المأخوذ ، فقد تركته لهما ، اما عدلا واما صلحاً غير حرجين ولا متبوعين واما ما ذكرت من أمر عثمان فانه فعل ما قد علمت ورأيت من الحدث وفعل الناس ما قد رأيت من التعيير وقد علمت يا معاوية اني كنت من أمر عثمان في عزلة يسعني من ذلك ما وسع أصحاب محمد
( صلى الله عليه وآله وسلم ) الا أن تتجنى فتجن ما بدا لك ، ولعمري لقد ايفنت ما دم عثمان عندي ولا قبلى ولا أنت وليه وان دونك لاولياء ولكن الدنيا آثرت ولها كدحت وأنت بعثمان تربصت وقد استنصرك في حياته فما نصرت وأما ما ذكرت من دفع قتلة عثمان اليك فانه لا يسعني دفعهم اليك ولا إلى غيرك لأنهم محتجون في دم عثمان بان عثمان قد قتل منهم ، قبل قتلهم اياه فهم متأولون في ذلك ومحتجون فيه [ فاما ما ذكرت من انك تطلبهم في البر والبحر فاقسم بالله لئن لم تنته وتنزع عن سفهك يابن آكلة الاكباد لتجدنهم يطلبونك ولا يكلفونك طلبهم وكان أبوك أتاني حين ولى الناس أبا بكر فقال : أنت أحق الناس بهذا الأمر منهم كلهم بعد محمد وانا يدك على من شئت فابسط يدك ، أبايعك فانت أعز العرب دعوة فكرهت ذلك ، كراهة للفرقة وشق عصى الامة ، لقرب عهدهم بالكفر والارتداد فان كنت تعرف من حقى ما كان أبوك يعرفه أصبت رشدك وان لم تفعل ، استعنت بالله عليك ونعم المستعان وعليه توكلت واليه انيب ]
.
روى انه قال للخولاني : يا أبا مسلم من معاوية حتى أدفع إليه قتلة عثمان ؟ إنما عليه أن يبايعني كما بايعني المهاجرون والانصار ، ثم يجتمع أولياء عثمان ويقتص لهم الامام من قتلة والدهم ، ويحكم بما أمر الله به ، ولكن معاوية لا يجد ما يستغوى به الناس غير هذا ، ولعمري لو وجدت سبيلا
إلى الاقادة منهم في حكم الله تعالى ما اخذتني في [ أهل ] مصر لابن ( أروى )
(1) هوادة .
فلما وصل كتابه إلى معاوية وأتاه أبو مسلم بالحجج ، قال معاوية : لست انكر كل ما قال في فضائل نفسه وأهل بيته غير انه لا يقنعني إلا أن يدفع الي قتلة عثمان ، فخرج أبو مسلم في جماعة كثيرة حتى لحق بعلي ( رضي الله عنه ) .
وقال علي عليه السلام : إني لا اتعجب من معاوية وبغضه وحسده ولكن أتعجب من النعمان بن بشير وعبد الله بن عامر بن كريز وقد رأوا منزلتي عند رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجعل يقول :
أسأت إذ أحسنت ظنى iiبكم والحزم سوء الظن بالناس مـن أحسن الظن iiباعدائه تـجـرع الـهم بـانفاس |
وكتب معاوية إلى علي ( عليه السلام ) مع رجل من السكاسك يقال له عبد الله بن عقبة وكان من ناقلة العراق
(2) فكتب :
أما بعد ، فاني أظنك ان لو علمت ان الحرب تبلغ بك ما بلغت وعلمنا لم نجبها بعضنا على بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا ، فقد بقي منها ما تندم على ما مضى ونصلح به ما بقى وقد كنت سألتك الشام ، على أن لا تلزمني
(3) لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي
(4) فأعطاني الله ما منعت وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجو ولا أخاف من القتل إلا ما تخاف ، وقد والله رقت الاجناد وذهبت الرجال ونحن بنو
---------------------------
(1) ابن اروى : اسم آخر لعثمان ، كان ينادى به ، وإروى ، هي امه وهي بنت كريز بن عبدالشمس ـ راجع اسد الغابة 5 | 391 .
(2) وفي [ و] وكتب معاوية الباغي الطاغي إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
(3) في الأصلين : ( على ان تلومني ) بدل ( تلزمني ) وهو تصحيف .
(4) في [ و] : وقد كنت سألتك الشام على ان يكون مني لك طاعة ولا بيعة ...
المَنَاقِبُ
_ 156 _
عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز ولا يسترق به حر والسلام
(1) .
فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي ، قرأه قال : العجب لمعاوية وكتابه إلي ، ثم دعا عبد الله بن أبي رافع كاتبه فقال : اكتب إلى معاوية : أما بعد فقد جاءني كتابك ، تذكر فيه : انك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت لم يجبها
(2) بعضنا على بعض وأنا واياك منها في غاية لم نبلغها بعد .
فاما طلبك مني الشام فاني لم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك أمس ، وأما استواؤنا في الخوف والرجاء فإنك لست على الشك أمضى مني على اليقين وليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة ، وأما قولك ؛ انا بنو عبد مناف ، ليس لبعضنا على بعض فضل فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا المحق كالمبطل ، وفي أيدينا فضل النبوة التي بها قتلنا الحر العزيز وبعنا الحر الذليل
(3) .
