البيت وما راعوا حقوقهم ، وما حفظوا وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيهم ، ونسوا ما ذكّروا به ، وآذوا عليا وفاطمة والحسن والحسين وهم أهل بيت الطهارة ، وكان ايذاؤهم ومحاربتهم ايذاءا ومحاربة لله ولرسوله .
ثم أن بنت رسول الله وبضعته فاطمة الزهراء قد انزجرت وتضجّرت تضجرا شديدا ، وسأمت منهم سأمة ، حتى مرضت واشتد مرضها ، ولم تُجز احاد منهم لعيادتها ولا الحضور لجنازتها ولا للصلوة عليها .
الاستيعاب : فقالت اسماء : يا بنت رسول الله الا اُريك شيئا رأيته بارض الحبشة : فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوبا ، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله : تُعرف به المرأة والرجال ، فاذا أنا متّ فاغسليني أنت وعلي ، ولا تُدخلي عليّ أحدا ، فلما تُوفيت جاءت عائشة تدخل ، فقالت اسماء : لا تدخلي ، فشكت الى أبي بكر ، فقالت : هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد جعلت لها مثل الهودج ، فجاء ابوبكر فوقف على الباب فقال : يا اسماء ما حملك على أن منعت ازواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يدخلن على بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : أمرتني أن لا يدخل عليها أحد ... قال ابوبكر فاصنعم ما أمرتك ، ثم انصرف ، فغسلها عليّ وأسماء
(1) .
الطبقات : دُفنت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلا ، ودفنها علي
(2) .
وروى باسناد مختلفة ستة أحاديث بهذا المضمون .
ويروى أيضا : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة ؟ فقال : دفنّاها بليل بعد هدأة ، قال قلت : فمن صلى عليها ؟ قال : علي
(3) .
أقول : يظهر من الروايات أن ابن عباس ممن حضر تشييع بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودفنها والصلوة عليها ، ويعلم من دفنها ليلا أن الدفن قد وقع في سر وخفاء من الناس ، وهذا من جهة انزجار بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصيّتها
---------------------------
(1) الاستيعاب ج 4 ص 1897 .
(2) الطبقات ج 8 ص 29 .
(3) نفس المصدر ص 30 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 178 _
وعدم رضايتها بحضورهم في جنازتها وصلاتها ودفنها .
وهذا جريان تشييع حبيبة رسول الله وبضعته ، وهذه كيفية الصلوة عليها ودفنها ، فيقض فيها المحقق الحر بما شاء .
ويروى أيضا : عن عبدالله بن الحسن ، قال : وجدت المغيرة بن عبد الرحمن واقفا ينتظرني بالبقيع نصف النهار في حر شديد ، فقلت : ما يوقفك يا ابا هاشم ها هنا ؟ قال :انتظرتك ، بلغني أن فاطمة دفنت في هذا البيت في دار عقيل مما يلي دار الجحشيين فأحب أن تبتاعه لي بما بلغ ، أدفن فيها ؟ فقال عبد الله : والله لأفعلن ، فجهد بالعقيليين فأبوا ، قال عبدالله بن جعفر : وما رأيت أحدا يشك أن قبرها في ذلك الموضع .
ويروى أيضا : رواية اخرى قريبة منها .
انساب الأشراف : عن عروة ان عليا دفن فاطمة عليها السلام ليلا ، وغسلها علي واسماء وبذلك أوصت ، ولم يعلم ابوبكر وعمر بموتها
(1) .
مستدرك الحاكم : عن عائشة قالت : دُفنت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلا دفنها علي ، ولم يشعر بها ابوبكر حتى دُفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(2) .
تاريخ الطبري : قال : فهجرت فاطمة ابابكر فلم تُكلمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها ابابكر
(3) .
أقول : لا ينقضي تأثري وحزني ما دمت وما دامت السموات والأرض على موت حبيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبضعته ، وابنته الفريدة المصابة بأبيها ، المظلومة من الأمة ، الغريبة بين المسلمين ، المدفونة ليلا ، المضطهدة المقهورة .
الله أكبــر ماذا الحادث الجلل لقد تزلزل سهل الأرض والجبل وهذه مصيبة ما أعظمها وفتنة بين المسلمين ما أكبرها ؟ جعلت رؤوس
---------------------------
(1) أنساب الأشراف ج 1 ص 405 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 162 .
(3) تاريخ الطبري ج 3 ص 202 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 179 _
المسلمين منخفضة عند الله ورسوله ، بل وعند الأجانب والكفار ، فإنهم لم يحفظوا حرمة رسول الله بعد رحلته ، ولم يُراعوا حقوق أهل بيته ، فتعسا لهم ثم تعسا .
فتنة أخذ فدك
الملل والنحل : الخلاف السادس في أمر فدك والتوارث عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودعوى فاطمة عليه السلام وراثة تارة وتمليكا اخرى ، حتى دُفنت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي عليه السلام ـ نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة
(1) .
تاريخ الطبري : فلما نزل اهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يُعاملهم بالأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها ؟ فصالحهم رسول الله الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على النصف على انا اذا شئنا ان نخرجكم أخرجناكم . وصالحة أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئا للمسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب
(2) .
