مذافاً إلى أن أبا مروان مقدوح وقال بعض أئمّة القوم : يروي عن ابيه المناكير
(1) ، وهذا منها . . . وأبوه عثمان بن خالد قال البخاري : عنده مناكير .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال العقيلي : الغالب على حديثه الوهم .
وقال أبو أحمد : منكر الحديث .
وقال ابن عدي : أحاديثه كلّها غير محفوظة .
وقال الساجي : عنده مناكير غير معروفة .
وقال الحاكم وأبو نعيم : حدّث عن مالك وغيره بأحاديث موضوعة . . . إلى غير ذلك من الكلمات
(2) فهو ضعيف باتفاقهم كما ذكر شارح ابن ماجة ، بل قال ابن الجوزي : نسب إلى الوضع
(3) ، وعبد الرحمن بن أبي الزّناد قال ابن معين : ليس ممّن يحتج به أصحاب الحديث ، ليس بشيء .
وقال ابن صالح وغيره عن ابن معين : ضعيف : وقال الدوري عن ابن معين : لا يحتج بحديث .
وقال صالح بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث .
وعن ابن المديني : كان عند أصحابنا ضعيفاً .
وقال النسائي : لا يحتج بحديثه .
وقال ابن سعد : كان كثير الحديث وكان يضعّف لروايته عن أبيه
(4) .
وأمّا الحديث الآخر في حياء عثمان ، فهو من جملة عدّة أحاديث موضوعة في هذا الباب ، يكفي متنها دليلاً على وضعها فلا حاجة إلى النظر في أسانيدها . . .
على أن هذا الحديث بالخصوص يشتمل على إهانة كبيرة للنبي الأقدس صلّى الله عليه وآله سلّم ، حيث نسب واضعه إليه الكشف عن أفخاده بحضور أصحابه . . . فهو أراد صنع فضيلة لعثمان ـ وهي الحياء ـ ونسب إلى الرّسول عدم الحياء ! مع كونه كما وصفه أبو سعيد الخدري ( أشدّ حياء من العذراء في خدرها )
(5)
---------------------------
(1) تهذيب التهذيب 9 | 336 .
(2) تهذيب التهذيب 7 | 114 .
(3) العلل المتناهية 1 | 206 .
(4) تهذيب التهذيب 6 | 171 .
(5) تجده في البخاري في باب صفة النبي ، وفي غيره من الصحاح .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 263 _
لا سيّما وأن جمهور فقهائهم على أن الفخذ عورة . . .
وأيضاً : يدل الحديث على أفضلية عثمان من أبي بكر وعمر ، فإنهما قد دخلا على النبي في تلك الحال فلم يغطّ دخل عثمان سترهما وقال هذه الكلمة؟!
قال (295) :
( القائلون بأفضليّة علي تمسّكوا بالكتاب والسنة والمعقول . . . ) .
أقول :
الوجوه التي ذكرها أقلّ قليل من الأدلة التي يقيمها أصحابنا على أفضليّة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من جميع الخلائق .
قال (299) :
( والجواب : إنّه لا كلام في عموم مناقبه . . . إلاّ أنه لا دليل على الأفضلية . . . بعدما ثبت من الاتفاق . . . والاعتراف من علي بذلك ) .
أقول :
كيف لا تكون هذه الأدّلة دالّة على الأفضلية ، وهو غير منكر لنزول الآيات التي ذكرها في شأن أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا اعتبار الأحاديث المستدل بها ، ولا لشيء من صفات الامام وكمالاته ؟
إنه لا وجه لقوله : ( لا يدلّ على الأفضلية ) إلاّ التعصّب ، وإلاّ لأتى بالردّ .