فلما أتى معاوية كتاب علي عليه السلام ، كتمه عمراً أياماً ثم دعاه بعد ذلك فاقرأ الكتاب فشمت به عمرو ولم يكن أحد من قريش أشد تعظيما لعلي عليه السلام من عمرو بعد يوم لقيه عمرو فيما كان اشاربه على معاوية .
وكتب معاوية إلى ابن عباس ومكان يجيبه بقول لين ، وذلك قبل أن تعظم الحرب ، فلما قتل أهل الشام ، قال معاوية ان ابن عباس ، رجل قرشي واني كاتب إليه في عداوة بني هاشم بني امية ومخوفه عواقب هذه الحرب ، لعله يكف عنا فكتب إليه : أما بعد ، فانكم يا معشر بني هشام لستم إلى أحد
---------------------------
(1) وقعة صفين لنصر بن مزاحم | 470 .
(2) في وقعة صفين ، ( لم يجنها ) .
(3) وقعة صفين | 470 ـ 471 .
المَنَاقِبُ
_ 257 _
بالمساءة أسرع منكم إلى أنصار ابن عفان حتى انكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما دمه واستعظامهما ما نيل منه فان يك ذلك لسلطان بني أمية فقد ورثها عدى وتيم واظهرتم العارفة وقد وقع من الامر ما قد ترى واكلت هذه الحرب بعضها من بعض حتى استوينا فيها فما اطمعكم فينا ، اطمعنا فيكم وما آيسكم منا ، آيسنا منكم وقد رجونا غير الذي كان وخشينا دون ما وقع ولستم بملاقينا اليوم باحد من حد أمس ولا غداً بأحد من حد اليوم وقد منعنا بما كان من ملك الشام ومنعتم بما كان منكم وابقوا على قريش فانما بقي من رجالنا ستة : رجلان بالشام ورجلان بالعراق ورجلان بالحجاز فاما اللذان بالشام فانا وعمرو وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي وأما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر ، و[ اثنان ] من الستة ناصبان لك واخران واقفان عليك وأنت رأس هذا الجمع اليوم وغدا ولو بايع الناس لك بعد عثمان ، كنا اليك أسرع [ اجابة ] منا إلى علي . في كلام كثير كتب به إليه
(1) .
فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس ، استضحك ثم قال : حتى متى يخطب إلى عقلي وحتى متى احجم
(2) على ما في نفسي . فكتب إليه .
أما بعد ، فاما ما ذكرت من سرعتنا اليك بالمساءة والى انصار ابن عفان وسلطان بني امية ، فلعمري لقد ادركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره ، حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك واخو عثمان ، الوليد بن عقبة
(3) واما طلحة والزبير فطلبا الملك ونقضا البيعة فقاتلهما على النكث .
واما قولك : انه لم يبق من قريش غير ستة فما اكثر رجالهما واحسن بقيتها
---------------------------
(1) وقعة صفين | 414 .
(2) في وقعة صفين : ... متى أجمجم . . ، والجمجمة : ان لا يبين كلامه من غير عيّ ـ لسان العرب .
(3) هو اخوه لامه .
المَنَاقِبُ
_ 258 _
وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا إلا من خذلك واما اغراؤك ايانا بعدي وتيم فأبوبكر وعمر خير من عثمان كما ان عثمان خير منك وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله وتخاف ما بعده واما قولك اما انه لو بايع الناس لي لاستقامت لي ، فقد بايع الناس عليا عليه السلام وهو خير منى فلم تستقم له ، وانما الخلافة لمن كان في الشورى فما أنت والخلافة يا معاوية وأنت طليق وابن طليق ، وابن رأس الاحزاب وابن آكلة الأكباد ، فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال هذا عملي بنفسي لا والله لا اكتب إليه كتابا سنة
(1) .
وكتب معاوية بن ابي سفيان إلى قيس بن سعد بن عبادة اما بعد ، فانك يهودي وابن يهودي ان ظفر الفريقان اليك عزلك واستبدل بك وان ظفر أبغضهما اليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك وتر قوسه ورمى غرضه واكثر الحز واخطأ المفصل فخذله قومه وادركه يومه حتى مات بحوران
(2) طريداً
(3) .
فكتب إليه قيس : اما بعد ، فانما أنت وثن ابن وثن ، دخلت في الاسلام كرهاً وخرجت منه طوعاً لم يقدم ايمانك ولم يحدث نفاقك وقد كان أبي وتر قوسه ورمى غرضه فشعب به من لم يبلغ عقبه ، ولا شق غباره ونحن انصار الدين الذي منه خرجت واعداء الدين الذي فيه دخلت
(4).
الفصل الرابع
في بيان قتال الخوارج وهم المارقون
241 ـ أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسين علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا
---------------------------
(1) وقعة صفين | 415 .
(2) حوران ، بالفتح : كورة واسعة من اعمال دمشق في القبلة ، ذات قرى كثيره ومزارع ، قصبتها بصري ومنها اذرعا وزرع ، وحوران ايضاً ماء بنجد ـ مراصد الاطلاع .
