الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 120 ـ

  والحب المطلوب في الحياة الزوجية ، ليس هو ذلك الحب الغريزي العاصف ، الذي قد تتقد جمرته في النفس فترة من العمر ، لعوامل غريزية معينة ، ثم تخبو جذوته مع تصريف تلك الغرائز لشحناتها ، أو مع تضاؤل تأثيرها في كيان النفس ، كما في حالات الاكتفاء الجسدي ، أو مع تقدم عمر الفرد ـ مثلاً ـ .
  وليس الحب المطلوب في الحياة الزوجية ، هو حب المصلحة الذاتية ، التي تربط بين شخصين يوفّر كل منهما للآخر بعض الفوائد المادية ، أو غير المادية ، لينتهي ـ من ثم ـ بكفاية الحاجة ، أو تحقق المطلوب من تلك الفوائد ، أو ليتلاشى مع عجز أحد الطرفين أو كليهما عن توفيرها . .
  كلا . . أبداً ؛ ليس حب الزوجية شيئاً من هذا النوع أو ذاك ، وإن أخطأ بعض الأزواج بالاعتماد عليه في علاقاتهم الزوجية . . وإنما هو الحب ذو البعد الإنساني المتكامل .
   . . الإنساني بما للإنسانية من مفهوم شامل ، يستوعب الروح والجسد والعقل ، ووحدة المبدأ ، والسبيل ، والمصير . .
  أما في مورد الإيمان ، وفي الحب المتصور بين الزوجين المؤمنين ـ بالخصوص ـ ، فإن الحب يتخذ مساراً أعمق وأكمل . . إذ يجب على المؤمن أن لا يقتصر في نظرته للحياة ، وفي عواطفه تجاه الآخرين ، على هذه الحدود القريبة ، دون ان يربطها ببارئه . . بالله ـ تعالى ـ مبدأ التكوين ومنتهاه ودون ان ينيطه بغايات الحكمة الإلهية في وجود الإنسان وحياته . . دون ان ينيطه بهذه الرابطة العظمى ، التي هي حقيقة الوجود ، والتي يستمد منها كل موجود ، وهنا يكمن الطعم الحقيقي للحياة ، حيث يضمحلّ دور أي شيء سواه .
   . . والمتكامل الذي يأخذ هذه الأمور جميعها كوحدة ، وكقاعدة ثابتة ، يعتمدها هذا الحب المكين في وجوده ، وكأساس للحياة التي تقوم عليه ، دون تجزئة ، أو استبعاد لبعضها ، ولو في بعض المواقف والحالات .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 121 ـ

  فالحب الزوجي ، هو الحب الذي يشعر كلاً من الزوجين بالاطمئنان إلى قرينه ، وفنائه فيه ، فلا يرى الحياة الا من خلاله ، ولا يرى السعادة الا من بوجوده ، وكأنه كل شيء بالنسبة له في هذا البعد المهم من الحياة . .
  هو الحب الذي يكسب كل نظرة بين الزوجين ، وكل ابتسامة ، وكل كلمة ، وكل التفاته ، وكل ذوبان لأحدهما في الآخر ، معنى عميقاً ، يجسّد كل مكامن النفس ، وتوجهات المشاعر ، وميول العاطفة ، ولهفة القلب ، وإشراقة الأمل السعيد .
  هو الحب الذي تستعذب فيه التضحيات وان كانت مرة ، وتستلذ به الصعاب وإن كانت مؤلمة وتستسهل به الشدائد وان كانت كبيرة . .
  الحب هو الذي تستطاب به أخطاء من الزوجين في حق زوجه وان كثرت ، وتستلذ في تجاوزاته وإن آلمت . .
  الحب هو الذي يوحد كياني الزوجين ، لا في حالة سعادتهما وهنائهما فحسب ، وإنما في بؤسهما وشقائهما أيضاً ، ليجدا في هذا الحب ـ نفسه ـ عزائهما الأول ، وسلواهما الأبدية .
  هذا هو الحب الذي يستوفي للحياة الزوجية متطلباتها ، ويقيم لها أصول سعادتها وهنائها .
  إذن ، فهذا هو الحب الذي يجب ان يحرص على نيله كلا الزوجين ، ويجهدا في إنماء بذرته في قلبيهما ، واستيفاء شرائطه في كيانهما المشترك ، والمحافظة عليه ، حتى اليوم الأخير لهما في هذه الحياة .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 122 ـ

  فضروة هذا الحب لا تقف معهما عند عمر معين ، أو في حدود دور خاص من أدوار الحياة الزوجية ، كما لا يستغني عنه مركز اجتماعي خاص ، أو مستوى علمي ، او ثقافي ، او ديني ، لأنه ـ كما قلت ـ طعم الحياة وليابها . .
  انه كالطعام والشراب والهواء ، ولأنه ـ قبل هذا ـ مورد أمر الله ( تعالى ) للزوجين في هذه الحياة .
  وحين أقول : إن الحب الذي بين الزوجين ، ليس هو ذلك الحب الغريزي العاصف ، فلا أعني أن الحب الزوجي يجب أن يتخذ دائماً طريقة الهدوء في التعبير عن ذاته ، وأنه لا يعصف أبداً ، أو أنه لا يطغى في آفاق النفس في بعض الأحيان ، فهذا خلاف الواقع في الكثير من الحيوات الزوجية . .
  إذ الحب الزوجي ، وحتى بمعناه الذي قلناه ـ قد يطغى في النفس ، وقد يعصف باستقرار المحب ، ولا يهدي الا حيث يرتوي من حبيبه ، وهذا يحدث عادة فيما لو كان أحد الزوجين بعيداً عن قرينه ، أو كان في شدة أو مرض ، بل وهو قد يحدث في حالات اعتيادية من حياة الزوجين ، ولكنه يفترق عن ذلك الحب ذي الصبغة الغريزية ـ بمعناه السابق ـ بأنه لا يخبو ، ولا ينتهي مع ارتواء الحبيب من حبيبه ، أو مع طول المعاشرة معه ، وإنما هو يستمرّ في كياني كلٍ من الزوجين شعلة حية أبدية ، مضيئة لجميع آفاق الحياة الزوجية ، حيث يتراءى إشعاعها في كل نظرة ، وفي كل كلمة ، وفي كل ابتسامة ، كما يتراءى من خلال الأطمئنان الثابت في حياتي الزوجين ، وثقتهما بأنفسهما ، وإيمانهما بعلاقتهما المباركة ، وبتطلعهما المتفائل إلى المستقبل ، وباستعذابهما التضحيات التي يقوم كل منهما للآخر .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 123 ـ

