حسن المصطفوي


  الحمد لله الذي من علينا بتوفيقه ، وأيدنا في تأليف هذه الرسالة بفضله ، وقد جاءت محتوية على حقائق من تاريخ الإسلام ، وباحثه عن أحداث حدثت وبدع ابتدعت في المسلمين ، معتمدة على اصول التاريخ والحديث وصحاحها ، ومستخرجة من الكتب المؤلفة في القرون الاولى ، وها نحن نذكر مزايا ما يختص بهذا الكتاب الشريف ، ليكون القاريء على بصيرة تامة .
  1 ـ اعتمدنا في هذه الرسالة على الكتب المعتبرة من اهل السنة ، المؤلفة خلال خمسة قرون من صدر الاسلام ، من كتب الأدب والحديث والتاريخ والصحاح والسنن والسير والرجال والتفسير .
  2 ـ وقد نقلنا عن الكتب المعتمدة المؤلفة المتأخرة ، عند الحاجة تأييدا وتكميلا للبحث الوارد المنظور ، لا مستندا عليها .
  3 ـ ذكرنا في آخر الكتاب فهرسا جامعا للقسمين من الكتب المنقول عنها مشيرا الى خصوصيات الطبع والتجزئة .
  4 ـ اعتمادنا في نقل الروايات على المشاهدة والقراءة في الاصول المستند اليها ، من دون ان نتصرف فيها بشيء ، وأحيانا اسقطنا جملة أو جملات لا ربط لها بموضوع البحث ، حذرا من الاطالة ، ووضعنا مكانها نقاط مترادفة .
  5 ـ ذكرنا بعد نقل الروايات ما يستفاد منها على طريق الاجمال والاشارة ، من دون قول بالرأى والنظر الشخصي ، أو كلام موهن ينشأ من الجهل والعصبية ، وما نريد إلا

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 14 _

الهداية واصلاح أنفسنا ، والوقاية من الضلالة والغواية .
  6 ـ اعرضنا عن نقل الأحاديث المكررة الواردة بأسناد مختلفة ، ولا سيما في مسند أحمد ، طلبا للاختصار وتركا للمجادلة ، وإنما نروي الحديث بواحد من طرقه .
  7 ـ ابتدأنا في الكتاب بفتنة ـ وصية رسول الله (صلى الله عليه و) ـ وهذه اول فتنة حدثت في الاسلام ، واول احدوثه ظهرت في المسلمين ، شتتتشملهم وفرّقت جمعهم .
  8 ـ قد ثبتت بصحاح الروايات المروية في الكتاب : أن الفتن المعنونة فيها بدع وأحداث ظهرت في الإسلام ، وهذه البدع أوجبت انحراف المسلمين وميلهم عن الحقائق وعن اهل بيت النبي الأطهار ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
   وقد قال رسول الله ( صلى الله وعليه وآله وسلم ) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي نسئل الله الباري عز اسمه التوفيق والسداد .
12 | 5 | 52 ـ هـ حسن المصطفوي ـ طهران

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 15 _

بسم الله الرحمن الرحيم
  ألحمد لله الذي هدانا الى اتباع أوليائه ، والصلوة والسلام على أشرف رسله وافضل انبيائه ، وعلي ابن عمه وخليفته والمعصومين من آله .
  وبعد : فإن اكمل الأديان الالهية هو دين الاسلام الذي جاء به خير الأنام ، عليه افضل التحية والسلام . وان اقرب الناس من الحق هم المسلمون ، الذين يتبعون الرسول خاتم النبيين ، ويعلمون بما جاء به من عند رب العالمين .
  ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ـ الجمعة   3 ـ ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ) ـ آل عمران ـ 110 .
  نعم كان المسلمون طول حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امة واحدة ، يعيشون تحت راية الحق ، وفي ظل كتاب الله الحكيم ، يهتدون بهداه ، ويقتدون بنوره .
  ثم بعد ارتحال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صاحب الدعوة افترقت الملة الاسلامية ، وصاروا في ارتياب وحيرة ، صاروا بعد الهجرة أعرابا ، وبعد المولاة أحزابا ، ما يتعلقون من الاسلام الا باسمه ، ولا يعرفون من القرآن لا رسمه ، وخلطوا الحق بالباطل ، واضاعوا ما أوصاهم الرسول ، وضلوا عن سواء الطريق .
  انهم ارتدوا عن عترة النبي الأكرم ، وهم اهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، وخزّان العلم ، ومعدن الحكمة ، وقد قال رسول الله ( صلى الله وعليه وآله وسلم ) : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ،    وقال الله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 17 _

