الاضراس وأخذ المدينة (1).
  202 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين البيهقي هذا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنى أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن اسحاق قال : وخرج عمرو بن عبد ود فنادى : من يبارز ؟ فقام علي فقال : انا لها يا نبي الله ، فقال : انه عمرو ، اجلس ، ونادى عمرو : ألا رجل وهو يؤنبهم ويقول : اين جنتكم التى تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ، أفلا تبرزون الي رجلاً ؟ فقام علي فقال : يا رسول الله انا ، فقال : انه عمرو ، قال : وان كان عمراً ، فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول :
لا تـعـجلن فـلـقد iiاتـا        ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نــيـة iiوبـصـيـرة        والـصدق  مـنجا كل iiفائز
إنــي  لارجـو ان iiاقـيم        عـلـيك نـائحة iiالـجنائز
مـن  ضـربة نجلاء iiيبقى        ذكـرهـا عـند iiالـهزاهز

  فقال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي ، قال ابن عبد مناف ؟ قال أنا علي بن أبي طالب ، قال : غيرك يابن أخي من أعمامك ، فانى اكره ان اهريق دمك ، فقال علي : لكني والله ما اكره أن اهريق دمك ، فغضب ونزل فسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا ، واستقبله على بدرقته (2) فضربه عمرو في الدرقة ، فقدها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجه وضربه علي على حبل العاتق فسقط وثار العجاج ، وسمع رسول الله

---------------------------
(1) للحديث مصادر كثيرة منها : مناقب ابن المغازلي | 176 مسند أحمد 1 | 199 ـ فضائل الصحابة له 2 | 564 ـ الطبقات لابن سعد 2 | 110 ـ مستدرك الصحيحين 3 | 38 .
(2) الدرقة جمع درق : الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب .

المَنَاقِبُ _ 170 _

  ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التكبير ، فعرف أن عليا قد قتله ، ثم اقبل علي نحو رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووجهه يتهلل (1) .
  203 ـ وأخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، أخبرنا الاستاذ الامين أبو الحسن علي بن مردك الرازي ، أخبرنا الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، حدثنا أبو حاتم محمد ابن عبد الواحد بن محمد الخزاعي املاء لفظا ، أخبرني أبو محمد ابراهيم بن محمد بن أسد بن عبد الملك السروي الحافظ ، حدثنا صالح بن أحمد بن يونس الهروي ، حدثنى علي بن أحمد بن عبد الرحمان الدمشقي ، حدثنا ضمرة ابن ربيعة ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، يفتح الله عليه ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فبات المسلمون كلهم يستشرفون لذلك ، فلما أصبح قال : أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا : أرمد العين ، قال : ائتونى به فاتى به فلما أتاه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ادن مني فدنا منه ، فتفل في عينيه ومسحهما بيده ، فقام علي بن أبي طالب عليه السلام من بين يديه وكأنه لم يرمد (2) .
  204 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبي شيرويه ، أخبرنا

---------------------------
(1) مستدرك الصحيحين 3 | 32 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه السلام 1 | 169 ـ ح | 217 .
(2) الحديث رواه عدة من الحفاظ منها : أبو نعيم في حلية الاولياء 1 | 65 ـ ابن سعد في الطبقات 2 | 111 ـ الخطيب في تاريخ بغداد 8 | 5 .

المَنَاقِبُ _ 171 _

  أبو الفضل ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أحمد بن نصر ، حدثنا صدقة بن موسى ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن ابن عباس قال : لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام عمرو بن عبد ود ، دخل على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيفه يقطر دماً ، فلما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كبر ، فكبر المسلمون ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اللهم اعط عليا فضيلة لم تعطها أحداً قبله ، ولا تعطيها أحداً بعده ، فهبط جبرئيل ومعه اترجة من الجنة ، فقال له : ان الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول لك حى بهذه علي بن أبي طالب ، فدفعها إليه فانفلقت في يده فلقتين ، فإذا فيها حريرة خضراء مكتوب فيها سطران بخضرة : تحية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب (1) .
الآثار :   205 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرنا شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرني والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت أحمد بن عبد الجبار العطاردي يقول : سمعت يحيى بن آدم يقول : ما شبهت قتل علي عمراً إلا بقول الله عزوجل (2) : ( فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت ) (3) .
  206 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله

---------------------------
(1) كتاب مائة منقبة لابن شاذان | 127 ح | 62 مع اختلاف في ذيل الحديث ورواه أيضا الكنجي في كفاية الطالب | 77 .
(2) البقرة : 251 .
(3) مستدرك الصحيحين 3 | 34 .

المَنَاقِبُ _ 172 _

  الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ـ مولى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ قال : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود ، فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم القاه من يده فلقد رأيتنى في نفر من سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب ما استطعنا ان نقلبه (1) .
  207 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، اخبرنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا ابراهيم بن اسماعيل الشوطي ، حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، حدثنا المطلب بن زياد ، عن ليث ، عن أبي جعفر ، عن جابر بن عبد الله قال : حمل علي عليه السلام باب خيبر يومئذ فجرب بعده فلم يحمله إلا أربعون رجلا (2) .
  208 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام حين ناول فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) السيف :
أفـاطم  هـاك السيف غير iiذميم        فـلـست  ب رعـديد ولا بـلئيم
لعمري لقد اعذرت عن نصر أحمد        ومـرضـاة رب بـالعباد iiرحـيم

---------------------------
(1) الحديث رواه أحمد في المسند 6 | 8 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 | 261 .
(2) تاريخ بغداد 11 | 342 وفيه جربوه ... كنز العمال 13 | 136 مع اختلاف يسير ورواه أيضاً الجويني في فرائد السمطين 1 | 261 .

