لا أكتمكم أني ساعة دخلت القاعة لحوارية اسمها «الذباحة والصيد» ما كان يخطر ببالي أن أسمع ما سمعت، ولا أن أخرج منها بما خرجت به.
فقد كنت أظن أني سأسمع اليوم عن «الذباحة» قساوة في التعامل مع المذبوح تساوق قساوة الذبح. ولكني فوجئت!!
تُرى ، أبكل هذه الرِّقّة يوصي المشرِّع الاِسلامي ذابح الحيوان ان يتعامل مع حيوانه!
تُرى ، أبكل هذا الاهتمام حتى بمشاعر الحيوان وأحاسيسه من أن تتوتَّر أو تتشنّج أو تثور يحث المشرِّع الاِسلامي ذابح الحيوان أن يتصرَّف ؟! تُرى ، أبكل، هذا الحرص على عدم تعذيب الحيوان أو اِيذائه يدعو المشرّع الاِسلامي ذابح الحيوان أن يكون ...؟!
استعرضت هذه الافكار في ذهني على عجل ، واستعرضت معها بالمقابل ببطء قاس صوراً مفزعة لحالات تعذيب مريعة للحيوان وأنا استمع الى أبي وهو يحدثني عن مستحبّات الذباحة.
قال أبي: يستحب لذابح الحيوان أن يسوق حيوانه الى مذبحه برفق.
ويستحب لذابح الحيوان أن يعرض الماء على حيوانه قبل ذبحه.
ويستحب لذابح الحيوان أن لا يُري حيوانه شفرة الذباحة.
ويستحب لذابح الحيوان أن يُمرَّ السكّين على مذبح حيوانه بقوّة حتى يريحه ساعة الذبح.
ويستحب لذابح الحيوان أن يجدَّ في الاسراع بذبح حيوانه ليضمن سهولة الذبح.
ويستحب لذابح الحيوان أن لا يُحرك حيوانه بعد ذبحه من مكان الى اَخر حتى يموت.
ويكره أن تكون الذباحة بمنظر من حيوان اَخر من جنسه.
ويكره أن يذبح الاِنسان بيده ما ربّاه من النِّعم.
ويكره سلخ جلد الذبيحة قبل خروج روحها.
قال ذلك أبي وأضاف معزِّزاً قوله بحديث مروي عن نبيّنا الكريم محمّد صلى الله عليه وآله جاء فيه: «ان الله تعالى شأنه كتب عليكم الاِحسان في كل شيء ، فاذا قتلتم فاحسنوا القتلة، واذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحدَّ أحدُكم شفرته ، وليُرح ذبيحته».
ولكني لا أعرف كيف أذبح حيواناً يا أبي ؟
ــ اذا أردت أن تذبح فاقطع الاَوداج الاَربعة تماماً.
وما هي الاَوداج الاَربعة ؟
ـ اِنّها «المريء» مجري الطعام و«الحلقوم» مجرى التنفّس و«الودجان» وهما عرقان يحيطان بالحلقوم والمريء.
زدني ايضاحاً يا أبي.
ـ يقول الخبراء المتمرّسون في الذّباحة بأنّك اِذا قطعت الاَوداج الاَربعة فستجد (الجوزة) في جهة الرأس ، أما لو وجدت بعضها في الجسد فمعنى ذلك أن قطعك للاَوداج الاَربعة لم يكن تامّاً ، لاَنّ الجوزة هي مجمع الحلقوم والمريء وفوقها لا حلقوم ولا مريء.
معنى هذا اني حين أذبح أقطع من تحت الجوزة لا من فوقها ؟
ـ بالضبط ... اِقطع من تحت الجوزة حتى لا تكون الجوزة في الجسد.
ولو أخطأتُ فقطعت من فوق الجوزة لا من تحتها ثمّ انتبهت فوراً لخطئي فهل لي أن أعود فاقطع من تحت الجوزة قبل أن تموت الذبيحة ؟
ـ نعم لك ذلك.
اضاف أبي قائلاً:
تختصّ الاِبل «الجمال» من بين البهائم بانّها تنحر ولا «تذبح».
وكيف أنحرها ؟
ـ اذا اردت أن تنحر الاِبل فأدخل السكين أو الرمح أو غيرهما من الاَلات الحديدية الحادة في «لبّتها».
وما اللبّة ؟
ـ اللبّة هي الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متّصلاً بالعنق.
عرفت الاَن كيف أذبح الغنم أو البقر أو الدجاج أو الحمام أو غيرها ، وعرفت كيف أنحر الاِبل (الجمال).
ـ اذا عرفت ذلك ومن أجل أن يحل لك أكل لحوم حيوانات كالغنم والبقر والدجاج والحمام وغيرها ، فلابدّ من توافر شروط عدة في ذباحتها ، وهذه الشروط هي :
1 ـ ان يكون الذابح مسلماً رجلاً كان أو أمرأة أو صبياً مميّزاً ، فلا تحل ذبيحة الكافر [حتّى الكتابي وان سمّى].
2 ـ ان يكون الذبح باَلة حديدية قدر الامكان، أمّا اذا لم توجد الاَلة الحديدية جاز الذبح بالنحاس أو الصفر أو الرصاص أو الزجاج أو الحجارة الحادّة أو غيرها مما يقطع الاَوداج.
والسكاكين المصنوعة من الاستيل ؟
ـ فيها نسبة غير مستهلكة من الكروم وهي مادّة اخرى غير الحديد فيُشكل الذبح بها.
3 ـ أن توجّه الذبيحة للقبلة حال الذبح وذلك بأن توجّه مقاديم جسدها من الوجه واليدين والبطن والرجلين للقبلة اِذا كانت قائمة أو قاعدة للقبلة تماماً كما يتوجّه الاِنسان القائم أو القاعد للقبلة حال الصلاة ، أما اذا كانت الذّبيحة ملقاة على الارض فيتحقّق استقبالها للقبلة باستقبال منحرها وبطنها للقبلة.
ولو لم توجّه الذبيحة للقبلة حال الذبح ؟
ـ حرمت مع العمد.
ومع عدم العمد ؟
ـ اِذا كان السبب عدم توجيهها للقبلة هو النسيان أو الخطأ أو عدم العلم بجهة القبلة أو عدم التمكن من توجيه الذبيحة لها أو عدم العلم بأن توجيهها للقبلة شرط من الشروط التي يحل بموجبها أكل الذبيحة، اِذا كان السبب أحد ما تقدم فلا تحرم الذبيحة بعدم توجيهها للقبلة.
4 ـ أن يذكر الذابح اسم الله وحده عليها لاجل الذبح سواء سمى حين الشروع في الذبح ام قبله متّصلاً به عرفاً.
ماذا يقول في التسمية ؟
ـ يكفي أن يقول: «بسم الله» أو «الله اكبر» أو «الحمد لله».
ولو نسي الذابح التسمية عليها ؟
ـ لم تحرم الذّبيحة.
اُشاهد بعض القصّابين يقطع رأس الذبيحة عندما يذبحها.
ـ قل له [لا تقطع رأس الذبيحة متعمّداً ، ولا تصب نخاعها قبل أن تموت ، والنخاع هو الخيط الاَبيض داخل فقرات الرّقبة].
5 ـ أن يخرج الدم بالشكل المتعارف المعتاد، فلا تحل الذبيحة اِذا لم يخرج منها الدم أو خرج قليلاً بالنسبة الى نوعها بسبب انجماد الدم في عروقها ، واما اذا كانت قلّته لاَجل سبق نزيف الذبيحة لجرح مثلاً لم يضرّ ذلك بحليتها .
هذه هي الشروط الواجبة في الذباحة .
قال أبي:
بقي أن اشير الى حالة خاصة وهي أنه اذا شككنا في حياة حيوان حال ذبحه فيشترط ـ اضافةً لما تقدم ـ أن يتحرّك بعد ذبحه ولو حركة يسيرة كأن يحرِّك ذنبه أو رجله أو تطرف عيناه أو غيرها ليحل لنا أكل لحمه .
واذا كنّا نعلم بحياته حال الذبح ؟
ـ لا حاجة لهذه الحركة حينئذ .
قلت لي ان الاِبل يجب ان تنحر ، فهل هناك من شروط لحليّة أكل لحمها اضافة للنحر ؟
ـ يشترط في الناحر ما يشترط في الذابح «راجع فقرة ـ 1 ـ».
ـ ويشترط في اَلة النحر ما يشترط في اَلة الذبح «راجع فقره ـ 2 ـ».
ـ ويجب في النحر استقبال القبلة بالمنحور والتسمية والحياة حال النحر وخروج الدّم المعتاد بعد النّحر.
والجنين الذي في بطن الحيوان ؟
ـ اِذا اُخرج حيّاً من بطن اُمّه فحكمه حكم اُمّه، يذبح أو ينحر حسب نوعه.
قد يخرج ميتاً ؟
اِذا ذبحت اُمّه أو نحرت وفق الشروط السابقة فمات في داخلها وكان تام الخلقة قد نبت شعره أو صوفه أو وبره حل أكل لحمه ، هذا ولا يجوز تأخير اخراج الجنين من بطن اُمّه الى ان يموت ، بل يجب التعجيل بشقّ بطنها بعد ذبحها فلو تواني الذابح في اخراجه حتى مات لم يحل أكل لحمه.
واذا ماتت اُمّه من دون أن تذبح أو تنحر ومات جنينها في بطنها ؟
ـ حرم أكل لحمه.
الشروط مارة الذكر ـ قال أبي ـ اذا اجتمعت في ذبح حيوان أو نحره قلنا ان هذا الحيوان «مذكّى» فهو مذبوح وفق قواعد واُصول الذباحة في الشريعة الاِسلامية،
اضاف أبي شارحاً: ـ
والحيوانات بعضها مأكول اللحم كالغنم والبقر وغيرهما.
وبعضها غير مأكول اللحم كالاَسد والنمر والثعلب والفهد والصقر والنسر وبعض الحشرات التي تسكن باطن الاَرض.
وبعضها نجس لا يطهر أبداً كالكلب والخنزير.
وتقع التذكية على كل حيوان مأكول اللحم، فاذا ذكّي طهر وحل أكل لحمه ولا تقع على الحيوان النجس الذي لا يطهر أبداً كالكلب والخنزير.
والحيوانات غير مأكولة اللحم كالثعلب والاَسد والنسر ؟
ـ تقع التذكية عليها كذلك عدا الحشرات وهي الدّواب الصغار التي تسكن باطن الارض كالضب والفار فانّها لا تذكّى واما غيرها فتقع عليه التذكية، فيطهر لحمه وجلده بها فيجوز استعمال جلده اَنذاك بشتّى انواع الاستعمالات الممكنة حتى لو اتّخذ منه ـ كما كان يفعل أجدادنا ـ ظرفاً للسمن أو للماء فلا ينجس ما يلاقيه واِن كان رطباً لاَنّه مذكّى.
اذا وجدنا لحم حيوان قابل للتذكية أو جلده بيد شخص مسلم يبيعه أو يلبسه أو يفرشه ولا نعلم هل هو مذكّى ام لا ؟
ـ قل انّه مذكّى مادمت وجدته بيد المسلم مقترناً بما يقتضي تصرّفه فيه تصرّفاً يناسب التذكية، اِلاّ اذا ثبت لك بانّه غير مذكّى.
اكثر من ذلك ـ قال أبي ـ اذ وجدته بيد المسلم يبيعه مثلاً وكان قبلاً بيد الكافر ويحتمل انّه حقق تذكيته فقل كذلك انّه مذكّى اِلاّ اذا ثبت لك بأنّه غير مذكّى.
مع ملاحظة جديرة بالتأمّل وهي: أنّه اذا علمت انّ المسلم أخذه من الكافر من دون تحقيق عن تذكيته واحتملت انّه مذكّى فلك ان تبني على طهارته وان لم يجز لك استعماله فيما يعتبر فيه التذكية كالاَكل ، وهكذا اللحوم والجلود المأخوذة من يد الكافر مباشرة.
قلت لي : اذا وجدت لحم حيوان قابل للتذكية أو جلده بيد مسلم ولا تعلم انّه مذكّى أو لا ، فقل اِنّه مذكّى حتى يثبت لك عدم تذكيته أليس كذلك ؟
ـ نعم.
المسلمون كما تعلم يا سيدي مذاهب وفرق مختلفة ؟
ـ نعم ، قل انّه مذكّى سواء أكان مذهب المسلم هذا موافقاً لمذهبك أم مخالفاً له .