أقول : قال الله تعالى في سورة الحشر ـ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يُسلّط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ( فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) أي الأموال التي أعادها الله وأرجعها وأعطاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الكفار وأنتم ما أجريتم على تحصيله من خيل ولا ركاب أي لم تحصّلوه بالقتال والغلبة ، بل سلّط الله رسوله عليهم وعلى ما في ايديهم ، فالأمر فيه مفوّض اليه يضعه حيث يشاء ، ولا يقسّم قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهرا وبالحَرب .
السيرة النبوية : فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خيبر قذف الله الرعب في قلوب اهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
---------------------------
(1) الملل والنحل ج 1 ص 17 .
(2) تاريخ الطبري ج 3 ص 95 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 181 _
يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خالصة لأنه لم يوجّف عليها بخيل ولا ركاب
(1) .
أنساب الأشراف : كان لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث صفايا مال بني النضير وخيبر وفدك ، فأما أموال بني النضير فكانت حبسا لنوائبه ، وأما فدك فكانت لأبناء السبيل ، وجزّأ خيبر ثلاثة أجزاء فقسّم جزأين منها بين المسلمين وحبس جزءا لنفسه ونفقة أهله
(2) .
أقول : الصفية من الغنيمة ، والجمع صفايا : ما اختاره الرئيس لنفسه . فيكون مرادفا للفيء أو أخص منه ، كما أن الأنفال أعم من الفيء حيث أنه يشمل الأراضي الموات ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام أيضا . فالغنيمة شاملة للأنفال وغيرها ، والأنفال شاملة للفيء وغيره . والفيء شامل للصفية وغيرها . فالصفية من الفيء : ما اختاره رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لنفسه وجعله من ماله وملكه . قال ابن الأثير في النهاية : الصفي ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة ، ويقال له الصفية والجمع الصفايا ، ومنه حديث عائشة : كانت صفية من الصفي ، يعني صفية بنت حُيّ كانت مما اصطفاها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من غنيمة خيبر .
البخاري : باسناده : ان فاطمة ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سألت ابابكر الصدّيق بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان يقسّم لها ميراثها ما ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبابكر : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لا نورَث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهجرت ابابكر ، فلم تزل مهاجرته حتى تُوفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ستة اشهر
(3) .
كذلك في مسند أحمد
(4) .
---------------------------
(1) السيرة النبوية ج 3 ص 368 .
(2) أنساب الأشراف ج 1 ص 519 .
(3) البخاري ج 2 ص 115 .
(4) مسند أحمد ج 1 ص 6 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 182 _
ويروى : باسناده : ان فاطمة ارسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيما أفاء الله على رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تطلب صدقة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ! فقال ابوبكر : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ! فقال أبوبكر : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : لا نورّث ما تركنا فهو صدقة انما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله لا أغيّر شيئا من صدقات النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التي كانت عليها في عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولأعلمنّ فيها بما عمل فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فتشهّد علي ثم قال : إنا قد عرفنا يا ابابكر فضيلتك ، وذكر قرابتهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحقهم ، فتكلم ابوبكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحب اليّ أن أصل من قرابتي
(1) .
وفي مسند أحمد : ما يقرب منها
(2) .
ويروى : قريبا من هذه الرواية ، وفيها : فأبى ابوبكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى تُوفيّت ، وعاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها ليلا ولم يُؤذن بها ابابكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما تُوفيت استنكر على وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل الى أبي بكر أن ائتنا ولايأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال ابوبكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ؟ والله لآتينهم ! فدخل عليهم ابوبكر ، فتشهد علي فقال : إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نصيبا ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلم أبوبكر قال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحبّ اليّ ان أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال : فلم آل فيها عن الخير ولم أترك أمرا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنعه فيها الا صنعته .
---------------------------
(1) البخاري ج 2 ص 185 .
(2) مسند أحمد ج 1 ص 9 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 183 _
فقال علي لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى ابوبكر الظهر رقى المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلّفه عن البيعة وعذره بالذي اعتذر اليه ثم استغفر وتشهد عليّ فعئم حق أبي بكر وحدّث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ولا انكار للذي فضله الله به ، ولكنا كنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا فوجدنا في أنفسنا ، فسر بذلك المسلمون قالوا أصبت
(1) .
أقول : يستفاد من هذا الكلام المنقول من الصحيح الامور :
الاول ـ أن فاطمة ( عليه السلام ) على قولهم : ما كانت عالمة بحقيقة الفيء والخمس والصدقة والميراث المذكورة في هذه الروايات ، مع كونها من اهل بيت الوحي والنبوة ، ومع كونها متصرفة فيها حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
الثاني ـ أن فاطمة ما صدقت قول أبي بكر والحديث الذي رواه ، أو ما توجهت الى معناه ، حتى غضبت وهاجرت ولم تكلمه .
الثالث ـ أن فاطمة غضبت أشد الغضب بحيث هجرته حتى تُوفيت ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فمن أغضبها فقد أغضبني .
الرابع ـ أن فاطمة وعليا ( عليه السلام ) قد غضبا واوذيا بحيث لم يرضيا أن يحضر ابوبكر في تشييع بنت النبي وصلاتها ودفنها حتى دفنها علي ( عليه السلام ) ليلا ولم يُخبر احدا منهم بتجهيزها ودفنها .
