أقول : يظهر من هذا الكلام أن الأنصار بأجمعهم ومن بني هاشم من تخلفوا في بيت فاطمة ( عليه السلام ) كانوا مخالفين لبيعة أبي بكر ، أما الأنصار فبايعوا بعد أو وقعت الاختلافات الشديدة وارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، وبنو هاشم فبايعوا بعد مدة مكرهين .
  ويروى : فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمدا ... فخصّ الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والايمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم وتكذيبهم اياهم ، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم واجماع قومهم عليهم ، فهم اول من عبدالله في الأرض وآمن بالله وبالرسول ، وهم اولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك الا ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الاسلام ، رضيكم الله انصارا ... فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، لا تفتاتون بمشورة ولانقتضي دونكم الأمور ، قال : فقام الحباب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا عليكم امركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجتريء مجتريء على خلافكم ولن يصدر الناس الا عن رأيكم ... فمنا أمير ومنهم أمير ، فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب أن يومّروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تُولي امرها من كانت النبوة فيهم وولي أمورهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب المحجة الظاهرة والسلطان المبين ، من ذا يُنازعنا سلطان محمد وامارته ونحن اولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل ... فقام الحباب بن المنذر فقال : يا معشر الأنصار املكوا على ايديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم هذه الأمور ، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين ، أنا جُذيلها ... فقال عمر : اذا يقتلك الله ، قال : بل اياك يقتل ! فقال ابو عبيدة : يا معشر الأنصار أنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدّل وغيّر ، فقام بشير بن سعد فقال : يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 152 _

  اولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به الا رضى ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا ينبغي به من الدنيا عرضا فإن الله ولي المنة علينا بذلك ، ألا ان محمدا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قريش وقومه أحق به واولى ، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم . فقال أبوبكر : هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا ! فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين اذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين ، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ، أبسط يدك نبايعك ؟ فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما اليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عققت عقاق ما أحوجك الى ما صنعت ، أنفست على ابن عمك الإمارة فقال : لا والله ولكني كرهت أن انازع قوما حقا جعله الله لهم ، ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعبد بن عبادة : قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا ابدا ، فقوموا فبايعوا ابابكر ! فقاموا اليه فبايعوه . فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجمعوا له من أمرهم ، ... فأقبل الناس من كل جانب يبايعون ابابكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة ، فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعدا لا تطؤه فقال عمر : اقتلوه قتله الله ، ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت ان اطأك حتى تندر عضوك ، فأخذ سعد بلحية عمر فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبوبكر : مهلا يا عمر الرفق هيهنا ابلغ ، فاعرض عنه عمر ، وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في اقطارها وسككها زئيرا يحجرك واصحابك ، أما والله اذا لألحقتك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع . احملوني من هذا المكان ! فحملوه فأدخلوه في داره ، وتُرك اياما ثم بُعث إلييه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك ! فقال أما والله حتى

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 153 _

  أرميكم بما في كنانتي من نبلي واُخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، واقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي ... فلما اُتي ابوبكر بذلك قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال له بشير بن سعد : أنه قد لج وأبى وليس بمُبايعكم حتى يُقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته ، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد ، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم (1) .
أقول : فيما نقل عن الطبري موارد للدقة والاعتبار والتدبر .
1 ـ قول أبي بكر ـ قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ـ بل أنت يا عمر فأنت أقوى مني ـ وان العرب لا تعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش ـ ولكن قد رضيت لكم أحد هذين فبايعوا أيهما شئتم ؛ فيها دلالة على أن الأمر قد تحقق بالانتخاب والتدبير ، لا بالنص والوصية .
2 ـ قولهم : ـ فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ـ فارجعوا فاقضوا أمركم بينكم ـ كنت زوّرت في نفسي أن أتكلم به الا قد جاء به ـ لا تفتاتون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور ـ فمنا أمير ومنهم أمير ـ ولكن العرب لا تمتنع ان تولي امرها من كانت النبوة فيهم ـ فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ؛ فيها دلالة على أن الاختلاف انما كان في الحكومة والخلافة الظاهرية للمسلمين . وليس من مقامات العلم والمعرفة والروحانية والحقيقة ذكر فيما بينهم .
3 ـ قولهم : ـ فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع الا عليا ـ وتخلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال : لا أغمده حتى يبابع علي ـ ان عليا والزبير تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار بأسرها ؛ فيها دلالة على ان لعلي ( عليه السلام ) حقا ثابتا ومقاما محرزا معلوما عندهم ، وليس ذلك الا بوصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقوله وبالأحاديث الواردة منه .
  عقد الفريد : فقال حباب بن المنذر : منا أمير منكم أمير ، فإن عمل المهاجريّ

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 208 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 154 _

