1 ـ بيعة علي ( عليه السلام ) أقوى وأتم من بيعة أبي بكر .
الاول : أنها وقعت من دون أعمال زور وتزوير وتهيئة مقدمة والتشبّث بوسائل ومخاطبات واحتجاجات .
الثاني : أنها وقعت في المرتبة الاولى باتفاق من المهاجرين والأنصار في المسجد ، من دون خلاف من أحد من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
الثالث : أنها وقعت فيمن وردت الروايات المتواترة والأحاديث الكثيرة في فضائله وأنه أحب الناس الى الله والى رسوله وأنه أعلم الأمة وأقضاها وأتقاها وأشجعها فكيف يجوز لمثل معاوية وأتباعه أن يخالفه ويعانده ويقاتله .
2 ـ قلنا : أن عليا كان ممن نصر عثمان ورد مخالفيه كرارا ، وهو الذي أرسل ابنيه الحسنين ( عليه السلام ) الى بيته ليذبّا عنه ويدفعا سوء قصد المخالفين ، وأما معاوية فهو الذي لم يُجب استغاثته واستنصاره ، وكف عن تأييده بجنوده .
3 ـ ولا يخفى أن معاوية هو أول من عمل بالكيد والمكر والسياسة الباطلة والتزوير ، ولم يكن له هدف إلا الحكومة والسلطنة ، وكان متوسلا بأي عمل منكر وظلم قبيح الموصول الى مقصده الدنيويّ ، ونعم ما كتب اليه قيس بن سعد بن عبادة امير مصر : أما بعد فإن العجب من اغترارك بي وطمعك فيّ واستسقاطك رأيي ، أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة ، وأقولهم للحق وأهداهم سبيلا وأقربهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيلة ، وتأمرني بالدخول في طاعتك ! طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور وأظلهم سبيلا وأبعدهم من الله عزوجل ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيلة وله ضالين مُضلين طاغوت من طواغيت ابليس
(1) .
ويقول عمار : كما في الطبري ايضا : وأخذ عمار يقول : يا أهل العراق أتريدون أن تنظروا الى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما رأى الله عزوجل يُعز دينه ويُظهر رسوله أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأسلم
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 5 ص229 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 337_
وهو فيما يرى راهب غير راغب ، ثم قبض الله عزوجل رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فوالله ان زال بعده معروفا بعداوة المسلم وهوادة المجرم ، فاثبتوا له وقاتلوه فإنه يُطفيء تور الله ويُظاهر أعداء الله عزوجل
(1) .
عقد الفريد : قال معاوية لأبي الطفيل : كيف وجدك على عليّ ؟ قال : وجد ثمانين مُثكلا ، قال : فكيف حبك له ؟ قال : حب ام موسى ، والى الله أشكو التقصير ، وقال له مرة أخرى : ابا الطفيل ! قال : نعم ، قال : أنت من قتلة عثمان ؟ قال : لا ولكني ممن حضره ولم ينصره ، قال ك وما منعك من نصره ؟ قال : لم ينصره المهاجرون والأنصار فلم أنصره ، قال : لقد كان حقه واجبا وكان عليهم أن ينصروه ، قال : فما منعك من نصرته يا اميرالمؤمنين وأنت ابن عمه ؟ قال : أو ما طلبي بدمه نصرة له ؟ فضحك ابوالطفيل ، وقال : مثلك ومثل عثمان كما قال الشاعر :
لأعرفنّك بعد الموت iiتندبني وفي حياتي ما زوّدتني زادا |
ويروى أيضا : وكتب عليّ الى معاوية بعد وقعة الجمل سلام عليك أما بعد ، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنه بايعني الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار وللغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فاذا اجتمعوا على رجل وسمّوه اماما كان ذلك لله رضا ، وان خرج عن امرهم خارج ردوه الى ما خرج عنه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا ، ما أعذرت اليهما حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإن أحب الامور اليّ قبولك العافية ، وقد كثرت في قتلة عثمان ، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم حاكمت القوم اليّ حملتك واياهم على كتاب الله وأما تلك التي تريدها فهي
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ج 6 ص 7 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 338_
خدعة الصبي عنالبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان ، واعلم أنك من الطُلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا يدخلون الشورى
(1) .