  ومما يستتبع الحديث في موضوع الحب الزوجي نقطة مهمة ، ينغي ان لا نغفل عنها وهي :
  ان بعض الناس يرغب في استماع كلمة الحب وهي تصدر من حبيبه ، صريحة والهة متهجدة ، وخصوصاً في بعض الأحيان التي تكون للعاطفة فيها كلمة عليا ، إذ هو يجد في صراحة هذه الكلمة ، وفي تهجد حروفها ، وفي عمقها من كيان حبيبه ، إرواء لعطشه من الحب ، وهيامه ، بل ومدداً من الثقة في النفس . .
  ومعروف ان المرأة أكثر من الرجل رغبة في استماع هذه الكلمة ، وان لم يكن الرجل ـ بدوره ـ بعيداً عن هذه الرغبة أيضاً . .
  وفي مقابل هذا يوجد أناس ممن يرغب في ان ينطق في هذه الكلمة ، وان تجري حروفها على لسانه مجرى سائر الكلمات التي ينطقها . .
  ويمكن تصور صنفين من هذا النوع من الناس :
  أحدهما : ذلك الصنف الذي اعتاد اطلاق مثل هذه الكلمة ، وان لم يشعر بمدلول حقيقي لها في اعماقه .
  ثانيهما : ذلك الصنف الذي ينطق هذه الكلمة لأنه يجدها شحنة هائلة في أعماق كيانه ، ولا تهدأ كوامنه الا حيث ينطقها ، ولاسيما في محلها ووقتها المناسبين . .
   ولا ريب ان تداول كلمة الحب بين الزوجين أمر جيد ، وقد حثت عليه نصوص العصمة في العديد من الأحاديث ، منها ما رواه الشيخ الكليني ( قدس سره ) في كتاب ( الكافي ) عن الإمام أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال :
  ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قول الرجل للمرأة : إني أحبك ، لا يذهب من قلبها أبداً (1) ) .

**************************************************************
(1) وسائل الشيعة ب 3 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ـ ح : 9 .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 124 ـ

  ولكن على كل من الزوجين ان يعلم ، أن أطلاق هذه الكلمة يجب ان لا يكون حديث ألسنة ، لا يحمل اي عمق ، أو لا يدل على معنى ، لتصبح هذه الكلمة ـ من ثم ـ بعض الكلمات المبتذلة التي لا تحمل مفهوماً ، او من الرسميات الاجتماعية التي يجب أن تسود بينهما ، فالحب الزوجي ـ كما أشرنا في العديد من المواضع السابقة ـ ذو جذور عميقة ذات بعد طبيعي ، يستشعره كلا من الزوجين في أعماقهما قبل أن يلحظاه في ظواهر حالاتهما ، ومن خلال تلك الجذور يدرك كل من الزوجين مدى موقعه في أعماق الطرف الآخر ، سواء سمع منه كلمة الحب أم لم يسمعها ، ولهذا فإن ابتذال هذه الكلمة بين الزوجين ـ دون رصيد حقيقي لها ـ قد يعني تصدّع ، او حتى تحطيم العلاقة المقدسة التي تشد أحدهما إلى الآخر . .
  ثم ان الاستمرار في ترديد كلمات الحب ، والإكثار من تعاطيها في حياة طويلة ـ كالحياة الزوجية ـ مما يجعل لها أثراً عكسياً ، إذ ستصبح سلعة مملولة لديهما ، ممجوجة في أسماعهما ، مع مرور الزمن ، وان كان لها نوع من التعبير الصادق عن واقع صحيح يعيشانه . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 125 ـ

  إذن ، فعلى كل من الزوجين ان يتحرّى المناسبات والظروف ، التي يتهيأ فيها قرينه لاستماع هذه الكلمة ، حين يجد في نفسه ضرورة النطق بها ، وعليه ـ قبل هذا ـ أن يجعل من واقع الحب ذاته رصيداً مبدئياً في حياته معه ، لتكون مثل تلك الكلمات ذات ذلالة صادقة ، تمكّنها من النفوذ إلى أعماق الطرف المقصود بها .
  وعلى الزوجين ـ معاً ـ ان يلبيا داعي الحب العميق في نفسيهما ، وان يملأ كل منهما وجدان الآخر وعاطفته بحقيقة ما يشعر به قبل أن يملأ اذانه بحروف هذه الكلمات ، ويجب أن لا يقف الحياء حائلاً بينهما دون هذه التلبية ، فالحياء في مثل هذا الأساس العميق لا موضوع له ، لأن الحب لباب الحياة الزوجية ، وطعمها اللذيذ ـ كما قدمت ـ .
  وبالمقابل ، فإن على كل من الطرفين أن لا يستهين بشيء من عواطف شريكه ، وان لا يستحقر شيئاً من المبادرات التي يبديها قرينه له في التعبير عن حبه إياه ، وان تكون استجابته لهذه العواطف وكلماتها ، استجابة مناسبة مشجعة ، دون إحراج ، او تبكيت قد يفقده لذة الحب ، بل ويفقده طعم الحياة من أساسها ، او ـ على الأقل ـ تفرض عليه ان يكبته في أعماق نفسه ، ليصبح ـ مع مرور الزمن ـ عقدة مستعصية ، لها آثارها السيئة على صحته النفسية ، او على سلامة علاقته به ، وإخلاصه للرابطة الزوجي من أساسها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 126 ـ