(3) و (4) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 16 | 43 .
المَنَاقِبُ
_ 259 _
القاضي الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن فورك ( ره ) ، أخبرني أبو عبد الله بن جعفر الاصبهاني ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا القاسم بن الفضل ، حدثنا أبو نصر ، عن أبي سعيد : إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قل : تكون فرقة بين طائفتين من امتى تمرق بينهما مارقة يقتلها اولى الطائفتين بالحق
(1) رواه مسلم في الصحيح .
242 ـ وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو محمد المزني ، أخبرنا علي بن محمد بن عيسى ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرني شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان : ان أبا سعيد الخدري قال : بينا نحن عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله اعدل ، فقال : ويحك ومن يعدل إذا لم اعدل ، لقد خبت وخسرت ان لم اكن اعدل ، فقال عمر بن الخطاب : يارسول الله إئذن لى في ضرب عنقه ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : دعه فان له اصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافته فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل اسود وإحدى ثدييه مثل ثدي المرأة ومثل البضعة
(2) تدردر
(3) يخرجون على خير فرقة من الناس .
قال أبو سعيد : فاشهد أني سمعته من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )
---------------------------
(1) صحيح مسلم الجزء الثالث كتاب الزكاة ص 113 ـ كنز العمال 11 | 202 و196 ـ فردوس الاخبار 2 | 63 ، ح | 3358 صحيح أبي داود 4 | 217 ـ ح 4667 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 | 267 .
(2) في [ و] ـ البيضة .
(3) تدردر : أصله ـ تتدردر ، معناه : تضطرب وتذهب وتجيء ، النهاية .
المَنَاقِبُ
_ 260 _
واشهد ان علي بن أبي طالب عليه السلام قاتلهم وانا معه فامر بذلك الرجل فالتمس فاتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي نعته
(1) .
243 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرني أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة من اصل كتابه ، حدثنا أحمد بن حازم ، عن أبي عروة ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، حدثنا الاعمش ، عن اسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، حدثنا ابن أبي غرزة ، حدثنا عبيدالله بن موسى أخبرنا فطر بن خليفة ، عن اسماعيل بن رجاء ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فانقطعت نعله فخلف عليا عليه السلام يصلحها ، فمشى قليلا ثم قال : ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، فقال أبو بكر ، أنا هو ؟ قال لا ، قال عمر : انا هو ؟ قال لا ، ولكن خاصف النعل يعنى عليا ( عليه السلام ) فأتيناه فبشرناه فلم يرفع برأسه كأنه كان قد سمعها من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )
(2) .
244 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثني موسى بن مسعود ، حدثني عكرمة بن عمار ، عن سماك ابن زميل الدؤلى وقد كان يهوى نجدة قال : قال ابن عباس : لما اعتزلت الخوارج دخلوا دارا وهم ستة آلاف ، واجمعوا على ان يخرجوا على علي بن أبي طالب عليه السلام وأصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) [ معه ] يعني مع
---------------------------
(1) صحيح البخاري الجزء الرابع | 200 وصحيح مسلم الجزء الثالث كتاب الزكاة | 112 كنز العمال 11 | 307 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 | 265 ـ خصائص النسائي | 305 .
(2) فضائل الصحابة لابن حنبل 2 | 637 ـ اسد الغابة 4 | 32 مع اختلاف يسير ـ مستدرك الصحيحين 3 | 122 ـ ونظيره في حلية الاولياء لابي نعيم 1 | 67 .
المَنَاقِبُ
_ 261 _
علي ( عليه السلام ) قال وكان لا يزال يجيء انسان فيقول : يا أمير المؤمنين ان القوم خارجون عليك ، فيقول : دعوهم فانى لا اقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون ، فلما كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : يا أمير المؤمنين ابرد بالصلاة
(1) لعلي ادخل على هؤلاء القوم ، فأكلمهم فقال : انى اخافهم عليك ، فقلت : كلا وكنت رجلاً حسن الخلق لا اوذى احداً فأذن لى فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمنية وترجلت ودخلت عليهم نصف النهار فدخلت على قوم لم ار قوماً قط أشد منهم اجتهاداً ، جباههم قرحة من السجود وايديهم كأنها ثفن الابل ، وعليهم قمص مرخصة مشمرين ، مهشمة وجوههم من السهر ، فسلمت عليهم فقالوا مرحبا يابن عباس ، ما جاء بك قلت أتيتكم من عند المهاجرين والانصار من عند صهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علي وعليهم نزل القرآن وهو أعلم بتأويله منكم ، فقالت طائفة منهم لا تخاصموا قريشاً فان الله عزوجل قال : ( بل هم قوم خصمون )
(2) قال اثنان أو ثلاثة لنكلمنه ، فقلت هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمهاجرين والانصار وعليهم نزل القرآن وليس فيكم منهم احد وهم اعلم بتأويله منكم ، قالوا ثلاثاً ، قلت هاتوا ، قالوا اما احداهن فانه حكم الرجال في امر الله وقد قال الله عزوجل : ( إن الحكم إلا لله )
(3) فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عزوجل ، فقلت هذه واحدة ، فما [ الثانية ] ؟ قالوا اما الثانية فانه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كانوا مؤمنين ما حل لنا قتالهم وسباهم ؟ فقلت : وماذا الثالثة ؟ قالوا انه محا نفسه من أمير المؤمنين فان لم يكن أمير المؤمنين فانه لأمير الكافرين ، قلت هل عندكم غير هذا ؟ قالوا كفانا هذا ، قلت لهم : اما قولكم حكم الرجال في امر الله فانا اقرأ عليكم في كتاب الله عزوجل ما ينقض قولكم ، اترجعون ؟ قالوا : نعم ، قلت فان الله قد
---------------------------
(1) أي خفف الصلاة .
