بدأ أبي حديثه عن شهر رمضان وفي صوته بحّةٍ مرتعشة ، وفي عينيه نثارة من دمع متوهّج مشتعل ، وفي روحه ينبوع من حنان متفجّر. فاسم رمضان يقترن عنده بكل المعاني العذبة الجميلة الخيّرة للصفح والسماح والبركة والرّحمة والمغفرة والرّضوان.
ومن أجل أن يثبّت قناعاته تلك ويُوثق مشاعره نقلني الى مشهد يعبق بعطر الجلال ووسامة المهابة ... الى حيث يقف رسول الله صلى الله عليه وآله محاطاً بأهل بيته واصحابه يخطب فيهم ، فيقول : «أيّها الناس اِنّه قد أقبل اِليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الاَيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه ، فاِن الشّقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم.
أيّها الناس اِن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة ، فسلوا ربكم أن لا يغلقها عليكم ، وابواب النيران مغلقة ، فسَلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة، فسلوا ربّكم أن لا يسلطها عليكم».
قرأ ذلك ، ثم أنعطف بي الى شقٍ من خطبة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وكأنّه يريد ان يشير لي الى ما ينبغي عليّ عمله في هذا الشهر المبارك فقرأ عليَّ قوله صلى الله عليه وآله : «أيّها الناس من فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».
قيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله : «اِتّقوا النار ولو بشقّ تمرة ... اِتقوا الله ولو بشربة من ماء ، فاِن الله تعالى يهب ذلك الاَجر لمن عمل هذا اليسير اِذا لم يقدر على اكثر منه ...
يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الاَقدام، ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفَّف الله عليه حسابه ، ومن كفَّ فيه شرّه كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه وصلّه الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور».
وما أن أنتهى بي الى هذا الموضع من خطبة النبي صلى الله عليه وآله حتى تناول بالنقد والتجريح بعضاً من المظاهر السلوكيّة لصائمين يظنّون أن الصوم هو الامتناع عن الاكل والشرب فقط ، موثقاً تجريحه ذاك بحديث للاِمام عليّ عليه السلام قال فيه : «كم من صائمٍ ليس له من صيامه اِلاّ الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه اِلاّ العناء».
ثمّ أردف بحديث آخر للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «اِذا أصبحت صائماً فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك»، وقال عليه السلام أيضاً: «اِن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فاِذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب ، وغضّوا أبصاركم عمّا حَرَّمَ الله، ولا تنازعوا ، ولا تحاسدا، ولا تغتابوا ولا تسابّوا ، ولا تشاتموا ، ولا تظلموا .... واجتنبوا قول الزور، والكذب والخصومة ، وظنّ السوء، والغيبة ، والنميمة، وكونوا مشرفين على الاَخرة، منتظرين لاَيامكم ، منتظرين لما وعدكم الله، متزوّدين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار، والخشوع والخضوع ، وذلّ العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين».
ثمّ قصَّ عليّ بعد ذلك قصة حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد سمع النّبيّ صلى الله عليه وآله: امرأة تسبَّ جارية وهي صائمة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله بطعام فقال لها: «كلي» ، فقالت: اِنّي صائمة يا رسول الله «كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك اِن الصوم ليس من الطعام والشراب وانّما جعل الله ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش من الفعل والقول، ما أقلَّ الصوّم وأكثر الجوع».
قلت لاَبي وقد تملّكتني رهبة وشدَّني خشوع مهيب: يجب عليَّ اِذن أن أصوم شهر رمضان هذه السنة، ولكن كيف أعرف أن رمضان قد بدأ حتى أصومه ؟
ـ تعرف ذلك بثبوت رؤية هلال رمضان في بلدك أو في البلاد القريبة منه التي تشاركه في الافق بمعنى أن تكون الرؤية الفعليّة للهلال فيها ملازمة لرؤيته في بلدك لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك.
ـ وبماذا تثبت رؤية الهلال ؟
ـ تثبت بما يأتي:
1 ـ أن ترى الهلال بنفسك.
2 ـ أن يشهد رجلان عادلان برؤيته مع عدم علمك باشتباههما وعدم معارض لشهادتهما .
3 ـ أن يمضي ثلاثون يوماً من شهر شعبان فتعرف أن شهر شعبان قد انتهى بالتأكيد وبدا شهر رمضان اليوم.
4 ـ ان يشيع ويشتهر عند الناس رؤية هلال رمضان فتجزم أو تطمئن برؤيته.
واِذا لم أعرف أول الوقت هل ثبت هلال رمضان فأصوم غداً أو لم يثبت، فهل أصوم وأنا لا أدري أن يوم غد هو آخر يوم من شعبان أو أنّه أول يوم من رمضان ؟
ـ صمه على أنّه من شعبان ، فاِذا تبيّن بعد ذلك أثناء النّهار أنّه من رمضان عدلت عن نيّة شعبان وحسب لك من رمضان ولا شيء عليك.
ويجوز لك أن لا تصوم يوم الشك.
وكيف أعرف أن شهر رمضان قد أنتهى وأنّ شهر شوال قد بدأ فأفطر ؟
ـ بنفس الطريقة المتقدّمة التي عرفت بها بداية شهر رمضان بأن ترى هلال شهر شوال بنفسك أو ... أو ...
نعم ... نعم ، واِذا ثبت لديّ أن هلال رمضان قد هلَّ ؟
ـ وجب عليك الصوم وعلى كل مسلم ، بالغ ، عاقل ، آمِنٌ من ضرر الصوم عليه ، حاضر غير مسافر ولا مغمى عليه.
وبالنسبة للنساء يجب الصوم على المرأة الطاهرة من الحيض والنفاس ، فالحائض والنفساء لا تصوم ، وتقضي ما فاتها من صيام شهر رمضان بعد ذلك.
واِذا خاف الانسان على نفسه من الصوم ؟
ـ لا يصوم من خاف على نفسه الاِصابة بمرض جرّاء الصوم، أو اشتداد مرض، أو تأخير شفاء مرض أو زيادة ألمه كل ذلك بالمقدار المتعدِّ به الّذي لم تجر العادة بتحمّله.
والمسافر ؟
ـ اِذا سافر بعد الزوال [ بقي على صيامه ]، واِذا سافر قبل الفجر أفطر .
واِذا سافر بعد الفجر ؟
ـ اِذا سافر بعد الفجر [لا يصح منه الصوم سواء كان عازماً على السفر من الليل أم لم يكن] وعليه القضاء.
اِذا أردتُ أن أصوم فكيف أصوم ؟
ـ تنوي الصوم من أوّل الفجر الى غروب الشمس قربةً الى الله تعالى.
ـ ألا يعني الصوم الامساك ؟
ـ نعم .
فاذا نويت الصوم فعن أي شئ امسك ؟
ـ تمسك عن عدّة امور تسمى بالمفطرات وهي تسعة:
1 ، 2 ـ تعمد الاكل والشرب قليلاً كان أو كثيراً.
واِذا لم أتعمّد بل نسيت أنّي صائم فأكلت وشربت ؟
ـ ما دمت غير عامد فصومك صحيح.
وهل يحق لي ان أغسل فمي بالماء ثم أرمي بالماء خارجا ً؟ـ
ـ نعم يحق لك ذلك ولكن اِذا كان ذلك لغرض التبرّد فسبق الماء ونزل الى حلقك وجب عليك القضاء وان نسيت فابتلعت فلا قضاء عليك.
وهل يحق لي أن أغمس رأسي في الماء مع الاَمن من وصول الماء الى حلقي ؟
ـ نعم يحق لك ذلك وان كان مكروهاً كراهة شديدة.
3 ـ [تعمّد الكذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وآله أو على الاَئمة المعصومين عليهم السلام].
4 ـ تعمّد الاتصال الجنسي (أو الجماع) في القبل أو الدبر فاعلاً أو مفعولاً به.
والزوج الصائم والزوجة الصائمة ؟
ـ يحق لهما ممارسة الجنس (الجماع) في ليل شهر رمضان فقط لا نهاره.
5 ـ الاستمناء أو ممارسة «العادة السرية» بأيَّة صورة من الصور.
6 ـ تعمّد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، فلو أجنب الانسان لاَيِّ سبب كان أثناء الليل، وجب عليه أن يغتسل قبل أن يطلع الفجر، حتى يطلع عليه الفجر وهو طاهر فيصوم.
ولو أجنبت أثناء الليل ولم أتمكّن من الاغتسال لمرضٍ مثلا ؟
ـ تتيمّم قبل الفجر.
والمرأة ؟
ـ اِذا نقت المرأة من الحيض أو النفاس ليلاً وجب عليها أن تغتسل حتى يطلع عليها الفجر وهي طاهرة فتصوم.
ولو احتلمتُ فنزل مِنّي السائل المنوي أثناء النهار وأنا صائم ، ولما أفقت من نومي وجدت نفسي مجنباً ؟
ـ احتلام الصائم لا يفسد صومه ، فلو أفاق في أيّة ساعة من ساعات النّهار فوجد نفسه مجنباً لم يضرّ ذلك بصحة صومه وان لم يغتسل من جنابته .
7 ـ [ تعمّد اِدخال الغبار أو الدخان الغليظين الى الحلق] .
8 ـ تعمّد القيء .
واِذا لم يتعمّد الصائم القيء بل ألقي ما في معدته دون عمد ؟
ـ لا يضرّ ذلك بصومه .
9 ـ تعمّد الاحتقان بالماء أو بغيره من السوائل .
ولو تعمّد الصائم فارتكب اِحدى المفطرات مارّة الذكر ؟
ـ يلزمه الامساك حسب التفصيل التالي:
أ ـ اذا بقي على الجنابة متعمداً الى طلوع الفجر امسك في النهار [وليكن امساكه بقصد القربة المطلقة اي بقصد امتثال الامر المتوجه اليه من دون تعيين كون الامساك للامر بالصوم في شهر رمضان او للتأدب].
ب ـ اذا تعمّد الكذب على الله أو على رسوله أو استنشق الدخان او الغبار الغليظين [امسك بقية يومه برجاء المطلوبية اي باحتمال كون الامساك مطلوباً فيه شرعاً اما للامر بالصوم او للامر بالامساك تأدباً ] .
جـ ـ واذا افطر باحد المفطرات الاخرى [ امسك بقية يومه تادباً برجاء مطلوبيته ] .
ويجب عليه بالاضافة الى ذلك أن يقضي اليوم الذي أفسد صومه بالافطار وأن يكفر اما بتحرير رقبة أو باطعام ستين مسكيناً أو بصوم شهرين متتابعين عن كل يوم أفطره سواء أكان افطاره بشيء محلّل كشرب الماء أم بشيء محرم كشرب الخمر أم الاستمناء .
وكيف يتمّ اطعام ستين مسكيناً ؟
ـ تارة يكون باطعامهم مباشرة فيشترط حينئذٍ اشباعهم أي تمكينهم من الطعام الجاهز للاَكل بمقدار ما يشبعهم .
وأخرى بالتسليم اِليهم فيجب عندئذٍ ان تعطيهم « ثلاثة أرباع الكيلو غرام » تقريباً من التمر أو الحنطة أو الطحين أو الرز أو الماش أو غيرها مما يسمّى طعاماً عن كل يوم ولا يجوز لك دفع المال له بدل الطعام بل الطعام وحده دون سواه ، أو توكله أن يشترّيه عنك ثم يتملكه لنفسه .
واِذا أفطرت يوماً من رمضان لعذر كالمرض المانع من الصوم أو السفر مثلاً ؟
ـ يجب عليك القضاء حينئذٍ بأن تختار يوماً من أيام سنتك غير العيدين فتصومه عوضاً عن ذلك اليوم الذي مرضت فيه أو سافرت فيه.
واِذا استمرّ بي المرض ذاك الذي منعني من صوم رمضان الى رمضان الاَتي ؟
ـ سقط عنك القضاء حينئذٍ ووجبت عليك الفدية ، وهي أن تتصدّق عن كل يوم بثلاثة أرباع الكيلو من الطعام تقريباً.