الوصية العاشرة
المادة والحياة الزوجية

  للعلقة بين الزوجين ـ كما هو معلوم ـ أسسها النفسية ، بل والتكوينية العميقة في كياني الزوجين ، ولها أصولها في مطاوي قلبيهما ، وعقليهما ، بل في وجوديهما كله . .
  وتلك الأسس وهذه الأصول ، لها ـ عادة ـ عطاء روحي ، بعيد عن كل البعد عن الماد وشكلياتها ، وسامٍ على كل مقاييسها المعروفة .
  فهي تعتمد الحب والإخلاص ، والإيثار ، والتضحية ، والتوحّد مع الطرف الآخر في مسيرة الحياة ، وفي تقلّبات أيامها ، وفي سرائها وضرائها . .
  ومن خلال هذه المعاني وأشباهها تكتسب الحياة الزوجية لذتها ، كما تكتسب معانيها الرفيعة ، دون أدنى تدخّل للحسابات المادية ، أو مقاييسها ، بل وهذا التدخل مما يفسد تلك اللذة ، ويحيد بتلك المعاني عن مسارها الصحيح .
  وهذه الحقيقة من الأمور التي يجب ان ينتبه إليها كلا الزوجين ، ويلاحظاها معاً في مجريات حياتهما ، ويبنيا عليها نظرتهما الفاحصة لجميع المواقف والحالات ، التي تقع بينهما ، والتأمل فيما يصدر كل منهما تجاه الآخر ، حين يريدان لنفسيهما السعادة الحقيقية ، ولحياتهما الزوجية السلامة الدائمة ، لان أعتماد المقاييس المادية ، او اعتبار شيء من شؤونها دخيلة في حياتهما ، معناه الحكم على هذه الحياة بالشكلية ، أو الرسمية ، مما يعني الحكم عليها بالخواء عن أي لباب ، يمدها باللذة الحقيقية ، والاطمئنان الثابت . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 127 ـ

  نعم وهذه القاعدة لا تختص بها بيئة من البيئات ـ كالبيئة الدينية ، مثلاً ـ ولا طائفة من الناس فحسب ، وإنما هي عامة لدى بني البشر ، في جميع الاوساط ، الملتزمة منها وغير الملتزمة ، فالحياة الزوجية ـ ولدى جميع الناس ـ تعتبر المثل الأسمى للعلاقات ذات الطبيعة الإنسانية ، والأساس الفطري لسعادتها وأطمئنانها ـ كما قلت ، وهذه السعادة والأطمئنان ، إنما يتأتيان للإنسان من خلال ما تعنيه هذه الحياة ـ نفسها ـ من عطاء وتضحية ، وإخلاص ، يربأ بكلا الزوجين عن الحدود المادية ، التي تحكم كثيراً من العلاقات الاجتماعية المتعارفة .
  كما ان هذه القاعدة ـ التي ذكرناها ـ لا تختص في جانب معين من جوانب الحياة الزوجية ، بل هي تعم جميع جوانبها وآفاقها ، حتى تلك الجوانب التي لها طبيعة مادية ظاهرة ، حيث تضمحلّ دلائل هذه الطبيعة حين تلحظ في علاقة ما بين الزوجين ، لتصبح لها معان أسمى ، وأعمق ، من المادة وما تعنيه هذه المادة من حدود .
  ففي الهداية الخاصة ما بين الزوجين ـ مثلاً ـ ، لا يقاس ما يقدمه أي من الزوجين لقرينه منها ، بمقاييس الأرقام الحسابية الخاصة ، ما تعنيه تلك الهدية من تعبير عاطفي عميق ، هو الذي يقصده الطرف المهدي عند تقديمه إياها لقرين حياته .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 128 ـ

  وهذا يعني ضرورة ان لا تقتصر الزوجة ـ في تقديرها لهدية زوجها ، في مناسبة من المناسبات ـ على ما تعنيه هذه الهدية من قيمة مالية ، لتظهر فرحتها بها حين تكون كذا مقداراً ، بينما هي لا تلتفت اليها ، او ـ على الأقل ـ قد تستهين بها حين تكون بقيمة أدنى ـ مثلاً ـ .
  وكذلك الأمر بالنسبة إلى موقف الرجل تجاه هدايا زوجته ـ حين تقدم له شيئاً في بعض المناسبات ـ ، إذ يجب عليه أن لا يعتمد في تقديره شيئاً من المقاييس المادية ، لان مثل هذه المقاييس مما ينغص حياتهما ، ويبعدها عن أي لذة ومتعة يطمحان إليها .
  ويستتبع هذه الناحية كذلك : ضرورة أن لا تكون هناك أدنى مقارنة بين ما يقدمه أحد من الزوجين للآخر من الأعمال أو الهدايا ، مع ما يعمله أزواج آخرون بعضهم لبعض ، أو ما يقدمونه لبعضهم في مناسباتهم .
  فيجب ان لا تشير الزوجة لزوجها ، او الزوج لزوجته ، بتلك المقارنة ، وان كان الزوجان الآخران قريبي الصلة منهما ، أو كانا أرفع منهما ، أو أدنى في الحالة المادية .
  فالقضية حساسة ، ولاسيما حين يعلم الطرف المهدى إليه برغبة خاصة من الطرف المهدي في تقديم مثل هذه الهدية ـ بالذات ـ في هذه المناسبة ، كما لو أمتلكت ذوقه وأحبّ أن يراها بيد قرينه . . فإن مثل هذه المقارنة مما يهيءّ لزرع بذور الشقاق والاختلاف بينهما .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 129 ـ