  في الأنصاري شيئا رد عليه وان عمل الأنصاري في المهاجري شيئا رد عليه ، وان لم تفعلوا فأنا جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجب لنُعيدنّها جذعة . قال عمر : فاردت أن أتكلم وكنت زوّرت كلاما في نفسي . فقال ابوبكر : على رسلك يا عمر ، فما ترك كلمة كنت زوّرتها في نفسي الا تكلم بها ... فبايع الناس ابابكر واتوا به المسجد يبايعونه ، فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال علي : ما هذا ؟ قال العباس : مارُئي مثل هذا قط ، أما قلت لك (1) .
  البخاري : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات وابوبكر بالسُنخ يعني بالعالية ، فقام عمر يقول : والله مامات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال : والله ما كان يقع في نفسي الا ذاك وليبعثنه الله فيقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء ابوبكر فكشف عن وليبعثنّه الله فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم ، فجاء ابوبكر فكشف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقبّله ، فقال : بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لايُذيقك الله الموتتين ابدا ... واجتمعت الأنصار الى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير ، فذهب اليهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وابو عبيدة بن الجراح ، فذهب عمر يتكلم فأسكته ابوبكر ، وكان عمر يقول : والله ما اردت بذلك الا إني قد هيّأت كلاما قد أعجبني خشيت ان لا يبلّغه ابوبكر ، ثم تكلم ابوبكر فتكلم ابلغ الناس فقال في كلامه : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، فقال حباب بن المنذر : لا والله لا نفعل ، منا أمير ومنكم امير ، فقال أبوبكر : لا ولكنا الامراء وأنتم الوزراء . هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر بن الخطاب أو ابا عبيدة بن الجراح ! فقال عمر : بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس ، فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر : قتله الله (2) ،   أقول : يستفاد من صريح هذا الكلام المنقول من الصحيح امور :
  1 ـ استدل ابوبكر في مقام إختيار الأمير بقوله : أعرب أحسابا

---------------------------
(1) عقد الفريد ج 4 ص 257 .
(2) البخاري ج 2 ص 179 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 155 _

  وأوسطهم دارا ؛ وهذا العنوان موجود في جميع افراد قريش .
  2 ـ ولما لم يكن له امتياز وتفوق وليس لنفسه خصوصية ، فأشار الى أبي عبيدة وعمر ودلهم اليهما . أو أن هذا كان تدبيرا منه في المقام .
  3 ـ فعلى هذا القيل والقال : يلزم أن يكون الوزير في هذه الحكومة من الأنصار ، فإن لهم نصيبا منها ، وهم الذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يُحبون من هاجر اليهم .
  4 ـ لا معنى صحيح لقول عمر : قتله الله : مع ان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول اوصيكم بالأنصار ، فإنهم كرشي وعيبتي فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ـ كما في البخاري ج 2 ص 192 .
  وفي البخاري : باسناده عن عمر بن الخطاب أنه قال : بلغني أن قائلا منكم يقول والله لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترنّ امرئ ان يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وانها قد كانت كذلك ولكنّ الله وقى شرها ، وليس منكم من يُقطع الأعناق اليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يُقتلا ، وانه قد كان من خيرنا حين توفى الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ان الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون الى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر : يا أبابكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم ، فلما دنونا منهم لقينا رجلان منهم صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلنا : نريد اخواننا هؤلاء من الأنصار ، فقالا : لا عليكم ان تقربوهم اقضوا أمركم ! فقلت والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فاذا رجل مزمل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا سعد بن عبادة ، فقلت : ماله ؟ قالوا : يوعك ، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد : فنحن انصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم ، فاذا هم يريدون ان يختزلونا من أصلنا وأن يحضونا من الأمر ، فلما سكت ، اردتُ ان

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 156 _

  اتكلم وكنت زوّرت مقالة اعجبتني اريد أن اقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبوبكر : على رسلك ! فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبوبكر فكان هو أحلم مني وأوقر ، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتى سكت ، فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر الا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراحوهو جالس بيننا ، فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن اقدّم فتُضرب عنقي لا يقرّبني ذلك من أثم احب اليّ من أن اتأمّر على قوم فيهم أبوبكر ، اللهم الا أن تسوّل الى نفسي عندج الموت شيئا لا اجده الآن . فقال قائل من الأنصار : انا جُذيلها المُحكك وعُذيقها المرجب منا أمير ومنكم امير يا معشر قريش ! فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقتُ من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا ابابكر ! فبس يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار . ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة ففقلت : قتل الله سعد بن عبادة ، قال عمر ك وانا والله ما وجدنا فيما حضرنا من امر اقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا أن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فأما بايعناهم على ما لانرضى وأما نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة ان يُقتلا (1) .
  أقول : هذا الكلام مضبوط في أقدم كتاب وأصحّه وأتقنه من كتب اخواننا اهل السنة ، وكذا في تاريخ الطبري باختلاف يسير (2) ، فمن تدبر فيه ورجع البصر اليه بعين الانصاف ونظر الى الحقيقة اطلع على اسرار هذا الأمر من جهات :   الأول ـ أنه اقر وشهد بأن إمرة أبي بكر كانت فلتة من دون سابقة ، وقى

---------------------------
(1) البخاري ج 4 ص 111 .
(2) تاريخ الطبري ج3 ص 200 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 157 _