(2) الزخرف : 58 .
(3) الانعام : 57 ـ يوسف : 40 و67 .
المَنَاقِبُ
_ 262 _
صير من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن ارنب ، وتلا هذه الايه : ( لا تقتلوا الصيد وانتم حرم ) إلى قوله ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ )
(1) وقال في المرأة وزوجها : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا )
(2) الآية : فناشدتكم الله هل تعلمون حكم الرجال في اصلاح ذات بينهم وفي حقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة ، فايهما ترون أفضل ؟ قالوا : بل هذه ، قلت خرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، قلت : واما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم افتسبون أمكم عائشة ؟ فوالله ان قلتم ليست بأمنا ، لقد خرجتم من الاسلام ، والله ولئن قلتم نسبيها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد خرجتم من الاسلام وانتم بين ضلالتين ، ان الله عزوجل قال : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )
(3) فان قلتم ليست بأمنا لقد خرجتم من الإسلام ، اخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، قلت واما قولكم محى نفسه من أمير المؤمنين فأنا آتيكم بما
(4) ترضون ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الحديبية كاتب المشركين أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وقال يا علي : اكتب ( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ) فقال المشركون : والله ما نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أللهم انك تعلم اني رسولك ، امح يا علي ، اكتب ( هذا ما كاتب عليه محمد بن عبد الله ) فوالله لرسول الله خير من علي ، فلقد محى نفسه ، قال فرجع منهم الفان وخرج سائرهم فقتلوا
(5).
245 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو بكر محمد بن
---------------------------
(1) المائدة : 95 .
(2) النساء : 35 .
(3) الاحزاب : 6 .
(4) في المخطوطتين : عن ترضون .
(5) مستدرك الصحيحين 2 | 150 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه السلام 3 | 191 ـ خصائص النسائي | 326 .
المَنَاقِبُ
_ 263 _
الحسين بن علي بن المؤمل ، أخبرنا أبو أحمد الحافظ ، أخبرنا أبو عروبة ، حدثنا اسماعيل بن يعقوب ، حدثنا عقبة بن مكرم ، حدثنا عبد الله بن عيسى ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني : ان علياً عليه السلام خطب أهل الكوفة فقال : يا أهل الكوفة لولا أن تبطروا
(1) لحدثتكم بما وعدكم الله على لسان نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين تقتلونه ، منهم المخدج اليد وهو صاحب الثدية ، فوالله لا يقتل منكم عشرة ولا يفلت منهم عشرة ، فاطلبوه فطلبوه فلم يقدروا عليه ثم قال :
اطلبوه والله ما كذبت ولا كذبت ، فطلبوه فوجدوه منكباً على وجهه في جدول من تلك الجداول ، فأخذوا برجله فجروه فأتوا به أمير المؤمنين ( رضي الله عنه ) فكبر وحمد الله وخر ساجداً ومن معه من المسلمين
(2).
---------------------------
(1) البطر : التجبر وشدة النشاط .
(2) فضائل الصحابة 2 | 612 ـ تاريخ بغداد 11 | 118 وفي 1 | 174 روى جزأ منه مسند احمد 1 | 113 و121 و122 ـ خصائص النسائي | 322 ـ كنز العمال 11 | 296 مع اختلاف .
المَنَاقِبُ
_ 264 _
الفصل السابع عشر
في بيان ما نزل من الآيات في شأنه
246 ـ أخبرنا الإمام الأجل شمس الائمة سراج الدين أبو الفرج محمد بن أحمد المكي ـ أدام الله سموه ـ أخبرنا الشيخ الامام الزاهد أبو محمد اسماعيل بن علي بن اسماعيل ، حدثنا السيد الاجل الامام المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الموفق بالله ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن علي المؤدب المعروف بالمكفوف بقراءتي عليه ـ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر ، أخبرني الحسين بن محمد بن أبي هريرة ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا محمد بن الاسود ، عن مروان بن محمد ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا : يا رسول الله ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس ، وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقنا رفضونا وآلوا
(1) على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يواكلونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )
(2) ثم ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع ، وبصر بسائل فقال له النبي
---------------------------
(1) آلو : حلفوا واقسموا .
(2) المائدة : 55 .