وقبل أن اُودع حواريّة الصوم قال أبي أحبّ أن أشير الى ما يأتي:
1 ـ لا يجوز صوم يومي العيدين « عيد الفطر وعيد الاََضحى » قضاء ، ولا غير قضاء .
2 ـ [ يجب على الولد الاَكبر قضاء ما فات أباه من الصوم لعذر مما وجب عليه قضاؤه ولم يقضه مع تمكّنه منه اِذا لم يكن الولد الاَكبر حين موت أبيه قاصراً أو ممنوعاً من اِرثه] .
3 ـ وردت الرخصة في أفطارشهر رمضان لاَشخاصٍ معدودين لم يجب عليهم صيام رمضان منهم:
أ ـ الشيخ والشيخة اِذا تعذّر عليهما الصوم، أو كان يسبّب لهما حرجاً ومشقة وفي هذه الحالة ـ أي المشقّة ـ يجب عليهما الفدية عن كل يوم أفطرا فيه ، ومقدارها ثلاثة أرباع الكيلو غرام تقريباً ، من الحنطة وهي أفضل من سواها ، ولا يجب عليهما قضاء الصوم.
ب ـ الحامل المقرب التي يضر بها الصوم أو يضرّ بحملها ، ويجب عليها القضاء بعد ذلك.
جـ ـ المرضعة القليلة اللبن اِذا أضرّ بها الصوم أو أضرّ بولدها [وأنحصر الارضاع بها] واِلاّ لم يجز لها الافطار، واِذا جاز لها الافطار فعليها القضاء بعدئذٍ كما يجب عليهما ـ الحامل والمرضعة التكفير عن كل يوم أفطرتا بـ 3|4 الكيلو غرام تقريباً.
4 ـ وكما أن الصلاة واجبة ومستحبة ، فالصوم واجب ومستحب أيضاً. بل هو من المستحبّات المؤكّدة، فقد ورد في الروايات أنه «جُنّةٌ من النّار» وأنّه «زكاة الابدان» و «به يدخل العبد الجنّة» وأن «نوم الصائم عبادة ونَفَسهُ وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ودعاؤه مستجاب» و«للصائم فرحتان فرحة عند الافطار وأخرى حين يلقى الله عزّ وجل».
وقد نصّت الروايات على استحباب:
أ ـ صوم ثلاثة ايام من كل شهر، والاَفضل صوم أوّل خميس من الشهر واَخر خميس منه، وأوّل أربعاء من العشرة الثانية منه.
ب ـ صوم يوم مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ويوم مبعثه.
جـ ـ صوم يوم الغدير.
د ـ صوم يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.
هـ ـ صوم يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.
و ـ صوم شهر رجب كله أو بعضه.
ز ـ صوم شهر شعبان كلّه أو بعضه.
وغير هذه كثير لا يسع المجال لذكرها هنا.
5 ـ وأخيراً ذكر لي أبي هذه الرواية عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام : «ان من تمام الصوم اعطاء الزكاة» يعني زكاة الفطرة.
ثم أردف قائلاً يجب على كل بالغ عاقل مالك لقوت سنته أن يخرج زكاة الفطرة عن نفسه ومن يعول به ، قريباً كان أو بعيداً ، صغيراً كان أو كبيراً ، حتى ضيفه اِذا نزل به قبل دخول ليلة عيد الفطر[ أو بعد دخولها] وانضّم الى عياله فعدَّ ممّن يعول به.
ومقدار زكاة الفطرة عن كل نفسٍ «ثلاثة كليو غرامات» من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو غيرها مما يكون قوتاً غالباً أو ما هو بقيمتها من النقود ، يخرجها أو يعزلها ليلة العيد ، أو يوم العيد [قبل صلاة العيد لمن صلاها] واِلى الزوال لمن لم يصلّها.
يدفعها للفقراء والمساكين ممن تحل عليهم زكاة المال «انظر حواريّة الزكاة»
علماً بأنّه لا تحل زكاة غير الهاشمي على الهاشمي اِن كان الدافع غير هاشمي.
ولا تعطى زكاة الفطرة لمن تجب نفقته على دافع الزكاة كالاَب أو الاَم أو الزوّجة أو الولد.
بِوَلِهِ عاشقٍ قديم لم يندمل بعد جرح عشقه ، وبحرقة مولع متيم عاد لتوه من نعمى لقاء باذخ ، راح أبي يقصٌّ عليَّ حجّته الاولى، وفي عينيه فتور مستثار ، وعلى لسانه حذر ناعم، وفوق فمه ابتسامة مشربة بحبٍ تحاول أن تفصح عن نفسها، فيمنعها ـ كما يبدو ـ حياء مهيب ووقار وجلال بهي.
قلت لاَبي ـ وقد استثارتني حالته تلك ـ : أراك تتحّدث عن حجتك الاولى كما يتحدّث مغرم عن سعادة وصاله الاَول.
قال ـ وقد تهدج صوته وتكسّر وهو يخاطبني ـ: وأنا أستعيد معك الاَن شريط ذكريات ذلك الشوط الممتع، أسترجع بشوق دافق دفَ وعذوبة ونشوة ذلك الهوى الممضِّ المبرح المغروس في القلب:
ألم تقرأ قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ).
وقوله تعالى ـ على لسان نبيّه اِبراهيم عليه السلام ـ بسم الله الرحمن الرحيم: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ).
وها هو ذا فؤادي يهفو ثانيةً الاَن كما هفا أوّل مرّةٍ لذلك البيت الطاهر في الوادي المقفر، المسكون بجلال الوحي، الخصيب بالنور والطيب والعشق الخالص والجمال والمحبّة.
قال أبي ذلك ، ثم أطرق اِطراقة خفيفة وأنشد بصوت خفيض مناجياً نفسه :
أيـا مـهجتي وادي الـحبيب iiمحمد خصيب الهوى والزرع غير خصيب هـنا الكعبة الزهراء والوحي iiوالشذا هـنا النور ، فافني في هواه iiوذوبي ويـا مـهجتي بـين الحطيم iiوزمزم تـركت دمـوعي شـافعاً iiلـذنوبي لـثمت الـثرى سبعاً وكحلت iiمقلتي بـحسن كـأسرار الـسماء iiمـهيب وفـي الكعبة الزهراء زينت iiلوعتي وذهّـبَ أبـواب الـسماء نـحيبي |
ثم رفع رأسه وخاطبني قائلاً : هكذا تعلق قلبي بالحجّة الاولى، وما أن يحل موسم ذلك اللقاء السنوي حتى أحنّ له ، وقد كنت دعوت ربّي هناك أن يرزقني سعادة الحج ثانية وثالثة ورابعة.
وقاطعت أبي باستغراب:
أو يجب أن يحج حجة أولى ثمّ ثانية وثالثة ورابعة ؟
ـ كلاّ ، بل يجب عليك أن تحّج مرّة واحدة بعد استطاعتك ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).
أمّا الحجة الثانية والثالثة والرّابعة فهي من المستحبّات.
قصَّ علي اِذن قصّة حجّتك الاولى تلك التي ولعت بها ؟
ـ بعد أن وصلت « الجحفة » وهي احدى الاماكن التي حددتها الشريعة الاسلاميّة للاحرام وأسمتها بـ (مواقيت الاحرام) بعد ان وصلتها ونويت الاحرام للعمرة المتمتع بها الى الحج متقرَباً الى الله تعالى خلعت ملابسي ولبست ثوبي الاحرام وهما قميص واِزار أبيضان، ثم لبّيت فقلت بلغةٍ عربيّة صحيحة : « لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، اِن الحمد والنّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك » .
وما أن قلتُ « لبّيك » حتى ارتعدت مفاصلي ، فقد تملكتني حالة من الرّهبة والخشوع لم أعهدهما في نفسي من قبل ، فتذكّرت حينها ما كان يعتري اِمامك عليه السلام من رهبة واصفرار لون وتعثّر لسان وتلكؤ ساعة التلبية خشية من الله عزّ وجل وفرقاً منه .
ومذ أحرمتُ فقد حرم عليَّ الممارسة الجنسية بكل أنواعها واشكالها ، واستعمال الطيب ، والنظر في المرآة للزّينة ، والاستظلال من الشمس [ والمطر ] ، ولبس المخيط وما بحكمه والجورب وستر الرأس، وغيرها مما نصّت عليه كتب الفقه .
وبعد أن أحرمتَ .
ـ بعد أن أحرمتُ توجّهت الى مكة المكرمة وأنا متطهّر ، لاَطوف حول البيت العتيق أشواطاً سبعة مبتدئاً بالحجر الاَسود ومختتماً به ، مصلّياً بعد فراغي من الطواف ركعتين كصلاة الصبح خلف مقام اِبراهيم عليه السلام متقرباً بكل أعمالي من العمرة والحج الى الله تعالى.
بعد ذلك توجّهت للسعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة كذلك مبتدئاً بالصّفا ومختتماً بالمروة.
ولما أتممت شوطي السابع بالمروة قصَّرتُ فقصصت شيئاً من شعر رأسي.
وبالتقصير أتممت عمرة الحج، وتحللت من اِحرامي منتظراً حلول اليوم الثامن من ذي الحجة «يوم التروية» لاَحرم من مكة نفسها مرّة أخرى، ولكنّ الاحرام للحج هذه المرة لا للعمرة.
وما أن حلَّ اليوم الثامن حتى لبست مئزري وقميصي ثانية، ونويت لاِحرام الحج، ولبّيت ، ثمَّ توجهت لعرفات بسيارة مكشوفة حيث يجب عليَّ أن أقف هناك وأكون، بدءاً من أوّل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة الى غروب الشمس.
ولما غربت شمس اليوم التاسع وأنا بعرفات توجّهت الى «المزدلفة» فبت فيها ليلة العاشر من ذي الحجة، حيث يجب أن يطلع عليَّ فجر اليوم العاشر وأنا بالمزدلفة وأن أبقى بها الى قبيل طلوع الشمس.
وحين طلعت شمس اليوم العاشر أفضتُ من المزدلفة الى «منى» ومعي حصيّات التقطتها من المزدلفة، حيث تنتظرني بمنى ثلاثة واجبات يوم ذاك عليَّ أن اُوديها وهي:
1 ـ رمي جمرة العقبة بسبع حصيّات واحدة تلو الاخرى.
2 ـ النحر أو ذبح الهدي بمنى.
3 ـ الحلق بمنى.
وحين أتممتها وحلقت تحللت من ما عدا الاستمتاع بالنساء والطيب [والصيد]، فتوجّهت ثانية الى مكة لاَطوف طواف الحج، واصلي صلاة الطواف، واسعى بين الصفا والمروة ، كما طفت وصليّت وسعيت أول وصولي الى مكة ، ولما أتممتها طفت طواف النساء ، وصليت صلاة الطواف، ثم عدت بعد ذلك كله الى منى حيث يجب عليَّ أن أبيت هناك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر، وأبقى بمنى حتى ما بعد ظهر اليوم الثاني عشر ، رميت خلال هذه الفترة الجمرات الثلاث الجمرة الاولى والوسطى والعقبة بالترتيب في اليوم الحادي عشر ثمّ عدت فرميتها ثانية في اليوم الثاني عشر كما رميتها سابقاً.
ولما حلَّ ظهر اليوم الثاني عشر وتجاوز ، وأنا بمنى صليّت الظهر ثمّ غادرتها وقد انتهيت من كل واجبات الحج.
ورغم الزحام الشديد والشمس اللاهبة والرمل الحارق، ورغم أنّي أجهدت نفسي ـ كما هو المفروض ـ لاَتأكّد تماماً من أنّي واقف بعرفات لا خارجها ، وانّي بالمزدلفة لا خارجها ، وانّي بمنى لا خارجها ، رغم ذلك فقد كان الحج موسماً خصباً للتوسل بالله عزّ وجل والتقرّب اِليه والتعلّق به والوقوف بين يديه والتلذّذ بمناجاته ليل نهار .
بعد ذلك غادرت مكة المكرّمة ـ وكليّ شوق لها، وأسف ممضٌ على فراقها ـ للمدينة المنورّة حيث تشرفّت بزيارة قبر النبي الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وقبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وقبور أئمة البقيع عليهم السلام «الاِمام الحسن عليه السلام والاِمام علي بن الحسين عليهما السلام والاِمام محمد الباقر عليه السلام والاِمام جعفر الصادق عليه السلام».