  الله شرها . وهذا يدل على نفي أي وصية من رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الخلافة .
  الثاني ـ إنه يقول بلزوم المشورة في هذا الأمر بعد ، ولا يجوز لأحد أن يبايع احدا حتى تقع فلتة ، فإنها في معرض الخطر والشر .
   الثالث ـ إنه يعترف بخلاف الأنصار وخلاف علي والزبير ومن معهما ، ففي هذه الصورة كيف يجوز التعبير عنها بالاجماع والاتفاق من اهل الحل والعقد ، وان ارادوا وقوع الاتفاق بعد اشهر فهذا قد يتحقق في أغلب الحكومات والدول ، بل ولايتحقق استقرار حكومة الا بالغلبة التامة والاستيلاء الكامل والتسلط على جميع الأفراد طوعا أو كرها ، ولو بالتدريج .
  الرابع ـ يعلم أن غلبة أبي بكر في السقيفة كانت من طريق التزوير ، وكان تزويره في خاطبه أحسن وأعجب مما زوّره عمر في نفسه .
   الخامس ـ ان قوله ( فلم أكره مما قال غيرها ) من الكلمات المزورة المخالفة للواقع ، كيف وقد امّر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اسامة عليهم قبل ايام قليلة من رحلته ، وكذا في غزوات اخر . فالإمرة مطلبوبة اذا كانت عن وظيفة .
  فيا اخواننا هذه حقيقة إمرة أبي بكر ، فهل يجوز أنيكلّفنا العقل والشرع بوجوب طاعته وقبوله ، وهل يمكن أن يحكم الله ورسوله على كفر من تخلف عن هذه البيعة ، وهل يجوز أن نقول ان عليا وفاطمة والحسن والحسين ومن معهم من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانوا على الضلالة ووقعوا في طريق خلاف الشريعة النبوية ، وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الحق مع علي وعلي مع الحق ، وقال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقال : أنت مني وأنا منك ، وقال : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
  السيرة النبوية : فأتى آت الى أبي بكر وعمر ، فقال : ان هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا اليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيته لم يُفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر : فقلت لأبي بكر انطلق بنا الى

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 158 _

  اخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه (1) .
  وقال : ثم أنه قد بلغني ان فلانا قال : والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرئ أن يقول : ان بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وانها قد كانت كذلك الا ان الله قد وقى شرها وليس فيكم من تنقطع الأعناق اليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فإنه لا بيعة له هو ولا الذي بايعه تغرة ان يُقتلا انه كان من خيرنا حين توفى الله نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... الخ (2) ـ كما في البخاري ج 4 ص 111 .
  مقالات الاسلاميين : لوبلغ ذلك ابابكر وعمر فقصدا نحو مجتمع الأنصار في رجال من المهاجرين ، فأعلمهم ابوبكر أن الامامة لا تكون الا في قريش واحتج عليهم بقول النبيي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الامامة في قريش ، فأذعنوا لذلك منقادين ورجعوا الى الحق طائعين ، بعد أن قالت الأنصار : منا أمير ومنكم امير ، وبعد أن جرد الحباب بن المنذر سيفه وقال : انا جُذيلها المحكك وعُذيقها المرجب من يبارزني ، بعد ان قام قيس بن سعد بنصرة أبيه سعد بن عبادة حتى قال عمر بن الخطاب في شأنه ما قال ، ثم بايعوا ابابكر (3) .
  أقول : قد صرّح بأن الاتفاق في هذا المجتمع قد حصل بعد ذلك الاختلاف الشديد والتنازع وتجريد السيف ، مع غيبة اهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخواص اصحابه ، وكان أقوى احتجاجهم في قولهم ان الامامة في قريش ، وقد قال علي ( عليه السلام ) في ذلك : احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة .
  عيون ابن قتيبة : أراد عمر الكلام ، فقاله له ابوبكر : على رسلك . نحن المهاجرون اول الناس اسلاما ، واوسطهم دارا واكرمهم احسابا واحسنهم وجوها واكثر الناس ولادة في العرب ، وأمسّهم رَحِما برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أسلمنا قبلكم وقُدمنا في القرآن عليكم ، فأنتم اخواننا في الدين وشركاؤنا في الفيء

---------------------------
(1) السيرة النبوية ج 4 ص 307 .
(2) نفس المصدر ص 308 .
(3) مقالات الإسلاميين ج 1 ص 40 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 159 _

  وانصارنا على العدو ، آويتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا ، نحن الامراء وأنتم الوزراء لا تدين العرب الا لهذا الحي من قريش ، وانتم محقوقون الا تنفسوا على اخوانكم من المهاجرين ما ساق الله اليهم (1) .
  أقول : العلل المذكورة في الخطبة كلها راجعة الى العناوين الظاهرية والتشخصات الصورية والحسب والنسب والمتاع الدنيوي ، وليس فيها ذكر من العلم والايمان والروحانية والمقام المعنوي ، فهذا اول كلام بعد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دُعي فيه المسلمون الى اتباع الشخصية الظاهرية واُسقط العلم والايمان وحذف من صحيفة الامامة قيد التقوى والمعرفة .
  وفي اثر هذا الكلام ترى أن معاوية بن أبي سفيان وسائر افراد بني امية ادعوا مقام خلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مع أنهم فعلوا ما فعلوا وارتكبوا من الظلم والطغيان ما ارتكبوا وظلموا آل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما ظلموا ! ومع هذا قد اطاع المسلمون لهم وانقادوا لحكومتهم !!
  الطبقات : فتكلم ابوبكر فقال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقدّ الاُبلُمة ( يعني الخوصة ) ، فبايع اول الناس بشير بن سعد ابوالنعمان ، قال : فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسّم بين الناس قسما فبعث الى عجوز من بني عديّ بن النجّار بقسمها مع زيد بن ثابت ، فقالت : ما هذا ؟ قال قسم قسّمه ابوبكر للنساء ، فقالت أتُراشوني عن ديني ؟ فقالوا : لا ، فقالت أتخافون ان أدع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، فقالت : أتخافون أن ادع ما أنا فيه ؟ فقالوا : لا ، قالت : فوالله لا آخذ منه شيئا ابدا ، فرجع زيد الى أبي بكر فأخبره بما قالت ، فقال أبوبكر فأخبره بما قالت ، فقال ابوبكر : ونحن لا نأخذ مما اعطيناها شيئا ابدا (2) .
  أقول : هذا التقسيم كان مما يُحكّم ويشدّد ويُثبّت إمارة أبي بكر ، والغرض منه جلب النفوس الأبيّة وتقريب القلوب المخالفة وتحبيبها ورفع الاختلافات والموانع ، وكان هذا لغرض ظاهر بحيث ان العجوز قد فهمته .