ويروى : كتابا آخر منه عليه السلام الى معاوية ، فيه : وأما قولك أن اهل الشام هم حكام أهل الحجاز ، فهات رجلا من أهل الشام يُقبل في الشورى أو تحل له الخلافة ، فان سميت كذّبك المهاجرون والأنصار ، ونحن نأتيك به من اهل الحجاز ، وأما قولك ادفع اليّ قتلة عثمان فما أنت وذاك ، وهاهنا بنوعثمان وهم أولى بذلك منك فإن زعمت أنك أقوى على طلب دم عثمان منهم فارجع الى بيعة التي لزمتك وحاكم القوم اليّ
(2) .
أقول : في هذه الكلمات موارد للتحقيق :
1 ـ قول معاوية ـ أو ما طلبي بدمه نصرة له : قد اعترف في ضمن هذا الكلام بأنه لم ينصر عثمان ولم يُجب استنصاره ، بل هيّج العداوة وبُغضَ الناس عليه باعماله المخالفة .
2 ـ فإن بيعتي بالمدينة لزمتك : البيعة للخلافة الظاهرية والحكومة الدنيوية نافذة اذا وقعت باتفاق المهاجرين والانصار ، وهم في الطبقة الاولى من المسلمين ، فاذا اجتمعوا على امر مختارين غير مكرهين وفيه صلاح المسلمين كان ذلك لله رضا ، ولا يجوز لأحد من الحاضرين والغائبين أن يخالفهم .
3 ـ انك من الطلقاء : وهم الذين أسلموا بعد أن فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مكة ، وقال لأهل مكة : اذهبوا فأنتم الطُلقاء .
أخبار اصبهان : عن جرير عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : المهاجرون والأنصار بعضهم اولياء بعض في الدنيا والآخرة ، والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض
(3) .
---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 332 .
(2) نفس المصدر ص 334 .
(3) اخبار أصبهان ج 1 ص 146 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 339_
ويروى في العقد أيضا : في جواب سعد بن أبي وقاص عن ما كتب اليه معاوية : أما بعد ، فإن عمر لم يُدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة ، فلم يكن أحد أولى بها من صاحبه إلا باجتماعنا عليه ، غير أن عليا كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه ، ولو لم يطلبها ولزم بيته لطلبيته العرب ولو بأقصى اليمن ، وهذا الأمر قد كرهنا أوله وكرهنا أوله وكرهنا آخره ، وأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما ، والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت
(1) .
الاستيعاب : عبدالرحمنبن غنم الأشعري ، وهو الذي عاتب اباهريرة واباالدرداء بحمص اذ انصرفا من عند عليّ ( رضي الله عنه ) رسولين لمعاوية ، وكان مما قال لهما : عجبا منكما كيف جاز عليكما ما جئتما به ، تدعوان عليا أن يجعلها شورى ، نوقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار واهل الحجاز والعراق ، وان من رضيه خير ممن كرهه ، ومن بايعه خير ممن لم يُبايعه ، وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا نجوز لهم الخلافة ، وهو وابوه من رؤوس الأحزاب ، فقدما على مسيرهما وتابا منه بين يديه
(2) .
الاستيعاب : لما قتل عثمان وبايع الناس عليا ، دخل عليه المغيرة بن شعبة ، فقال : يا اميرالمؤمنين ان لك عندي نصيحة ، قال : وما هي ؟ قال : ان أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيدالله على الكوفة ، والزبير بن العوام على البصرة ، وابعث معاوية بعهده على الشام حتى تلزمه طاعتك ، فاذا استقرت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك ! قال علي : أما طلحة والزبير فسأرى رأيي فيهما ، وأما معاوية فلا والله لا أراني الله مستعملا له ولا مستعينا به مادام على حاله ، ولكني أدعوه الى الدخول فيما دخل فيه المسلمون ، فإن أبى حاكمته الى الله ، وانصرف عنه المغيرة مغضبا ... ثم خرج عنه ، فلقيه الحسن وهو خارج ، فقال لأبيه : ما قال لك هذا الأعور ؟ قال : أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا ... قال له علي : ان اقررتُ معاوية على ما في يده كنت متخذا المضلين
---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 338 .
(2) الاستيعاب ج 2 ص 850 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 340_
عضدا
(1) .
البدء والتاريخ : ولما بلغ الخبر معاوية قال : ان خليفتكم قد قُتل مظلوما وان الناس بايعوا عليا ولست أنكر أنه أفضل مني واولى بهذا الأمر ، ولكن انا وليّ هذا الأمر ووليّ عثمان وابن عمه والطالب بدمه ، وقتلة عثمان معه فليدفعهم اليّ اقتلهم بعثمان ثم ابايعه ! فرأى أهل اشام أنه قد طلب حقا ، وهم قوم فيهم غفلة وقلة فطنة ، إما أعرابي جاف ، وأما مدنيّ مُغفل
(2) .