ثمّ زيارة المساجد والمشاهد المشرفة حول المدينة المنورة وزيارة قبر حمزة عمّ النبي صلى الله عليه وآله.
هذه باختصار قصّة حجّتي الاولى أوجزتها لك الاَن، وحين تملك مالاً تستطيع به الحج بعد تطهيره باخراج زكاته وخمسه لو تعلّق به خمس أو زكاة، وحينئذٍ سأشرح لك بالتفصيل كل خطوة تخطوها هناك.
وفقك الله لزيارة بيته الحرام، ونفع بك هناك اِنّه قريب مجيب.
قبل أن تنهي حواريّتنا هذه يا أبتي أحبّ أن أسألك عن «تطهير الاموال» زكاتها وخمسها تلك التي ذكرتها في حديثك.
ـ ليس الاَن، فالحديث عن الزكاة والخمس يطول. وسنفرد لكل منهما حوارية خاصة بها اِن شاء الله.
ستحدّثني عن الزكاة اِذن في حوارّيتنا القادمة، وبعدها عن الخمس.
ـ كما تحب اِن شاء الله تعالى.
اِن شاء الله.
الزكاة ركنٌ من أركان خمسة بني عليها الاِسلام ـ قال أبي ـ وهي من ضروريات الدين ، ولاَهميتها الكبيرة فقد ورد في الحديث الشريف : « أن الصلاة لا تقبل من مانع الزكاة » ذكر ذلك أبي وأضاف : لما نزلت آية الزكاة بسم الله الرحمن الرحيم ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) أمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس : « اِن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة » ولما حال الحول أمر صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في المسلمين : « أيّها المسلمون زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم » ، ثم وجه صلى الله عليه وآله عمال الصّدقة لقبضها من الناس .
وقال أبي : بينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد اِذ قال : « قُم يا فلان ، قُم يا فلان قُم يا فلان . قُم يا فلان » ، حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : « اُخرجوا من مسجدنا ، لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون » .
وأردَف أبي قائلاً وقد علت وجهه سحابة معتمة كئيبة وهو ينقل لي حديثاً عن الاِمام أبي جعفر عليه السلام جاء فيه : « اِن الله عزّ وجل يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم ، مشدودة أيديهم الى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة ، معهم ملائكة يعيِّرونهم تعييراً شديداً، ويقولون هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير ، هؤلاء الذين أعطاهم الله ... فمنعوا حق الله عزّ وجل من أموالهم».
ومما لاحظته وأنا أتلو كتاب الله عزّ وجل مرة تلو أخرى ـ قال أبي ـ اِن القرآن الكريم كثيراً ما يقرن الزكاة بالصلاة في اَياته الكريمة، مما يكشف عن مدى أهمّيتها في التشريع الاِسلامي.
وحين سألت أبي عن وضع الزكاة أجابني بحديث للاِمام الصادق عليه السلام قال فيه: «انّما وضعت الزكاة اختباراً للاغنياء، ومعونة للفقراء ، ولو أن النّاس ادّوا زكاة اموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً، ولا ستغنى بما فرض الله له ، واِن النّاس ما افتقروا، ولا احتاجوا ولا جاعوا ، ولا عروا اِلاّ بذنوب الاغنياء، وحقيق على الله تبارك وتعالى أن يمنع رحمته ممن منع حق الله ... من ماله».
وسألته: أفي كل ما تجب الزكاة ؟
قال مجيباً : تجب الزكاة فيما يأتي:
الاول: في النقدين الذهب والفضّة بشروط.
الثاني: في الحنطة والشعير والتمر والزبيب بشروط كذلك.
الثالث: في الاِبل والبقر والجاموس والاَغنام بقسميها المعز والضأن وبشروط هي الاَخرى.
الرابع: [في مال التجارة] وبشروط كذلك.
وما الشروط الواجب توفّرها في النقدين الذهب والفضة تلك التي أشّرت اليها في حديثك ؟
ـ شروط عدّة:
1 ـ أن تبلغ كمية الذهب خمسة عشر مثقالاً صيرفيّاً وزكاتها (5|2%) وكلّما زادت ثلاثة مثاقيل وجب اِخراج 5|2% منها زكاة.
أما الفضة فيجب أن تبلغ كميتها مائة وخمسة مثاقيل وزكاتها 5|2% ، وكلما زادت كمّيتها واحداً وعشرين مثقالاً وجب اِخراج 5|2% منها زكاة.
واِذا قلت كميّة النقدين عن الحدّ المذكور ؟
ـ لا تجب فيها الزكاة.
2 ـ أن يمضي عليهما أحد عشر شهراً ويدخل عليهما الشهر الثاني عشر وهما في ملك المالك.
3 ـ أن يكونا ـ الذهب والفضّة ـ مسكوكين عملة رائجة للتّداول اليومي في البيع والشراء.
وسبائك الذّهب والحلي المصنوعة من الذهب أو الفضة وقطع الذهب والفضّة الاُخرى ؟
ـ لا تجب فيها الزكاة.
4 ـ تمكّن المالك من التصرّف فيه في تمام الحول ، فلا تجب الزكاة في المال الضائع مدّة معتدّاً بها عرفاً.
5 ـ كمال المالك بالبلوغ والعقل ، فلا تجب الزكاة في النّقدين من أموال الصبي والمجنون.
(الثاني) مما تجب فيه الزكاة: الحنطة والشعير والتّمر والزبيب ، وتجب فيها الزكاة اِذا بلغت كمّية كل منها بعد يبسها ثلاثمائة صاع وهذا يقارب ـ فيما قيل ـ «847 كغم» تقريباً ، ومقدار الزكاة الواجب فيها كما يلي:
أ ـ اِذا سقيت بماء المطر أو بماء النهر أو ماشابههما بحيث لا يحتاج سقي الزرع الى مجهود تكون زكاتها حينئذٍ «10%».
ب ـ اِذا سقيت باليد أو بالاَلة كالمضخّات أو ما شابههما تكون زكاتها حينئذٍ «5%».
جـ ـ اِذا سقيت بالمطر تارة وباليد أو بالاَلة اُخرى تكون زكاتها حينئذٍ «5|7%»، اِلاّ اِذا كان أحد السقيين قليلاً جدّاً بحيث لا يعتدّ به فينسب اِلي السقى الغالب.
واِذا قلَّت كميّة المحصول عن ثلاثمائة صاع بعد يبسه ؟
ـ اِذا قلّت عن الحّد المقرر للزكاة فلا زكاة فيها.
وهل هناك شرط آخر ؟
ـ نعم ... ان يكون المحصول مملوكاً للمكلف حين تعلق الزكاة به ، فلو تملكه بعد ذلك الحين لم يجب عليه اداء زكاته.
ومتى تتعلق الزكاة بالمحاصيل الاربعة ؟
ـ تتعلق بها حينما يصدق اسم الحنطة أو الشعير أو التمر أو العنب.
(الثالث) مما تجب فيه الزكاة: المعز والضأن، والاِبل، والبقر والجاموس.
ويشترط في وجوب زكاتها اُمور:
1 ـ بلوغ عددها النصاب، وهو رقم معيّن اِذا بلغته وجبت فيها الزكاة.
ففي الابل: اِذا بلغ عددها خمساً فزكاتها شاة، واِذا بلغ عشراً فزكاتها شاتان ، واِذا بلغ خمس عشرة فزكاتها ثلاث شياه ، واِذا بلغ عشرين فزكاتها أربع شياه ، واِذا بلغ خمساً وعشرين فزكاتها خمس شياه ، واِذا بلغ ستاً وعشرين فزكاتها ناقة في السنة الثانية من عمرها، واِذا بلغ ستاً وثلاثين فزكاتها ناقة في السنة الثالثة من عمرها.
وهناك غيرها من الاَرقام لا يسع المجال هنا لذكرها.
وفي الغنم: اِذا بلغ عددها أربعين فزكاتها شاة ، واِذا بلغ مائة وواحداً وعشرين فزكاتها شاتان ، واِذا بلغ مائتين وواحداً فزكاتها ثلاث شياه ، واِذا بلغ ثلاثمائة وواحداً فزكاتها اربع شياه ، واِذا بلغ أربعمائة أو أكثر فزكاتها عن كل مائة شاة واحدة ، مهما بلغ عددها.
وفي البقر والجاموس: اِذا بلغ عددها ثلاثين فزكاتها تبيع دخل في السنة الثانية من عمره ، واِذا بلغ العدد أربعين فزكاتها مسنّة دخلت في السنة الثالثة من عمرها من البقر أو الجاموس.
ولا زكاة فيما بين النصابين أو الرقمين المحددّين في الاِبل والبقر والغنم، فاِذا ما زاد العدد عن النصاب فلا زكاة عليه حتى يصل الى النصاب الجديد.
2 ـ أن تكون الحيوانات سائمة ترعى في أرض الله، أمّا اِذا كانت معلوفة يعطيها صاحبها علفها ولو في بعض السنة فلا زكاة فيها [ ولا يعتبر في الحيوانات ان لا تكون عوامل، فتجب فيها الزكاة وان استعملت في السقي أو النقل أو نحو ذلك لفترةٍ معتدة بها].
3 ـ تمكّن المالك أو وليّه من التصرّف فيها في تمام الحول، فلو سرقت فترة معتداً بها لم تجب الزكاة فيها.
4 ـ ان يمضي عليها احد عشر شهراً ويدخل الشهر الثاني عشر وهي في ملك المالك.
(الرابع) مما [تجب فيه الزكاة: مال التجارة]: وهو المال الّذي يتملكه الشخص بقصد المعاوضة قاصداً به الرّبح والتجارة.
وزكاته ( 5|2 %) اِذا اجتمعت الشروط التالية:
1 ـ بلوغ المالك وعقله.
2 ـ بلوغ المال حّد النصاب وهو نصاب أحد النقدين الفضة أو الذهب، راجع نصاب النقدين.
3 ـ مضيّ الحول عليه بعينه من حين قصد الرّبح والتجارة.
4 ـ بقاء قصد تحصيل الربّح طول الحول، فلو عدل ونوى به القنية، أو الصرف في المؤنة في أثناء الحول لم تجب فيه الزكاة.
5 ـ تمكّن المالك من التصرّف فيه تمام الحول.
6 ـ أن يطلب براس المال أو بزيادة عليه طول الحول.
واِذا أخرجت الزكاة فلمن أدفعها ؟
ـ تدفع الزّكاة للمستحقّين وهم ثمانية أصناف بشروط ، قال تعالى: (اِنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).
وما الفرق بين الفقير والمسكين ؟
ـ الفقير والمسكين: كلاهما من لا يملك قوت سنته لنفسه ولعياله وليست له صنعة أو حرفة مثلاً يتمكن بها من توفير قوت نفسه وعياله ، والمسكين أسوأ حالاً من الفقير.
ومن هم العاملون عليها ؟
ـ العاملون عليها: هم المنصبَّون هم من قبل النبي صلى الله عليه وآله أو الاِمام عليه السلام أو الحاكم الشرعي أو نائبه لقبض الزكاة وحسابها واِيصالها اِليهم او اِلي المستحقين.
والمؤلّفة قلوبهم ؟
ـ المؤلّفة قلوبهم : هم المسلمون الّذين يعزّز اسلامهم بدفع المال اِليهم، أو الكفّار بهدف جلبهم الى الاِسلام، أو مساعدتهم المسلمين في الدفاع عن أنفسهم.
وتجدر الاِشارة الى انه لا ولاية للمالك في صرف الزكاة على الصنفين المتقدمين بل ذلك منوط برأي الاِمام عليه السلام ونائبه.
وفي الرقاب ؟
ـ في الرقاب: وهم العبيد يشترون ويُعتقون.
والغارمون ؟
ـ الغارمون: هم المدينون العاجزون عن تسديد ديونهم المشروعة.
وفي سبيل الله ؟
ـ في سبيل الله : هو مصرف جميع سبل الخير العامّة كبناء المساجد والجسور وغيرها [وفي صرف هذا السهم ايضاً لابد من اذن الحاكم الشرعي ] .
