiودينا


********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 282 ـ

عقيلة بني هاشم مع اخيها الامام الحسن ( عليهما السلام ) :
  رحل الامام امير المؤمنين الى جوار ربه مشيعاً بالحسرات وترك العقيلة ( زينب ) تطوى احزانها بين اضلاعها وتحتسب عند الله كل ما تلاقيه .
  لكن سلسلة الاحداث لم تفرغ حلقاتها ، والاحزان لم تنته ، والبيت الهاشمي لا تهدأ له زفرة ولا تجف له دمعة .
  لأن حقد الامويين متغلغل في الأعماق ، ونفوسهم المنطبعة على الكراهية لآل بيت الرسول مشرئبة ، تتحين الفرص لأخذ الثأر من آل النبي المختار ، بويع الامام الحسن عليه السلام بالخلافة ، ( وهو الخليفة الحق ) والبيعة له تؤثر على معاوية المشرئبة نفسه للخلافة .
  ( معاوية ) الداهية يوآزره عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وامثالهما من طلاب الدنيا الذين شيمتهم الخداع والمكر والغدر .
  يجيدون حبك المؤامرات ، ويشترون ضمائر الناس بالاموال تارة وبالوعود والاماني طوراً .
  والحسن عليه السلام : الامام المعصوم كأبيه علي لا يحيد عن الحق ، ولا يسعه ان يشتري الناس بالاموال ، كما يفعل معاوية ، ان بيت المال للمسلمين فلا يجوز ان يصرف منه شيء الا في سبيل مصلحة الاسلام والمسلمين .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 283 ـ

  والناس عبيد الدنيا ، الا فئة قليلة هداهم الباري الى طريق الرشاد يقول الطبري (1) :
  ( بايع الناس الحسن بن علي ( عليه السلام ) بالخلافة ، ثم خرج بالناس حتى نزل المدائن ، وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر الفاً .
  واقبل معاوية في أهل الشام حتى نزل مسكن ، فبينما الحسن في المدائن ، اذ نادى منادٍ في العسكر : ( الا ان قيس بن سعد قد قتل ، فانفروا ، فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى نازعوه بساطاً كان تحته .
  تخدر الناس بمال معاوية ، فتخاذلوا عن الامام الحسن عليه السلام واضطر الى الصلح الذي عقده مع معاوية ، وبعدها رجع الى مدينة جده الرسول ، بصحبة أخيه الامام الحسين واخته العقيلة زينب وزوجها عبد الله بن جعفر ، كل هذه المواقف والمشاهد ، عاشتها عقيلة بني هاشم وفي قلبها الف غصة ، وفي عينيها تترقرق الدمعة .
  تتابع تطورات الموقف بأهتمام ، وتحسب للمستقبل الف حساب وترى اخويها السبطين بلهفة وشفقة ، معاوية يخشى الحسن ومهما خدر أعصاب الناس بالاموال فالحق دائماً هو الأعلى ، اذن لماذا لا يرتاح من هذا الخصم العظيم ؟
  ووجد المخرج ، لقد دس السم للامام الحسن ( عليه السلام ) بواسطة زوجته

********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري ـ ج 5 ـ ص 159 ـ حوادث سنة 40 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 284 ـ

  ( جعدة بنت الاشعث ) لعنها الله ، ارتاعت الحوراء زينب عندما سمعت بخبر سم اخيها الحسن فوقفت ترمق السبط الكريم وهو يلفظ كبده قطعاً من شدة السم ، تجلدت عليها السلام ، وكتمت الحسرات ، واخفت الزفرات زينب البطلة لم تخلق للبكاء والنحيب .
  انها رمز الصمود ، الانسانية النبيلة ، والمؤمنة الصابرة انها بنت علي ، ومن بني هاشم الذين ( القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة ) ، ولكن فراق الأحبة صعب ومرير .
  شيع المسلمون ، الامام الحسن الى مثواه الأخير مصحوباً باللوعة والأسف ، ورجعت زينب الى البيت الحزين ، بعد ان وُسِّد شقيقها الغالي في ملحودة قبره ، ورقد الفقيد الراحل الى جوار امه الزهراء ( بالبقيع ) عام 49 هجرية وهو في الثامنة والاربعين من عمره كما جاء في مقاتل الطالبين ، في خضم الاحداث :
  لم تنته المصاعب ، والحوادث المؤلمة ، بموت الامام الحسن ( عليه السلام ) ، وما رافق دفنه من الحزازات والآلام بل أخذت التيارات السياسية العاتية ، تلوح بالافق ، وتنذر بمأساة لها خطرها الجسيم .
  والسيدة زينب تعيش في دوامة التيارات بكل مآسيها وتقف الى جانب