الخامس ـ أن مصالحة علي ( عليه السلام ) ومبايعته كان بعد وفاة فاطمة ( عليه السلام ) .
وفي البخاري : باسناده : أن فاطمة والعباس عليهما السلام أتيا ابابكر يلتمسان ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهما حينئذ يطلبان أرضهما من فدك وسهمهما من خيبر ، فقال لهما ابوبكر سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ... فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت
(2) .
ثم يروى أيضا : أتى حاجب عمر وقال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، قال عباس : يا اميرالمؤمنين اقض بيني وبين هذا ... قال عمر : فإني احدثكم
---------------------------
(1) البخاري ج 3 ص 35 .
(2) البخاري ج 4 ص 101 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 184 _
عن هذا الأمر ان الله قد كان خصّ رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا الفيء بشيء لم يُعطه احدا غيره ، فقال عز وجل : ما أفاء الله على رسوله الى قوله قدير ، فكانت خالصة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، لقد أعطاكموه وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُنفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مَجعل مال الله ... ثم جئتماني وكلمتُكما واحدة وامركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من أبن أخيك ، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها ، فقلت : ان شئتما دفعتها اليكما بذلك ، فتلتمسان مني قضاءا غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاءا غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما فادفعاها اليّ فأنا أكفيكماها .
أقول : فيدل هذا الحديث على أن عباسا وعليا ايضا يلتمسان على عقيدتهم امرا خلاف الحق والشريعة ، مع أن عليا أقضى الأمة وأن الحق مع علي .
ثم العجب من عمر حيث اعترف بأن الله خص رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في هذا الفيء بشيء لم يعطه احدا غيره ، ثم انه دفعها اليهما بعد سنتين من خلافته ، مع أن ابابكر لم يدفعها الى فاطمة .
والأعجب أن البخاري يروي في اول صفحة 102 حديث ( لا نورث ما تركنا صدقة ) ثم يروي في آخر الصفحة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انك أن تركت ولدك أغنياء خير من أن تركتهم عالة يتكفّفون الناس .
مع أن هذا الحكم يوجب الظلم على ورثة الأنبياء ومحروميتهم من حقهم ، والنبي اذا مات ليس له حق في ماله ، والمال للورثة ، وهل يجوز لنبي أن يحكم في اموال الورثة بما شاء ويجعلهم عالى يتكففون الناس .
ويقول عمر بن الخطاب حسبنا كتاب الله : مع أن الكتاب يقول : وورث سليمان داود .
ويروى أيضا : قريبا من الحديث ، وفيها : ان شئتما دفعتها اليكم ، على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبما عمل فيها ابوبكر
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 185 _
وبما عملت فيها منذ وليّتها ، والا فلا تكلماني فيها ، فقلتما ادفعها الينا بذلك .. الحديث
(1) .
أقول : رد هذه الأموال الى أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صحيح صحيح وواقع في محله ، وأما الشرط الذي اشترطه فباطل ، فإن عمر بن الخطاب ليس له مقام ولاية دينية حتى يتوقف التصرف في بيت المال على اجازته ، وقد أثبتنا في بابه أن عمر منصوب من جانب أبي بكر كما أن ابابكر ايضا قد نصب من جانب عمر وبتعيينه ، ولا تثبت بهذا ولاية حقيقية دينية لهما على عموم المسلمين ، حتى على اهل بيت ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
ويروي مسلم : نظير تلك الرواية ، وفيها : فقلت ان شئتم دفعتها اليكم ، على أن عليما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذتماها بذلك
(2) .
ويروى ايضا : نظير رواية البخاري ، وفيها : ولم يؤذن بها ابابكر وصلى عليها عليّ
(3) .
ويروى : عن عائشة : وكانت فاطمة تسأل ابابكر نصيبها مما ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى ابوبكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركا شيئا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعمل به الا عملت به ، أني أخشى أن تركت شيئا من امره أن ازيغ ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر الى علي وعباس ، فغلبه عليها عليّ ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وامرهما الى من ولّى الأمر ، قال : فهما على ذلك الى اليوم
(4) .
مسند أحمد : يروى في رواية نظيرها
(5) .
---------------------------
(1) البخاري ج 4 ص 161 .
(2) مسلم ج 5 ص 152 .
(3) نفس المصدر ص 153 .
(4) نفس المصدر ص 155 .
(5) مسند أحمد ج 1 ص 6 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 186 _
سنن النسائي : عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لو يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عُدة في سبيل الله
(1) .
ويروى : وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب . قال الزهري : هذه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خاصة قرى عربية فدك كذا وكذا
(2) .
سنن أبي داود : نظير ما في مسلم ( ص 155 )
(3) .
ويروى ايضا : عن الزهري ، قال : صالح النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اهل فدك وقرى ( قد سمّاها لا أحفظها ) ، وهو محاصر قوما آخرين ، فأرسلوا اليه بالصلح ، قال فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، يقول بغير قتال . قال الزهري : وكانت بنو النضير للنبي خالصا لم يفتحوها عنوة افتتحوها على صلح قسّمها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين المهاجرين لم يثعط الأنصار منها شيئا الا رجلين كانت بهما حاجة .
