على المشي بإستقامة .
  وتراهن مع هذه المضايقة وذاك الاسر يركضن لاهثات تشبها ببنات الافرنج بزعمهن انها الحضارة والمدنية ، ممسكات باذيال هذه الموديلات صاغرات لاحكامها
 الصارمة وكما قيل :
ما حيلتي فيمن تفرنج وادعى      ان  الـتفرنج شيمة iiالمتمدن

  لقد رأيت الكثيرات من السيدات اللواتي انعم الله عليهن بالمال والجاه ، يتسابقن إلى ميدان ( الموضة ) ويتبخترن بحللهن وحليهن تيهاً واعجاباً .
  كل يوم ثوب جديد ... وتسريحة جديدة ... وتقليعة جديدة إلى غير ذلك من نواحي البذخ والإسراف .
  وهذا التصرف بلا شك يجدد روح الغيرة في نفوس أكثر النساء المتوسطات الحال ، فيبذلن كل ما في وسعهن لتقليد جاراتهن أو منافستهن وقد تناسين ان هذا التقليد أو التنافس يضر بصالحهن المادي والأدبي فضلاً عما يلحقهن من الاضرار بالصحة وراحة البال .
  ولن انسي ما قالته لي أحدى الصديقات وهي من ذوات الجاه والثراء ، ومن ذوات الفهم والأدب ( كم اتمنى من صميم قلبي ان تبطل هذه الموضه اللعينة او تستأصل لأنها مضرة بالصحة والأخلاق ) .
  ثم اردفت تقول ... بعد جدال طويل دار بيني وبينها :
  ولكن ما العمل اختاه ؟ ... وأنا أخاف ان اكون البادئة ... لئلا ينسب إِليَّ البخل و التقتير المخلان بشرف وجاهتي وثروتي ... أو يظن بي الفقر وعدم الاقتدار ... الخ .
  ومما لا ريب فيه اننا اذا سألنا اللواتي تربين في مهد الفضيلة وترعرعن في

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 77 ـ

  جو الآداب وتنورت عقولهن بالحكمة والمعرفة : أي الثوبين أكثر فائدة والطف منظراً ... الثوب البسيط المنسوج من الصوف أو الكتان يجر بذيله العفة والوقار ... وسمات الطهارة والقناعة ، ثم هو مريح وفضفاض يحفظ راحة المرأة وصحتها ... أم الثوب الجديد من الازياء الحديثة ( الموضة ) الحاكمة علينا بالخضوع لأحكام التقليد الأعمى واستبداده ...
  عند ذلك لا تسمع الا الجواب الواحد ( للضرورة احكام ) ولا نتمكن من الانفراد عن بنات جنسنا ... وبيئتنا ، ونبقى اضحوكة المجتمع ، ثم يرددن متمثلات بقول الشاعر :
وما عن رضيَّ كانت سليمى بديلة      لـليلى ولـكن لـلضرورة iiاحكام
  وانني اكتب هذه السطور وقلبي يذوب أسى ولوعة لمشاهدة ما وصلنا اليه من الامور التي لا تحمد عقباها ، ونحن لاهثون وراء التقليد الأعمى بلا وعي ولا أدراك ـ قلدتموا فكأنكم لم توجدوا ـ .
  لنلقي نظرة في مجتمعنا نرى العجب ، فكم من امرأة متوسطة الحال ضعيفة التفكير والتدبير قد انفقت جميع ما لديها من اموال واثقلت عاتق زوجها بالديون ، لتجاري اترابها وجيرانها وحتى لتشتري الاثواب ( الدارجة ) والقبعات ... والاحذية الجديدة ، الى غير ذلك من لوازم ( الموضة ) التي تعود على بلادنا بالخراب وعلى اخلاقنا بالانهيار ، وعلى من ابتكر هذه الأزياء بالرزق ... والمال ... والمنفعة والخيرات .
  فمتى تستيقظ المرأة المسلمة يا ترى ؟ وتتحرر من هذه العادات والتقاليد المشينة المزرية وكما قيل :
لـلشرق والـغرب عادات iiمقدمة      كـانت ومـا برحت أولى iiبتأخير
لا  تتبعوها فكم من زهرة iiحسنت      في الناظرين وساءت في المناخير

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 78 ـ

  هلَّم يا بنات جنسي العاقلات ... يا من سطعت بكن شمس الحضارة والمدنية والرقي لنشر المبادىء الاسلامية الصحيحة ، والمشي على هدى الاسلام وتعاليمه القيمة ، ولنستأصل من نفوسنا آفة الاقتداء والتقليد لغيرنا ، وما أحسن قول الشاعر العراقي السيد احمد الصافي النجفي :
يـا شرق مالك في الحياة iiتقلد      ان  الـمـقلد تـابع iiمـستعبد
ان  الـمقلد عـائش في iiغيره      قـلدتموا  فـكأنكم لم iiتوجدوا
حـتى  لقبح الغرب قد iiقلدتموا      هذي ( خنافسكم ) عليكم تشهد
ان رمـتم قـبحاً فهاتوا قبحكم      فـعلامَ حـتى قبحكم iiمستورد

  ولقد احسن امير الشعراء شوقي حيث يقول :
ارى طوفان هذا الغرب يطغى      وأهـل  الشرق سادتهم iiنيام
فـإن  لـم يـأتنا نوح iiبفلك      عـلى  الاسلام والدنيا iiسلام