المَنَاقِبُ _ 173 _

  قال ابن اسحاق : وسمع في ذلك اليوم ، وهاجت ريح شديدة فسمع مناد ينادي ، يقول :
لا سـيـف إلا ذو iiالـفقار        ولا  فــتـى إلا iiعـلـي
فــإذا نـدبـتم iiهـالـكا        فابكوا الوفى اخا الوفى (1)

  209 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن أبي قيس بن عباد القيسي قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما ان هذه الآية : ( هذان خصمان اختصموا في ربهم ) (2) نزلت في الذين برزوا يوم بدر الثلاثة : والثلاثة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة والوليد (3) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث هشيم .
  210 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، حدثنا أحمد بن كامل بن خالد بن كامل القاضي ، حدثنا العباس بن حمد ، حدثنا سعيد بن يحيى بن الازهر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن مازن العابدي قال : قال علي ابن أبي طالب : ما وحدت من قتال القوم بداً أو الكفر بما انزل الله على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (4) .

---------------------------
(1) سيرة ابن هشام 2 | 100 مع اختلاف تاريخ الطبري 2 | 211 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 | 252 .
(2) الحج : 19 .
(3) حديث مشهور رواه الحفاظ الاثبات منها : البخاري في صحيحه 5 | 95 ـ كتاب المغازلي وكتابا لتفسير [ سورة الحج : 19 ـ 21 ] ـ مسلم في صحيحة كتاب التفسير 8 | 246 وابن المغازلي في مناقبه | 264 والحاكم في مستدركه 2 | 386 .
(4) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 220 وفيه : عن ابن نباته ـ انساب الاشراف للبلاذرى 2 | 236 عن طارق بن شهاب .

المَنَاقِبُ _ 174 _

  وللسيد الحميري :
وعـلي  يـوم بدر iiعممت        كـفه  السيف وليداً iiفانعفر
ذاك  يـرويه سـليمان iiلنا        صدق الاعمش في ذاك وبر
وحـد  الله ولـم يشرك به        وقـريش  أهل عود iiوحجر

  وللصاحب كافي الكفاة :
مـن كـمولانا iiعـلي        والـوغى تحمي iiلظاها
مـن يصيد الصيد iiفيها        بـالضبا  حين iiانتضاها
انـتضاها ثـم iiامضاها        عـلـيهم  فـارتضاها
مـن  لـه في كل iiيوم        وقـعـات لا iiتـضاهي
كم وكم حرب عقام (1)         سـد  بالصمصام iiفاها
اذكــرا افـعال iiبـدر        لـست ابغى ما iiسواها
اذكــرا غـزوة احـد        انـه  شـمس iiضحاها
اذكـرا حـرب iiحـنين        إنــه  بـدر iiدجـاها
واذكـرا  الاحزاب iiتعلم        إنـه لـيث شراها (2) ii
واذكـرا أمـر iiبـراءة        واصـدقاني  من iiتلاها
واذكـرا  مهجة iiعمرو        كـيف أقـناها تـجاها
واذكـرا  من زوج iiالز        هـراء  كـيما iiيتباهى
واذكـرا  بـكرة iiطـير        فـلـقد  طـار iiنـباها
واذكـرا لـي قلل العلم        ومــن حـل iiذراهـا
حـاله  حـالة iiهارون        لـمـوسى iiفـافهماها
أعـلى حـب عـلى لا        مـني الـقوم iiسـفاها

---------------------------
(1) حرب عقام : شديدة لا يلوى فيها احد على احد يكثر فيها القتل ويبقى النساء أيامي ـ لسان العرب .
(2) الشرى : تقدم معناه .

المَنَاقِبُ _ 175 _

اهملوا قرباه iiجهلا        وتخطوا  iiمقتضاها
ردت الشمس عليه        بعد ما غاب سناها
أول الـناس iiصلاة        جعل التقوى iiحلاها

الفصل الثاني

في بيان قتال أهل الجمل وهم الناكثون
  211 ـ أخبرني الشيخ الامام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله ابن الحسن الهمداني ـ المعروف بالمروزي فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد باصبهان ـ فيما اذن لي في الرواية عنه ـ أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني ـ سنة ثلاث وسبعين واربعمائة ـ أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني حدثنا وقال أبو النجيب سعد ابن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي ،
  وأخبرنا بهذا الحديث عالياً الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الاصبهاني في كتابه إلى من اصفهان ـ سنة ثمان وثمانين واربعمائة ـ عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا شهاب بن عباد ، حدثنى جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام ما يلقى من بعده ، قال : فبكى وقال : أسألك بحق قرابتي وبحق صحبتي الا دعوت الله لي ان يقبضني الله ، قال يا علي تسألني ان ادعو الله لأجل مؤجل ، قال : فقال : يارسول الله على ما اقاتل القوم ؟ قال : على الاحداث في الدين .
  212 ـ وبهذا الاسناد عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا ، حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا عثمان بن

المَنَاقِبُ _ 176 _

  محمد ، حدثنا يونس بن أبي يعقوب ، حدثنا حماد بن عبد الرحمان الانصاري ، عن أبي سعيد التميمي ، عن علي عليه السلام قال : عهد إلي رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقيل له : يا أمير المؤمنين من الناكثون ؟ قال : الناكثون اصحاب الجمل ، والمارقون الخوارج ، والقاسطون أهل الشام (1) .
  213 ـ وبهذا الأسناد عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا ، حدثنا محمد بن أحمد البرزاز ، حدثنا جدى محمد بن الخطاب ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن عمار الدهنى ، عن سالم بن أبي الجعد قال : ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خروج بعض امهات المؤمنين ، فضحكت عايشة فقال : انظري يا حميرا لا تكونين هي ، ثم التفت إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الحسن ان وليت من امرها [ شيئاً ] فارفق بها (2) .
  214 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنا محمد بن الحسين الدقاق البغدادي ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا إبراهيم بن الحسن التغلبي ، حدثنا يحيى بن يعلى ، حدثنا عمر بن يزيد ، حدثنا عبد الله بن حنظلة ، حدثنى شهر بن حوشب قال : كنت عند ام سلمة ( رضى الله عنه ) فسلم رجل ، فقيل من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر ، قالت : مرحباً بأبي ثابت ، أدخل فدخل فرحبت به فقالت : اين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها ، قال مع علي بن

---------------------------
(1) اسد الغابة لابن اثير الجزري : 4 | 33 .
(2) مستدرك الصحيحين 3 | 119 .