وأمّا رفع اليد عن الدلالة بالاتفاق والاعتراف فهو يعلم بأن لا اتّفاق فضلاً عن الاجماع على أفضلية أبي بكر ، ولا اعتراف من أمير المؤمنين عليه السلام بذلك . . . وإنّه ليكفي ردّاً على دعوى الاتفاق والاعتراف ذهاب جماعة كبيرة من أعيان الصّحابة من بني هاشم وغيرهم إلى أفضلية علي ، ذكر بعضهم ابن عبدالبرّ حيث قال : ( وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم وفضّله هؤلاء على
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 264 _
غيره )
(1) .
ولايخفى أن كلّ واحد من هؤلاء الذين ذكرهم يعادل مئات الآلاف من سائر الناس ، لعظمته وجلالته وقربه من رسول الله وجهاد وجهوده في سبيل الاسلام . . .
على أنّ الاعتراف ثابت من أبي بكر ذلك ، في مواضع عديدة ، رواها علماء القوم أنفسهم ، منها : ما رواه هو عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال : ( علي مني بمنزلتي من ربي )
(2) .
ومنها : ما رواه الشعبي قال : ( بينما أبوبكر جالس إذ طلع علي فلمّا رآه قال : من سرّه أن ينظر إلى أعظم الناس منزلةً وأقربهم قرابةً وأفضلهم حالةً وأعظمهم حقاً عند رسول الله فلينظر إلى هذا الطالع )
(3) ومنها : قول أبي بكر في خطبة له : ( أما بعد أيّها الناس قد وليّت أمركم ولست بخيركم )
(4) فإذا نفى عن نفسه الأفضلية فقد أثبتها لعلي عليه السلام اذ لا ثالث بالاجماع ، ويشهد به قوله : ( أقيلوني فلست بخيركم )
(5) وفي بعض الكتب بعده : ( وعلي فيكم ) .
وكأنّ السّعد ملتفت إلى ما ذكرناه من تماميّة الأدلة على الأفضلية وعدم وجود ما يصلح للمنع عن دلالتها . . . ولذا عاد إلى البحث في دلالة بعض الأدلة ، لكن لم يأت إلاّ باحتمالات باردة وتخيّلات سقاطة وادّعاءات فارغة . . .
قال (299) :
( على أنّ فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصّل ، مثل : أنّ المراد ( بأنفسنا ) نفس النبي كما يقول : دعوت نفسي إلى كذا ) .
---------------------------
(1) الإستيعاب 3 | 1090 ترجمة أمير المؤمنين .
(2) الصواعق المحرقة : 109 .
(3) الصواعق المحرقة : 109 .
(4)طبقات ابن سعد 3 | 182 قال ابن كثير : إسناده صحيح 5 | 248 .
(5) الإمامة والسياسة 1 | 14 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 265 _
أقول :
هذا من السّعد عجيب جداً ، وأيّ معنى لأن يدعو الإنسان نفسه؟ وعلى فرض وروده في شيء من الاستعمالات الفصيحة فهو مجاز قطعاً .
وقد ذكر شيخه العضد في ( المواقف ) وكذا شارحها الجرجاني وجه الاحتجاج بالآية المباركة وهذه هي العبارة : ( وجه الاحتجاج : إنّ قوله تعالى : ( وأنفسنا ) لم يرد به نفس النبي ، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به علي ، دلّت عليه الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة ) ثم ذكرا في الجواب : ( وقد يمنع أن المراد بأنفسنا علي وحده ، بل جميع قراباته . . . ) فهما يسلّمان أنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، وإنّما يمنعان أن يكون المراد علي وحده . . . وقد أجبنا عن هذا المنع .
وعلى الجملة ، فما ذكره السّعد في غاية السخافة والسّقوط .
قال (299) :
( وإنّ وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي فلا اختصاص به ) .
أقول :
هذا إشكال في دلالة آية المودّة وآية ( وصالح المؤمنين ) ولا أحد من المسلمين ينكر كون علي ممّن نزلت فيه آية المودّة ، وكون فاطمة زوجته والحسنين ولديه شركاء معه في ذلك لا يضرّ بالاستدلال كما هو واضح .