من صميم الواقع :
  إن إباحة الحرية المطلقة دعت الى توسيع الخرق وزيادة الاستهتار ، ورمت الأمة الاسلامية بفساد كبير ، فالرقص والسباحة وارتياد النوادي وركوب المرأة رأسها ، مبيحة لنفسها حرية الاجتماع على اختلاف أشكاله وأنواعه ، جرَّ الويلات على المجتمع الاسلامي العظيم .
  وفي رسالة بعثت بها السيدة الفاضلة ( معزَّز الحسينية ) الى إحدى اللواتي ينادين بحرية الاختلاط ، ونزع الحجاب ، وتقليد الإفرنج ... تقول :
  إعلمي أيتها السيدة انه يجب علينا معشر النساء العاقلات والسيدات الفاضلات ، أن ننظر الى كل رجل يحملنا على مثل هذا العمل بعين البغض

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 79 ـ

 والازدراء والاحتقار ، لأنه لا يدعونا الى فضيلة ولا الى مكرمة .
  فبربك ايتها الآنسة ان تشفقي على نفسك وعلى بنات جنسك ، ولا تطالبين بالانفراد والاستهتار ، وتنادينهن إلى العار والدمار ، بل غلبي عليك غريزة حب النوع ، ذلك أعز لك وأشرف بنا ... ( وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) .
  هبي أيتها السيدة أن الدين لم يأمر بالحجاب ، ولم ينه عن الاختلاط المبتذل والفساد ...
  أو ليس الحجاب عادة قومية ... اسلامية ... شرقية ؟ فلماذا نترك نحن هذه العادة الحسنة ، ويتمسك غيرنا بعاداته وإن كانت وحشية ، ولا نجرؤ على مطالبته بتركها ؟
  ولماذا يتمسك الانكليزي ... والافرنسي ... والألماني ... والياباني ... وغيرهم الخ بعاداته و تقاليده القومية ، وندع نحن عاداتنا وتقاليدنا القومية .
  أتنكرين أن لكل امة عادات وتقاليد ؟ فلماذا نطالب بترك عاداتنا ، لكي نندمج في سوانا ... لتضيع هذه القومية ؟ ...
  فبالله عليك لا تكوني آلة تخريب ، بل كوني آلة تعمير ولا تُخدعي يا رفيقتي فتكون المعول الذي به تهدم قوميتك ... وامتك .
  واعلمي أن قوماً يحاولون فتق هذا الرتق ، فيحملون علينا بما لا يريدون به خيراً ، إنما يريدون ان يخرجونا عن ديننا ... ووطنيتنا ... وبلادنا فيستعملون مثل هذه الدعايات ، يوماً بالتبشير الديني ... ويوماً بالاصلاح الاجتماعي ... ويوماً بالاستعمار المدني ... ويوماً بالتمدن الغربي ...الخ .
  ولا تغرنك كلمات براقة يضعها الواضعون ، من رحمة بشرية ... وانقاذ

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 80 ـ

  ضعيف ... وتحرير شعوب ، وما شاكل ذلك مثل هذه الكلمات الخلابة التي لا يراد بها غير التغرير كما قال ( غوستاف لوبون ) .
  فكوني يا سيدتي أمتن وأمنع من أن تؤثر عليك هذه المؤثرات ، ولا يتخذك المضلون عضداً والسلام عليك من رفيقتك في النوع .
  وقد ذكر الشيخ مصطفى الغلاييني (1) مقالاً للسيد فؤاد صعب (2) وبه يخاطب المرأة المسلمة حيث يقول :
  يزعمون أنك مظلومة وأنك أسيرة الحجاب يريدون تحريرك من أسرك .
  يزعمون أن الحجاب يمنعك من أن تكوني اماً راقية وزوجة صالحة ... أسفري ولتسفر جاراتك ، وليبحث العالم بعدئذٍ عن علاج يخفف من المشاكل العائلية والزوجية .
  أسفري ... ولكن مهلاً ... قبل أن تحكمي على حجابك بالهجران والنفي ، حاكميه وقابلي بين حسناته وسيآته ، لان من اللؤم أن يتناسي الانسان حسنات جمة ويقاضي على سيئة واحدة ، قابلي ... وزني ... وانظري أية الكفتين ترجح ثم احكمي .
  فإن قلت أن لا حجاب لغير المسلمات وأنهن راتعات في بحبوحة من الحرية التي لا تمنع كونهن أديبات ومحصنات .
  لا تغرك الظواهر ، ولا تخاليهن أسعد منك حظاً ، لأن الاختلاط الجنسي يقود حتماً الى تبادل العواطف ، وما زالت الغيرة غريزة في الحيوان الانساني ،

************************************************************************************************************************************************
(1) نظرات في كتاب السفور والحجاب للشيخ مصطفى الغلاييني .
(2) فؤاد صعب أديب لبناني .
وني زهرة الالباب وطراز ثوبي واعتزاز رحابي سدل الخمار بلمتي ونقابي صعب السباق مطامع الركاب سدل الخمار بلمتي ونقابي صعب السباق مطامع الركاب