المَنَاقِبُ
_ 265 _
( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هل أعطاك احد شيئا ؟ قال : نعم ، خاتماً من ذهب . فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من اعطاك ؟ قال : ذلك القائم واومى بيده إلى علي عليه السلام ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : على أي حال اعطاك هو ؟ قال : اعطاني وهو راكع فكبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم قرأ : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )
(1) ،
(2) فانشأ حسان بن ثابت يقول في ذلك :
أبـا حـسن تفديك نفسي ومهجتي وكـل بـطيء في الهدى iiومسارع ايـذهب مـدحيك والـمحبر iiضائعاً وما المدح في حب الاله بضائع (3) فـانت الـذي اعطيت إذ كنت iiراكعا فـدتك نـفوس الـقوم ياخير iiراكع فـانـزل فـيك الله خـير iiولايـة فـبينها في محكمات الشرائع (4) ii |
247 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني اجازة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري ـ ( رضي الله عنه ) وارضاه في داره باصبهان في سكة الخوز ـ أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنا أحمد بن محمد بن السري ، حدثنا المنذر بن محمد بن المنذر ، حدثني أبي ، حدثني عمي الحسين بن سعيد ، عن أبيه ، عن اسماعيل بن زياد البزاز ، عن إبراهيم بن مهاجر ، حدثني يزيد بن شراحيل الانصاري كاتب علي ( عليه السلام ) قال : سمعت عليا ( عليه السلام ) يقول : حدثني رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وانا مسنده إلى صدري فقال : أي علي الم تسمع قول الله
---------------------------
(1) المائدة : 56 .
(2) تفسير الطبري 6 | 186 و187 .
(3) في فرائد السمطين في جنب الاله ...
(4) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 | 181 ـ وفرائد السمطين للجويني 1 | 189 ـ تفسير الدر المنثور 2 | 293 ـ وللمزيد انظر العمدة لابن البطريق من تحقيقنا | 119 إلى 125 .
المَنَاقِبُ
_ 266 _
تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )
(1) أنت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الامم للحساب تدعون غراً محجلين
(2) .
248 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبويحيى عبد الرحمان بن سلم الرازي الاصبهاني ، حدثنا يحيى بن حريش ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن عمر ، قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب قال : نزلت هذه الآية على رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله ودخل المسجد والناس يصلون ما بين راكع وقائم ، وإذا سائل ، قال له : يا سائل اعطاك احد شيئاً ؟ قال : لا ، الا هذا الراكع لعلي اعطاني خاتما
(3) .
249 ـ وأنبأني أبو العلاء الحافظ الحسن بن أحمد العطار الهمداني اجازة ، أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحافظ ، حدثنا محمد بن عمر بن غالب ، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة ، حدثنا عباد بن يعقوب ، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله( صلى الله عليه
---------------------------
(1) البينة : 7 .
(2) شواهد التنزيل للحسكاني 2 | 356 ـ تفسير الدر المنثور 6 | 379 وكفاية الطالب | 246 .
(3) حديث مشهور وله مصادر كثيرة منها : تفسير الثعلبي المخطوط الورق | 74 ـ مناقب ابن المغازلي | 311 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي عليه السلام 2 | 409 .
المَنَاقِبُ
_ 267 _
وآله : ما أنزل الله آية فيها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ) إلا وعلي رأسها وأميرها
(1) .
250 ـ وأخبرني الشيخ الامام أبو محمد العباس بن محمد بن أبي منصور الغضارى الطوسي ـ فيما كتب إلى من نيسابور ـ أخبرنا القاضي أبو سعيد محمد ابن سعيد بن محمد بن الفرخزادي ، أخبرنا الإمام أبو إسحاق أحمد بن محمد ابن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا الشيخ أبو محمد الحسن بن أحمد بن محمد الشيباني العدل ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن بن الشرقي ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الخوارزمي ـ ابن عم الاحنف بن قيس ـ حدثنا أحمد بن حماد المروزي ، حدثني محبوب بن حميد البصري ـ وسأله عن هذا الحديث روح بن عبادة ـ بن حامد ـ [ حدثني القاسم بن بهرام ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : قال الامام أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ، وأخبرنا أيضا عبد الله بن حامد أخبرني ]
(2) أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن سهيل بمن علي بن مهران الباهلي بالبصرة ، حدثنا أبو مسعود عبد الرحمان بن فهر بن هلال ، حدثني القاسم بن يحيى ، عن أبي علي العنزي ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )
(3) قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدهما محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه أبو بكر وعمر ، وعادهما عامة العرب ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذراً ـ وكل نذر لا يكون له وفاء فليس بشيء ـ فقال علي ( عليه السلام ) : إن بريء ولداي مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكراً .
وقالت فاطمة : إن برئ ولداى مما بهما ، صمت لله ثلاثة أيام شكراً ،
---------------------------
(1) حلية الاولياء 1 | 64 ـ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 1 | 51 ـ فضائل الصحابة 2 | 654 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) 2 | 409 .
(2) ما بين المعقوفتين موجود في [ و] .
(3) الانسان : 7 .
المَنَاقِبُ
_ 268 _
وقالت جارية يقال لها فضة : إن برأ سيداي مما بهما ، صمت ثلاثة أيام شكراً ، فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قليل ولا كثير ، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون بن جابا الخيبري ـ وكان يهوديا ـ فاستقرض منه ثلاثة اصوع من شعير .