وابن السبيل ؟
ـ ابن السبيل : هو المسافر المنقطع، ذاك الذي نفدت أمواله ولا تتيسر له اِستدانة نفقة العود او يحرجه ذلك [ كما لا يتيسر له بيع بعض امواله التي في بلده أو ايجارها ليعود ببدله اليه ] فانه تدفع له نفقة العود بشرط ان لا يكون سفره في معصية .
هذه هي أصناف المستحقّين ، غير أنّه يشترط فيمن تدفع له الزكاة منهم أن يكون مؤمناً [ وأن لا يكون تاركاً للصلاة أو شارباً للخمر أو متجاهراً بالمنكرات ] وان لا يكون ممّن يصرف الزكاة في المعاصي [ بل وأن لا يكون في الدفع اِليه اِعانة على الاِثم واِغراء بالقبيح واِن لم يكن يصرفها في المعاصي] .
ويشترط أيضاً أن لا يكون ممن تجب نفقته على دافع الزكاة كالزّوجة، وأن لا يكون المستحق هاشمياً ، هذا ويحق للهاشمي فقط أن يدفع زكاته للهاشمي مثله .
دلف أبي لقاعة الحوار اليوم وبين يديه مصحف كريم ، وعلى تقاطيع وجهه هيبة طاغية ، وما أن جلس قبالتي حتى انحنى على مصحفه الشريف فقبّله ثم رفعه بكلتا يديه اِجلالاً له وناولني أيّاه.
ولما تلّفقته منه واحتضنته بكلتا يدي وقبّلته ، سرت في جسدي رهبة آسرة ، واحتواني جلال مهيب ، واِذ استقر مصحفه بيدي قال أبي:
ـ افتح كتاب الله واتل على مسامعي بعضاً من بداية الجزء العاشر منه.
ففتحت المصحف الشريف وأخرجت الجزء العاشر وتلوت بعد ان استعذت بالله من الشيطان الرجيم قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ).
فقاطعني أبي قائلاً:
ـ أعد على مسامعي ما تلوت.
فأعدت تلاوة قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ).
قال: كفي ... كفي ... ثم أطرق قليلاً وأعاد كمن يُحدِّث نفسه (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) ورفع رأسه اِليَّ واردف بنبرة حازمة قائلاً:
ـ يقول الله سبحانه وتعالى: (واعلموا) فهل علمت بوجوب الخمس ؟
قلت ـ وقد اجتاحتني موجة من طمأنينة واثقة ورهبة وخوف: نعم ...نعم ... علمت.
ثم قام من مقعَده وناولني ثانية مجلداً كان قريباً منه يسميّه «الوسائل» فقرأت على وجه صفحته الاولى اسم مؤلّفه «محمد بن الحسن الحر العاملي» وقال لي : أخرج لي منه كتاب الخمس واقرأ.
فاخرجت كتاب الخمس وقرأت له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله والاِمام عليّ عليه السلام والاِمام الباقر عليه السلام والاِمام الصادق عليه السلام والاِمام الكاظم عليه السلام في الخمس.
وكان مما قرأت له هذا الحديث الذي يرويه رجل يسمى عمران بن موسى قال: قرأت على موسى بن جعفر عليهما السلام آية الخمس. فقال: «ما كان لله فهو لرسول الله، وما كان للرسول فهو لنا» ثمّ قال: « والله لقد يسّر الله على المؤمنين ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدة واكلوا اربعة احلاء».
وهذا الحديث الذي يرويه رجل يسمّى سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال : «في كل ما أفاد النّاس من قليل أو كثير».
وهذا الحديث المروي عن محمد ابن الحسن الاشعري قال : كتب بعض اصحابنا الى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، ومن جميع الضروب وعلى الصناع ؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه «الخمس بعد المؤنة».
واِذ انتهيت من تلاوة هذا الحديث سألت أبي:
في حواريّة الصلاة قلت لي : لا تصل بملابس تعلّق بها الخمس ولم تخمس ، ثم عدت ثانيةً وقلت لي في حواريّة الحج: طهِّر مالك بأخراج خمسه وزكاته ـ اِن كان مشمولاً بهما ـ قبل أن تحج به ، فهل يجب عليَّ أن اُخمِّس كل مالي يا تُرى ؟
قال أبي: يجب الخمس فيما يأتي:
1 ـ ما يغنمه المسلمون في الحرب من الاَموال المنقولة وغيرها للكفّار الذّين يحل قتالهم.
2 ـ ما يستخرج من المعادن كالذهب والفضّة والنحاس والحديد والكبريت وغيرها ، وكذلك النفط والفحم الحجري، بعد طرح تكاليف الانتاج والتصفية ، شرط أن تبلغ القيمة السوقية للكمية المستخرجة منها ما يساوي قيمة خمسة عشر مثقالاً صيرفياً من الذهب المسكوك ، أو يزيد .
3 ـ الكنوز، شرط أن تبلغ قيمة الكمية المستخرجة منها خمسة عشر مثقالاً صيرفياً من الذهب أو أكثر، ومن الفضة مائة وخمسة مثاقيل أو أكثر بعد استثناء تكاليف الاخراج .
4 ـ ما اُخرج بالغوص من البحر أو الاَنهار الكبار مما يتكون فيها اللؤلؤ والمرجان وغيرهما اِذا بلغت قيمته ديناراً ذهبياً .
5 ـ المال الحلال المخلوط بالمال الحرام في بعض صوره .
6 ـ الارباح السنوية المتحصلة من تجارة أو صناعة أو هدية أو زراعة أو حيازة أو أي كسب اَخر بما في ذلك أجور العمل والرواتب و ... و ...
وقاطعته:
معنى هذا أن أرباح التجار يجب أن تخمَّس ؟
ـ ليست أرباح التجار وحدها يجب أن تخمّس بل أرباح كل مستفيد بما فيهم أنت وأنا .
وكيف يحسب التاجر ارباحه الخاضعة للتخميس ؟
ـ يحسب ما لديه من الاموال من بضاعة ونقد بعد مرور سنة من شروعه في التجارة ويستثني منه :
اولا : رأس ماله الذي تاجر به .
ثانيا : المبالغ المصروفة في سبيل تحصيل الارباح من اجور النقل والكهرباء والهاتف والمحلات والمخازن والضرائب ونحوها.
ثالثا : مصروفه الشخصي ومصروف عائلته خلال السنة المنصرمة، أي: ما صرفه في المأكل والمشرب ، والملبس والمسكن ، والنقل والاثاث، والعلاج والنثريات الاخرى، بما في ذلك تسديد الديون والهدايا ، والواجبات والسفرات والمناسبات وغيرها مما هو طبيعي لمثله ولا يُعدَّ سرفاً وتبذيراً فاذا استثنى الامور المذكورة اخرج 20% من الباقي ودفعه خمساً .
وضح لي هذا بذكر مثال.
ـ مثلاً: اذا لاحظ التاجر عند حلول رأس سنته انه يمتلك عشرة اَلاف دينار نقداً وعشرين الف دينار من البضاعة ليكون المجموع ثلاثين الف ديناراً، ولاحظ انه كان رأس ماله في بداية السنة خمسة عشر الف دينارٍ ، ودفع في سبيل تجارته من اجور النقل والهاتف والكهرباء والدكان ونحو ذلك مبلغاً قدره الف دينار ، وصرف على نفسه وعائلته خلال العام اربعة اَلاف دينار، يكون صافي ربحه بعد طرح رأس المال ومؤونة التجارة والمؤونة السنوية هو عشرة اَلاف دينار أي 30000 ـ 20000 = 10000 وهو ما يجب ان يخمّسه ، ومقدار الخمس الفا دينار 10000 ÷ 5 = 2000 وهو المبلغ الواجب دفعه .
سكت ابي هنيئة ثم قال:
ـ استثناء رأس المال ومؤنة التجارة ... والمؤنة السنوية وارد من حق من كون رأس ماله وصرف على تجارته وعلى نفسه وعائلته من مال مخمس أو مما لم يتعلق به الخمس كالمال الموروث.
واما من كون رأس ماله من ارباح نفس سنته فليس له استثناء مقداره قبل التخميس، وهكذا من صرف على تجارته وعلى نفسه وعائلته من الارباح المتجددة خلال السنة فانه لا يحق له استثناء مقداره قبل التخميس.
ـ قلت لأبي:
ومن أي تاريخ أبدأ بحساب الارباح حتى اِذا مر عليها عام وجب أن أدفع خمسها ؟
ـ من أول ظهور الربح اِذا لم تكن لك مهنة تتعيش منها فمتى استفدت ومضى على تاريخ تلك الاستفادة عام من دون أن تصرفها في مأكل أو ملبس أو علاج أو أثاث أو سفرة أو... أو... فادفع خمس ما حصَّلت عليه، أما اِذا كانت لك مهنة تتعاطاها في معاشك فابدأ بالحساب من تاريخ الشروع بالاكتساب .
لو اشتريت ثياباً لي ومضى عليها عام ولم ألبسها ؟
ـ اِدفع خمسها ، وكذلك يخمس رب الاسرة ـ مثلاً ـ وكل مالك ما اشتراه من حاجات بيتيّة أثناء العام ولم يستخدمها ، بما في ذلك ما يفضل في بيته من رز أو طحين أو حنطة أو شعير أو سكر أو شاي أو ماش أو عدس أو معلّبات أو دهن أو حلويات أو نفط أو غاز أو غيرها.
معنى هذا كل ما زاد عن الحاجة فلم يستخدم أو يؤكل أو يلبس أو ... أو ... يخمّس.
ـ نعم ... فاِذا حلَّ يوم اِخراج الخمس تقوم بعملية جرد شاملة للفائض عن الحاجة السنوية وتدفع خمسه من عينه ، أو تقدّر قيمته وتدفع خمسه.
أَأُقدر قيمته يوم حساب الخمس أم قيمته حين الشراء ؟
ـ بل قيمته السوقية عند حساب الخمس، لا قيمته التي اشتريته بها.
ولو لم أُخمّس حاجة كان يجب عليَّ أن اُخمّسها ؟
ـ لا يحل لك التصرّف بها حينئذٍ حتى تدفع الخمس، ويجوز باذن الحاكم الشرعي اِذا رأى مصلحة في ذلك.
والمتوفى اذا كان في ذمته خمس ولم يوص باخراجه فما هي وظيفة الورثة ؟
ـ يلزمهم اِخراجه من أصل ما خلَّفه مقدماً على الوصية والارث، ويستثنى من ذلك ما لو كان المتوفى عاصياً لا يدفع الخمس فانّه تحل تركته للوارث المؤمن ولا يلزمه تفريغ ذمة مورثه مما علق بها من الخمس.
وهكذا الحال في كل ما ينتقل الى المؤمن ممّن لا يخمس أمواله بمعاملة أو مجاناً ، فانّه يملكه ويجوز له التصرّف فيه، كما يجوز له التصرّف في اموال من لا يخمّس اِذا اباحها له من دون تمليك فان في جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس اِذ كان مقصّراً.
هكذا قال أبي ثم سكت برهة فبادرت قائلاً :
وماذا يفعل التاجر أو مالك الارض الزراعية أو صاحب المعمل الصناعي او الملاّك أو العامل أو الموظف أو الطالب أو غيرهم اِذا كان لا يخمّس ولا يحاسب نفسه لاخراج الخمس سنوات وسنوات غنم خلالها واستفاد وربح أموالاً وعمَّر دياراً واشترى أثاثاً وفراشاً وحاجات وملابس ، ثم تنبّه الى وجوب اِخراج الخمس من هذه الارباح ؟
ـ يجب عليه اِخراج الخمس من هذه الاَرباح من كل ما ذكرت وعددت اِذا لم يكن من مؤنة سنته ، بل كان فائضاً عن حاجته السنوية.
اِضرب لي مثلاً على ما تقول.
ـ الدار التي اشتراها ولم يتّخذها مسكناً له، لاَنّه يملك داراً أخرى غيرها ملائمةً لسكناه ، يجب عليه اِخراج خمسها.
والاَثاث الذي اشتراه ولم يستخدمه لعدم احتياجه اِليه يجب عليه اِخراج خمسه.