هناك ربما من المذاهب الاِسلامية أو الفرق من لا يشترط الشروط التي ذكرتها للتذكية ، فلا يشترط استقبال القبلة مثلاً ، ولا التسمية ولا كون الذابح مسلماً ولا يشترط قطع الاَوداج الاَربعة .
ـ أعرف ذلك ، وهذا لا يهم ، قل اِنّه مذكّى مادام يتصرف به تصرّفه في لحم وجلد الحيوان المذكّى وتحتمل أنّه ذكّاه وفق الشروط مارة الذكر وان لم يكن يعتقد لزوم رعايتها ، بل لو تيقنت عدم رعايته لشرط الاستقبال لم يضرّ ذلك بحلية ذبيحته مادام معتقداً بعدم لزوم الاستقبال.
والحيوانات المذبوحة بالمكائن في البلدان الاِسلامية ؟
ـ اذا توفرت في ذبحها الشروط مارة الذكر فهي مذكّاة ، فاذا كان العامل الذي يتولّى تحريك السكينة بيده أو يضغط على الزر المعيّن لتقوم الماكنة بتحريك الشّفرة مسلماً وكان يسمّي على ذبائحه وكانت الذبائح مستقبلة القبلة حال الذبح مع توفّر بقيّة الشروط المتقدّمة حلّ اكل لحمها كالمذبوح باليد تماماً .
والاَسماك ؟ لم تحدّثني عن تذكية الاَسماك .
ـ تذكية الاَسماك وبالتالي حلّية اكل لحمها تختلف عن تذكية الحيوانات الاُخرى مارة الذكر، ذلك ان السمك متى ما استوليت عليه حيّاً خارج الماء كأن تكون اصطدته بيدك داخل الماء وأخرجته حيّاً للخارج ، أو اصطدته بالشباك أو بالشصِّ أو بالفالة، أو كأن يكون السمك قد خرج بعد نضوب الماء فأخذته فقد ذكيته ، أو كأن يكون السمك قد قفز بنفسه الى الساحل فأمسكته حيّاً فقد ذكّيته ، أو وثب في سفينة فأخذته حيّاً فقد ذكّيته ، وهكذا.
واذا وثبت سمكة الى الاَرض فلم تؤخذ حتى ماتت ؟
ـ حرم عليك أكل لحمها، اكثر من ذلك لو نظرت الى سمكة وهي حيّة تضطرب على الاَرض ولم تعلم أن انساناً أخرجها من الماء ولم تستول أنت عليه حتى ماتت فقد حرم اكل لحمها عليك.
وشرط التسمية لم تذكر شرط التسمية على السمك.
ـ لا يشترط في تذكية السمك التسمية.
والاِسلام ؟ أقصد أن يكون صائدها وهي حيّة مسلماً ؟
ـ لا يشترط في تذكية السمك ان يكون صائدها وهي حية مسلماً.
معنى هذا أنّه اذا أخرج الكافر السمك حيّاً من الماء جاز لي أكله ؟
ـ نعم جاز لك أكله، فلا فرق هنا بين المسلم والكافر.
واذا وجدت سمكة في يد مسلم يبيعها مثلاً ولم أدر أنه استولى عليها حيّة خارج الماء فيحل لي أكلها ، أو استولى عليها ميتة فلا يحل لي أكلها ؟
ـ قل انّها مذكّاة ما دامت في يد المسلم يتصرّف بها تصرّفاً دالاً على التذكية كأّنَ يبيعها للاكل مثلاً أو ما شاكل.
واذ وجدتها في يد الكافر ولم أدر أنّه استولى عليها خارج الماء حيّة أو ميتة ، أقصد هل هي مذكّاة أم لا ؟
ـ قل انّها غير مذكّاة.
اكثر من ذلك لو أخبرك الكافر أنّها مذكّاة لم يحل لك أكل لحمها، اِلاّ اذا علمت أنّه قد أخرجها من الماء قبل موتها أو أنّه أخذها خارج الماء وهي حيّة أو أنّها ماتت داخل شبكته أو حضيرته في الماء.
اذا ألقى الصياد الزهر «السم» في الماء فابتلعه السمك فطفا على سطح الماء لعجزه عن السباحة ؟
ـ اذا أخذته حيّاً جاز لك أكل لحمه أما اذا مات قبل ذلك فقد حرم.
لو نصب الصياد حضيرة أو صنع شبكة لاِصطياد السمك فدخلها السمك ثمّ نضب الماء أو انحسر بسبب الجزر أو بأي سبب اَخر فمات السمك فيها بعد نضوب الماء ؟
ـ لك ان تأكل ذلك السمك.
يرمي الصياد شباكه في الماء ثمّ يخرجها محملة بسمك قد مات وهو في الشبكة ؟
لك ان تأكله كذلك .
يخرج الصياد السمك الحي من الماء فيشق بطنه أو يضربه على رأسه فيموت ؟
ـ يحل لك أكل لحمه ، لاَنّه لا يشترط في السمكة اذا اخرجت من الماء حيّة أن تموت بنفسها، فيجوز اكل لحمها لو ماتت بالتقطيع أو بالشواء أو بغير ذلك.
والدم الخارج منها ، ألا تحتاج قبل الشواء الى تطهير ؟
ـ دم السمكة طاهر.
قلت لاَبي : حدثتني عن صيد السمك ولم تحدثني عن صيد الحيوانات الوحشية كالغزال مثلاً اذا اصطيد بالبندقيّة ؟
ـ يشترط في تذكية الحيوان الوحشي المحلّل أكله كالغزال والطير وبقر الوحش وحمار الوحش وغيرها اِذا اصطيد بالبندقيّة أو بغيرها من السلاح شروط عدة اذا اجتمعت حلَّ اكله وطهر كما لو ذبح.
من هذه الشروط:
1 ـ أن يكون الصائد مسلماً أو ما بحكمه كالصبي المميّز كما مرّ في شروط الذبح.
2 ـ أن يكون قاصداً الاِصطياد وهو يستعمل سلاحه ، فلو رمى هدفاً فأصاب حيواناً خطأً فقتله مصادفة لم يحل.
3 ـ أن يسمي عند استعمال سلاحه في الاِصطياد، او قبل اصابة الهدف ويكفي في التسمية أن يقول: «الله اكبر» أو «بسم الله» أو «الحمد لله».
4 ـ أن يدرك صيده ميتاً بسبب السلاح أو يدركه حيّاً ولكن لا يسع الوقت لتذكيته ، فلو أدرك صيده حيّاً وكان الوقت يتسع لذبحه ولم يذبحه حتى مات لم يحل اكله .
5 ـ في صيد البندقيّة يجب أن تكون الطلقة على وجه تنفذ في بدن الحيوان، وتخرقه بحيث يكون سبب قتله اختراقها ونفوذها في جسده.
واذا اصطيد الحيوان الوحشي المحلّل أكله كالغزال أو الطير مثلاً بكلب الصيد لا بالسلاح ؟
ـ يحل أكله ويطهر بعد اصطياده اذا توفّرت الشروط التالية:
1 ـ أن يكون الكلب معلّماً للاِصطياد بحيث يسترسل اذا أرسله صاحبه وينزجر اذا زجره.
2 ـ أن يكون صيده بارسال صاحبه له للاِصطياد، فلا يكفي استرساله بنفسه من دون ارسال.
3 ـ أن يكون مرسله للاِصطياد مسلماً كما مر في شروط الذبح.
4 ـ أن يسمي مرسله عند ارساله، ويكفي مثل «الله اكبر» أو «الحمد لله» أو «بسم الله».
5 ـ أن يستند موت الحيوان الى جرح الكلب وعقره ، لا مثل خنقه واتعابه في العَدْو ونحو ذلك.
6 ـ أن يدرك صاحب الكلب صيده بعد موته أو يدركه في الدقائق الاخيرة من حياته بحيث لا يسع الوقت لذبحه ، فلو أدركه حيّاً وكان الوقت يتسع لذبحه ولم يذبحه حتى مات لم يحل أكله وهكذا لو توانى من الوصول اليه فمات قبل ان يدركه أو ضاق الوقت عن ذبحه بعد ادراكه.
واذا اصطاد الباشق أو الصقر أو البازي أو الفهد أو غيرها حيواناً ؟
ـ لا يحل أكله اِلاّ اذا صاده الكلب فقط ، علماً بأن موضع عضة الكلب نجس ، يجب غسله ، ولا يجوز اكل الحيوان قبل غسله.
احياناً يصطاد غير الكلب كالصقر مثلاً حيواناً ويدرك صاحب الصقر صيده قبل ان يموت فيذبحه ؟
ـ يحل اكله اذا كان الصيد مأكول اللحم وذكّاه صائده وفق اصول واُسس التذكية مارّة الذكر.
اشاهدك احياناً تستعمل عبارة «الحيوان المأكول اللحم» أو عبارة «الحيوان غير مأكول اللحم» فهل هناك حيوانات لا يحل اكل لحمها دائماً ؟
ـ نعم هناك حيوانات يحرم أكل لحمها دائماً.
قال ذلك أبي، ثم صمت قليلاً كأنّه يلملم خيوط فكرة راحت تتجمع بطيئة متأنيّة في ذهنه ثم رفع رأسه اليَّ قائلاً:
من أجل أن أضعك في الصورة تماماً ساُعدد لك المهم من الحيوانات التي يحل أكل لحمها ، والمهم من الحيوانات التي لا يحل اكل لحمها حتى تكون على بيِّنة منها ، وأردف أبي يقول :
من حيوانات البرّ : يحل لك اكل لحم الدجاج بأنواعه المختلفة والغنم والبقر والاِبل والخيل والبغال والحمير وكبش الجبل وبقر الوحش وحمار الوحش والغزال .
ويكره منها ولا يحرم اكل لحم الخيل والبغال والحمير الاَهليّة .
ويحرم اكل كل ذي ناب كالاَسد والثعلب وغيرهما .
كما يحرم اكل الاَرنب والفيل والدبّ والقرد وايضاً يحرم اكل الضبّ واليربوع والفأر والقنفذ والحية وغيرها من الحشرات .
ويحرم اكل لحم ما وطئه الانسان من البهائم [ ويحرم لبنه ويحرم لحم نسله المتجدِّد بعد الوطء ] وأقصد بالوطء هنا أن يمارس الانسان الجنس مع الحيوان .
فاِن كان الحيوان الموطوء مما يطلب لحمه كالاِبل والبقر والغنم وغيرها وجب ان يذبح اولاً ثمّ يحرق ويغرم الواطئ قيمته اذا كان غير المالك .
وان كان الحيوان الموطوء مما يقصد ظهره للركوب كالخيل والبغال والحمير وجب نفيه من البلد وبيعه في بلد اَخر ويغرم الواطئَ قيمته اذا كان غير المالك .
أضاف أبي :
ومن حيوانات البحر : يحل لك اكل لحم السمك بكافة انواعه واشكاله شرط أن يكون له قشر ( فلس ) .
ويحرم الميت الطافي منه على وجه الماء .
كما يحرم اكل حيوانات البحر الاُخرى عدا السمك مار الذكر، ويحرم بالتخصيص لحم الجرّي والزّمير والمارماهي والسلحفاة والضفدع والسرطان .
ولحم الرّوبيان ؟
ـ يحل لك أكله لاَن له قشراً .
واردف أبي قائلاً :
ومن الحيوانات الطائرة : يحل لك اكل لحم الحمام بانواعه المختلفة والعصافير بانواعها والبلبل والزرزور والقبّرة والنعامة والطاووس والهدهد والخطّاف .
[ويحرم عليك اكل لحم الغراب بجميع انواعه حتى الزاغ ، كما يحرم عليك اكل الزنبور وغيره من الحشرات الطائرة عدا الجراد ] ويحرم عليك كل طائر ذي مخلب كالشاهين والعقاب والبازي والصقر ، وكل طائر صفيفه اكثر من دفيفه ، اي يحرم اكل لحم كل طائر يصفّ جناحيه ولا يحركهما اثناء طيرانه اكثر مما يحركهما ويدفّ بهما .
واذا لم نعرف كيفيّة طيرانه ؟
ـ العبرة في حليّة لحمه حينئذٍ بأن تكون له الحوصلة أو القانصة أو الصيصية فما تكون له احدى الثلاث يحل اكله دون غيره.
والحوصلة: ما يجتمع فيه الحب وغيره من المأكول عند الحلق.
والقانصة: ما تجتمع فيه الحصى الدقاق التي يأكلها الطير.
والصيصية: شوكة في رجل الطير خارجة عن الكف.
اشاهد احياناً بعض القصابين يخرج من الذبيحة اثناء تقطيعها بعض الاَجزاء ليرميها خارجاً.