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 81 ـ

  فغير المسلمة ترسف في حجب معنوية حبذا دونها حجابك المادي .
  لا تغرك الظواهر ، ولا تحسدي غير المسلمة إذا رأيتها سافرة ، سائرة الى جنب زوجها متكئة على ذراعه يقدمها في المجتمعات الى اصدقائه وصديقاته ، حتى إذا عادا الى منزلهما وقف أمامها وقفة قاضٍ ، يحاكمها على نظرة او ابتسامة .
  ولقد أجاد الشاعر الرصافي في رده على الدساسين والمستعمرين الضالين . حيث يقول :
يـقول  فـي الإسـلام ظلماً iiبأنه      يـصد  ذويـه عن طريق iiالتقدم
فـإن  كـان ذا حقاً فكيف iiتقدمت      وائـله  فـي عـهدها iiالـمتقدم
وإن  كان ذنب المسلم اليوم جهله      فماذا على الاسلام من جهل مسلم
هـل العلم في الاسلام إلا iiفريضة      وهـل امـة سـادت بغير iiالتعلم
لـقد  أيقظ الإسلام للمجد iiوالعلى      بـصائر أقـوام عـن المجد iiنوَّم
ودكَّ حـصون الـجاهلية iiبالهدى      وقـوض أطـناب الضلال iiالمخيم
ألا قـل لمن جاروا علينا iiبحكمهم      رويـداً فـقد قـارفتم كـل iiمأثم

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 82 ـ

فلا تنكروا شمس الحقيقة iiإنها      لأظهر من هذا الحديث المرجم
الحجاب ... وأثره في المجتمع :
  جاء الإسلام ، فأضاء الكون بنور تعاليمه ، هادياً الى انتهاج سبيل الحق ، رادعاً للنفس البشرية من نوازع الضلال حاثاً على اتباع الهدى ، وسلوك طريق الرشاد .
  ولما ظهر الإسلام ، رأى أن الذين في قلوبهم مرض وهم أكثرية أبناء البشر قد عميت منهم البصائر ، واستمالتهم الشهوات ناهيك عن وسوسة الشيطان ... وضعف الإنسان .
  ونحن نرى الإسلام بتشريعاته السامية ، بعيداً عن كل الأهواء والميول ، حريصاً على طهارة المرأة المسلمة .
  لذلك أمرها بالحجاب لتظل محافظة على ما حباها الله ، من هالة قدسية ... ومنزلة رفيعة ... وأدب واحتشام .
  وبما أن الفتاة لا تتمكن من الصمود أمام تيارات الفسق والاستهتار إلا إذا تهذبت تحت شعاع الأخلاق السامية ، والعفة والطهارة التي جاء بها الإسلام ، والتي وضع القرآن الكريم حداً لها .
  وعندما نقرأ القرآن الكريم بتمعن وتفهم ، نجد اكثر آياته تحرض المسلمات على الحجاب والحث عليه ، والتشديد على الالتزام به حتى لا تقع المرأة المسلمة في مشاكل تكون عواقبها وخيمة .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 83 ـ

  إن الآيات الكريمة التي وردت في القرآن الكريم بخصوص الحجاب قد نزلت آمرة المسلمين بالأخذ بها ، والعمل على طبقها ، وليست الاوامر التي وردت في القرآن الكريم هي أوامر اختيارية بل هي إلزامية .
  وها نحن نسمع الصرخات المتعالية .. ونتلقى الاحتجاجات المتتالية ، على ما وصلت اليه المرأة من التهور ، وعلى ما بلغه الرجال من فساد الاخلاق وما آلت اليه حالة المجتمع .
  ثم نرى بعض المسلمين ... والمسلمات وقد قاموا يوآزر بعضهم بعضاً . داعين إلى تمزيق حجاب المرأة وكسر قيودها وإباحة الاختلاط ... والتشبه بالأوروبيين الأجانب .
  ومما لا شك فيه ان أكثر الداعين إلى هذه الشرور ، ليس في نفوسهم حمية ... أو نخوة ... أو شرف .
  ذابت المروءة العربية والإسلامية من صدور الناس ، وتبخر الوجدان من قلوبهم .
  لقد نسي هؤلاء ان دعوتهم إلى السفور ... والاختلاط ... تزج المرأة المسلمة إلى التدهور والغرق في بحر من الظلمات وهي لم تألف السباحة في مهاوي هذه الحياة الصاخبة التي يجرونها اليها .
  هل يظن دعاة السفور ... والاختلاط ... والحرية المزعومة انهم عندما نترك الفتاة تفعل ما تريد ... وتذهب إلى حيث تشاء ... حبلها على غاربها ، هل يمكنهم من كبح جماحها ؟! وهل باستطاعتهم ارجاعها إلى سلوك طريق الصواب والحق وعدم اتباع الهوى ؟

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 84 ـ

  ولقد صدق الازري بقوله :
اكـريمة  الـزوراء لا يـذهب iiبـك      هــذا الـخـداع بـبيئة iiالـزوراء
لا  يـخـدعنك شـاعـر iiبـخـياله      ان  الـخـيال مـطـية الـشـعراء
حصروا علاجك في السفور وما دروا      ان الــذي وصـفوه عـين iiالـداء
أو لــم يـروا ان الـفتاة iiبـطبعها      كـالـماء لـم يـحفظ بـغير iiانـاء
مـن  يـكفل الـفتيات بـعد بروزها      مـمـا  يـجيش بـخاطر iiالـعذراء
ومـن الـذي يـنهى الشبيبة iiرادعاً      عـن خـدع كـل خـريدة iiحـسناء