المَنَاقِبُ _ 177 _

  أبي طالب عليه السلام ، قالت وفقت والذي نفس ام سلمة بيده لسمعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ولقد بعثت إبنى عمر ، وابن أخى عبد الله ـ أبي امية ـ وأمرتهما ان يقاتلا مع علي من قاتله ولولا أن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرنا أن نقر في حجالنا أو في بيوتنا ، لخرجت حتى أقف في صف علي (1) .
  215 ـ وأخبرني أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي هذا ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا عبدوس هذا كتابة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنى محمد بن عبد الله بن الحسين ، حدثنا علي بن الحسين بن اسماعيل ، حدثنا محمد بن الوليد العقيلي ، حدثنى قثم بن أبي قتادة الحراني ، حدثنا وكيع ، عن خالد النواء ، عن الأصبغ بن نباتة قال : لما ان اصيب زيد بن صوحان يوم الجمل ، أتاه علي وبه رمق ، فوقف عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فهو لما به فقال : رحمك الله يا زيد ، فوالله ما عرفناك إلا خفيف المؤنة ، كثير المعونة ، قال : فرفع إليه رأسه فقال وأنت ، يرحمك الله ، فوالله ما عرفتك إلا بالله عالما ، وبآياته عارفا ، والله ما قاتلت معك من جهل ولكني سمعت حذيفة بن اليمان يقول : سمعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : علي أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ألا وان الحق معه ، ألا وان الحق معه يتبعه ، ألا فميلوا معه (2) .
  216 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي

---------------------------
(1) نظيره في مستدرك الصحيحين 3 | 119 و124 ـ ورواه أيضا الجويني | في فرائد السمطين 1 | 177 .
(2) رواه الكشي في رجاله | 63 ـ انساب الاشراف 2 | 163 مع اختلاف في المتن .

المَنَاقِبُ _ 178 _

  الخوارزمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدى شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ، حدثنا عبيدالله بن موسى ، حدثنا ابو ميمونة ، عن أبي بشير الشيباني قال : لما قتل عثمان ، اختلف الناس في علي يقولون له : نبايعك ومعهم طلحة والزبير والمهاجرون والانصار ، فقال لا حاجة لى في الإمرة ، انظروا إلى من تختارون اكون معكم ، قال فاختلفوا إليه أربعين ليلة ، فابوا عليه إلا أن يكون يفعل ، وقالوا نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفيهنا ، قال على : اصلى بكم ويكون مفتاح بيت المال بيدي وليس أمرى دونكم ، أترضون بهذا ؟ قالوا نعم ، قال وليس أن أعطى أحداً درهماً دونكم ؟ قالوا :
  نعم ، يقول ذلك لهم ثلاثة أيام ، قالوا نعم ، فقعد على المنبر وبايعه الناس قال فنزل واعطى كل ذي حق حقه ، وسكن الناس وهدؤا قال فلم يكن إلا يسيراً حتى دخل عليه طلحة والزبير فقالا . يا أمير المؤمنين ان أرضنا أرض شديدة ، وعيالنا كثير ، ونفقتنا كثيرة ، قال : الم أقل لكم اني لا أعطى أحدا دون أحد ؟ قالوا بلى قال فأتوا باصحابكم فان رضوا بذلك أعطيتكم وإلا لم أعطكم دونهم ، ولو كان عندي شيء اعطيتكم من الذي لي لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكم من عطائي قالوا ما نريد من الذي لك شيئاً ، وخرجا من عنده فلم يلبثا إلا قليلاً حتى دخلوا عليه فقالوا ائذن لنا في العمرة ؟ قال : ما تريدون العمرة ولكن تريدون الغدرة ، قالوا كلا قال قد اذنت لكما ، اذهبا ، قال فخرجوا حتى أتوا مكة وكانت ام سلمة وعائشة بمكة فدخلوا على ام سلمة فقالوا لها وشكوا إليها فوقعت فيهما وقالت انتم تريدون الفتنة ونهتهم عن ذلك نهياً شديداً ، قال فخرجوا من عندها حتى أتوا عائشة فقالوا لها مثل ذلك ، وقالوا نريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل قالت نعم .

المَنَاقِبُ _ 179 _

  قال فكتب أمير مكة إلى علي : أن طلحة والزبير جاءا فاخرجا عائشة ، ما ندري أين خرجوا بها (1) فصعد المنبر فدعا الناس فقال : انا كنت أعلم بكم فأبيتم ، قالوا وما ذاك ؟ قال : ان طلحة والزبير أتياني فذكرا حالهما ، فقلت : ليس عندي شيء ، فاستأذناني في العمرة ، فقد أخرجا عائشة إلى البصرة تقاتلكم ، قالوا : نحن معك فمرنا بامرك ، قال : ان هؤلاء يجتمعون عليكم وارضكم شديدة ، سيروا أنتم إليهم ، وكتب إلى أمير الكوفة : يستنفر الناس قال : فاجتمعوا بالبصرة فقال علي : من ياخذ المصحف ثم يقول لهم ماذا تنقمون ، تريقون دماءنا ودمائكم ؟ فقال رجل : انا يا أمير المؤمنين ، قال : انك مقتول ، قال : لا ابالي ، قال : خذ المصحف قال : فذهب إليهم فقتلوه ، ثم قال من الغد مثل ما قال بالامس ، فقال رجل : انا ، قال : انك مقتول كما قتل صاحبك بالامس ، قال : لا ابالى ، قال فذهب فقتل ، ثم قتل آخر كل يوم واحد فقال علي : قد حل لكم قتالهم الآن ، قال فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالاً شديداً ، قال وقتل طلحة في المعركة وانهزم أصحاب الجمل ، قال وعايشة واقفة على بعيرها ليس عندها أحد ، فقال علي لمحمد بن أبي بكر : خذ بزمام بعير اختك ، فأتاها فقالت : من أنت ؟ قال ابنك (2) ، قالت كلا ، قال بلى ولو كرهت ، قال وقد كان علي عليه السلام قبل ذلك قال أين الزبير ؟ قالوا هوذا واقف ، فأرسل إليه رسولا : ادن منى حتى أخبرك ، قال وهو في السلاح قال وعلي قباطان وبرنس وسيف وقلنسوة ، فقال له الحسن : يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح وليس عليك إلا ما أرى ، قال له علي : أنته عني ، قال فدنا كل واحد منهما من الآخر حتى اختلفت رؤوس دابتيهما ، فقال له علي : تذكر يوم كنت أنا وأنت في مكان كذا وكذا ، فمر رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : لتقاتلن هذا وأنت ظالم له ؟ قال له الزبير : ذكرتني ما قد

---------------------------
(1) الامامة والسياسة 1 | 62 .
(2) مراده ان عائشة ام المؤمنين .