أقول : في هذا الكلام موارد للنظر :
1 ـ قوله خليفتكم قد قتل مظلوما ! وقد ادعى اكثر المهاجرين والأنصار أنه ظلم نفسه بتولية من ليس له اهلية وتقسيم المال الى أقاربه وطرد بعض من كبار الصحابة كأبي ذرّ وعمار وابن مسعود وغيرهم .
2 ـ قوله أنا وليّ هذا الأمر ووليّ عثمان وابن عمه والطالب بدمه : ولايته بالشام كان من جانب الخليفة عثمان لا بالاستقلال ، وتنقضي بموته ، ولابد في بقائها ودوامها أن يُجزيها ويُوليه الخليفة اللاحق ، وقد صرّح وأكدّ بعزله ، فهو غاصب ومن المخالفين الظالمين ، وأما كونه وليا لعثمان : فليس له هذه الولاية ، ولعثمان اولاد وأقارب وأرحام قريبة ، ولهم أن يتحاكموا عند وليّ الأمر والقاضي المنصوب ، كما صرّح به اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) .
3 ـ قوله فليدفعهم اليّ : هذا الكلام في غاية الوهن ، فإن القاتل على فرض معروفيّته لا يجوز ان يُدفع الى من ليس بوليّ الأمر ولا وليّ عثمان ، نعم ، يقبل هذه الأقوال من له غفلة وقلة فطنة .
ثم أنه يستفاد من روايات هذه الفصل امور نشير اليها بالترتيب :
1 ـ قول عمرو بن العاص خطابا لمعاوية : فوالله ما معك آخرة ، وعمرو كان من أعرف الناس به .
2 ـ قول معاوية لعمرو : فأنت شريكي فيها ، فكتب له مصر وكورها .
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ج 4 ص 1447 .
(2) البدء والتاريخ ج 5 ص 210 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 341_
فاعترف عملا بقول عمرو وصدّقه ولم يكذّبه .
3 ـ حديث عبادة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فانهما لا يجتمعان على خير ابدا ، فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن حالهما وعن اتفاقهما على الشر .
4 ـ قول ابن عباس : ان معاوية واصحابه اهل دنيا ، وقد سبق مختصر من احوال اصحابه وعماله ، وسيجيء اجمال احوالهم .
5 ـ قول علي ( عليه السلام ) : لا والله لا أستعمل معاوية يومين أبدا ، يدل على أن عليا ( عليه السلام ) لم يطمئن بحكومته وعمله ولو في يومين .
6 ـ قول قيس : وأبعدهم من الله ورسوله وله ضالين مضلين طاغوت من طواغيت ابليس ، يدل عليه خلاف معاوية عليا ( عليه السلام ) وهو أحب الناس الى الله ورسوله ، وهو الحق ويهدي الى الحق .
7 ـ قول عمار : ان تنظروا الى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، يدل عليه خلافه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أولا وعليا ثانيا وهو ابن عمه وخليفته .
8 ـ قول ابوالطفيل : وفي حياة عثمان ما زوّدته زادا ، وقد سبق ما يدل عليه في فصول عثمان .
9 ـ قول علي ( عليه السلام ) : أنك من الطُلقاء ولا تحل لهم الخلافة .
10 ـ قول سعد : فإن عمر لم يُدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة .
11 ـ قول عبدالرحمن بن غنم : أنه وأباه من رؤوس الأحزاب .
12 ـ قول علي ( عليه السلام ) إن اقررتُ معاوية كنت متخذا المضلين عضدا .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 342_
فتنة حرب صفين
الملل والنحل : والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفين ، ومخالفة الخوارج وحمله على التحكيم ومغادرة عمرو بن العاص ابا موسى الأشعري
(1) .
تاريخ الطبري : فدخل عمرو على معاوية فقال : والله لعجب لك أني اُرفدك بما أرفدك وأنت مُعرض عني ، أما والله ان قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة ان في النفس من ذلك ما فيها ، حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا ، فصالحه معاوية وعطف عليه
(2) .