---------------------------
(1) عيون ابن قتيبة ج 2 ص 233 .
(2) الطبقات ج 3 ص 182 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 160 _

  انساب الأشراف : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أتى عمر بن الخطاب ابا عبيدة بن الجراح فقال له : ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . فقال : يا عمر ؛ ما رأيت لك تهمة منذ اسلمت قبلها ، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين (1) .
  أقول : هذا الكلام والاستخلاف من عمر بن الخطاب يكشف عن انه كان متحيرا في تعيين الخليفة ، وكان معرضا عن أهل بيت النبي وعترته الذين أوصى بهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومع هذا كان لايعتني برأي الأصحاب ولايتوجه الى المشاورة مع الآخرين والى حصول الاجماع .
  ويروى ايضا : ( في ص 580 ) كما في الطبقات ج 3 ص 182 .
  ويروى ايضا ثم قال : بلغني أن الزبير قال ـ لو قدمات عمر بايعنا عليا وإنما كانت بيعة أبي بكر فلتة ـ فكذب والله لقد أقامه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مقامه واختاره لعماد الدين على غيره ، وقال : يأبى الله والمؤمنون الا ابابكر ، فهل منكم من تمدّ اليه الأعناق مثله (2) .
  أقول : هذا القول مخالف لما سبق من قوله لأبي عبيدة ـ ابسط يدك نبايعك فإنك أمين هذه الأمة ، وهكذا مخالف لقول أبي بكر ـ إن تطيعوا امري تبايعوا أحد هذين الرجلين ابا عبيدة وكان عن يمينه أو عمر بن الخطاب وكان عن شماله (3) ـ ، وكما مرّ ما يقرب منه من البخاري .
  ويروى ايضا : عن جابر : قال العباس لعلي : ما قدمتك الى شيء الا تأخرت عنه ، وكان قال له لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اُخرج حتى اُبايعك على اعين الناس فلا يختلف عليك اثنان . فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقنا ويستبد علينا ؟ فقال العباس : سترى أن ذلك سيكون . فلما بويع ابوبكر ، قال له

---------------------------
(1) أنساب الأشراف ج 1 ص 579 .
(2) أنساب الأشراف ج 1 ص 581 .
(3) نفس المصدر 582 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 161 _

  العباس : ألم أقل لك يا علي ؟ (1) .
  أقول : يظهر من هذه المكالمة ان خلافة علي ( عليه السلام ) كانت مسلّمة قطعية في نظرهم ولا سيما في نظر علي ( عليه السلام ) ، وكان لا يحتمل خلاف احد وانكاره واستبداده عليه .
  ويروى ايضا : قال سلمان الفارسي حين بويع ابوبكر كردادونا كرداد أي عملتم وما عملتم وما عملتم ، لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم (2) .
  أقول : يريد أنكم باستخلاف أبي بكر فعلتم ما فعلتم وحرّفتم وصية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن موضعها وظلمتم آله وعترته وغصبتم حق علي ( عليه السلام ) ولكن ما ظلمتم الا انفسكم ، وما فعلتم الا على انفسكم .
  يقول : في منتخب كنزل العمال : ان ابابكر حين استُخلف قعد في بيته حزينا ، فدخل عليه عمر فأقبل يلومه ، وقال : أنت كلفتني هذا الأمر وشكى اليه الحكم بين الناس ! فقال له عمر : أو ما علمت ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : ان الوالي اذا اجتهد فأصاب الحق فله أجران واذا اجتهد فأخطأ الحق فله أجران واذا اجتهد فأخطأ الحق فله اجر واحد (3) .
  ويقول : عن رافع قال : لما استخلف الناس ابابكر قلت : صاحبي الذي أمرني أن لا أتأمّر على رجلين ! فارتحلت فانتهيت الى المدينة فتعرّضت لأبي بكر ، فقلت له : يا أبابكر أتعرفني ؟ قال : نعم : قلت أتذكر شيئا قلته لي لا أتأمّر على رجلين ، وقد وليت أمر الأمة ؟ فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبض والناس حديث عهد بكفر ، فخفت عليهم ان يرتدّوا وان يختلفوا ، فدخلت فيها وأنا كاره ، ولم يزل بي صاحبي يعتذر حتى عذرته (4) .
  أقول : فليستنتج المحقق الحر من هذه الكلمات أيّ نتيجة يدرك بفكره الثاقب ونظره الخالص .

