الفهرس العام

الكلام في الفصل السابع



الكلام في الفصل الثامن
الكلام في الفصل التاسع
الكلام في الفصل العاشر


  فاما قول الخصوم : إنه إذا استمرت غيبة الامام على الوجه الذي تعتقده الامامية ـ فلم يظهر له شخص ، ولا تولى (1) إقامة حد ، ولا إنفاذ حكم ، ولا دعوة إلى حق ، ولا جهاد العدو ـ بطلت الحاجة إليه في حفظ (2) الشرع والملة ، وكان وجوده في العالم (3) كعدمه .
   فصل : فإنا نقول فيه : إن الامر بخلاف ما ظنوه ، وذلك أن غيبته لا تخل (4) بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة ، واستيداعها له ، وتكليفها التعرف في كل وقت لاحوال الامة ، وتمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته ، وهو الشئ الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته .

---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : ولا يؤتي .
(2) ع ، ل ، ر : ونطلب الحاجة إليه في حقه ، وبطلت الحاجة إليه في حقه .
(3) ر : المعالم .
(4) ع ، ل : لا تحل ، (*)

الفصول العشرة _ 106 _

   ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم (1) في ذلك ، ولا يحتاج هو إلى تولي (2) ذلك بنفسه ، كما كانت دعوة الانبياء عليهم السلام تظهر نايبا عنهم (3) والمقرين بحقهم ، وينقطع العذر بها فيما يتاتى (4) عن علتهم ( كذا ) ومستقرهم ، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بانفسهم ، وقد قامت أيضا نايبا عنهم ( 4 ) بعد وفاتهم ، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم (5) بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم ، وكذلك (6) إقامة الحدود وتنفيذ الاحكام ، وقد يتولاها أمراء الائمة وعمالهم (7) دونهم ، كما كان يتولى ذلك أمراء الانبياء عليهم السلام وولاتهم (8) ولا يخرجونهم (9)، إلى تولي (10) ذلك بانفسم ، وكذلك (11) القول في الجهاد ، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الانبياء والائمه دونهم ، ويستغنون بذلك عن توليه بانفسهم .
   فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الامام ومنع من عدمة (12)

---------------------------
(1) ل ، س ، ط : لهم .
(2) ل : توالي .
(3) س ، ط : باتباعهم .
(4) يناى ، س ، ط : باتباعهم .
(5) ط : نبوتهم .
(6) ع ، ل ، ر ، س : ولذلك .
(7) ر : وقد يتولى أمراء الائمة لهم .
(8) ع ، ر ، ل ، س : وولايتهم .
(9) س ، ط : ولا يحوجونهم .
(10) ل : المولى ، وفي حاشية ل : المتولي .
(11) ع ، ر : ولذلك .
(12) ع ، ل ، س : عدة .

الفصول العشرة _ 107 _

   ما (1) إختص به من حفظ الشرع ، الذي لا يجوز ائتمان (2) غيره عليه (3) ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه ( آدابه ) .
   فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الاستتار والصموت ، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركهه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به ، فلذلك ما وجب في حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده (4) أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه .
   وهذا بين لمن تدبره ، وشئ آخر ، وهو : أنه إذا غاب الامام للخوف على نفسه من القوم الظالمين ، فضاعت (5) لذلك الحدود وانهملت به الاحكام ووقع به في الارض الفساد ، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه ، وكانوا الماخوذين بذلك المطالبين به دونه .
   فلو أماته الله تعالى وأعدم (6) ذاته ، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح ، كان سببه فعل اللة دون العباد ، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع (7) ما يرفع الصلاح .
   فوضح بذلك الفرق بين [ موت ] الامام وغيبته واستتاره وثبوته ، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات ، والمنة لله .