والحاجات التي اشتراها ولا يحتاج اِليها من هو في مستواه يجب عليه اِخراج خمسها.
وما كان من مؤنته السنوية كالدار التي اشتراها لسكناه أو الاَثاث الذي اشتراه واستخدمه لحاجته اِليه وما شاكل ذلك.
ـ اِذا كان قد اشترى الدار مثلاً أو الاثاث من أرباح نفس تلك السنة سنة سكناه في الدار، أو استخدامه الاثاث فلا يجب عليه تخميسها ، وكذلك غيرها من أمثالها.
واِذا كان قد اشترى الدار لسكناه مثلاً من أرباح تجمّعت عنده من سنين سابقة مضافاً اِليها أرباح تلك السنة ـ سنة سكناه في الدار ـ كما هو حال الكثير من الناس اليوم ـ كما أظن ـ ممن تجمّعت لديهم أرباح من سنين سابقة فاختلط عليهم حساب الخمس ؟
ـ يجب عليه مراجعة الحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه ليجري معه مصالحة بشأن المقدار المشكوك أنّه من أرباح السنين السابقة أو من ربح سنة السكنى في الدار، وامّا ما يتعيّن انّه من أرباح السنين السابقة فلا بد من اِخراج خمسه فوراً.
واِذا لم يكن قادراً على اداء الخمس دفعة واحدة معجّلاً أو كان يجد في ذلك حرجاً ومشقة ؟
ـ يقسطه عليه الحاكم الشرعي أو من يقوم مقامه بعد ان ينقله الى ذمته بالمداورة ليؤدّيه تدريجياً من غير مسامحة أو اهمال.
أنا الاَن اسكن معك في نفس الدار فهل يجب عليَّ الخمس، أو يكفي خمسك عن نفسك ؟
ـ نعم يجب عليك اِخراج الخمس من ربحك حتى لو كنت معي في نفس الدار اِذا ربحت وبقي ربحك عندك سنة كاملة لم تستخدمه فيها لعدم احتياجك اِليه.
لو اشتغلت في العطلة الصيفيّة ـ أنا الطالب ـ بأجر شهري ولم تأخذه أنت أبي منّي كي أصرفه على نفسي ... على ملابسي مثلاً ، على حاجاتي فهل يجب عليَّ أن اُخمّس أجري الشهري ؟
ـ اِذا صرفته فيما يناسبك ويليق بك فلا خمس عليك، واِن ادخرته أو بعضاً منه حتى مرّ عليه العام وجب عليك تخميس المدّخر.
محل تجاري اشتراه صاحبه «بسرقفلية» هو وأدوات العمل فيه وأخرج خمسه في السنة الاُولى. فهل يجب عليه اِخراج خمس زيادة القيمة التي تطرأ على السرقفلية والاَدوات كل عام ؟
ـ كلاّ ، بل يجب عليه تخميس الزيادة الطارئة بعد بيع المحل وظهور الربح فيه اِذا لم يصرفها من مؤنة سنته.
الاَواني المعدّة للطعام والشراب لو استعملت كتحفيات للزينة ، فهل يعد هذا الاستعمال استعمالاً مسقطاً للخمس ؟
ـ اِذا كان وجودها متعارفاً عند أمثاله من الناس وعدم وجودها نقصاً حُسبت عندئذٍ من مؤنة السنة ، ولا خمس عليها.
كمية من العملة خمّسها مالكها ثم حوّلها الى عملة أخرى فتضاعفت قيمتها بالقياس الى العملة الاولى فقررّ حفظها وادخارها ومرّ على ذلك عام.
ـ لا يجب عليه تخميس القيمة الزائدة ما دام المالك قاصداً حفظ المال وادخاره فعلاً.
بعض المواد الغذائية تدعمها الدولة فتباع بأسعار زهيدة قياساً بأسعارها السوقية المرتفعة ، فلو لم يستهلك منها مالكها شيئاً حتى مرَّ عليها عام فهل يتم احتساب قيمة المواد على أساس السعر المدعوم أو على أساس سعر السوق ؟
ـ تقدّر على أساس سعر السوق وقت دفع الخمس.
قطعة أرض اشتراها صاحبها شرعاً واستغلها ولكنها مسجّلة باسم غيره في دائرة الطابو بحيث يحق لهذا الغير انتزاعها من مالكها الشرعي ساعة ما يشاء ، فهل يجب عليه تخميسها الاَن أو حتى تسجل في دائرة الطابو باسمه ؟
ـ يجب عليه تخميسها الاَن اِن انطبقت عليه شروط الخمس مارّة الذكر.
المكافأة التقاعدية التي تدفعها الدولة الى الموظف المتقاعد أيجب عليه اِخراج خمسها عند قبضها مباشرة أم حتى يحل راس سنته ؟
ـ يخمس الفائض منها عند حلول رأس سنته.
واِذا اخرجت الخمس فلمن أدفعه ؟
ـ الخمس نصفان نصف للاِمام المنتظر «عجل الله فرجه الشريف». يصرف في الامور التي يضمن أو يُحرز رضا الاِمام في صرفها فيها وباجازة من المرجع [ الاَعلم المطلع والمحيط بالجهات العامّة] أو يدفع اِليه، ونصف للفقراء وأبناء السبيل من الهاشميين المؤمنين وكذلك ايتام الفقراء المؤمنين منهم العاملين بفرائض دينهم القويم.
ويقصد بالهاشميين الذين ينتسبون من جهة الاَب الى هاشم جدّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله.
هذا [ ولا يجوز اعطاء الخمس لمن تجب نفقته على صاحب المال كالاَب والاَم والزوجة والولد] ، كما لا يجوز دفعه الى من يصرفه في الحرام، [ بل يعتبر أن لا يكون في الدفع اِليه اعانة على الاَثم واِن لم يكُن يصرفه في الحرام، كما لا يجوز اعطاؤه لتارك الصلاة أو شارب الخمر أو المتجاهر بالفسق].
وما يلحق بها
ـ هل تودّ ان تمتهن التجارة اِذن فتفقه في دينك.
قال ذلك أبي وأردف:
«من أراد التجارة فليتفقه في دينه؛ ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات».
بهذا الحوار المعزّز بنص شريف للاِمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام، بدأ أبي حوارية التجارة ليشير الى قضية قال اِنه غفل عنها الكثيرون أو تغافلوا فتورّطوا في الشبهات.
ولما كنت لم أدرك بعد كنه وسرّ هذا الربط بين الفقه والتجارة سألت أبي:
وما علاقة الفقه بالتجارة يا أبي ؟
قال موضحاً بنبرة هادئة مستعيناً بحركة بسيطة ليديه:
ـ لقد كفل لنا التشريع الاِسلامي معالجة مختلف جوانب حياتنا الاقتصادية بما يضمن العدالة وحسن استثمار وتوزيع وانتقال الثروة بين مختلف أفراد وطبقات المجتمع لما فيه خير ومصلحة وسعادة الجميع.
وطبيعي ان يؤسس المشرّع الاَسلامي ـ لاَجل تطبيق مبدئه الاقتصادي من خلال منظوره ذاك ـ عدة ضوابط تجيز أو تحظر بعض الاَنشطة الاَقتصادية أحياناً، أو تضيّق أو توسِّع قنوات بعض منها أحياناً أخرى.
فهو يوجب على المكلف السعي للتكسّب لمعيشة نفسه ، ولضمان معيشة من يجب عليه الانفاق عليهم ، كالزوجة والاَولاد والاَبوين عند حاجتهم اِذا لم يكن المكلف واجداً لها.
وهو اذ يلزمه بالسعي لكسب لقمة العيش لا يترك له الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزاولة أي من الاَعمال والنشاطات يقع اختياره عليها ، فهناك من الاَنشطة التجارية ما يحرم مزاولتة أو مباشرته.
مثلاً ؟
بيع الخمر مثلاً والبيرة حرام.
وبيع الكلاب ـ عدا كلب الصيد ـ حرام.
وبيع الخنزير حرام.
وبيع الميتة النجسة ـ مثلاً ـ بما في ذلك لحوم وجلود الحيوانات المذبوحة بطريقة غير شرعيّة حرام .
وغصب المال وبيعه حرام .
وبيع ما لا ينتفع به اِلاّ بالحرام مثل آلات القمار وآلات اللهو المحرّم كالمزمار حرام .
والغش حرام .
والربا حرام .
واحتكار الطعام ـ والمقصود به هنا القوت الغالب لاَهل البلد ـ واحتكار ما يتوقف عليه تهيئة الطعام كالوقود وما يُعد من مقومّاته كالملح والسمن انتظاراً لزيادة قيمتها السوقيّة مع حاجة المسلمين أو من يلحق بهم من النفوس المحترمة اِليها وعدم وجود من يطرحها في الاسواق حرام .
والرشوة على القضاء بالحق أو الباطل حرام .
واللعب بآلات القمار كالشطرنج والدومنة والطاولي مع الرهن، بل اللعب بالشطرنج والطاولي [ونحوهما] من دون رهن أيضاً حرام .
وزيادة أحد في ثمن شيءٍ لا يريد شراءه حقيقةً بل من أجل أن يسمعه غيره فيزيد في سعر ذلك الشيء بعد زيادته حرام [واِن خلا عن تغرير الغير وغشه] .
وشراء المأخوذ بالقمار أو السرقة حرام ، وغيرها .
هذه كلها محرمات ، فهل هناك مكروهات ؟
ـ نعم ، هناك من الاَنشطة التجارية ما هو مرجوح عند المشرع الاَسلامي ولكن رغبة تركه واجتنابه والنأي عنه غير ملزمة للمكلفين فهو مكروه لا محرم .
اِضرب لي مثلاً ؟
ـ بيع العقار مثلاً مكروه اِلاّ أن يشتري بثمنه عقاراً آخر.
وبيع الذهب بالذهب أو الفضة بالفضّة من غير زيادة مكروه واما مع الزياده فحرام .
والاَقتراض من مستحدث النّعمة مكروه .
كما يكره للانسان ان يمتهن الجزارة (ذبح الحيوان) والحجامة أو يحترف بيع الاكفان وهناك غيرها.
قال ذلك أبي وأضاف: ثمّ اِن بعضاً من أساليب وطرائق التعامل في الاَنشطة التجارية مكروه لدى المشرّع الاَسلامي.
مثلاً ؟
ـ يكره كتمان العيب اِذا لم يؤدِّ الى غش مثلاً ، أما اِذا أدّى الى غش فهو حرام.
ويكره الحلف في المعاملة اِذا كان صادقاً ، أما الحلف الكاذب فهو حرام.
ويكره زيادة الربّح على المؤمن اِذا زاد ذلك الربح على مقدار الحاجة اِليه.
ويكره طلب تنقيص السعر بعد البيع.
ويكره البيع في المكان المظلم الذي لا يظهر فيه عيب السلعة.
ويكره مدح البائع سلعته وذمّ المشتري لها.
وغيرها.
هذه كلها مكروهات فهل هناك مستحبات ؟
ـ نعم هناك من الانشطة التجارية ما هو مرغوب فيه لدى المشرع الاَسلامي ومحبوب له ، ولكنه غير ملزم للمكلّفين ولا واجب عليهم فهو مستحب .
اضرب لي مثلاً على ما تقول ؟
ـ مثلاً: اِقراض المؤمن بغير طلب الزيادة مستحب .
وشراء العقار مستحب .
واِعطاء المال لمن يتاجر به وفق نسبة معينة من الرّبح للطرفين مستحب .
كما ان بعضاً من أساليب وطرائق الاَنشطة التجارية محبوبة للمشرِّع الاَسلامي ومرغوب فيها .
مثلاً:
ـ مثلاً يستحب التسوية بين المبتاعين في الثمن اِلاّ لمرجح كالفقر فيحسن أن لا يفرق البائع بين المشتري المماكس ـ ذلك الذي يلحّ على تخفيض السعر ـ وبين غيره ممن يشتري دون مماطلة أو مماكسة .
ويستحب للبائع أن يقيل النادم، وهو الذي يشتري البضاعة ثم يندم على شرائها ويرغب باِعادتها لبائعها واسترجاع ثمنها .