توصية اهل البيت :
  كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طول حياته يوصي المسلمين ويعرفهم باهل بيته ، ويقول فيهم :
  أذكركم الله في اهل بيتي .
  إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .اللهم هؤلاء آلي فصلّ على محمد وعلى آل محمد .
  كل بني اثنى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم .
  واهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب اهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون .
  أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم .
  أحبوا أهل بيتي بحبي .
  إن اول من يدخل الجنة أنت وفاطمة والحسن والحسين .
  أني وإياك وهذا النائم يعني عليا وهما الحسن والحسين لفي مكان واحد يوم القيامة .
  يا علي الناس من شجر شتى وانا وأنت من شجرة واحدة .
   وكان مما أنعم الله على علي بن أبي طالب انه كان في حجر .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 18_

  رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل الاسلام .
  وانه اول من اسلم .
  إن اول من يشري نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب .
  أمر بسد الابواب إلا باب علي .
  انه كان صاحب لواء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم بدر وفي كل مشهد .
  اللهم لا تُمتني حتى تُريني عليا .
  لا تشكوا عليا فإنه لأخشن في ذات الله من أن يشكى .
  من كنت مولاه فعلي مولاه .
   من آذى عليا فقد آذاني .
  اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله .
  من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله .
    ما دعوت لنفسي بشيء الا دعوت لك بمثله .
  وما دعوت بشيء الا استجيبت لي الا انه قيل لي لا نبي بعدي .
  أنت تُبين لامتي ما اختلفوا فيه بعدي .
  هذا أخي في الدنيا والآخرة .
  أنت اخي ترثني وأرثك .
   من اطاع عليا فقد اطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني .
   الله أدر الحق معه حيث دار .
  علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض .
  من فارقك يا علي فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله .
  فاختار الله رجلين احدهما ابوك والآخر بعلك .
  والويل لمن أبغضك بعدي .
  أنه سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغرالمحجّلين .
   يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 19 _

   اللهم اكفه اذى الحر والبرد .
   لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود افضل من اعمال امتي الى يوم القيامة .
   امرني بحب اربعة وأخبرني انه يحبهم .
  لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن .
   اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي .
  ان عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي .
  وهو وليكم بعدي .
  أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي .
  أنت يا علي صفيي وأميني .
  لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي .
  من يريد أن يحيى حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فليتول علي   بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى .
  لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذوالفقار .
  ليبعثن الله عليكم رجلا يضرب رقابكم على الدين قد امتحن .
  هذا فاروق هذه الأمة وهذا الصديق الأكبر ويعسوب المؤمنين .
  النظر إلى وجه عليّ عبادة .
  إن عليا أقرب الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  ادفع هذه الأترجة الى ابن عمك ووصيك علي .
  أنا دار الحكمة وعلي بابها .
  أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب .
  ان الله سيهدي قلبك ويثبّت لسانك .
  إن الأمة ستغدر بك بعدي .
  هذا أمير البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 20 _