الوصية الحادية عشرة
استجابة المرأة لعواطف زوجها

  في استجابة المرأة لما يقوم بها زوجها تجاهها من أعمال ، وما يقدّمه لها من رعاية ، ينبغي لها ان تلتفت إلى ان هذه الأعمال والرعايا إنما تصدر منه على نحوين :
  الأول : ما يستجيب فيه الرجل للأحكام العامة للحياة الزوجية ، وما تفرضه عليه من ضرورات ، عرفية أو شرعية ، كالإنفاق عليها ، والقيام بلوازمها الشخصية والاجتماعية ، وغيرها . .
  ومثل هذه الأعمال ـ غالباً ـ مما لا يعير له الرجل أهمية خاصة في أعماق ذاته ، فهو يراه واجباً عليه ، ولا بد له من القيام به ، بحكم مسؤوليته الاجتماعية ، او الدينية . .
  ويكفيه من زوجته ـ وبحكم مسؤوليتها في إدارة البيت ـ ان تشعره بمستلزمات هذه الحياة ، وتنبه إلى المطلوب في سداد عوزها ، وتوجيه نظر زوجها ، وترشيد مصروفاته فيها لنيل ما هو الأفضل لهما ولبيتهما ، ولعلقتهما المباركة . . وهكذا . .
   كل ذلك بلهجة تتناسب مع قوامة الرجل عليها ، ومع الآداب الاجتماعية والأخلاقية التي ينبغي التي تبنى عليها الحياة السليمة ـ بشكل عام ـ ، والحياة الزوجية منها ـ بشكل خاص ـ .
  الثاني ما يقوم به الزوج تجاه زوجته ، وراء تلك الأمور الأساسية العامة في الحياة الزوجية ، مما لا يفرضه الواجب العرفي الاجتماعي ، او الديني عليه ، وان دخل في عنوان الفضل بين الزوجين ـ كما في تعبير بعض النصوص الشرعية ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 130 ـ

  ولا ريب ان لهذا النوع من أعمال الزوج موقعاً خاصاً في نفسه ، ومعنى عميقاً في كيانه ، ويجب ان لا يخفى ذلك على الزوجة العاقلة ، حيث يجب عليها ان تتفهم دلالاتها ، وتتجاوب معها بكامل كيانها ، وتتناغم معها بكل عواطفها ومشاعرها . .
  سواء منها تلك الدلالات الآنيّة ، التي يقصدها الزوج مع الموقف نفسه ، أم ما هو أعمق من ذلك في عواطف الرجل ، ومشاعره تجاهه ، وتجاه علقته المقدسة بها .
  فمن بعض الدلالات الكبيرة لهذا النوع من أعمال الزوج ـ والتي ينبغي للمرأة العاقلة أن تدركها ـ : أنه الرصيد الذي يعتمده الزوج في تجديد رابطته بزوجته ، وإظهار مشاعره تجاهها ، وحبه لها ، وإبراز وثوق علقته بها ، وهكذا . .
  ولهذا فإن فهم الزوجة لمثل هذه الدلالات ، واستجابتها المتكافئة لها ، مما يملأ الزوج رضا عن نفسه في هذا العمل ، واعتزازاً بشخصيته ، كما يملؤه رضى عن زوجته ، واعتزازاً بها ، وإكباراً لها .
  وطبيعي ان يكون مثل هذا الشعور من الزوجين من أفضل الأسباب التي تقرّب كلاً منهما للآخر ، وتوثق ارتباط بعضهما ببعض ، وتدفعهما ـ معاً ـ إلى المزيد من العطاء والتضحية ، لتعنيهما ـ من ثم ـ على الارتفاع بعلاقتهما الزوجية الى المزيد من السعادة والهناء .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 131 ـ

  وهذا النوع من الأفعال ذات الدلالة الرفيعة والعميقة ، يمكن ان يتجلى ببعض المواقف والعطاءات ذات الصيغة المادية ، كالهدايا والسفرات السياحية وشبهها ، ويمكن ان يتجلى كذلك بابتسامة عميقة ، ذات مفهوم خاص يفهمه قلب الزوجة عادة بكل وضوح .
  ولهذ كان على المرأة أن تتناسب في استجابتها مع مثل هذه المواقف ، بشكل دقيق ومعبّر ، لا في حدوده الظاهرة فحسب ، بل مع المعاني التي يحملها ، ومع الروح التي ينبع منها ، والعواطف ، التي يعبّر عنها .
  مما يعني ضرورة ان لا تكون هذه الاستجابة آلية ، جافة ، أو بألفاظ متبذلة ، لا تحوي مضموناً ، لتضفي على الموقف ـ من ثم ـ صبغة رسمية مجاملة ، قد تفقد الزوج ـ حينئذ ـ آماله التي يرجوها من زوجته في هذا الموقف ، مما يفقده ـ بالتالي ـ ثقته بذكائها ووعيها . . بل الواجب ان تكون استجابتها حيوية عميقة ، تتناسب مع روح الموقف ، وتتانغم مع العواطف العميقة للزوج فيه ، وتضمن تحقيق آماله فيها ، ولو باستسلام لذيذ على صدره او ابتسامة رقيقة معبّرة ، او نظرة حب صادقة والهة . . .
  ولعل في هذه النقطة ـ بالذات ـ ، تبرز بعض الفوارق المهمة بين نفسية الرجل ونفسية المرأة في هذا المجال .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 132 ـ

  فالغالب من النساء يرغبن بالإطراء الصريح من أزواحهن تجاه ما يقدّمنه لهم من أعمال ، وتستهويهن كلمات المدح والثناء عليهن ، وعلى كفاءتهن ، وذوقهن ، ونتاجهن ، في هذا المجال او ذاك ، بينما رغبة الرجال بمثل ذلك الصراحة ـ عادة ـ أقل ، فما يستهويه الرجل من زوجته ، مزيد من استسلامها له ، وشدة ارتباطها به ، وعمق وتولهها وحبها إياه .
  وهذا الفارق المهم مما ينبغي ان لا ينساه كل من الزوجين في علاقته بالآخر ، وفي تعامله معه .
  كمزيد من كلمات الاستحسان ، والإطراء والثناء من الزوج تجاه زوجته ، وتجاه ما تقوم به من اعمال ، قد يكون له أكبر الأثر في إحكام أواصرها معه وتعلقها به . .
  كما ان مزيداً من استسلامها له ، وانشدادها إليه ، وتولّهها به ، له دوره في توثيق علقته بها ، وتوحّده بها . .
  ولكن عليهما ـ معاً ، وفي الوقت نفسه ـ ان يكونا صادقين في تعبيرهما عن مكنونات قلبيهما ، واقعيين في دلالات ما يقوم به كل منهما للآخر ، ولا يقتصر على حدود الظواهر والمجاملة ، فقد أشرت ـ عدة مرات ـ إلى أن هذه الحدود والشكلية مما يفسد طعم الحياة الزوجية ، ويخرجها عن مضمونها وسعادتها ، وهنائها المطلوب .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 133 ـ