ويروى أيضا : جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف ، فقال ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت له فدك فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيّهم ، وان فاطمة سألته ان يجعلها لها ، فأبى فكانت كذلك في حيوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى مضى لسبيله ، فلما أن ولى ابوبكر عمل فيها بما عمل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى مضى لسبيله ، فلما أن ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله ، ثم أقطعها مروان ثم صارت لعمر بن عبد العزيز ، قال عمر يعني ابن عبد العزيز : فرأيت امرا منعه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة ليس لي بحق ، وإني اُشهدكم اني قد رددتها على ما كانت ، يعني على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وفي حاشية الكتاب ( ص 55 ) أقطعها مروان أي زمن عثمان ، والمعنى جعلها قطعة لنفسه وتوابعه .
---------------------------
(1) سنن النسائي ج 7 ص 132 .
(2) نفس المصدر ص 137 .
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 58 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 187 _
أقول : يظهر من هذا الكلام أن مروان بن الحكم كان أولى وأحق من فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث أن ابابكر وعمر قد منعا فاطمة منها ثم أن عثمان أقطعها لمروان وتوابعه . ويظهر أيضا أن عثمان كان قد عمل في هذا الموضوع خلاف أبي بكر وعمر .
سنن الترمذي : عن أبي هريرة : جاءت فاطمة الى أبي بكر فقالت : من يرثك ؟ قال : أهلي وولدي ، قالت : فما لي لا أرث أبي ؟ فقال أبوبكر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لا نوَرث ، لكن أعول من كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعوله وأنفق على من كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُنفق عليه
(1) .
كذلك في مسند أحمد
(2) .
ويروى ايضا نظير النسائي : ( ج 7 ص 132 ) وفيها : ولا ركاب فكانت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خالصا وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعزل نفقة اهله سنة ثم يجعل ما بقي
(3) ...
الطبقات : عن أم هاني : ان فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك اذا مُتّ ؟ قال : ولدي وأهلي : قالت : فما لك ورثت النبي دوننا ؟ فقال : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إني والله ما ورثت اباك ارضا ولا ذهبا ولا فضة ولا غلاما ولا مالا . قالت : فسهم الله الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك ؟ فقال : إني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول هي طعمة أطعمنيها الله فاذا مُتّ كان بين المسلمين
(4) .
ويروى أيضا : جاءت فاطمة الى أبي بكر تطلب ميراثها ، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه ، وجاء معهما علي ، فقال أبوبكر : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا نورث ما تركنا صدقة ، وما كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعول فعليَّ ، فقال علي : ورث سليمان داود ، وقال زكريا : يرثني ويرث من آل يعقوب ! قال ابوبكر : هو هكذا
---------------------------
(1) سنن الترمذي ص 250 .
(2) مسند أحمد ج 1 ص 10 .
(3) سنن الترمذي ص 263 .
(4) الطبقات ج 2 ص 314 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 188 _
وأنت والله تعلم مثل ما أعلم ، فقال علي : هذا كتاب الله ينطق ، فسكتوا وانصرفوا
(1) .
ويروى ايضا : عن أسلم ، قال : سمعت عمر يقول : لما كان اليوم الذي تُوفي فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم ، فلما كان من الغد جاءت فاطمة الى أبي بكر معها علي ، فقالت : ميراثي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ابي ! فقال ابوبكر أمن الرثة أو من العُقد ؟ قالت فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك اذا مُت ، فقال أبوبكر : ابوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا نَورت ما تركنا صدقة ، يعني هذه الأموال القائمة ، فتُعلمين ان أباك أعطاكها ! فوالله لئن قلت نعم لأقبلنّ قولك ولاصدّقنّك ! قالت جاءتني أم أيمن فأخبرتني انه اعطاني فدك ، قال : فسمعته يقول هي لك ! فاذا قلت قد سمعته فهي لك فأنا أصدّقك وأقبل قولك ، قال : قد أخبرتك ما عندي .
ويروى أيضا : حدّث جعفر الأنصاري : كانت فدك صفيا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكانت لابن السبيل ، وسألته ابنته فدك أن يهبها لها فأبى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ذلك عليها فلم يطمع فيها طامع ، ثم توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأمر على ذلك ... فلما كانت الجماعة على معاوية سنة أربعين ولّي مروان بن الحكم المدينة ، فكتب الى معاوية يطلب اليه فدك ، فأعطاه اياها ، فكانت بيد مروان يبيع ثمرها بعشرة آلاف دينار كل سنة ... ثم أعطى مروان عبد الملك نصفها وعبدالعزيز بن مروان نصفها ، فوهب عبد العزيز نصفها الذي كان بيده لعمر بن العبد العزيز
(2).
ويروى أيضا : فكتب عمر بن العزيز الى أبي بكر بن محمد كتابا فيه ـ بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدالله عمر اميرالمؤمنين الى أبي بكر بن محمد ، سلام عليك فإني احمد اليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإني نظرت في أمر فدك وفصحت عنه فاذا هو لا يصلح لي ، ورأيت ان اردّها على ما كانت عليه في
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 315 .