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 85 ـ

المرأة في رحاب العلم
  لنلقي نظرة شاملة على الوضع الحاضر للمرأة في زماننا هذا ونتساءل ... هل ان الحجاب الذي فرضه الدين الإسلامي على المرأة المسلمة منع من تطورها او سيرها في مضمار المدنية ؟
  وهل ان الحجاب منعها من العلم والتعلم ... والسير قدماً نحو الكمال ؟
  أو منعها من ان تكون المرأة الفاضلة المهذبة الراقية ، ربة البيت وسيدة المجتمع كما يتقول ذلك دعاة الخلاعة والسفور ، الذين اعمى بصيرتهم الجهل وقتلهم الغرور .
  لقد رفع الإسلام من مستوى المرأة كما ذكرت سابقاً ، وجعل فيها من النشاط والإقدام ما هيأها للمسير على طريق الهدى والكرامة ، ونحو المثل العليا ، مرتكزة على أساس دينها القويم ، ومعتمدة على إيمانها العظيم .
  فالحجاب لم يمنع الفتاة المسلمة من إرتشاف العلم ، ولم يقف حجر عثرة في يوم من الأيام في سبيل تعليمها ... وتهذيبها .
  ولقد صدق الشاعر الازري حيث يقول :
ليس  الحجاب بمانع iiتعليمها      فالعلم  لم يُرفع على iiالازياء
أو لم يسع تعليمهن بغير iiان      يملأن بالاعطاف عين الرائي

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 86 ـ

  لقد احسن الشاعر الازري إلى المرأة و أدرك الحقيقة ونطق بالصواب ، حيث ان الحجاب لم يمنع المرأة من إرتشاف العلم والمعرفة ، وكان نصير الحق على عكس ما قاله : عدو المرأة أبوالعلاء المعري في شعره ، حيث انه يريد للمرأة ، ان تبقى متخبطة في دياجير الجهل .
  قال أبو العلاء المعري :
علموهن الغزل والنسج والرون      وخـلـوا  كـتـابة iiوقـراءة
فصلاة الفتاة بالحمد iiوالاخلاص      تـغني  عـن يـونس iiوبراءة

  لقد تعصب أبو العلاء المعري وجار بحكمه على المرأة ، وغاب عن فكرة ان الفتاة المتعلمة ، تزهو بحسن اخلاقها ، وتهذيبها ، و تستغنى بعلمها وثقافتها ، عن أرفع الجواهر ولو أن ملبسها بسيطاً من القماش كما قيل :
زيـني النفس iiبعلم      وعـفـاف  iiوأدب
ولتكن  هذه iiالدرار      يعقد  زينات iiالعرب
فجمال الجسم iiيغني      مثلما تغني iiالزهور
وجمال النفس يبقى      زاهـراً مر iiالدهور

تأثير العلم على المرأة :
  الفتاة المتعلمة ، تسمو بعلمها وأدبها ، وان كان ملبسها بسيطاً كما قالت عائشة التيمورية :
ان  العلوم لاصل الفخر iiجوهرة      يسمو بها قدر الوضيع ويشرف
فوجودها في درج مهجة iiفاضل      مـن  حازها بين الأنام iiمشرف

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 87 ـ

  لقد اهتم الدين الإسلامي بالنواحي الاجتماعية ، وحرض المسلمين على العمل طبق ما تقتضيه الشريعة السمحاء ، ونهى عن كل ما يفسد الأخلاق ، وحث على السير نحو المثل العليا ، في مقدمتها طلب العلم ، كما ورد ( اطلب العلم ولو في الصين ) ، ولم يحرم المرأة من هذا المورد العذب الذي ينعش الروح ويهذب النفس ( اكسير الحياة ) بل أباح لها ان تنهل من مورد العلم ما ينعش نفسها وخلقها ، ويجعلها في المستوى الذي تحمد عقباه ، فالفتاة المتعلمة ، الكاملة المهذبة ، تعرف كيف تشق طريقها في خضم الحياة الصاخب بعكس الفتاة الفقيرة إلى العلم ، الخالية الوفاض من الثقافة .
ان المصابيح ان افعمتها دسماً      أهدت  لوامعها في كل iiمقتبس
وان  خـلا زيتها جفت iiفتائلها      ين الضياء لخيط غير iiمنغمس

  فبالعلم المتوج بالدين ، والثقافة المحاطة بالأدب والتهذيب تتمكن المرأة من إدارة مملكتها الصغيرة ، وتنشئة أولادها على الاخلاق الفاضلة وتخدم قومها وبلادها حين تخرج إلى عالم الوجود شعباً حياً يعيش الحياة المثلى .
  ولا ننسى ان المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم باسره بيسارها إذ ان تربية الناشئة مهمة جليلة ، في غاية الصعوبة ، فالوليد الصغير ابن المدرسة الأولى وهي الأم كما قيل :
الأم مـدرسة إذا iiأعددتها      شـعباً  طـيب iiالاعـراق
الأم استاذ الاساتذة iiالأولى      شغلت مآثرها مدى iiالآفاق
الأم روض ان تعهده الحيا      بـالريّ  أورق ايما iiايراق