ويروى : عن جندب الأزدي ان عليا كان يأمرنا في كل موطن لقينا فيه معه عدوا فيقول : لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فانتم بحمد الله عزوجل على حجة وترككم اياهم حتى يبدؤوكم حجة اخرى لكم ، فاذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جرح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل ، فاذا وصلتم الى رجال القوم فلا تهتكوا سرا ولا تدخلوا دارا إلا باذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وان شتمن اعراضكم وسببن امراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف القوى والأنفس
(3) .
.
أقول : المتحصل من هذا الكلام أن اللازم في هذه الفتنة هو الدفاع والصد عن قتالهم واشاعة أمرهم وحكمهم وتوسعة حكومتهم ونفوذ قدرتهم المادية الدنيوية .
ويروى أيضا : عن زيد بن وهب الجهني : أن عمار بن ياسر رحمه الله قال
---------------------------
(1) الملل والنحل ج 1 ص 22 .
(2) تاريخ الطبري ج 5 ص 234 .
(3) نفس المصدر ج 6 ص 6 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 343_
ويمئذ : أين من يبتغي رضوان الله عليه ولا يؤوب الى مال ولا ولد فأتته عصابة من الناس فقال : أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون أنه قتل مظلوما ، والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها ، وعلموا أن الحق اذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من دنياهم ، ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم ، فخدعوا اتباعهم أن قالوا : إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا ، وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي ما تبعهم من الناس رجان ، اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت ، ولا تجعل لهم الأمر فاّدخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم
(1) .
ويروى أيضا : ان عليا مر على جماعة من أهل الشام فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبّر بذلك ، فوقف فيمن يليهم من أصحابه فقال : انهدوا اليهم عليكم السكينة والوقار وقار الاسلام وسيما الصالحين ، فوالله لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وابوالأعور السلمي وابن ابي معيط شارب الخمير المجلود حدا في الاسلام !! وهم اولى من يقومون فينقصونني ويجذبونني وقبل اليوم قاتلوني ، وأنا اذ ذاك أدعوهم الى الاسلام وهم يدعونني الى عبادة الاصنام ، الحمدلله ، قديما عاداني الفاسقون فعبدهم الله ، الم يفتحوا ان هذا لهو خدعوا شطر هذه الأمة ، واشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا اهواءهم بالافات والبهتان ، قد نصبوا لنا الحرب في اطفاء نور الله عزوجل ، اللهمفافضض خدمتهم وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم
(2) .
أقول : ابو الأعور هو عمرو بن سفيان السلمي ، عليه مدار حروب معاوية في صفين أدرك الجاهلية وليست له صحبة ، ومن العجب ما يروى مرسلا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما في الاستيعاب : انما أخاف على امتي شحا مطاعا وهوى متبعا
---------------------------
(1) نفس المصدر ج 6 ص 21 .
(2) تاريخ الطبري ج 6 ص 25 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 344_
اماما ضالا . وهذا الحديث حجة تامة عليه ، وقد ختم الله على قلبه وعلى بصره وغشاوة
(1) .
عقد الفريد : اجتمعت قريش ( الشام والحجاز ) عند معاوية وفيهم عبدالله بن عباس وكان جريئا على معاوية حقارا له ، فبلغه عنه بعض ما غمّه ، فقال معاوية ... وذنوبكم الينا أكثر من ذنوبنا اليكم خذلتم عثمان بالمدينة وقتلتم أنصاره يوم الجمل وحاربتموني بصفين ، ولعمري لبنو تيم وعديّ اعظم ذنوبا منا اليكم ، اذ صرفوا عنكم هذا الأمر وسنّوا فيكم هذه السنة ... فتكلّم ابن عباس ... وأما استعمال عليّ ايانا فلنفسه دون هواه ، وقد استعملت أنت رجالا لهواك لا لنفسك ، منهم ابن الحضرمي على البصرة فقتل ، وابن بشر أرطاة على اليمن فخان ، وحبيب بن مُرة على الحجز فرُدّ ، والضحاك بن قيس الفهري على الكوفة فحُصب ، ولو طلبت ما عندنا وقينا أعراضنا ، وليس الذي يبلغك عنا بأعظم من الذي يبلغنا عنك ، ولو وضع أصغر ذنوبكم الينا على مائة حسنة لمحقها ، ولو وضع ادنى عذرنا اليكم على مائة سيئة لحسنها ، واما خذلنا عثمان : فلو لزمنا نصره لنصرناه ، وأما قتلنا انصراه يوم الجمل : فعلى خروجهم مما دخلوا فيه ، واما حربنا اياك بصفين : فعلى تركك الحق وادعائك الباطل ، واما اغراؤك ايانا بتيم وعديّ : فلو أدرناها ما غلبونا عليها
(2) .