ويستحب للانسان أن يأخذ الناقص ويعطي الراجح.
ويستحب التساهل في الثمن.
ويستحب فتح الباب والجلوس في المحل لعله يبيع.
ويستحب التعرض للرزق وطلبه والتصدّي له.
ويستحب الاحسان في البيع والسماح فيه.
ويستحب اختيار وشراء الجيد وبيعه.
ويستحب الاغتراب في طلب الرزق والتبكير اِليه.
وغيرها.
أضاف أبي:
كما أن بعضاً من الاَنشطة التجارية واساليبها غير محبوبة لدى المشرِّع الاسلامي ولا مبغوضة له فالاَنسان مخير بين فعلها وتركها من دون ترجيح للفعل أو الترك، فهي مباحة كما هو حال الكثير من الانشطة التجارية السائدة اليوم.
قال ذلك أبي وعقب عليه:
ثمّ أن المشرِّع الاسلامي ـ اِضافة الى ذلك كله ـ يشترط شروطاً فيما يباع وشروطاً في نفس البيع وشروطاً فيمن يبيع ويشتري.
وما الذي يشترط فيما يُباع ؟
ـ شروط عدة:
1 ـ العلم بمقدار ما يباع وزناً أو كيلاً أو عدداً أو مساحةً حسب اِختلاف الاََجناس فيما تقدّر به.
2 ـ القدرة على تسليم المبيع، فلا يجوز مثلاً بيع السمك وهو في النهر، ولا بيع الطائر وهو محلق في الجو.
نعم يكفي قدرة المشتري على تسلم المبيع ، كما لو باع الدابّة الشاردة وكان المشتري قادراً على أخذها.
3 ـ معرفة الخصوصيات التي تختلف بها الرغبات ولو بشكل عام كالالوان والطعوم والجودة والرداءة وغير ذلك مما يترتب عليه اختلاف القيمة السوقية للمبيع لكل منها.
4 ـ أن لا يتعلق بالمبيع حق لاَحد يقتضي بقاءه في ملكية البائع ، فلا يجوز للراهن بيع الرّهن من دون موافقة المرتهن ، كما لا يجوز بيع الوقف اِلاّ اِذا سقط عن الانتفاع به في جهة الوقف أو كان في معرض السقوط .
5 ـ ان يكون المبيع من الاَعيان كالدار أو الكتاب أو الجهاز مثلاً ، فلا يجوز بيع منفعة الدار.
قال ذلك أبي وأردف مضيفاً:
ـ كما أن ما يباع بالوزن في بلد ما لا يصح بيعه في ذلك البلد اِلاّ بالوزن.
وما يباع بالكيل في بلد ما لا يجوز بيعه اِلاّ بالكيل في ذلك البلد.
وهكذا حتى لا تكون جهالة في البيع.
اِضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ـ الفاكهة مثلاً تباع في بلد ما بالوزن فلا يجوز بيعها في ذلك البلد اِلاّ بالوزن .
والحليب مثلاً يباع في بلد ما باللتر ، فلا يجوز بيعه في ذلك البلد اِلاّ باللتر .
وهكذا حذراً من حصول الجهالة.
هذه جملة من الشروط الواجب توفرّها في ما يباع وما يشترى.
وهناك بعض ما يشترط في نفس البيع، منها : انه لا يجوز تعليق البيع على أمر غير حاصل ساعة البيع.
اضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ـ لا يجوز أن تقول للمشتري مثلاً بعتك داري هذه اِذا هلِّ هلال الشهر ولا أن تقول له: بعتك سيارتي هذه اِذا ولد لي ولد ذكر وغيرها ، بل لا بد من تجديد الاتفاق ثانية بعد ولادة الولد أو بزوغ الهلال مثلاً.
وما هي الشروط الواجب توفرها فيمن يبيع ويشتري تلك التي أشّرت اِليها في حديثك ؟
ـ يشترط فيمن يبيع أو يشتري أن يكون بالغاً عاقلاً ، رشيداً، قاصداً البيع، مختاراً غير مجبر ولا مكره ، قادراً على التصرّف، سواء أكان مالكاً أم وكيلاً عنه أم مأذوناً منه أو وليّاً عليه.
ولو أكره أو اجبر مالك على بيع ما يملك ؟
ـ لا يصح البيع اِذا كان ناشئاً عن امرظالم بحيث يخاف المالك ـ لو خالفه ـ ترتب ضرر على نفسه او ماله او من يتعلق به ممن يهمه أمرهم.
أحياناً يجبر اِنسان ما على تغيير محل اِقامته ظلماً فيضطر الى أن يبيع بعض أملاكه أو حاجياته ؟
ـ هذا البيع صحيح.
قلت لي : يشترط فيمن يبيع أن يكون مالكاً أو وكيلاً أو وليّاً أو مأذوناً ، فلو باع غير هؤلاء كالصّديق أو الجار أو القريب أو ما شاكل ذلك ؟
ـ لا يصح البيع اِلاّ اِذا أجازه المالك أو الوكيل أو الولي أو المأذون بالبيع، واِلاّ فالبيع باطل .
ولو تم بيع المال المغصوب ثم رضي المالك بعد ذلك ببيع ماله ؟
ـ صح البيع.
قلت لي : يشترط فيمن بيبع ويشتري أن يكون بالغاً سنّ التكليف، فكيف بمال الصبي غير البالغ اِذا أراد الصبي بيعه ؟
ـ يصح بيعه في الاَشياء اليسيرة من ماله التي جرت العادة بتصدّي الصبي المميّز لمعاملتها ، وأمّا غيرها فلا يصح له بيعه ، منفرداً أو مستقلاً في المعاملة.
ومن يحق له بيع اموال الصبي ؟
ـ ذلك هو الولي وهو الاب، والجد للاَب والوصي لاَحدهما ، والحاكم الشرعي مع فقد من سبق ، فيجوز للاَب ـ مثلاً ـ بيع مال الصبي مع عدم المفسدة فيه كما يجوز للحاكم بيع ماله ـ مع فقد الاب والجد للاَب والوصي لاَحدهما ـ مراعاة لمصلحته .
وهل يحق للصبي أن يتوكل عن غيره كأبيه أو جده في بيع ماله ؟
ـ نعم يحق له ذلك.
ولو تم البيع وفق الشروط مارة الذكر. بيع أي شيء ، فهل يحق للمشتري أن يعيد ما اشتراه ويستعيد الثمن؟ وهكذا هل يجوز للبائع ان يعيد الثمن ويستعيد ما باعه .
ـ يحق اِلغاء البيع في حالات عدة:
1 ـ اِذا كان البائع والمشتري مازالا بعد مصطحبين في محل البيع أو في الطريق مثلاً ولم يتفرقا فيحق لاَيّ منهما اِلغاء البيع.
واِذا تفرقا وذهب كل منهما لحاله وسبيله ؟
ـ عندئذ يلزم البيع ويثبت.
2 ـ اِذا كان البائع أو المشتري مغبوناً فيحق له اِلغاء البيع، فمثلاً اِذا باع البائع بأقل من القيمة السوقيّة للبضاعة بفرق واضح غير قابل للتسامح وهو لا يعلم ثم علم بذلك فيحق له اِلغاء البيع، وكذلك اِذا اشترى المشتري بأكثر من القيمة السوقيّة للبضاعة وهو لا يدري ثمّ تبيّن له فيحق له اِرجاع البضاعة واِستعادة ماله الذي دفعه.
3 ـ اِذا اعتقد المشتري وجدان البضاعة الشخصية الغائبة حين البيع لبعض الصفات ـ امّا لاَخبار البائع أو اعتماداً على رؤية سابقة ـ فاشتراها ثم تبيّن له بعد ذلك ان البضاعة فاقدة لتلك الصفات فيحق للمشتري اِرجاع البضاعة واِلغاء البيع.
4 ـ اِذا اِشترط البائع أو المشتري على الاَخر شرطاً يخوِّله بموجبه فسخ البيع خلال مدة معيّنة فله حق فسخه خلال تلك المدّة.
5 ـ اِذا تعهد أحد المتبايعين بالعمل بطريقة معيّنة ولم يعمل وفق ما قال ، أو اِشترط المشتري وجود صفة خاصة بالبضاعة فلم يجدها بعد الشراء ، كان له حق اِلغاء البيع كما مرّ .
6 ـ اِذا اشترى المشتري شيئاً فوجد فيه عيباً جاز له اِرجاعه، كما اِذا وجد البائع عيباً في الثمن جاز له اِرجاعه واِستعادة البضاعة.
7 ـ اِذا تبيّن أن بعض الحاجات التي اِشتراها المشتري هي لغير البائع ولا يوافق مالكها على بيعها جاز للمشتري اِلغاء البيع في تمامها .
8 ـ اِذا لم يتمكن البائع من تسليم المبيع فللمشتري اِلغاء البيع واِبطاله.
9 ـ اِذا كان المبيع حيواناً فللمشتري حق اِلغاء البيع واِرجاع الحيوان لصاحبه خلال ثلاثة أيام من تاريخ البيع واِستعادة الثمن.
وهكذا لو كان الثمن حيواناً فان للبائع حينئذ حق اِلغاء البيع واِرجاع الحيوان الى المشتري خلال ثلاثة ايام من تاريخ البيع واستعادة المبيع.
10 ـ اِذا أرى البائع بضاعته بأفضل مما هي عليه في الواقع ليرغب فيها المشتري أو يزيد رغبة فيه فان للمشتري حق اِرجاعها للبائع واِستعادة ثمنه اِذا تبين له الحال بعد ذلك.
11 ـ اِذا باع البائع بضاعة معيّنة ، ولم يقبض الثمن، ولم يسلّم البضاعة حتى يجيء المشتري بالثمن ، لزم البيع، وثبت لثلاثة أيام فقط ، ويحق بعدها للبائع اِلغاء البيع اِذا لم يأت المشتري بالثمن .
هذا اِذا أمهله البائع في تأخير تسليم الثمن من غير تعيين مدة الامهال.
واما ان لم يمهله ابداً فله الغاء البيع بمجرد تأخره في تسليم الثمن.
واِن امهله مدة معيّنة لم يكن له اِلغاء البيع قبل مضيها واِن كانت أزيد من ثلاثة ايام.
اِذا تم الاتفاق بين البائع والمشتري على تأجيل دفع الثمن وتأخيره ، أقصد البيع بالدين فهل يصح هذا ؟
ـ يصح ، ولكن يجب ان تكون مدة الدين محدودة غير قابلة للزيادة والنقصان لا مبهمة غامضة ، فلو اتفقا على دفع الثمن حين الحصاد، بطل البيع لاَن موعد الحصاد غير محدد .
واِذا حلّ موعد تسديد الدين واتفقا على تأجيله لمدة معيّنة مقابل زيادة ؟
ـ لا يجوز ذلك لاَنّه من الربا ، والربا محرم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم: (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).
يتفق البائع والمشتري أحياناً على بيع مائة كيلو من الحنطة بمائة وعشرين كيلو منها .
ـ هذا من الربا وهو محرم.
ويتفقان أحياناً أخرى على مائة كيلو من الحنطة بمائة كيلو من الحنطة زائداً خمسين ديناراً ؟
ـ هذا البيع من الربا كذلك وهو ـ كما عرفت ـ حرام ، اِلاّ أن يضم الى الناقص شيئاً متمولاً كالمنديل ويقصد كون الحنطة في أحد الطرفين بازاء المنديل في الطرف الاَخر، والخمسين ديناراً في ذاك الطرف بازاء الحنطة في الطرف الاول فانه حينئذٍ يصح البيع مطلقاً ولا يستلزم الربا المحرم.
وكيف أعرف أن هذه المعاملة من الربا فأجتنبها ؟
ـ يشترط في تحقق الربا بالمعاملة النقديّة شيئان:
1 ـ أن يكون كل من العوضين مما يكال أو يوزن كالحنطة أو الشعير أو الرز أو العدس أو الماش أو الفاكهة أو الذهب أو الفضة وكل ما يوزن أو يكال .
2 ـ أن يكونا من جنس واحد.