ـ نعم لا تأكل من الذبيحة الاَجزاء التالية اِن وجدتها فيها:
الدم، والروث، والقضيب ، والفرج ، والمشيمة ، والغدد بكل انواعها ، والبيضتين ، وخرزة الدماغ، والنخاع ، والمرارة ، والطحال ، والمثانة ، وحدقة العين، و[العصبتين الممتدتين من الرقبة الى الذنب على الظهر] .
هذا كله في ذبيحة غير الطيور، اما ذبيحة الطيور فيحرم منها (الدم والرجيع) [ويجتنب ايضاً عن بقية المذكورات ان وجدت فيها].
ولما انتهى أبي من تعداده وصمت قلت في نفسي:
ما دمنا نتحدّث عما يحل أكله من الذبيحة وما لا يحل ، فلماذا لا أسأل عما يحرم أكله وتناوله من غير الذبيحة من أشياء. ثمّ لماذا لا أسأل ما دمنا نتحدّث عن الاَكل عما يستحب في أكل الطعام.
واذا اختمرت في ذهني فكرة السؤال قلت لاَبي:
ـ دعني أخرج عن الموضوع قليلاً لاَسأل عن سؤالين شغلا بالي:
أولهما: هل يا ترى هناك أشياء يحرم تناولها غير ما ذكرت ؟
ـ ثانيهما : مادمنا نجلس على مائدة الطعام كل يوم ثلاث مرات ، فهل هناك مستحبّات في أكل الطعام ؟
ابتسم أبي أول الاَمر كأنّه ذكر شيئاً ثم اعتدل في جلسته ليقول : ساُجيبك عن السؤال الاَول ثم اُثنّي فاُجيبك عن السؤال الثاني.
ـ نعم هناك أشياء يحرم تناولها غير ما ذكرت ، سأخصّ بالذِّكر منها شيئين مهمّين هما:
1 ـ يحرم شرب الخمر وغيره من المسكرات بما في ذلك «البيرة» ، وقد نصّ القراَن الكريم على حرمة شرب الخمر، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ).
كما ورد في بعض الاَحاديث أنّه من أعظم المعاصي، قال الاِمام الصادق عليه السلام: «الخمر اُمّ الخبائث ورأس كلّ شرّ ...» الى اَخر الحديث.
اكثر من ذلك: يحرم أكلك من مائدة يشرب عليها شيءٌ من الخمر أو أي مسكر [بل يحرم جلوسك على مثل هذه المائدة] .
2 ـ يحرم تناول كل ما يضرّ بالاِنسان ضرراً بليغاً كالهلاك وشبهه كالسموم القاتلة وأمثالها.
هذا ما يتعلّق بالسؤال الاَول.
أما ما يتعلق بالسؤال الثاني ، «مستحبات أكل الطعام» فمستحبات أكل الطعام كثيرة ، ولكن هل ستلتزم بها ؟
أعدك أن احاول.
ـ اذن خذ:
1 ـ غسل اليدين معاً قبل الطعام وبعده والتنشف بعده بالمنديل.
2 ـ التسمية عند الشروع بالاَكل.
3 ـ الاَكل باليمين.
4 ـ تصغير اللقم.
5 ـ أن تجوِّد مضغ الطعام.
6 ـ أن تطيل الاَكل والجلوس على المائدة.
7 ـ أن تفتتح وتختتم بالملح.
8 ـ أن تغسل الثمار بالماء قبل أكلها.
9 ـ أن لا تأكل وانت شبعان.
10 ـ أن لا تأكل الطعام الحار.
11 ـ أن لا تنفخ في الطعام والشّراب.
12 ـ أن لا تقشِّر الثمار التي تؤكل بقشورها.
13 ـ أن لا ترمي الثمرة من يدك قبل أن تستقصي أكلها.
14 ـ أن لا تنظر في وجوه الناس وهم يأكلون.
15 ـ أن يبدأ صاحب الطعام قبل الجميع ويختتم بعد الجميع.
16 ـ أن لا تتناول الماء على الاَغذية الدّسمة .
17 ـ أن تأكل من أمامك لا من أمام الاَخرين.
18 ـ أن لا تمتلئ من الطعام.
19 ـ أن لا تقطع الخبز بالسكين.
20 ـ أن لا تضع الخبز تحت الاِناء.
وهناك غيرها لا يسع مجالي الاَن ذكرها.
نحن مدعوون ـ قال أبي ـ لحضور حفلة عقد قران في دار جارنا أبي علي، وعلينا ان نتهيّأ في حدود الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الجمعة القادم لنشارك جارنا العزيز أفراحه بهذه المناسبة السّعيدة.
عقد قران مَن ؟
ـ عقد قران ابنه علي.
ولكن عليّاً لا زال بعد في مقتبل شبابه فهو الاَن في العشرين من عمره ولم يحن بعد وقت زواجه!.
ـ في العشرين من عمره ، وتقول لم يحن بعد وقت زواجه ! اِنّه الاَن في عنفوان الشباب وفي اوج تفتّح قواه الجسديّة والعقليّة بما في ذلك طاقاته الجنسية.
أضاف أبي:
ولما كان ضغط الجنس فاعلاً ومحرّكاً في عمر كهذا ، اذن يحسن بالشاب أن يتزوج في سن مبكرّة ليعصم نفسه من الوقوع في هاوية فعل محرّم ، فالنفس أمّارة بالسّوء كما تقول الاَية الكريمة: (وما اُبَرىَُ نَفْسي اِنَّ النَفسَ لاَمّارَةٌ بالسّوءِ اِلاّ ما رَحمَ رَبّي اِنَّ رَبّي غَفورٌ رَحيم).
ـ وما أن سمعت بضغط الجنس حتى خجلت ، ففي سنٍّ مثل سنّي يخجل أحدنا أن يتحدّث أو يسمع شيئاً عن الجنس رغم شوقه وحاجته لاَن يتحدَّث أو يسمع شيئاً ما عنه .
واِذ لاحظ أبي اِمارات الخجل بادية على وجهي سألني:
ـ أخجلت ؟
نعم ، فالحديث عن الجنس مُخجل .
ـ وعن ضغط الغريزة الجنسيّة مخجل هو الاَخر ، أليس كذلك ؟
نعم .
ـ ولكنها حاجة بايولوجية ـ حياتية ـ يشعر بها كل انسان سويٍّ مكتمل ... اِنها كالطعام والشراب وغيرهما من حاجات الجسد الاُخرى.
فكما أنّك تحت ضغط الحاجة الى الطعام تأكل ... وأنّك تحت ضغط الحاجة الى شرب الماء تشرب ، فانّك تحت ضغط الحاجة الى الجنس تتزوّج .
ولكن عليّاً لا زال شابّاً ؟
ـ أحياناً يجب الزواج على الاِنسان.
تقول أحياناً يجب الزواج... تقصد يجب شرعاً ؟
ـ نعم يجب الزواج شرعاً ، اذا كان الاِنسان لا يستطيع تحت ضغط الحاجة أن يمنع نفسه من الوقوع في فعل محرم بسبب عدم زواجه .
ـ اذاً كان عليٌّ شجاعاً حين اتّخذ قراره بالتزويج وهو بعد في مقتبل عمره ؟
ـ شجاعاً ، نعم ، وجريئاً ومبدئيّاً ... فمذ أحس بضغط الحاجة الجنسيّة ورأى انثيال المغريات أمامه أنّى توجه أو تلفَّت أو سار ، أدرك بوعي الملتزم ومبدئيّته أن ثباته أصبح عرضةً للاِهتزاز وربّما السقوط.
فها هي ذي نفسه تلحُّ عليه وتجاذبه وتراوده ، وها هو ذا يضعف أمامها ويتردّد وينهار .
وفي ظل ظرفٍ ضاغط كهذا ومقلق ومحرّض ومستفز وحرج اَثر عليٌّ أن يفاتح أباه برغبته في الزواج ليحرز نصف دينه عملاً بمنطوق قول النبي الاَكرم محمّد صلى الله عليه وآله : «مَن تزوّج فقد أحرز نصف دينه فليتّق الله في النصف الاَخر».
قال ذلك أبي وأضاف معقِّباً:
الزواج عمل محبوب لله عزّ وجل ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وَمِنْ اَياتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِنْ أنفُسِكُم أزواجاً لِتَسكنوا اِليْها وَجَعَلَ بَيْنكُم مَوَدّةٌ وَرحمَة).
وقال تعالى في موضع اَخر من كتابه الكريم: (هو الذي خَلَقَكم مِنْ نفسٍ واحِدَةٍ وَجعلَ مِنْها زَوْجَها ليسكنَ اِليها).
وروى الاِمام الباقر عليه السلام عن جدِّه رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: «ما بُني بناء في الاِسلام أحبُّ الى الله عزّ وجل من التزويج» وقال صلى الله عليه وآله: «تَزوّجوا وزوِّجوا».
ونقلت لنا كتب الحديث عن الاِمام علي بن ابي طالب عليه السلام انّه قال: «تزوّجوا فاِن التزويج سُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله فانّه كان يقول: من كان يحب أن يتبع سنّتي فاِن سنّتي التزويج».
وعن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام انّه قال: «من أخلاق الاَنبياء حبُّ النساء» وعنه عليه السلام: «ركعتان يصليهما المتزوّج افضل من سبعين ركعة يصليها أعزب».
وحكي انّه روى عن أبيه الاِمام الباقر عليه السلام انّه قال: «ما اُحبَ أن لي الدنيا وما فيها وأنّي بت ليلة وليست لي زوجة».
وروي عن الاِمام الكاظم عليه السلام انّه قال: «ثلاثة يستظّلون بظلّ عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل اِلاّ ظله : رجل زوّج أخاه المسلم، أو أخدمه، أو كتم له سرّاً».
وهناك غير هذه الاَحاديث ما يشير الى اِستحباب الزواج وكراهيّة العزوبيّة للرجل والمرأة.
تقول للرجل والمرأة ؟! المرأة!!!
ـ نعم كراهيّة العزوبة للرجل المرأة معاً ، فهناك من الاَحاديث ما يدعو المرأة الى الزواج ويحثُّ عليه ...
فقد روي عن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام انّه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله النساء أن يتبتَّلن ويعطِّلن أنفسهن من الاَزواج».
بل اكثر من ذلك فهناك من الاَحاديث ما يدعو الى تعجيل زواج البنت وعدم تأخيرها ، فقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله قوله: «من بركة المرأة سرعة تزويجها».
التبكير بالزواج حسن ، هذا جيد ، ولكن تكاليف الزواج باهضة يا أبي، فمن أين يأتي الشاب بكل هذه الاَموال ليتزوّج والزواج يريد ويريد.
الاِسلام يدعو الى تخفيف مؤنة التزويج وتقليل تكاليفه.
تقليل تكاليف الزواج ؟
ـ نعم يدعو الاِسلام الى تقليل تكاليف الزواج.
والمهور الغالية تلك التي يشكو منها الكثيرون ؟
ـ يستحب تقليل المهر ويكره تكثيره .
ماذا تقول ؟! أيكره تكثير المهر ؟!
ـ نعم يكره تكثير المهر ويستحب تقليله فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله انّه قال : «أفضل نساء اُمّتي اصبحهنَّ وجهاً وأقلّهن مهراً».
وروي عن الاِمام الباقر عليه السلام انّه قال : « تذاكروا الشؤم عند أبي فقال: فأمّا شؤم المرأة فكثرة مهرها وعقم رحمها».
وقد ورد في الاحاديث الشريفة كذلك: «من بركة المرأة قلّة مهرها، ومن شؤمها كثرة مهرها».
قال ذلك أبي ثمّ أطرق قليلاً كمن تذكّر شيئاً ذا بال وأضاف معزّزاً حديثه قائلاً:
زوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله ابنته الصّدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام وهي سيدة نساء العالمين زوَّجها من امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام على مهر قليل ... على «درع حطيمية».
قال الاِمام الصادق عليه السلام: «زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام على درع حطيمية».
ووصف الاِمام ابو جعفر عليه السلام فيما روي عنه فراش الصّدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقال: «كان فراش فاطمة اِهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه».
قلت لاَبي:
ومشكلة عدم وجود مورد مادّي مضمون عند الشاب ليقوِّم اُسرة بعد زواجه.
أو فلنقل خوف الحاجة بعد الزّواج؟ خوف الفقر؟ خوف أن لا يجد ما يقوِّم مصرف اُسرة ؟
قال أبي: يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وَأنْكحوا الاَيامى مِنكُم والصالحين من عبادِكُم واِمائِكم اِن يكونوا فقراءَ يُغْنِهم الله مِن فَضلِهِ والله واسعٌ عليم).