الوصية الثانية عشرة
تبعية إرادة الزوجة لأمر زوجها

  علمنا في بحث سابق : ان للرجل ـ في الإسلام ـ قوامته على زوجته ، وهو أمر بدهيّ من دين الله ( تعالى ) . .
  وعلمنا أيضاً : كما ان لهذه القوامة أصولها الشرعية المقررة ، لها كذلك أصولها التكوينية الواضحة في البنية الشخصية لكلا من الزوجين ، ولا يستطيع أي منهما إنكارهما ، أو التنكر لها ، إلا إذا خرج من طبيعته التي خلق عليها .
  ومن المستلزمات الشرعية لهذه القوامة في الإسلام : تحمّل الزوج لمسؤولية إدارة البيت بالمعروف ، وتوجيه مسيرة الأسرة في حياتها الأخلاقية والأجتماعية والدينية ، وانتهاج السبل التي تصلحها ، كما أراده الله ( تعالى ) لها ، والأخذ بها إلى حيث الكمال الأعلى ، الذي جعله هدفاً لها .
  كما أن مستلزمات هذه القوامة أيضاً : ضرورة ان تعلم الزوجة ان من مسؤوليتها في الأسرة المسلمة : إنتظامها في إدارة الزوج ، وتبعيتها لخطه في سبيل الإصلاح والمعروف ، اللذين حددته بهما الشريعة المقدسة . .
  وكل هذا مما سبق الحديث فيه مفصّلاً ، ولكننا نعيده هنا للتأكيد على أهميته في الحياة الزوجية .
  وهذا يعني ضرورة ان تتبلور إرادة الزوجة من خلال إرادة زوجها ، وتتّبع خطواته في الحياة ، فلا تبتّ بأمر ، ولا تلتزم شيئاً في المجتمع ، أو في حياتهما الخاصة ، دون استشارته ومعرفة رأيه ، على ان تكون هذه الأستشارة في وقت مناسب وبهدوء ، بعيداً عن العصبية ، وتدخّل الآخرين ، وعلى ان يتذكر الطرفان وحده كيانهما في القرار ، وفي سبيل الحياة ، بل وفي النظرة الاجتماعية لعلقتهما المشتركة ـ كما سبق أن علمنا ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 134 ـ

  هذا كله حين تجري الأمور مع الزوجين في مسارها الطبيعي ، وكما يريرده الإسلام فيهما . .
  أما يخرج الزوج عن قويم السبيل ، فيحاول ان يستبدّ بالقرار ، أو يشطّ في قوامته على الأسرة ، أو ينحرف بمسيرة سلوكه ، أو سلوك الأسرة ، عن الحدود الإلهية ، فعلى المرأة الحكيمة ، أن تتدبّر الأمر بتعقّل ورويّة ، حين لا تريد من لبيتها أن تتداعى أركانه ، وحين لا تريد علاقتها بزوجها أن تتفكك . . إذ يمكنها أن تداري مشاعر الزوج ـ قدر الإمكان ـ ، وتستميل مشاعره ، وتجلب عواطفه بهدوء ، وحب صادق ، وتنّبهه ـ بطرق مباشرة أو غير مباشرة ـ إلى مكامن الخطأ في سلوكه ، عسى أن يوؤب إلى رشده ، ويعني طبيعة مسؤوليته . .
  وأما حين لا تفيدها وسائلها الخاصة . . فيمكنها أن تستعين بمن هو أقدر منهما ، وأكبر تأثيراً على زوجها ، ليضع أموره في مجاريها الصحيح ـ مع الإمكان ـ ، ويوقفه على ما ينبغي ان يوقفه عليه . .
  ولكن عليها ان تلتفت إلى ضرورة أن لا تستعين بالغير إلا بعد ان تستوفي طاقاتها الخاصة مع زوجها ، وتستنفد إمكاناتها الخاصة في التأثير عليه ، لأن تدخل الآخرين في حياتهما الخاصة غير مأمون العواقب دائماً ، وإن كانوا من أقرب الناس إليهما ، وأشدهم صلة بهما .
  كما يجب لا تكون هذه الاستعانة منها بالآخرين على حساب أسرار الحياة الزوجية الخاصة ، أو على حساب كرامة زوجها ، أو قدسية العلاقة الزوجية الخاصة ، أو على حساب كرامة زوجها ، أو قدسية العلاقة الزوجية التي تربطها به ، لأن تلك الأسرار ، وهذه الكرامة والقدسية ، خطوط حمراء ، لا يجوز لكل من الزوجين تجاوزها ، بحال من الأحوال ، وقد قدمنا أنها من الأمانات الإلهية التي يجب الوفاء بها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 135 ـ

الوصية الثالثة عشرة
اعتزاز الزوج برجولته

  للرجل سمة مييزة في شخصيته لا يمكن إنكارها . . وهذه السمة تنشأ ـ في مبدئها ـ من طبيعة تكويني الشخصي ، كما أنها تنو من خلال دوره الخاص في المجتمع ، وموقعه في الحياة العامة ، فضلاً عن قوامته على الأسرة .
  وهذه السمة هي اعتزازه الكبير برجولته ، واعتداده بشخصيته ، إلى درجة الأنانية في بعض الأحيان .   وكثير من الرجال قد يتّسع صدره لتحمل الكثير من النقد والتوجيه ، ما لم يمسّ منه هذا التوتر الحساس في كيانه ، أما مع المساس بهذا الجانب ، فإنه سيصبح أبعد ما يكون عن التجاوب مع اي توجيه ، مهما احسّ بالإكبار والتقدير للطرف الذي يمليه عليه .
  وهي ناحية يجد أن تأخذها المرأة بحسبانها ، في أي موقف لها مع أي رجل ، وبالأخص مع زوجها ، إذ الخطأ في التقدير سيكون أعمق من أن يتدارك باعتذار ـ في أكثر الاحيان ـ .
  ومع ان للمرأة اعتزازها بأنوثتها كذلك وأعتدادها بشخصيتها كامرأة ويجب ان يأخذ الرجل ذلك الاعتزاز ، وهذا الاعتداد بحسبانه في تعامله مع أي أمرأة ، وبالأخص مع زوجته أيضاً ، إلا ان هناك فارقاً كبيراً بين الأمرين ، ويتأتّى هذا الفارق من الفرق بين طبيعي الرجولة ـ بما فيها من رغبة في الهيمنة على المرأة ، وعنفوان ، وإيجابية ، وحسم ـ ، والانوثة ـ بما فيها من لين ، ونعومة ، واستكانة طبيعية للرجل ـ حيث ان هاتين الطبيعتين هما الحاكمتان على كل من الرجل والمرأة وعلى تصرفاتهما ، وقد سبقت الإشارة إلى هذا الفارق ، في الحديث حول قوامة الرجل . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 136 ـ