---------------------------
(1) انساب الأشراق ج 1 ص 583 .
(2) نفس المصدر ص 591 .
(3) منتخب كنز العمال ج 2 ص 158 .
(4) نفس المصدر ص 160 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 162 _

نتيجة تدبيرات المخالفين
  ان المخالفين بذلوا جهدهم واجتهدوا غاية الجهد في تحصيل مقاصدهم والوصول الى منويّاتهم .
  وكان اكبر مانع من اجراء منظورهم : كتابة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإنفاذ جيش اسامة ، وأمر السقيفة .
  نعم ، هذه الموضوعات الثلاث كانتمانعة عن النيل الى ما قصدوا ، وكنهم رفعوا بجدهم هذه الموضوعات المانعة ، وكشفوا بخلافهم الشديد هذه الحصون العائقة ، وتيسّر لهم المعسور ، وإستقيمت لهم الامور .
  منعوا عن ان يكتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهم وصيته ، وامتنعوا عن الحركة في جيش اسامة ، وجدّوا واجتهدوا في أن ينتخبوا في السقيفة لأنفسهم .
  وقد بدّلوا ما أوصاهم به ، وحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وغيّروا مسير الاسلام ، وتركوا بل عادوا اهل بيت الرسول ، ونسوا ما وصّى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيهم .
حتـى اذا واروه في قبره ما قال بالأمس وأوصى به وقطّعـوا أرحامـه بعـده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا واشتروا الضر بمــا ينفع فسوف يُجـزون بما قطّعوا   كأنهم ما سمعوا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما قال في أهل بيته وفي اميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وفي بنته فاطمة الزهراء ، بل ولعلهم اُمروا بالظلم والعدوان والمعادة .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 163 _

بعض ما ورد في فاطمة ( عليه السلام )
  رجال اصبهان : عن عائشة قالت : قلت يا رسول الله مالك اذا قبّلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلا ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يا عائشة انها لما كانت ليلة اسري بي الى السماء أدخلني جبريل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي ... ففاطمة من تلك النطفة فهي حوراء انسية كلما استقت الى الجنة قبّلتها (1) .
  مستدرك الحاكم : عن سعد بن مالك ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي ، فعلقت خديجة بفاطمة ، فكنت اذا اشتقت الى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة (2) .
  ويروى : عن ميناء قال : خذوا عني قبل أن تشابّ الأحاديث بالأباطيل ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : انا الشجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها والحسن والحسين ثمرتها وشيعتنا ورقها ، وأصل الجرة في جنة عدن (3) .
  أقول : قد ذكرنا في فصول اهل البيت ما يتعلق بها ، وقد صرّحت الروايات النبوية بأن المراد من أهل بيت الرسول هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ن ولا يشاركهم في هذا العنوان غيرهم ، كما انه لا يشرك في فضائلها ومقاماتها الواردة غيرها من سائر بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

---------------------------
(1) رجال اصبهان ج 1 ص 78 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 156 .
(3) مستدرك الحاكم ج 3 ص 160 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 164 _

فاطمة بضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )
   البخاري : باسناده ، ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني (1) .
  البيان والتعريف : إنما فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني . أخرجه الشيخان والنسائي وابو داود والامام احمد وغيرهم عن المسور بن مخرمة (2) .
  سير الأعلام : عن المسور قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنما فاطمة شِجنة مني ، يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها (3) .
  مسند أحمد : ما يقرب منها (4) .
  مستدرك الحاكم : عن علي ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لفاطمة : ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك (5) .
  أقول : فمن أغضب فاطمة فقد أغضب الله ورسوله ، فإنها بضعة من الرسول بدنا وروحا ، ولا أدري ان من أغضبها كيف يعتذر من الله عند رسوله ، وكيف يلقى الله ورسوله .   ويروى في ذخائر العقبى : عن علي ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اشتد غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من هراق دم نبي وآذاه في عترته (6) .
  البخاري : باسناده قال النبي ( رضي الله عنه ) انما هي بضعة مني يُريبني ما أرابها

---------------------------
(1) البخاري ج 2 ص 185 وص 189 .
(2) البيان والتصريف ج 1 ص 270 .
(3) سير الاعلام ج 2 ص 96 .
(4) مسند أحمد ج 4 ص 332 .
(5) مستدرك الحاكم ج 3 ص 154 .
(6) ذخائر العقبى ص 39 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 165 _

  ويؤذيني ما آذاها (1) .
  مسلم : باسناده عن المِسور قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على المنبر وهو يقول : ان بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم ، الا أن يحب ابن أبي طالب ان يُطلق ابنتي ويُنكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني يُريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها (2).
  ويروى ايضا : بسند آخر عنه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها .
  ويروى أيضا : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويُنصبني ما أنصبها .
  مسند أحمد : ما يقرب منها (3) .
  خصائص النسائي : كما في مسلم ، وفيها : ومن آذى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقد حبط عمله (4) .
  ويروى ايضا عن المسور : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني .
  ويروى أيضا عنه : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن فاطمة لمُضغة أو بضعة مني .
  أقول : هذه الروايات الشريفة تدل على كمال اختصاصها بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونهاية محبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها كأنها مثل نفسه

تزويجها من علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
  خصائص النسائي : عن عبدالله بن يزيد عن أبيه قال : خطب أبوبكر وعمر

---------------------------
(1) البخاري ج 3 ص 164 .
(2) مسلم ج 7 ص 141 ، وابن ماجة ج 1 ص 616 وسنن الترمذي ص 549 .
(3) مسند أحمد ج 4 ص 5 .
(4) خصائص النسائي ص 25 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 166 _