المَنَاقِبُ _ 180 _

  نسيت ، فلن أسل عليك سيفا فأدبر ، فقال له عبد الله ابنه : ما هذا الذي ذكر لك علي ؟ قال : ذكرني شيئا كنت قد نسيته ، فقال : بعد ما أخرجت القوم تتركهم وتذهب ، قال ابو بشر : فرد عليهم ما كان في العسكر حتى القدر . وروى ان ابنه عبد الله وبخه بتركه القتال وقال : لعلك رأيت الموت الاحمر تحت رايات ابن أبي طالب عليه السلام ، لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبداً ، فغضب الزبير من ذلك وصاح بفرسه وحمل على أصحاب علي عليه السلام حملة منكرة ، فقال علي لأصحابه : فرجوا له فانه محرج ، فأوسعوا له ، فشق الصفوف حتى خرج منها ، ثم رجع فشقها ثانية ، ولم يطعن أحداً ولم يضرب ، ثم رجع إلى ابنه فقال : هذه حملة جبان ؟ فقال له ابنه عبد الله : فلم تنصرف عنا الآن وقد التقت حلقتا البطان ؟ فقال الزبير : يا بني ارجع والله لأخبار كان النبي صلى الله عليه وآله عهدها إلى فانسيتها حتى أذكرنيها علي فعرفتها قال : ثم خرج الزبير من عسكرهم تائباً مما كان فيه وهو ينشد ويقول :
ترك  الأمور التي تخشى عواقبها      لـله أجـمل في الدنيا وفي الدين
نـادى عـلي بـأمر لست iiأنكره      قد  كان عمر أبيك الخير مذ iiحين
فـاخترت عاراً على نار iiمؤججة      أنـى  بـقوم لها خلق من iiالطين
أخـال  طلحة وسط القوم منجدلا      ركن الضعيف ومأوى كل مسكين
قد  كنت أنصر احيانا iiوينصرني      في  النائبات ويرمى من iiيرامينى
حـتى ابتلينا بامر ضاق iiمصدره      فـأصبح الـيوم ما يعنيه iiيعنينى
  قال ثم مضى الزبير منفرداً وتبعه خمسة من الفرسان ، فحمل عليهم وفرقهم وفرق جمعهم ، ومضى حتى إذا صار إلى واد السباع (1) ، فنزل على قوم

---------------------------
(1) في مراصد الاطلاع : وادي السباع الذي قتل فيه الزبير بين البصرة ومكة ووادي السباع من نواحي الكوفة .

المَنَاقِبُ _ 189 _

  إذا عرقب الجمل فادرك اختك فوارها ، وقد عرقب الجمل فوقع لجنبه وضرب بجرانه الارض ، ورغا رغاء شديداً وبادر عمار بن ياسر فقطع أنساع الهودج بسيفه واقبل علي عليه السلام على بغلة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقرع الهودج برمحه ، ثم قال : يا عائشة اهكذا أمرك رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقالت عائشة [ يا ] أبا الحسن قد ظفرت فأحسن ، وملكت فاسجح ، وقال علي عليه السلام لمحمد بن أبي بكر : شأنك باختك فلا يدنو أحد سواك ، فأدخل محمد يده إلى عائشة فاحتضنها ، ثم قال : اصابك شيء ؟ قالت لا ، ولكن من أنت ويحك فقد مسست مني ما لا يحل لك ؟ فقال محمد : اسكتي فأنا محمد أخوك ، فعلت بنفسك ما فعلت ، وعصيت ربك وهتكت سترك وابحت حرمتك ، وتعرضت للقتل ، ثم ادخلها البصرة وانزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي (1) .
  قال ( رضي الله عنه ) : ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في ذم البصرة وأهلها : ( كنتم جند المرأة واتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق ، المقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ، كأني بمسجدكم كجوجؤ سفينة قد بعث إليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها ) (2) .
  قال ( رضى الله عنه ) الزعاق : الماء الشديد الملوحة .

الفصل الثالث

في بيان قتال أهل الشام أيام صفين وهم القاسطون.
  224 ـ أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار

---------------------------
(1) انساب الاشراف 2 | 249 اقصر من ذلك .
(2) خطبة 6 من نهج البلاغة لصبحي الصالح .

المَنَاقِبُ _ 190 _

  الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، حدثنا اسماعيل بن أبان ، حدثنا اسحاق ابن ابراهيم الإزدي عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من ؟ قال : مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمار بن ياسر (1) .
  225 ـ وأخبرنا أبو منصور شهردار هذا أخبرنا أبو الفتح عبدوس هذا كتابة ، أخبرنا الامام أبو بكر أحمد بن اسحاق الفقيه ، حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا زكريا بن الخزاز المقري ، حدثنى اسماعيل بن عباد المقري ، حدثنا شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : خرج رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأتى منزل ام سلمة ، فجاء علي فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي (2) .
  226 ـ وأخبرني أبو منصور شهردار هذا كتابة ، أخبرني أبو الفتح عبدوس هذا كتابة ، حدثنا أبو بكر محمد بن بالويه ، حدثنا الحسن بن علي ين شبيب المعمري ، حدثنا محمد بن حميد ، حدثنا سلمة بن الفضل ، قال حدثني أبو زيد الاحول ، عن عتاب بن ثعلبة قال : حدثني أبو أيوب الانصاري في خلافة عمر بن الخطاب قال : أمرني رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي بن أبي طالب عليه السلام (3) .
  227 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ،

---------------------------
(1) اسد الغابة لابن الاثير 4 | 32 ـ ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 212 .
(2) تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 206 .
(3) مستدرك الصحيحين 3 | 139 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 213 .