(2) نفس المصدر ج5 ص 388 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 189 _
عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان ، وأترك ما حدث بعدهم ، فاذا جاءك كتابي هذا فاقبضها وولها رجلاً يقوم فيها بالحق
(1).
فتوح البلدان : قالوا : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى اهل فدك منصرفه من خيبر ، محيصة بن مسععود الأنصاري يدعوهم الى الاسلام ، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي ، فصالحوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على نصف الأرض بتربتها فقبل ذلك منهم ، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولاركاب
(2) .
ويروى ايضاً : عن عمر قال : كانت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثلاث صفايا فكانت ارض بني النضير تحبساً وكانت لنوائبه ، وجزأ خيبر على ثلاثة أجزاء ، وكانت فدك لأبناء السبيل
(3) .
ويروى ايضاً : عن جعونة : قال : قالت فاطمة لأبي بكر ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جعل لي فدك فأعطني أياها وشهد لها علي بن أبي طالب ، فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم ايمن ، فقال : قد علمت يابنت رسول الله انه لا تجوز الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين فانصرفت
(4) .
أقول : الحاجة الى البينة اذا فقد العلم واليقين ، وكيف لا يحصل اليقين لمسلم عند دعوى فاطمة بنت رسول الله وهي سيدة نساء العالمين والبضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واحب الخلق اليه ، أو كيف لا يحصل اذا شهد لأمرٍ اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو اخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووليه وصفيه وحبيبه وحبيب الله بل واحب الخلق الى الله والى رسوله ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من أغضب وآذى فاطمة فقد آذاني وأغضبني ، وقال : ومن آذى علياً فقد آذاني ، وقال أيضاً : علي مع الحق والحق مع علي ، وقال : علي مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن
---------------------------
(1) فتوح البلدان ص42 .
(2) نفس المصدر السابق ص389.
(3) نفس المصدر ص43 .
(4) نفس المصدر ص44 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 190 _
بعدي ، فهل يحتمل مسلم أن تدعي فاطمة وأن يشهد علي باطلا . واما أم أيمن فهي حاضنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال في حقها : أنها من أهل الجنة .
يناسب هذا المقال ما كتب المأمون الى عامله بالمدينة ، كما في فتوح البلدان : أما بعد فإن اميرالمؤمنين بمكانة من دين الله وخلافة رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقرابة به ، أولى من استنّ سنته ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق امير المؤنين وعصمته ، واليه في العمل بما يقربه اليه رغبته ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعطى فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فدك ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدق عليه ، فراى اميرالمؤمنين ان يردها الى ورثتها ويسلمها اليهم تقرباً الى الله تعالى باقامة حقه وعدله ، و الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتنفيذ امره وصدقته ، فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب به الى عماله ، فلان كان ينادي في كل موسم بعد ان قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة او عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، ان فاطمة رضي الله عنها لأولى بان يصدق قولها فيما جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها ، ورثة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة اليها وما فيها زيدبن علي بن الحسين ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين ، لتوليته اميرالمؤمنين ايهما . القيام بها لاهلها ، فأعلم ذلك من رأي اميرالمؤمنين ... الخ
(1) .
عقد الفريد : وفي كتاب ابراهيم بن جعفر في فدك حين امره بردها : قد فتحصل من هذه الروايات امور
(2) :
1 ـ انا نقطع بان فاطمة ( عليه السلام ) طالبت فدك من أبي بكر ، ومن المسلمات
---------------------------
(1) فتوح البلدان ص46 .
(2) عقد الفريد ج4 ص216 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 191 _
اليقينية . ان فاطمة لا تطالب الا عن حق ولا تدّعي شيئا الا اذا أيقنت به ولا تتكلم الا عن صدق ، ولا يمكنفي حقها الانحراف والتعدي والتمايل الباطل ، فإنها من الذين أذهب الله الرجس عنهم وطهّرهم ، وهي سيدة نساء العالمين .
2 ـ ونقطع بأن عليا ( عليه السلام ) أيدها نصرها . في هذه الدعوى بل وشهد لها : ونعلم علما قطعيا بأن عليا مع الحق والحق معه ، ومع القرآن ، وهو أعلم الأمة واتقاها ، ويُحبه الله ورسوله ، ولا يمكن في حقه خلاف الحق والصدق .
3 ـ ونقطع ايضا بأن اهل البيت قد تأذوا وغضبوا وتألموا تألما شديدا ، وقد وردت روايات صحيحة بأن من آذاهم فقد آذى رسول الله ومن آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد آذى الله .
4 ـ ونقطع بأن الروايات الواردة في هذا الباب مختلة جدا ومغشوشة ، لاختلافها ، ومخالفة بعض مضامينها بالأحاديث المقطوعة .