251 ـ وفي حديث المزني عن ابن مهران الباهلي : فانطلق علي ( عليه السلام ) إلى جار له من اليهود يعالج الصوف ، يقال له شمعون بن جابا ، فقال : هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بثلاثة اصوع من شعير ؟ قال : نعم ، فأعطاه ، فجاء بالشعير والصوف فاخبر فاطمة عليها السلام بذلك فقبلت وأطاعت ، قالوا فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرصا وصلى علي مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المغرب ، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين ، اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة ، فسمعه علي ( رضي الله عنه ) فبكى فانشأ يقول :
فـاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير الناس iiأجمعين أما ترين البائس المسكين قد قام بالباب له حنين (1) يـشكو إلى الله iiويستكين يـشكو الينا جائعاً iiحزين كـل امـرئ بكسبه رهين وفــاعـل iiالـخـيرات يستبين موعده جنة iiعليين حـرمها الله على iiالضنين ولـلبخيل مـوقف iiمهين تهوى به النار إلى iiسجين |
شرابه الحميم والغسلين
فانشأت فاطمة عليها السلام تقول :
---------------------------
(1) حن حنيناً : صوت لا يسما عن طرب أو حزن .
المَنَاقِبُ
_ 269 _
امرك يابن عم سمع وطاعة ما بي من لؤم ولا iiضراعة غـذيت من خبز له iiصناعة اطـعمه ولا ابـالي الساعة ارجـو إذا اشبعت ذا مجاعة ان ألحق الاخيار iiوالجماعة |
وادخل الخلد ولي شفاعة
قال : فاعطوه الطعام باجمعه ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما ان كان اليوم الثاني قامت فاطمة ( عليها السلام ) إلى صاع فطحنته واختبزته ، وصلى علي عليه السلام مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، يتيم من اولاد المهاجرين ، استشهد والدي يوم العقبة ، اطعموني اطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي ( عليه السلام ) فانشأ يقول :
فـاطم بـنت السيد iiالكريم بـنت نـبي لـيس iiبالزنيم قـد جـاءنا الله بذا iiاليتيم من يرحم اليوم فهو iiرحيم مـوعده فـي جنة iiالنعيم قـد حرم الخلد على iiاللئيم يـزل في النار إلى iiالجحيم شرابه الصديد (1) والحميم |
قال فانشأت فاطمة عليها السلام تقول :
انـي لأعـطيه ولا iiابـالي وأوثـر الله عـلى iiعـيالي امـسوا جياعاً وهم iiاشبالي اصـغرهما يـقتل في iiالقتال بـكر بـلا يـقتل iiبـاغتيال لـلقاتل الـويل مـع iiالوبال تـهوى بـه النار إلى iiسفال مـصفد الـيدين iiبـالاغلال
كبوله زادت على الاكبال (2) |
---------------------------
(1) الصديد : هو الدم والقيح الذي يسيل من الجسد ـ لسان العرب .
(2) الكبول : القيود .
المَنَاقِبُ
_ 270 _
قال : فاعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا شيئا الا الماء القراح ، فلما كان في
(1) اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته ، وصلى علي ( عليه السلام ) مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم اتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم اسير ، فوقف بالباب فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد ، تأسروننا وتشدوننا ولا تطعموننا ، اطعموني فاني اسير محمد اطعمكم الله على موائد الجنة ، فسمعه علي ( عليه السلام ) فانشأ يقول :
فـاطم يـا بـنت النبي iiأحمد بـنـت نـبي سـيد iiمـسود هـذا اسـير لـلنبي iiالمهتد مـكـبلاً فـي غـله iiمـقيد يـشكوا الينا الجوع قد iiتمرد مـن يطعم اليوم يجده في غد عـند الـعلي الواحد iiالموحد ما يزرع الزارع سوف يحصد فـاطعمي مـن غير من أنكد حـتى تـجازي بالذي لا iiينفد |
قال فانشأت فاطمة ( عليها السلام ) تقول :
لـم يبق مما جئت غير صاع قـد دمـيت كـفي مع iiالذراع ابـنـاي والله مـن iiالـجياع ابـوهما لـلخير ذو iiاصطناع يـصطنع الـمعروف iiبابتداع عبل الذراعين طويل الباع (2) ومـا عـلى رأسي من iiقناع إلا قناع نسجه من صاع (3) ii |
قال فاعطوه ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا شيئا إلا الماء القراح ، فلما كان في اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم ، اخذ علي عليه السلام بيده اليمنى الحسن وبيده اليسرى الحسين عليه السلام واقبل نحو رسول الله( صلى الله عليه
---------------------------
(1) كذا في الاصلين ولكن ( في ) زائدة .
(2) عبل الذراعين : طويلهما الباع : قد رمد اليدين ، طويل الباع : كريم مقتدر .
(3) هذا هو الصحيح وفي المخطوط : ( نسجه النساع ) ومعناه غير واضح وان امكن حمله على معنى صحيح .
المَنَاقِبُ
_ 271 _
وآله ) وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، فلما بصر به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : يا أبا الحسن ما اشد ما يسوءني ما أرى بكم ؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلي وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها ، فلما رآها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : واغوثاه بالله ، أهل بيت محمد يموتون جوعا ! فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد خذ هنأك الله في اهل بيتك ، قال : وما آخذ يا جبرئيل ؟ فاقرأه ( هل أتى على الانسان ) إلى قوله : ( انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً ) إلى آخر السورة .
وزادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث : فوثب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى دخل على فاطمة ، فلما رأى ما بهم ، انكب عليهم ثم قال : انتم منذ ثلاث فيما ارى وانا غافل عنكم ! فهبط جبرئيل بهذه الآيات : ( ان الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيراً )
(1) قال : هي عين في دار النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين
(2) .
252 ـ أخبرنا الشيخ الامام الحافظ سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا الشيخ الامام عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني اجازة ، أخبرنا الشريف أبو طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري في داره باصبهان في سكة الخوز
(3) ، أخبرنا الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك
---------------------------
(1) الدهر ـ 6 ـ 8 .
(2) لاحظ مناقب ابن المغازلي | 272 ـ 274 ـ اسد الغابة 5 | 530 خالياً عن ذكر الاشعار ـ ورواه الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل 2 | 299 عن علي عليه السلام أوجز من ذلك .
(3) سكة الخوز محلة كانت باصبهان ، قال في معجم البلدان ج 2 ص 495 (خوز) والخوزيون محلة باصبهان نزلها قوم من الخوز فنسب إليهم فيقال لها : درخوزيان ...
المَنَاقِبُ
_ 272 _
الاصبهاني ، حدثنا محمد بن أحمد بن سالم حدثني ابراهيم بن أبي طالب النيشابوري ، حدثنا محمد بن النعمان بن شبل ، حدثنا يحيى بن أبي زوق الهمداني ، عن أبيه ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) قال نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة بنت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ظلا صائمين حتى إذا كان آخر النهار واقترب الافطار قامت فاطمة عليها السلام إلى شيء من طحين كان عندها فخبزته قرص ملة
(1) وكان عندها نحي
(2) فيه شيء من سمن قليل فأدمت القرصة الملة شيء من السمن ينتظران بها افطارهما ، فأقبل مسكين رافع صوته ينادي : المسكين الجائع المحتاج ، فهتف على بابهم فقال علي عليه السلام لفاطمة : عندك شيء تطعمينه هذا المسكين ؟ قالت فاطمة : هيأت قرصا وكان في النحي شيء من سمن ، فجعلته فيه انتظر به افطارنا ، فقال لها علي عليه السلام آثري به هذا المسكين الجائع المحتاج ، فقامت فاطمة ( عليها السلام ) بالقرص مأدوماً فدفعته إلى المسكين فجعله المسكين في حضنه وخرج به متوجها من عندهما يأكل من حضن نفسه ، فاقبلت امرأة معها صبي صغير تنادي : اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ، ولا أحد ، فلما رأت المرأة التي معها اليتيم المسكين يأكل من حضن نفسه ، اقبلت باليتيم فقالت : يا عبد الله اطعم هذا اليتيم المسكين مما أراك تأكل ، فقال لها المسكين : لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق ساقه الله تعالى [ إلي ] ، ولكني ادلك على من اطعمني ، فقالت : فأدللني عليه ؟ فقال لها : أهل ذلك البيت الذي ترين ، واشار إليه من بعيد فان في ذلك المنزل رجلا وامرأة اطعمانيه ، قالت المرأة : فان الدال على الخير كفاعله ، قال المسكين وإني لارجو أن يطعما يتيمك كما اطعماني ، فأقبلت باليتيم حتى
---------------------------
(1) الملة : الجمرة والرماد الحارة وخيز الملة الخبز التي يخبز فيها .
(2) النحي : بكسر النون زق السمن .
المَنَاقِبُ
_ 273 _
ضربت على علي ونادت : يا أهل المنزل اطعموا اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم ، من فضل ما رزقكم الله ، فقال علي ( عليه السلام ) لفاطمة : عندك شيء ؟ فقال : فضل طحين عندي فجعلته حريرة وليس عندنا غيره ، وقد اقترب الافطار فقال لها علي : آثرى به هذا المسكين اليتيم ( وما عند الله خير وابقى )
(1) فقامت فاطمة عليها السلام بالقدر بما فيه فكبتها في حضن المرأة ، فخرجت المرأة تطعم الصبي اليتيم مما في حضنها ، فلم تجز بعيداً حتى اقبل أسير من اسراء المشركين ينادي : الأسير الغريب المسكين الجائع ، فلما نظر الأسير إلى المرأة تطعم الصبي من حضنها ، اقبل إليها فقال : يا أمة الله اطعميني مما اراك تطعمينه هذا الصبي ، قالت المرأة : لا لعمرك والله ما كنت لأطعمك من رزق ، رزق الله هذا اليتيم المسكين ، ولكني ادلك على من اطعمني كما دلني عليه سائل قبلك ، قال لها الاسير : وأن الدال على الخير كفاعله ، فقالت له : أهل ذلك المنزل الذي ترى فيه رجلا وامرأة ، اطعما مسكينا سائلا وهذا اليتيم ، فانطلق الاسير إلى باب علي وفاطمة ( عليهم السلام ) فهتف بأعلى صوته : يا أهل المنزل ، اطعموا الأسير الغريب المسكين من فضل ما رزقكم الله تعالى ، فقال على لفاطمة : اعندك شيء ؟ قالت : ما عندي طحين اصبت فضل تميرات فخلصتهن من النوى وعصرت النحي فقطرته على التمرات ودققت ما كان عندي من فضل الاقط ، فجعلته حيساً
(2) فما فضل عندنا شيء نفطر عليه غيره ، فقال لها علي عليه السلام : آثرى به هذا الاسير المسكين ، الغريب ، فقامت فاطمة إلى ذلك الحيس فدفعته إلى الاسير ، وباتا يتضوران على الجوع من غير افطار ، ولا عشاء ولا سحور ، ثم اصبحا صائمين حتى اتاهما الله سبحانه برزقهما عند الليل ، فصبرا
---------------------------
(1) القصص : 60 .