المَنَاقِبُ _ 191 _

  أخبرنا القاضي الامام شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السبعى النيسابوري بها ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا ابراهيم بن مرزوق ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن سعيد بن أبي الحسن ، عن امه ، عن ام سلمة : ان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية (1) .
  228 ـ وبهذا الأسناد عن إبراهيم بن مرزوق هذا ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة ، عن خالد الحذاء ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن امه ، عن ام سلمة : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية (2) أخرجه مسلم في الصحيح .
  229 ـ وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله ابن بطة الاصبهاني ، حدثنا الحسن بن الجهم ، حدثنا الحسين بن الفرج ، حدثنا محمد بن عمرو ـ هو الواقدي ـ حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسل سيفاً ، وشهد صفين وقال لا اصلي ابداً (3) حتى يقتل عمار ، فأنظر من يقتله فاني سمعت رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : تقتله الفئة الباغية ، قال : فلما قتل عمار ، قال خزيمة : قد جازت لي الصلاة ، ثم اقترب فقاتل حتى قتل ، وكان الذي قتل عماراً ابو عادية المزني طعنه برمح فسقط وكان يومئذ يقاتل وهو إبن أربع وتسعين سنة ، فلما وقع اكب عليه رجل آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول : أنا قتلته ،

---------------------------
(1) و(2) صحيح مسلم الجزء الثامن ـ | 186 .
(3) أي لا اصلي خلف امام حتى يتبين الإمام ، هكذا في المخطوطات وروى ابن سعد في طبقاته ج 3 ص 259 هكذا : أنا لا أصل أبداً ... فلما قتل عمار ... قال خزيمة : قد بانت لي الضلالة وهكذا أيضاً رواه ابن الاثير في اسد الغابة 4 | 47 .

المَنَاقِبُ _ 192 _

  فقال عمرو بن العاص : والله ان تختصمان إلا في النار ، فسمعها منه معاوية فلما انصرف الرجلان ، قال معاوية لعمرو : ما رأيت مثل ما صنعت ، قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما : انكما لتختصمان في النار ، فقال عمرو : وهو والله ذاك والله انك لتعلمه ولو ددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة (1) .
  230 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد ، حدثني محمد بن اسحاق الصفار ، حدثني وهب ـ هو بن بقية ـ (2) ، حدثني خالد يعني ـ ابن عبد الله ـ عن خالد الحذاء ، عن عكرمة : أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله بن عباس : انطلقا [ إلى ] ابى سعيد فاسمعا من حديثه ، فأتيناه فإذا هو في حائط له ، فلما رآنا جاء فاخذ ردائه ثم قعد فأنشا يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد قال : كنا نحمل لبنة لبنة ، وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فجعل ينفض التراب عن رأس عمار ويقول : يا عمار الا تحمل كما يحمل أصحابك ؟ قال : اني أريد الأجر من الله عزوجل قال فجعل ينفض التراب عنه ويقول : ويحك تقتلك الفئة الباغية ، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار ، قال عمار : أعوذ بالرحمان ـ أظنه قال من الفتن ـ (3) .
  قال أحمد بن الحسين البيهقي هذا حديث صحيح على شرط البخاري .
  231 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ،

---------------------------
(1) مستدرك الصحيحين 3 | 385 ورواه ابن الاثير في اسد الغابة 4 | 474 والطبقات الكبرى لابن سعد 3 | 259 . وهذا كلام قالته عائشة أيضا بعد حرب الجمل ـ انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 | 264 .
(2) في [ ر ] : (خ ل) : منبه .
(3) صحيح البخاري الجزء الأول ص 3 باب التعاون في بناء المسجد ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3 | 252 و252 ـ والحديث أيضاً في الجزء الرابع منه ص 21 باب مسح الغبار عن الناس .

المَنَاقِبُ _ 193 _

  حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن اسحاق ، قال حدثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب : أن كاتب رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذا الصلح ، كان علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ، فجعل على يتلكأ ويابى إلا أن يكتب : ( محمد رسول الله ) فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اكتب فان لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد ، فكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو (1) .
  232 ـ قال ( رضي الله عنه ) : وروى السيد أبو طالب باسناده عن علقمة والاسود قالا : أتينا أبا أيوب الانصاري فقلنا : يا أبا أيوب ، ان الله أكرمك بنبيه ( صلى الله عليه وآله ) إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك ، وكان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ضيفا لك ، فضيلة الله فضلك بها ، فاخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال أبو أيوب : فاني أقسم لكما : لقد كان رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا البيت الذي أنتما فيه ، وما فيه غير رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي جالس عن يمينه ، وأنا جالس عن يساره ، وأنس بن مالك قائم بين يديه ، إذ تحرك الباب فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انظر من بالباب ؟ فخرج أنس فنظر فقال : هذا عمار بن ياسر ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : افتح لعمار الطيب المطيب ، ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول ( الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فرحب به ثم قال لعمار : انه سيكون في امتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم وحتى يقتل بعضهم بعضا وحتى يبرأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ، وان سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً ، فاسلك وادى علي وخل عن الناس ، ان عليا لا يردك عن هدى ،

---------------------------
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 | 232 و233 من الطبقة الثالثة باختلاف يسير .