5 ـ ان حديث ( نحن الأنبياء لا نورث ) ، ان اريد منه انهم لا يورثون في الجهة المعنوية الإلهية من النبوة والفيوضات الغيبية التي ليسب بمكتسَبة فيصح مضمونها ، فإنها لا تقبل التوارث والانتقال ، بل وانها بيد الله يعطي من يشاء ويمنع . وان أريد منه ـ الجهة المادية الظاهرية من المال والملك ، فيكون الحديث ضعيفا وغير صحيح ، فإن انتقال المال من الميت الى ورثته ليس في اختيار الميت وجودا ولا عدما ، بل وإنه لا يقدر ان يمنع من الانتقال والارث ، والمال بعد الموت للورثة سواء وافق الميت أو خالف ، فلا يعد هذا من محاسن الميت ولا من مساويه ، بل الظاهر أن منع الورثة من الارث يخالف العدل والانصاف ، ويساوق الجور والعدوان ، فإنه يوجب محرومية الورثة من حقهم الذي جعله الله لهم . فلا يكون هذا الحديث مدحا للأنبياء بل قدحا وذما لهم .
6 ـ هذا الحديث مردود عند أهل البيت عليهم السلام ، كما شاهدت من الروايات ، وهم أدرى بما في البيت .
7 ـ ان الحق الصريح الذي لا ريب فيه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أعطى فدك لفاطمة ( عليه السلام ) في حال حياته ، وكانت في تصرفها ، ثم لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 192 _
أخذها ابوبكر وأخرج منها عاملها ، في تلو السياسة التي اتخذت ، ونقطع بأن هذا العمل مرتبط بالفتن الحادثة التي أسلفناها .
وهذه فتنة منعت أهل البيت عن بسط أيديهم وتوسعة معاشهم ، وصرفت وجوه الناس عنهم ، وجعلتهم في مضيق من العيش والحياة ، وصار أعداؤهم فرحين مستبشرين .
نتيجة الفتن الخمسة
ظهرت هذه الفتن الخمسة ، وحدثت الأحداث التي أسلفناها ، فجعلت مجرى الاسلام منحرفا ، وغيّرت ما أقامه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فصار المسلمون مختلفين ، وارتدّوا عن الصراط المستقيم ، وأعرضوا عما أوصاهم به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
فهذه الأحداث قد جعلت جامعة المسلمين منحرفة عن أهل البيت ، وموافقة لخلافة أبي بكر وعمر ، ومستعدّة لقبول كلمات المخالفين .
ثم أنهم قد أحدثوا أحاديث جديدة ، وشاعت روايات حديثة ليست لها سابقة في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا في الأيام الأول بعد الاسلام ولا في السقيفة ولا في محاورات اخرى ، فغيّروا كلمات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن مواضعها وحرّفوها وبدّلوها ، فبئس ما صنعوا ، ضلوا وأضلّوا ، وبئس ما ظلموا ، وما ظلموا الا أنفسهم .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 194 _
روايات في فضل أبي بكر
البخاري : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أن من أمّن عليّ في صحبته وماله أبابكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبابكر خليلا ، ولكن اخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب الا باب أبي بكر
(1) .
ويروى : مثلها ، وفيها : الا خلة الاسلام ، لا يبقين في المسجد خوخة الا خوخة أبي بكر
(2) .
ويروى مسلم : مثلها ، وفيها : ولكن اخوّة الاسلام لا تُبقينّ في المسجد خوخة الا خوخة ابي بكر
(3) .
وفي زاد المسلم شرح المسلم : يشير به الى قطع المنازعة مع أبي بكر في أمر الخلافة على الاستعارة التصريحية ، بأن شبّه طريق النزاع فيه الأبواب ... ولم يكن بيت أبي بكر متصلا به ... ولا ينافيه قوله في حق علي كرّم الله وجهه سُدّوا أبواب المسجد كلها الا باب عليّ ، لأنه محمول على حقيقته ، لأن بيت عليّ ثبت أنه كان في جنب المسجد النبوي ، فلم يقصد به الاشارة الى خلافته
(4) .
ابن ماجة : عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وابوبكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي ... الرواية
(5) .
أقول : فيها تصريح بأن بيت أبي بكر كانت بالعوالي ، وأما اخوّة الاسلام :
---------------------------
(1) البخاري ج 2 ص 177 .
(2) نفس المصدر ص 203 .
(3) مسلم ج 7 ص 108 .
(4) زاد المسلم ج1 ص 86 .
(5) ابن ماجة ج 1 ص 498 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 195 _
فهي عامة بالنسبة الى جمسلع المسلمين ، كما قال تعالى : انما المؤمنون اخوة فلا دلالة فيها على امتياز مخصوص لأبي بكر ، مع أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد آخى بينه وبين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، كما في ابن ماجة قال علي : انا عبد الله واخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الا كذاب
(1) .
وفي السيرة النبوية : فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : تآخوا في الله أخوين ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : هذا أخي
(2) .
أقول : قد سبق فصل مخصوص بهذا الموضوع ، فراجعه .
ومن راجع الروايات المنقولة في خصوص بعض الأصحاب المخالفين ، ونظر فيها نظر دقة وتحقيق وجدها مقتبسة ومأخوذة من الأحاديث الواردة في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومجعولة على مضامين قريبة منها ، كالأحاديث المجعولة في محاسن الشام وفضائل أهلها ، في مقابل الرايات الواردة في المدينة ، وكالتي جعلت في فضائل بني أمية وسلاطينها في قبال ما وردت في بني هاشم واهل البيت ، ونظائرها .
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : وذكر شيخنا ابو جعفر الإسكافي : ان معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية اخبار قبيحة في علي ( عليه السلام ) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جُعلا يرغب في مثله
(3) .
