مطالب السؤول : قال أفلح مولى أبي جعفر : خرجت مع محمد بن علي حاجا ، فلما دخل المسجد نظر الى البيت فبكى حتى علا صوته ، فقلت : بابي وأمي أنّ الناس ينظرون اليك فلو رفقت بصوتك قليلا ، فقال لي : ويحك يا أفلح ولمَ لاأبكي لعل الله أن ينظر اليّ منه برحمته فأفوز بها عنده غدا ، ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده ، فاذا موضع السجود مبتلّ من كثرة دموع عينه
(1) .
---------------------------
(1) مطالب السؤول ( الباب الخامس ـ أبو جعفر ) .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 445 _
الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام
الوفيات : أبو عبدالله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، أحد الأئمة الاثنى عشر على مذهب الامامية ، كان من سادات أهل البيت ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وفضله أشهر من أن يذكر ، وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفال ، وكان تلميذه أبوموسى جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسيّ ، قد ألّف كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائل جعفر الصادق عليه السلام ، وهي خمسمائة رسالة ، وكان المنصور أراد أشخاصه الى العراق معه عند مسيره الى المدينة فاستعفاه من ذلك فلم يُعفه ... وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة ... وتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع ، انتهى ملخصا
(1) .
تذكرة الحفاظ : جعفر بن محمد الامام أبو عبدالله العلوي المدني الصادق أحد السادة الأعلام .
عن أبي حنيفة قال : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد ، وقال أبوحاتم : ثقة لايُسأل عن مثله ، وعن صالح بن أبي الأسود سمعت جعفر بن محمد يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لايحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي ، وقال هياج بن بسطام : كان جعفر الصادق يُطعم حتى لايبقى لعياله شيء
(2) .
حلية الأولياء : عن عبدالله بن شبرمه قال : دخلت أنا وأبوحنيفة على جعفر بن محمد ، فقال لابن أبي ليلي : من هذا معك ؟ قال : هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين ، قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه ؟ قال : نعم ، فقال جعفر لأبي حنيفة :
---------------------------
(1) الوفيات ج 1 ص 112 .
(2) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 166 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 446 _
ما اسمك ؟ قال : نعمان ، قال : يا نعمان هل قست رأسك بعد ؟ قال : كيف أقيس رأسي ؟ قال : ما أراك تُحسن شيئا ، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة
في الاذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا ، قال : ما أراك تُحسن شيئا ، قال : فهل علمت كلمة أوّلها كفر وآخرها ايمان ؟ فقال ابن ابي
ليلى : يا ابن رسول الله أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها ؟ فقال : أخبرني ابي عن جدّي ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ان الله تعالى بمنّه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولو لاذلك لذابتا ، وان الله تعالى بمنّه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الاذنين حجابا من الدوابّ فإن دخلت الرأس دابة والتمست الى الدماغ فاذا ذاقت المرارة التمست الخروج ، وان الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولو لاذلك لأنتن الدماغ ، وان الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه ، قال : فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها ايمان ؟ فقال اذا قال العبد : لا اله فقد كفر ، فاذا قال : الا الله فهو ايمان ، ثم أقبل على أبي حنيفة فقال : يا نعمان حدثني أبي عن جدي ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : أول من قاس أمر الدين برأيه ابليس ، قال الله تعالى له اسجد لآدم فقال ( أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) فمن قاس الدين برأيه
قرنه الله يوم القيامة بابليس لأنه اتبعه بالقياس ، وزاد ابن شبرمة في حديثه : ثم قال جعفر : أيهما اعظم قتل النفس أو الزنا ؟ قال : قتل النفس ، قال : فإن الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا الا اربعة ، ثم قال : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال الصلاة قال : فما بال الحائض تقتضي الصوم ولاتقتضي الصلاة ، فكيف ويحك يقوم لك قياسك اتق الله ولاتقس الدين برأيك
(1) .
مطالب السؤول : قال مالك بن أنس : قال جعفر يوما لسفيان الثوري : يا سفيان
---------------------------
(1) حلية الأولياء ج 3 ص 196 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 447 _
اذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله عزوجل قال في كتابه العزيز : لئن شكرتم لأزيدنّكم ، واذا استبطأت الرزق فأكثر من
الاستغفار ، فإن الله عز وعلا قال في كتابه : استغفروا ربكم انه كان غفارا يُرسل السماء عليكم مدرارا ويُمددكم بأموال وبنين ـ يعني في الدنيا ـ ويجعل لكم جنات ـ في
الآخرة ، يا سفيان اذا حزنك امر من سلطان أوغيره ، فأكثر من ـ لاحول ولاقوة إلا بالله ـ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة
(1) .
تذكرة الخواص : وقال الثوري بالاسناد المتقدم : قلت لجعفر يا ابن رسول الله اعتزلت الناس ! فقال : يا سفيان فسد الزمان وتغيّر الإخوان فرأيت الانفراد
اسكن للفؤاد
(2) .
---------------------------
(1) مطالب السؤول ( الباب السادس ـ أبو عبدالله ) .