المَنَاقِبُ _ 194 _

  ولا يدلك على ردى ، يا عمار طاعة علي طاعتي وطاعتي طاعة الله (1) .
  قال ( رضي الله عنه ) : يقال فيه هنات وهنوات وهنيات : خصال سوء قال لبيد : إن البرى من الهنات سعيد .
الآثار :
  233 ـ أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا الشيخ العالم محيى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، أخبرنا أبو الحسين (2) محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي بقنطرة بردان (3) ، حدثنا محمد بن سعيد بن الحسن بن عطية بن سعد العوفي ، حدثني عمى عمرو بن عطية بن سعد ، عن أخيه الحسن بن عطية ، حدثني جدى سعد بن عبادة ، عن علي عليه السلام ، قال : أمرت بقتال ثلاثة ، القاسطين والناكثين والمارقين ، فأما القاسطون فاهل الشام ، وأما الناكثون فذكرناهم ، وأما المارقون فاهل النهروان ـ يعنى الحرورية (4) .
  234 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عمر عثمان بن أحمد الدقاق ، حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ، حدثنا وهب بن جرير وأبو الوليد ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة يقول : رأيت عمار

---------------------------
(1) حديث مشهور وله مصادر كثيرة منها : تاريخ الخطيب البغدادي 3 | 186 ، تاريخ ابن عساكر ترجمه الإمام علي ( عليه السلام ) 3 | 214 وفرائد السمطين للجويني 1 | 178 .
(2) في [ و] : أبو الحسن .
(3) قنطرة البردان ، بفتح الباء والراء : محلة ببغداد ، بناها رجل يقال له السرى بن الحطم صاحب الحطمية قرية قرب بغداد ـ معجم البلدان .
(4) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 202 واورده البلاذري في انساب الاشراف 2 | 138 عن علقمة وروى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2 | 858 قطعة من الحديث .

المَنَاقِبُ _ 195 _

  بن ياسر يوم صفين شيخا آدما طويلا ، آخذ الحربة بيده ويده ترعد قال : والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث مرات ، وهذه الرابعة ، والذي نفسي بيده لو ضربوا بنا حتى يبلغوا [ بنا ] سعفات هجر لعرفنا ان مسلحتنا على الحق وانهم على الضلالة (1) .
  235 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله مكي بن بندار الزنجاني ببغداد ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن رجاء الحنفي بمصر ، حدثنا هارون بن محمد بن أبي الهيدام العسقلاني ، حدثنا عثمان بن طالوت بن عباد الجحدري ، حدثنى بشر بن أبي عمرو بن العلا ، حدثني أبي ، حدثني الذيال بن حرملة قال : سمعت صعصعة بن صوحان يقول : لما عقد علي بن أبي طالب عليه السلام أخرج لواء رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم ير ذلك اللواء مذ قبض رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعقده ، ودعا قيس بن سعد بن عبادة فدفعه إليه واجتمعت الأنصار وأهل بدر ، فلما نظروا إلى لواء رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) بكوا فانشأ قيس بن سعد بن عبادة ( رضى الله عنه ) يقول :
هـذا الـلواء الـذي كـنا نـحف iiبه        دون الـنـبي وجـبـريل لـنا iiمـدد
مـا ضـر مـن كانت الانصار iiعيبته        أن لا يكون لهم من غيرهم عضد (2)

  236 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن يحيى ابي معشر ، عن محمد بن قيس ، عن ابن عمارة ، عن خزيمة بن ثابت قال : ما زال جدى كافاً سلاحه حتى

---------------------------
(1) حديث مشهور رواه جمع من الحفاظ منهم : ابن سعد في الطبقات 3 | 258 و259 ـ الحاكم في المستدرك 2 | 148 ـ أحمد في المسند 6 | 289 .
(2) وقعة صفين لنصر بن مزاحم | 453 ، والابيات هذه جاءت في اسد الغابة 4 | 216 .

المَنَاقِبُ _ 196 _

  قتل عمار بصفين ، فسل سيفه فقاتل حتى قتل .
  قال أحمد بن الحسين البيهقي : لما قتل عمار بصفين ، اقتتل (1) أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فيما زعم أهل التواريخ قتالاً شديداً وقتل من عدوه ليلة الهرير ناس كثير ، واتصلت الحرب بينهم حتى ولى اكثر أهل الشام أدبارهم ، فجعل معاوية ومن بقى معه مصاحفهم على رؤوس أرماحهم (2) وقالوا : نحن ندعوكم إلى كتاب الله عزوجل وكان ذلك منهم مكراً وحيلة ، ليمسك أصحاب علي عن قتالهم فكان الأمر كما ظنوا واشاروا إلى علي ( عليه السلام ) بترك القتال (3) .
  237 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا السيد ابو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أخبرنا أبو الأحرز محمد بن عمر بن جميل ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثنا أبي ، عن الأعمش ، حدثني من رأى عليا ( عليه السلام ) يوم صفين : يصفق بيديه ويعض عليهما فقال : يا عجبا أعصى ويطاع معاوية ! (4) .
  238 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرني الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ ، قال : سمعت أبا عثمان سعيد بن نصر الاندلسي يقول : سمعت أبا علي اسماعيل بن محمد الصفار يقول : سمعت أحمد بن عبيد بن ناصح يقول : سمعت أبا عبيد (5) يحدث عن أبي سنان العجلي قال : قال ابن عباس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب : ابعثنى إلى معاوية بن أبي سفيان بينك وبينه فوالله لافتلن له حبلا لا ينقطع وسطه ولا ينقضى طرفه ، فقال علي : لست من مكرك ومكر معاوية في شيء ،

---------------------------
(1) في [ ر ] : (خ ل) : قاتل .
(2) ارماح : جمع رمح ويأتي جمعه على رماح أيضاً .
(3) وقعة صفين ـ | 476 وما بعدها .
(4) وقعة صفين ـ لنصر بن مزاحم | 388 .
(5) في [ و] ـ أبا عبد الله .