وفي الموضوعات الكبر للقاري : ومنهم زنادقة وضعوه قصدا الى افساد الشريعة وايقاع الشك والتلاعب بالدين ، وقد كان بعض الزنادقة يضع الحديث لنصرة مذهبه ومنهم من يضع حسبة ترغيبا وترهيبا ، ومنهم من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن ومنهم من أجاز وضع الأسانيد لكلام حسن ومنهم من قصد التقريب الى السلطان ومنهم القصّاص
(4) .
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ج 1 ص 57 .
(2) السيرة النبوية ج 2 ص 150 .
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 358 .
(4) الموضوعات الكبير للقاري ص 150 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 196 _
مستدرك الحاكم : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان تُولوا ابابكر تجدوه زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة ، وان تُولوا عمر تجدوه قويا أمينا لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم ، وان تُولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق
(1) .
أقول : المطلوب اللازم في الخليفة كونه مهديا وهاديا يهدي الأمة الى صرطا مستقيم ، وأما الزهد والأمانة فمن صفات المؤمنين ولازم لكل فرد من المسلمين ان يتّصف به .
ويروى : ما يقرب منها ، وفيه : راغب في الآخرة وفي جسمه ضعف .... فهاد مهتد يقيمكم على صراط مستقيم
(2) .
أقول: توصيف أبي بكر بقوله ( وفي جسمه ضعف ) يدل على ضعفه عن مقام الخلافة وبأنه غير مستعد له .
ثم أن نظائر هذا الروايات لم تثبت عند اهل البيت ، ولم تضبط في كتب الامامية ، وعلى تقدير ورودها وصحتها لا تدل على مطلوبهم ، ولا سيما مع وجود أحاديث صحيحة واردة في كتب الفريقين لعلي ( عليه السلام ) ، وقد أدرجنا انموذجا منها في الكتاب .
أنساب الأشراف : لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعا عبدالرحمن بن ابي بكر فقال : ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يُختلف عليه معه ، فذهب عبدالرحمن ليقوم ، فقال : اجلس أبى الله والمؤمنون ان يُختلف على أبي بكر
(3) .
ويروى : عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر
(4) .
المعارف : عن أبي نضرة ، قال أبوبكر في الخلافة : ومن أحق بها منّي أو لست أول من أسلم ؟
(5) .
---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 70 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 142 .
(3) أنساب الأشراف ج 1 ص 541 .
(4) نفس المصدر ص 540 .
(5) المعارف ص 169 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 197 _
الاستيعاب : عن عمرو بن العاص ، قلت يا رسول الله من أحب الناس اليك ؟ قال عائشة ، قلت : من الرجال ؟ قال أبوها
(1) .
أقول : قلنا إن المخالفين لأهل البيت قد وضعوا أحاديث في مقابل ما وردت في أهل البيت وعلي ( عليه السلام ) .
فالرواية الأولى : موضوعة في مقابل أحاديث الوصية وطلبه كتابا وقول عمر أن الرجل ليهجر ، فراجعها .
والرواية الثانية : موضوعة في مقابل ما وردت ـ ان تولوا عليا تجدوه هاديا ، وما يقرب منها .
والرواية الثالثة : موضوعة في مقابل ما وردت من الأحاديث المتواترة المسلّمة ـ ان أول من أسلم وصلى عليّ .
والرواية الرابعة : موضوعة في مقابل ما وردت ـ إن أحب الناس الى رسول الله فاطمة وعليّ ـ فراجعها .
مع ضعف هذه الروايات دلالة وسندا ، لا يخفى على المحقق الخبير ، ونحن نشير الى بعض موارد الضعف فيها .
1 ـ ان يُختلف على أبي بكر ولعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يتوجه الى الاختلاف الواقع بعد رحلته ولا سيما خلاف اهل بيته الأطهار .
2 ـ ائتني بكتف : ولا أدري كيف لم يتوجه الرجل الذي صرّح بقوله ـ ان الرجل ليهجر وقد غلبه الوجع ، حتى يمنع عن هذه الوصية ايضا .
3 ـ اقتدوا بالذين : ولعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد نسي ما قال في علي ( عليه السلام ) ولم يتوجه الى خلافهما علما وعملا .
4 ـ أولست أول من أسلم : هذه الرواية مجعولة ، والصحيح ما خطب به أبوبكر في السقيفة كما في عقد الفريد ثم قال : أيها الناس نحن المهاجرون اول الناس اسلاما واكرمهم احسابا وأوسطهم دارا وأحسنهم وجوها وأكثر الناس
---------------------------
(1) الاستيعاب ج 3 ص 967 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 198 _
ولادة في العرب وأمسهم رحما برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أسلمنا قبلكم ... الخ
(1) .
وقال علي ( عليه السلام ) في خطب النهج : احتجّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .
5 ـ أحب الناس اليك : وقد روينا روايات متواترة في أن أحب الناس من الرجال عليّ ومن النساء فاطمة ، وقد روي بعض هذه الروايات عن عائشة فراجعه .