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 285 ـ

  اخيها الحسين القائم بأمر الرسالة المقدسة ، التي انتقلت اليه ، بعد وفاة أخيه الحسن ( عليه السلام ) ، جاء دور الحسين ( سلام الله عليه ) ، فوقف في وجه معاوية السلطان الداهية الذي افرغ جعبة دهائه ... وخداعه ، ومكره ليأخذ البيعة لولده يزيد ، ويجعل من الخلافة الإسلامية ، ملكاً عضوداً وارثاً موروثاً .
  فوجئ المجتمع الاسلامي بهذا التدبير ، يزيد حفيد ( هند ) يتولى خلافة المسلمين ... يرثها من الأجداد ... كلما مات هرقل قام هرقل ... شمًّر زعيم بني أمية ( معاوية ) عن ساعديه ليصرف الخلافة عن الحسين حفيد ( خديجة ) أم المؤمنين والمسلمة الأولى ، الطاهرة الزكية ... وسبط الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  ليجعلها في ولده يزيد حفيد ( هند ) آكلة الأكباد ، لكن معاوية فكر ودبر ، وعزم على أخذ البيعة ليزيد مهما كان الثمن ... لقد قرر تذليل جميع العقبات التي تعترضه ، ودفع بكل اساليبه الجهنمية الى تمهيد السبيل .
  وتحت وطأة الأرهاب تارة والرشوة وبذل المال والحيلة والدهاء تارة أخرى ، تمت المؤامرات ، وبايع أهل الشام .
  وكتب معاوية الى عماله في الأمصار ، يأمرهم بأخذ البيعة بالخلافة لولي عهده يزيد المتهتك .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 286 ـ

  ويأمرهم ايضاً باستعمال الشدة والعنف ممن لم يبايع أو لم يقبل الرشوة ثمن البيعة .
  وتقول بعض المرويات : ان معاوية جلس ليأخذ البيعة ليزيد ، وعندما خطب بالناس وعرّفهم بما يريد ... هناك كثر اللغط ... وتعالت الهمسات بين الرفض والانكار ... أو السكوت على مضض .
  عندها قام أحد المقربين من معاوية فقال : يا معاوية انا لا نطيق ألسنة مضر ... وخطبها ؟! انت امير المؤمنين ، فان هلكت فان يزيد من بعدك ، فمن ابى ... فهذا وسل سيفه .
  ومهما كانت السبل الملتوية التي سلكها معاوية بن ابي سفيان في تحقيق مآربه ، واستعملها في بلوغ اطماعه ، فقد استطاع في النهاية ان يجعل من يزيد المستهتر حاكماً للمسلمين .
  أجل لقد افرغ معاوية حقده ، ونال ابن ابي سفيان مأربه من بني هاشم ، وتمادى في غيه غير مبالٍ لاوامر الباري سبحانه وسنة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  بعد مقتل ( علي ) نقض معاوية شروط الصلح التي عقدها وابرمها مع الأمام الحسن ( عليه السلام ) وأمر بسب ( علي ) بن أبي طالب ( اخي رسول الله ـ وابن عمه ـ وزوج الزهراء ـ واول القوم اسلاماً ) على منابر المسلمين .
  وقتل الكثير من الصلحاء ، والمؤمنين الابرياء امثال ( حجر بن عدي الكندي ) واصحابه ، ثم بعد هذا دس السمًّ للامام الحسن ( عليه السلام ) .
  واخيراً ألحق زياد بن ابيه بابي سفيان ، مخالفاً حكم القرآن وسنة الرسول ، واجماع المسلمين على ذلك .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 287 ـ