وأمّا كون المراد من ( صالح المؤمنين ) أمير المؤمنين عليه السلام وحده وأنّ الآية مختصة به فذاك ما اتّفقت عليه أخبار الفريقين وأقوال علمائها
(1) ولكن السعد يجهل أو يتجاهل !
قال (299) :
( وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء ) .
أقول : هذا إشارة إلى حديث : ( من أراد أن ينظر . . . ) لكن هذا الحديث
---------------------------
(1) الدر المنثور 6 | 242 .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 266 _
وارد في حق علي في أحاديث الفريقين ، وغير وارد في حق غيره كذلك بل مطلقاً ، فكيف لا يكون اختصاص به ؟
بل في بعض الأحاديث التي رواها القوم أيضاً أنّ أبابكر نفسه من رواه هذا الحديث عن رسول الله في حق علي ، فقد روى الحافظ الخطيب الخوارزمي المتوفى سنة 568 بسنده : ( أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان في جمع من أصحابه فقال : أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته .
فلم يكن بأسرع من أن طلع علي ، فقال أبوبكر : يا رسول الله أقست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل ؟ بخ بخ لهذا الرجل ، من هو يا رسول الله؟ قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا تعرفه يا أبابكر ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أبو الحسن علي بن أبي طالب ، قال أبابكر : بخ بخ لك يا أبا الحسن ، وأبن مثلك ؟ ) .
وبالجملة ، فإنكار دلالة هذا الحديث على اختصاص تلك الكمالات به دون غيره مكابرة واضحة ، ولذا لم يتفّوه به شيخه العضد وشارحه ، بل كان اعتراضهما بغير ذلك ، وقد أجبنا عنه في ( الطرائف ) بما لا مزيد عليه .
قال (299) :
( وإنّ أحب خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه ، عملاً بأدلة أفضليتهما ، ويحتمل أن يراد : أحب الخلق إليك في أن يأكل منه ) .
أقول :
أمّا الإحتمال الأوّل ففيه :
أوّلاً : إنّ القرائن الحاليّة والمقالية الموجودة مع حديث الطير تفيد كونه آبياً عن أيّ تخصيص .
وثانياً : إنّ تخصيص أبي بكر وعمر منه ـ ولا يخفى أنّه لا يذكر عثمان معهما ـ موقوف على ثبوت أفضليّتهما ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها مطلقاً .
وثالثاً : إنّ بعض ألفاظ حديث الطير المروي في غير واحدٍ من كتبهم المعتبرة نصّ في عدم تخصيصهما ، فقد روى النسائي في ( الخصائص ) بسندٍ صحيح عن
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 267 _
أنس بن مالك : ( إنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان عنده طائر فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر ، فجاء أبوبكر فردّه ثم جاء عمر فردّه ثم جاء علي فأذن له ).
وأمّا الاحتمال الثّاني فيردّه وجوه :
الأوّل : إنّه قد تقرّر أنّ حذف المتعلّق يدلّ على العموم ، فالحديث ظاهر في الأحبيّة من جميع الجهات ، وتخصيصه بجهةٍ دون أخرى بلا مخصّص مردود.
وثانياً : إنّ هذه الشبهة طرحها بعض المخالفين المتقدّمين على السّعد بقرون ، وتعرّض للجواب عنها المشايخ الكبار من أصحابنا ، قال الشيخ محمد بن محمد النعمان البغدادي المعروف بالمفيد المتوفى سنة 413 قال كما في ( الفصول المختارة ) : ( هذا الذي اعترضت به ساقط ، وذلك أن محبة الله تعالى ليست ميل الطّباع وانّما هي الثواب ، كما أنّ بغضه وغضبه ليست باهتياج الطّباع.
وإنما هما العقاب ، ولفظ أفعل في أحب وأبغض لا يتوجّه إلاّ معناهما من الثواب والعقاب ، ولا معنى على هذا الأصل لقول من زعم أنّ أحبّ الخلق إلى الله يأكل مع رسول الله توجّه إلى محبة الأكل والمبالغة في ذلك بلفظ أفعل ، لأنّه يخرج اللفظ ممّا ذكرناه من الثواب إلى ميل الطباع ، وذلك محال في صفة الله تعالى ).