   هذه الأحاديث خلاثة ما قيل في آل النبي الأكرم وفي الامام علي بن أبي طالب ، الصادرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طول حياته ، بمسمع من المسلمين ومرأى منهم ، وقد روتها صحاح كتب الحديث لأهل السنة والجماعة .
  نعم ! هذه الكلمات الإلهية نطق بها لسان الوحي وصدرت عن سيد المرسلين ورسول رب العالمين ، وما ينطق عن الهوى أن هو الإ وحي يوحى ، فعرّف للمسلمين ابن عمه اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ، وأشار في مقامات مختلفة وفي موارد مقتضية الى خلافته ووصايته وعلمه وحكمته وولايته وقربه وطهراته ، ولزوم طاعته وحبه ونصرته وكونه مع الحق ومع القرآن ومع الله ومع الرسول ، والى أنه الصديق الأكبر والفاروق و الولي والمختار من الله وسيد العرب وإمام المتقين واحب الخلق عند الله وأول من أسلم وأول من شرى نفسه وصاحب اللواء وأخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبمنزلة هارون من موسى .
  إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد عرف للمسلمين مقام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في موارد كثيرة ، وذكر فضائله ومناقبه في طول حياته ، وصرح بوصايته وولايته وخلافته بعبارات صريحة واشارات لطيفة وكنايات حسنة ، لا يرتاب فيها طالب الحقيقة ، ومن جاهد فينا لنهدينّهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين .

تقديم علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) :
  ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قدم اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) على جميع الصحابة وحتى على أبي بكر وعمر وعثمان في موارد كثيرة وأعلم الناس بفضله وتقدمه واولويته وقربه .
  منها ـ في الدعوة لأكل الطير معه ، ومنها ـ في توليته في فتح خيبر ، ومنها ـ في اداء البراءة ، ومنها ـ في غدير خم ، ومنها ـ في المؤاخاة لنفسه ، ومنها ـ في غزوة الخندق ، وفي موارد اخر ، كما ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قدم اسامة على رؤوس المهاجرين والأنصار وأمّره عليهم ، وقال في جواب اعتراضهم : ان طعنتم في امارته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل ، وأيم الله ان كان لخليقا للامارة ،

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 21_

  وان ان أحب الناس إلي .
  إن الناس لم يتمكنوا من الطعن في علي ( عليه السلام ) زمان حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )لشدة قربه منه ولعظمة مقامه عنده وكونه أحب الناس اليه وانه اخوه وابن عمه وصهره بل وكنفسه ، كما في الآية الكريمة ـ قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم وأنفسنا وأنفسكم ، وقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ ان عليا مني وأنا منه ، وأنا وأنت من شجرة واحدة ، ما دعوت لنفسي بشيء الا دعوت لك بمثله . وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تشكوا عليا فإنه لأخشن في ذات الله من أن يشكى ، ومن عصى عليا فقد عصاني ، ومن آذى عليا فقد آذاني ، وما يقرب منها .
  ثم اذا ارتحل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا وطعنوا ما طعنوا ، آذوا عترة رسول الله ، وخالفوا اهل البيت ، بل عادوهم وأبغضوهم وفارقوهم ، ودعوهم الى البيعة والطاعة والخضوع ، وأخذوا ما في ايديهم ، وأمالوا الناس عنهم ، حتى قال بعضهم : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن الى البيعة . وقال سلمان : كرداد ونا كردادأي : عملتم وما عملتم ، لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم .
  في مسند أحمد : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ليردن عليّ الحوض اقوام فاذا رأيتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ ! اصحابي ! اصحابي ! فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك (1) .
  والعجب من هؤلاء الرجال كيف نسوا في مدة قليلة ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انما فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ، وان الله يغضب لغضب فاطمة ، ويؤذيني ما آذاها ومن آذى رسول الله فقد حبط عمله ، واذا دخلت عليه قام اليها واخذ بيدها وقبّلها ، واجلسها في مجلسه ، أنا الشجرة وفاطمة فرعها ، وروايات آخر .
  فهؤلاء أحدثوا ، وأبدعوا ما أبدعوا ، وظهرت الفتن ، واستترت

---------------------------
(1) مسند أحمد ، ج 5 ص 400 وقريبا منها ص 393 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 22_

  لحقائق ، وانكسفت شموس المعرفة ، وشاعت الآراء والأهواء المختلفة ، الى أن قال علي( عليه السلام ) : اما والله لقد تقمّصها فلان وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى اليّ الطير ، فسدلت دونها ثوبا وطويب عنها كشحا ، وطفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء (1) .
  اللهم إنا خرجنا نشكوا اليك فقد نبيّنا ، وتظاهر الزمان علينا ، وكثرة توارد الفتن علينا ، وشدة المحن المستصعبة .