---------------------------
(1) ع ، ل ، ر : مما .
(2) ع ، ل ، ر : ايمان .
(3) لفظ : عليه ، لم يرد في ل ، ط .
(4) ل : بوجوده .
(5) ل : وضاعت .
(6) ط : أو أعدم .
(7) كذا ، (*)

الفصول العشرة _ 109 _

الكلام (1) في الفصل الثامن

   فاما قول المخالفين : إنا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا عليه السلام السبائية (2) في قولها : إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنه حي موجود ، وقول الكيسانية : في محمد بن الحنفية ، ومذهب الناووسية : في أن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام لم يمت ، وقول الممطورة : في موسى ابن جعفر عليه السلام أنه لم يمت (3) وأنه حي إلى أن يخرج بالسيف ، وقول أوائل الاسماعيلية وإسلافها : أن إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنه حي لم

---------------------------
(1) ع ، ل ، س : القول .
(2) ل : الكيانية ، والسبائية : فرقة قالت : ان عليا لم يقتل ولم يمت ، ولا يقتل ولا يموت ، حتى يسوق العرب بعصاه ، ويملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ، وهي أول فرقة قالت في الاسلام بالوقف بعد النبي من هذه الامة ، وأول من قال منها بالغلو ، وإنما سموا بالسبائية نسبة لعبدالله بن سبأ ، فرق الشيعة : 22 .
(3) من قوله : وقول الممطورة إلى هنا لم يرد في ر ، ل ، ط ، (*)

الفصول العشرة _ 110 _

   يمت ، وقول بعضهم (1) : مثل ذلك في محمد بن إسماعيل (2)، وقول الزيدية : مثل ذلك (3) فيمن قتل من أئمتها حتى قالوه في يحيى بن عمر (4) المقتول بشاهي (5) .
   وإذا كانت (6) هذه الاقاويل باطلة عند الامامية ، وقولها في غيبة

---------------------------
(1) فرقة زعمت أن الامام بعد الصادق عليه السلام محمد بن اسماعيل بن جعفر ، وقالوا : إن الامر كان لاسماعيل في حياة أبيه ، فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الامر لمحمد بن اسماعيل ، واصحاب هذا القول يسمون المباركية لرئيس لهم يسمى المبارك مولى اسماعيل بن جعفر ، فرق الشيعة : 80 .
(2) محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد ، وهو الذي سعى بعمه موسى الكاظم إلى هارون الرشيد ، وقال له : يا امير المؤمنين خليفتان في الارض موسى بن جعفر بالمدينة يجئ له الخراج وانت بالعراق يجئ إليك الخراج ، فقال : والله ؟ قال : والله ، وكان الامام الكاظم يصل محمد بن جعفر كثيرا ، حتى أن محمدا لما فارق الامام من المدينة قال : يا عم اوصني ، فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي ، تنقيح المقال 2 : 82 .
(3) ر : في مثل ذلك .
(4) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين السبط ، ثائر ، خرج في ايام المتوكل العباسي سنة 235 واتجه ناحية خراسان بجماعة فرده عبد الله بن طاهر الى بغداد فضرب وحبس ثم أطلق ، فاقام مدة في بغداد وتوجه إلى الكوفة في ايام المستعين بالله ، وقاربها وأخذ ما في بيت المال وفتح السجون وعسكر بالفلوجة ، وقصده جيش فظفر عليه يحيى ، واقبل عليه جيش آخر جهزه محمد بن عبد الله بن طاهر ، فاقتتلا بشاهي قرب الكوفة ، فتفرق عسكر الطالبي وبقي في عدد قليل ، وتقنطر به فرسه فقتل ، وحمل رأسه إلى المستعين ، راجع : الاعلام 8 : 160 ، وما ذكره من مصادر الترجمة .
(5) قال الحموي : موضع قرب القادسية فيما احسب ، معجم البلدان 3 : 316 .
(6) ع ، ل ، ر : كان ، (*)

الفصول العشرة _ 111 _

   صاحبها نظيرها فقد بطلت أيضا ووضح فسادها .
   فصل : فإنا نقول : إن هذا توهم من الخصوم لو تيقظوا (1) لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق وظنوه نظيرا لمقالهم : وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان ، وشهد (2) به أئمة قاموا (3) بعدهم ثبتت إمامتهم بالشئ الذي به ثبتت (4) إمامة من تقدمهم ، والانكار للمحسوسات باطل عند كافة العقلاء ، وشهادة الائمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة ، فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه ، وليس كذلك قول الامامية في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام ، لان دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لا تتضمن دفع المشاهد ، ولا له إنكار المحسوس (5) ، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى عليهم السلام إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الامامية أو وجود إمامها وغيبته .
   فاي نسبة بين الامرين ، لو لا التحريف في الكلام ، والعمل على أول خاطر يخطر للانسان من غير فكر (6) فيه ولا إثبات .