وثالثاً : إنّ حديث الطير ممّا احتجّ به الامام عليه السلام في مناشدة أهل الشورى ، روى ذلك الحاكم النيسابوري ـ كما في كفاية الطالب ـ وجماعة من كبار المحدثين ، فلو كان مراد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الأحب في الأكل فقط لما تمّ احتجاجه ، أو لذكّره القوم بذلك وما سكتوا.
ورابعاً : لو كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أراد الأحبّ في شيء دون شيء لجاء مع علي عليه السلام أناس آخرون يكونون أحبّ اليه في بعض الأمور ، بل لا يكون لدعائه فائدة ، لأن حال علي حينئذٍ كسائر المؤمنين الذين يحبّهم الله في بعض أعمالهم ، ففي أيّ شيء كان تأثير دعائه صلّى الله عليه وآله وسلّم المستجاب قطعاً؟
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 268 _
وخامساً : إنّه لو كان علي أحبّ إليه في بعض الاشياء كان وغيره أحبّ إليه في البعض الآخر ، وحينئذٍ لم يكن وجه لأن يردّ أنس عليّاً عليه السلام قائلاً في كلّ مرة يأتي ( رسول الله على حاجة ) ثم يعتذر بأنّه كان يرجو أن يكون الدعاء لرجلٍ من وقومه الأنصار !
قال (299) :
( وإنّ حكم الاخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان ... ).
أقول :
ما ذكره دليلاً على هذا المدّعى باطل ، ولو صحّ على أصولهم فليس بحجة علينا.
عى أنّ حديث ( أخي ورفيقي في الجنة ) قد عرفت بطلانه بإقرار علمائهم.
قال (299) :
( وأمّا حديث العلم والشّجاعة ... ).
أقول :
لا يخفى أنّه لم يدّع لعثمان علماً ولا شجاعة ، ولم يدّع لعمر شجاعة.
وادّعى العلم لأبي بكر وعمر لكن عبارته : ( لم تقع حادثة إلاّ ولأبي بكر وعمر في رأي ) فأقول :
1 ـ هل يكون هذا الكلام جواباً عن أعلمية أمير المؤمنين ومرجعيّته في جميع العلوم المضروب بها المثل بين الأوّلين والآخرين ؟
2 ـ هناك موارد كثيرة سئل فيها الشيخان عن شيء فكانا جاهلين ... وتلك قضايا الأسئلة منهما مدوّنة يعلمها الكلّ ولا ينكرها أحد ؟
3 ـ على السّعد أن يذكر شيئاً من موارد إصابة رأيهما ومتابعة سائر الصّحابة لهما ، أمّا دعوى أنّه لم تقع حادثة إلاّ ولهما رأي فغير مسموعة.
وادّعى الشجاعة لأبي بكر وحده ولكن عبارته : ( ولم يكن رباط الجأش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد ... ) فأقول :
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 269 _
إنّ أشجعيّة أمير المؤمنين عليه السلام يضرب بها المثل ويعترف بها الموافق والمخالف ، وما قلت للدّين الحنيف قائمة إلاّ بسيفه ... وتلك مواقفه في الغزوات والحروب يعرفها الجميع ... فمن يدانيه في شجاعته ... والسّعد لا يدّعي الأشجعيّة له خاصة من علي عليه السلام ، ولم يجرء على التصريح باسمه ، بل يقول ( لم يكن ... أقل من أحد ).
قال (300) :
( وأمّا حديث زهدهما في الدنيا فغنّي عن البيان ).
أقول :
هلاّ ذكر عثمان كذلك؟ وقوله : ( غني من البيان ) ليس إلاّ فراراً من الميدان ، وإلاّ فليأت بأدلّة وشواهد ... ولقد روى القوم أنفسهم عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وصف الإمام عليه السلام بالزهد فقال له : ( يا علي إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينةٍ أحب إلى الله منها ، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تزرأ من الدنيا شيئاً ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً )
(1).