  ولنستمع الى أحدهم يخاطب معاوية بعد الحاقه زياداً قال :
ألا  ابـلغ معاوية ابن حرب      مـغلغة  عن الرجل iiاليماني
أتغضب  ان يقال ابوك iiعف      وترضى ان يقال ابوك زاني

  ولم يكفه كل هذا ! بل أخذ يبدد اموال بيت المسلمين يهبها لأنصاره وأعوانه ، امثال الماكر الداهية ( عمرو بن العاص ) وطريد رسول الله ( مروان بن الحكم ) والدعي الفاسق ( زياد بن ابيه ) ، ولم يخرج معاوية من الدنيا إلا بعد ان سلط ولده يزيداً على رقاب المسلمين .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 288 ـ

نذر المأساة
  انكر أهالي مدينة الرسول ، وبقية الصحابة الاخيار والمؤمنون حكومة يزيد ، وامتنع الكثير من البيعة .
  ارسل ( يزيد ) الى ابن عمه ( الوليد بن عتبة بن ابي سفيان ) والى مدينة ، يأمره ان يأخذ البيعة من الحسين بأي اسلوب كان ، او حيلة .
  وذكر صاحب اعيان الشيعة : (1)
  ( فصار الحسين ( عليه السلام ) الى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى اليه الوليد معاوية ، فاسترجع الحسين ( عليه السلام ) ثم قرأ عليه كتاب يزيد ، وما امره فيه من اخذ البيعة منه ليزيد .
  فلم يرد الحسين ( عليه السلام ) ان يصارحه بالامتناع من البيعة ، واراد التخلص منه بوجه سلمي ، فورى عن مراده وقال :
  ( أني اراك لا تقنع ببيعتي سراً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس ) فقال له الوليد : اجل ، فقال الحسين ( عليه السلام ) تصبح وترى رأيك في ذلك .
  فقال له الوليد : انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس .
  فقال له مروان بن الحكم : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها ابداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، ولكن احبس الرجل ، فلا يخرج من عندك حتى يبايع او تضرب عنقه .

********************************************************************************
(1) اعيان الشيعة ـ السيد محسن الامين ـ ج ـ 4 ـ ص ـ 73 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 289 ـ

  فلما سمع الحسين ( عليه السلام ) هذه المجابهة القاسية من مروان صارحهما حينئذ بالامتناع من البيعة ، وانه لا يمكن ان يبايع ليزيد أبداً .
  وثب الحسين ( عليه السلام ) عند ذلك وقال لمروان : ويلي عليك يا ابن الزرقاء ... انت تأمر بضرب عنقي ؟! كذبت والله ولؤمت ... ثم أقبل على الوليد فقال : ايها الامير إنا اهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا ختم ... ويزيد فاسق ، وشارب الخمر ، قاتل للنفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون اينا احق بالخلافة والبيعة ) .
  ثم خرج ( عليه السلام ) يتهادى بين مواليه ، وهو يتمثل بقول يزيد بن المقرع :
لا ذعرت السوام في غسق الصب      ح  فـقـيراً ولا دعـيت iiيـزيدا
يـوم  اعطي مخافة الموت iiضيماً      والـمنايا يـرصدنني ان iiاحـيدا

  رجع الحسين ( عليم السلام ) الى منزله ، فوجد شقيقته ( زينباً ) ساهرة قلقة تنتظر عودته ، لتعرف منه موقفه مع الوليد ، وإن كانت ( عليها السلام ) تعلم حق العلم ان الحسين لايلين ، نفس ابيه بين جنبيه ، لا يعطي بيده اعطاء الذليل ، ولا يقر لاحد اقرار العبيد .
  وصل الامام الحسين الى البيت فتلقته اخته الحوراء ( زينب ) متلهفة ، وكانت جلسة طويلة ، اطلعها على كل شيء ، وصارحها بعزمه على المسير الى العراق ، المرأة في ظل الإسلام (19)