الامامة والسياسة : لما انتهى كتاب عمرو الى ابن عباس ، أتى به الى عليّ فأقرأه اياه ، فقال عليّ : قاتل الله ابن العاص أجبه ! فكتب اليه : أما بعد ، فإنني لا أعلم رجلا أقل حياءا منك في العرب ، انك مال بك الهوى الى معاوية ، وبعته دينك بالثمن الأوكس ، ثم خطبت الناس في عشواء طمعا في هذا الملك ، فلما تراميناه اعظمت الحرب والرماء إعظام اهل الدين ، واظهرت فيها كراهية أهل الورع ، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب وكسر أهل الدين ، فإن كنت تريد الله فدع مصر وارجع الى بيتك ، فإن هذه حرب ليس فيها معاوية
---------------------------
(1) الاستيعاب ج 3 ص 1179 .
(2) عقد الفريد ج 4 ص 7 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 345_
كعلي ، بدأها عليّ بالحق وانتهى فيما بالعذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيما لى السرف ، وليس اهل الشام فيها كأهل العراق ، بايع اهل العراق عليا وهو خير منهم ، وبايع اهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها سواء ، أردتُ الله واردتَ مصر
(1) .
مستدرك الحاكم : عن الحكم قال : شهد مع علي صفين ثمانون بدريا وخمسون ومائتان ممن بايع تحت الشجرة
(2) .
الاستيعاب : قال عبدالرحمن بن ابزى : شهدنا مع عليّ رضي الله عنه صفين في ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منهم ثلاثة وستون ، منهم عمار بن ياسر
(3) .
ويروى أيضا عن ابي عبدالحمن السلمي قال : شهدنا مع علي رضي الله عنه صفين ، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتبعونه ، كأنه علم لهم ، وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عقبة : تقدم ! الجنة تحت الأبارقة ، اليوم ألقى الأحبة محمدا وحبه ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وانهم على الباطل .
أقول : في مقدمة الاستيعاب يروى : السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار : الذين بايعوا بيعة الرضوان ، قال الله تعالى ـ لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة ـ والشجرة في الحديبية ، وعدّتهم اربع عشرة مائة ، وكان عدة اهل بدر ثلاثمائة وثلاث عثرة ، ويروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لن يلج النار أحد شهد بدرا أو الحديبية .
الامامة والسياسة : ان عبدالله بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال : يا اميرالمؤمنين اني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب ! فقال معاوية : لله أنت ! تدري ما قلت ، أما قولك الغبيّ : فوالله لو أن ألسنُ الناس
---------------------------
(1) الامامة والسياسة ج 1 ص 95 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 104 .
(3) الاستيعاب ج 3 ص 1138 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 346_
جُمعت فجعلت لسانا واحدا لكفاها لسان عليّ ، وأما قولك أنه جبان : فثكلتك أمك هل رأيت أحدا بارزة إلا قتله ، وأما قولك أنه بخيل : فوالله لو كان بيتان أحدهما من تبر والآخرة من تبن لأنفد تبره قبل تنبه ، فقال الثقفي : فعلى مَ تُقاتله اذا ؟! ثم لحق بعليّ
(1) .
تاريخ الطبري : فأرسل عليّ الى الأشتر فقال : يا مالك ... فاذا قدمت عليهم فأنت عليهم ، واياك ان تبدأ القوم بقتال إلا ان يَبدؤوك حتى تلقاهم فتدعوهم وتُسمع ، ولا يجرمنّك شنانهم على قتالهم قبل دعائهم والإعذار اليهم مرة بعد مرة ، واجعل على ميمنتك زيادا
(2) .
ويروى : فدعا عليّ صعصعة بن صوحان فقال له : ائت معاوية وقل له انا سرنا مسيرنا هذا اليكم ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار اليكم ، وانك قدّمت الينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل ان نقاتلك وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك ، وهذه اخرى قد فعلتموها قد حُلتم بين الناس ومبين الماء ، والناس غير منتهين أو يشربوا ، فابعث الى اصحابك فليُخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفّوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا وقدمتم له
(3) .