واِذا كانت المعاملة نسيئة أي البيع بالاَجل فهل يشترط في تحقق الربا فيها نفس الامرين المتقدّمين ؟
ـ [كلا بل يتحقق الربا فيها مع فقدهما أيضاً في موردين:
أ ـ ان يكون كل من العوضين من الموزون أو المكيل مع الاَختلاف في الجنس، كبيع مائة كيلو من الارز بمائة كيلو من الحنطة الى شهر.
ب ـ ان يكون العوضان من غير المكيل والموزون مع اتّحادهما في الجنس، وكون الزّيادة عينيه كبيع عشر جوزات بخمس عشرة جوزة الى شهر].
هذا يعني انه اِذا كان كل من العوضين يباع بالعدد مثلاً لا بالوزن أو الكيل كالبيض مثلاً ، أو كان يباع بالمساحة كالاَقمشة التي تباع بالاَمتار وغيرهما فيجوز بيعها بالزيادة اِذا كانت المعاملة نقدية ؟
ـ نعم يجوز بيعها عندئذٍ بزيادة، فيجوز بيع ثلاثين متراً من القماش بأربعين متراً منها نقداً كما يجوز بيع ثلاثين بيضة بأربعين بيضة نقداً وهكذا غيرهما.
والذهب ؟
ـ لا يجوز فيه لانه موزون .
وبيع الذهب المصوغ باكثر منه من غير المصوغ، كما هو السائد اليوم عند الصاغة ؟
ـ هذا من الربا، وهو حرام اِلاّ أن يضمّ شيء مع الناقص كما تقدّم .
لو اختلفت نوعية الحنطة كما لو بيعت مائة كيلو حنطة رديئة بتسعين كيلو حنطة جيدة ، أو الرز كما لو بيعت مائة كيلو من العنبر الجيد بمائة وعشرين كيلو من العنبر الرديء، وهكذا غيرهما ؟
ـ كذلك لا يجوز بيع كهذا، لاَنّه ربا اِلاّ مع الضميمة كما سبق .
ولو بيعت مائة كيلو من الحنطة بسبعين كيلو من الرز ؟
ـ يجوز البيع نقداً لاَن الحنطة جنس والرز جنس آخر، مع ملاحظة أن الحنطة والشعير في الربا جنس واحد، فلا يجوز بيع مائة كيلو من الحنطة مثلاً بمائة وخمسين كيلو من الشعير بمفرده ، كما أن التمور بانواعها المختلفة جنس واحد، والحنطة والدقيق منها والخبز منها جنس واحد، والحليب واللبن والجبن من نوع حيوان واحد جنس واحد، والرطب والتمر والدبس جنس واحد لاَن الاَصل وما يتفرّع عنه يعتبر جنساً واحداً [دائما] .
ـ هذا ، وهناك نوع آخر من الربا يسمى بـ (ربا القرض).
وما ربا القرض ؟
ـ ربا القرض أن يشترط المقرض زيادة في الدين على المقترض كأن يقرضه ألفٍ دينار على ان يدفع له بعد فترة من الزمن الفاً ومائة دينار وهو كذلك محرم. محرم عليهما معاً (المقرض والمقترض).
ربا القرض اِذن دين بفائدة ، أمّا الدين بلا فائدة ؟
ـ اِقراض المؤمن دون فائدة من المستحبات الاَكيدة كما قلت لك من قبل وخاصة لذوي الحاجة والعوز منهم فعن النبي صلى الله عليه وآله: «من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه».
وعن الاِمام أبي عبد الله عليه السلام : « مكتوب على باب الجنّة الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر » .
كان هذا هو حال القرض وحبذا لو تذكر لي بعض أحكام الشركة فقد عرفت أن أخي ينوي الاشتراك مع صديق له في عمل تجاري :
ـ الشركة جائزة بين شريكين بالغين عاقلين مختارين غير مجبرين مع عدم الحجر عليهما لسفه أو فلس .
قال ذلك أبي ثم اضاف:
ويقع عقد الشركة على أنحاء مختلفة ومنها ما يصطلح عليه بالشركة الاذنية ويتوقف على كون رأس مال الشركة الذي يساهم الطرفان في تكوينه مشاعاً بينهما بأحد اسباب الاشاعة كالامتزاج والتشريك، ويحق فيه لكل من الشريكين أو الشركاء فسخ العقد واِلغاء الشركة وكذا المطالبة بتقسيم المال المشترك اِذا كان ذلك لا يؤدي الى ضرر شريكه ضرراً ملموساً ، فاذا فسخه أحدهما لم يجز للاَخر التصرف في المال المشترك ويلحق كلاً من الشريكين من الربح والخسران بنسبة ماله فان تساويا في الحصة كان الربح والخسران بينهما بالسوية ، واِن اختلفا فنسبة كل منهما من الربح والخسارة بنسبة ما وضع من مال.
واِذا اتفق الشريكان على زيادة لاَحدهما في الربح لاَنّه يقوم بالعمل أو لاَن عمله أكثر أو أهم من عمل شريكه أو لا لشيء من ذلك ؟
ـ الاتفاق صحيح ونافذ.
واذا تلف بيد من يعمل منهما شيءٌ من مال الشركة ؟
ـ الشريك العامل أمين فلا يضمن التلف اِلاّ بالتعديّ أو التفريط.
وهناك معاملة أخرى سائدة بين الناس تشبه الشركة وهي ان يدفع مالك أمواله لشخص قادر على التجارة ليتاجر بها على أن يكون الربح بينهما بنسبة محددة كالنصف أو الثلث أو الربع ؟
ـ هذه المعاملة صحيحة اذا اتفقا وكانا بالغين عاقلين رشيدين مختارين وكان المالك غير محجور عليه لفلس، وتسمى بالمضاربة .
والعامل ؟
ـ يجوز ان يكون محجوراً عليه لفلس اذا لم يستلزم الاتفاق تصرفه في أمواله التي حجر عليها.
ثم اِنّه يحق لكل من المالك والعامل اِلغاء الاتفاق قبل الشروع بالعمل أو بعده، قبل تحقق الربح أو بعده .
ولا خسران على العامل اِذا لم يفرط أو لم يتعد .
واذا اِشترط صاحب المال على العامل أن تكون تمام الخسارة على العامل ؟
ـ هذا الشرط صحيح ولكن نتيجته ان تكون تمام الربح للعامل ايضاً من دون مشاركة المالك فيه .
واذا اشترط ان تكون الخسارة عليهما معاً كالربح ؟
ـ هذا الشرط باطل ، نعم اذا اشترط على العامل ان يتدارك جزءً من الخسارة أو تمامها وتعويضها من ماله الخاص صح الشرط ولزم الوفاء به .
واذا اختلفا في مقدار نصيب العامل، فادعى المالك نسبة أقل، وادّعى العامل نسبة أكثر، ولا بينّة للعامل ؟
ـ القول قول المالك، يأخذ به الحاكم الشرعي عند رفع القضية اليه مع حلفه عليه ما لم يكن مخالفاً للظاهر .
وكيف يكون مخالفاً للظاهر ؟
ـ مثاله ما اذا ادّعى المالك قلّة نصيب العامل من الربح بمقدار لا يُجعل عادة للعامل كواحد في الاَلف وادّعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف.
واذا ادّعى العامل تلف البضاعة، أو الخسارة، أو عدم الربح وانكر قوله المالك ؟
ـ القول قول العامل عند المراجعة الى الحاكم الشرعي ما لم يكن مخالفاً للظاهر .
كما اذا ادّعى تلف البضاعة بحريق اصابها وحدها دون سائر الاموال التي كانت في ضمنها .
واذا ادّعى المالك ان العامل قد خان أو فرط في الاموال ؟
ـ القول قول العامل ياخذ به ـ كسابقه ـ الحاكم الشرعي عند المراجعة بالشرط المتقدّم.
احياناً يوكل انسان انساناً آخر ليقوم مقامه في عمل كان هو يباشره، كأن يوكل اِنسان اِنساناً آخر بأن يبيع داره أو محله أو ما شاكل ، فهل لهذه شروط خاصة ؟
ـ نعم يعتبر في الوكيل والموكل أن يكونا عاقلين قاصدين اِجراء الوكالة مختارين غير مجبرين عليها ، كما يعتبر في الموكل البلوغ اِلاّ فيما تصح مباشرته من الصبي المميز.
وهل هناك لفظة معينة للوكالة أو صيغة محددة ؟
ـ كلا ، فليس للوكالة لفظ محدد ولا ضيغة معيّنة ويكفي فيها كل ما يدل عليها من قول أو فعل أو كتابة ، وتبطل الوكالة بموت الوكيل أو الموكل.
احياناً يؤجِّر الانسان داره أو دكانه أو نحوهما أو يؤجر نفسه لعمل كالخياطة أو البناء أو السياقة مثلاً فماذا يعتبر في الاَجارة وما هي احكامها ؟
ـ تصح الاجارة من المالك أو الوكيل أو الولي ، وتصح من الاَخرين اذا أجازها بعد ذلك المالك أو الوكيل أو الولي.
ويعتبر في المؤجر والمستأجر البلوغ، والعقل، والاختيار ، وعدم الحجر لسفه أو فلس ، نعم تصح اجارة المفلس نفسه .
ويعتبر فيما يؤجر كالمحل أن يكون معيناً محدداً ، وأن يشاهده المستأجر أو يعلم من خلال الوصف خصوصياته وأن يتمكن المؤجر من تسليمه للمستأجر نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء عليه وأن يكون قابلاً للانتفاع به لما قصده المستأجر مع بقاء عينه ، وأن يكون ذلك الانتفاع محللاً فلا تصح اجارة المحل مثلاً لبيع الخمر، وهكذا غيره من المحرمات.
وهل للاجازة لفظ محدد ؟
ـ ليس للاجارة لفظ محدد بل يكفي في صحتها كل فعل يدل عليها، فيكفي للاَخرس مثلاً ان يشير اشارة مفهمة للايجار أو الاستئجار، فتصح اِجارته.
واِذا استأجر انسان بيتاً أو محلاً واشترط عليه المؤجر أن يسكنه هو دون غيره أو يعمل فيه هو دون غيره ، فهل يحق للمستأجر أن يؤجره غيره ؟
ـ كلا لا يحق له ذلك.
اِذا لم يشترط عليه المؤجر شرطاً كهذا ؟
ـ للمستأجر حينئذٍ الحق في ايجاره لغيره، شرط أن لا يؤجّره بالاكثر قيمة مما أستأجره به اِلاّ أن يرممه أو يصبغه أو يعمره أو ماشاكل ، هذا في الدار والسفينة والحانوت [وكذلك في غيرهما من الاَعيان المستأجرة بما في ذلك الاَراضي الزراعية].
قال ذلك أبي ثم اضاف.
ولا تصح الاِجارة اِلاّ اِذا حددت مدتها ، فمن أجر داراً يجب أن يحدد مدة اِجارته ومن أجر محلاً يجب أن يحدد مدة اِجارته وهكذا .
اِضرب لي مثلاً على اِجارة غير محددة وبالتالي فهي غير صحيحة ؟
ـ لو قال المالك للمستأجر: «أجرتك داري كل شهر بمائة دينار مهما أقمت فيها»، فالاِجارة غير صحيحة .
ولو قال المالك للمستأجر: «أجرتك محلي لهذا الشهر فقط بخمسين ديناراً وكلما أقمت بعد ذلك فبحسابه». فالاِجارة صحيحة بالنسبة للشهر الاِول فقط وباطلة في غيرها .
هذا اِذا كانت المعاملة السابقة بعنوان الاِجارة، ويمكن أن تعالج وفق عناوين أخرى لا مجال هنا لذكرها .
واذا سلمَّ المؤجّر داره أو محله للمستأجر ؟
ـ وجب على المستأجر تسليم الاَجرة.
واذا انهدمت الدار أثناء مدة الاِجارة وهي بيد المستأجر ؟
ـ اذا لم يقصر المستأجر في حفظها ولم يتعد فيتسبب في هدمها فهو غير مسؤول عن ذلك.
ولو أجر مؤجر سيارته لمستأجر مثلاً ؟
ـ وجب تحديد كيفية استخدامها فهل هي للركوب، أو لحمل البضاعة، أو لكليهما معاً وهكذا في بقية الاَشياء الأخرى يجب تعيين نوع المنفعة.