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 290 ـ

  واعرب لها عن قراره الاخير وقد اختارها لتصحبه وتتحمل المسؤولية الجسيمة التي تنتظرها في غدها المظلم ، وكانت العقيلة زينب في وسط هذه العاصفة الهوجاء ، تقف على مسرح الاحداث صامدة بقلب ابيها ( علي ) ، ومعنويات امها ( الزهراء ) وصبر اخيها ( الحسن ) وبطولة وشجاعة سيد الشهداء ( الحسين ) .
  وارتاع بنو هاشم لقرار الحسين المفاجئ ، وعزمه الاكيد على المسير الى العراق . فاجتمعوا اليه يطلبون منه البقاء في حرم جده الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والعدول عن السفر الى الكوفة مع نسائه واطفاله وجميع اهل بيته .
  وخاطبه في ذلك ( محمد بن الحنفية ) وعبد الله بن عباس ـ وعبد الله بن جعفر ـ وعبد الله بن مطيع ـ وعبد الله بن عمر ... وغيرهم لكن الحسين ( عليه السلام ) قد عزم ولايرده عن عزمه شيء ، وقرر فلا يعدله عن قراره احد . لقد قال : ( ما قضي كائن لا محالة ) .
  وردد قول الشاعر :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى      اذا مـا نـوى خـيراً وجاهد iiمسلما
وواسـي  رجـالاً صـالحين iiبنفسه      وخـالف  مـثبوراً وفـارق iiمجرما
فـان  عشت لم اندم وان مت لم iiألم      كـفى بـك ذلاً ان تـعيش iiوترغما

  ومضت قافلة الحسين عليه السلام في طريقها الى العراق ، تاركة وراءها

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 291 ـ

  قلوبا ملتاعة ونفوسا متحسرة وأولئك الذين أشاروا عليه بالبقاء في الحجاز يأسفون والآسى يعتصر قلوبهم ، خوفا عليه من المصير المحتوم على أيدي الطغاة ، وجد السير وكانت العقيلة زينب مع النساء تلتفت من حين لآخر تلقي نظرة على ربوع الأهل والاحباب ولسان حالها يقول :
وتلفتت عيني فمذ خفيت      تلك الطلول تلفت iiالقلب

  ثم اخذتها الذكريات ورجعت بها الى الماضي لقد هاجرت الى العراق اول مرة يوم كان والدها امير المؤمنين خليفة المسلمين حيث جعل من الكوفة مقراً لدار الخلافة .
  هاجرت الى العراق مع والدها العظيم الذي كان يملأ عليها دنياها ، وها هي تسير الى العراق مرة ثانية ولكن شتان بين الامس واليوم .
  لقد مرت الاعوام التي زادت على العشرين مثقلة كئيبة مشحونة بالمصاعب والآلام فقدت فيها والدها العظيم واخاها الحسن الامام الشفوق وفقدت بفقدهما المرح والعيش الهنيء .
  وتسيل الدموع من مقلتيها غزيرة وهي تلقي نظرة ملؤها العطف والحنان على هذا الركب العظيم الذي يلغه الليل بسكونه .
  هؤلاء احبابها ... اخوها الامام ... وبنوها ... وبنو اخيها ... وبنو عمها ... زهرة شباب بني هاشم الصفوة من آل الرسول الكرام .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 292 ـ

السيدة زينب في يوم الطف
  وصل الركب الى العراق ، وحط رحاله في كربلاء ، وقف الحسين عليه السلام : يسأل : ما اسم هذه الارض ؟ فقيل له نينوى ... قال : هل لها اسم آخر ؟ قيل له : الغاضرية ... قال : او لها اسم غير ذلك ؟ قيل له : كربلاء ... فقال : ارض كرب وبلاء هنا محط رحالنا ... ومقتل رجالنا .
  نزل الامام ( عليه السلام ) وضرب فسطاطه ، ونصب اصحابه الخيام ... وكان في الجهة الثانية جيش عمر بن سعد عليه لعنة الله .
  وهنا يظهر التفاوت بين الجيشين !!... الامام الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، مع آل الرسول الاطهار واصحابه العلماء الابرار .
  وعمر بن سعد لعنة الله عليه مع رعاع أهل الكوفة وطلاب المال ، جمع الحسين اصحابه وقال لهم : (1) .
  ( أما بعد فاني لا أعلم اصحابا اوفى ولا أخير من اصحابي ( ولا أهل بيت ابر ولا اوصل ، من اهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً عني خيراً الا واني لا اظن