---------------------------
(1) س ، ل : تفطنوا .
(2) ع ، ل ، س : وشهدوا .
(3) ل : فاتموا .
(4) ل ، ر : تثبت .
(5) س : انكارا بمحسوس .
(6) ع ، ل ، ر ، س : من فكر ، والمثبت من ط ، وهو الانسب ، (*)

الفصول العشرة _ 112 _

   فصل : ونحن فلم (1) ننكر غيبة من سماه الخصوم لتطاول زمانها ، فيكون ذلك حجة علينا في تطاول مدة غيبة صاحبنا ، وإنما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت من مات من جملتهم ، وحصول العلم بذلك من جهة الادراك بالحواس .
   ولان في جملة من ذكروه من لم يثبت ، له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقها على حال ، فلا يضر لذلك دعوى من ادعى له الغيبة والاستتار .
   ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه ، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين إلى الامامية والزيدية ولم (2) يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا عليه السلام ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه ، والمنة لله .

---------------------------
(1) س ، ط : لم .
(2) ع ، ل ، ر : لم ، بدون واو ، (*)

الفصول العشرة _ 112 _

واما الكلام في الفصل التاسع (1)

   وهو قول الخصوم : إن (2) الامامية تناقض مذهبها في إيجابهم الامامة (3) ، وقولهم بشمول (4) المصلحة للانام بوجود الامام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره ، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكنه من (5) البلاد والعباد .
   وقولهم مع ذلك : إن الله تعالى قد أباح للامام (6) الغيبة عن الخلق وسوغ (7) له الاستتار(8) عنهم ، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد . وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء .

---------------------------
(1) ع ، ل : فصل : وأما الكلام في الفصل التاسع .
(2) ع ، ل ، ر : وان .
(3) ع ، س : للامامة .
(4) ع ، ر ، س ، ط : لشمول .
(5) في س ، ط : وتمكنه في البلاد والعباد .
(6) ع ، ل : الامام .
(7) ع ، ل ، س : وسوغه .
(8) ع ، س : للاستتار ، (*)

الفصول العشرة _ 114 _

   فصل : وأقول : إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه (1) الصلاح وأسباب الفساد ، وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الاحوال ، ولا تتفق مع تضادها ، بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغير (2) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الاعمال .
   ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده وأحبته (3) وأهله وعبيده وحشمه بما (4) يكسبهم (5) المعرفة والاداب ، ويبعثهم في الاعمال الحسنات ، ليستثمروا (6) بذلك المدح وحسن الثناء والاعظام من كل أحد والاكرام ، ويمتهنوهم من المتاجر والمكاسب للاموال (7) ، لتتصل مسارهم بذلك ، وينالوا بما يحصل لهم من الارباح الملذات (8) ، وذلك هو الاصلح لهم ، مع توقرهم (9) على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه ، فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجد فيه ، أداموا لهم ما يتمكنون به

---------------------------
(1) ل ، ط : ووجود . (2) س ، ط : بتغيير .
(3) ل : وأخيه .
(4) ع ، س ، ط : ما .
(5) ل ، ط : ينبؤهم ، ويحتمل في ع ، ر : يكسهم .
(6) ل ، ط : ليستمروا .
(7) ل : الاموال ، ط : في الاعمال .
(8) ع ، ل ، ر : اللذات .
(9) ع ، ط : توفرهم ، (*)