المَنَاقِبُ _ 197 _

  والله لا اعطي معاوية إلا السيف حتى يغلب الحق الباطل ، قال ابن عباس : أو غير هذا ، قال كيف ؟ قال [ ابن عباس ] : أنه يطاع ولا يعصى وانت عن قليل تعصى ولا تطاع ، قال فلما جعل اهل العراق يختلفون على علي عليه السلام قال : لله در ابن عباس انه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق .
  239 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثنا سعيد ابن أسد ، حدثنا ضمرة عن ابن شوذب قال : قطع يوم صفين أربعون الف قصبة ، فوضعت كل قصبة على قتيل فنفدت القصبه (1) ولم تحص القتلى .
  قال يعقوب وروى حماد بن زيد ، عن هشام ، عن ابن سيرين قال : بلغ القتلى يوم صفين سبعين الفا ، فما قدروا على ان يعدوهم إلا بالقصب .
  240 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرني أبو عمرو بن السماك ، حدثنا حنبل بن إسحاق ، حدثنا يعلى بن أسد ، حدثنا حاتم بن وردان ، حدثني علي بن زيد ، حدثني رجل من بني سعد قال : كنت واقفاً إلى جنب الأحنف بصفين ، والأحنف إلى جنب عمار ، فقال عمار : حدثنى خليلي : ان آخر زادك من الدنيا ضيحة لبن ، قال فبينا نحن وقوف إذ سطع الغبار وقالوا : جاء أهل الشام فقام السقاة يسقون الناس ، فجاءت جارية معها قدح فناولته عماراً ، فشرب وأعطى الاحنف فضله فشرب الاحنف وناولني فضله فإذا هو لبن ، فأصغيت إلى الأحنف فقلت : ان كان صاحبك صادقا ليقتلن الآن قال قال وغشينا الناس فسمعته يقول : الجنة .
الـجنة تحت الأسنة اليوم        القى الاحبة محمّداً وحزبه

---------------------------
(1) في [ و ] القصب .

المَنَاقِبُ _ 246 _

  فقال الاشتر :
كل شيء سوى الامام iiصغير        وهـلاك الامـير أمـر iiكبير
قد رضينا وقد اصيب لنا اليوم        رجـال هـم الحماة iiالصقور
مـن رأى غرة الوصي iiعلي        انـه  في دجى الحنادس iiنور

  قال ( رضي الله عنه ) يقال كدمه : عضه بادنى الفم ، وحمار مكدم : معضض ، وتكادموا : تفاعل من ذلك ؛ وقولهم : الدواب تكدم الحشيش إذا لم تستمكن من الحشيش ، وفي المرعى كدامة بقية ، مجاز ما قدمنا .
  واشتدت المناجزة بين همدان وعك حتى قتل من همدان يومئذ ثلاثمائة رجلاً واثنا عشر رجلاً : وقتل من عك ثمانمائة وسبعون وقيل : ثمان مائة وثمانون رجلاً قال سعيد بن القيس الهمداني وهو رئيسهم :
وقـد  عـلمت عـك بصفين iiاننا        إذا ما التقى الخيلان نطعنهم شزرا
ونـحمل رايـات الـطعان iiبحقها        فـنوردها بـيضا ونصدرها حمرا

  ( قال رضي الله عنه ) : روى انه في اليوم السابع والثلاثين من حروب صفين لما أصبح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أتاه أولا سعيد بن قيس الهمداني ووقف خيله مع راياته ، ثم أتاه الأشتر في عسكره ، وحجر بن عدى الكندي وقيس بن سعد بن عبادة ، ثم أتاه عبد الله بن عباس وسليمان بن صرد وصغيرة بن خالد والأحنف بن قيس ورفاعة بن شداد وجندب بن زهير ، وخرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في درع رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفوقها خفتان أخضر محشو بالقز وهو متقلد سيف رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه حجفته ، وبيده قضيب رسول الله الممشوق ، وسلم عليه القوم وانصرفوا إلى معسكرهم وأقبل [ علي عليه السلام ] على الاشتر فقال : يا مالك معى راية لم أخرجها إلا يومى هذا وهي أول راية أخرجها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد قال لي عند وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أبا الحسن انك لتحارب الناكثين والقاسطين والمارقين وأي تعب ونصب يصيبك من أهل الشام

المَنَاقِبُ _ 247 _

  فاصبر على ما أصابك ، ان الله مع الصابرين ، وأخرج الراية وقد عفت وبليت وبكى الناس لما رأوها بكاء عالياً وقبلها من وجد إليها سبيلا وقال علي عليه السلام لقنبر : اخرج رمح رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) الملموس [ بيده ] ويرثه منى الحسن ولا يستعمله وينكسر بيد ابني الحسين ولقد أخبرني رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) باخبار كثيرة .
  يا مالك ان الدنيا دنية خلقت للفناء والخير خير الآخرة ، فانها خلقت للبقاء ، ثم سار ومعه الناس إلى المعركة وصفوا الصفوف وتأهبوا للقتال ، فأول من برز من صف أهل الشام رجل عليه درع مذهبة وبيضة عادية وبيده سيف حميري وصاح : يا أهل العراق ، تزعمون ان اليوم تجرى الدماء على الأرض كما تجرى [ الماء ] في النهر ؟ وقد صدقتم اليوم نسفك دماءكم ، فليبرز الي أشجعكم ، فبرز إليه عمرو بن عدي بن وهب بن خصيب بن يعمر النخعي وقال له : يا شامى أنت أول قتيل يومنا هذا ، ثم تكافحا فسبقه عمرو بالضربة فصرعه ووقف مكانه ونادى : يا أهل الشام ليبرز إلي آخر ، فبرز إليه رجل مشهور بالشجاعة ، مذكور بالحماسة ، كان معاوية يعده لشدته يقال له أبو جندب عبيد بن ذويب السكوني اليماني ، فقتل أبو جندب عمراً فبرز إليه عبد الله بن بشر بن عوز (1) النخعي فقتله أيضاً أبو جندب فبرز إليه الشخير بن يحيى النخعي وكان فقيها صالحاً سخيا جواداً ، فقتله أبو جندب أيضاً فقال الاشتر وقد اغتاظ لأنه قتل جماعة من قومه لبعض بني عمه وهو طرفة بن عبيدة : انزع درعك وناولني رايتك فانى أبرز إليه ولعله يعرفني إذا بزرت إليه في زيي ، فلا يحاربني ، فاعطاه ذلك فبرز إليه الاشتر وأبو جندب ينظر إلى قتلاه ، فصاح عليه الاشتر وقال : قاتلك الله إذ قتلت سادات نخع ، فقال : لان القتل وجب عليهم بخروجهم على الامام عثمان وقتال

---------------------------
(1) في [ و] عون .