الولاية تكوينية لا تشريعية :
  ومن عقائدهم الواهية السخيفة أن النبي والامام ليسا بممتازين عن سائر الناس ، ولا فرق بينهما وبين أفراد اخر الا بتعلق تكليف به من الله ينصبه علما لرسالته وتبليغ احكامه ، أو بتصويب الناس واختيارهم وانتخابهم من يشاؤون ولو لم يكن أعلم الامة وأفضلها واتقاها ، وهم في هذا القول شركاء الكفار ، حيث قالوا ـ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا الا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة .
  نعم لهم أعين لا يُبصرون بها الحقائق والآيات الإلهية ، ولهم آذان لا يسمعون بها الأصوات الغيبية والدعوات الربانية ، ولا يرون الا ظواهر هذا العالم ، ولا يقبلون كرامة ولا فضيلة ومقاما الا بما يشاهدون بنظرهم المادي المحدود ، ثم يسوّون بين افراد الناس ، ولا يختارون من اصطفاه الله واختاره .
  أخبار اصبهان : عن أبي هريرة قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اذا خلق الله خلقا للخلافة مسح بيمينه على ناصيته(2).
  أقول : الناصية عنوان الوجه ، وفيها يظهر اثر النور والظلمة والتوجه الى الله تعالى .
   ومن مسحت ناصيته بيد الله تعالى فهو على نور من ربه ، وهذا في مقابل

---------------------------
(1) نهج البلاغة خطبة 4 .
(2) أخبار اصبهان ج 1 ص 130 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 23 _

  من أخذت ناصيته ، كما قال تعالى : ( يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ ) .
  وقد قال الله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتيهم من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . وقال تعالى ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ، وقال تعالى (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) وقال تعالى ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء ) .
  وانهم لم يفهموا أن التكليف والتشريع تابع للتكوين ، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ، ولا يُكلف الله نفسا الا ما آتاها ، ولا تُكلف نفس الا وسعها .
   فكما ان الحيوان ليس له وسع التكاليف الانسانية ، فالانسان العادي ليس له وسع الوحي والالهام والتكليم ، ولا يمكن تعلق التكليف والتشريع الا بعد أن آتى الله ما به يتحقق الاستعداد والتحمل والوسع ، وكما ان الاستعداد من جهة الصفات النفسانية والأخلاق باطنية مختلفة شدة وضعفا كذلك مراتب النفوس ودرجاتها متفاوتة . بل الصفات والأخلاق النفسانية والقوى الباطنية كلها من اطوار النفس ، والنفس في وحدتها كل القوى .
  وهذا امر ثابت في الفلسفة الالهية ، بل أمر مسلّم محسوس مقطوع لمن تدبر ونظر ثم نظر وتدبر ، ولا ينكره الا من حُرم من البصيرة ، وأبعده الله عن الحقيقة ، وليس له من الروحانية نصيب ، وفي أبصارهم غشاوة .

الامام من هو ؟
  إن النبي : هو المبعوث من الله تعالى بالوحي والالهام ، لأداء الأحكام وتشريع الدين وبيان الحقائق وتنظيم القوانين والاداب في الشؤون المختلفة . والامام : هو المحيط بتلك الأحكام العالم بتلك الحقائق والعارف بتلك الآداب والقوانين علما من لدن حكيم خبير ، لا بالعلم التحصيلي وبالطرق المتداولة المعمولة بين الناس . فالنبي هو المؤسس والشارع ، والامام هو وارثه وخليفته