قال (300) :
( وأمّا السّابق إسلاماً فقيل : علي وقيل ... ).
أقول :
ليس غرض السّعد إلاّ إنكار هذه الفضيلة للامام عليه السّلام ، وإلاّ فإنّ حديث سبقه إلى الاسلام رواه : الترمذي وأبو حنيفة والحاكم والبيهقي والطبري والسهيلي وابن هشام وابن الأثير وابن كثير وابن عبدالبّر وابن حجر العسقلاني والخطيب وابن سعد وأبو نعيم والزمخشري والسيوطي والمناويّ عن عدّة كبيرة من الأصحاب ، بل قال ابن حجر المكي : ( نقل بعضهم الاجماع عليه ... ومن ثمّ
---------------------------
(1) حلية الأولياء 1 | 71 ترجمته عليه السلام.
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 270 _
يقال كرّم الله وجهه )
(1) بل أخرج الحاكم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً : علي بن أبي طالب )
(2) ... وعن علي عليه السلام ـ فيما أخرجه البلاذري وابن عساكر وغيرهما ـ ( أنا الصّديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبوبكر وأسلمت قبل أن يسلم )
(3) ، هذا في إسلام علي.
وأمّا إسلام أبي بكر فقد روى غير واحد أنّه أسلم قبله أكثر من خمسين
(4).
وبعد هذا كلّه فإنّ السّعد لم يذكر دليلاً على دعوى سبق أبي بكر إلى الإسلام إلاّ شعر حسّان فإنّه قال :
( وقيل : أبوبكر ، وعليه الأكثرون على ما صرّح به حسان بن ثابت في شعر أنشده ... ).
أقول : أين شعر حسّان؟ وما هو ؟ ومن يرويه ؟
ولو سلّم فهل يقاوم ما تقدّم؟
على أنّ من شعر حسان بن ثابت :
( جـبريل نادى iiمعلنا والـنقع ليس بمنجلي والمسلمون قد أحدقوا حـول الـنّبي المرسل لا سيف إلاّ ذو iiالفقار ولا فتى الاّ علي )(5) |
ومن شعره الثابت المرويّ في كتب الفريقين شعر ، يوم غدير خم وقد تعرّضنا له سابقاً.
---------------------------
(1) الصواعق المحرقة : 72.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 | 136.
(3) أنساب الاشراف 2 | 146 ، تاريخ دمشق 1 | 53 ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) تاريخ الطبري 3 | 420.
(5) رواه سبط ابن الجوزي في التذكرة : 16 عن أحمد في الفضائل .
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 271 _
قال (300 ـ 301) :
( ما ذكر من أفضلية بعض الأفراد بحسب التعيين أمر ذهب اليه الأئمّة ، وقامت عليه الأدلّة ، قال الامام الغزالي : حقيقة الفضل ما هو عندالله ، وذلك ممّا لا يطّلع عليه إلاّ رسول الله ).
أقول :
إنّ الفضائل منها : نفسانيّة كالعصمة والأعلميّة ومنها : بدنيّة كالشجاعة ونحوها ، ومنها : خارجيّة كشرف الزوجة والأبناء مثلاً ... أمّا البدنيّة والخارجية فذلك ممّا يطّلع عليه جميع الناس ، وأمّا النفسانية فلا يطّلع عليها إلاّ رسول الله كما قال الغزالي وأقرّه السّعد ، ومن هنا قلنا باشتراط النصّ ، لأن من شرائط الإمامة العصمة والأعلميّة ، وهذان لا يطّلع عليهما إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلا بدّ من النصّ ،
وقد عرفت أن لا نصّ إلاّ على علي عليه السّلام ...
قال (301) :
( وقد ورد في الثناء عليهم أخبار كثيرة ... فلو لا فهم ذلك لما رتّبوا الأمر كذلك ... ).