  ومما ينبغي للمرأة أن تفهمه في هذا المجال . .
1 ـ تجنب المساس برجولة زوجها ، واعتداده بنفسه ـ كرجل ـ ، حتى في طريقة مخاطبتها له .
  فليس من الهّين على الرجل ـ مثلاً ـ ، ان تصدر إليه المرأة طلباً بصيغة يستشم منها الاستعلاء أو الأمر ، حتى من مثل الأم مع ولدها ، فضلاً عن الزوجة مع زوجها ، بل ان الكثير من الرجال يرى ان مخاطبتهم باللهجة الآمرة نوع من الطعن برجولتهم ، والاستهانة بكفاءتهم في القيام بواجبهم ، وتكون الحساسية أكبر ، حينما تكون الزوجة هي التي يصدر منها مثل هذا الأمر ، وخصوصاً فيما ّإذا كان هذا أمام الآخرين .
  ولهذا ، فإن على المرأة الحكيمة أن تتجنب ـ قدر الإمكان ـ إصدار طلباتها التي تريدها من زوجها بهذه اللهجة ، وتتحرى طرقاً اخرى في مخاطبته ، لا يشم منها الزوج أي رائحة للاستعلاء عليه ، أو التجاوز على مكانته ، لأنها تعلم ان تحطيم شخصية زوجها ـ كرجل ـ مما يؤثر على علقتها به ، بل وعلى موقعها ـ هي نفسها ـ في المجتمع ، وأحترام الآخرين لها ، بنفس الدرجة التي يتأثر بها موقع الزوج فيه ، وحرمته بين الناس .
  على أن شيوع الأدب والأحترام في المجتمع ، وحسن الأخلاق في الأسرة ، هو الطابع العام الذي يريده الإسلام لأبنائه ، ولوحدة الأسرة المسلمة ، واستقامتها في طريق الله ـ جلت قدرته ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 137 ـ

2 ـ أن لا تتّكل المرأة على الرجل في القيام بعض أعمال البيت ، وشؤون الأطفال ، وغير ذلك ما يعتبره المجتمع ضمن اختصاص المرأة وان كان الرجل ممن يبدي مساعدتها فيها لظرف من الظروف ، لأن هذا الاتّكال ، وخصوصاً إذا ظهر أمام الآخرين ، قد يفسّر ـ في بعض الأحيان ـ على أنه نقص في رجولة الزوج ، أو قصور في كفاءة المرأة ذاتها ، ولا ريب ان كلا التفسيرين مما لا يتناسب وكرامة كلا الزوجين ، أو كرامة ما بينهما من علاقة مقدسة .
  وعليه فلا بد للزوجة ان تقنع زوجها بعدم حاجتها إليه في تلك الأعمال ، وإنما تلك الكفاءة اللازمة للقيام بواجباتها تلك ، وان تشعره بامتنانها منه ، حينما يصرّ على القيام بمساعدتهما في واحد من تلك الأعمال ، وتعترف له بجميله عليها فيه . . وهكذا .
   بل ، وحتى لو اعتاد الرجل على القيام ببعض أعمالها الخاصة في المنزل ، حتى أصبح هذا الأعتياد جزءً من مهامته في البيت ، فعلى كلا الزوجين ان يحذرا إبراز شيء من هذا الاعتياد امام الآخرين ، وخصوصاً مثل مجتمعاتنا الشرقية ، فإن ظهور هذه الحالة مما سيجعل كلا الزوجين ـ وليس الزوج وحده ـ ، مدعاة للهزء والسخرية من الناس ، وسبباً لنظرتهم المستحقرة ـ كما هو شائع معروف في مثل هذه المجتمعات ـ .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 138 ـ

الوصية الرابعة عشرة
خدمة كل من الزوجين للآخر

  ( المعروف ) هو أساس المسؤولية التي رسم الإسلام حدودها للأزواج ، وللحياة الزوجية .
  و ( التوازن ) هو المنهج الذي تمضي به هذه المسؤولية في الحياة .
  و ( تقاسم المهمات ) المستند إلى طبيعتي كلا الزوجين ، هو الرصيد الذي يتحقق به ذلك المنهج في علاقة ما بينهما .
  و ( قوامة الرجل ) هي المبدأ الذي يوحّد اتجاه الأسرة ، وينظّم خطواتها في ذلك المنهج الرشيد .
  ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) .
  وكل هذا مما أفضنا فيه الحديث سابقاً ، وفهمنا من أبعاده ما يوضح لنا طبيعة الأحكام الإسلامية في الحياة الزوجية بشكل عام .
  وهذه النواحي الأربع مما يجب أن يأخذه كلا الزوجين أركاناً أساسية في تنظيم حياتهما الزوجية ، ويتذكراه في مشروعهما المشترك لبناء هذه الحياة ، على المدى القصير والطويل معاً ، وفي كل خطة يرسمانها ، من أجل ان تمضي الأمور معهما ، كما يريده الله ( تعالى ) لهما ، وكما تفرضه طبيعتهما الإنسانية عليهما ، وكما تقتضيه استقامة الحياة وديمومة السعادة فيها .
  وقد علمنا ان المعروف يعني ( الواضح من أحكام الله ـ جل شأنه ـ وبصائر رشده وهداه ، وما يدركه عامة الناس من شؤون الحياة الزوجية .
  كما ورد في تعبير بعض الأعلام ( قدس سره ) . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 139 ـ