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 24 _

  وولي امره وحافظ دينه وشارح معارفه واحكامه وآدابه .
  وكما أن علوم النبي ومعارفه حضورية ومن الله كذلك علوم الامام ومقاماته الروحانية ليس باكتسابية بل من الله تعالى ، ولذا ترى احاطتهم بالعلوم والمعارف الحقة وعلمهم بالأحكام والآداب الاسلامية ، من دون الدرس والتحصيل والبحث والتتلمذ والتجربة ، ومن أول أوان الامامة الى آخرها بل وقبلها ، وفي زمان الصباء والشباب وبعدها ، ومن دون أن يقولوا خلافا ، ويرتكبوا سهوا وخطاء ، أو يخالف قولهم أحكام النبي ، أو يخالف حكم واحد منهم واحدا آخر ، ومن دون أن يحتاجوا الى الفكر والتدبر والتأمل .
  وهذا من المحالات في سائر افراد الناس ، وان بلغوا في تحصيل العلم ما بلغوا ، فإن الانسان محل السهو والنسيان ، وليس كل مجتهد مصيب ، وكل عالم ما جهله أكثر مما علمه ، وكفى المرء نبلا أن تُعد معايبه .
قال اميرالمؤمنين ( عليه السلام ): منها يعني آل النبي عليه الصلاة والسلام : موضع سره ، ولجأ امره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم اقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائصه ... لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الامة احد ، ولا يُسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا ، هم اسا الدين وعماد اليقين ، اليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الآن اذ رجع الحق الى اهله ، ونقل الى منتقله (1) .
  فاذا كان في الامة بعد ارتحال الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من هذه صفتهم : فكيف يعقل أن يتوجه الى آخرين ، وكيف يجوّز العقل أن يختار الناس لها من يشاؤون ، وكيف يرضى الله تعالى ورسوله أن يتقدم من هو متأخر ، وأن يُنصب للاصلاح والتعليم والتربية وحفظ المعارف من يحتاج الى اصلاح امره وتربية نفسه وتحصيل العلوم والمعارف ، وكيف يكلف الناس من جهة الشرع أو العقل أن يطيعوا ويتبعوا ممن هو في مرتبتهم ، بل وفيهم من هو أحق وأفضل ، بل وفيهم من

---------------------------
(1) نهج البلاغة خطبة 2 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 25_

  لهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة .

شكوى اميرالمؤمنين علي ( عليه السلام ) :
  يقول علي ( عليه السلام ) في النهج حتى اذا قبض الله رسوله صلى الله عليه وآله ، رجع قوم على الأعقاب ، وغالتهم السبل ، واتكلوا على الولائج ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ، ونقلوا البناء عن رص أساسه ، فبنوه في غير موضعه ، معادن كل خطيئة(1) .
  وفي مستدرك الحاكم عن علي ( عليه السلام ) قال : ان مما عهد الي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الإمة ستغدر بي بعده (2) .
  ويروي ايضا عن ابن عباس قال ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اما انك ستلقى بعدي جهدا ! قال : في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك .
  وعن علي ( عليه السلام ) قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان الامة ستغدر بك بعدي وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك ابغضني ، وان هذه ستُخضب من هذا يعنى لحيته من رأسه (3) .
  اقول : راجع في تحقيق غدر الامة مبحث وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفتنة السقيفة من هذا الكتاب ، ثم الى مباحث اخر ، حتى تعلم ما صنعوا بعد نبيهم ، بل غدرهم في آخر ساعات من حياته ، ومخالفتهم وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
  ويشير علي ( عليه السلام ) الى خلاصة غدرهم ونتيجة صنيعهم في حقه :
  في تاريخ الطبري : عن علي ( عليه السلام ) : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبض وما أرى أحد أحق بهذا الأمر منّي ، فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا ، ثم أن ابا بكر هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الأمر منّي فبايع الناس عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ، ثم ان عمر هلك وما ارى احدا احق بهذا الأمر مني فجعلني سهما من

---------------------------
(1) نهج البلاغة 150 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 140 .
(3) نفس المصدر ص 142 .