فاطمة فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) انها صغيرة ، فخطبها علي رضي الله عنه فزوجها منه (1) .
  الطبقات : ان ابابكر خطب فاطمة الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! فقال يا أبابكر انتظر بها القضاء ، فذكر ذلك أبوبكر لعمر ، فقال له عمر : ردك يا أبابكر ، ثم أن ابابكر قال لعمر : اخطب فاطمة الى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر أنتظر بها القضاء ، فجاء عمر الى أبي بكر فأخبره ، فقال له ردك يا عمر . ثم ان أهل علي قالوا لعلي : اخطب فاطمة الى رسول الله « ص » ، فقال بعد أبي بكر وعمر ! فذكروا له قرابته من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فخطبها فزوجه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) .
  ويروى أيضا : خطب ابوبكر وعمر فاطمة الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هي لك يا علي ! .
  أنساب الأشراف : كان أبوبكر خطب فاطمة فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنا أنتظر بها القضاء . ثم خطبها عمر ، فقال له مثل ذلك . فقيل لعلي لو خطبت فاطمة ! فقال منعها ابابكر وعمر ولا آمن أن يمنعنيها ، فحل على خطبتها ، فخطبها الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فزوجه اياها (3) .
  البيان والتعريف : ان الله أمرني أن اوزج فاطمة من علي . أخرجه الخطيب وابن عساكر عن أنس بن مالك . سببه : كما في الجامع الكبير عن أنس ، قال : كنت قاعدا عند النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فغشيه الوحي فلما سرى عنه قال لي : يا أنس أتدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قلت : بأبي أنت وأمي وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش ؟ قال ان الله أمرني ... الخ (4) .
  أقول : تدل هذه الروايات الشريفة على أن تزويج فاطمة ( عليه السلام ) من علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كان بأمر الله عز وجل ، فاختار لها كفوا يحبه الله ورسوله وهو

---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 22 .
(2) الطبقات ج 8 ص 19 .
(3) انساب الأشراف ج 1 ص 402 .
(4) البيان والتعريف ج 1 ص 174 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 167 _

  ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد مر الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الله اطلع الى أهل الأرض فاختار رجلين احدهما أبوك والآخر بعلك .

فاطمة سيدة نساء الجنة
  الاستيعاب : عن ابن عباس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم (1) .
  البخاري : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فاطمة ( عليه السلام ) سيدة نساء اهل الجنة (2) .
  سنن الترمذي : عن حذيفة قال : أتيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصليت معه ... قال : هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يُسلم عليّ ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (3).
  خصائص النسائي : عن أبي هريرة أبطأ علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما صبور النهار ، فلما كان العشي ، قال له قائلنا : يا رسول الله قد شقّ علينا لم نرك اليوم ! قال : ان ملكا لم يكن زارني فاستأذن الله في زيارتي ، فأخبرني بأن ... كما في الترمذي (4) .
  مستدرك الحاكم : عن عائشة ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال في مرضه الذي توفي فيه : يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين (5) .
  قال : هذا اسناد صحيح ولم يخرجاه هكذا .
  أقول : تدل هذه الروايات الشريفة على أن فاطمة ( عليه السلام ) أفضل نساء هذه الأمة ، بل وأفضل نساء أهل الجنة من السابقين واللاحقين ، كما أن ابنيها سيدا شباب أهل الجنة . فالويل ثم الويل لمن آذاهم وأغضبهم .

---------------------------
(1) الاستيعاب ج 4 ص 1895 .
(2) البخاري ج 2 ص 185 و ص 189 .
(3) سنن الترمذي ص 540 .
(4) خصائص النسائي ص 24 .
(5) مستدرك الحاكم ج3 ص 156 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 168 _

   إنها كانت أول من يدخل عليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سنن ابى داود : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اذا سافر كان آخر عهده بانسان من اهله فاطمة ، واول من يدخل عليه اذا قدم فاطمة (1) .
  مسند أحمد : يروى مثلها (2) .
  مستدرك الحاكم : عن ابى ثعلبة ، قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم ثنى بفاطمة رضي الله عنها ، ثم يأتى أزواجه (3) .
ويروى أيضا : نظير ما في السنن (4) .
  وروى باسناد آخر نظيره ، وفيه : فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فداك ابي وأمي .
أقول : تدل هذه الروايات الشريفة على شدة حب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها ، بحيث يقول لها : بأبي وأمي فداك (5) .
  وقد مر في فصول أهل البيت وفي فصول ما ورد في علي ( عليه السلام ) ما يتعلق بالمقام فراجعها .
  سنن الترمذي : عن بريدة : كان أحب النساء الى رسول الله ( عليه السلام ) فاطمة ومن الرجال علي (6) .
  ويروى ايضا : عن جُميع بن عُمير التيمي ، قال : دخلت مع عمتي على عائشة

---------------------------
(1) سنن أبي داود ج 2 ص 223 .
(2) مسند أحمد ج 5 ص 275 .
(3) مستدرك الحاكم ج 3 ص 155 .
(4) الاستيعاب ج 3 ص 1835 .
(5) مستدرك الحاكم ج 3 ص 156 .
(6) سنن الترمذي ص 549 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 169 _