********************************************************************************
(1) الكامل في التاريخ لابن الاثير . ج ـ 3 ـ ص 285 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 293 ـ

  يومنا من هؤلاء الاعداء غداً ، واني قد اذنت لكم جميعاً ، فانطلقوا في حل ليس عليكم من ذمام ، هذا الليل قد غشيكم ، فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً ، ثم تفرقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فان القوم يطلبوني ، ولو اصابوني لهوا عن طلب غيري .
  فقال له أخوته وأبناؤه ، وابناء اخوته ، وابناء عبد الله بن جعفر :
  لم نفعل هذا ؟
  لنبقى بعدك !! لا ارانا الله ذلك ابداً ، فقال الحسين : يا بني عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا فقد اذنت لكم .
  قالوا : وما نقول للناس ؟ نقول : تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ، ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا .
  لا والله ... لا نفعل ، ولكنَّا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك .
  وقام اليه مسلم بن عوسجة الاسدي فقال :
  انحن نتخلى عنك ؟ ولم نعذر الى الله في اداء حقك ، اما والله لا افارقك ، حتى اكسر في صدورهم رمحي ، واضربهم بسيفي ، ما ثبت قائمه بيدي ، والله لو لم يكن معي سلاحي لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك .
  وتكلم اصحابه بنحو ذلك فجزاهم الله خيراً ، وسمعته اخته زينب تلك العشية ، وهو في خباء له يقول وعنده مولى ابي

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 294 ـ

  ذر الغفاري يعالج سيفه :
يـا دهر اف لك من خليل      كم لك بالاشراق iiوالاصيل
من صاحب او طالب قتيل      والـدهر لا يـقنع بالبديل
وانـما  الأمر الى iiالجليل      وكـل حـي سالك السبيل

  فاعادها مرتين او ثلاثة ، فلما سمعته لم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها حتى انتهت اليه ونادت : واثكلاه ، ليت الموت اعدمني الحياة .
  اليوم ماتت فاطمة أمي ، وعلي ابي وحسن اخي ، يا خليفة الماضي ، وثمال الباقي ، فذهب اليها وقال : يا اخية : لا يذهبن حلمك الشيطان . قالت : بابي انت وامي ... استقتلت ؟ نفسي لنفسك الغداء فردد غصته ، وترقرقت عيناه ثم قال : ( لو ترك القطا ليلاً لغفا ونام ) .
  عندها لطمت وجهها وشقت جيبها ، وخرت مغشياً عليها . فقام اليها الحسين ، فصب الماء على وجهها ، وقال : اتقي الله يا اختاه ، وتعزي بعزاء الله ، واعلمي ان أهل الارض يموتون ، واهل السماء لا يبقون ، و ان كل شيء هالك إلا وجه الله .
  ابي خير مني ... وامي خير مني ... واخي خير مني ، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله . اسوة .
  فعزاها بهذا العزاء ونحوه ، ثم قال لها ، يا اخية اني اقسم عليك ( فابري قسمي ) لا تشقي عليّ جيباً ، ولا تخمشي عليّ وجها ، ولاتدعي عليَّ بالويل والثبور ان انا هلكت .
  ثم خرج الى اصحابه ، فلما امسوا قضوا الليل كله يصلّون ويستغفرون ،

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 295 ـ

  ويتضرعون ، ويدعون .
سمة  العبيد من الخشوع iiعليهم      لـلّـه إن ضـمتهم iiالاسـحار
فاذا ترجلت الضحى شهدت لهم      بـيض  القواضب انهم iiاحرار