الفصول العشرة _ 115 _

   منه ، وسهلوا عليهم سبيله ، وكان ذلك (1) هو الصلاح العام ، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبوه منهم وأبروه لهم .
   وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم ، وسوء الادب والبطالة ، واللهو واللعب ، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد ، كانت المصلحة لهم قطع مواد السعة (2) عنهم في الاموال ، والاستخفاف بهم ، والاهانة والعقاب .
   وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل ، ولا تضاد في صواب التدبير والاستصلاح ، وعلى الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه ، وإرادته عمومهم بالصلاح .
   ألا ترى أنه خلقهم فاكمل عقولهم وكلفهم الاعمال الصالحات ، ليكسبهم (3) بذلك حالا (4) في العاجلة ، ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الاجل ، ويدوم نعيمهم في دار المقام .
   فان تمسكوا باوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه ، وسهل عليهم سبيله ، ويسره لهم . وإن خالفوا ، ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه ، تغيرت (5) الحال فيما يكون فيه استصلاحهم ، وصواب التدبير لهم ، يوجب (6) قطع مواد (7)

---------------------------
(1) لفظ : ذلك ، لم يرد في ل ، ط .
(2) ع ، ل ، ر ، س : الشيعة ، يحتمل : الشنعة .
(3) ل : ليكسهم .
(4) س ، ط : جمالا .
(5) ل : لغيرت .
(6) ل : لوجب .
(7) ع ، ل ، ر : موات ، (*)

الفصول العشرة _ 116 _

   التوفيق عنهم ، ـ وحسن منه ذمهم وحربهم ، ووجب عليهم (1) به العقاب ، وكان ذلك هو الاصلح لهم (2) والاصوب (3) في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد ، فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل ، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق .
   فصل : ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الاقرار به وإظهار التوحيد والايمان برسله عليهم السلام لمصلحتهم ، وأنه لا شئ أصوب في تدبيرهم من ذلك ، فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الاصلح لهم والاصوب في تدبيرهم ترك الاقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل ، وإنما تغيرت المصلحة بتغير الاحوال ، وكان في تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين ، لان كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحا منهم ومفسدة يستحقون بة العقاب الاليم .
   وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد ، فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة ، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكف عنه ، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين (4) .
   فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الائمة عليهم السلام وتدبيرهم إياهم

---------------------------
(1) ل ، ط : وحسن منه ذمهم وحر عليهم ، وفي س ، ع : جربهم ، بدلا من : حربهم .
(2) الى هنا انتهت نسخة ع ، فالاعتماد في ضبط النص يكون على نسخة : ل ، ر ، س ، ط .
(3) ر ، س : والاحق .
(4) ل ، ر : ملومون ، (*)

الفصول العشرة _ 117 _

   متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة ، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم ، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه (1) واستتاره ، ولم يكن عليه في ذلك لوم ، وكان الملوم (2) هو المسبب له بإفساده وسوء اعتقاده .
   ولم يمنع كون الصلاح باستتاره (3) وجوب وجوده وظهوره ، مع العلم ببقائه وسلامته وكون (4) ذلك هو الاصلح والاولى في التدبير ، وأنه الاصل (5) الذي أجرى (6) بخلق العباد إليه وكلفوا من أجله حسبما ذكرناه .
   فصل : فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب ، واعتقادها أن مذهب الامامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الامامة متناقض ، حسبما ظنوه في ذلك وتخيلوه ، لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الامامة ، لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم وذلك أنهم بين رجلين : أحدهما : يوجب الامامة عقلا وسمعا ، وهم البغداديون من

---------------------------
(1) ل : وتغيبته .
(2) ل ، ر : الملليم .
(3) ل ، ر : باستتار .
(4) ل ، ر ، س : كون ، بدون واو .
(5) ر ، س : للاصل .
(6) س ، ط : احرى ، والمعنى : أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة الامام هو الاصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله .

الفصول العشرة _ 118 _

   المعتزلة (1) وكثير من المرجئة (2) .
   والاخر : يعتقد وجوبها (3) سمعا وينكر أن تكون العقول توجبها ، وهم البصريون من المعتزلة (4) وجاعة المجبرة (5) وجمهور الزيدية .
   وكلهم وإن خالف الامامية في وجوب النص على الائمة باعيانهم ، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد ، فإنهم يقولون : إن وجوب اختيار الائمة إنما هو لمصالح الخلق ، والبغداديون من المعتزلة خاصة يزعمون أنه الاصلح في الدين والدنيا معا ، ويعترفون بان وقوع الاختيار وثبوت الامامة هو المصلحة العامة ، لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين إليهم العقد والنهوض (6) بالدعوة في سعة من ترك ذلك وفي غير حرج من الكف عنه ، وأن تركهم له حينئذ يكون هو الاصلح ، وإباحة الله تعالى لهم التقية في العدول عنه هو الاولى في الحكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين .

---------------------------
(1) وهم اصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم بن محمد الكعبي ويعبر عن مذهبهما بالخياطية والكعبية ، الملل والنحل 1 : 73 .
(2) ل : وهم البغداديون من المعتزلة وكثير من المعتزلة وكثير من المرجئة .
(3) ر ، ل ، س : أن وجوبها .
(4) وهم أصحاب أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وأبنه أبي هاشم عبد السلام ، ويعبر عن مذهبهما بالجبائية والبهشمية ، الملل والنحل 1 : 73 .
(5) الجبرية اصناف ، فالجبربة الخالصة : هي التى لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا ، وأما من اثبت للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل وسمي ذلك كسبا فليس بجبري ، الملل والنحل 1 : 79 .
(6) ع ، ط : النهوض ، بدون واو ، (*)

الفصول العشرة _ 119 _

   وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الامامية : في ظهور الامام وغيبته ، والقيام بالسيف وكفه عنه وتقيته ، وإباحة شيعته عند ذلك الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الاعلان ، والاعراض عن ذلك للضرورة إليه ، والامساك عن الذكر له باللسان .
   فكيف خفي الامر فيه على الجهال من خصومنا ، حتى ظنوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضاد ، وهو قولهم بعينه على السواء ، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان ، والله المستعان .

الفصول العشرة _ 121 _

الكلام في الفصل العاشر

   فاما قول الخصوم : إنه إذا كان الامام غائبا منذ ولد وإلى أن يظهر داعيا إلى الله تعالى ، ولم يكن رآه على قول ، أصحابه أحد إلا من مات (1) قبل ظهوره ، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته .
   وإذا لم يكن الله تعالى يظهر الاعلام والمعجزات على يده ليدل بها على أنه الامام المنتظر ، دون من ادعى مقامه في ذلك (2) النبوة له ، إذ كانت المعجزات دلائل النبوة والوحي والرسالة ، وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الامة كلها : أنه لا نبي بعد نبينا عليه وآله السلام .
   فصل : فانا نقول : إن الاخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الامام المنتظر عليه السلام بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته :

---------------------------
(1) ر ، ل ، س : قد مات .
(2) كذا ، ولعل الصحيح : وإذا أظهر ثبتت ... (*)

الفصول العشرة _ 122 _

   منها : خروج السفياني (1) ، وظهور (2) الدجال (3) ، وقتل رجل من ولد الحسن بن علي عليه (4) السلام يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان (5) ، وخسف بالبيداء (6) .
   وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله باكثر هذه العلامات (7) ، وأنها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات ، وهذا بعينه معجز يظهر على يده ، يبرهن به عن صحة نسبه ودعواه .

---------------------------
(1) كمال الدين 2 : 649 باب 57 ماروي في علامات خروج القائم عليه السلام ، الغيبة للنعماني : 252 حديث 9 ، الغيبة للطوسي : 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه .
(2) ل : وخروج خ ل .
(3) كمال الدين 2 : 525 باب 47 حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم عليه السلام و 2 : 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام ، الغيبة للطوسي : 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه .
(4) ل : عليهما .
(5) كمال الدين 2 : 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام ، الغيبة للنعماني : 252 حديث 9 ، الغيبة للطوسي : 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه .
(6) كمال الدين 2 : 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام ، الغيبة للنعماني : 252 حديث 9 ، الغيبه للطوسي : 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه .
(7) راجع علائم الظهور عند أهل السنة في المصنف الجزء 11 باب المهدي ، سنن ابن ماجة 2 : 23 حديث 4084 ، سنن ابي داوود 4 : 107 حديث 4286 و 158 حديث 4289 البدء والتاريخ 1 : 17 و 976 و 186 ، وللتفصيل أكثر راجع : الامام المهدي عند أهل السنة بجزأيه ، (*)