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 88 ـ

الحجاب والعلم :
  الحجاب هو ستار شرف وعفاف ، يصون المرأة ولا يمنعها من العلم والرقي وما يضير الفتاة المسلمة ، ان تتحجب الحجاب الشرعي ، وتتلقى من العلوم ما شاءت وكيف شاءت .
  والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، حث على طلب العلم بقوله كما ورد في الحديث الشريف ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) .
  وعلى هذا لم يمنع الإسلام الفتاة من أن تتلقى العلوم وتتزود بالمعرفة - ولم يمنع الحجاب المسلمة من أن تذهب إلى المدرسة ، وقد غطت رأسها ، وسترت جسمها بالحجاب الشرعي المحتشم ، تذهب إلى حيث تريد بدون تبذل واستهتار ترشف مناهل العلم وتنير بصيرتها بنور المعرفة .
  ومما لا شك فيه ، ان كل عالم ومدرك ، يوافقني على وجوب توعية الفتاة وتهذيبها ، وتعليمها وتثقيفها حتى لا تبقى جاهلة بعيدة عن الإدراك بنتائج الأحوال وعواقب الأمور .
  يأخذ العجب والغرور ، فلا ترى إلا الإنشغال بنفسها وزينتها وتستعين على إظهار جمالها ، بزخرف المعادن والأحجار ، وتتخيل انها زادت بسطة في الحسن ... ورفعة في الجاه .
  وكما قالت السيدة عائشة التيمورية تصف إحدى الجاهلات :

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 89 ـ

قـد زيـنت بـالدر غـرة جـبهة      وتـوشحت  بـخمار جـهل أسود
وتـطوقت  بـالعقد يـبهج iiجيدها      والجهل يطمس كل فضل امجد (1)

  وقال آخر :
مـا الـعز لـبسك أثواب فخرت iiبها      والجهل من تحتها ضاف على الجسد

  لا يخفى على كل ذي عقل ولب أن العلم ضروري للفتاة ، لأنه لا تصلح العائلات إلا بتعليم وتهذيب البنات ، وتثقيفهن وتربيتهن على العفة والفضيلة .
  وبما ان الأم هي المدرسة الأولى كما أسلفنا ، وهي المعلم الأول يجب عليها أن تكون على جانب من العلم والثقافة والتهذيب حتى يتسنى لها أن توجه أولادها نحو الفضيلة والكمال ، بعكس المرأة الجاهلة التي يكون ضررها على المجتمع وخيماً ورحم الله شوقي حيث يقول :
واذا  الـمعلم سـاء لحظ iiبصيرة      جـاءت عـلى يده البصائر iiحولاً
وإذا اتى الإرشاد من سبب الهوى      ومـن الـغرور فـسمه iiالتضليلا
وإذا أصـيب الـقوم في iiاخلاقهم      فـاقم  عـليهم مـأتماً iiوعـويلاً

*********************************************************************
(1) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور - زينب فواز .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 90 ـ

  ولكن أكثر فتيات العصر الحاضر الجاهلات ، ليس لهن من هم سوى حب الظهور ، والتفاخر بالمال والجاه ، وقد غاب عنهن ان أحسن حلية هي حلية الأدب ، وأفضل رصيد هو رصيد العلم ، واجمل مزية هي حسن الخلق ، واعظم ذخيرة ... ذخيرة العمل الصالح .
  وما أحسن قول الشاعرة السيدة عائشة التيمورية :
بـيد العفاف اصون عز حجابي      وبـعصمتي اسمو على iiاترابي
وبـفـكرة  وقـادة iiوقـريحة      نـقـادة قـد كـملت iiآدابـي
ولقد نظمت الشعر سيمة معشر      قـبلي  ذوات الخدر iiوالاحساب

  الى ان تقول :
فـجعلت مـرآتي جـبين iiدفاتر      وجعلت من نقش المداد iiخضابي
كم زخرفت وجنات طرسي انملي      بـعذار  خـط اواهـاب iiشبابي
ولكم  اضا شمع الذكا وتضوعت      بـعبير  قـولي روضة iiالاحباب

  الى ان تقول :
مـا  ضـرني أدبي وحسن تعلمي      لا بـكـوني زهــرة iiالالـبـاب
مـا ساءني خدري وعقد عصابتي      وطـراز  ثـوبي واعتزاز iiرحابي
مـا عـاقني خجلي عن العليا iiولا      سـدل الـخمار بـلمتي iiونـقابي
عن طي مضمار الرهان اذا اشتكت      صـعب الـسباق مـطامع iiالركاب

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 91 ـ

بل صولتي في راحتي وتفرسي      في  حسن ما اسعى لخير iiمآب

  وقال آخر :
الـعلم  يغرس كل فضل فاجتهد      إلا  يـفوتك فضل ذاك iiالمغرس
واعـلم بـان الـعلم ليس iiيناله      مـن  همه في مطعم او iiملبس
فـاجعل  لنفسك منه حظاً iiوافراً      واهجر  له طيب الرقاد iiواعبس
فـلعل يوماً ان حضرت iiبمجلس      كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس
  وقال آخر :
عـلموا الـفتيان طراً iiوالبنات      يدركوا من علمهم معنى الحياة
عـلموهم  ان قـدر المكرمات      فاق  ما بين الورى قدر النسب

  وقال آخر :
ان الـبنات iiالناشئآت      سيصرن يوماً امهات
فاذا نشأن على التقى      والـعلم كن الكاملات
هـن الدعائم iiللبيوت      وحفظ  ركن iiالعائلات