  وقف الحسين ( عليه السلام ) ونادى بأعلى صوته : ( يا عمرو بن سعد ، ويا اصحابه ، تباً لكم ايتها الجماعة وترحا ، يا عبيد الأمة وشذاذ الاحزاب ، ونبذة الكتاب ، ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ، ومحرفي الكتاب ، ومصطفي السنن ، وقتلة الانبياء ... الخ في كلام يضيق المجال عن ذكره .
  ثم قال ( عليه السلام ) : إلا واني زاحف بهذه الأسرة ، مع قلة العدد وكثرة العدو ، وخذلان الناصر ، ثم وصل ( عليه السلام ) كلامه بأبيات فروة بن مسيك المرادي فقال :

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 296 ـ

  يتعلقن بها بين صبي يئن من العطش ، ووالهة أذهلها المصاب ، وطفلة مذعورة خائفة تطلب الأمن ، وأخرى تنشد الماء .
  حرائر بيت العصمة ، وودائع الرسالة ، اللواتي لا يعرفن إلا سجف العز والمجد والسؤدد ... ورداء الجلال والدلال ، حائرات ذاهلات .
  وزينب واقفة بوسط هذا الخضم الهائج ، حائرة قلقة تراقب المعركة التي دارت رحاها في جنون لا مثيل له ... ومنجل الموت يحصد في أحبابها ، بني هاشم الصفوة الأبرار ... يقول السيد المقرم ( أما عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ) فإنها تبصر هذا وذاك ، فتجد عروة الدين الوثقى عرضة للانفصام وحبل النبوة آيلاً الى الانصرام ، ومنار الشريعة الى الخمود ، وشجرة الإمامة الى الذبول (1) .
تـنعي ليوث البأس من iiفتيانها      وغـيوثها  إن عـمت iiالبأساء
تبكيهم  بدم فقل بالمهجة iiالحرا      تـسـيل  الـعبرة iiالـحمراء
حـنت ولـكن الحنين بكاً iiوقد      ناحت ، ولكن نوحها ايماء (2)

  وبعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) حملت النساء اسارى على الأقتاب ، وبلغت بهم القسوة والجفاء ، فمروا بهن على جثث القتلى زيادة في التنكيل .

********************************************************************************
(1) مقتل الحسين ( عليه السلام ) : عبد الرزاق المقرم ـ ص ـ 338 .
(2) الابيات من قصيدة للشيخ كاشف الغطاء .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 297 ـ

  وما حال ام المصائب زينب ؟ عندما رأت هذا المشهد الفظيع ... بكل صبر وتجلد وإيمان ، رفعت كلتا يديها الى السماء وقالت : ( اللهم تقبل منا هذا القربان ) .
  وجاء في كتاب مقتل الحسين ( عليه السلام ) عن أمالي الصدوق (1) :
  ( روى أبو عبد الله الصادق عليه السلام أن الحسين ( عليه السلام ) دخل على أخيه الحسن ( عليه السلام ) في مرضه الذي استشهد فيه فلما رأى مابه بكى ، فقال له الحسن : مايبكيك يا أباعبد الله ؟ قال : أبكي لما صنع بك ... قال الحسن عليه السلام : إن الذي اوتي إلي سم اقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ، وقد ازدلف إليك ثلاثون ألفاً يدَّعون أنهم من امة جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك .
  فعندها تحل ببني امية اللعنة ، وتمطر السماء دماً ورماداً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار .
  ورحم الله السيد حيدر الحلي حيث يقول :
حشدت كتائبها على ابن iiمحمد      بـالطف  حيث تذكرت آباءها
الـلّه  اكبر يا رواسي هذه iiالا      رض البسيطة زايلي iiارجاءها
يلقى ابن منتجع الصلاح كتائبا      عقد ابن منتجع السفاح iiلواءها
ما  كان اوقحها صبيحة iiقابلت      بـالبيض جبهته تريق iiدماءها

********************************************************************************
(1) مقتل الحسين عليه السلام عبد الرزاق المقرم .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 298 ـ