  فسئلت أي الناس كان أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قالت فاطمة ، فقيل من الرجال ؟ قالت : زوجها ان كان ما عملت صواما قواما (1) .
خصائص النسائي : عن جُميع وهو ابن عُمير قال دخلت مع امي على عائشة وانا غلام فذكرت لها عليا رضي الله عنه ؟ فقالت : ما رأيت رجلا أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منه ولا امرأة أحب الى رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) من امرأته (2) .   الاستيعاب : ويروى مثلها (3) .
  ويروى ايضا : عن جُميع : قال دخلت مع أبي على عائشة يسألها من وراء الحجاب عن علي رضي الله عنه ؟ فقالت تسألني عن رجل ما أعلم أحدا كان أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ... الحديث .
  ويروى الحاكم في المستدرك : نظيره (4) .
  ويروى أيضا : عن بريدة نظير ما في الترمذي (5) .
ويروى ايضا : يقول علي ، على منبر الكوفة : خطبت الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاطمة عليها السلام ! فزوجني ، فقلت : يا رسول الله أنا أحب اليك أم هي ؟ قال : هي أحب اليّ منك وأنت أعز علي منها (6) .
  البيان والتعريف : فاطمة أحب اليّ منك وأنت أعز علي منها (7) .
  اخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ، قال الهيثميّ : رجاله رجال الصحيح .
  مستدرك الحاكم : عن عمر ؛ أنه دخل على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا فاطمة والله ما رأيت احدا أحب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منك ، والله ما كان أحد

---------------------------
(1) نفس المصدر السابق ص 550 .
(2) خصائص النسائي ص 20 .
(3) الإستيعاب ج 4 ص 1897 .
(4) مستدرك الحاكم ج 3 ص 154 .
(6) خصائص النسائي ص 21 .
(7) نفس المصدر ص 26 .
(8) البيان والتعريف ج 2 ص 118 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 170 _

من الناس بعد أبيك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أحب اليّ منك (1) .
  قال : هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين ولم يُخرجاه .
  أقول : هذه الأحاديث مصرحة بأن أحب الناس الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من النساء بل ومن عموم الناس ، فاطمة ( عليه السلام ) ، ولا ريب أن حب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينبعث من منشأ روحاني ومن جهة معنوية الهية ، لا ربط لها بالامور المادية .

ومن فضائلها ( عليها السلام )
  الاستيعاب : عن عمران ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عاد فاطمة وهي مريضة ، فقال لها : كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت : إني لوجعة وإنه ليزيدني إني ما لي طعام آكله . قال : يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين ؟ قالت : يا أبت فأين مريم بنت عمران ؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة (2) .
  دلائل النبوة : عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجب يا أيها الناس غضوا ابصاركم ونكسوا قال فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تجوز الصراط الى الجنة (3) .
  سنن ابي داود : قال علي لابن اعبد : ألا اُحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكانت أحب اهله اليه وكانت عندي ، فجرّت بالرحى حتى اثّرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمّت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها فأصابها من ذلك ضر ، فسمعنا أن رقيقا أتي بهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقلت لو أتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك ، فأتته فوجدت عنده حّاثا ، فاستحيت فرجعت ... الخ (4) .

---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 155 .
(2) الاستيعاب ج 4 ص 1895 .
(3) دلائل النبوة ج 3 ص 219 .
(4) سنن أبي داود ج 2 ص 334 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 171 _

  سير الأعلام : عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها (1) .
  مستدرك الحاكم : عن عائشة ، انها كانت اذا ذكرت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قالت ... الرواية (2) .
  الاستيعاب : يروى مثلها (3) .
  أقول : انها أصدق لهجة ، ولكن المخالفين حكموا بكذبها وكذّبوها في دعواها فدكا ، وان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد وهبها لها .
  مستدرك الحاكم : عن أنس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : حسبك من نساء العالمين اربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد (4) .
  ويروى : بسند آخر نظيره .
  ويروى : عن عائشة ، قالت لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألا أُبشرك اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : سيدات نساء اهل الجنة اربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية (5) .
  الاستيعاب : يروى مثلهما (6) .
  أقول : هذه الأخبار لا تنافي ما سبق من ان سيدة نساء أهل الجنة فاطمة ( عليه السلام ) ، فإنهن سيدات النساء ، وفاطمة ( عليه السلام ) سيدة قاطبة النساء كلها .
   مستدرك الحاكم : عن علي ( عليه السلام ) قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : اذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب يا اهل الجمع غُضوا ابصاركم عن

---------------------------
(1) سير الأعلام ج 2 ص 95 .
(2) مستدرك الحاكم ج 3 ص 160 .
(3) الاستيعاب ج 4 ص 1896 .
(4) مستدرك الحاكم ج 3 ص 157 .
(5) مستدرك الحاكم ج 3 ص 185 .
(6) الاستيعاب ج 4 ص 1896 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 172 _

فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى تمرّ (1) .

رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفاطمة ( عليه السلام )
  الاستيعاب : عن عائشة انها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فاطمة ، وكانت اذا دخلت عليه قام اليها فقبّلها ورحّب بها ، كما كانت تصنع هي به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) .
  سنن ابي داود : عن عائشة : ما رأيت احدا كان أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) من فاطمة كرم الله وجهها ، كانت اذا دخلت عليه قام اليها فأخذ بيدها فيقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان اذا دخل عليها قامت اليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها (3) .
  ويروى : عن الحسن : مثلها ، وفيها ـ أشبه حديثا وكلاما .
  سنن الترمذي : قريب منها ، وفيها : فلما مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخلت فاطمة فأكّبت عليه فقبّلته ثم رفعت رأسها فبكت ، ثم اكبّت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت ، فقلت ان كنتُ لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فاذا هي من النساء ، فلما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قلت لها ارأيت حين اكببت على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرفعت رأسك ... الرواية (4) .
  مستدرك الحاكم : عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت اذا دخلت عليه رحّب بها وقام اليها فأخذ بيدها فقبّلها وأجلسها في مجلسه (5) .
  قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