(2) تذكرة الخواص ص 195 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 448 _
الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام
الوفيات : ابوالحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ، قال الخطيب في تاريخ البغداد : كان موسى يُدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده ، روى أنه دخل مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسجد سجدة في أول الليل وسُمع وهو يقول في سجوده : عظم الذنب عندي فليَحسن العفو من عندك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة فجعل يُرددها حتى أصبح ، وكان سخيّا كريما ، وكان يسكن المدينة فأقدمه المهدي بغداد ، فحبسه فرأى في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول : يا محمد فهل توليتم ان توليتم ان تُفسدوا في
الأرض وتُقطّعوا أرحامكم ، قال الربيع : فأرسل اليّ ليلا فراعني ذلك ، فجئته فاذا هو يقرأ هذه الآية ، وقال : علي بموسى بن جعفر ! فجئته به فعانقه وأجلسه الى
جانبه وقال : يا ابا الحسن إني رأيت اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ عليّ كذا ، فتُؤمنني أن تخرج عليّ ؟ فقال : والله لافعلت ذلك ولا هو من شأني .
وأقام بالمدينة إلى أيام هارون الرشيد من عمره سنة تسع وسبعين ومائة فحمل موسى ( عليه السلام ) معه الى بغداد وحبسه بها الى أن تُوفى في محبسه سنة ثلاث وثمانين ومائة ،
وكانت ولادته سنة تسع وعشرين ومائة ـ انتهى ملخصا
(1) .
مطالب السؤول : هذا هو الامام الكبير القد العظيم الشأن الكثير التهجّد الجد في الاجتهاد المشهود له بالكرامات المشهور العبادة المواظب على الطاعات يبيت الليل
ساجدا وقائما ويقطع النهار متصدقا وصائما والفرط حمله وتجاوزه عن المعتدين عليه دُعي كاظما ، كان يُجازي المسيء باحسانه اليه ويُقابل الجاني بعفوه عنه
(2) .
---------------------------
(1) الوفيات ج 2 ص 256 .
(2) مطالب السؤول ( الباب السابع ـ أبو الحسن ) .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 449 _
الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام
الوفيات : ابوالحسن علي الرضا ابن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ، وهو أحد الأئمة الاثنى عشر على اعتقاد الامامية ، وكان المأمون جعله وليّ عهده وضرب اسمه على الدينار والدرهم ... وكانت ولادة عليّ الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة ، وتُوفّى في آخر صفر سنة اثنتين ومأتين ، ويقول
أبو نواس :
قيل لي أنت أحسن الناس طرا فعلى ما تركت مدح ابن موسى قلت لا أستطيـع مدح امــام في فنون من المقــال النبيـه والخصال التي تجمعـن فيــه كان جبريـل خادمـا لأبيــه
انتهى ملخصا
(1) .
تاريخ الطبري : ورد كتاب من الحسن بن سهل ان اميرالمؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر وليّ عهده من بعده ، وذلك أنه نظر في بين العباس وبين عليّ
فلم يجد أحدا هو أفضل ولا أورع ولا أعلم منه ، وأنه سماه الرضي من آل محمد
(2) .
تذكرة الخواص : قال الصولى وغيره : كان المأمون يُحبّ عليا عليه السلام ، كتب الى الآفاق بأن افضل الخلق بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علي بن أبي طالب ، وان لايُذكر معاوية بخير ، ومن ذكره بخير أبيح دمه وماله ، ومن اشعار المأمون . لاتُقبل التوبــة من تائـب اخو رسول الله خلف الهدى الا بحب ابن أبــي طالب والأخ فوق الخلّ والصاحب
---------------------------
(1) الوفياتج 1 ص 348 .
(2) تاريخ الطبري ج 10 ص 243 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 450 _
ان مال ذوالنصب الـى جانب ملت مع الشيعي الى جانب
(1) .
أخبار اصبهان : عن أبي علي أحمد بن عليّ الأنصاري عن أبي الصلت قال : كنت مع ـ ياسين بن النضر واحمد بن حرب ويحيى بن يحيى وعدّة من أهل العلم ـ فتعلّقوا
بلجامه من المربع فقالوا : بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك قال حدّثني ابي العدل الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمد ،
قال : حدثني أبي أبوجعفر باقر العلم علم الأنبياء ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين ، قال : حدّثني أبي سيد أهل الجنة الحسين ، قال : حدثني أبي سيد
العرب عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، قال : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما الايمان ؟ قال : معرفة بالقلب واقرار باللسان وعمل بالأركان ، وقال ابوعلي :
قال لي أحمد بن حنبل ـ ان قرأت هذا الأسناد على مجنون بريء من جنونه
(2) .
مطالب السؤول : قال دعبل : لما قلت : مدارس آيات خلت من تلاوة . قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان وليّ عهد المأمون في الخلافة
... وهي هذه : مدارس آيات خلت من تلاوة منازل كانت للصلاة وللتقـى همُ آل ميراث النبيّ اذ انتُمـو اذا لم نُناج الله فـي صلواتنـا ومَهبط وحى مُقفر العرصات وللصوم والتطهير والحسنات وهم خير سادات وخير حُمات بذكرهـم لـم تُقبل الصلوات .
وليراجع في شرح هذه الرحلة وتفصيلها الى الكتاب
(3) .
---------------------------
(1) تذكرة الخواص ص 201 .
(2) أخبار اصبهان ج 1 ص 138 .
(3) مطالب السؤول ( الباب الثامن ـ أبوالحسن ) .