ويعقب الاِمام الصادق عليه السلام على هذه الاَية فيما روي عنه فيقول: «مَن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله، يقول سبحانه (اِن يكونا فُقَراءَ يُغنِهم الله مِن فَضلِهِ).
قلتُ: هناك مشكلة يطرحها بعض الوجهاء والاَثرياء وذوي المكانة المرموقة في المجتمع.
ملخصها: أنّه لا يزوّج ابنته اِلاّ لرجل يراه هو بحساباته الخاصة لائقاً بها وحين لا يقدم من يعتبره هو مناسباً لها ـ رغم كثرة من يتقدّم لخطبتها ـ تبقى البنت بلا زواج.
ـ قال أبي: دعني انقل لك نظرة الاِسلام للزوج اللائق المناسب من خلال رسالة وردت للاِمام الباقر عليه السلام وجواب الاِمام عليها فقد روي انّه كتب علي بن اسباط الى الاِمام الباقر عليه السلام في أمر بناته وأنّه لا يجد أحداً مثله فكتب اليه الاِمام عليه السلام مجيباً :
«فهمت ما ذكرت في امر بناتك وانّك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحمك الله.
فاِن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه اِلاّ تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير».
تركني أبي عند هذه النقطة غارقاً في تأمّلاتي ، ومستعرضاً بنقد جارح عادات وتقاليد اجتماعية ضارّة نشأت خلال تراكمات زمنيّة سيّئة ، فترسّخت ضاربة أطنابها في مجتمعاتنا .
فالاِسلام يدعو الى تخفيف تكاليف الزواج، والتقاليد تخالفه .
والاِسلام يدعو الى تقليل المهور، والتقاليد تخالفه .
والاِسلام يقول: تزوّجوا ولا تخشوا الفقر، ونحن نخالفه .
والاِسلام يضع في اعتباره الخُلق والدين مقياساً للزوج اللائق المناسب، والمجتمع يضع مقاييس اُخرى، ربّما في مقدمتها الثروة والوجاهة والطبقة الاجماعية.
وما أن قاربت الساعة الخامسة حتى توجّهنا أنا وأبي الى حيث بيت جارنا أبي علي وحفلة العقد.
وسأصف لكم حفلة عقد قران علي كما شاهدتها .
صالة الاستقبال مكتظة بالمدعوّين المهنّئين، الملابس الاَنيقة المترفة تملاَ عينيك أنى تلفَّت ، فرح مكتوم يكحل أعين الجالسين، الاَضواء ترفرف في سماء الصالة المشعة بالبياض ، المزدانة بالنور ، بينما راحت باقات من ورد أبيض، واُخرى من ورد بنفسجي تتفتح توّاً أو تكاد ، تتمايل مثقلة بحملها أو متثاقلة فتضفي على جو الصّالة نكهة براءة ذات سحر سرّي غامض .
العريس علي يجلس في صدر الصالة، قرب باب داخلي مغلق ، ويجلس الى جواره سيد مهيب الطلعة، تبدو عليه سيماء الصلاح والوقار والطيبة ، ويطغى على تقاطيع وجهه بهاء رزين.
الصالة الفخمة ضاجة بالصمت، بينما راح السيد المهيب الوقور يقرع جدار الصمت بصوته القوي الرصين، وهو يخاطب العروس من وراء الباب المغلق، بعد أن قرأ بعض الاَيات القراَنية الكريمة والاَحاديث الشريفة قائلاً: أترضين يا فاطمة ، بأن أكون وكيلك ، على أن ازوّجك من الشاب علي بن محمد بمهر قدره «500» درهم نقداً ، فاِن رضيت بذلك فقولي أنت وكيلي.
فأجابت العروس بصوت خفيض، حيي لا يكاد يُسمع ، قائلة: أنت وكيلي.
وما أن قالت جملة «أنت وكيلي» وقبل السيد وكالتها حتى علت «الهلاهل» ـ الزغاريد ـ وسط الدار، كأجراس متّصلة ، تتقاطع أحياناً، وتنفرد احياناً اخرى.
وعلت الابتسامة الوجوه، وتوجّه ذلك السيد الرزين الوقور صوب الشاب علي قائلاً له: زوّجتك موكّلتي فاطمة بنت أحمد على مهر قدره «خمسمائة» درهم نقداً فأجاب العريس علي مباشرة من دون فصل: قلت التزويج.
ولماذا هذا المهر القليل يا أبتي ؟
ـ انّه مهر السّنّة وقد سن النبي صلى الله عليه وآله مهور المؤمنات من اُمّته خمسمائة درهم من الفضة في ذلك الوقت وهو زهيد كما ترى.
قلت لاَبي: وهل يحق للعروس فاطمة أن تزوِّج نفسها من دون توسّط هذا «السيد العاقد».
قال: نعم يحق للزوجين اجراء العقد بنفسيهما دون توسّط أحد، ويحق لاَحدهما أو كليهما توكيل من ينوب عنهما في اجراء العقد ويرجّح أن يتطابق الايجاب والقبول.
كيف ؟
ـ اذا قالت الزوجة مثلاً: «زوَّجتك نفسي»، يقول الزوج مباشرةً من دون فصل «قبلت التزويج» ولا يقول «قبلت النكاح».
هذا اذا كان الزواج زواجاً دائميّاً.
وهل هناك زواج غير دائم ؟
ـ نعم هناك زواج مؤقّت تتعين فيه المدّة والمهر، وتتحدّد المدّة بيوم مثلاً أو شهر أو سنة أو ما شاكل ذلك مما لا يزيد على عمر احدهما عادة ويحقّ للزوجين فيه تماماً ـ كما في الزواج الدائم ـ مباشرة العقد بنفسيهما أو توكيل من ينوب عنهما فيه ، فلو باشر الزوجان العقد غير الدائم بنفسيهما فقالت المرأة للرجل مثلاً: «زوّجتك نفسي مدّة سنة بمائة دينار» قال الرجل مباشرة من دون فصل «قبلت التزويج» صحّ العقد.
واذا تمّ ذلك ؟
ـ اذا تم ذلك، فستصبح المرأة زوجة ، تحل لزوجها مدّة العقد، من دون توارث بينهما ، ولا يجب على الزوج الاِنفاق عليها ، ولا المبيت عندها.
فاذا انتهت المدّة المتّفق عليها ، حرمت عليه ، بينما تحل المرأة في العقد الدائم لزوجها مدى الحياة ما لم يطلِّقها .
هذا ولعقد الزواج شروط:
وما هي ؟
ـ انّها، قال أبي:
1 ـ الايجاب والقبول اللفظيّان فلا يكفي تراضي الزوجين واتّفاقهما على الزواج، سواء في ذلك في الزواج الدائم وغير الدائم كما لا تكفي الكتابة من دون لفظ .
وقد مرّت عليك صيغة العقد فيما مضى .
2 ـ قصد الاِنشاء في اجراء الصيغة ، بمعنى أن يقصد الزوجان أو وكيلاهما تحقق الزواج، فتقصد الزوجة بقولها: «زوجتك نفسي» صيرورتها زوجة له ، كما أن الزوج يقصد بقوله: «قبلت التزويج»، قبول زوجيّتها له وهكذا الوكيلان عن الزّوجين.
3 ـ رضا الزّوجين واقعاً ، فالمهم هو الموافقة القلبية من الزوج ومن الزوجة على الزواج.
أحياناً ترضى الزوجة وتتظاهر بعدم الرضا حياءً وخجلاً ؟
ـ اذا حصل رضاها واقعاً فهو كافٍ ، ولا يضرّ التظاهر بعدم الرّضا حينئذٍ والعكس بالعكس تماماً.
4 ـ تعيين الزوج والزوجة بحيث يمتاز كل منهما عن الاَخرين، بالاسم أو بالوصف أوبالاشارة فلا يصح العقد اذا قال رجل لاَخر مثلاً: زوّجتك اِحدى بناتي ولم يحددها .
5 ـ [اجراء العقد باللغة العربيّة مع التمكّن منها].
وان لم يتمكّن منها ؟
ـ يكفي غيرها من اللغات المفهمة للتزويج أو يوكِّل من يتمكّن منها فيجري الوكيل العقد باللغة العربية.
6 ـ [البلوغ] والعقل فيمن يجري العقد.
أضاف أبي:
اذا تمّت هذه الشروط صحّ العقد وحلّت الزّوجة على الزوج بعد العقد مباشرة .
مباشرة ، حتى قبل أن يتمَّ الزفاف ؟
ـ نعم ، فبالعقد تحل الزوجة لزوجها .
ولكن قبل ذلك يجب أن تعلم أن صحة زواج المرأة البالغة الرشيدة البكر تتوقّف على اذن ابيها أو جدِّها لاَبيها [وان كانت مستقلّة في شؤون حياتها].
وغير البكر ؟
ـ يحق لها أن تستقل في اتخاذ قرار زواجها بنفسها .
واذا تزوّج رجل امرأة على أنّها باكر ، ثمّ ظهر له بعد الزواج أنّها ليست كذلك .
ـ يحق له فسخ العقد.
وان لم يفسخ ؟
ـ عندئذٍ سينقص من قيمة مهرها بقدر نسبة التفاوت الحاصل بين مهر امرأة باكر واُخرى غيرها.
أيحق للرجل أن يتزوَّج أي امرأة يشاء ؟
ـ نعم يحق له ذلك فيما عدا نساء يحرم عليه الزواج بهنّ .
ومن هذه النساء:
1 ـ اُمّه وجدّته وابيه.
2 ـ ابنته وبنات ابنه.
3 ـ اُخته وبناتها وبناتهنّ.
4 ـ بنات أخيه وبناتهن .
5 ـ عمّاته وخالاته .
6 ـ اُمّ زوجته وجدّاتها لاُمّها وأبيها ، وان لم يدخل بها .
7 ـ بنت زوجته المدخول بها .
8 ـ زوجة أبيه وجدّه .
9 ـ زوجة ابنه وحفيده .
10 ـ اُخت زوجته مادام متزوِّجاً اُختها ، حيث لا يجوز الجمع بين الاُختين .
ولو توفّيت زوجته مثلاً ، فهل يحق له أن يتزوّج اُختها ؟
ـ نعم يحق له ذلك .
11 ـ اُمّه من الرضاعة وبنات مرضعته ولادة وغيرهنّ مما يحرمن عليه بالنسب حيث يحرم بالرضاع ما يحرم بالنّسب .
هذا ولا يجوز لاَبي الرضيع أن يتزوّج من بنات المرضعة النسبية [ ولا من بنات الرجل الذي شرب طفله من لبنه ، السببيات منهنّ والرضاعيات ] علماً بأنّه ليس كل ارضاع يؤدّي الى تحريم بل لابدّ من توفّر شروط عدّة حتى يؤثر الرضاع اثره .
من هذه الشروط :
أ ـ أن يكون الارتضاع من الثدي مباشرةً ، لا بالواسطة ، فلا أثر لحليب امرأة اِذا شربه الطفل بالرضّاعات الصناعية مثلاً .
ب ـ عدم تجاوز عمر الرضيع سنتين ، فلو رضع أو اكمل الرضاع بعد ذلك فلا أثر له .
ج ـ بلوغ الرضاع حدّاً « ينبت لحم الرّضيع ويشدّ عظمه » ، ومع الشك في حصول هذا الاَثر يُكتفى (برضاع يوم وليلة ) أو (بخمس عشرة رضعة ) واما مع القطع بعدم حصول الاَثر ( انبات اللحم وشدّ العظم) عند هذين التقديرين الزماني والكمي فيراعى الاحتياط حينئذٍ .
ويلاحظ في التقدير الزماني ـ اي اليوم والليلة ـ ان يكون ما يرتضعه الطفل من المرضعة ، هو غذاؤه الوحيد طيلة تلك الفترة بحيث يرتضع منها متى احتاج ، فلو مُنع في بعض المدّة أو تناول طعاماً اَخر أو لبناً من مرضعة اُخرى لم يؤثر [ ويُعتبر ان يكون المرتضع في اول المدّة جائعاً ليرتضع كاملاً ويكون في اَخرها مرتوياً].
ويعتبر في التقدير الكمي ـ خمس عشرة رضعة ـ توالي الرضعات ، بان لا يفصل بينها رضاع من امرأة اُخرى وان تكون كل واحد منها رضعة كاملة بان يكون الرضيع جائعاً فيرتضع حتى يرتوي .
وهناك احكام خاصّة بالرضاع فصّلتها كتب الفقه ، فراجعها اِن شئت .