  أو كما قرأناه في تعبير كتاب ( لسان العرب ) :
  ( المعروف : اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله ( تعالى ) ، والتقرّب إليه والإحسان إلى الناس ، وكل ما ندب إليه الشرع من الحسنات والمقبحات ، وهو من الصفات الغالبة ، أي أمر معروف بين الناس وإذا رأوه لا ينكرونه . . ) . .
  وحين يكون هذا ( المعروف ) هو أساس المسؤولية بين الزوجين ، فلا بد ان تمضي حياتهما ـ معاً ـ وفق الحدود والبصائر الإلهية ، وما جرى عليه الناس في تعاملاتهم من حقوق ، وواجبات . .
  فليس لأحدهما حق على شريكه وراء هذه النقطة الفاصلة ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
  وحين يكون ( التوازن ) هو المنهج التي تمضي به هذه المسؤولية ، فضروري ان لا يكون هناك حيف ، او جور ، لأحد الطرفين على حساب الطرف الثاني ، ولا بد ان يكون هناك تناسب بين الأخذ والعطاء ، والواجب والحق . .
  وهذا يعني ان لا تطلب المرأة من زوجها أكثر مما تقرره الشريعة لها من الحقوق ، ووراء ما تقوم هي به لزوجها من شؤون الحياة ، ولا تفرض لنفسها عليه مزايا إضافية ، في وقت لا تقدم هي له أي مزايا أضافية ، في مواقفها اتجاهه وعطائها له .
  وهكذا الأمر بالنسبة إلى الزوج ، إذ لا ينبغي له ان ينتظر من زوجته أموراً لا يقدم هو لها ما يقابلها من حقوقها عليه .
  ومن ناحية أخرى ، وهي مهمة ، يجب أن تؤخذ بالحسبان في منهجة الحياة الزوجية ـ ومنذ أيامها الأولى بالخصوص ـ .
  فحين يكون التوازن هو المنهج الذي تمضي به هذه المسؤولية في الحياة الزوجية ، فمن الضروري ان تلحظ قدرة كل من الزوجين على القيام بما يريده منه الطرف الآخر ، وراء الحدود الشرعية المقررة ، التي تشكّل الحد الأدنى من شؤون الحياة الزوجية . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 140 ـ

  إذ ليس من الحكمة أبداً أن يكلف الرجل زوجته بأمور يعلم أنها مما يشق عليها القيام به ، وان كان ضمن ما يراه ضرورياً لحياته . . وليس من المناسب ـ كذلك ـ ان تلزم المرأة زوجها بأمور تدرك صعوبتها بالنسبة إليه ، وإن كانت تراها ضمن حقوقها المشروعة عليه ، فإن التغاضي عن بعض تلك الحقوق الإضافية في بداية الحياة الزوجية ، أهون تأثيراً عليهما ، وعلى علاقتهما ، من أن يصطدما في مرحلة متأخرة من حياتهما من تبعات التكلّف ، وسلبيات العجز عن الوفاء بمسؤوليات صيغة عليها الحياة الزوجية ، حيث يصعب الخروج عن أطرها وأحكامها .
  ومن الحكمة في هذا المجال ، ان يأخذ كل من الزوجين حياتهما في خطها الطويل بالاعتبار ، وليست في خطها الآني القصير فحسب ، فهذه الحياة ليست لقاء ساعات ، أو أيام ، كما انها لقاءات متفرقة متباعدة ، وإنما هي دائمة ، مستمرة باستمرار عمر الزوجين في هذه الدنيا .
   . . إنها عمر كامل لكلا الزوجين ، وإنها التزامات دائمة ، وتلازم شخصي واجتماعي ، ومسؤوليات جسدية ونفسية وعقلية ، فمن الجدير بالزوجين أن يأخذاها ككل بالاعتبار في منهجة الحقوق والواجبات بينهما ، ويمّهدا لآثارها ونتائجها في حياتهما منذ الأيام الأولى للقائهما الزوجي .
  فلا يحاول الزوج ان يفرض على زوجته واجبات او التزامات ، يعلم انها تكلفها عناء ومشقة في مستقبل أيامهما ، ولاسيما حين يولد لهم أطفال يحتاجون إلى رعايتها كأم ، ويفتقرون إلى حضانتها وتربيتها ، أو حين تتوسع التزامات العائلة ، لتتوزع مسؤوليات المرأة ، ولا تقتصر على خدمة زوجها فقط ، أو حين يمضي بها العمر إلى حين يعجزها عن القيام بكثير من المهمات . . وهكذا . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 141 ـ

  وبالمقابل كذلك ، فإن من الخطأ تتعوّد المرأة من زوجها على أمور بأنها تثقل كاهله بها في مستقبل أيامهما ، لسبب من الأسباب التي ذكرناها أيضاً .
  فعليهما ـ والحال هذه ـ ان يضعا لحياتهما الزوجية المشتركة ـ ومنذ أيامها الأولى فيها ـ خطوطاً عامة ، يبنيان على أساسها هذه الحياة ، بعيدة عن التعقيد والتكلف ، قائمة عن التعاون المشترك ، وان يصمم كل منهما ـ في ذات نفسه ـ ان يكون الإيثار والتضحية والعطاء ، هي الاصول التي تّحكم صلته ، برفيق حياته ، وان لم يكافئه الطرف الآخر على كل ما يقوم به اتجاهه ، وهذا بعض ما يعنيه الفضل بين الزوجين ـ كما في التعبير القرآني المجيد ، والذي سبق أن قرأناه من قبل ـ : ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ) .
  وان يعتبر ـ في الوقت نفسه ـ ان ما يقدمه له شريك حياته من عطاء ، وتضحيات ، وما يقوم به من أعمال ، وراء الحدود الإسلامية المقرّرة عليه ، ووراء ( المعروف ) الاجتماعي ، إنما يرد في مضمار الفضل ، ولا ينبغي أن يجعله كحق دائم له على الطرف الآخر . .
  وبهذا البناء والتصميم ، يضمن الزوجان لنفسيهما ديمومة السعادة الحقيقية ، وأبدية الهنا العميق في حياتهما ، حيث لا يتدخل فيها أي شعور يصدر من أحدهما بأنه مغبون في حق ، او ان عليه جوراً في حالة ، أو في عمل ، لأن مثل هذا الشعور ـ كما هو معلوم ـ مما يفقد الحياة سلاستها ، وبساطة العلاقات فيها ، ويعكر نقاءها .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 142 ـ