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 92 ـ

لمحة من واقع الحياة في عصرنا الحاضر :
  لا أدري ما الذي حمل بعض الناس من المتزمتين المتعصبين على الظن بان الفتاة لا تتمكن من التعلم والمحافظة على دينها وعفتها وأدبها وتهذيبها .
  ولا أدري ما الذي دفع بالمعترض على تعليم الفتاة الى هذا القول ، ولا أعلم ما هذا الغشاء الذي قام امام عينيه فلم يعد ينظر فوائد العلم والتهذيب ، على ضوء تعاليم الدين والايمان ، هذه الفوائد التي لا ينكرها إلا من اعمى بصيرته الجهل ، وخيم فوق رأسه الغرور ، وقيده حب الذات والانانية .
  وكأني به وقد رأى الناس كل يبدي رأيه ويتكلم بما يجول بخاطره ، فأراد ان يتكلم ... ولكنه بحث في زوايا دماغه ، وفتش في مخبئات قريحته ، فلم يجد غير مذهب أبي العلاء المعرّي وأتباعه من المتزمتين ... فاتخذه برهاناً وأدلى به حجة ودليلاً .
  فهل يظن هذا المعترض الغبي ان العلم خلق للرجل ! أو ان المعرفة والأدب وقف على الرجال ؟!
  لعمرى انه في ضلال مبين ، وخطأ كبير ، وتزمت ظاهر ، وتعصب أعمى لا يوجد له مبرر .
  ان كثيراً من الناس في زماننا هذا ، وفي اكثر المجتمعات الجاهلة الذين يسمون انفسهم محافظين ، هم عن الايمان بعيدون ، هؤلاء المتعصبون اعداء المرأة ، المتزمتون المنطوون على أنفسهم ، يريدون ان تبقى المرأة ترسف في اغلال من الحرمان والحيف ، يريدون منها ان تكون جليسة البيت لاهمَّ لها إلا الأكل والشرب ، شأن الحيوان الاعجم ( همه علفه )

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 93 ـ

  فكم من امرأة عاقلة حباها الباري ، سبحانه وتعالى من المواهب والذكاء ، مالو انها حالفها الحظ ، واتيح لها الانطلاق ، ومهدت أمامها السبيل لأرتشاف العلم وانتهال معين المعرفة لتفوقت وأصبحت من الاعلام البارزين .
  وكم من النساء الموهوبات اللواتي يتحسرن على العلم والتعليم ولا يكاد يسمع لهن صوت ، ولا يتبين لهن حركة ، قد شلت منهن الهمم وتخدرت المواهب ، فهن مغمورات قد القت بهن الاقدار اما ببيئة جاهلة ... لا تقدر العلم والادب ، او عند رجال متزمتين لا يرون ان المرأة خلقت لتتعلم وتتثقف كما ذكرنا ، ولكنها خلقت لإسعاد الرجل وخدمته .
  عشرات النساء من اللواتي حصلن على نصيب من العلم والمعرفة والأدب ، وحباهن الباري سبحانه وتعالى بقسط وافر من الذكاء والفطنة ، ولكن عبس بوجههن الزمن ، وعاكسهن القدر ، فانطوين على انفسهن وراء متاعب الحياة ومعاندة الظروف ومصاعب العيش .
  وقفن حائرات متطلعات الى موكب الحياة الصاخب ... بنفوس ملتاعة حساسة ... وقلوب حية ... وشعور فياض :
مـا كـل ما يتمنى المرء iiيدركه      تجرى الرياح بما لاتشتهي السفن

  أجل بعد ان عبس بوجههن القدر ، وتنكرت لهن الايام وقفن ذاهلات ... متحسرات ... متألمات ... متأوهات يكبتن الحس والشعور والمواهب والذكاء والفطنة ... يواجهن حقائق الدنيا الصلدة متخاذلات متقاعدات وبما كتب الله لهن قانعات ... على امرهن مغلوبات ... وعلى جور المتعنتين والمتزمتين صابرات .
  وقانا الله شر الجهل والجور والظلم وهدانا جميعاً لسلوك طريق الصواب .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 94 ـ

نظرة الشباب الطائش إلى العلم :
  ان اكثرية جيلنا المتطور يرون أن العلوم الجديرة بالبحث ، والتي يجب ان توجه اليها الانظار وأفكار الناشئة انما هي العلوم التي تصل بها الشعوب إلى غاياتها المادية من استعباد وبطش واستعمار ، واستثمار الضعفاء .
  وما عدا هذه العلوم ما هي إلا سفسطات من مخلفات الماضي ، شغل بها العلماء أوقات فراغهم .
  لقد راجت الدعاية الاجنبية ، وسلم الكثير من الناس بأن الأوروبيين هم أصحاب العلم والاختراع ، وأن علماءنا يستولي عليهم الجمود ، ليس لهم من الذكاء أو العقل المبدع ما يمكنهم من مواكبة ركب الحضارة والرقي ، لان عقول الشرقيين بسيطة ساذجة .
  وعندما تمكن أهل الأهواء والأغراض من نفث سمومهم ، وتخدرت العقليات ، وانصرف الناس عن الدين وتعاليمه السامية . وعن تراث الأجداد العظيم .
  وانصرف الناس أيضاً عن العلماء المخلصين حاملي لواء الدين والمعرفة الذين تزخر صدورهم بالعلم والفضل وإرشاد الناس إلى الصراط المستقيم .
  وبعدما رسخت هذه النظرية ( نظرية تفوق العقل الاوروبي المبدع على