لو تزوّج رجل وفق الضوابط المقرّرة في الشريعة الغرّاء ؟
ـ حلت له زوجته كما قلت لك ، ووجب عليها تبعاً لذلك أن تمكّن زوجها من نفسها متى شاء فلا يحقّ لها منعه من الاتّصال الجنسي بها اِلاّ لعذر شرعي ، كما يحرم على الزّوجة الدائمة أن تخرج من بيتها اِلاّ باِذن زوجها .
ومن الناحية الاُخرى يجب على الزّوج أن ينفق على زوجته الدائمة من الغذاء والمسكن والملبس ما يؤمّن لها المعيشة المناسبة لها بالقياس اليه.
كما لا يحقّ له ترك الاِتّصال الجنسي بها اكثر من أربعة أشهر اِن كانت شابّة اِلاّ برضاها ، أو وجود عذر مسوغ له كالضرر والحرج.
واذا لم يبذل الزوج لزوجته نفقتها المستحقّة لها ؟
ثبتت لنفقة ديناً في ذمّته، فاذا امتنع عن بذلها مع مطالبتها جاز لها أخذها من ماله دون اِذنه.
هذا وساُضيف فاُعدد لك بعض الاَحكام الهامّة على شكل نقاط محدّدة .
1 ـ يحرم النظر واللمس بتلذّذ جنسي من الرجل للمرأة ، بل حتى للطفلة الصغيرة، ومن المرأة للرجل ، بل حتى الطفل الصغير ، باِستثناء الزوجة والزوج طبعاً ، ومن الرجل للرجل حتى للصبي الصغير ، ومن المرأة للمرأة حتى للصبيّة الصغيرة.
2 ـ يحرم النظر الى عورة شخص اَخر ذكراً كان أم اُنثى [وان كان صبيّاً مميّزا] عدا الزوج والزوجة طبعاً .
3 ـ يحرم على الرجل النظر الى بدن المرأة الاجنبية وشعرها ما عدا الوجه والكفّين من بدنها فانّه يجوز له النظر اليهما من غير تلذّذ جنسي ، كما يحرم على المرأة النظر الى بدن الرجل الاجنبي في غير ما جرت السيرة على عدم الاِلتزام بستره كالرأس واليدين والقدمين فانّه يجوز نظرها الى هذه المواضع من بدنه بلا تلذّذ جنسي .
4 ـ يجوز للرجل النظر الى بدن مماثله من الرجال من دون تلذّذ جنسي، ويجوز للمرأة النظر الى بدن مماثلتها من النساء من دون تلذّذ جنسي ، كما يجوز للرجل النظر الى بدن محارمه من النساء من دون تلذّذ جنسي، ويجوز للمرأة النظر الى بدن محارمها من الرجال من دون تلذّذ جنسي باِستثناء العورة من جميع ما ذكر طبعاً .
وعلى ذلك يجوز للرجل ان ينظر من دون تلذّذ جنسي الى بدن اُمّه واُخته وعمّته وخالته وبنت اخيه وبنت اُخته وجدّته.
وزوجة اخيه وبنت عمّه وبنت عمّته وبنت خاله وبنت خالته ؟
ـ كلا ... كلا لا يجوز له النظر اليهنّ فانّهن اجنبيات عنه.
قال ذلك أبي وأضاف:
5 ـ يجب على المرأة ان تستر وتغطّي شعرها وجسدها عن كل من لا يجوز له النظر اليها من الرجال الاجانب [بل حتى عن الصبي المميّز اذا امكن ان يثير ذلك شهوته الجنسيّة] ويستثنى من ذلك الوجه والكفّان فانّه يجوز للمرأة ابدائها امام الرجال الاجانب اذا كانت لا تخاف الوقوع في الحرام ولم يكن الاِبداء بداعي ايقاع الرجل في النظر المحرّم واِلاّ حرم الاِبداء في الصورتين.
6 ـ يحق للرجل النظر من دون تلذّذ جنسي الى نساء الكفار والى النساء المتبرّجات المبتذلات اللاتي لا ينتهين عن كشف اجسادهن وشعورهن اذا نهين عن ذلك حيث لا ينفع معهن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7 ـ اذا اراد الرجل الزّواج من امرأة معيّنة واختيارها شريكة لحياته جاز له النظر الى محاسنها كوجهها وشعرها ورقبتها وكفّيها ومعاصمها وساقيها من دون تلذّذ جنسي طبعاً .
قبل اجراء العقد! يجوز له أن ينظر اليها حتى قبل اجراء العقد ؟!
ـ نعم يحق له النظر اليها والتحدُّث معها قبل اجراء العقد بل قبل ان يتقدّم بطلب يدها حتى يرى بنفسه جمالها ثم يقرِّر بعد ذلك التقدّم لخطبتها .
8 ـ يحق للطبيب النظر الى جسد المرأة، ولمسه اذا توقّفت معالجتها على اللّمس والنظر .
هذا اذا اضطرّت المرأة الى العلاج من مرضها وكان الطبيب الرجل ارفق بعلاجها من الطبيبة، واِلاّ فلتراجع الطبيبة ولا يحقّ لها مراجعة الطبيب.
9 ـ يحق للرجل المسلم أن يتزوّج المرأة الكتابية أقصد المسيحيّة واليهوديّة زواجاً مؤقّتاً .
ولكنها ليست مسلمة ولا مؤمنة فهي لا تعتقد بجواز وحليّة الزواج المؤقّت ؟
ـ مع ذلك يجوز الزواج بها زواجاً مؤقّتاً ، حتى لو كان دافعها الى الزواج المؤقّت المال وحده.
10 ـ لا يجوز للرجل أن يتزوّج باَكثر من أربع نساء زواجاً دائميّاً.
وله الحق في تطليق نسائه متى شاء .
بالمناسبة لم تحدِّثني عن الطلاق.
ـ ساُحدِّثك عنه في حواريّتنا القادمة اِن شاء الله فقد ضاق بنا الوقت الاَن.
حسناً فاِلى الحواريّة القادمة اِن شاء الله، الى حواريّة الطلاق.
كنت اظنّ اول الاَمر أني وحدي أكره الطلاق.
غير أني ما اِن سمعت من أبي حديثه، حتى عرفت أنّي لست وحدي اكره الطلاق.
فهذا أبي مثلي يكرهه، وهؤلاء الناس مثلنا يكرهونه، أكثر من ذلك فقد قال لي أبي:
ان الله عزّ وجل يبغض الطلاق. وزاد، فنقل لي نصوصاً من الحديث الشريف تذكر ذلك.
فقد روى لي أبي عن الاِمام أبي عبدالله عليه السلام انّه قال:« ما من شيء أبغض الى الله عزّ وجل من الطلاق».
وروى لي عنه عليه السلام: «ما من شيء أبغض الى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الاِسلام بالفرقة ، يعني الطلاق».
وروى لي عن الحسن بن الفضل عنه عليه السلام الحديث الشريف التالي: «تزوّجوا ولا تطلقوا ، فاِن الطلاق يهتزّ منه العرش».
وقد تعدّى بغض الطلاق في حديث شريف الى بغض الرجل الذي يكثر منه أي الرجل المطلاق، فقد قال الاِمام ابو عبدالله عليه السلام: «سمعت أبي يقول: اِن الله عزّ وجلّ يبغض كل مطلاق» .
قلت: أنا لاَبي أكره الطلاق ولكن رغم ذلك يحسن بي أن اُحيط ببعض أحكامه.
قال : نعم هو كذلك ، وأضاف مبتدئاً أحكام حواريّة الطلاق قائلاً :
يشترط في المطلِّق: البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، فلا يصحّ طلاق الصبي ولا طلاقالمجنون ولا طلاق المجبر على الطلاق، نعم يحتمل صحة طلاق الصبي البالغ عشر سنين فلابد من رعاية الاحتياط فيه .
وأن يقصد المطلِّق الفراق حقيقة بصيغة الطلاق فلا يصح طلاق الهازل ، والساهي ، ومن لا يفهم معنى الطلاق .
وما هي صيغة الطلاق ؟
ـ لا يقع الطلاق اِلاّ اذا اُنشئ بصيغة خاصّة، وبلغة عربيّة لمن يقدر عليها ، وبمحضر رجلين عادلين يسمعان اِنشاء الطلاق .
يقول الزوج مثلاً : «زوجتي ـ ويذكر اسمها ـ طالق» أو يخاطب زوجته مثلاً قائلاً لها : « أنتِ طالق » أو يقول وكيل الزوج : « زوجة موكلي ـ ويذكر اسمها ـ طالق » عندئذٍ يقع الطلاق بين الزّوجين .
وهل يجب ذكر اسم الزّوجة في صيغة الطلاق ؟
ـ كلا ، لا يجب ذكر اسمها اذا كانت معيّنة مشخّصة معروفة كما اذا لم يكن له غيرها .
قال أبي :
ولا يجوز الطلاق ما لم تكن المرأة المطلّقة طاهرة من الحيض والنفاس اِلاّ أن تكون الزوجة غير مدخول بها . او تكون مستبينة الحمل، وفي بعض حالات غياب الزوج، كما لا يجوز للزوج طلاق زوجته في طهر جامعها فيه ، بل على الرجل الاِنتظار حتى تحيض زوجته ثم تطهر من حيضها ثم يطلق بعد طهرها من الحيض.
هذا ولا تطلق الزوجة في «الزواج المؤقّت» بل يتحقّق الفراق بانقضاء المدّة المتّفق عليها معها ، أو يبذل المدّة المتبقّية لها كأن يقول الرجل لزوجته مثلاً: «وهبتك المدّة الباقية» فتنتهي بذلك العلاقة بينهما .
ولا يعتبر في صحّة بذل المدّة في الزواج المؤقّت وجود شهود ، ولا يشترط فيه طهارة المرأة من حيض ولا نفاس .
أضاف أبي قائلاً :
اذا طلق الرجل امرأته التي دخل بها بعد اِكمالها التِّسع وقبل بلوغها سن اليأس وجب عليها أن تعتدّ ابتداء من تاريخ وقوع الطلاق لا تاريخ علمها به.
وعدّة الطلاق لغير الحامل ثلاثة أطهار، ويحسب الطهر الفاصل بين الطلاق وحيضها طهراً واحداً مهما كان قليلاً .
معنى هذا ، اِن عدّتها تنتهي بعد رؤيتها الدّم الثالث ؟
ـ نعم ، بعد رؤيتها دم الحيض الثالث.
وعدّة المطلّقة الحامل ؟
ـ عدّة المطلّقة الحامل مدّة حملها، وهي تنقضي بوضع الحمل، تامّاً كان ذلك الحمل أو سقطاً.
ولو وضعت بعد الطلاق بيوم ، فهل تنتهي بالولادة عدّتها ؟
ـ نعم ، حتى لو كانت ولادتها بعد الطلاق بساعة لا بيوم ، شريطة ان يكون الولد ملحقاً بذي العدّة فلا يكون ولد زناً مثلاً.
وهل على المتزوّجة زواجاً مؤقتاً عدّة بعد افتراقها عن زوجها ؟
ـ اذا كانت بالغة ، مدخولاً بها، غير يائس ، ولا حامل ، فعدّتها [حيضتان] كاملتان لمن كانت تحيض ، وخمسة واربعون يوماً لمن لا تحيض لمرضٍ ونحوه .
قال ذلك أبي وأضاف:
أمر الطلاق بيد الزّوج وهو قسمان بائن ورجعي.
الطلاق البائن: ما ليس للزّوج بعده الرّجوع الى الزّوجة اِلاّ بعقد جديد ، كطلاق الزّوجة قبل الدخول بها .
الطلاق الرّجعي: ما كان للزوج الحق في اِرجاع زوجته المطلّقة اليه مادامت في العدّة، من دون عقدٍ جديد، ولا مهر جديد .
ومن اقسام الطلاق البائن ما يسمّي بـ «الطلاق الخلعي» ويقصد به الطلاق بفدية من الزّوجة الكارهة لزوجها الى حدّ يحملها على تهديد زوجها بعدم رعاية حقوق الزّوجية، وعدم اقامة حدود الله فيه ، ولكن من دون أن يكرهها هو ، فاذا قالت الزّوجة لزوجها:
« بذلت لك مهري على أن تخلعني » وقال الزّوج بعد ذلك بلغة عربيّة صحيحة وبحضور شاهدين عدلين « زوجتي ـ ويذكر اسمها ـ خالعتها على ما بذلت » او يقول « فلانة طالق على كذا » فاذا قال ذلك فقد طلّقها طلاقاً خلعياً .
وهل يجب ذكر اسم الزوجة هنا ؟
ـ اذا كانت معيّنة لا يجب ذكر اسمها .
وهل يجوز أن يكون المال المبذول للزوج غير المهر حتى يخلع زوجته ؟
ـ نعم يجوز ذلك .