  نعم ان الزوجة قد ترغب في المضيّ مع عاطفتها ، وحبها لزوجها ، وراء تلك الحدود ، وقد تنجرف مع هذا الحب ، وتنساق إلى درجة التضحية براحتها وصحتها وإمكاناتها المادية والجسدية ، وقد تحاول ان تثبت له ولذويه كفاءاتها في بعض الأمور والأعمال ، فتقوم ببعض الأعمال الإضافية التي تجدها ، وعلى حساب صحتها ، وغالباً ما تكون هذه الرغبة في بداية الأيام من حياتها الزوجية . . وهذا في نفسه جيد ، ولا إشكال عليه ، وقد يكون ضرورياً بالنسبة لها ، حين تحتاج إلى اقناع الزوج بما تريد إقناعه به ، وإمتاعه ببعض المتع الإضافية ، التي تستوجبها سعادتها في حياتهما الزوجية .
  ولكن الخطأ أن تصبح تلك التضحيات ، وهذه الأعمال مجهدة أصولاً أساسية في علاقتهما بزوجها ، ليستمكن في أعماقه شعور ثابت بأنها بعض حقوقه على زوجته ، مما يعني انها ـ وحين تضطرها الأيام إلى تركها ، أو إلى التخفيف منها ، لسبب من الأسباب المتقدمة ، تجعله يعتقد أنها قد قصّرت ببعض حقوقه ، وسلبته بعض ضرورات حياته . . مما يستوجب ـ بالتالي ـ بذر عوامل الشقاق في حياتهما ، وعلاقتهما المشتركة .
  وكذلك الأمر بالمقابل ، فإن الزوج قد ينساق في حبه إلى زوجته ، فيقوم لها ببعض الأعمال المجهدة له ، أو يقدّم لها ما يكلّفه عناء من متطلبات الحياة ، او يبذل لها ما يبهض كاهله من المصروفات ، بشكل لا يستطيع الاستمرار والمداومة عليه طويلاً . .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 143 ـ

  وهذا كذلك جيد منه إلى حدّ ما ، ولا سيما حين تعتمد على سعادتهما على مثل هذا التكلف والجهد ، ولكن الخطأ هو ان تصبح هذه الجهود والعطاءات والتضحيات في موضع تتعوّد عليه زوجته ، لتعتبرها ـ من ثم ـ بعض حقوقها اللازمة عليه . .
  ولهذا فإن على كلا الزوجين أن يكون مسيرهما في مثل هذه الأمور بحكمة ، وأن يتدبرا أمرهما بتعقل ، لئلا يقعا في المحذور ، فتتنغص عليهما حياتهما ، أو تفقد بهجتها مع مرور الأيام .
  أما مع حدوث شيء من هذا القبيل دون إنتباه إلى نتائجه في البداية ، فينبغي أن يلتفت إليه كلاً من الزوجين ، وأن يشعرا معاً أنها حالة عارضة ، وإن إستحكمت في حياتهما ، وأن يعفي كل منهما شريك حياته ، مما هو زائد عن ضرورات الحياة ، حين يقوم له بهذا النوع من الأعمال ، وما يقدمه له من هذه التضحيات ، ثم الرجوع معاً ، وبهدوء ، إلى بساطة الحياة ، وإلى التعاون فيها ، لتعود حياتهما إلى نقائها ، ويضمنا سعادتهما ، دون أن يسيطر عليها حكم العادة ، وثقل المعاناة ، بشيء لا موجب له .

الى الفتاة على أعتاب الزوجية   ـ 144 ـ

الوصية الخامسة عشرة
الأمانة الزوجية

الزوجة مؤتمنة
والزوج مؤتمن
  والأمانة الزوجية لدى كلا الطرفين إلهية في مبدئها . . إجتماعية في حسابها . . إنسانية في نتائجها . . مالكية في أغراضها . .
  إلهية ، لإن الله ( تعالى ) هو الذي فرضها على كلا الزوجين ، حيث جعل كلاً منهما لباساً للآخر ، ساتراً له عن الموهنات من الأخلاق والسجايا ، وأناط بهما ، وبعلقتهما المقدسة استقامة حياتهما المؤمنة ، وشرفها ، ومجدها . .
  واجتماعية ، لأن مكانة كل من الزوجين لدى المجتمع ، ومكانة علقتهما الزوجية ، منوطة بتصرّف كل منهما تجاه الآخر ، وتجاه نفسه ، وتجاه المجتمع ، بل وإن استقامة المجتمع نفسه ، وإن شرفه وكرامته كلها ، قائمة على تلك التصرفات ، لأن كل فرد ، وكل شريحة اجتماعية ، تشكل لبنة في ذلك الصرح الاجتماعي ، وكيانه العتيد .
  وإنسانية ، لأن استمرار حياتهما ، وحياة الأسرة ، والمجتمع ، والنوع الإنساني كله ، مرتبط بهذه العلقة التي تحمّلا معاً مسؤوليتها . .
  ومالكية ، لأن كلا من الزوجين قد فوّض التصرف في ممتلكاته الموجودة في البيت إلى قرينه ، وأباح له الاستفادة منها ، بما يقيم حياتهما الزوجية ، أو بما وراء ذلك ، وكل هذا معلوم من أصول هذه الحياة ، ومجرياتها المتعارفة ، ولاسيما في مجتمعاتنا الإسلامية الحاضرة . .