أقول :
قد عرفت حال ما رووه في الثناء على المتقدّمين على علي عليه السلام ، وأمّا ترتيب الخلافة على ما وقع فليس به آية ولا رواية ولا إجماع ... وقد عرفت ... وحسن الظنّ بالصّحابة لا يجدي بعد أن ثبت وجود الفسّاق والمنافقين فيهم بكثرة كما اعترف به السّعد وغيره.
قال (301) :
( فقد ورد النّص بأنّ فاطمة ... ).
أقول :
وأمّا فاطمة الزهراء عليها السّلام فقد اعترف بأنّه ( قد ثبت أنّ فاطمة
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 272 _
الزهراء سيدة نساء العالمين ) لكن ليس هذا وحده ما ثبت من فضائلها ، فإنّ من جلائل فضائلها قول والدها فيها : ( فاطمة بضعة منّي فمن آذاها آذاني ومن آذاني آذى الله ) فإنّ هذا الحديث يدلّ على عصمتها فتكون بذلك أفضل الناس بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد أنصف الحافظ أبو القاسم السهيلي حيث قال بدلالة الحديث المذكور على أفضليتها من أبي بكر وعمر ، كما نقل عنه المناوي ذلك وأقرّه بشرح الحديث في ( فيض القدير ).
قال (301) :
( وأنّ الحسن والحسين ... ).
أقول :
فضائل الحسنين عليهما السلام لا تعدّ ولا تحصى ، ومن تأمّل فيها وأنصف حكم بكونهما أفضل الخلائق بعد والديهما ... كيف لا وهما إمامان معصومان بنصّ الكتاب والسنّة المعتبرة.
قال (301) :
( وأنّ أهل بيعة الرضوان ... من أهل الجنّة ).
أقول :
من شهد ذلك وقتل في سبيل الله فمن أهل الجنة بلا كلام ، ومن شهدها ومات بعد ذلك في حياة الرسول فالظاهر كونه من أهل الجنّة ايضاً ، ومن بقي منهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان حكمه حكم وغيره ، فإنّه إن حفظ وصيّة رسول الله وعمل بها في اتّباع الكتاب والعترة كان من أهل الجنّة وإلاّ فلا.
وعلى الجملة فمن آمن بالله ورسوله وعمل الصالحات ومضى إلى ربه على هذه الحال فهو من أهل الجنة ، والآيات القرآنية الصريحة في هذا المعنى كثيرة جداً.
قال (301) :
( وحديث بشارة العشرة ... ).
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 273 _
أقول :
وكذلك الكلام هنا ... ثم إنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة كما في الحديث الذي اعترف به ، فمن كان من أهل الجنة كانا سيّدين له ، ومن المعلوم كونهما أفضل حينئذٍ من سائر أهل الجنّة ، وأبوهما أمير المؤمنين عليه السلام أفضل منهما بالاجماع فهو أفضل أهل الجنّة بالأولويّة القطعيّة.
وحديث العشرة المبشرّة لا يروونه إلاّ عن عبدالرحمن بن عوف وسعيد بن زيد وكلاهما من العشرة!
قال (301) :
( تطابق الكتاب والسنّة والإجماع على أنّ الفضل للعلم والتقوى ).
أقول :
نعم الفضل للعلم والتقوى ، كتاباً وسنة وإجماعا ، ولا ريب في أنّ الأعلم والأتقى هو الأفضل ، فهو المتعيّن للإمامة والخلافة ... وقد ثبت أنّه الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام.
قال (302) :
( فإن قيل : قال الله تعالى : ( انما يريد الله ... ) وقال النبّي : إنّي تركت فيكم ... ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره ، قلنا : نعم ... ).
أقول :
قد ثبت بالأحاديث المعتبرة أنّ المراد من ( أهل البيت ) في قوله تعالى : ( انما يريد الله ... ) هم الخمسة الطّاهرة ، حتى أنّ أم سلمة استأذنت في الدخول معهم فلم يأذن لها رسول الله وقال : إنّك إلى خير ... وإذهاب الرّجس مطلقاً دليل على العصمة ، فكان الخمسة معصومين بالآية المباركة.