وهل يحق للزوجة والزوج أن يوكلا من يقوم مقامهما في بذل المهر ( أو غيره ) في الطلاق الخلعي .
ـ نعم يحقّ لهما ذلك .
أحياناً يغيب الزّوج ولا يظهر له أثر، ولم يعلم موته ولا حياته ؟
ـ يحق للزوجة في حالة كهذه أن ترفع أمرها الى الحاكم الشرعي فيأمر بالفحص عنه اربع سنوات ، فاذا لم يظهر له أثر ولم يكن للزّوج المفقود مال ينفق منه على زوجته ، ولم ينفق عليها وليّه من مال نفسه، أمره الحاكم الشرعي بطلاقها فان امتنع ولم يمكن اجباره او لم يكن له ولي طلقها الحاكم بعد طلبها الطلاق منه.
اذا حكم على الزوج بالسجن مؤبّداً وهو لا يقدر على الانفاق على زوجته ، ويمتنع عن الطلاق ؟
ـ يجوز للزوجة في مثل هذه الحالة ان ترفع امرها الى الحاكم الشرعي، فيتّصل بالزّوج يأمره بطلاقها ، فاذا امتنع عنه وتعذر اجباره عليه طلّقها الحاكم الشرعي بطلبها ذلك منه .
في طريق عودتي الى البيت سمعت الحوار التالي بين والدة وولدها:
الوالدة: لقد نذرت لله عزّ وجلّ أن أذبح خروفاً اِن شُفي أخوك الصغير من مرضه ، وهاهو ذا شفي والحمد لله ، فوجب عليّ أن أفي بالنّذر .
الولد: ألم أقل لك دائماً يا اُمّي: اِنّك تفضّلين أخي الصغير عليَّ.
الوالدة: ولِمَ ذاك ... ألم يكن مرض اخيك خطيراً ... ألم يفقد وعيه، فلم يعد يسمع ويرى ... ألم يقل الطبيب عنه لولا عناية الله به لما شفي ... ألم ... ألم... أنسيت حالته ، أليس من الواجب أن اشكر الله على شفائه، فأذبح خروفاً لله عزّ وجلّ حمداً له على نعمته ؟!
أوَ يعني أني حين أنذر لله عزّ وجلّ راجية وطالبة شفاء أخيك من مرض خطير ألمَّ به ، أني افضلّه عليك ... ألم نعقَّ عنك عقيقة ... خروفاً سميناً في اليوم السابع بعد ولادتك ... ألم نُضح عنك أضحية ؟
عقيقة ... أضحية ؟!
ما العقيقة ؟ ... وما الاَضحية ؟
ـ العقيقة يا بني ـ قال أبي ـ أن يُذبح عن المولود ذكراً كان أو اُنثى في اليوم السابع من ولادته خروف أو بقرة مثلاً ... روي عن الاِمام الصادق عليه السلام: «يسمّى الصبي في اليوم السابع ، ويُعَقَّ عنه ، ويحلق رأسه ، ويتصدّق بزنة الشعر فضة ، وترسل الرجل والفخذ للقابلة التي عاونت الاُم في وضع الحمل، ويطعم الناس بالباقي منها ، ويتصدّق به» ، ويكره للاَب أو أحد عياله ولاسيّما الاُم أن يأكل من عقيقة صبيّه .
والعقيقة سنّة مؤكّدة لمن يقدر عليها، روى عن الاِمام الباقر عليه السلام انّه قال: «ان رسول الله صلى الله عليه وآله أذَّن في اُذن الحسنين (صلوات الله عليهما) يوم ولادتهما وعقّ عنهما، في اليوم السابع».
ومن لم يعقّ عنه أبوه جاز له ان يعقَّ هو عن نفسه بعد ذلك عندما يكبر ، فقد سأل عمر بن يزيد الاِمام الصادق عليه السلام قائلاً: «انّي والله ما أدري كان أبي عقَّ عني أم لا ، فأمره عليه السلام بالعقيقة ، فعقَّ عن نفسه وهو شيخ».
هذه العقيقة. ولكن ما هي الاَضحية ؟
ـ الاَضحية ـ قال أبي ـ أن يذبح الاِنسان ـ اِن تمكن ـ خروفاً مثلاً ، ويا حبَّذا لو كان سميناً يوم العيد ـ عيد الاَضحى ـ وهي سُنَّة مؤكّدة كذلك ، ويجوز التبرّع بالاَضحية عن الحيّ والميّت على السّواء بما في ذلك عن الصبي الصغير.
فقد ضحّي رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه ، وضحّى عمّن لم يضح من أهل بيته ، وضحّى عمّن لم يضح من اُمّته، كما كان يضحّى أمير المؤمنين عليه السلام كل سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله .
وهل وفاء تلك الاُم بنذرها واجب عليها أو هو كالعقيقة والاَضحية غير واجب بل مستحبّ مؤكّد ؟
ـ دعني أقل لك أوّلاً ما هو النّذر.
النّذر: أن تلتزم بفعل شيء معيّن ، أو ترك شيء معيّن لله تعالى ... أيّ شيء كان .
ولكن ليس دائماً يجب الوفاء بالنّذر، واِنّما بشروط لو تحقّقت وجب الوفاء به .
وما هي الشروط التّي لو تحقّقت يجب الوفاء بالنّذر ؟
ـ الشروط هي:
1 ـ أن ينشأ النّذر بصيغة تشتمل على قوله «لله» أو ما يشابهها من أسمائه المختصّة به جلّ وعلا ، فلو قال الناذر الصيغة المعيّنة التالية: «لله عليَّ ... كذا» انعقد نذره كأن يقول مثلاً: «لله عليَّ أن أذبح خروفاً وأتصدَّق بلحمه على الفقراء اِن شُفي ولدي».
أو يقول: «لله عليَّ أن أدع وأترك التعرَّض لجاري بسوء»، أو غير ذلك ، سواء أدّاها باللغة العربيّة أم بغيرها من اللغات.
ولو لم يقل الناذر «لله عليَّ» ولا قال «للرّحمن عليَّ» ولا أشباهها، كما تنذر اليوم غالبية الناس ؟
ـ لا يجب عليه الوفاء بالنّذر حينئذٍ .
2 ـ أن يكون الشيء المنذور حسناً راجحاً شرعاً حين العمل.
واذا كان الشيء المنذور غير راجح وغير حسن ، بل كان مكروهاً أو مضرّاً أو مباحاً .
ـ لا يصحّ النّذر في الاَوّلين، أمّا المباح فاِن قصد به معنىً راجحاً كما لو نذر شرب الماء قاصداً به أن يتقوّى به على العبادة انعقد نذره ، واِلاّ لم ينعقد .
3 ـ يشترط في الشخص الناذر البلوغ، والعقل، والاِختيار ، والقصد ، وعدم الحجر عمّا تعلق به نذره .
4 ـ أن يكون الشيء المنذور مقدوراً أو مستطاعاً للنّاذر .
ولو نذر انسان شيئاً لا يقدر عليه ولا يستطيع ؟
ـ لا يصحّ النّذر.
واذا نذر الاِنسان وفق الشروط مارّة الذكر ؟
ـ وجب عليه الوفاء بنذره والاِلتزام بما نذر ، سواء أكان فعل شيء لله عزّ وجلّ ، أم تركه ، في زمن محدّد ، أم طيلة حياته ، صلاة كان ذلك الشيء، أم صوماً ، أم صدقة ، أم زيارة ، أم حجّاً ، أم تبرّعاً بشيء ، أم ترك شيء ، أم غير ذلك.
واذا خالف الاِنسان نذره عامداً.
ـ وجبت عليه الكفارة وهي : عتق رقبة ، أو اِطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم.
واذا عجز عن ذلك لفقره مثلاً ؟
يجب عليه صيام ثلاثة أيّام متواليات .
لو نذر الاِنسان مالاً لمشهدٍ من المشاهد المقدّسة ؟
ـ ينفق ذلك المال على عمارته ، أو اِنارته، أو فرشه ، أو تدفئته ، أو تبريده ، أو ما شاكل ذلك من شؤون المشهد، اذا لم يقصد الناذر مصرفاً معيّناً من المذكورات أو غيرها .
ولو نذر لشخص صاحب المشهد كالنّبي صلى الله عليه وآله أو الاِمام عليه السلام أو لبعض أولادهما ؟
ـ ينفق على زواره الفقراء مثلاً ، أو على حرمه الشريف، ونحو ذلك .
اذا ظنّ الاِنسان ظنّاً قويّاً أنّه قد نذر نذراً معيّناً ، فهل يجب عليه الوفاء به ؟
ـ اذا اطمأن بأنّه نذر وجب عليه الوفاء بالنّذر واِلاّ فلا يجب عليه الوفاء به .
قال ذلك أبي وأضاف:
وقد يعاهد الاِنسان الله سبحانه وتعالى فيقول: «عاهدت الله أن أفعل ...» أو يقول: «عليَّ عهد الله أنّه متى كان ... فعليَّ ...» فاذا قال ذلك وجب عليه الاِلتزام بما عاهد عليه.
معنى هذا أن العهد كالنذر، لا يصحّ بدون صيغة محدّدة ؟
ـ نعم ، كما أنّه لا يصحّ اِلاّ اذا كان ما عاهد الله عليه راجحاً ولو رجحاناً دنيويّاً شخصيّاً شريطة ان لا يكون مرجوحاً شرعاً ، ويشترط في العهد ما يشترط في النذر وقد شرحت لك ذلك.
واذا خالف الاِنسان ما عاهد الله عليه ؟
ـ وجبت عليه كفارة وهي عتق رقبة أو اِطعام ستّين مسكيناً أو صوم شهرين متتابعين .
قال ذلك أبي وأردف مضيفاً:
ويجب الوفاء باليمين كذلك ، ولو خالفها عامداً وجبت عليه كفّارة وهي: عتق رقبة أو اِطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، ومع العجز عن ذلك يصوم ثلاثة ايّام متواليات .
ويشترط في اليمين أو القسم اللفظ ، وأن يكون القسم بالله تعالى ، وأن يكون ما أقسم عليه مقدوراً ومستطاعاً حين الوفاء به ، وراجحاً شرعاً ويكفي لو كان مباحاً اذا حلف أو أقسم على فعله لمصلحة دنيويّة ولو كانت شخصيّة ويشترط في الحالف التكليف والقصد والاختيار والعقل .
مثّل لي لليمين أو القسم التي يجب الوفاء بها ؟
ـ اذا قال الاِنسان مثلاً : «والله لاَفعلنَّ» ، أو قال: «بالله لاَفعلنَّ» ، أو قال : «أقسم بالله» ، أو قال: «اقسم بربِّ المصحف» ، أو غير ذلك.
واذا قال الاِنسان مخاطباً شخصاً اَخر قائلاً له: «والله لتفعلنَّ» ؟
ـ لا يتعلّق اليمين أو القسم بفعل الاِنسان الاَخر، ولا بالزمن الماضي، ولذلك فلا يترتب أي اثر على يمين كهذا.
كما لا ينعقد يمين أو قسم الولد اذا منعه أبوه، ويمين الزّوجة اذا منعها زوجها.
واذا أقسم الولد من دون اِذن أبيه والزّوجة من دون اِذن زوجها كان للاَب والزوج حلّ اليمين أو القسم.
قد يحلف أو يقسم الاِنسان على صدق كلامه وهو صادق بالفعل، أو يحلف على شيء معيّن وهو صادق في حلفه ؟
ـ الاَيمان الصادقة ليست محرّمة ولكنّها مكروهة .
أما الاَيمان الكاذبة فهي محرّمة ، بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة اِلاّ عند الضرورة.
وكيف ذلك ؟
ـ اذا قصد الاِنسان أن يدفع بقسمه أو حلفه الظالم عن نفسه أو عن المؤمنين فهذا القسم جائز ، بل ربّما يكون القسم الكاذب واجباً كما اذا هدَّد الظالم نفس المؤمن أو عرضه أو نفس مؤمنٍ اَخر أو عرضه ، ولكن اذا اِلتفت الى امكان التورية، وكان عارفاً بها وهي متيسّرة له [فعليه أن يوري في كلامه].
ما تقصد بـ (يوري في كلامه) .
التورية، ان يُقصَد بالكلام معنىً غير معناه الظاهر، من دون نصب قرينة موضّحة لقصده ، فلو سألك ظالم عن مكان احد المؤمنين وكنت تخشاه عليه تجيبه (ما رأيته) وقد رأيته قبل ساعة وتقصد بذلك انّك لم تره منذ دقائق.