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 95 ـ

العقل الشرقي الساذج ) (1) في عقول الناس عندها أصبح دعاة العلم والفضيلة لا يسمع لهم قول ولا يطاع لهم أمر كما قيل :
انادي وهل في الحي مصغ فيسمع      اهـم نـوم أم سـاحة الحي iiبلقع

  ربما لا يعجب هذا القول الكثير من الناس ، وقد ينعتني بعضهم بالرجعية ، لأننا أصبحنا في زمان دان فيه العالم باديان مختلفة من المادة والضلال وأصبح الجيل الصاعد المتطور يسخر بالدين ... وممن يتكلم بالدين .
  ولكن ما لنا وهؤلاء الأغبياء الجهلاء ، الذين ارتكسوا في حمأة الضلال لا يفقهون ما يقولون ولا يعرفون ما يفعلون .
  فالواجب يدعونا جميعاً للتحرر من نير الدعايات الاستعمارية ، والسموم الإلحادية .

******************************************************************************************************************************************************************
(1) يقول الدكتور جواد علي في كتابه : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام الجزء الأول ص 257 .
وقد شاعت نظرية خصائص العقلية السامية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، ووجدت لها رواجاً كبيراً لظهور بعض الآراء والمذاهب ، التي مجدت العقلية الاوربية ، وسبحت بحمدها وقالت بتفوق العقل الغربي الخلاق المبدع ، على العقل الشرقي الساذج البسيط .
و رمز العقل الشرقي هو العقل السامي، فهو لذلك عقل ساذج بسيط .
ومن أشهر مروجي هذه النظرية الفيلسوف ( رينان ) 1823 ـ 1892 م ( Ernest Renan ) وكذلك ( كراف كوبينو ) Graf Arthur Cobineau وهو من القائلين بتمايز العنصريات البشرية وبتفوق بعضها على بعض ، وسيادة العقليات الآرية على سائر العقليات ـ ومنهم أيضاً ( هوستن ستيورات شامبرلن ) : 1855 ـ 1927 م Hausten Stewart Chamberlain

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 96 ـ

  يجب ان ننهض متكاتفين لتثبيت القواعد الإسلامية في نفوس المسلمين من ناشئة وبالغين ، ونحن نملك الرصيد الروحي الكبير في صفائه ونقائه .
  وحري بالمؤمنين وعلماء المسلمين ، ودعاة الاصلاح ان يعرضوا الإسلام بطريقة غير منفرة ، تحفظ الإسلام على المسلمين ، وتحل جميع المشكلات ... ومتى حل الإسلام في النفوس صدرت الأعمال صحيحة وفقاً لتعاليمه ... وقوانينه .

التوعية الدينية :
  لقد كثر في بلادنا العربية عدد كبير من المرشدين والواعظين ، والخطباء ولا سيما في وقتنا الحاضر ، فقد نهض الكثير من الفتيان والفتيات بقيادة بعض المرشدين المتجلبين بجلباب الدين ، وقد ضاقت بهم الاندية والمجتمعات ، واصغى الكثير إلى خطبهم الرنانة مملوءة بالحكم والمواعظ والدعوة إلى الدين وانتهاج الصراط المستقيم .
  كم سررنا لهذه الخطوة المباركة ، من أهل الاصلاح والرشاد ، الذين مسح الله سبحانه وتعالى على جباههم بزيت النباهة والنبوغ ، واقامهم جنوداً للحق والحرية والعدالة والاصلاح الاجتماعي كما يدعون .
  اليسوا هم من اولئك المجاهدين المناضلين الذين وقفوا حياتهم على خدمة الأمة والدين ؟
  ولكن يا للأسف ... اقولها ونفسي تذوب اسى ولوعة كم من القادة الهداة ... والصلحاء والدعاة قد بحت أصواتهم وانتفخت أوداجهم ، وهم يحرضون الناس على سلوك طريق الإيمان واطاعة الرحمان ، ونزع الشهوات

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 97 ـ

  ومعصية الشيطان . داعين إلى انتهاج سبيل الحق ، والتخلق بالأخلاق الإسلامية السامية ، ومزايا الدين العظيم .
  ولكن لم يمض زمن طويل حتى ظهر من بعضهم الانحراف عن الاخلاص في العمل ، ولم يكن القصد من وراء أقوالهم وأفعالهم إلا المصالح الشخصية ، والغايات الذاتية ، يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم ... وكما قال الجرجاني :
ولو ان أهل العلم صانوه صانهم      ولو  عظموه في النفوس iiلعظما
ولـكن  اذلـوه جهاراً iiودنسوا      مـحياه  بـالاطماع حتى تجهما

  واستميح العذر ... إذا رددت قول الشاعر :
نـحن  فـي ايـة حال iiمعكم      لـو  فـطنا لـقضينا عـجبا
ان سكتنا مسنا الضر ... وان      نـحن لـم نسكت اسأنا الادبا