ويروى : ثم ان عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي ، فقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه الى الله والى الطاعة والجماعة ... فحمد الله ، وأثنى عليه ابو عمرة بشير بن عمرو وقال : يا معاوية ان الدنيا عنك زائلة وانك راجع الى الآخرة ، وان الله عزوجل مُحاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك ، وأني أنشدك الله عزوجل ان تُفرق جماعة هذه الأمة وان تسفك دماءهم بينها ! فقطع عليه الكلام وقال : هلا أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال ابو عمرة : ان صاحبي ليس مثلك ، ان صاحبي أحق البرية كلها
---------------------------
(1) لإمامة والسياسة ج 1 ص 17 .
(2) اتاريخ الطبري ج 5 ص 238 .
(3) تاريخ الطبري ج 5 ص 241 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 347_
بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الاسلام والقرابة من الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : فيقول ماذا ؟ قال : يأمرك بتقوى الله عزوجل واجابة ابن عمك الى ما يدعوك اليه من الحق ، فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك ، قال معاوية : ونطّل دم عثمان لا والله لا أفعل ذلك ابدا، فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث ابن ربعي فتكلم ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا معاوية اني قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، أنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، أنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قُتل امامكم مظلوما ، فنحن نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام ، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصرة وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب
(1) .
ويروى : فبعث عليّ عديّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن حفصة الى معاوية ، فلما دخلوا حمد الله عديّ بن حاتم ثم قال : أما بعد ، فإنا أتيناك ندعوك الى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وامتنا ويحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح به ذات البين ، ان ابن عمك سيد المسلمين افضلها سابقة واحسنها في الاسلام اثرا وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عزوجل بالذي رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية لا يصيك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل ! فقال معاوية : كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا ، هيهات يا عديّ ، كلا والله إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان ، أما والله أنك لمن المجلبين على ابن عفان وأنك لمن قتلته ، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عزوجل به
(2) .
أقول : يظهر من هذه الخطابات والكلمات امور :
1 ـ أن اميرالمؤمنين عليا يدعو الى الحق ولا يقصد إلا اجراء الحق والعمل بالكتاب والسنة والاصلاح بين المسلمين وجمع كلمتهم ، وأما معاوية فهو لا يريد إلا الرئاسة والحكومة والدنيا ، وليس الى طلبها سبيل إلا الحرب ، وليس للحرب
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 5 ص 242 .
(2) نفس المصدر ج 6 ص 2 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 348_
مستمسك إلا طلب الدم ، وما أحسن ما قال شبث بن ربعي : والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، أنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به اهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل امامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه .
2 ـ ان اميرالمؤمنين عليا هو أول من أسلم ، وهو أحب الناس الى الله عزوجل والى رسوله ، وهو أعلم الأمة واتقاهم وأحسنهم جهادا وأثرا في سبيل الله ، ومن قال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وأنت أخي في الدنيا والآخرة ، وغير ذلك ، وأما معاوية فهو ليس من المهاجرين والأنصار ، وليست له سابقة فضل ومعرفة وجهاد في سبيل الله ، وكان من المخالفين وفي صفوف الأعداء ومن رؤساء المشركين الى أن فُتحت مكة ، فدخل هو وابوه في الاسلام فيمن دخل ، فهو في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان مخالفا للاسلام وللمسلمين ، ثم أسلم ووافق ظواهر الاسلام واستقرّ تحت لوائه ولم يدخل نور حقيقة الايمان وحقايق الاسلام في قلبه ، ولم يخرج حبّ الدنيا والرئاسة من باطنه ، فهو الآن في رأس صفوف المنافقين الذين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، ويحاربون المسلمين على حقائق الاسلام ! فانظر الى كلام اميرالمؤمنين ( عليه السلام ) في حقه يرويه الطبري وتدبر فيه حتى يظهر لك حقيقة حاله وحقيقة المقام :