وبها انهى حوارية اليوم والحمد لله رب العالمين
استهلَّ أبي جلسة حواريّة الوصيّة بالحديث الشريف التالي:
قال الاِمام ابو جعفر عليه السلام: «الوصيّة حقّ وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فينبغي للمسلم أن يوصي».
ولكن بعض النّاس يا أبي لا يوصون متصوّرين أن الوصيّة تعني قرب حلول الموت فيتشاءمون منها .
ـ الوصيّة مستحبّة، ويقال انّها على العكس من ذلك تطيل العمر، ثمَّ أن ترك الوصيّة مكروه وغير حسن .
وبعد ذلك كلّه «الموت حقٌّ» أليس كذلك ؟
نعم ، الموت حقّ ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (كُلُّ نَفْسٍ ذائقَةُ الموت) اَية أسمعها كثيراً تتردّد على شفاه الناس وأقرؤها على المقابر في الطريق.
ـ نعم الموت حقّ قلتها برهبة وخشوع وخوف.
ـ اذا كان كذلك فلماذا التهرّب من حقيقة واقعة لا محال ؟
أليس من الاَجدار بنا أن نكون واقعيين ، أو قل عمليين فنستعدّ لما هو اَت لا مناص منه ، ولا مهرب عنه ، أطال بنا العمر أو قصر ، فيكون مصدر العظة والاعتبار ؟
ولكني لا أعرف كيف يوصي الاِنسان ؟
ـ يستحب لك أن تبدأ بالوصيّة التي علَّمها رسول الله صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام وللمسلمين.
وما هي ؟
ـ نهض أبي لمكتبته وعاد ومعه كتاب عزيز عليه يسمّيه «الوسائل» فقرأ عليَّ منه نص الوصيّة التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله للاِمام على عليه السلام والمسلمين.
وهأنذا أنقل اليكم ما قرأه وكتبته بالحرف الواحد:
«اللّهمَّ فاطر السموات والاَرض عالم الغيب والشهادة الرّحمن الرّحيم اللّهمَّ اِنّي أعهد اليك في دار الدّنيا أني أشهد ألاّ اِله اِلاّ أنت وحدك لا شريك لك وان محمداً عبدك ورسولك وان الجنّة حقّ والنار حقّ وأن البعث حقّ والحساب حقّ والقدر والميزان حقّ وان الدين كما وصفت والاِسلام كما شرعت وأن القول كما حدثت وأن القراَن كما وصفت وانّك انت الله الحقُّ المبين جزى الله محمداً خير الجزاء وحيّا محمداً واَل محمداً بالسلام .
اللّهم يا عدّتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا وليّ نعمتي. اِلهي واِله اَبائي لا تَكِلْني الى نفسي طرفة عينٍ أبداً فانّك اِن تَكِلْني الى نفسي أقرب من الشر وابعد من الخير، فاَنس في القبر وحشتي واجعل لي عهداً يوم ألقاك منشوراً» .
ثم يوصي الاِنسان بحاجته، أيّ حاجةٍ يشاء .
وبماذا يوصي ؟
ـ يوصي بالمحافظة على أولاده الصغار وعائلته مثلاً ، يُوصي بصلة الرحم يوصي بتسديد ديونه واداء اماناته، يوصي بقضاء ما فاته من صلاة وصيام وحج ، يوصي بدفع خمس اموال لم يخمّسها سابقاً أو زكاة استحقّت عليه ولم يخرجها ، يوصي باطعام الفقراء بثوابه ، يوصي بالقيام بأعمال خاصة له بعده ، يوصي بالتصدّق عنه ، يوصي ... يوصي ، يوصي بما يشاء .
قال أبي ذلك واردف:
ويشترط فيمن يوصي البلوغ، والعقل، والاختيار، والرشد فلا تصحّ وصيّه السفيه في امواله ولا الاِنسان المكره، ولا الصبي اِلاّ اذا بلغ عشراً وكانت وصيته في وجوه الخير والمعروف ولاَرحامه وأقربائه.
وأن لا يكون الموصي مقدماً على موته عامداً بتناول سمٍّ ، أو احداث جرح عميق ، أو ما شابه ذلك ، مما يجعله عرضة للموت .
ففي هذه الحالة لا تصح وصيته في ماله وتصح في غيره من تجهيزه وما يتعلّق بشؤون القاصرين من اولاده مثلاً ونحو ذلك .
وأضاف أبي:
يسمّى الشخص الذي يختاره صاحب الوصيّة لتنفيذ وصيّته بـ «الوصي» وليس للوصي أن يفوِّض أمر الوصية الى غيره اعني ان يعزل نفسه عن الوصاية ويجعلها له .
وله أن يوكِّل من يثق به للقيام بشأن ما من شؤون الوصيّة، اذا لم يكن غرض صاحب الوصية مباشرة الوصي ذلك الاَمر بنفسه .
وهل يشترط في الوصيّة أن تكون مكتوبة ؟
ـ كلاّ ، يمكن للاِنسان أن يوصي باللفظ أو حتى بالاشارة المفهمة لما يريد .
كما يكفي وجود كتابة بخطِّه أو امضائه، يظهر منها ارادة العمل بها بعد موته ، (أي بعنوان انّها وصيّته).
وهل يكتب الاِنسان وصيّته حال المرض فقط ؟
ـ كلاّ ، في الحالين معاً : حال المرض وحال تمتعه بالصحة والعافية والسلامة.
ويوصي بما يريد ؟
ـ نعم ، شرط أن لا يكون في معصية ، كمعونة الظالم وغيرها.
وبالمبالغ أو المخلّفات التي يريد ؟
يحق للاِنسان أن يوصي بما لا يزيد على ثلث ما تركه فقط من اموال أو غيرها.
واذا أوصى بما زاد على ثلثه ؟
ـ بطلت وصيّته فيما زاد على الثلث اِلاّ اذا أجاز ذلك الورثة.
واذا اُريد تنفيذ الوصيّة ؟
ـ تستثنى أوّلاً من مجموع ما خلَّفه الموصي الحقوق المالية التي بذمَّته كالمال الذي استدانه، وثمن الحاجات التي اشتراها ولم يسدّد ثمنها وغيرها.
بما في ذلك الخمس، أو الزكاة، والمظالم التي بذمّته ، والحج الواجب بالاصل، سواء أوصى بذلك أم لا يوصي .
هذا اذا لم يوصي باِخراجها من الثلث واِلاّ اخرجت منه .
ثم يقسّم ما خلَّفه ـ الباقي طبعاً ـ ثلاثاً أقسام:
ثلث منها لما أوصى به ، وثلثان للورثة .
أحياناً يوصي الميت بدفع مبلغ معيّن الى شخص معيّن ، أو بتمليك دار ، أو عقار، أو قطعة أرض، الى شخص معيّن ، أو قد يأمر بدفنه في مكان معيّن أو بتجهيزه وفق ضوابط خاصة، أو غير ذلك ؟
يحق له كلّ ذلك ما لم يتجاوز الثلث بالنسبة الى الاموال.
قد يتلف شيء من مال الموصي بيد الوصي.
الوصي غير مسؤول عن تلف ما في يده اِلاّ مع التّعدي أو التفريط.
قال أبي ذلك وأضاف:ـ ـ
اذا لم تظهر علامات الموت للاِنسان فالوصيّة مستحبّة، أمّا اذا ظهرت علامات الموت فتجب عليه حينئذٍ أشياء منها:
1 ـ وفاء ديونه التي حان وقت وفائها مع قدرته على الوفاء.
أما الديون التي لم يحن وقت وفائها ، أو حلّ ولم يطالبه الديّان بها ، أو لم يكن قادراً على وفائها ، فتجب عليه الوصيّة بها والاِستشهاد عليها اذا لم تكن معلومة عند الناس.
2 ـ ارجاع الاَمانات الى أهلها، أو اِعلام أصحابها باَمانتهم عنده ، أو الاِيصاء باِرجاعها .
3 ـ اداء الخمس والزكاة والمظالم فوراً ، ان كان في رقبته شيء منها ، وكان قادراً على الاَداء.
4 ـ الوصية باتخاذ أجير من ماله ليصلّي ويصوم نيابة عنه ، ان كان في ذمّته شيء منها ، بل لو لم يكن له مال واحتمل ان يقضيها عنه شخص متبرِّعاً وجبت الوصيّة حينذاك ، وفي بعض الحالات قد يكفي الاِخبار عمّا فاته عن الوصيّة كما لو كان له من يطمئن بقضائه لما فات عنه كالولد الاَكبر.
5 ـ اِخبار الورثة بما له من مال عند غيره ، أو مال في مكان خاص لا يعلمه غيره، لئلاّ يضيع حقّهم بعد وفاته .
قلت لي في بداية الحواريّة: اِن الوصيّة مستحبّة ، فلو لم يوصّ الاِنسان ؟
ـ سقط حقّه في التصرّف بثلث ما تركه كما يحبّ ويشاء ، حيث تقسّم تركته وفق ضوابط خاصّة على ورثته.
وكيف تقسّم ؟
ـ هذا ما سأتناوله في حواريّة الاِرث القادمة انشاء الله.
قال أبي مبتدئأً حواريّة الاِرث:
يمكننا أن نقسّم طبقات الاَقرباء من زاوية الاِرث الى ثلاث طبقات .
الطبقة الاُولى: الاَبوان والاَولاد وأولاد الاَولاد وهكذا ...
غير أن الولد للصلب اِن وجد منع الحفيد والسّبط من الاِرث.
وما الحفيد وما السبط يا أبتي ؟
ـ الحفيد هو ابن الابن، والسبط هو ابن البنت.
الطبقة الثانية: الاخوة والاخوات ، واِن لم يوجدوا فأولادهم ، والاَجداد والجدات مهما تصاعدوا من قبل الاب والام واذا كان للاخ اولاد واولاد اولاد منع الولد الاقرب منهم الولد الابعد من الارث.
اضرب لي مثلاً على ما تقول:
ـ ابن الاَخ مثلاً اِن وجد ، منع حفيد الاَخ من الميراث.
الطبقة الثالثة: الاَعمام والاَخوال والعمّات والخالات ، واِن لم يوجد احد منهم فأبناؤهم .
ويرث الاَقرب منهم فالاَقرب ، حيث لا يرث الاَبناء ـ ابناء العم أو الخال أو العمّة أو الخالة ـ مع وجود العم أو الخال أو العمّة أو الخالة اِلاّ في حالة واحدة نصّت عليها كتب الفقه.
ولماذا قسَّمت الاَقرباء الى طبقات هذه المرّة، ولم تقسّمهم، كما اعتدت في التقسيمات السابقة الى أقسام.
أقصد لماذا قلت نقسّم الاَقرباء الى طبقات، ولم تقل الى أقسام ؟
ـ سؤالك وجيه ، فهنا في الاِرث لا يرث القريب من الطبقة اللاحقة مادام هناك قريب من الطبقة السابقة، فهم متدرّجون طبقة بعد طبقة .
اذا لم يوجد للمتوفّى أقرباء من كل هذه الطبقات التي عدّدتها ؟
ـ حينئذٍ سيرثه عمومة أبيه واُمّه وعماتهما وأخوالهما وخلاتهما وأبناؤهم .
ومع عدم وجودهم ؟
ـ سيرث المتوفّى عمومة جدّه وجدَّته ، وأخوالهما وعمّاتهما وخالاتهما وبعدهم أولادهم مهما تسلسلوا شرط صدق القرابة للميّت عرفاً ، علماً بأن الاَقرب منهم مقدّم على الاَبعد.
ولم تذكر لي الزوج والزوجة في ايّ من الطبقات الثلاث مارّة الذكر ؟
ـ اِنّهما يرثان وفق ضوابط خاصّة ، ليسا بمعزل عن هذه الطبقات، بل مع جميعها يرثان .
سأسالك اِذن أوّلاً عن اِرث الطبقة الاُولى ، ثم انتقل الى الثانية ، فالثالثة .
ـ سل كما تشاء .
اذا لم يكن للمتوفّى قريب من الطبقة الاُولى اِلاّ أولاده فقط ؟
ـ ورثوا ماله كلّه .
فاِن كان ابناً واحداً أو بنتاً واحدة ؟
ـ ورث المال كلّه .
وان كانوا كلّهم ذكوراً فقط أو اناثاً فقط .
ـ تقاسموا المال بينهم بالسويّة .
أما اذا كانوا ذكوراً واِناثاً معاً .
ـ فـ (للذّكر مثل حظّ الاُنثيين) .
هل يطلق لفظ الولد على الذّكر والاُنثى معاً ، أو على الذّكر وحده كما الشائع عندنا.