  وقانا الله وإياهم من سوء الأقوال ... وخبث النوايا ... ومضار الأفعال .
  ونسأل الله ضارعين إلى مجد عزته أن يأخذ بيد جميع العاملين في خدمة الدين ، والمشتغلين في سبيل العلم والعمل الصالح .
  قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام :
  ( ما كل من رأى شيئاً قدر عليه ، ولا كل من قدر على شيء وفق له ، ولا كل من وفق له أصاب موضعاً ، فإذا اجتمعت النية والمقدرة والتوفيق والإصابة فهناك

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 98 ـ

الزواج ... الرابطة للاسرة :
  جعل الإسلام الزواج وسيلة لربط الرجل بالمرأة ، وقضى على فوضى الجاهلية في الأمور الجنسية ، ورفع من شأن المرأة وأبعدها عن أن تكون مجرد متعة .
  قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (1) .
  فقال ( لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ) أي لتطمئنوا ... ولم يقل ( لتتمتعوا ... أو لتتلذ ذوا ) فالمرأة وسيلة للطمأنينة والراحة والود الذي يجعل الرابطة قوية بين الرجل والمرأة .
  وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، الرجل ان يعاشر زوجته بالإحسان والمعروف فقال : ( استوصوا بالنساء خيراً ) وقال أيضاً : ( خيركم خيركم لإهله ) .
  وفي سبيل المحافظة على طهارة المرأة ، وعزتها حتى لا تكون متعة رخيصة ، يتناقلها الرجال كما كانت حالة المرأة في أيام الجاهلية قبل الاسلام فقد حرم الله الزنى ، وحض على الاحصان ، ومنع البغاء ، حيث قال : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) (2) .
  وجعل عقوبة الزنا شديدة قاسية للرجل والمرأة ، وفي مباني تكملة المنهاج

*******************************************
(1) سورة الروم ـ آية ـ 21 .
(2) سورة الاسراء ـ آية ـ 32 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 99 ـ

  عن أبي عبدالله (ع) قال : ( الحر و الحرة إذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة ، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم ) (1) .
  وجاء في الوسائل (2) ان المرأة اقرَّت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالزنا أربع مرَّات ، فأمر قنبر فنادى بالناس فاجتمعوا ، وقام أمير المؤمنين عليه السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن امامكم خارج بهذه المرأة الى هذا الظهر ، ليقيم عليها الحد انشاء الله ، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمَّا خرجتم وانتم متنكرون ، ومعكم أحجاركم ، لا يتعرف منكم أحد الى احد ، فانصرفوا الى منازلكم انشاء الله .
  قال : ثم نزل ، فلما أصبح الناس بكرة خرج بالمرأة وخرج الناس معه متنكرين متلثمين بعمائهم وبأرديتهم والحجارة في ارديتهم وفي اكمامهم حتى انتهى بها والناس معه الى الظهر بالكوفة فأمر ان يحفر لها حفيرة ثم دفنها فيها .
  ثم ركب بغلته وأثبت رجله في غرز الرِّكاب ثم وضع أصبعيه السبابتين في أذنيه ونادى باعلى صوته :
  أيها الناس إن الله عهد الى نبيه صلى الله عليه وآله عهداً عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم الي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد .
  قال : فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام . فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم .

********************************************************************************************************
(1) مباني تكملة المنهاج الصالحين لحجة الاسلام السيد الخوئي ـ ج 1 ـ ص 197 .
(2) كتاب وسائل الشيعة ـ للحر العاملي ـ ج ـ 18 ـ ص ـ 341 .

المرأة في ظلّ الإسلام  ـ 100 ـ

حول استقرار المرأة في بيتها :
  أسئلة تتردد ، طبل لها وزمر كثير من الفتيات والفتيان ، وقالوا : كيف يكون الإسلام انصف المرأة وكيف اعطاها حقوقها وحريتها ؟ والقرآن الكريم قد امر المرأة كما في قوله تعالى : ( وقرن في بيوتكن ) (1)، فما هذا السجن الدائم للنساء ، ايصح ان يجعل الإسلام المرأة حبيسة البيت ، رهينة الجدران .
  والجواب : هذا افتراء على الإسلام وزعم فاسد ، يدل على شيئين : أما عدم فهم المراد من الآية الكريمة ... وأما الجهل باللغة وأساليبها .
  لقد أمر الله سبحانه وتعالى المرأة في جميع الشرائع السماوية ان تقر في بيتها للقيام بشؤونه ، والعناية بأمور الأسرة ، وتربية الأولاد ، والإشراف على مملكتها الصغيرة .
  ان المرأة المسلمة ، هي التي تعمل بما أمرها الإسلام به ، وما أوجبه عليها من حقوق ، شأنها في ذلك شأن كل فتاة تربت تربية فاضلة ، مستمدة من روح الدين ، وحقيقة الإيمان ما يجعلها قدوة لنساء العالم .
  فهي تعرف كيف تعني بترتيب منزلها ، وتربية أولادها وسعادة زوجها .
لم يجعل الإسلام المرأة في سجن كما يفندون ، بل أباح لها بعد ان تتم واجباتها المنزلية ، ان تخرج من بيتها بطلب علم ينفعها ، في دينها ودنياها ، أو لزيارة

**************************************************************************************************************************************************************************
(1) سورة الأحزاب ـ اية ـ 33 ـ وفي مجمع البيان في تفسير القرآن ( وقرن في بيوتكن ) أمرها بالاستقرار في بيوتهن ، والمعنى اثبتن في منازلكن والزمنها ـ أو كن أهل وقار وسكينة .