الاستيعاب : عن عبدالله بن زمعة قال : كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو عليل ، فدعاه بلال الى الصلاة ، فقال لنا : مُروا من يصلي بالناس ، قال : فخرجت فاذا عمر في الناس وكان ابوبكر غائبا ، فقلت : قم يا عمر فصل بالناس ، فقام عمر فلما كبّر سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صوته وكان مُهجرا ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فأين ابوبكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فبعث الى أبي بكر فجاءه بعد أن صلى عمر تلك الصلاة ، فصلى بالناس طول علته حتى قبض ( صلى الله عليه وآله وسلم )
(2) .
وفي مسند أحمد : عن ابن عباس قال : لما مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة ، فقال : ادعوا لي عليا ! قالت عائشة : ندعوا لك ابابكر ، قال : ادعوه ، قالت حفصة : يا رسول الله ندعوا لك عمر ، قال ادعوه . قالت ام الفضل : يا رسول الله ندعوا لك العباس ، قال : ادعوه ، فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليا فسكت ، فقال عمر : قوموا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقال : مروا ابابكر يصلي بالناس الخ
(3) .
أقول : يفهم من الروايتين ان كل واحدة من الأزواج تحب تقديم أبيها في مقابل علي ( عليه السلام ) ، وأما جملة ( يأبى الله ذلك والمسلمون ) : يخالف ما ورد من تقديم علي ( عليه السلام ) كما في أكل الطير والتزويج والبراءة وغيرها ، مع أن ابابكر وعمر كانا من جيش اسامة فكيف يمكن لهما الصلاة مع تأكيد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله جهزوا جيش اسمامة ، ولعنه على من تخلف .
---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 58 .
(2) الاستيعاب ج 3 ص 969 .
(3) مسند أحمد ج 1 ص 356 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 199 _
في الصحابة :
الطبقات : أتينا عليا قلنا أخبرنا عن سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا ينزح قعر منّا أهل البيت ، ويروى أيضا عن أبي صالح . عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال ثكلت سلمان أمه لقد أشبع من العلم
(1) .
ويروى أيضا : سئل عليّ عن سلمان الفارسي ، فقال : ذاك امرء منا والينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ، علم العلم الأول والعلم الآخِر وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر ، وكان بحرا لا يُنزف
(2) .
البيان والتعريف : سلمان منا أهل البيت ، أخرجه الطبراني في الكبير والحاكم عن عمرو بن عوف . سببه : كما في المستدرك ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطّ الخندق عام الأحزاب حتى بلغ المذاحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، فقالت المهاجرون : سلمان منا ، وقالت الأنصار : سلمان منّا . فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : سلمان منا أهل البيت
(3) .
سير الأعلام : عن زيد بن أبي أوفى : ثم دعا ابا الدرداء وسلمان ، فقال : يا سلمان أنت منا اهل البيت ، وقد آتاك الله . العلم الأول والعلم الآخر
(4) .
اخبار اصبهان : يقول اهل العلم : عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة فأما مائتين وخمسين فلا يشكون فيه ، وكان من المعمرين ، قيل أنه أدرك وصيّ عيسى بن مريم ( عليه السلام ) واعطي العلم الأول والآخر ، وقرأ الكتابين ، كان أحد
---------------------------
(1) الطبقات ج 2 ص 346 .
(2) نفس المصدر ج 4 ص 86 .
(3) البيان والتعريف ج 2 ص 70 .
(4) سير الأعلام ج 1 ص 97 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 200 _
النجباء
(1) .
مسند أحمد : عن بريدة ، قال رسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن الله يحب من أصحابي اربعة : أخبرني إنه يحبهم وأمرني ان احبّهم . قالوا من هم يا رسول الله ؟ قال : ان عليا منهم وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي
(2) .
مسند أحمد : عن أنس ، ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شاور الناس يوم بدر ، فتكلم ابوبكر فأعرض عنه ، ثم تكلم عمر فأعرض عنه ، فقالت الأنصار : يا رسول الله ايانا تريد ؟ فقال المقداد ابن الأسود : يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا ان نُخيضها البحر لأخضناها ، ولو أمرتنا ان نضرب أكبادها الى برك الغِماد فعلنا ، فشأنك يا رسول الله
(3) .
( الاخاضة : الايراد . وبرك الغِماد : موضع باليمن ) .
ويروى أيضا : عن الخدري ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : فأقول اصحابي اصحابي . فقيل أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، قال : فأقول بُعدا بعدا سحقا سحقا لمن بدّل بعدي
(4) .
ويروى : عن أبي قتادة يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول على المنبر للأنصار : ألا أن الناس دثاري والأنصار شعاري ، لوسلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا لاتبعت شعبة الأنصار ولولا الهجرة رجلا من الأنصار ، فمن ولي من الأنصار فليُحسن الى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ، ومن أفزعهم فقد أفزع هذا الذي بين هاتين ، واشار الى نفسه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
(5) .
ويروى : عن عمار ، لكن حذيفة أخبرني عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : في اصحابي اثنا عشر منافقا ، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط
(6) .
---------------------------
(1) أخبار اصبهان ج 1 ص 48 .
(2) مسند أحمد ج 5 ص 351 .
(3) نفس المصدر ج 3 ص 219 .
(4) نفس المصدر ص 28 .
(5) نفس المصدر ج 5 ص 307 .
(6) نفس المصدر ص 390 .