ـ يطلق عليهما ، قال تعالى في كتابه الكريم (يوصيكُم الله في أولادِكُم للذَّكرِ مثلُ حَظّ الاُنثَيين).
لو فرضنا أن رجلاً مات وله ابن وبنت ، فكيف يقسّم بينهم الاِرث ؟
ـ يقسّم مال الميّت ثلاثة أسهم ، للابن منه سهمان ، وللبنت سهم واحد.
اذا لم يكن للميّت قريب من الطبقة الاُولى غير أبويه ، وكان أحدهم حيّاً والاَخر ميّتاً ؟
ـ ورث الحيّ الاِرث كلّه .
لو كان الاَب والاُمّ حيّين معاً ولم يكن للميّت اِخوة ؟
ـ اخذ الاب ثلثي المال ، واخذت الاُمّ الثلث الباقي .
لو كان الاَب والاُمّ معاً حيّين وكانت للميت بنت واحدة ولم يكن له اخوة ؟
ـ كان خمس المال للاَب وخمس اَخر للاُمّ وثلاثة اخماس للبنت .
واذا اجتمع للميّت أحد الاَبوين مع اولاد وبنات ؟
ـ كان سدس المال للاَب أو للاُمّ ، ويُقسَّم الباقي بين الاولاد وفق قاعدة (للذّكر مثل حظّ الاُنثيين) .
دعنا ننتقل الى ارث الطبقة الثانية ... أذكر أنَّك قلت لي أن الاخوة من الطبقة الثانية .
ـ هذا صحيح .
اذا كان للميّت اُخت واحدة أو أخ واحد ؟
ـ للاَخ الواحد او الاُخت الواحدة المال كلّه .
واذا كان له اِخوة متعدّدون من أبيه واُمّه ؟
ـ قُسِّـم المال بينهـم بالسويّـة اِن كانـوا ذكوراً فقط أو اناثـاً فقط أمّا اذا كان بعضهم ذكوراً والبعض الاَخر اِناثاً فـ (للذّكر مثـل حـظّ الاُنثييـن ) اِن كـانوا كلـهم اِخوة لاَبيه واُمّـه ، أو كانـوا كلهـم لاَبيـه فقـط دون اُمّـه.
أمّـا لـو كـانوا كلـهم اخـوة للاُمّ فقط فيقتسمون بالسويّة مهما كانوا .
طيّب ، العم والعمّة من الطبقة الثالثة ـ أليس كذلك ؟
ـ نعم ، وكذلك الخال والخالة.
لو فرضنا أن شخصاً مات وليس له اِلاّ عمٌّ واحد أو عمّة واحدة .
ـ المال كلّه للعمّ أو العمّة.
اذا كان له أعمام متعدّدون ، أو كان له عمّات متعدّدات ؟
ـ قسّم المال بينهم جميعاً بالسويّة .
اذا اجتمع للميّت عمّ أو عمّة أو أكثر مع خالٍ أو خالة أو أكثر ؟
ـ قسّم المال ثلاثة أسهم، سهمان للعمومة وسهم واحد للخؤولة .
واِرث الزوج والزوجة ؟
ـ للزوجة حكم خاص في الاِرث، فبعض مخلَّفات الزوج لا ترث منها زوجته مطلقاً .
لا في عين ما ترك الزوج وخلَّف ولا في ثمنه ، كالاَراضي بصورة عامّة كأرض الدار وأرض المزرعة مثلاً وغيرهما ، فكل أرض للزوج لا نصيب للزوجة فيها ولا في قيمتها وثمنها.
وبعض الاَموال، لا حقّ لها في نفس اعيانها، وانّما لها نصيبها من قيمتها ، وذلك في الاشجار والزرع والاَبنية التي في الدور فان للزوجة سهمها في قيمة تلك الاَموال ـ يوم الدفع ـ بعد تقويمها بطريقة معروفة عند المقوّمين ولا يجوز لسائر الورثة التصرّف فيما ترث منه الزوجة حتى فيما لها نصيب من قيمته اِلاّ بعد اَستئذانها.
وغير الاَراضي والاَبنية والاَشجار والزروع ممّا ترك الزوج وخلَّف ؟
ـ ترث منها الزوجة كما يرث سائر الورثة الاَخرون.
وهل يرث الزوج زوجته ؟
ـ نعم ، يرث الزوج من كلّ ما تركته الزوجة وخلّفته منقولاً وغير منقول أرضاً وأموالاً وأشجاراً وبناءً وغيرها .
اذا ماتت الزوجة، وزوجها حيّ ، وليس لها ولد لا منه ولا من غيره ؟
ـ للزوج نصف ما خلّفت الزوجة، والنِّصف الاَخر لباقي الورثة.
وان كان لها ولد ؟
ـ للزوج الربع والباقي لسائر الورثة.
لو عكسنا السؤال ... وقلنا: اذا مات الزوج وليس له ولد وزوجته حيّة ، فكم نسبة ما ترثه من زوجها ؟
ـ للزوجة الربع والباقي للورثة .
واِن كان له ولد منها أو من غيرها ؟
ـ للزوجة الثمن والباقي للورثة .
ـ قال أبي: هناك مسائل اُخرى وفروض اُخرى في الاِرث أشبعتها بحثاً كتب الفقه فاذا رغبت المزيد فراجعها .
غير أني ساُشير لك في ختام لقائنا الى امور:
1 ـ يُعطي من تركة المتوفّى مجاناً للولد الاَكبر: قراَن المتوفّى، وخاتمه ، وسيفه ، وملابسه ، سواء لبسها المتوفّى، أم أعدّها للبسه .
ولو تعدّد القراَن أوالخاتم أو السيف [فعلى الولد الاَكبر أن يتصالح مع باقي الورثة ، وهكذا بالنسبة الى الرحل ومثل البندقيّة والخنجر وما يشبهها من الاسلحة].
2 ـ القاتل لا يرث المقتول، اذا كان القتل عمداً ظلماً ، امّا اذا كان القتل خطأً فيرثه ممّا خلفه .
3 ـ المسلم يرث الكافر، ولا يرث الكافر المسلم.
قلت لاَبي بعد ان جلس ـ مبتدئاً أنا هذه المرة حواريّة اليوم ـ قلت له: وأنا اؤدي مراسم الزيارة لمراقد أئمّتي الاطهارعليهم السلام في النجف الاشرف وكربلاء المقدّسة وغيرها ، اُشاهد أحياناً عبارة «وقف» مكتوبة على بعض المصاحف الكريمة الموضوعة داخل المرقد الطاهر أو على الثّريات، وأجهزة التبريد والمصابيح وغيرها.
كما اُشاهد عبارة الوقف هذه أحياناً اُخرى على بعض العمارات والبنايات والمحلاّت وعلى المراوح والمصابيح في المساجد والحسينيّات وربّما على بعض برّادات الماء في الشوارع العامة وغيرها.
ـ نعم ، يحقّ للاِنسان ان يوقف الاَشياء التي ذكرتها وأمثالها وفق ضوابط خاصّة ، فاذا تمَّ الوقف بشروطه الشرعيّة خرج الشيء الموقوف عن ملك من وقفه وأصبح مالاً لا يوهب ولا يورث ولا يباع اِلاّ في حالاتٍ خاصّة نصّت عليها كتب الفقه.
قال ذلك أبي وأضاف:
يكون الوقف تارة للموقوف عليه ، كما اذا وقف شخص ملكاً له على اولاده او جيرانه أو أصدقائه أو غيرهم.
وتارة لا يكون كذلك ، كما اذا وقف شخص ملكاً له ليكون مسجداً .
وقد يُعيّن الواقف شخصاً على الوقف يدبر شؤونه ويعمل بما قرّره الواقف من شروط ، ويسمّى «بالمتولّي».
وهل للوقف صيغة محدّدة ؟
ـ كلاّ ولا لغة معيّنة ، فلو بنى شخص ما بناءً على طراز ما تبنى به المساجد بقصد كونه مسجداً كفى ذلك في صيرورته مسجداً .
قال أبي وسأذكر لك بعض ما يعتبر في الوقف : ـ
1 ـ الاستمرار والدوام ، فلا يصح الوقف اذا حدَّده الواقف بوقتٍ معيَّن .
اضرب لي مثلاً على ما تقول .
ـ اذا وقف انسان داره على الفقراء مدّة سنة ، فلا يصح وقفاً لاَنّه غير دائم ولا مستمر .
2 ـ أن لا يكون الموقوف عليه نفس الواقف ولو في ضمن اخرين .
مثلاً ؟
ـ اذا وقف انسان أرضاً على نفسه مثلاً كي يدفن فيها حين حلول أجله وموته ، لم يصح الوقف .
واذا وقف الاِنسان داره على شخص معيّن أو أشخاص معيّنين كأولاده أو أقربائه مثلاً ؟
ـ صح الوقف بعد قبضهم ، ذلك ان الاَوقاف الخاصّة لا تصح من دون قبض الموقوف عليه أو وكيله أو وليّه.
وكيف يتمّ قبضهم للدار مثلاً ؟
ـ يكفي في القبض استيلاء الموقوف عليه او وكيله او وليه عليها.
أحياناً يكون المال الموقوف بيد الموقوف عليه.
ـ يكفي ذلك في قبضه ، ولا حاجة الى قبض جديد.
والاَوقاف العامة من يقبضها ؟
ـ لا يشترط في صحّة وقفها القبض.
قلت لي يشترط في الوقف الدوام والاِستمرار ، فلا يحق للواقف أن يُحدِّد مدّة معيّنة يرجع باِنقضائها ملكه اليه.
ـ نعم ، ويحق له اذا أراد عدم الدوام، أن «يحبِّس» ملكه ولا «يوقفه» ... أن يحبس ملكه على جهة معيّنة أو شخص معيّن ، مدّة يحدّدها وحينئذٍ لم يجز له الرجوع قبل انقضائها، حتّى اذا انتهت المدّة عاد كل شيء الى حالته الاولى.
قال ذلك أبي، ثم أطرق قليلاً وتنهّد كمن تذكّر شيئاً محزناً حين ذكر الحبس، قلت له لاَقطع عليه سلسلة افكار كئيبة تناهبته.
اِضرب لي مثلاً على ذلك.
اذا قال مالك سيارة نقل مثلاً: سيارتي حبيسة على نقل الحجاج الى بيت الله الحرام عشر سنين .
حبسث سيارته على نقل الحجاج عشر سنين ، فاذا انتهت المدّة المحدّدة، عادت سيارته الى وضعها السابق.
لو فرضنا أن هذا الشخص مات قبل اِنقضاء المدّة المحدّدة، فهل تعود سيارته الى ورثته يتقاسمونها كاِرث ؟
ـ اذا مات الحابس بقي الشيء المحبوس على حبسه حتّى تنتهي المدّة، فاذا انتهت عاد الى ورثته ويحق لهم التصرّف فيه.
وهل يحق للاِنسان أن يحبس ملكه مدّة حياته على شخصٍ معين ؟
ـ نعم ـ يحق له ذلك ، ولا يجوز له الرجوع مادام حيّاً ، فاذا مات رجع ذلك الشيء الى ورثته.
اذا قال المالك لشخص: أسكنتك هذه الدار لك ولاَولادك ؟
ـ لم يجز له الرجوع في هذه «السكنى» مادام الساكن موجوداً هو وأولاده فاذا ماتوا رجعت الدار الى مالكها أو ورثته.
واذا قال له : اسكنتك داري مدّة حياتك، فمات الشخص المالك قبل الساكن ؟
ـ لم يجز للورثة اِخراج الساكن حتّى يموت ، فاذا مات عادت الدار للورثة .
أيجوز لزوج أن يوصي «بتحبيس» ثلث بستانه على زوجته لتنتفع من وارده مدة حياتها، على ان يعود الثلث بعد وفاتها الي ورثة الزوج ؟
ـ نعم يجوز له ذلك.
فراش المسجد الموقوف عليه هل يجوز للولي اِعارته مثلاً لعرس أو مناسبة.
ـ مع كونه وقفاً مخصوصاً لا يجوز الانتفاع به في غير ذلك الوقف.
وهل يجوز تأجيره ؟
ـ كذلك لا يجوز .
مسجد غير محتاج لمال وقِّف عليه بخصوصه ، هل يجوز ترميم مسجد اَخر به ؟
ـ اذا كان المسجد في غنىً عن ماله الاَن، وفي المستقبل المنظور، ولم يتيسّر حفظ هذا المال وادّخاره الى حين الاِحتياج اليه، صرف فيما هو الاَقرب الى مقصود الواقف من تاِّمين سائر احتياجات المسجد الموقوف عليه ذلك المال، أو ترميم مسجد اَخر.