الفصول العشرة _ 123 _

   فصل : مع أن ظهور الايات على الائمة عليهم السلام لا توجب لهم الحكم بالنبوة ، لانها ليست بادلة تختص بدعوة الانبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم ، لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل .
   فإن دعا إلى اعتقاد نبوتهم (1) كانت دليلا على صدقه في دعوته ، وإن دعا الامام إلى اعتقاد إمامته كانت برهانا له في صدقه في ذلك ، وإن دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوة نبي أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبي أو إمام كان المعجز على صحة دعواه .
   وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه ، لان كان مختصا بذوي العصمه من الضلال وارتكاب كبائر الاثام ، وذلك مما يصح اشتراك أصحابه مع الانبياء عليهم السلام في صحيح (2) النظر والاعتبار .
   وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم أبنة عمران ، الاية الباهرة برزقها من السماء ، وهو خرق للعادة (3) وعلم باهر من أعلام النبوة . فقال جل من قال : كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربة قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (4) .

---------------------------
(1) س ، ط : نبوته .
(2) ر : تصحيح ، ل : التصحيح .
(3) ل : خرق العادة .
(4) آل عمران 3 : 37 ـ 38 ، (*)

الفصول العشرة _ 124 _

   ولم يكن لمريم عليها السلام نبوة ولا رسالة ، لكنها كانت من عباد الله الصالحين المعصومين من الزلات .
   وأخبر سبحانه أنه أوحي إلى أم موسى : أن أرضعيه فإذا خفت عليه فالقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين (1) .
   والوحي مع جزء من جملة معجزات الانبياء عليهم السلام ، ولم تكن أم موسى عليها السلام نبية ولا رسولة ، بل كانت من عباد الله البررة الاتقياء ، فما الذي ينكر من إظهار علم يدل على عين الامام ليتميز به عمن سواه ، لولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم (2) الشبهات المضمحلات .
  فصل : وقد أثبت في كتابي المعروف ب‍ الباهر من المعجزات (3) ما يقنع من أحب معرفة دلالتها والعلم بموضوعها والغرض في إظهارها على أيدي أصحابها ، ورسمت منه جملة مقنعة في آخر كتابي المعروف ب‍ الايضاح ، فمن أحب الوقوف على ذلك فليلتمسه في هذين الكتابين ، يجده على ما يزيل شبهات الخصوم في معناه إن شاء الله تعالى .

---------------------------
(1) القصص 28 : 7 .
(2) ر : لخصومتهم .
(3) وسماه النجاشي في رجاله : 401 بالزاهر من المعجزات .
   وهو يبحث عن معجزات الانبياء والائمة ، واثبت فيه ان المعجز غير مختص بالانبياء ، وهذا الكتاب لا اثر له الان ، (*)

الفصول العشرة _ 125 _

   فهذه جملة الفصول التي ضمنت إثبات معانيها (1) ، ليتضح (2) بذلك الحق فيها ، ليعتبر به ذوي (3) الالباب ، وقد وفيت (4) بضماني في ذلك ، والله الموفق للصواب .
   وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله ، وسلم كثيرا ، ولا حول (5) ولاقوة إلا بالله العلي العظيم وحده وحده (6) .

---------------------------
(1) ر ، ل : في معانيها .
(2) ل : ليصح .
(3) ل : من ذوي .
(4) ل : وافيت .
(5) لفظ : ولاحول ، لم يرد في ر .
(6) ر : ولا قوة إلا باللله وحده وحده ، ولفظ : وحده وحده ، لم يرد في ل ، س ، (*)