يروى : ان معاوية بعث الى علي ، حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس ، فدخلوا عليه وأنا عنده ، فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال : أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عزوجل وينيب الى امر الله تعالى ، فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه ، فادفع الينا قتلة عثمان ان زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ، ثم اعتزل امر الناس فيكون امرهم شورى بينهم يُولى الناس أمّرهم من أجمع عليهم رأيهم ، فقال له علي بن أبي طالب : وما أنت ، لا أم لك والعزل وهذا الأمر ، اسكت ، فانك لست هناك ولا بأهل له . فقام وقال : له والله لترينّي بحيث تكره ! فقال عليّ : وما أنت ، لا أم لك والعزل وهذا الأمر ، اسكت ، فإنك لست هناك ولا بأهل له ، فقام وقال له : والله لترينّي بحيث تكره ! فقال عليّ : وما أنت ، ولو أجلبت بخيلك ورجلك ، لا أبقى الله عليك أن
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 349_
ابقيت عليّ ، أحُقرة وسوءا ، اذهب فصوّب وصعّد ما بدالك ! وقال شرحبيل بن السمط : ان كلمّتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل ، فهل عندك جواب غير الذي أجبته به ؟ فقال عليّ : نعم لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به ، فحمد الله وأثنىعليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله جل ثناؤه بعث محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة ، وجمعبه من الفرقة ، ثم قبضه الله إليه وقد أدّى ما عليه صلى الله عليه وسلم ، ثم استخلف الناس ابابكر ، واستخلف ابوبكر عمر ، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة ، وقد وجدنا عليهما أن تولّيا علينا ونحن آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فغفرنا ذلك لهما ، ووُلّي عثمان فعمل أشياء عابها الناس عليه فساروا اليه فقتلوه ، ثم أتاني الناس وأنا معتزل امورهم فقالوا لي : بايع فأبيت عليهم ، فقالا لي : بايع فإن الامة لا ترضى إلا بك وإنا نخاف ان لم نفعل أن يفترق الناس فبايعتهم فلم يرُعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني ، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عزوجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل لله عزوجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الاسلام كارهين ، فلا غرو إلا خلافكم معه وانقيادكم له ، وتدعون آل نبيكم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ، ألا أني أدعوكم الى كتاب الله عزوجل وسنة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واماتة الباطل واحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ، فقال : أشهد ان عثمان قتل مظلوما ، فقال لهما : لا أقول أنه قتل مظلوما ولا أنه قتل ظالما ، فمن لم يزعم ان عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء ، ثم قاما فانصرفا ، فقال لعيّ : أنك لا تُسمع الموتى ولا تُسمع الصُم الدُعاء اذا ولّوا مُدبرين ، وما أنت بهاد العُمي عن ضلالتهم أن تُسمع إلا من يُؤمن بآياتنا فهم مسلمون
(1) .
---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 4 .
الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث
_ 350_
أقول : في هذه الكلمات موارد للنظر نُشير الى بعضها :
أولا ـ قول حبيب فقلتموه فادفع الينا قتلته : قد مرّ ان اميرالمؤمنين عليا كان من الناصحين المدافعين الناصرين لعثمان ، وأما معاوية فكان ممن تسامح في نصرته والدفاع عنه واجابة دعوته .
ثانيا ـ بيعة الامام واطاعته واجبة على كل فرد مسلم ، والامام على عقيدتهم من يتعيّن من جانب المهاجرين والأنصار في مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا يتوقف هذا على حكم آخر ، بمعنى أن المبايعة واجبة ، وطلب الثأر حكم آخر فرعيّ لابد فيه من المراجعة الى الحاكم والقاضي ، حتى يحكم بعد التحقيق عن القاتل وكيفية القتل والقصد فيه وثبوت الجناية بالطريق الشرعي ، بحكم خاص .
ثالثا ـ ان معاوية فرد من افراد المسلمين ، وليس بولي عثمان ولا بولي المسلمين ، حتى يدّعي أنه يطلب ثأر عثمان أو يطلب قتلة من خليفة المسلمين ، وأعجب منه قوله : واعتزل امر الناس حتى يكون شورى ، فراجع ثم راجع كلام علي ( عليه السلام ) في جوابه حتى تعلم حقيقة الأمر .
ويروى أيضا : ان عمار بن ياسر خرج الى الناس فقال : اللهم أنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته ، اللهم أنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن اضع ظبّة سيفي في صدري ثم انحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت ، واني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته
(1) .
اقول : هذا ما يعتقد به عمار بن ياسر وهو من خواصّ اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حقه : تقتله الفئة الباغية . وقلنا ان معاوية قد حارب المسلمين في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خلافا لله ولرسوله وللاسلام ، وفي هذا اليوم يُحارب المسلمين ايضا طلبا للرئاسة والدنيا وخلافا لحقائق الاسلام . ونعم ما قال عمار بن ياسر وهو يقول لعمرو بن العاص بصفين : لقد قاتلت
---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 21 .