واذا أجرها لنقل كمية من اللحوم المذبوحة بطريقة غير شرعية ليبيعها على من يستحلها ؟ .
ـ ألم أقل لك سابقاً لا تصح اِجارة محل لبيع الخمر؟ [هذه مثلها لا تصح كذلك].
لو وكلِّ مالك شخصاً ليستأجر له عمّالاً بأجر معين فاستأجرهم الوكيل باقل مما حدد المالك ؟
ـ يحرم على الوكيل أخذ الزيادة ويجب اعادتها الى المالك.
ولو أستاجر مالك دارٍ صباغاً لصبغ داره بصبغ حُدِّد للصباغ نوعه ولونه ومواصفاته فصبغه الصباغ بغيره .
ـ لم يستحق الصباغ أجرةً أصلاً.
بقي أن اسالك عن «السرقفلية» أو «الخلو» ؟
ـ السرقفلية تقع على انحاء مختلفة ... منها ان يتفق المالك والمستأجر في ضمن عقد الايجار على ان يأخذ المالك مبلغاً معيناً من المال ويبقى للمستأجر حق استغلال المحل بعد انتهاء مدة الايجار أزاء مبلغ معين سنوياً أو ازاء ما يعادل الاجرة السنوية المتعارفة للمحل في كل سنة .
فاذا اتفقا على هذا النحو جاز للمستأجر أن يبقى في المحل بعد انتهاء مدة الاجارة ويدفع الى المالك المبلغ المتفق عليه كما يحق له التنازل عن حقه هذا لشخص ثالث ويخلّي له المحل ازاء مبلغ يتفقان بشأنه ، ولا يشترط في الحالتين اذن المالك ورضاه بعد ما وافق منذ البداية على المستأجر حق استغلال المحل والاستفادة منه بعد انتهاء مدة الاِجارة.
لو أهدى انسان انساناً شيئاً ما دون مقابل ووهبه اِياه فهل لذلك شروط معينة من وجهة نظر المشرع الاسلامي ؟
ـ نعم يعتبر في الواهب المهدي ان يكون بالغاً عاقلاً قاصداً الاِهداء مختاراً غير مجبر ولا محجور عليه فيما وهبه فانه حينئذٍ تصح هديته أو هبته بما في ذلك هدية أو هبة المريض وهو في مرض الموت فهي تنفذ بمقدار الثلث فما دونه أما فيما هو أكثر من ذلك فيصح باجازة الورثة.
ـ والهبة عقد يحتاج الى ايجاب وقبول ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما من قول أو فعل كما يحتاج الى القبض أي أن يقبض الموهوب له العين الموهوبة اذا لم تكن هي بالاصل عنده .
واذا لم تكن عند الموهوب له ولم يقبضها من الواهب ؟
ـ تبقى على ملك مالكها الاَول حتى يتسلمها الموهوب له في حياة الواهب فتنتقل الى ملكه .
وكيف يمكن قبض مثل الدار لو أعطيت هدية ؟
ـ اِذا رفع الواهب يده عن الدار أو العقار وأخلاه وجعله تحت سيطرة الموهوب له فقد تم التسليم والقبض وصحت الهدية أو الهبة.
ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض أو التسليم ؟
بطلت الهدية أو الهبة وانتقل الشيء الموهوب الى وارث الشخص الواهب.
احياناً يجد الانسان حاجة أو مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فيلتقطه ؟
ـ هنا عدة حالات:
1 ـ ان لا يوجد في المال الملتقط علامة (أي ميزة يمكن ان يصفه بها صاحبه فيتوصل بها اليه) وفي هذه الحالة يجوز للملتقط ان يأخذه لنفسه .
2 ـ ان يكون في المال الملتقط علامة وكانت قيمته دون الدرهم الشرعي أي 6\12 حمصة من الفضة المسكوكة وفي هذه الحالة لا يجب على الملتقط الفحص عن مالكه ولكن [ ليس له ايضاً ان يأخذ لنفسه بل يتصدّق به على فقير].
3 ـ ان يكون في المال الملتقط علامة وتكون قيمته درهماً أو يزيد وفي هذه الحالة يجب على الملتقط المبادرة الى التعريف به والتحري عن مالكه من تاريخ الالتقاط واِلى تمام السنة، ويجب ان يكون التعريف به في اماكن تجمع الناس كالاسواق والمحلات العامة والمجالس وغيرها حيث يتوقع وجود صاحبه هناك.
اِذا يعثر على المالك ؟
ـ اِذا لم يعثر الملتقط على المالك وكانت اللقطة في حرم مكة المكرمة [تصدق بها عن مالكها] واِذا كانت في أي مكان آخر تخيّر الملتقط بين أمرين: اِما أن يحفظها لمالكها وله حينئذ حق الانتفاع بها مع التحّفظ على عينها واما ان يتصدق بها عن مالكها [وليس له أن يتملكها في مطلق الاحوال] .
لو كان الشيء الملتقط مجموعة من العملات النقدية ؟
ـ اذا أمكن معرفة مالكها بسبب بعض خصوصياتها مثل عددها أو زمانها الخاص أو مكانها الخاص وجب التعريف بها .
ولو ادعى مدعٍ أنّه مالكها ؟
ـ اِذا عُلم صدقهُ وجب دفعها اِليه، واذا وصفها وكان وصفه مطابقاً للحقيقة فحصل الاطمئنان بصدقه وجب كذلك دفعها اِليه.
تقول الاطمئنان، واذا لم يحصل الاطمئنان بصدقه، بل حصل الظن ؟
ـ لا يكفي حصول الظن.
كان هذا هو حكم مال ملتقط لم يعرف صاحبه ، أما اِذا استولى انسان ما على أموال أو حاجات أو عقار من انسان آخر ظلماً وعدواناً وغصباً ؟
ـ الغصب من كبائر المحرمات، ويعذب الغاصب يوم القيامة بأشد أنواع العذاب، فقد روي عن النبي الاكرم محمد صلى الله عليه وآله: «من غصب شبراً من الاَرض طوّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة».
ويجب على الغاصب ردِّ المغصوب الى مالكه داراً كان الشيء المغصوب أو نقوداً أو حاجات أو غير ذلك .
واذا أعاد الدار المغصوبة الى صاحبها فهل تبرأ ذمّته ؟
لا بل يغرم له مقدار أجرة مثل تلك الدار أيضاً.
حتى لو لم يسكنها غاصبها ؟
ـ نعم يغرم اجرتها حتى لو لم يسكنها في تلك المدة؛ لانّه فوت عليه استيفاء منفعة ملكه فكأنه قد أتلفها عليه فيضمنها له .
لو غصب انسان ارضاً فغرسها وزرعها ؟
ـ على الغاصب اِزالة غرسه وزرعه فوراً مع أجرة مثل هذا المقدار من استغلاله للارض ، بل لو استلزم قلع الغرس والزرع نقصاناً في قيمة الاَرض بسبب القلع وجب على الغاصب التعويض بدفع بدل النقصان، هذا اِذا لم يرض المالك ببقائه في الاَرض مجاناً أو بأجرة والا لم تجب على الغاصب ازالته بل يجوز له ابقاؤه فيها بالنحو الذي يرضى به المالك.
واذا تلف المغصوب عند الغصب دون تعمد منه ؟
ـ يجب عليه رد عوضه الى مالكه وعوض منافعه المستوفاة والمفوتّة.
وكيف يرد عليه عوضه ؟
ـ المغصوب، على نوعين:
1 ـ القيمي: وهو الذي لا يكثر وجود ما يماثله تماما في الخصوصيات والمشخصات التي تختلف باختلافها الرغبات كالبقر والغنم ... وهذا النوع يرد الغاصب قيمته يوم التلف.
2 ـ المثلي : وهو الذي يكثر ما يماثله تماماً في الخصوصيات والمشخصّات كالحنطة والشعير فيلزم الغاصب رد مثله، شريطة ان يتحد المثل المدفوع مع التالف في جميع الخصوصيات النوعية والصنفية فلا يجزي الرديء من الحنطة ـ مثلاً ـ عن النوعية الجيدة منها .
واذا أخذت غصباً سلعة من غاصبها الاول، ثم تلفت السلعة ؟
ـ يحق لصاحبها مطالبة أي من الغاصبين شاء ببدلها من المثل أو القيمة سواء غاصبها الاَول أو غاصبها الثاني، لكن لو رجع المالك على الغاصب الاول كان له أن يطالب الثاني بما غرمه للمالك دون العكس.
اِذا علم المالك بوجود ماله المغصوب عند الغاصب ؟
ـ يحق له انتزاعه من يد غاصبه ولو بالقوة ، قال ذلك أبي وأضاف:
واذا وقع في يده مال للغاصب جاز له أخذه بدل المال المغصوب لو كان مساوياً له في القيمة.
واذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من المال المغصوب ؟
ـ يجوز لصاحب المال المغصوب أخذ حصة منه مساوية لقيمة ماله المغصوب يستوفي بها حقه .
قبل أن تختم حوارية اليوم أحب أن أسالك سؤالا شخصياً .
ـ تفضل .
كثيراً ما أشاهدك تدفع الصدقة.
ـ نعم ، ولكن كيف لاحظتني فأنا حين أتصدّق اُحاول أن لا يراني أحد، ذلك أن الصدقة المستحبة اِذا دفعت سراً كانت أفضل مما لو دفعت جهراً أمام أعين الناس فقد كان اِمامك علي بن الحسين عليه السلام يقول: «صدقة السر تطفىء غضب الرب».
وهل يعتبر في الصدقة شيء ؟
ـ يعتبر في الصدقة قصد القربى لله تعالى .
وهل لها وقت محدد ؟
ـ كلا ... ولكن يستحب التبكير بها ، فاِن التبكير بها يدفع شرِّ ذلك اليوم ويستحب دفعها في أول الليل كذلك فاِن دفعها في أول الليل يدفع شرّ الليل.
يقول معلى بن خنيس: «خرج أبو عبد الله عليه السلام في ليلة قد رشّت السماء وهو يريد ظلة بني ساعدة فاتبعته فاذا هو قد سقط منه شيء ، فقال: بسم الله اللّهم ردّ علينا ، قال: فأتيته فسلّمت عليه، فقال: أنت معلى؟ قلت: نعم ، جعلت فداك ، وقال لي: التمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه اليّ، قال: فاِذا بخبز منتثر فجعلت أدفع اِليه ما وجدته فاِذا أنا بجراب من خبز ، فقلت: جعلت فداك أحمله عنك، فقال: لا، أنا أولى به منك ولكن امض معي ، قال: فاتينا ظلة بني ساعدة فاِذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى أتى على آخره، ثم انصرفنا ، فقلت: جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق ؟ فقال: لو عرفوا لواسيناهم بالدقة ـ والدقة هي الملح ـ اِن الله لم يخلق شيئاً اِلاّ وله خازن يخزنه اِلاّ الصدقة فاِن الرب تبارك وتعالى يليها بنفسه وكان أبي اِذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثمّ أرتده منه وقبله وشمّه ثم ردّه في يد السائل وذلك أنّها تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل».
أفهم من هذه القصة أن للصدقة فضلاً عظيماً ؟
ـ نعم فقد تواترت الروايات في الحث عليها والترغيب فيها ، فورد أنّها دواء المريض، وبها يدفع البلاء وقد أبرم ابراماً، وبها يستنزل الرزق، وبها يُقضى الدين، واِنّها تزيد في المال، وتدفع ميتة السوء والداء ، و ... و ... الى أن عدِّ سبعين باباً من ابواب السوء تسد .
ولكن رغم كل هذا الفضل للصدقة فاِن التوسعة على العيال أفضل من الصدقة على غيرهم ، كما أن الصدقة على القريب المحتاج أفضل من الصدقة على غيره وأفضل منها الصدقة على الرحم المعادي.
على الرحم المعادي ؟
ـ نعم الرحم المعادي.
ـ وأفضل من الصدقة القرض ، نعم أفضل من الصدقة الاقراض كما سبق نقل الرواية فيها ...