(2) الحيس : تمر واقط وسمن تخلط وتعجن وتسوى كالثريد ـ المعجم الوسيط .
المَنَاقِبُ
_ 274 _
على الجوع
(1) فنزل في ذلك ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماً واسيراً ) أي على شدة شهوتهم له ( مسكيناً ) قرص ملة ، ( ويتيما ) حريرة ، ( واسيراً ) حيساً ، ( انما نطعمكم ) يخبر عن ضميرهما ( لوجه الله ) يقول ارادة ما عند الله من الثواب ( لا نريد ) ( منكم ) في الدنيا ( جزاء ) يعنى ثوابا ( ولا شكوراً ) يقول ثناء يثنون به علينا ( انا نخاف ) يخبر عن ضميرهما ( من ربنا يوما عبوساً قمطريراً ( قال العبوس : تقبض ما بين العينين من اهواله وخوفه ، والقمطرير : الشديد ، ( فوقهم الله شر ذلك ) يقول خوف ذلك ( اليوم ، ولقيهم نضرة ) يقول بهجات الجنة ، ( وسروراً ) يقول سرهما من قرة العين بالجنة ( وجزاهم ) يقول واثابهم ( بما صبروا ) على الجوع حتى آثروا بالطعام لافطارهم اليتيم والمسكين والاسير ، حيساً وحريراً ( متكئين فيها على الارائك ) الارائك : الأسرة المرمولة
(2) بالدر والياقوت والزبرجد في عليين مضروبة عليها الحجال ( لا يرون فيها شمسا ) يوذيهم حرها ، ( ولا زمهريراً ) يقول لا يؤذيهم برده ، و ( دانية ) قريبة ( عليهم ظلالها وذللت [ قطوفها ] ) يقول قربت الثمار منهم ( تذليلاً ) يأكلونها قياما وقعوداً ومتكئين ومستلقين على ظهورهم ، ليس القائم باقدر عليها من المتكى ، وليس المتكى باقدر عليها من المستلقى ، ( ويطوف عليهم ولدان ) من الوصفاء ( مخلدون ) قال مسورون باسورة الذهب والفضة ، وقال مخلدون لم يذوقوا طعم الموت قط ، وانما خلقوا خدما لأهل الجنة ، ( إذا رأيتهم حسبتهم ) من بياضهم وحسنهم ( لؤلؤا منثوراً ) لكثرتهم ، فشبه بياضهم وحسنهم باللؤلؤ ، وكثرتهم بالمنثور .
المراسيل
253 ( قال رضي الله عنه ) قوله تعالى : ( فاليوم الذين آمنوا من الكفار
---------------------------
(1) في [ و] : على غير افطار .
(2) الاسرة كالاجنة : وزناً : جمع سرير ، والمرمولة : المزينة .
المَنَاقِبُ
_ 275 _
يضحكون على الارائك ينظرون )
(1) قيل نزلت في أبي جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وغيرهم من مشركي مكة ، كانوا يضحكون من بلال وعمار واصحابهما
(2) .
254 ـ وقيل ان علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسخر به المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم قالوا لأصحابهم : رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فانزل الله هذه الآية قبل ان يصل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )
(3) عن مقاتل والكلبي .
255 ـ ( قال رضي الله عنه ) قيل لما نزلت قوله : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )
(4) قالوا هل رأيتم اعجب من هذا يسفه احلامنا ويشتم آلهتنا ويرى قتلنا ويطمع أن نحبه فنزل : ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ )
(5) أي ليس في ذلك اجر لأن منفعة المودة تعود اليكم وهو ثواب الله تعالى ورضاه .
256 ـ وروى أبو الأحوص عن أبي اسحاق في قوله تعالى : ( وقفوهم انهم مسؤولون )
(6) يعنى عن ولاية علي
(7) .
257 ـ قوله تعالى : ( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ )
(8) قيل : نزلت في قصة بدر في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث لما برزوا لقتال عتبة وشيبة والوليد .
ف
( الذين آمنوا ) حمزة وعلي وعبيدة ، ( الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ) عتبة وشيبة والوليد
(9) .
---------------------------
(1) المطففين : 34 ـ 35 .
(2) روى نظيره الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 | 327 في تفسير الآية | 29 .
(3) تفسير الكشاف للزمخشري 3 | 323 .
(4) الشورى : 23 .
(5) سبأ : 47 .
(6) الصافات : 24 .
(7) رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 2 | 106 .
(8) الجاثية : 21 .
(9) نظيره في شواهد التنزيل 2 | 168 .