---------------------------
(1) مستدرك الحاكم ج 3 ص 153 .
(2) الإستيعاب ج 4 ص 1896 .
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 354 .
(4) سنن الترمذي ص 550 .
(5) مستدرك الحاكم ج 3 ص 154 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 173 _

  الاستيعاب ومسند أحمد : عن عائشة قالت : أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال : مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ اليها حديثا فبكت ، فقلت لها استخصّك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حديثه ثم تبكين ، ثم أنه أسرّاليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ... فبكيتُ لذلك ، ثم قال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين قالت فضحكتُ لذلك (1) .
  البخاري : قالت عائشة : أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشيُ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : مرحبا يا ابنتي ثم اجلسها عن يمينه أو عن شماله ، ثم أسر اليها حديثا فبكت ، فقلت لها لم تبكين ؟ ثم أسرّ اليها حديثا فضحكت ، فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ، فسألتها عما قال ؟ فقالت : ما كنت لاُ فشي سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حتى قبض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسألتها فقالت : أسرّ اليّ ان جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وأنه عارضني العام مرتين ، ولا أراه الا حضر أجلي وانكِ اول أهل بيتي لحاقا بي فبكيت ، فقال : أما ترضيين أن تكوني سيدة نساء اهل الجنة أو نساء المؤمنين ؟ فضحكت لذلك (2) .
  ثم : روى باسناد آخر قريبا منها .
  ويروى ايضا : قريبا منها ، وفيها : ولا أرى الأجل الا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لكِ ، قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت ، فلما رأى جزعي سارّني الثانية ، قال : يا فاطمة ألا ترضين ان تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة (3) .
  ويروي مسلم : باسناده حديثين كما في البخاري ( ج 2 ص 174 ) وفيها : فقلت

---------------------------
(1) الاستيعاب ج 4 ص 1894 ومسند أحمد ج 6 ص 282 .
(2) البخاري ج 2 ص174 .
(3) البخاري ج 4 ص 60 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 174 _

  لها حين بكت : أخصّكِ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحديثه دوننا ثم تبكين (1) .
  وفي زاد المسلم : وقد روى البزاز عن عائشة : إنه عليه الصلوة والسلام قال : فاطمة خير بناتي انها اصيبت بي فحق لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء أهل الجنة ، وقد سُئل ابوبكر بن داود : من افضل خديجة أم فاطمة ؟ فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن فاطمة بضعة مني فلا أعدل ببضعة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) احدا . وحسّن هذا القول السهيلي واستشهد لصحته ان أبا لبابه حين ربط نفسه وحلف ان لا يحله الا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جاءت فاطمة لتحله فأبى من أجل قسمه ، فقال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ): إنما فاطمة بضعة مني فحلته (2) .
  ابن ماجة : قالت عائشة : اجتمعت نساء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلم تغادر منهن امرأة ، فجاءت فاطمة كأنّ مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن شمالها (3) ... كما في مسلم ج 7 ص 142 .
  ويروى ايضا : حديثا آخر قريبا مما في البخاري (ج 2 ) .
  الطبقات : يروى قريبا مما في البخاري (4) .
  يروى ايضا : ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الا أنه قد تمودي بطرف فيها (5) .
  أقول : يستفاد من هذه الأحاديث امور : الاول ـ كان سلوكها ومِشيتها في الوقار كمِشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
الثاني ـ انها كانت موضع سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمخصوصة بحديثه .
الثالث ـ أنها بضعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فلا يعدل بضعة أحد .
الرابع ـ أنها سيدة نساء أهل الجنة .

---------------------------
(1) مسلم ج 7 ص 142 و143 .
(2) زاد المسلم ج 2 ص 399 .
(3) ابن ماجة ج 1 ص 494 .
(4) الطبقات ج 2 ص 247 .
(5) نفس المصدر ص 248 .

الحقائق في تاريخ الاسلام والفتن والاحداث _ 175 _

  الخامس ـ أنها سيدة نساء الأمة ـ والمؤمنين .
  السادس ـ قام رسول الله فأخذ بيدها وكان يقبّلها .
  السابع ـ كانت اشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله .

فتنة احراق بيت فاطمة ( عليها السلام )
  تاريخ الطبري : عن زياد بن كليب قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين ، فقال : والله لاُحرقن عليكم أو لتخرُجُن الى البيعة ، فخرج عليه الزبير مُصلتا بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (1) .
  عقد الفريد : الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر ، علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة ، فأما علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث اليهم ابو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له أن أبوا فقاتلهم ! فأقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة ، فقالت يا ابن الخطاب أجئت لتُحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة (2) .
  أقول : هذه أول فتنة في الاسلام ظهرت على اهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، واول عدوان من الأمة عليهم ، ولا ينقضي عجبي من قول أبي بكر حيث يقول : فإن أبوا فقاتلهم ! أو لا يذكر قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ اذكركم في اهل بيتي ـ إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله واهل بيتي ـ اللهم اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ـ أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ـ اللهم هؤلاء اهلي ، ثم أتعجب كثيرا من عمل عمر ومن قوله ، حيث أقبل بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار . كأنه ما سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ، ولعله كان قد اُمر بايذائهم ومقاتلتهم واحراق دارهم ، وقد ظلموا اهل

---------------------------
(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 198 .
(2) عقد الريد ج 4 ص 259 .