المَنَاقِبُ _ 248 _

  معاوية ، فقال الاشتر : ما أعظم حماقتكم وقد خدعكم معاوية بهذا ، انتم اطوع الناس لمخلوق واعصاهم للخالق ، ولم يعلم أبو جندب انه الاشتر فحمل عليه أبو جندب وضربه بسيفه فاتقاه الاشتر بحجفته ، ثم ضربه الاشتر على رأسه فرمى به ووقف مكانه ودعا بآخر ، فبرز إليه فقتله الاشتر وكان يقتل كل من برز إليه حتى قتل منهم أحد عشر رجلا ، ثم انصرف وكأنه مصاب فقال له أخوه : كم مرة تخاطر بنفسك وبروحك وقد قيل في المثل :
يـاجرة  يستقى بها iiزمناً        لابد من أن تصير منكسرة

  فقال الاشتر :
أبـعد  عـمار وبـعد iiهاشم        وابـن بـديل فارس iiالملاحم
أرجوا البقاء ضل حكم الحاكم        لـقد عضضنا امس iiبالأباهم

فاليوم لا نقرع (1) سن النادم
  وكان قبل ذلك قتل عمار بن ياسر وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخي سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن بديل الخزاعي ( رضى الله عنه ) وكانوا فرسان العراق ومردة الحروب ورجال المعارك وحتوف الأقران وامراء الاجناد وانياب أمير المؤمنين وقد فعلوا باهل الشام ما بقى ذكره على ممر الاحقاب حتى احتالوا لقتلهم فقتلوا فذكرهم الاشتر في شعره متأسفاً .
  ثم برز من أهل الشام رجل ونادى : يا أهل العراق من الذي قتل منا احد عشر رجلا وفيهم أخي وعمي وابن خالتي فقال [ الأشتر : ] وأنت تلحق بهم ان شاء الله الساعة ، فقال الشامي :
انا الغلام الاريحي الكندي        اختال في الديباج iiوالفرند
  فضربه الأشتر فرمى برأسه ثم دعا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قنبراً وقال له : سر إلى الميمنة وقل لعبدالله بن جعفر ولا بني محمد : إذا حملت فاحملوا معي

---------------------------
(1) في [ و] : يقرع .

المَنَاقِبُ _ 249 _

  وقال لكميل بن زياد : قل لسليمان بن صرد وتكون على الميسرة وكذلك أرسل إلى أصحاب الميسرة واوصاهم بذلك ثم تقدم وانتظر الناس حملته ومعه الاشتر ومحمد وغيرهما ، وزحف الناس بعضهم إلى بعض وارتموا بالنبل حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت ، ثم تضاربوا بالسيوف وعمد الحديد واشتد القتال حتى جرت الدماء جري الماء ، وانهزم عرب اليمن وكان وقع الحديد على الحديد أشد هولاً من الصواعق والجبال حين تنهدم وانكسفت الشمس وثار القتام وضلت الألوية والرايات ووصلوا النهار بالليل وهي ليلة الهرير واصبح أهل العراق والمعركة خلف ظهورهم وافترقوا عن سبعين الف قتيل .
  في رواية : وحمل الوليد بن عقبة على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع الف فارس فحمل عليه أمير المؤمنين مع الف فارس ، فانهزم الوليد ومن معه ولم يتبعهم أمير المؤمنين ، وكذلك كان يفعل ، فقال الاصبغ بن نباته وصعصعة بن صوحان : يا أمير المؤمنين كيف يكون لنا الفتح وإذا هزمناهم لم نقتلهم وإذا هزمونا قتلونا ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ان معاوية لا يعمل بكتاب الله ولا بسنة رسوله ولست انا كمعاوية ولو كان عنده علم وعمل لما حاربني والله بيني وبينه . قيل لم ير رئيس قوم مذ خلق الله الدنيا قتل بيده ما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير إذ وصلوا الليل بالنهار في القتال حتى روي انه قتل في تلك الليلة بيده خمسمائة رجل وزيادة وفي رواية قتل من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم والليلة الفا رجل وسبعون رجلا وفيهم اويس القرنى زاهد زمانه وخزيمة بن ثابت الانصاري ذو الشهادتين وقتل من أصحاب معاوية [ في ذلك اليوم ] سبعة آلاف رجل .
  قال ( رضي الله عنه ) : ومن المكاتبات التي جرت بين أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبين معاوية لعنه الله أيام صفين ، كتب علي بن أبي طالب إلى

المَنَاقِبُ _ 250 _

  معاوية لعنه الله : اما بعد فان لله عباداً آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وانتم في ذلك الزمان اعداء الرسول تكذبون بالكتاب وتجتمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم ، عذبتموه أو قتلتموه حتى اذن الله تعالى باعزاز دينه واظهار نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وادخل العرب في دينه افواجاً واسلمت له هذه الامة طوعاً وكرهاً ، فكنتم ممن دخل في هذا الدين اما رغبة واما رهبة ، حتى فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الاولون بفضلهم ، فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم ان ينازعوهم في الامر الذين هم أهله واولياؤه فيجور ويظلم ولا ينبغي لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد أن يجهل قدره ويعدو طوره ولا يشقي نفسه بالتماس ما ليس له ولا هو أهله وان اولى الناس بهذا الامر قديما وحديثا اقربهم من الرسول واعلمهم بالكتاب والتأويل وأفقههم في الدين وأولهم اسلاماً وافضلهم اجتهادا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ولا تلبسوا الحق بالباطل لتدحضوا الحق وانتم تعلمون (1) ، واعلموا ان خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون وشر عباد الله الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ، ألا واني ادعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وحقن دماء هذه الامة ، فان قبلتم اصبتم وهديتم ، وان ابيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الامة لم تزدادوا من الله إلا بعداً ولم يزداد الله عليكم الا سخطاً (2) .
  فلما وصل الكتاب إلى معاوية قام إليه أبو مسلم الخولانى فقال : صدق علي ، فعلام نقاتله ؟ فوالله ، انه لأحق بالأمر منك قال : أجل ولكنه أطالبه بدم عثمان ، قال فاكتب إليه بحجتك حتى أحمل كتابك وآتيه فان أقر بدمه ، سألته الحجة وان أنكر ، نظرنا في أمرنا قال نعم فكتب [ معاوية ] إلى علي ( عليه السلام ) .

---------------------------
(1) البقرة : 42 .
(2) وقعة صفين | 150 .