مـن أيـن تـخجل أوجه iiأموية      سـكبت بـلذات الفجور iiحياءها
قهرت  بني الزهراء في سلطانها      واسـتأصلت  بصفاحها iiامراءها
مـلكت عليها الأمر حتى حرمت      في الارض مطرح جنبها وثوائها
ضاقت  بها الدنيا فحيث iiتوجهت      رأت  الـحتوف أمامها iiووراءها

  إلى أن يقول :
وقـلوب  أبـناء النبي iiتفطرت      عـطشا بقفر أرمضت iiأشلاءها
هـتك  الطغاة على بنات iiمحمد      حـجب  النبوة خدرها iiوخباءها
فتنازعت أحشاءها حرق iiالجوى      وتـجاذبت أيـدي العدو رداءها
مـا  كان أوجعها لمهجة ii(أحمد)      وأمض في كبد ( البتولة ) داءها


عقيلة بني هاشم بالكوفة :
  سار موكب الاسرى يحث السير نحو الكوفة ، وكان أبشع موكب ، وأفظع حدث شهده التاريخ .
  رؤوس الصفوة الأطهار من بني هاشم ، يتبعهم النساء المفجوعات والأيامى والأيتام ... وصل الموكب الكوفة ، وسط الجموع المحتشدة لمشاهدة اسارى بيت الرسول

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 299 ـ

  العظيم في طريقهم الى عبيد الله بن زياد ، صاحت نساء الكوفة باكيات على حال حرائر الرسول الذليلات .
  لكن زينب ابنة علي مثال الإباء صاحت بهم زاجرة ثم قالت : كما ذكر الرواة (1) .
  ( أما بعد يا أهل الكوفة ، أتبكون ؟ فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة ... إنما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ألا ساء ما تزرون .
  أي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً ، فقد ذهبتم بعارها وشنارها ، فلن ترحضوها بغسل ابداً . وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومدار حجتكم ومنار محجتكم ، وهو سيد شباب أهل الجنة ؟... لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء ... أتعجبون لو أمطرت السماء دماً ؟! ألا ساء ما سولت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون .
  أتدرون أي كبد فريتم ، وأي دم سفكتم ، وأي كريمة أبرزتم ؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً ) .
  وصل الموكب الرهيب الى دار الإمارة ، فأمسكت ( زينب ) قلبها المتصدع وهي ترى الدعي ( عبيد الله بن زياد ) جالساً حيث كان أبوها الإمام ( علي )

********************************************************************************
(1) ذكر هذه الخطبة اكثر الرواة : منهم الشيخ الطوسي في اماليه ـ وابن شهر اشوب ، واحتجاج الطبرسي ، ومقتل الحسين .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 300 ـ

  وأخوها الإمام ( الحسن ) ( عليه السلام ) أكثر من عشرين سنة في الكوفة ، ذكر الطبري في تاريخه قال : (1) ( فلما دخل برأس الحسين وصبيانه ، وأخواته ، ونسائه ، على عبيد الله بن زياد ، لبست ( زينب ) ابنة فاطمة أرذل ثيابها ، وتنكرت وحفت بها اماؤها .
  فلما دخلت جلست فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة ؟ فلم تكلمه ، قال ذلك ثلاثاً ، وكل ذلك لا تكلمه . فقال بعض امائها : هذه زينب ابنة فاطمة .
  فقال لها عبيد الله : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب احدوثتكم ، فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد ( صلى الله عليه وسلم وسلم ) وطهرنا تطهيراً لا كما تقول أنت : إنما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر .
  قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قالت : كتب عليهم القتل ، فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجُّون إليه ، وتخاصمون عنده .
  قال : فغضب ابن زياد واستشاط ، قال : فقال له عمرو بن حريث : أصلح الله الامير إنما هي امرأة ، وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها ! إنها لا تؤاخذ بقول ، ولا تلام على خطل ، فقال لها ابن زياد : قد أشفى الله نفسي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك ، قال : فبكت ثم قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد أشتفيت ، فقال لها عبيد الله :

********************************************************************************
(1) تاريخ الطبري : ج ـ 5 ـ ص ـ 457 .