ومن كان معصوماً كان أفضل ، ومن كان الأفضل كان الامام دون غيره.
وثبت أيضاً : أن المراد من ( عترتي أهل بيتي ) في الحديث هم الأئمة الإثنا عشر ، لأنّ الأمر المطلق بالتمسّك والإتباع والأخذ يستلزم عصمة المتبوع
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 274 _
والمقتدى ، كما ذكر الفخر الرازي وغيره في قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم ) ونظائر ذلك ، ولأنّ الذين لا يفارقون القرآن ، بل يكونون معه ويكون معهم هو الأئمة المعصومون.
وفي هذا الحديث دلالة على بقاء الأئمة من العترة مادام القرآن باقياً ، ليكون حافظاً له من التّغيير ، مبيّناً لما احتاج منه إلى البيان والتفسير ... ومن كان معصوماً كان أفضل النّاس علماً وعملاً ...
فظهر أنّ الآية المباركة والحديث دليلان آخران على أفضلية الأئمة من العترة الطاهرة ، والحديث المذكور أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي وأحمد والحاكم وغيرهم من الأئمة ، بل هو من الأحاديث المتواترة المقطوع بصدورها عن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
حول الصحابة
قال (303) :
( يجب تعظيم الصّحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهرة الطعن فيهم على محامل ... وللروافض سيّما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصّحابة ... ).
أقول :
لابدّ أوّلاً من تعريف الصّحابي ، فقد اختلفت كلماتهم في تعريفه ، والذي يهمّنا هنا معرفة رأي السّعد :
قال ابن الحاجب : ( الصّحابي من رأي النّبي عليه الصّلاة والسّلام وإن لم يرو ولم تطل ).
فقال العضد بشرحه : ( قد اختلف في الصحابي فقيل : من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وإن لم يرو عنه حديثاً ولم تطل صحبته له ، وقيل ... ) (1).
---------------------------
(1) شرح المختصر 2 | 67.
الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية
_ 275 _
فالمختار عند الماتن والشارح هو القول الأول.
ووافقهما السّعد في الحاشية وهذه عبارته :
( قوله : الصحابي من رآه ، أي مسلم راي النبي ، يعني صحبه ولو أعمى ، وفي بعض الشروح ، أي رأه النبي عليه الصلاة والسلام ) (1).
فالصحابي : من رأى النبي مسلماً أو رآه النبي.
هذا هو الموضوع.
والحكم : وجوب تعظيم الصّحابة كلهم والكفّ عن مطاعنهم وحمل ما يوجب ... فالحاصل : وجوب تعظيم كلّ مسلم رأى النبيّ أو رآه النبي ، والكف عن مطاعنه ...
فهل يرتضي هذا أحد؟ وما الدليل عليه؟
وكيف يقول السّعد هذا ؟ وسيصرّح في 310 بالعبارة التالية :
( إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ ، والمذكور على ألسنة الثقات ، يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن الطريق الحق ، وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد ، وطلب الملك والرياسة ، والميل إلى اللذات والشهودات ، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النّبي بالخير موسوماً ... ).
كيف يقول هنا : يجب تعظيم الصحابي ـ أي كلّ من لقي النبي ـ ... ويقول هناك : ( ليس كل صحابي معصوماً ولا كل من لقي النبي بالخير موسوماً )؟
أللهمّ إلاّ أن يقال : كلامه هنا عام وقد خصّصه كلامه ذاك ، فيكون حكم ما ذكره هنا حكم ما ورد كتاباً وسنةً في مدح الأصحاب عموماً ، فإنّ الله تعالى والنّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يأمران بحبّ من حاد عن الطريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ... بل الحكم الشرعي هو الاجتناب والتبرّي عن هكذا
---------------------------
(1) شرح المختصر 2 | 67.